مقدمة
على الرغم من أن المسؤولية الاجتماعية تمّس المؤسسات الاقتصادية أكثر ممّا تمس المؤسسات العامة باعتبار أنها ترتبط بالاستثمار الأخلاقي والمساهمة في التنمية التي تخدم المجتمع والبيئة؛ الاّ أن المؤسسات التعليمية والتربوية اصبحت تهتم بالمسؤولية الاجتماعية وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً الى حد ضمها الى البرامج التكوينية لبعض المؤسسات التعليمية في دول عربية شقيقة مثل الأردن والسعودية وغيرها، وتكمن أهمية المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات التعليم العالي عموما وللمؤسسات والمجتمع في « تحسين الخدمات التي تقدّم للمجتمع، وخلق فرص عمل حقيقية، والمشاركة في إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية »1 (العنزي ويوسف،2015. ص 83) وتتمثل أهمية المسؤولية الاجتماعية للجامعات كما جاءت في دراسة2 (نافع، 2016، ص ص 5-43) فيما يأتي :
-
تحسين صورة الجامعة في المجتمع.
-
تحسين بيئة العمل داخل الجامعة مما ينعكس إيجاباً على زيادة منتسبي الجامعة اليها.
-
تقييم أفضل أدوار الجامعة وفق المعايير المبينة.
-
تحسين نوعية الحياة المجتمعية داخل اسوار الجامعة.
-
ضرورة اجتماعية واقتصادية وأدبية.
-
تحقيق الجامعة لدورها الاجتماعي.
وذلك لأن
«المؤسسات التعليمية بشكل عام ومؤسسات التعليم العالي بشكل خاص تتولى تدريب الطلبة على مساحات جديدة من تحمل المسؤولية الاجتماعية بحيث تفرض عليهم عناصر جديدة توجههم للقيام بواجباتهم تجاه المجتمع»3 (عبد السلام وفتحي، 2020، ص 62-72)
ومنهم طلبة المدارس العليا للأساتذة المقبلين على تسلم مشعل التربية والتعليم.
يدعونا هذا الواقع كمختصين لطرح التساؤلات الأتية:
-
ماهي أبعاد المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن تندرج في المسار التكويني للطالب الأستاذ؟ وهل الاستراتيجية التكوينية والمناهج التعليمية المبرمجة في المسار التعليمي للطالب - تخصص تاريخ وجغرافيا- كافية لترسيخ قيمها لديه؟
-
وهل توجد هيئة رسمية بالمدرسة تعنى بترسيخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية لطلبتها لإعدادهم اعدادا سليما يتوافق ومتطلبات مهنة التعليم؟
1.أبعاد المسؤولية الاجتماعية في العملية التكوينية للطالب- الأستاذ
إن مهنة التعليم ليست بالمهنة البسيطة؛ فهي تتطلب مستوى عالي من التكوين المهني توّفره مقاييس التكوين المعرفي والبيداغوجي من جهة، والتحلي بالعديد من الصفات الإنسانية والأخلاقية والمهنية والمسؤولية والادراك الفكري والوعي بمتطلبات المهنة من جهة أخرى، يعود مصدرها الى عدة عوامل وأطراف منها الإدارة وهيئة التدريس والأيام التكوينية والتدريب الميداني.
ولتحقيق تلك الأهداف يجب مراعاة أبعاد المسؤولية الاجتماعية والعمل على تجسيدها وترسيخها في سلوك الطالب الأستاذ حتى تصبح جزء ودعامة أساسية في ممارساته وهويته المهنية، وبذلك نضمن أنه سيقوم بواجبه اتجاه المجتمع والمدرسة والتلميذ بكل اتقان وضمير.
ولا يمكن الخوض في الموضوع الاّ بعد التعرض لمفهوم مصطلح المسؤولية الاجتماعية نظرا لكونه حديث النشأة نسبيا خاصة في قطاع التعليم العالي الجزائري، وسنوجز التطور التاريخي لظهوره فيما يأتي:
« يعتبر مفهوم المسؤولية المجتمعية مفهوم حديث يعود الى سنة2008 وانتشر في العديد من الجامعات والمؤسسات التعليمية في العالم، وفي سنة 2009 تم عقد المؤتمر الدولي الأول حول المسؤولية الاجتماعية في تايلاند تناول فيه شرح وإيضاح هذا المفهوم »4 (وسيلة زروالي، 2021، ص 237)؛
حيث أن المسؤولية الاجتماعية تعالج مواضيع أساسية وتعزز الاستدامة في المنظمات وهي:
«الإدارات التنظيمية، وحقوق الإنسان، وممارسات العمل، والبيئة، وممارسات التشغيل العادلة، وقضايا المستهلك وإشراك المجتمع وتطوره. ولها سبعة مبادئ رئيسية تتمثل في : المساءلة، والشفافية، والسلوك الأخلاقي، واحترام مصالح أصحاب المصلحة، واحترام سيادة القانون، واحترام قواعد السلوك الدولية واحترام حقوق الإنسان »5 (حسين خليل، 2019، ص 160.)
ويشير كل من (Keith Davis et William Fredderick) إلى أن المسؤولية الاجتماعية تتمثل في تحقيق التوازن بين الأهداف الاجتماعية والأهداف الاقتصادية، وذلك من خلال مواجهة التحديات الاجتماعية المختلفة (وهيبة، 2014،ص 70)؛ حيث تعرّف المسؤولية المجتمعية للجامعات :
«باعتبارها سياسة ذات إطار أخلاقي لأداء مجتمع الجامعة من :(طلبة وطاقم تدريس وإداريين وموظفين) مسؤولياتهم تجاه الآثار التعليمية والمعرفية والبيئية التي تنتهجها الجامعة في حوار تفاعلي مع المجتمع لتعزيز تنمية إنسانية»6 (فاطمة الزهراء.2017)
وعرّفت أيضا بأنّها:
«ربط موارد ومعارف الجامعة بقطاعات المجتمع العامة والخاصة لإثراء البحث العلمي والأنشطة الإبداعية، وتعزيز المناهج الدراسية والتعليم وإعداد أعضاء هيئة التدريس وتنمية المواطنين من خلال تعزيز القيم الديمقراطية والمسؤولية الاجتماعية ومعالجة القضايا المجتمعية، وذلك لتحقيق الصالح العام في المجتمع»7 (عادل، 2020، ص233).
وأيضا على أنها
«التزام مستمر من الجامعات بتطوير وتحسين المستوى التعليمي والثقافي والاقتصادي والبيئي لأفراد المجتمع، من خلال توفير الخدمات المتنوعة وليس مجرد برامج وأنشطة منقطعة، بل لا بد من أن تكون من أولويات العمل الجماعي»8 (وسيلة،2021، ص.163)
وممّا تقدّم نلاحظ أن المسؤولية الاجتماعية في تكوين طلبة الجامعات عموما لها نفس الأهداف مهما اختلفت التخصصات وأنواع الكليات أو المدارس العليا ومدارس تكوين الأساتذة.
والمؤّكد أن المسؤولية الاجتماعية للطالب الأستاذ هي ذات ابعاد متنوعة منها ما نلتزم بترسيخه عند الطالب وهو طالب بالمدرسة، ومنها ما نلتزم ونعمل على ترسيخه إياه كزاد معرفي يحتاجه مستقبلا أثناء أدائه لمهنته. كونه يتحمل نفس أبعاد المسؤولية الاجتماعية كما وردت في المعجم الفلسفي وهي:
« مسؤولية مدنية، ومسؤولية جنائية، ومسؤولية أخلاقية :
-المسؤولية المدنية : وهي التي توجب على الفاعل الذي سبب لغيره ضررا أن یعوّضه عنه، سواء سبب ذلك الضرر بإرادته أم بإهماله أو بتهوره، ومن لواحق هذه المسؤولة أن یكون المرء مسؤولا عن فعل غیره من الأفراد الموضوعون تحت إشرافه، ومثال ذلك : مسؤولية الوالد عن أولاده الصغار، ومسؤولية الأستاذ عن تلاميذه.
المسؤولية الجنائية: وهي التي تقع على شخص ارتكب مخالفة أو جنحة أو جرم، ولهذه المسؤولية علاقة وثيقة بالمسؤولية الأخلاقية، لأنه لا يمكن معاقبة إنسان على ذنب ارتكبه إلا إذا كان فعله مصحوبا بوعي، وكثيرا ما تكون بين المسؤولية المدنية والمسؤولة الجنائية اقتران.
. المسؤولية الأخلاقية: وهي المسؤولة الناشئة عن إلزامية القانون الأخلاقي، وعن كون الفاعل ذا إرادة حرة، ومعنى ذلك أن الفاعل الذي تكون أفعاله ضرورية»9 (كمال وسفيان،2018، ص ص 82-100)
وكلّها أبعاد ضرورية لا محالة ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار في المسار التكويني للطالب الأستاذ.
2. الاستراتيجية التكوينية المتبّعة في تكوين الطالب - الأستاذ وعلاقتها بقيم المسؤولية الاجتماعية
بالعودة لسياسة التكوين بالمدرسة العليا للأساتذة، والقاء الضوء على البرامج التكوينية بها نجدها مصنّفة كما يأتي :
1.2. محتوى معرفي
تخص مواد التخصص، رغم أنها ليست لها علاقة بما سيدّرسه الطالب، في حين يتفق الكثير من الخبراء أمثال Yves Reuter, وJean-Louis Martinau حول هذه النقطة ويرى كل منهما أن:
«التفكير في التكوين المهني يجب أن يترجم أساسا من خلال التفكير في برامج التكوين التي ينبغي أن تكون ذات مرجعيات- وهي المواد التعليمية- ما دامت تلك المواد تمثّل مواضيع التعليم والتعلم. فمفهوم برامج التكوين ليس بالأمر البسيط لأنها تحتوي على المعرفة، معرفة الأداء، القيم والمبادئ وكل ما يتعلق باستحداث المواد وبذلك لا يمكن تجاهل الترابط بين المحتوى وطرق تدريسه» (Reuter,Y., et Martinaud J-L,. 2007.p10 108. )
اذ تركز عملية تكوين الطلبة على مستوى المدرسة العليا للأساتذة عموما على الجانب المعرفي الأكاديمي. ويتعلق بتلقين المعارف والمعلومات المتعلقة بمادة التدريس أو التخصّص والمواد التي تخدمه.
2.2. محتوى بيداغوجي
بمعدل مقياس بيداغوجي واحد في كل سنة من مسار الطالب. وهذه المقاييس هي :
مقياس مدخل الى علوم التربية محاضرة واحدة في الأسبوع مقررة على طلبة السنوات الأولى.
-
مقياس علم النفس النمو للطفل والمراهق: بمعدل محاضرة واحدة في الأسبوع مقررة على طلبة السنة الثانية.
-
مقياس علم النفس التربوي: بمعدل محاضرة واحدة في الأسبوع مقررة لطلبة السنة الثالثة
-
مقياس المناهج التعليمية والتقويم التربوي: محاضرة واحدة في الأسبوع لطلبة سنوات التخرج. وهي مقاييس دون حصص تطبيقية عكس ما هو معمول به في التخصصات الأخرى بحجة ان طلبة تخصص التاريخ والجغرافيا لديهم تخصصان هما التاريخ والجغرافيا وإلغاء الحصص التطبيقية لتخفيف الحجم الساعي كان على حساب المقاييس البيداغوجية.
-
التدريب الميداني: وهو تكوين تطبيقي مدته 16 أسبوعا، يتم في السنة النهائية؛ بمعنى سنة التخرج، ويعتبر أول اتصال للطالب بالعالم المهني. ويعتبر فرصة تمكّن الطالب من وضع معارفه النظرية حيز التطبيق، وتهيئته للتكفل بقسم حقيقي والاندماج التدريجي في عالم الشغل من خلال الاحتكاك المباشر بكل عناصر العملية التعليمية. وينقسم التدريب الميداني إلى ثلاث مراحل هي : تدريب الملاحظة، التدريب المدمج، والتدريب المغلق.
-
مقياس التشريع المدرسي: وهو مقياس يتناول فيه الطالب الأستاذ مختلف القوانين الخاصة بحقوق الأستاذ وواجباته.
فهل تتوفر تلك المقاييس بمحتواها المعرفي على إمكانية تعزيز المسؤولية الاجتماعية عند الطالب الأستاذ؟ وهل الاستراتيجية التكوينية المتبعة تعمل على ترسيخ أبعاد تلك المسؤولية في الممارسات المهنية المستقبلية للطالب الأستاذ؟
من خلال القيام بتحليل وصفي لاستراتيجية التكوين على مستوى المدارس العليا للأساتذة عموما، ومحتوى برامج التكوين خصوصا، كمختصين في العلوم التربوية والبيداغوجيا، وأيضا كمختصين في تكوين الطلبة الأساتذة منذ سنة 2002 الى يومنا في مختلف التخصصات والأطوار. توصلنا الى النتائج الاتية والتي سنعرضها على شكل موازنة بين الواقع وما يفترض أن تكون عليه عملية التكوين:
جدول يوضح الفرق بين متطلبات التكوين في المسؤولية الاجتماعية لطلبة المدارس العليا للأساتذة عموما بين الواقع والمفروض أن يكون.
ما يفترض ان يكون |
الواقع |
أولا: على مستوى استراتيجية التكوين عموما |
|
يلتحق بالمدارس العليا للأساتذة خريجو الجامعات المتحصلين على شهادات في التخصصات المطلوبة، وتضمن لهم المدارس تكوينا في البيداغوجيا والتعليمة وعلم النفس. على غرار ما هو معمول به في المدارس العليا للأساتذة على المستوى العالمي. |
يلتحق بالمدارس العليا للأساتذة الطلبة المتحصلين على شهادات بكالوريا جديدة بمعدلات ترتفع سنويا لكثرة الطلب بسبب عقود التوظيف المباشر بعد التخرج. |
مستوى كفاءة المتكونين مرتفع كونهم مكونين معرفيا ويتعمقون في التكوين البيداغوجي المتخصص. |
مستوى الكفاءة منخفض كون الطالب يعطي أهمية للتكوين المعرفي على حساب التكوين البيداغوجي، لضمان النجاح والانتقال لأن المواد المعرفية أو مواد التخصص هي الغالبة، بل تعتبر المواد البيداغوجية موادا ثانوية في تكوينه. |
تعزيز المسؤولية الاجتماعية من خلال ابرام شراكة بين القطاع المكوّن والقطاع المستخدم. |
تكوّن المدارس العليا للأساتذة أساتذة لفائدة قطاع التربية والتعليم لكن الشراكة الوحيدة الموجودة بين القطاعين هي تخصيص مؤسسات تربوية لفائدة الطلبة في نهاية سنوات تخرجهم لإجراء تدريب ميداني لمدة شهرين. في حين ان الهدف من مبدأ الشراكة هو تعزيز المسؤولية الاجتماعية وترسيخ الهوية المهنية عند الطلبة. |
تعتبر هيئة التدريس عنصر مهم وداعم في تكوين ومرافقة الطالب الأستاذ وتعزيز المسؤولية الاجتماعية في ممارساته المهنية. |
هيئة التدريس بالمدارس العليا للأساتذة لها نفس مكانة الأستاذ الباحث بالجامعات ولا تجمعها أي شراكة بمجال تخصص الطالب الأستاذ، فهي هيئة تدريسية وليست تكوينية، مما يجعل مجال الاستعانة ببعض المفتشين من التربية والتعليم متاح. لكن قلة مقاييس التكوين البيداغوجي يضعف من مستوى تأثيرهم على جودة التكوين. |
تدعيم تكوين الطالب الأستاذ بأيام تكوينية وتربصات ميدانية |
للمدارس العليا أنشطة في مجال الأيام التكوينية لكنها نادرة ولا تخص بالضرورة اهتمامات الطالب بقدر ما تدور حول تخصصات الأساتذة. |
المرافقة البيداغوجية للطالب عنصر مهم في تكوينه |
يستفيد طالب المدرسة العليا من تأطير المذكرة والتربص الميداني. عكس طالب نظام ل م د. |
إقامة شراكات مع المدارس بمختلف أطوارها، حتى يصبح التعليم من اجل المواطنة النشطة والفعالة جزءا رئيسياً لا يتجزأ من العملية التعليمية على جميع مستويات المجتمع، وخلال مراحل الحياة المختلفة. |
الشراكة الوحيدة بين القطاعين تبدأ مع التدريبات الميدانية للطلبة وتنتهي مع انتهائها. |
استراتيجية التدريب الميداني قائمة على مقاربات حديثة أهمها تحليل الممارسات المهنية للمتدريبين. |
الاستراتيجية المطبقة قائمة على إعادة انتاج ما يلاحظه الطالب من ممارسات تخص الأستاذ المطبق في المؤسسة التي يجري بها تدريبه. |
خلق أطر مؤسسية لتشجيع ومكافأة وتقدير الممارسات الجيدة في مجال الخدمة الاجتماعية من جانب الطلاب، وهيئة التدريس، والعاملين وشركائهم في المجتمع. |
غياب هيئة مسؤولة عن مثل هذه الأنشطة ذات الطابع الاجتماعي. |
توثيق ونشر امثلة للعمل الجامعي الناجح الذي تستفيد منه المجتمعات وترتقي به حياة افرادها. |
توفر بعض المدارس على أندية للطلبة تنشط في المجال العلمي والرياضي والبيئي والفني، وتوقفت عن النشاط في السنتين الأخيرتين بسبب جائحة الكوفيد. |
ضرورة الانخراط في البرامج العالمية والشبكات الدولية المهتمة بالتربية على المواطنة والخدمة الاجتماعية والمدنية. |
غياب الهيئة الرسمية التي تجسد هذا النوع من المشاريع. |
ثانيا : على مستوى البرامج: |
|
تنطلق عملية التكوين في أي مجال أو تخصص من عملية تحديد الاحتياجات لجمهور المتكونين. وتبنى البرامج التكوينية كاستجابة لتلك الاحتياجات. |
التكوين على مستوى المدارس العليا للأساتذة يتم ببرامج تدريسية وليست تكوينية مقررة من الوصايا. |
تحين برامج التكوين كل خمس سنوات على أكثر تقدير استجابة للمتغيرات على المستوى الدولي او المحلي. |
البرامج لم تحيّن منذ سنة 2008. ومن خلال التطور التاريخي لظهور المصطلح نستنتج أنه غير وارد اطلاقا في برامج تكوين الطلبة الأساتذة. |
يخضع التكوين في مجال التعليم الى متطلبات مختلفة أهمها : التخطيط التربوي، والإدارة الصفية، التشريع المدرسي، المناهج التعليمية، بناء الاختبارات وعلم التباري، بناء البرامج، اخلاقيات المهنة، علم النفس التربوي، علم النفس العصبي، تعليمية المادة، الاعلام والاتصال...وغيرها من المحتويات التي تعزّز من خلالها أبعاد المسؤولية الاجتماعية. |
يتكون طالب المدرسة في المجال البيداغوجي بمعدل ضعيف جدا، اذ برمج في تكوينه مقياس بيداغوجي واحد في كل سنة من مساره الدراسي. ما مجموعه أربعة مقاييس في المسار الكلي للطالب كما ذكر سابقا. والنتيجة أن الطالب لا يتوّفر على فرص كافية للاستفادة من التكوين في مجال المسؤولية الاجتماعية. |
تقوم المقاربات التدريسية على التكوين من خلال الورشات والأيام الدراسية وتحليل الممارسات والمسرح وغيرها مما انتجته العلوم الحديثة في مجال التعليم والتعلم... |
يغلب على التكوين بالمدارس العليا الجانب التلقيني وتطبيق الإجراءات التقليدية في التقييم. |
المصدر: اعداد كاتب المقال.
من خلال هذه الموازنة يمكن أن نجمل القول في أن واقع التكوين على مستوى المدارس العليا للأساتذة غير مرضي، ولم يصل بعد الى المستوى الذي تطمح اليه جميع الأطراف من مسؤولين وأساتذة وطلبة كتكوين أولي لأستاذ المدرسة الجزائرية. وهذا حسب نتائج التقرير النهائي لليوم الدراسي حول اصلاح برامج التكوين للمقاييس البيداغوجية بالمدرسة العليا للأساتذة، قسنطينة المنعقد بتاريخ 11 افريل 200811 . وأن وجود مصطلح المسؤولية الاجتماعية في مسار تكوينه ليس له أي بوادر أو ملمح على الأقل في الوقت الحالي، الاّ من خلال ما يسمى بالمنهج الخفي والمتمثل في ممارسات هيئة التدريس.
فالطالب الأستاذ يستمد القيم الاجتماعية التي تساعده على التكون في مجال المسؤولية الاجتماعية من شخصيات أساتذته وما يمررونه له من خلال مختلف ممارساتهم.
وللإجابة عن التساؤل الأخير؛ نقول أنه رسميا لا توجد استراتيجيات ولا طرق ولا هيئات تهتم بالتكوين في مفهوم المسؤولية الاجتماعية، لكن هذا لا يعني أن طالب المدرسة لا يملك أية معرفة أو تكوين أو ممارسة، أو ثقافة حول قيم تلك المسؤولية الاجتماعية. فالهيئة التدريسية تدرك وتعي حجم ما ينتظر الطالب من مسؤوليات اتجاه مجتمعه وتلاميذه ومهنته وغالبا ما تتم معالجة تلك الجوانب من خلال جلسات العمل مع الطلبة أثناء الاشراف على المذكرة والتدريب. فالتدريب الميداني يوفر للطلبة مرافقة بيداغوجية نوعية يجب استغلالها في ترسيخ مختلف قيم المسؤولية الاجتماعية والصفات المعنوية؛ فالمختصون يؤكدون على أن تتمتع المرافقة البيداغوجية للمكونين بحس التفكيرle sens de la réflexion حول ما يقومون به لاكتساب المهنة. حيث ترى المختصة «مارغريت ألتيه» Marguerite Altet في هذا الصدد أنه:
« أثناء عملية التدريب المهني للمعلمين لا يجب على المكوّنين أن يقدّموا التعليمات والارشادات والمعارف بطريقة تجعل دور المتدرب سلبي ويقتصر على تلقي تلك التعليمات دون أن تتاح له الفرصة في التفكير أو فهم ما هو منتظر منه، فالممارسات المهنية تقول المختصة، لا تلقّن وإنمّا تكتسب من خلال الواقع، ويكمن دور الأستاذ كمرافق بيداغوجي في مناقشة تلك المواقف وترك المجال للمتدرب حتى يناقشها ويتعلم منها وبذلك يسطّر طريقه في مساره المهني من خلال تحليل ممارسته المهنية الشخصية » .12 (Altet,M,. 2013. p 45)
الخاتمة
إن مهنة التعليم قائمة على التفاعل المشترك بين الأستاذ والطالب في كافة المجالات. يبقى فقط أن نجعل تلك الممارسات رسمية ومقننة وذات طابع علمي حتى يلتزم بها الجميع وتصبح قابلة للملاحظة والقياس والتقييم.
فمهنة التدريس تحتاج إلى تكوين متخصص وليس كل من درس بالجامعة وحصل على شهادة جامعية مؤهلا ليكون معلما، كما أن عملية التكوين تلك تحتاج إلى استراتيجيات يعمل على وضعها متخصصون من أساتذة الجامعة، كما هو الحال في باقي دول العالم تكوينا ينطلق من الأخذ بعين الاعتبار لعدة اشكاليات يطرحها هؤلاء المختصون، منهم (Meirieu,Ph .,13 1995. P 21) الذي يرى بأن :
« التعليم هو الآن مهنة جديدة مقارنة بما كان عليه سابقا، إذ يتطلب تغييرا جذريا وتحوّلا مهنيا تام في طرق التكفل بالقسم، تقديم المعرفة والمساعدة على اكتسابها. والأكيد أن هذا يتطلب وقتا طويلا، على الأقل الوقت الذي يكفي لتحديد المتطلبات الجديدة التي فرضت نفسها علينا. ورغم معاناة التربية الوطنية من ثقل عدة أمور، إلاّ أنه يمكننا أن نأمل، نأمل لأن هناك من المختصين البيداغوجيين المهتمين بتلك القضايا ويعملون على ايجاد الحلول»
وحتى تستجيب عملية تكوين المعلمين والأساتذة الى تحقيق المتطلبات الجديدة التي تفرضها التطورات في مجالات العلوم كما فرضت تبني المسؤولية الاجتماعية في تكوينهم يجب ان تتبنى استراتيجيات التكوين توجهات حديثة جدا.
التوصيات
بما أن أهداف التكوين في مجال المسؤولية الاجتماعية له أهداف مشتركة بين جميع مؤسسات التعليم العالي فيمكن أن نضع التوصيات الأتية من أجل تعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية في جميع المؤسسات بما فيها المدارس العليا للأساتذة :
-
تعزيز ربط التعليم الجامعي باحتياجات المجتمع التعليمية والثقافية والمهنية والتنموية وربط التعليم الجامعي بواقع المجتمع وقضاياه.
-
العمل على انشاء إدارة مستقلة داخل مؤسسات التعليم العالي تعني بالمسؤولية الاجتماعية.
-
العمل على وضع خطة استراتيجية تتعلق بتنمية المسئولية الاجتماعية تنفذ سنوياً خلال العام الدراسي.
-
العمل على ربط التخصصات السنوية للجامعات بما تقوم به من مسؤولية اجتماعية.
-
ربط تقييم أعضاء هيئة التدريس بمقدار ما يقدّمه من مساهمات تخدم المجتمع وتقديم حوافز لهم.
-
اجراء دراسات مستقبلية حول أساليب تفعيل دور مؤسسات التعليم العالي في المسؤولية الاجتماعية.
-
ـ اجراء دراسات مستقبلية حول المعوّقات التي تحّد من دور مؤسسات التعليم العالي في المسؤولية الاجتماعية.
-
توسيع نطاق برامج المشاركة المدنية والمسؤولية الاجتماعية بطريقة أخلاقية، من خلال التدريس والبحث العلمي والخدمة العامة.