المقدمة
إن الحديث عن اللغة الإدارية لغة متخصصة يطرح العديد من القضايا التي تسهم في التعرف على خصائصها، ذلك إن المفردات والمصطلحات المستعملة اللغوية والاصطلاحية نصوصها هي التي تجعلها لغات متخصصة، وتضفي عليها طابعها المـحدد وصبغتها المتميزة.
ومن هذا المنطلق فهي جزء مهم من تركيبتها التي تؤثر بطريقة أو بأخرى في جعل النظام اللغوي الإداري نظاماً متخصصا ومصطلحاته وظيفية لها دور في بناء النصوص الإدارية فما هو هذا الدور الذي تقوم به هذه المصطلحات في النصوص الإدارية المكتوبة ضمن استعمالاتها في الوثائق الإدارية المتنوعة؟
1. علاقة اللغة الإدارية بالنص الإداري
للتعرف على علاقة اللغة الإدارية بالنص الإداري لابد لنا من الإشارة إلى طبيعة اللغة الإدارية المكتوبة وخصائصها ثم التطرق للنص الإداري وخصائصه:
بالنسبة للغة الإدارية المكتوبة تعرف بالتحرير الإداري لاعتمادها على الكتابة، «فالوثائق الإدارية أوراق رسمية وأن الكتابة هي أقوى الأدلة في الإثبات»1ذلك لاعتمادها على أسلوب علمي لتكون تلك الوثيقة الحاملة للنص الإداري مفهومة وواضحة مـحققة لهدفها اللغوي والتواصلي.
-
وتتضمن اللغة الإدارية المكتوبة مصطلحات إدارية تقوم بوظائف لغوية واصطلاحية داخل النصوص الـمتخصصة في جميع المستويات، يتم استخدامها في تراكيب محكمة حسب مقتضيات الحال.
-
وتتميز اللغة الإدارية بخصائص معينة هي « ’الترسانة العامة من الـمصطلحات والأساليب والتعابير والصيغ التي يستعملها ميدان بعينه وتكون سـمة من سـماته ورمزا لـميدانه »2 أي عندما تكتب كلمة منها يتحدد مباشرة ذلك الـمـجال أي مـجال الإدارة بالنسبة للمصطلحات الإداريـــة.
-
ويتميز الأسلوب الإداري باختلافه عن الأسلوب الأدبي الذي يميل إلى الفنية، بينما يميل الأسلوب الإداري إلى الواقعية والمنطقية اعتمادا على مبدأ الموضوعية واستنادا إلى مبدإ المسؤولية والحــذر من خلال استخدامه لصيغ عديدة، غالبا ما تكون نـماذج قرارات أو محاضر تنصيب أو وثائق أخرى مهيأة لملئها وقت الحاجة3ويتنوع الأسلوب الإداري بين الخبر والإنشاء حسب الـمقام، ذلك أنه عادة ما تستهلّ النصوص الإدارية بالإخبار ثم يطرح النص للإنشاء عن طريق أوامر طلبية أو إعطاء تعليمات أو «التماسات»4 .
1.1. الأسلوب الخبري
تستعمل اللغة الإدارية الأسلوب الخبري في عدة مواطن كالتقديم للمراسلات الإدارية على النحو الآتي:
تبعا لمراسلتكم رقم................................................
ويستعمل أيضا بصفة ثابتة في التأسيس ويرد عادة في ديباجة القرار الإداري على شكل نقاط إلى السطر:
بمقتضى الأمر رقم...............................................
بمقتضى المرسوم الرئاسي رقم...............................
بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم .............................
وهناك من يطلق على هذه الباقة مصطلح «جملة المقتضيات»5 التي نجدها في كل القرارات دون استثناء وهي بمثابة السندات الرسمية التي تعتمدها الإدارة في تسبيب القـــرار إذ بدونها لا يأخذ الصبغة القانونية الشكلية والموضوعية اللازمة لإصداره، لكي يعتد به وإلا أصبح عرضة للبطلان والإلغاء ويكون تنفيذ حيثياته الواردة في بنوده على شكل مواد منظمة على النـحو الآتي:
-
المادة الأولى : يعين السيد فلان.
-
المادة الثانية : يتقاضى المعني أجره من تاريخ تنصيبه .
ويستعمل الأسلوب الخبري دائما صيغة البناء للمجهول للدلالة على إشراف الإدارة على كل أعماله فصيغة من قبيل:
تُرسَل الأعمال إلى .......... أي تُرسِل الإدارة الأعمال ....... ذلك أنها تمثل المؤسسة لا الأشخاص وهي صيغة البناء للمجهول التي تستعمل أحيانا في اللغات المتخصصة حيث يرى كل من « شارلين سورنسون » و« طونيا جونسون » أن هذه الصيغة تستعمل في كل من
« الحقل العلمي : البيولوجيا، الفيزياء، الرياضيات، الحاسوب.
الحقل الطبي : الوصفات والتقارير الطبية.
الحقل القانوني : في سجلات العملاء والإجراءات »6
حيث إن ذكر المحاضر والاستئنافات يعبر عن وثائق إدارية مـحضة والمقصود بذلك اللغة الإدارية أيضا.
ذلك وتستعمل صيغة الضمير الجماعي نحن مدير الهيئة قمنا نحن ... وذلك للتعبير على أن المحرر الكتابي أو الموظف يتكلم بالنيابة عن مدير الهيئة وباسم الهيئة في حد ذاتها وليس بصفة شخصية.
2.1. الأسلوب الإنشائي
تستعمل اللغة الإدارية الأسلوب الإنشائي بصفة غالبة، وهو ما يتناسب مع الجمل التركيبية من طلب إجراء تحقيق أو طلب تقديم تقرير توضيحي على النحو الآتي : (أطلب منكم إجراء تحقيق بهذه المؤسسة، وموافاتنا بتقرير مفصل.)
وبما أن الأعمال الإداريــــــة ذات حركية وهي أعمال مستجدة متطورة فإن اللغة الإدارية تتأثر بهذه الصفة بقدر ما تتحرك الأعمال منشئة لمراكز قانونية ملغية لمراكز أخرى ومنشئة لحقوق وملغية لأخرى.
تعبّر اللغة عن هذه الأوضاع من إنشاء وإلغاء خاصة في المراسلات الإدارية التي تنظم الحياة الإدارية اليومية عن طريق التنسيق بين المصالح المختلفة أو الهيئات المختلفة المسيرة لأحوال الناس والمجتمع، كتنظيم مسابقات التوظيف ومنح الرخص والتكفل بقضايا وشكاوى المواطنين والعمل على حماية حقوقهم.
والأسلوب الإداري أسلوب محكم يعتمد الإخبار والإسناد عندما يتعلق الأمر بإصدار قرار ويعتمد الإنشاء عند القيام بالإجراءات الإدارية المختلفة.
وعليه فنوع الأسلوب من حيث الخبر والإنشاء إنما يختلف حسب نوع الوثيقة الإدارية المحررة، إذ يحتاج المتلقي تارة إلى سماع الخبر وفحوى القرار بصفة مقنعة نهائية، ويحتاج تارة أخرى إلى جعل المتلقي يستقبل الأوامر والطلبات لتنفيذها بكل لباقة إدارية من رئيس أو سلطة موازية باعتبار أنه لكل مقام مقال.
أما بالنسبة للنص الإداري: فإذا كان إن أصـــل كلمة نص (text) مأخوذة من الحياكة والنسيج حيث ورد في معجم القاموس Text))7 : النص، المتن وكلمة Texture)) بمعنى الحياكة، والنسيج، وأيضــــا وردت (Texture) بمعنى متجانسة ( Homogène )
فالنص في اللغات الأجنبية إذا ارتبط أساسا بمفهوم النسيج «الذي من خصائصه التماسك والتلاحــم»8 فلا يمكن الحديث عن وجود نص إلا إذا ترابطت جميع الوحدات اللغوية محققة ما يسمى بالاتساق من حيث الشكل والانسجام من حيث المضمون.
والنص الإداري من النصوص الـمتخصصة بالتأكيد، يرد ضمن أشكال مـختلفة من الوثائق الإداريــــــة وهو نص مضبوط وفق معالم إدارية مـحددة ومعلومة لدى أهل التخصص من بساطة لغوية ودقة علمية وضبط مـحكم، وهو ما لا نجده في نصوص اللغة الـمشتركة، على حد قول ماك هاليداي ورقية حسن:
« إأن النصوص الـمتخصصة تتميز بالدقة والإحكام والموضوعية والاختصار وهو ما لا نجده في نصوص اللغة الـمشتركة. »9
ولأن النص الإداري ينتمي لـمـجال الإدارة التي تـحمل هي الأخرى مهام تنظيمية كالتخطيط والتنظيم والتوجيه والتنسيق والمراقبة، ما جعله نصا متخصصا مدعما بنمطية تنظيمية عالية، ولها أهمية كبيرة في الإثبات كالقرارات الإدارية ومحاضر الإثبات والعقود وغيرها. وهي الوثائق الإدارية الحاملة لتلك النصوص وفق شروط شكلية وموضوعية معينـة.
يحتوي النص الإداري على تشكيلة لغويـة مضبوطة بأسس لغوية علمية وتقنية تسمى اللغة الإدارية تعطي النص الإداري صفة التخصص، وتعرف اللغة الإدارية بأسلوبها السهل الممتنع لذلك فالعلاقة بينهما هي علاقة تلاحم وتكامل، فإذا كان النص في اللغة العامة يعبر عن الاتساق والانسجام اللغويينـ فإنه في النص الإداري المتخصص يعبّر عن الاتساق والانسجام المصطلحيين الإداريين، اللذين يجعلان اللغة داخل النصوص الإدارية مترابطة في شكلها ودلالتها.
حيث يعد النص الإداري الـمكتوب القالب الذي يحمل اللغة الإدارية وطابعها إذ تختم عملية التحرير بالإمضاء، فيتحول النص من مـجرد كتابة إلى وثيقة محكمة واجبة التنفيذ، لها أثر في مواجهة الأفراد والقانــــــون.
2. توظيف المصطلح الإداري في اللغة الإدارية
ينتمي الـمصطلح الإداري إلى الـمصطلحات القانونية «التي تتعلق بالقانون الإداري المنظم للمرافق العامة التي تقوم بها الدولة بنفسها أو بواسطة الهيئات العامة، والسهر على حسن سيرها وتنظيم العلاقات بينها وبين الأفراد»10 لأن الإدارة تنظمها قوانين لا تسير إلا وفق مبادئها وتعليماتـها، لذلك فهو يـملك القوة القانونية الحازمة التي تعطيه دلالة مهمة في التنفيذ، ولذلك فإنّ الأعمال الإدارية لا تحتمل لتماطل فغالبا ما ترتبط بالإجراءات والآجال ـ والتي تعرض معطلها للعقاب.
وفي نفس الوقت تتسم المصطلحات الإدارية بالبساطة في التكوين ودقة في الاختيار مـما لا يعطي مـجالا للتأويــل فهي تحمل مصالح الناس وأملاكهم وحقوقهم الـمعبر عنها بمفردات هي من صميم اللغة لكنها تنتمي لـمـجال الإدارة التي أنشأها القانون لحماية تلك المصالح، فهي إذن الـمصطلحات الإدارية التي لا يستعملهـــــــا إلا أهل التخصص مـمن كونـــــوا في مـجالـها واكتسبوا الخبرة الطويلة لفهم الآليات الإدارية الـمستخدمة في توظيف الاستعمالات الاصطلاحية المكونة للنصوص الإدارية الـمختلفة.
حيث تقول الدكتورة ربيعة العربية في هذا الصــدد: « فالـمكون النصي يـخول ترتيب متواليات النصوص ووضعهــا في سلّمية مـحددة »11، أي وضع الهيكل التنظيمي العام الذي تبنى عليه المصطلحات والعبارات داخل النصوص وبناء على وضعية السياق. وللمصطلح الإداري أهمية في النصوص الإدارية.
1.2. في المستوى المعجمي
لا شك أن اللفظ الخاص بالـمفهوم وما يعبر عنه هو أساس التسمية وما يـجعله مصطلحا له دور في ضبط العلاقات بينه وبين الـمصطلحات الأخرى داخل النص هو استعماله في مجال التخصص واتصافه بالاتساق في المصطلح والانسجام في المفهوم. وله أهمية أيضا في:
-
ضبط المصطلحات :استعمال الـمصطلحات داخل النصوص لا يكون عشوائيا بل حسب وظائفها المتعددة إذ أن مصطلح قرار ومصطلح مقرر متمايزان في اللغة الإدارية لأن الأول يعبر عن رأي الهيئة في إصداره وصلاحيتها في الأمر بتنفيذه بينما الثاني يتعلق بالإجراءات التابعة له في تنفيذه أو لإنـجاز وضعيات داخلية لنفــــــس الإدارة. لذلك تعتمد اللغة الإدارية دائما على التركيب لتحديد نوعية العملية الإدارية واختلافها عن مثيلاتها إذ لا نكاد نجد هذين المصطلحين مفردين معزولين، بل نجدهما دائما مركبين أو متعددين على نحو قرار تنظيم مسابقة، مقرر تعيين رئيس الـمركز، فخاصية التركيب من مميزات الخطاب الإداري ذلك أن اللغة الإدارية تتعلق بمجال الإدارة من أعمال وتطبيقات وخدمات أي أنها أعمال ملموسة لذلك فإن مصطلحاتها تختلف عن الاصطلاحات الطبية التي تعبر عن أشياء محسوسة لذلك فإن أغلب مصطلحاتها أسماء مفردة كأسماء الأمراض وأسماء الأدوية، وتتكرر مصطلحات إدارية دون غيرها في الوثائق الإدارية لاعتبارها نواة الخطاب الإداري ومكونا له كمصطلح الإجراءات والتنظيم والقانون الإداري.
-
إنشاء مصطلحات جديدة : يتيح الـمصطلح فرصة لتكوين مصطلحات أخرى عن طريق تفرعاته من نفس الشجرة وإنتاج مـجموعة لمصطلحات من نفس الفئة حيث يذهب كوكوريك إلى القول أن « هناك جانب آخر مرتبط بتشكيل المصطلحات وإنتاجها يتمثل في القدرة على تشكيل مصطلحات جديدة من نفس الجذر، وأن سهولة عملية التواصل تكمن في مدى إمكانية تركيب مصطلحات أخرى مثلا من الاسم، أسماء أخرى أو صفات، أو أفعال... وتسمى هذه العملية بانسجام المصطلحات (Homogénéité de la terminologie). »12 حيث إنه كلما تفرعت شجرة المصطلح الواحد إلى عدة مصطلحات متشابهة معبرة عن مفهوم من الواقع، استفادت عملية التواصل في النصوص المتخصصة، كما هو الحال في النموذج الآتي : مصطلحات : ( إدارة، إداريين، مكتب الإداريين، مدخل الإدارة، صلاحيات المدير).
2.2. المستوى التركيبي: وظيفة الجملة في اللغة الإداريـــة
إن الـمصطلح لا يرد مفردا فقط بل يمكن أن يكون عبارة مركبة على حد رأي الدكتور مـحمود فهمي حجازي : « فينبغي أن يكون لفظا أو تركيبا »13وبالتالي فالجمل الإدارية لاشك أنها تسهم في جعل النسق اللغوي الإداري متخصصا تحت إملاء سياقات معينة.
سندرس الجملة باعتبارها سندا اصطلاحيا إداريا آخر على غرار الـمصطلح الإداري، «ويحتم نظام الجملة العربية أو هندستها ترتيبا خاصا لو اختل أصبح من العسير أن يراد الفهم منها»14 وهذا النظام يرتبط بتوظيف الجملة ضمن قواعد تقنية ولغوية معينة.
حيث أن توظيف الجملة في اللغة الإدارية يأخذ أشكالا متنوعة حسب أغراضها سياقاتها فتتنوع بين جـمل بسيطة وأخرى مركبة بشتى أنواع التركيب.
1.2.2. الجملة البسيطة
تستخدم الجملة البسيطة بنوعيها الاسمية والفعلية عندما تكون الفكرة واضحة أو معتادة مما لا تحتاج إلى تفصيل ضمن مركب نحوي:
-
الجملة الفعلية : ويكثر استعمال الأفعال في الجملة الإدارية لـما للإدارة من صفة الحركية والانجاز فهي ترسّم وتحقق وتطلب على النحو الآتي :( يُرسم السيد : فلان في رتبة متصرف )، حيث جاءت هذه الجملة على شكل : فعل + نائب فاعل + جار ومجرور.
وهي جملة فعلية بسيطة لكنها مكتملة المعنى لا تحتاج إلى تفاصيل أو مركبات أخرى مما يضفي الملل أو الإطناب.
وردت على صيغ أخرى مثل : « تم تسوية الوضعية الإدارية ».وردت على الصيغة : فعل + فاعل + مضاف ومضاف إليه. وهي أيضا جملة فعلية بسيطة غير أنها مكتملة الدلالة تستغني عن تفاصيل أخرى، أفادت أن المقصود هي الإدارة التي تقوم بتسوية الوضعية. -
الجملة الاسمية : يتم استعمال الجملة الاسمية البسيطة في النصوص الإدارية عندما يكون المعنى واضحا مكتملا بتمام الجملة، مما سيغني عن التفصيل والشرح وإن كانت هناك تفاصيل عديدة في النص الواحد، فحفاظا على مبدأ وحدة الجملة، « إذا كانت التفاصيل مهمة يجب وضعها في جملة منفصلة وهذا يعني استخدام الجمل القصيرة، حيث أن التفاصيل الواسعة في الجملة الواحدة تقود إلى إخفاء الفكرة المركزية »15، وتكون الجملة البسيطة بإحدى الصيغ الآتيـــــة :
-
اسم + مضاف ومضاف إليه مثل :توقيع محضر التنصيب.
-
اسم + صفة مثل : العقـــد موقّعٌ.
-
جار ومجرور + اسم مثل : للمؤسسة متطلباتٌ
-
اسم + اسم + صفة، مثل : الرقابة أمرٌ حتميٌ
2.2.2. الجملة المركبة
قد تكون الجملة الـمركبة في الأسلوب الإداري مركبة فعلية أو اسمية مع العلم أن التركيب من سمات اللغة الإدارية فالمصطلحات هي أصلا مفردات تأتي بسيطة ومركبة حيث يستند إلى التركيب لتفريق عملية إدارية عن أخرى مما يحتاج إلى تركيب ثان وثالث. حتى يتضح المعنى وقد تكون المفردة المركبة متنوعة التركيب.
-
الجملة الفعلية المركبة : تستعمل الجملة الفعلية التركيب في صيغ عديدة ومواضع عدة كطلب فعل ما أو التأسف لعدم قبول ملف ما على النحو الآتي :
-
( يؤسفني أن أبلغكم بعدم قبول طلبكم) : حيث تتألف الجملة من الجملة الفعلية الأولى ( يؤسفنــي ) لتحضير المتلقي نفسيا لتلقي الخبر الوارد في الجملة الثانية وهو إبلاغه بعدم قبول طلبه فتكون الصياغة أرقى وأدل من وروده بصيغة تم رفض طلبكم مباشرة مما يضفي أسى في النفس وتلقي الخبر بدون تمهيد له، وتعوض عدم قبول مصطلح الرفض الذي لا يعد مصطلحا إداريا لدلالته السلبية. فيكون وقع أثره أشد، لذلك كان التركيب إلزاميا في هذه الحالة وهو ما يبرهن أن عبارات التشريف والتأسف ضرورية في التعابير الإدارية.
-
الجملة الاسمية المركبة : تستعمل الجملة الاسمية المركبة على غرار الجملة الفعلية المركبة من أجل تركيب المعنى وقبوله لدى المتلقي، ذلك أنه « لا يمكن مقاربة المعنى بعيدا عن مختلف أنواع العالقات التي يقيمها مع مجمل صيغ وأشكال التعبير ».16مثل : إن مدير الهيئة : بمقتضى القانون رقم...
حيث تستند الجملة على الثانية ولا تنفك عنها بقوة القانون إذ لا يستطيع أي مدير التصرف إلا بما يتوافق مع القانون وإلا جاز الطعن فيه.
وعلى العموم يمكن القول أنه يتوازي استخدام التراكيب الاسمية والفعلية في الأسلوب الإداري على حد قول الدكتورة لعبيدي : « يتعادل استخدام التراكيب الاسمية مع استخدام التراكيب الفعلية في الخطاب الإداري الوظيفي بصفة عامة حتى إنها تتــوازى في الظهور في الوثيقة الواحدة كما يكثر استعمال أدوات الربط التركيبية من مثل : حيث إن، هذا وأن، غير أن لذلك، بما أن، إلا إذا، إلا أن، من، في، عن، إنه من، حتى، بعد، مع. »17 وغيرها.
3.2. في المستوى الدلالي
يبــرز أيضا دور الـمصطلح الإداري في اللغة الإدارية الخاصة في التأثير الذي يـمارسه مبدأ وحدة الدلالة، فيمنحها الطبيعة الخاصة انطلاقا من هذه الخاصية، ذلك أن الدلالة الإدارية تظهر من خلال الـمصطلحات التي هي مفردات اللغة تـحولت بدلالتها من الوضع العام إلى الوضع الـمتخصص.
فمثلا: مصطلح (وضعية الـموظف) في السياق العادي نريد بـها معاني عدة حسب السياقات التي وردت بـها سواء العائلية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو حتى الصحية. بينما في لغة الإدارة تتحدد من خلال السلم الذي يحدد تصنيفه فقط فـبمجرد النطق بالمصطلح يرسم حيزا للمفهوم الواحد هو وضعية الـموظف الإدارية (مرسم أو متقاعد)
و(معين أو موضوع تحت تصرف) (مرقى وفي أي درجة).
وللمصطلحات الإدارية دلالة عميقة في التنظيم والانضباط فهي جميعها تعبر عن أعمال مرتبطة بتواريخ محدد مثل : الرزنامة، التاريخ، الآجال والمواعيد.
4.2. في المستوى النصي
يقوم المصطلح الإداري سواء كان مفردا أو مركبا بوظائف متداخلة كل منها تبرز على أنها الأهم، غير أنها تحقق جميعها أغراضا لغوية إدارية اصطلاحية وذلك في شكل شبكة توليفية على حد رأي ماري كلود لوم : « لا ترتبط الـمصطلحات مع وحدات معجمية أخرى بشكل عشوائي، وإنـما وفق تناسب دلالي »18
ويرى دو سوسير في هذا الشأن: أننا لا نتكلم بأدلة منعزلة، وإنما بمجموعة أدلة بل وبكتل منظمة هي نفسها أدلة، وفي اللغة إذا كان كل شيء يرجع إلى الفوارق، فإنه أيضا يرجع إلى التجمعات، إن هذه الآلية القائمة على لعبة متعاقبة لتشبه سير آلة يكون لأجزائها وظائف قيادية على الرغم من وجودها في موضعها على بعد واحد.19
إن الوظائف المتكاملة للمصطلحات الإدارية هي التي تحقق المستوى النصي من خلال التوافقات الشكلية والدلالية المختلفة، التي يفرضها السياق، ولا يمكن الاستغناء عن أي عنصر من العناصر المحققة لهذه المهمة الاصطلاحية في النص وإلا فقد معناه وهدفه التواصلي المتوخى من إنجازه.
الخاتمة
يمكن القول أن للمصطلحات الإدارية مكانة هامة في النصوص المتخصصة من حيث تنظيم الاستعمالات الاصطلاحية لها في الإدارة، تبرز تلك المكانة في الاتصالات الكتابية، لما للكتابة من قوة في التدوين وحماية لحقوق الأفراد، في حين أن اللغة الشفهية الإدارية لا ترقى لمستوى الإثبات بل تقوم بتسهيل العمليات اليومية الإدارية.
إن آلية استعمال المصطلح على جميع المستويات اللغوية سواء من خلال المستوى المعجمي في خلق تنظيم مصطلحي مستقر، أو على المستوى التركيبي من خلال ضبط استخدام الصيغ المختلفة، يجعله بوصلة الاتجاه الاصطلاحي الذي يجعلنا بصدد لغة متخصصة، وتكون كل هذه التلاحمات الوظيفية ما نسميه التلاحم النصي المعبر عن التخصص الإداري الذي يحقق «المستوى النظمي»20 في النصوص الإدارية انطلاقا من تلك العلاقات.