مقدمة
لا يستقيم الحديث عن موضوع في مجال تعليميّة اللّغات دونما الحديث عن المعلّم كقطب مهمّ في توجيه وتسيير العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة، ذلك لأنّ العمليّة التّعليميّة تقوم على التّواصل الفعّال بين أقطاب الفعل التّعليمي، وهذا ما يفرض علينا التّطرّق إلى أهمّية التّكوين الفعّال للطّالب المعلّم في مساره التّكويني ليخوض غمار هذه المهنة بكلّ ما تحمله من إجراءات، وطرق، واستراتيجيّات مهمّة في تيسير وتسيير العمليّة التّعليميّة، وفق ما تنصّ عليه أدبيّات التّعليم الحديثة. ولأنّ المدخل التّواصلي يسعى لتحقيق ملكة التّواصل للمتعّلم، وأنّ مهمّة المعلّم تقع عليه بالأساس في إرشاده وخلق وضعيّات تواصليّة وظيفيّة تمكّن له الاستعمال التّواصلي والتّداولي الصّحيح للغة التّخاطب في المواقف المختلفة، بات لزاما علينا وضع برنامج تكويني يؤهّل المعلّم الطّالب لأداء مهامه على أكمل وجه، وفق أحدث مداخل تعليم اللّغة العربيّة تواصليّا، مبرزين أهمّية التّكوين اللّساني والتّعليمي وفق مستجدّات البحث في اللّسانيات التّعليميّة، سعيا منّا لتحليل أوجه التّكوين المعتمدة للطّالب المعلّم في المدارس العليا للأساتذة، وأقسام التّكوين الجامعي المتخصّصة سواء في ميدان اللّغة والأدب العربي، أو في أقسام أخرى لها أهليّة التّدريس في الطّور الابتدائي؛ فالمرحلة الابتدائيّة تشكّل طورا مهمّا وحسّاسا في مستوى تنمية المهارات اللّغويّة للمتعلمّ وتنمية قدراته التّواصليّة والتّداوليّة في مختلف المواقف، لذلك إننا ملزومون بالاهتمام بكلّ أقطاب العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة، وتنظيمها وتحيين مناهج تكوينها وفق أبجديّات التّواصل. لذلك نطرح الإشكال التّالي :
هل يتوافق تكوين المعلم في المسار الجامعي وفق المدخل التّواصلي؟، وهل يستجيب التّكوين الجامعي وأبجديات التّواصل الفعال؟ ومدى فاعليّة مقاييس التّكوين الجامعي والجودة التّعليميّة؟ وما هي أسس اختيار معلّم اللّغة العربيّة في المدرسة العليا للأساتذة ومسابقات التّوظيف؟
وقبل الخوض في مناقشة إشكاليّة البحث، وجب علينا تحديد الفرضيّات اللّازمة وهي :
-
نعم، إنّ تكوين المعلم في المسار الجامعي يتوافق مع استراتيجيات المدخل التّواصلي.
-
نعم تتوافق مقاييس التّكوين الجامعي وأبجديّات التّواصل الفعّال.
-
تقوم أسس اختيار معلّم اللّغة العربيّة في المدرسة العليا للأساتذة ومسابقات التّوظيف على مدى تمكن وقدرة الطالب المعلم من المهارات التّي تحددها لجنة الانتقاء.
1. واقع التّكوين الجامعي للطّالب المعلّم ومدى استجابته لمعايير الجودة والتّواصل
يعدّ التّكوين الجامعي المتخصّص في غاية الأهمّية بالنّسبة للطّالب المعلّم الذي يتّجه فور تخرّجه إلى الميدان المهني وهو المدرسة، حيث يعتبر التّكوين النوعي والجيّد أحد الميكانيزمات الأساسيّة في تأهيل وتمكين المعلّم من أداء عمله على أكمل وجه، إلّا أنّ هذا التّكوين يواجه تشتُّتا ليس على المستوى المؤسّساتي للتّكوين الجامعي فقط، وإنّما على مستوى الانتقاء والتّوظيف على مستوى وزارة التّربية الوطنيّة، وخلفية التّكوين الجامعي الذي يؤهّل الطّالب المتخرّج من الالتّحاق بمهنة معلّم اللّغة العربيّة.
وعليه تولي أدبيّات التّربية الحديثة مفهوم الجودة العناية الخاصّة والأهمّية القصوى في إعداد برامج التّكوين في مختلف المؤسّسات الجامعيّة، بغرض تخريج معلّم كفء قادر على تيسير وتسيير وإرشاد النّاشئة من المتعلّمين، على المستوى المعرفي واللّغوي والتّواصلي، فيعرّف مفهوم جودة التّدريس (Teaching quality) على أنّه :
« درجة ملائمة التّعليم لخصوصيّات الطّالب بهدف تحقيق النّتائج القصوى، والتّحكم في أهداف التّعليم، وهي في نموذج بلوم جزء من بيداغوجيا التّحكّم، تقوم على فرضيّة أنّ كلّ تعليم يراعي الفروق بين التّلاميذ، ويستعمل استراتيجيّات لتصحيح تعثّر التّلاميذ ممّا يمكّن من بلوغ نتائج قصوى » (غريب، 2014 : 798).
هذا بالنّسبة للجودة المتوخّاة من أيّ برنامج تعليمي موجّه إلى فئة معيّنة من المتعلّمين، لكن وبالمقابل يكون أيضا المعلّم طرفا مهمّا وفعّالا في عمليّة التّخطيط والتّسيير للمنهج التّعليمي للوصول بالمتعلّم إلى مستوى تحقيق الأهداف التّعليميّة المحدّدة سابقا.
ويقصد بجودة أداء المعلّم مدى إتقان المعلّم لأدائه التّربوي من خلال تمكّنه من التّحكّم في المهارات اللّازمة، ومدى تحكّمه في الكفاءات المتمثّلة في معايير جودة أدائه من خلال « التّخطيط لعمليّتي التّعليم والتّعلّم، وتحكّمه في المادّة العلميّة، واستراتيجيّات التّعليم والتّعلّم، والمجال المهني له، وعمليّة التّقويم لطلّابه وأدائه » (لروية، 2020 : 269)، كما وتعني معايير الجودة في تكوين المعلّم مختلف « المواصفات والشّروط التّي ينبغي لها أن تتوافر في نظام تكوين المعلّم بحيث تؤدّي إلى مخرجات تتّصف بالجودة وتعمل على تلبية احتياجات المستفيدين من هذا النّظام » (رمضان، 2005 :189)، خاصّة وأنّ العصر الحديث يواجه تحدّيات متعدّدة في المستوى العلمي والتّكويني للمعلّم، أمام التّطوّرات التّكنولوجيّة المعاصرة المحيطة بالنّظام التّعليمي ومدى استجابتها لمخرجات العمليّة التّعليميّة.
وفي ذلك يشير رشدي طعيمة إلى أنّ منزلة المعلّم في العالم العربي وتكوينه يواجه أزمة طاحنة، ومصادر هذه الأزمة كثيرة، فمن أكثرها شيوعا وأشدّها إلحاحا وأعظمها خطورة ما يلي :
-
برامج إعداد المعلّمين لا تقوم على قاعدة معرفيّة معرّفة تعريفا جيّدا، ومستمدّة جزئيّا من البحث العلمي والتّرّبوي الأصيل.
-
معظم البرامج تفتقر الجدّية والرّصانة الأكاديميّة، والتّجانس والتّكامل المطلوب بين التّكوين النّظري والعملي التّطبيقي، بين ما يقال في الدّروس وما يطبّق على أرض الواقع.
وتكاد تنتهي هذه الأدبيات أيضا إلى حقيقتين مرتبطتين بما سبق بحيث :
-
لا يعطي أيّ إصلاح تربوي النّتائج المرجوّة بدون مشاركة المعلّمين.
-
مفتاح النّجاح يكمن في توفير مدرّسين تم إعدادهم وتأهيلهم بعناية فائقة لإحداث تغييرات جوهرية في شخصيّات طلبتهم ومدارسهم على حدّ سواء. ويبدو أنّ هذه أزمة عالميّة وليس عربيّة فقط، إذ أشارت الأدبيّات العالميّة إلى أنّ هناك شعورا بعدم الرّضا عن مستوى المعلّم، ممّا أوجد الحاجة لإعادة النّظر في نظم إعداده للوصول إلى معلم معدّ إعدادا عاليا، ففي أمريكا صدر عام (2002)، قانون (no child left behind ) يوصي بعدم ترك أيّ طفل دون تعليم جيّد، وتطلّب ذلك إعادة النّظر في كلّيات ومؤسّسات إعداد المعلّمين خلال فترة (2006/2005) بحيث يتوفّر لكلّ طفل تعليم جيّد. (رشدي أحمد طعيمة وآخرين، 2006 : 12).
1.1. المدارس العليا للأساتذة
المدارس العليا للأساتذة هي مؤسّسات جامعيّة تقع تحت وصاية وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي وتضطلع بمهمّة تكوين الأساتذة لصالح قطاع التّربية الوطنيّة في مختلف الأطوار التّعليميّة، بناءً على عقد مبرم بينهما، وهي تماثل ما يسمّى بكلّيات التّربية في بعض البلدان الأخرى، نسبة إلى القطاع الذي تكوّن لصالحه، مثلما هو في كليّات الطّب، الزّراعة، البترول، الإعلام وغيرها من الكليّات التّي يتطابق محتوى التّكوين فيها مع ميدان معين من ميادين الشّغل، وعليه تتطابق تسميّاتها مع تلك الميادين، وكانت أولى هذه المدارس في الجزائر هي المدرسة العليا للأساتذة بالقبة التّي تأسّست سنة (1964) بموجب المرسوم رقم (13464) الصادر بتاريخ (24 أفريل 1964)، وأسندت لها مهمّة تكوين أساتذة التّعليم الثّانوي. وبموجب القرار الوزاري المشترك رقم 24 جويلية (1999) أضيف لها مهمّة تكوين أساتذة التّعليم المتوسّط وبذلك أصبحت مكلّفة بمهمّة تكوين المكوّنين في الطّورين الثّانوي والمتوسّط في التّخصّصات العلميّة بالإضافة إلى الموسيقى.
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ المدرسة تتوفّر على فروع الماجستير والدّكتوراه، كما أنّها تتوفّر على العديد من مخابر البحث العلمي سواء التّطبيقي منه أو الأساسي، ويوجد حاليا (08) مدارس عليا للأساتذة وهي : مدرسة القبّة، بوزرّيعة، قسنطينة، سكيكدة، الأغواط، بوسعادة، سطيف، ورقلة، وتضطلع في مجملها بتكوين المكوّنين في الملامح الثلاثة، ملمح أستاذ التّعليم الثّانوي، ملمح أستاذ التّعليم المتوسّط، وملمح معلّم ابتدائي (لصالح وزارة التّربية).
ومن شروط الالتّحاق بالمدرسة العليا للأساتذة جملة من المعايير المنهجيّة والعلميّة والتّوّاصليّة التّي يختبر فيها الطّالب شفويّا بعد القبول على مستوى التّسجيلات الأوّليّة لطالب البكالوريا حسب معدّل الاستحقاق، وتحت شبكة تنقيط ينقّط عليها من طرف لجنة الانتقاء الموكّلة من المدرسة وهي : الثّقافة العامّة والمؤهّلات الفكريّة، الوضوح في التّعبير والشّرح، التّسلسل المنطقي والاستماع والتّحليل والحكم، القدرة على التّرّكيب والاستنتاج، القدرة على التّواصل، التّعبير، النّطق، التّحليل، النّقد...الخ.، ملاءمة المترشّح لمهنة التّعليم (منها الوضعيّة الصّحية للمترشّح)، الهيئة والسّلوك والهندام، دوافع اختيار مهنة التّعّليم، والمؤهّلات الخاصّة. (شروط الالتّحاق بالتّكوين، ولاية المسيلة، 2015)
2.1. أسس اختيار معلّم اللّغة العربيّة في المدرسة العليا للأساتذة
تقوم المدارس العليا للأساتذة قبل اختيار المعلّم للتّكوين بالمدرسة بإجراء اختبار الانتقاء معتمدين على أدوات تقويم تؤهّل طالب البكالويا من أخذ تكوين جامعي يؤهّله للتّدريس في المدرسة الابتدائيّة، ومن شروط الالتحاق بالمدرسة العليا للأساتذة أن يمرّ طالب البكالوريا على لجنة الانتقاء يتمّ اختبار الطّالب شفويّا من خلال جملة من المعايير المنهجيّة والعلميّة والتّواصليّة التّي يختبر فيها الطّالب شفويّا بعد القبول على مستوى التّسجيلات الأوّليّة لطالب البكالوريا الجديد الّذي تحصّل على معدّل (12/20) حسب معدّل الاستحقاق، فيجتاز الطّالب اختبارا شفويّا تحت شبكة تنقيط ينقّط عليها من طرف لجنة الانتقاء الموكّلة من المدرسة، وتشمل ميادين الاختبار الشّفوي ما يلي : الثّقافة العامّة والمؤهّلات الفكريّة، الوضوح في التّعبير والشّرح، التّسلسل المنطقي والاستماع والتّحليل والحكم، القدرة على التّرّكيب والاستنتاج، القدرة على التّواصل، التّعبير، النّطق، التّحليل، النّقد...الخ.، ملاءمة المترشّح لمهنة التّعليم (منها الوضعيّة الصّحيّة للمترشّح)، الهيئة والسّلوك والهندام، دوافع اختيار مهنة التّعليم، مؤهّلات خاصّة. (شروط الالتّحاق بالتّكوين، ولاية المسيلة، 2015) لكن الملاحظ على أنّ ميادين هذا الاختبار تحمل نقائص عديدة، وتفتقر إلى التّفصيل أكثر والتّوسعة في المهارات المنهجيّة والتّواصليّة والقدرات الّلغويّة والمعرفيّة للطّالب، ولذلك وجب التّفصيل أكثر في معايير الانتقاء حسب ما تورده شبكة التّقييم في مختلف أنظمة العالم، وفيما يلي نقترح اقتراحات تخدم المسار الانتقائي للطّالب المعلّم، يقترحها الباحث بناءً على قراءات متعدّدة، وتشمل الاقتراحات النّقاط التّالية :
-
اقتراح إجراء اختبار لقياس الملكات التّواصليّة الاستقباليّة والإنتاجيّة الأربع لدى معلّمي اللّغة العربيّة في مراحل التّعليم العام في بطاقة تقويم أدائهم.
-
تكليف لجنة لتحديد الملكات التّواصليّة المطلوبة ومؤشّراتها لكلّ طالب بكالوريا متقدّم للمدرسة العليا وكل مترشّح متقدّم لمسابقة توظيف الأساتذة، تضم متخصّصين في اللّسانيات، واللّسانيات الاجتماعية، واللّسانيات النّفسية، ومناهج اللّغة العربيّة وطرق تدريسها، ومعلّمي اللّغة العربيّة، ومفتّشيها.
أمّا بالنّسبة لبرنامج إعداد المعلّمين، فنقترح :
-
إجراء دورات دراسيّة دورية لوضع تصوّرات مقترحة للاعتماد على الملكات التّواصلية في برامج إعداد معلّمي اللّغة العربية في الجامعات.
-
تأليف كتب مناهج اللّغة العربيّة اعتمادًا على الملكات التّواصلية التّي تحددّها اللّجان المكلّفة.
-
عقد الدّورات التّدريبية اللّازمة لمؤلّفي الكتب، ومعلّمي اللّغة العربيّة، والمفتّشين التّربويّين والمتخصّصين من طرف الباحثين في المناهج التّعليميّة.
-
عقد دورات تدريبيّة دوريّة لمعلّمي اللّغة العربية في استراتيجيّات التّدريس الحديثة التّي ترتكز على جهد المتعلّم.
-
عقد دورات تدريبيّة لمعلّمي اللّغة العربيّة لتنمية ملكات التّواصل؛ ليكونوا نماذج يتّبعها المتعلّم، وليتمكّنوا من وضع المتعلّمين في مواقف لغويّة طبيعيّة، وليكونوا على مقدرة متعلّميهم في مختلف المواقف التّواصلية شفويّا وكتابيّا.
3.1. واقع تكوين الطّالب المتخرّج من الجامعة
يخضع الطّالب المتقدّم إلى شعبة اللّغة العربيّة وآدابها إلى تكوين علمي وتأطير بيداغوجي يحتوي على آفاق التّخصّص النّوعي الذي تحدّده اللّجان العلميّة بموجب تحديد ملمح التّخرّج ما قبل التّدرّج، لنيل شهادة اللّيسانس، حيث تقوم اللّجان العلميّة بتحديد المقرّرات الجامعيّة والتّكوين، حيث جاء في المادّة (5) في الجريدة الرّسميّة « يترأّس كل ندوة جهويّة للجامعات عضو منتخب من بين أعضائها، من بين مسؤولي مؤسّسات التّعليم العالي لمدة سنتين (2) قابلة للتّجديد مرّة واحدة » (صلاحيات الهيئات الجهوية والندوة الوطنية للجامعات وتشكيلها وسيرها، 2001 : 02).
ويهدف هذا التّكوين إلى توجيه الطّالب نحو تقوية المعارف التّي سيكتسبها في مرحلة اللّيسانس من خلال استغلال ما يوفّره هذا التّخّصص من إمكانات معرفيّة تزوّده للتمكّن من بعض موادها، كما أنّ هذا اللّيسانس يفتح أمام الطّالب آفاقا واسعة توضّح له الرّؤية تجاه المرحلة اللّاحقة في الماستر.
يتزوّد الطّالب في هذه المرحلة من التّكوين بمعارف مختلفة ترتبط عضويّا بالتّخصّص، منها التّعمّق في الدّراسات اللّغويّة والاطّلاع على أهمّ ما توصّلت إليه النّظريّات اللّغويّة وكيفيّة تطبيقها في الميدان، ومدى انعكاسها في مجال علوم اللّغة العربيّة (عرض تكوين (ل.م.د) ليسانس أكاديمية، 2018،2019 : 07). وعليه وضعت اللّجنة العلميّة للجامعات مقاييس التّكوين المتخصّصة في شعبة اللّغة العربيّة وآدابها والمؤهّلات والكفاءات المستهدفة بحيث :
« يستهدف هذا اللّيسانس جملة من الغايات منها اكتساب الطّالب القدرة على تحليل النّصوص، بأشكالها المختلفة، وفق منهجيّات دقيقة تؤهّله كتربويّ لمهام التّدريس والإعلام، وبالتّالي التّدرّج في البحث العلمي لأنّ هذا التّكوين يركّز أساسا على تكوين الطّالب لأجل مسايرة التّطوّر العلمي وتهيئته لدخول عالم الشّغل، ومدى قدرته على اكتساب المعارف القبليّة التّي تؤهّله لأن يكون معلّما جيّدا. » (عرض تكوين (ل.م.د) ليسانس أكاديمية، 2018، 2019 : 7)
فمن خلال ما تمّ تحليله بخصوص تكوين معلّم المدرسة العليا للأساتذة، وبالضّبط الكفاءات والمخرجات التّي يرام تحقيقها من التّكوين، يتبيّن وضوح الكفاءات المستهدفة بالنّسبة للطّور الجامعي، بالمقابل عدم وضوحها بالنّسبة لتكوين المدرسة العليا للأساتذة. (بدت أهداف التّكوين عامّة وغير متخصّصة بالنّسبة للمدرسة العليا للأساتذة وهذا ما تمّ توضيحه واستخراجه من الوثائق الخاصّة بالتّكوين، بالمقارنة مع أهداف التّكوين الجامعي، حيث بدت متخصّصة أكثر واعين بأهمّية التّكوين اللّساني للطّالب المعلّم وقدرته على تعليم اللغة العربية).
وبالرّجوع بالنّسبة لمقاييس التّكوين الجامعي في مرحلة اللّيسانس فإنّ المنهاج التّكويني لا يختلف عن المدرسة العليا للأساتذة، ولكن تضاف إليه مقاييس أخرى، ويتعمّق أكثر في مقاييس التّخصّص في السّنة الثّانية، فبعد نجاح الطّالب في السّنة الأولى من التّكوين لديه حرّية الاختيار سواء أن يكمل تكوينه في تخصّص الأدب العربي، أو اللّسانيات العّامة.
وممّا يمكن الخروج به، أنّ تكوين معلّم المدرسة العليا للأساتذة ينقصه التّزوّد بالكثير من المقاييس التّي تعنى باللّسانيّات المعاصرة واستثمارها في التّواصل اللّساني للمتعلّم وتحليله، إلّا أنّ التّكوين حسب اطّلاعنا على مقرّرات التّكوين في اللّيسانس وكأستاذة متعاونة بالجامعة في بعض المقاييس اللّسانيّة، اتّسم بالوضوح والتّرتيب والتّنوع في المقاييس اللّسانية وما يرتبط بها بتعليميّة اللّغات.
4.1. معلّم اللّغة العربيّة بين آفاق المهنة وحدود التّخصّص
تضمّنت النّشرة الرّسمية للتّربية الوطنيّة، القرار الوزاري رقم (30) والمؤرّخ في (19 أفريل 2015)، والذي يتضمّن فتح مسابقة على أساس الشّهادات للالتّحاق بسلك أساتذة المدرسة الابتدائيّة رتبة أستاذ المدرسة الابتدائيّة، وعليه يسمح المنشور الوزاري للمتخرّجين في التّخصّصات العلميّة والأدبيّة من المشاركة في مسابقة توظيف معلّم اللّغة العربيّة، إلّا أنّه من العدل بمكان، كيف لتخصّص في العلوم التّجريبيّة لم يأخذ تكوينا خاصّا في علوم اللّغة العربيّة أن يدرّس مادّة اللّغة العربيّة في مرحلة حسّاسة من التّعليم، مفتقرا لطرائق تدريس اللّغات، غير واع بأهمّية النّمو اللّغوي في هذه المرحلة من التّعليم، على الرّغم أنّ تعليميّة مادّة اللّغة العربية كفاءة عرضيّة على مستوى التّعليم الابتدائي، وأنّ امتلاكها والتّمكّن من مهاراتها مفتاح العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة، وعليه إنّ القضيّة ليست بالهيّنة، فالمشكل يهدّد منظومة التّعليم ككل. وعليه فالمادة (2) تحدّد قائمة المؤهّلات والشّهادات المذكورة في المادّة الأولى أعلاه وفق الجدول التّالي : (الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، 2001 : 16)
الأسلاك والرتب |
المواد |
المؤهلات والشهادات |
الفروع المطلوبة بكل تخصصاتها |
أستاذ المدرسة الابتدائية |
اللغة العربية |
شهادة الليسانس في اللغة والأدب العربي |
اللغة العربية |
شهادة اللسانس في الفلسفة |
الفلسفة |
||
شهادة اللسانيس في العلوم الاسلامية |
علوم إسلامية |
||
شهادة اللسانيس في علوم التربية |
علوم التربية |
||
ليسانس في علم الاجتماع |
علم الاجتماع |
||
ليسانس في علم النفس |
علم النفس |
||
ليسانس في الرياضيات |
رياضيات |
||
ليسانس في الرياضيات – إعلام آلي |
رياضيات |
||
ليسانس في الفيزياء |
فيزياء |
||
ليسانس في الكيمياء |
كيمياء |
||
شهادة الليسانس في العلوم الطبيعية |
بيولوجيا |
||
شهادة الليسانس في العلوم التجارية |
العلوم التجارية |
جدول (01) : يحدّد قائمة المؤهّلات والشّهادات المسموح لها بالتّدريس في المرحلة الابتدائيّة
فيوضّح الجدول أعلاه مختلف التّخصّصات المسموح لها التّدريس كمعلّم لغة عربيّة في المرحلة الابتدائيّة، إذ نلاحظ تعدّد التّخصّصات المسموح لها المشاركة في مسابقة الأساتذة منها التّخصّصات العلميّة والدّقيقة والإنسانيّة والاجتماعيّة بكلّ فروعها وتخصّصاتها.
5.1. أهمّية التّكوين اللّساني للمعلّم
يقترح الباحث في إطار مدخل التّواصل اللّغوي ضرورة أن يأخذ المعلّم الطّالب تكوينا لسانيّا في اللّسانيات المعاصرة وتطبيقات استثمار اللّسانيات المعاصرة في تعليميّة اللّغات، وعليه لابدّ أن يخضع المعلّم لتكوين لساني قبل الخدمة كمرحلة مهمّة وأوّليّة، كما لا ننسى أهمّية التّكوين الذي يأتي بعد الخدمة.
1.5.1. التّكوين قبل الخدمة
يعرّف أحد الباحثين تكوين المعلّم قبل الخدمة على أنّه تكوين يشمل فعل تعلّم منهجي للمعرفة وللمهارات، والسّلوكات المطلوبة للقيام بدورها أثناء الخدمة، وبالتّالي فإنّ الشّخص بكامله هو المعني بفعل التّكوين، كما أنّه عبارة عن مجموعة التّغيّرات المطلوب إحداثها في معلومات وخبرات المعلّمين التّي ينبغي أن يحتوي عليها برنامج التّدريب المقدّم لهم لرفع مستوى أدائهم (الجمعي،2009 : 73). وتزويدهم ببيداغوجيا التّعليم الواجب معرفتها لدى كلّ طالب معلّم.
وعليه يتلقّى الطّالب المعلّم في المدرسة العليا للأساتذة بعض المقاييس النّظريّة والتّطبيقيّة في علم اللّسانيّات وهي : النّحو والصّرف، اللّسانيّات، علم التّربية، النّقد، العروض، البلاغة، علم نفس نمو الطّفل، نحو وصرف وإملاء، تعليميّة القواعد والإملاء، نصوص وتعليميّة النّصوص، علم النّفس التّربوي، المناهج التّعليميّة، كانت هذه المقاييس التّكوينيّة في اللّغة العربيّة وآدابها مع بعض المقاييس التّي تنتمي إلى التّخصّصات العلميّة، لأنّ معلّم اللّغة العربيّة في المرحلة الابتدائيّة لا يكتفي فقط بتدريس مادّة اللّغة العربيّة، بل هو مسؤول عن جميع الموادّ منها المواد في العلوم الانسانيّة والاجتماعيّة والعلميّة، ولكن في المقابل سجّلنا غياب بعض المقاييس اللّسانية الغائبة عن التّكوين والمهمّة في التّكوين اللّساني للطّالب المعلّم، خاصّة وأنّه معلّم متوجّه لتعليم اللّغة العربيّة، وفي مرحلة حسّاسة ومهمّة في مرحلة التّعليم، وهي المرحلة الابتدائيّة، أين يحتاج المتعلّم لمعلّم لغات متشبعّا بالمعارف اللّسانية وأساسيّات الخطاب والتّواصل اللّساني.
وعليه يمكننا عرض بعض المقاييس المهمّة في تكوين معلّم اللّغة العربيّة التّي أغفلها لجان التّكوين وهي : المدارس اللّسانيّة، الأسلوبيّة وتحليل الخطاب، الصّوتيات، التّداوليّة، النّحو الوظيفي، العرفانيّات، علم المصطلح، المعجميّة، لسانيّات النّص. وممّا لاحظناه من برنامج التّكوين لمعلّم المرحلة الابتدائيّة، عدم وجود أحدث النّظريّات اللّسانيّة من مثل التّداوليّة والعرفانيّات، وما انبثق منها من مداخل ومقاربات تواصليّة وإجرائية مهمّة في تعليميّة اللّغات، كما نلاحظ غيابا لمقياس اللّسانيّات العرفانيّة خاصّة ما انبثق منها في استثمار النّظريّة العرفانيّة في تعليميّة اللّغات، وفهم ما تعلّق منها بأساسيّات الإدراك اللّغوي للطفّل، كما نلاحظ عدم وجود مقياس خاص بنظريّات التّعلم وأنواعها وتطبيقاتها التّربويّة واستراتيجيّات التّواصل الفعّال وأهمّية التّواصل الشّفوي والمكتوب وما تقتضيه ملكة التّواصل لدى المتعلّم.
ومن بين المفاهيم الأساسيّة التّي على معلّم اللّغة العربيّة معرفتها وأن يتلقّى تكوينا مهمّا فيها مفاهيم اللّسانيات العامّة، واستثمارها في حلّ المشكلات التّعليميّة، ولا يمكن لأي باحث إنكار الأهمّية التّي تنضوي عليها اللّسانيات في المبحث اللّساني التّعليمي، وعليه نجمل هذه المفاهيم في النّقاط التّالية :
-
الملكة التّبليغية/ التّواصلية لمعلّم اللّغة العربيّة :توسّع مفهوم الملكة اللّسانيّة عند تشومسكي، إلى الحديث عن الملكة التّبليغيّة والتّواصلية التّي تعنى بالقدرة على استعمال اللّغة في مختلف الأحوال الخطابية والمواقف والأغراض التّواصلية لدى ذيل هايمس، ولأنّ الملكة التّواصليّة تؤخذ من وسائط عديدة معرفيّة ونفسيّة واجتماعيّة وثقافيّة بناءً على البنية الاجتماعيّة التّي يعيش فيها المتكلّم، ومن ثمّ تساعد المتكلّم على تنويع صور الخطاب بما يلائم المقام ويعبّر عن مختلف الأغراض، ولأنّ المهارة يكسبها المتعلّم ليحكم بها أفعاله الكلامية (أداءه) على نحو تكون فيه صفة راسخة تمكّنه من ترجمة وتوظيف تلك القدرة، وهي تتعدّى الملكة اللّسانيّة التّي تنحصر في معرفة النّظام النّحوي والصّرفي المسهم في الإقدام على التّرّكيب السّليم للجمل أو الوحدات الإسناديّة الوظيفيّة، لأنّه من يمتلك هذه القدرة فقط لا يستطيع استعمال اللّغة في مختلف المقامات والأوضاع وما يقتضيه أحوال الخطابات في ميادين الحياة اليوميّة، وهذه الملكة أو الملكة التّبليغية/ التّواصلية من شأنها إكساب المتعلّم الملكة التّواصليّة وتعني امتلاكه قدرا معينا من قواعد لغة ما على نحو يمكّنه سواء أكان من أبناء هذه اللّغة أم من غيرهم من الاتّصال المثمر مع أبنائها، فهما وإفهاما بما يتّفق والأعراف اللّغويّة السّائدة في الجماعة اللغويّة، وبذلك تعني هذه الملكة التّواصليّة هنا ضرورة أن يتمّ إكساب الطّالب المعلّم هذه الملكة قبل أن يدخل إلى مهنة التّعليم، وأن يتمتّع بالقدرات المعرفيّة التّي تمكّنه من تقبّل خطابات المتعلّمين وتبليغها والقدرة على تفسير تشكيلات الرّموز وتفكيكها، بحسب ما تقتضي ظروف التّخاطب مع المتعلّمين سواء أكان الخطاب شفويّا أم مكتوبا، ذلك أنّ الملكة التّبليغيّة تركّز على ظروف التّبليغ اللّغوي وشروطه، وهي تهدف إلى تحقيق النّجاعة التّبليغيّة، وهو ما يفتقد في مدارسنا التّعليميّة، في النّماذج التّعليميّة الخالية من التّفاعلات بين المعلّم والمتعلّم.
لذلك إنّ ما يحتاجه معلّم اللّغة العربيّة هو التّكوين اللّساني المتين الذي يقتضي الرّبط بين ما هو تعليمي وما هو لساني وأوجه الارتباط بين العلمين، سواء أكان ذلك في المدارس العليا للأساتذة أو الجامعة، بالإضافة إلى توعية الطّالب المعلّم بأهمّية إدراج فروع ومجالات اللّسانيّات في مقرّرات تعليم اللّغة العربيّة، والانفتاح على دراسات خبراء اللّسانيّات وعلم النّفس المعرفي واللّسانيّات الاجتماعيّة؛ إذ أنّ معلّم اللّغة العربيّة في العصر الحديث، يحتاج اليوم أن يتسلّح بعدّة بيداغوجية ولسانيّة؛ فالعدّة الأولى تفيده في التّعرف على منهاج وأسس تعليم المادّة التّعليميّة، وسبل تذليل الصّعوبات أمام المتعلّم للتّمكّن من الملكات والمهارات والمواقف المطلوبة، أمّا العدّة الثّانية فتفيده في فهم أمراض اللّغة التّي تحوّل دون تمكّن المتعلّم من ملكاتها التّواصليّة، والتّي تكون لها علاقة بالسّوسيولسانيّات، كتأثير البيئة في نطق المتعلّم لفونيمات اللّغة ومخارجها، وقد تكون لهذه الأمراض علاقة بما هو نفسي في إطار مبحث السّيكولسانيّات، من خلال الوقوف عند متعلّم اللّغة واستعداداته لاكتساب اللّغة، وعموما تلتقي اللّسانيات بالبيداغوجيا أو الدّيداكتيك في مبحث اللّسانيات التّطبيقيّة، وغايتها مدّ المعلّم بالأدوات النّظرية لفهم الكثير من الظّواهر اللّغوية التّي يصادفها في الوسط الصّفي كالتّعدد اللّغوي مثلا. (صديقي، 2018 : 81) ، ولهذا فإنّ معلّم اللّغة العربيّة يحتاج التّمكّن من المباحث الآتية : -
مبحث تعليميّة اللّغات : يستمدّ نظريّاته من اللّسانيات وتعليمية اللّغة العربيّة، ومختلف التّوجيهات التّربويّة المؤطّرة لمنهاج اللّغة العربيّة، علاوة على سيكولوجية التّعلّم. (صديقي، 2018 : 81) إذ يتبيّن لنا أنّ العلاقة بين اللّسانيات وتعليميّة اللّغات لها شرعية الوجود، وأنّ هذه العلاقة مبرّرة سلفا بطبيعة البحث اللّساني نفسه، وقد وجدنا تشومسكي نفسه الذي كان يحمل شعار « اللّسانيات لا تقدّم أيّ شيء لتعليم اللّغات »(21 : 1972, girard) يتخلّى بيسر عن هذا الرّأي ويستدركه عمليّا من خلال بعض الأعمال التّي تحمل الطّابع البيداغوجي والتّعليمي، ومن هنا فإنّ أستاذ اللّغة ملزم بأنّ يتلقّى تكوينا قاعديّا في اللّسانيّات، فيكون على دراية ببعض النّظريّات والمفاهيم والاصطلاحات والإجراءات التّطبيقيّة. ولكنّ هذا لا يعني بالضّرورة أن يكون مختصّا في اللّسانيات، وإنّما همّه الوحيد هو أن يكتسب المهارة لتعليم اللّغة، ومن ثم هو مطالب بامتلاك الملكة اللّسانيّة الصّحيحة للّغة التّي يعلّمها، بالإضافة أنّه لا يتعلّق تعلّقا مباشرا بنظريّة لسانيّة دون أخرى، على عكس الباحث اللّساني الذي هو مضطر بالضّرورة إلى الانتقاء والاختيار، فيمكّنه الإفادة من جميع النّظريات اللّسانية المتوافرة لديه دون استثناء (حساني، 2009 : 138)، إذ يعدّ تعدّد النّظريّات اللّسانيّة وتنوّعّها عنصرا مهمّا لإيجاد الطّريقة البيداغوجيّة النّاجعة وتحسينها باستمرار.
-
اللّسانيات النّصيّة : إنّ لتبنّي المقاربة النّصيّة في مناهج تعليم العربيّة بدأ تزامنا مع الدّراسات النّصيّة التّي ظهرت تجاوزا للجملة، والتّي تنطلق من النّص في تعليم اللّغة العربيّة، من أجل إكساب المتعلّم ملكة نصيّة، وعليه تكمن أهميّة استثمار لسانيات النّص في تعليم اللغّة العربيّة من خلال تعليم النّصوص على اختلافها وتنوّع أنماطها إلى إكساب المتعلّم مهارة القدرة على الإنتاج والتّلقي، وبالتّالي إكسابه ملكة نصيّة، تمكنه من إنتاج واستقبال وتأويل العديد من النّصوص متعدّدة الأنماط، لذلك مهمّ جدّا إدراجه كمقياس في تكوين معلّم اللّغة العربيّة.
-
الاتّجاه التّداولي : يتضمّن الاتّجاه التّداولي الاهتمام بمختلف استعمالات اللّغة في إطار مقتضيات التّواصل الاجتماعي، ذلك أنّ مبادئ التّعليم وفق الاتّجاه التّداولي تقتضي من المعلّم الانتقال من تعليم اللّغة إلى تعليم التّواصل باللّغة، على أنّ المنهج التّداولي في حدّ ذاته هو أصلا منهج تعليمي بعدّ التّداوليّة تخصّصا لسانيّا يدرس العلاقة بين مستخدمي الأدلّة اللّغويّة (المرسل والمرسل إليه)، وعلاقة التّأثير والتّأثّر. لتأتي المقاربات التّواصليّة في تعليميّة اللّغات المنبثقة عن اللّسانيات التّداوليّة لتتدارك نقائص اللّسانيات البينويّة، محاولة بحث أسباب فشل هذه المقاربة كونها تهتمُّ بالبنية وتهمل الاستعمال، كما تعالج بنية الجملة فقط، ولا تأخذ بعين الاعتبار وحدات تواصليّة أوسع مثل النّص أو الحوار، وهو ما حصل تلافيه مع الطّريقة التّواصلية تحت مفهوم نحو النّصوص، الذي يعالج قواعد صياغة الجمل في مختلف أنواع النّصوص، وكذلك نحو الخطاب الّذي يتعرّض لقواعد صياغة الجمل في أفعال تواصليّة.
-
اللّسانيات العرفانيّة : خلال السّتّينات أثّرت علوم النّفس المعرفيّة تأثيرا عميقا على تعليم اللغّات، وقد سمح ذلك بزوال تدريجي للعديد من الطّرق القائمة على المبادئ البينويّة والسّياقيّة، وهناك عالمان كان لهما أكبر أثر في تقديم النّظرة العرفانيّة الإدراكيّة لمجال تعليم اللّغات، الأوّل هو إلرك نيسر رائد علم النّفس العرفاني من خلال كتاب بنفس العنوان أصدره سنة(1967م) (جيدور، 2017 : 302).
فمنذ بداية السّتينات من القرن الماضي، تغيّرت الأنظار عن تعليم اللّغات القائم على المنهج السّلوكي والسّياقي، إذ رفض التّصوّر القائم على العرفانيّة النّظريّة التّعليميّة القائمة على طرفي المثير والاستجابات المشروطة، وتمّ إعادة الاعتبار للتّوجّه الذّهني للإدراك والتّصوّر المعرفي، الذي يدعو إلى ضرورة العودة للاهتمام بالذّهن، والتّفكير والوعي الدّماغي وأهمّية البيئة المحيطة، إلى منطق الوعي الذي يفضي للإنتاج الكلامي، من هنا إنّ اللّسانيات العرفانيّة وجّهت اهتمامها نحو المعنى المبني على الإدراكات الحسيّة والباطنيّة، ردّا على المدارس اللّسانية السّابقة التّي أعطت للترّكيب الأهمّية القصوى وكيفية تشكّله بعيدا عن الذّهن، على الرّغم من أنّها نهضت على أنقاض المدارس اللّسانية السّابقة التّي انصبّ اهتمامها على المستوى التّرّكيبي بعيدا عن آليات اشتغال الذّهن، وعن المنهج السّلوكي التّوزيعي البينوي، الذي وضع الوحدات التّرّكيبيّة وتوزيعها صلب اهتماماته وتحليلاته اللّغوية على مدار زمن طويل من البحث والاشتغال (جيدور، 2017 : 302). ولهذا فالواضح أنّ اللّسانيات العرفانيّة تبحث عن الآليات التّي يعمل بها الدّماغ لإنتاج المعرفة واللّغة، في تكامل معرفي بين تخصّصات أخرى مرافقة كعلم الأعصاب، والرّياضيات والحاسوب.
ولهذا لابدّ أن يخضع المعلّم إلى تكوين لساني في اللّسانيات العرفانيّة من خلال تكييف برامج تعليم العربيّة وفق المنوال العرفاني، الذي يفضي إلى الاستعمال الأمثل للعربيّة الفصيحة، معتمدا على المقولات العرفانية المتعلّقة بالاكتساب والتّعلّم.
ولهذا نضع مقترحات من أجل تسطير تكوين جيّد للمعلّم في اللّسانيّات :
-
لابدّ من تطوير معارف الطّالب المعلّم في النّظريّات اللّسانية المعاصرة حتى يتمكّن من فهم الظّاهرة اللّغويّة وتطبيق أحسن النّظريات اللّسانية في تعليمية اللّغة العربيّة واختيار النّظريّة المناسبة، وفهم المدخل التّواصلي وحسن تطبيقه.
-
إن النّظريّة التّداوليّة من خلال مباحثها : نظريّة أفعال الكلام، الاستلزام الحواري، السّياق الثّقافي، والتّي تهدف إلى تنمية الرّصيد اللّغوي للمتعلّم في الاستعمال حسب مقتضيات الحال، وعلى المعلّم أن يأخذ تكوينا لسانيّا لا بأس به حتى يتمكّن من تطبيق استراتيجيات التّواصل على متعلّميه.
-
فهم النّحو الوظيفي وتطبيقاته حتى يتمكّن المعلّم من فهم وتفسير طبيعة الملكة التّواصليّة والتّي تهدف البرامج التّعليميّة في المراحل الثّلاث لتحقيقها، وفهم طبيعة الأنحاء، ذلك أن النّحو العلمي يهدف إلى وصف القواعد اللّسانية العامّة وهي وصف للملكة اللّسانيّة، أمّا مهمّة النّحو الوظيفي فتنحصر في تحديد ما يحتاج إليه المتعلّم من القواعد التّواصليّة وفي مقدمتها تفسير الملكة التّواصليّة، كما لاحظنا غياب كلّي لمقياس اللّسانيّات التّطبيقيّة، وخاصّة أنّ هذا الميدان من المقاييس المهمّة في تطوير تعليم اللّغة العربيّة، نظرا لتطوّر مجالات البحث فيه، فكما نعلم أنّ اللّسانيّات التّطبيقية هي لسانيّة، حاسوبيّة، إعلاميّة، تعليميّة، إشهاريّة، ترجميّة، سياسات تعليمّية وتربوية، مصطلحيّة ومعجميّة، فعلى معلّم اللغة العربيّة أن يستنير بمداخل اللّسانيات التّطبيقية وأحدث التّطورات في هذا العلم والإفادة منها في عملية التّعليم، خاصّة كون اللّسانيات التّطبيقية تستقي معارفها من علم الاجتماع اللّغوي وعلم النّفس اللّغوي وعلم التّربية وعلم اللّسانيات، لذلك على المدارس العليا للأساتذة أن تدرج مقياس اللّسانيات التّطبيقية حيث يكون معلّم اللغة العربيّة على دراية عامّة بمستجدات البحث اللّساني في تعليميّة اللّغات.
2.5.1. التّكوين أثناء الخدمة
لا يكتفي المعلّم أثناء قيامه بالتّدريس بالتّكوين المقدّم له قبل الخدمة، ذك لأن المعلّم أثناء الخدمة يصبح أمام متعلّمين، وعليه تطبيق ما اكتسبه في مرحلة التّكوين، لكن تظلّ مرحلة ما قبل الخدمة لا تكفي بالغرض المطلوب، ذلك لأنّ المعلّم أصبح أمام اتّجاهين، اتّجاه نظري لساني تمّ اكتسابه قبل الخدمة، واتّجاه تطبيقي يسعى إلى تطبيق ما تمّ إكسابه في تكوينه في القسم أمام متعلّمين، مختلفين فكرياّ، ولغويّا وثقافيّا واجتماعيّا، وعليه أن يأخذ هو الآخر تكوينا يسمّى ما بعد الخدمة، لسدّ النّقص والعجز الّذي يعتري معارفه، وحلّا لمشكلاته التّي تواجهه، وعليه يعرّف التّكوين أثناء الخدمة على أنّه : « كلّ البرامج المنظّمة المخطّط لها والتّي تمكّن المعلّمين من الحصول على المزيد من الخبرات الثّقافيّة المهنيّة، وكلّ ما من شأنه رفع مستوى عمليّة التّعليم وزيادة طاقات المعلّمين الإنتاجيّة » (لطفي، 1900 : 201)، فهي عمليّة تقود إلى تكوين المعلّم أثناء الخدمة، وتهدف إلى تدريبه وتحسين أداءه أثناء قيامه بعمله التّعليمي، بهدف اطّلاعه على المستجدّات التّي تطرأ على التّعليم، وحثّه على تبادل الآراء حول تحسين كيفيّة التّدريس وكلّ هذا يهدف إلى تمكين الطّالب المعلّم من التّكوين البيداغوجي والمستجدّات التّربويّة.
كما يهدف التّكوين أثناء الخدمة إلى كلّ ما يتيح حلّ المشكلات المهنيّة في سياق خاص عن طريق تحريك مختلف القدرات بكيفيّة مندمجة، نظرا لأهمّيته في تنمية الخبرات المعرفيّة للمعلّم، ذلك لأنّ العلوم في تطوّر دائم، فتدريب المنتسبين إلى قطاع التّعليم، يبنى عادة وفق خطط معيّنة بعد الالتّحاق بالمهنة المطلوبة، ويأتي نتيجة لتطوير المعارف والمهارات بشكل مستمرِّ ودائم، كما يهدف إلى الرّفع من مستوى كفاءة المعلّم المهنيّة والعلميّة، وتستمرّ طيلة ممارسة المعلّم مهنة التّعليم. (الجمعي, عبد الوهاب أحمد، 2010 : 73) ولذلك لابدّ أن تقام دورات تدريبيّة لمعلّمي اللّغة العربيّة باستمرار، وحثّ المعلّمين على تجديد معارفهم أيضا استجابة للتّطوّرات المعاصرة في تعليميّة اللّغات.
2. برنامج التّكوين في المدرسة العليا للأساتذة
يقوم التّكوين العلمي في المدرسة العليا للأساتذة لإعداد معلّم اللّغة العربية للمرحلة الابتدائيّة على مقاييس لا تبتعد بكثير عن مقاييس التّكوين الجامعي، وزيادة على مقاييس علوم اللّغة العربيّة يخضع لتكوين هو الآخر في المقاييس العلميّة، وهو الجانب الذي يفتقر إليه التّكوين الجامعي في ميدان اللّغة والأدب العربي ذلك لأنّ المعلّم الطّالب في المدرسة العليا للأساتذة هو مؤهّل فور تخرّجه إلى التّدريس في المرحلة الابتدائيّة عن طريق عقد مبرم بين وزارة التّعليم العالي ووزارة التّربية الوطنيّة، وعليه سنقوم فيما يلي بعرض برنامج التّكوين على مدار الثّلاث سنوات، مع التّعقيب على أهمّ ما جاء في المحتوى المعرفي وما يتناسب وأسس تعليم اللّغة العربيّة وفق المدخل التّواصلي.
1.2. تعليق على مقدّمة محتوى التّكوين
تشير مقدمة محتوى البرنامج إلى أنّه يهدف إلى تدارك النّقائص بين البرامج السّابقة وإعادة التّوازن بينها، وحذف الحشو والتّكثيف غير المبرّر الذي أثقل البرامج على حساب التّكوين الذّاتي الّذي يرصده المقرّر الجديد.
وما نلاحظه من مقدّمة برنامج التّكوين أنّه لم يتمّ الإشارة إلى فلسفة البرنامج، فلم يتمّ التّوضيح لأهداف برنامج تكوين معلّم اللّغة العربيّة في المرحلة الابتدائيّة بشكل واضح وصريح، كما أنّه لم يوضّح أنّه تم الاعتماد في التّخطيط والإعداد على دراسات علميّة محدّدة، ولم يحدّد أيضا أهداف ومخرجات تكوين معلّم اللّغة والكفاءات المراد تحقيقها له في نهاية التّكوين، ولم يتمّ الإشادة بأهمّية التّكوين اللّساني ودوره في تكوين معلّم اللّغة العربيّة، ولا لأهمّية مداخل تعليم اللّغة العربيّة فكل هذه النّقاط غائبة عن مقدّمة التّكوين، وفيما يلي سنقوم بعرض المقاييس اللّغويّة الخاصّة بالتّكوين في إطار المقاييس الخاصّة بتعليميّة اللّغات عامّة واللّغة العربية بصفة خاصّة.
2.2. برنامج التّكوين في السّنة الأولى
الحجم الساعي الأسبوعي والمعامل |
الحجم الساعي |
المقاييس |
|||||
المعامل |
أ. م/أ. ت |
م |
|||||
2 |
1 سا 30 |
1سا 30 |
90 |
نحو وصرف |
|||
1 |
1 سا 30 |
45 |
لسانيات |
||||
2 |
1 سا 30 |
1سا 30 |
90 |
أدب |
|||
3 |
1سا 30 |
1سا 30 |
135 |
رياضيات |
|||
2 |
03 سا 00 |
1سا 30 |
90 |
فيزياء |
|||
1 |
45 |
علم النبات |
|||||
1 |
1سا 30 |
1سا 30 |
45 |
تاريخ |
|||
1 |
1سا 30 |
45 |
علوم التربية |
||||
1 |
1سا 30 |
45 |
تربية بدنية |
||||
1 |
1 سا 30 |
45 |
اللغة الأجنبية |
||||
14 |
22 ساعة ونصف أسبوعيا |
675 |
الحجم الساعي الإجمالي |
الجدول رقم (02) : يوضّح البرنامج المقترح لمعلّم التّعليم الابتدائي في اللّغة العربية في السنة الأولى من التّكوين. (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 : 02)
وعليه يوضّح الجدول مزجا بين المقاييس اللّغوية والتّعليميّة والمقاييس العلميّة، وعليه نذكرها :
-
النّحو والصّرف : يتلقّى الطّالب محتوا معرفيّا في مقياس النّحو والصّرف، والمتطلّع له يجد أنّه يتساوي من ناحية مفردات مقياس النّحو والصّرف في المنهاج الجامعي، أي لا يوجد أي اختلاف عن طريق المقارنة التّي قمنا بها.
-
مقياس اللّسانيات :في مقياس اللّسانيات يبتدأ بالتّدرّج في عرض المحتوى، بدءًا بدراسات ما قبل سوسير إلى غاية اللّسانيّات التّواصليّة، إلّا أنّ المنهاج فقير نوعا ما في الإحالة إلى مناهج لسانيّة معاصرة من بينها اللّسانيات التّداولّية والمعرفيّة، خاصّة وأنّ النّظريّتان قد بلغتا أوجيهما في الدّراسات اللّسانيّة المعاصرة والتّعّليميّة على السّواء، كما نلاحظ عدم وجود اهتمام واضح بالتّواصل اللّساني إلّا من خلال إدراج عنصر الدّورة التّخاطبيّة عند رومان جاكبسون، وهي إشارة لا بأس بها لكن لابدّ من تدعيم العنصر التّواصلي بنماذج أخرى معاصرة أمثال ذيل هايمس، وقبل هذا كان على معدّي المنهاج التّكويني التّطرق إلى المنهج التّوليدي التّحويلي وأهمّية إكساب الطّفل الملكة اللّغويّة إنتقالا به إلى الملكة التّواصليّة، انطلاقا من المستوى اللّساني إلى المستوى اللّساني التّعليمي.
-
علم التّربية : علم التّربية مصدر مهمّ من مصادر اللّسانيّات التّطبيقيّة لأنّه يزوّده باستراتجيات التّعلّم والتّعليم في العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة، ولذلك تكمن حاجة المعلّم إلى علم التّربية من خلال حاجة المعلّم في حدّ ذاته إلى المناهج التّعليميّة « فيجب عليه أن يكون مدركا لأهمّية كلّ عنصر من عناصر المنهج من الأهداف والمحتوى والطّرق والوسائل والأنشطة التّعليميّة، والتّقويم ودور كلّ منها في المنهج » (موسى، 2008) لذلك على المعلّم أن يكون على دراية هامّة بأسس المنهج التّعليمي الذي يحتضنه علم التّربية، وهذا ما يتجسّد من خلال قراءة مفردات المقياس وبالضّبط في المحور الثّالث منه :
ومن خلال اطّلاعنا على مفردات المقياس لاحظنا أنّه شامل من خلال عرض المفردات وترتيبها وأهمّيتها، إلّا أنّه اتّسم بالتّقليد نوعا ما، حيث تنقصه محاور جادّة حديثة تُعنى بالاستراتيجيات التّواصليّة في علم التّربية والنّظريّة المعرفيّة في التّعليم وعناصر الإدراك المعرفي الذي تتبناه النّظرية المعرفيّة في المنهج التّعليمي الحديث، كما لم نجد إشارة لمفاهيم التّعليم الحديثة خاصة ما يتعلّق منها بالتّعليم وفق حلّ المشكلات التّعليمية والتّعلم التّعاوني وهي ضرورية لتكوين معلّم الغد.
3.2. برنامج التّكوين في السّنة الثّانية
إنّ الملاحظ في عرض مفردات التّكوين خلال السّنوات المتتالية، عدم ذكر وتفصيل في ملمح التّخرج للطّالب المعلّم، في كل سنة من تكوينه، حيث جاءت المقاييس متتالية غير موضّحة الهدف من التّكوين والكفاءات المراد تحقيقها في كلّ سنة.
السنة الثانية |
||||
المقاييس |
الحجم الساعي |
الحجم الساعي الأسبوعي والمعامل |
||
م |
أ.م/ أ.ت |
المعامل |
||
نقد |
90 |
1سا 30 |
1سا 30 |
2 |
عروض/ بلاغة |
90 |
1سا 30 |
1سا 30 |
2 |
(س1) تربية دينية (س2) تربية مدنية |
45 |
1 سا 30 |
1 |
|
رياضيات |
135 |
1 سا 30 |
03 سا 00 |
3 |
كيمياء |
90 |
1سا 30 |
1 سا 30 |
2 |
علم الحيوان |
45 |
1سا 30 |
1 |
|
جغرافيا |
45 |
1سا 30 |
1 |
|
علم نفس النمو للطفل |
90 |
1 سا 30 |
1 سا 30 |
2 |
فنون |
45 |
1سا 30 |
1 |
|
لغة أمازيغية |
45 |
1 سا 30 |
1 |
|
الحجم الساعي الإجمالي |
720 |
24 ساعة أسبوعيا |
16 |
جدول رقم (03) يوضّح البرنامج المقترح لمعلّم التّعليم الابتدائي في اللّغة العربية في السنة الثّانية من التّكوين. (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 : 02)
وفي السّنة الثّانية من التّكوين نجد أنّ المعلّم يأخذ مقاييس لغويّة نذكر منها
1.3.2. علم نفس النّمو للطّفل
ولا شكّ أنّ مقياس علم النّفس أيضا مصدر مهمّ من مصادر علم اللّسانيات التّطبيقيّة الذي يعنى بتعليم اللّغات، خاصّة ما يعتنى منها بسيكولوجيّة التّعلّم ودافعيّة التّعلم والإنجاز وفهم سلوكات المتعلّم في مختلف المراحل التّعليميّة وفهم شخصيّاتهم والفروقات الفرديّة المختلفة بين متعلّم وآخر، غير أنّ اللّجنة المنسّقة لبرنامج التّكوين لم تضع أهدافا واضحة المعالم للكفاءات المراد تحقيقها في الطّلبة المتعلّمين حيث جاء في مقدّمة المقياس :
« تكوين أساتذة ومعلّمين يواكبون التّغير والتّطوّر والتّعديل ويقبلون (ينخرطون) بصفة منتظمة في كلّ ما يتعلّق بتحسين الأداء، استحداث الممارسات الميدانيّة، التّكوين المستمر، لأنّهم يدركون وندرك كل الإدراك أنّهم طرف فاعل في المنظومة التّربويّة وليسو مجرد أداة، ومنه يجب أن تكون البرامج المعتمدة في تكوين المعلّمين خاصّة برامج التّكوين البيداغوجيّة قائمة على الاهتمام بالجانب الأدائي على غرار الجانب الاجتماعي » (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 : 68)
من خلال تدريب المعلّم الطّالب على معرفة مختلف جوانب النّمو التّي يمرّ عليها الطّفل، النّفسية والاجتماعيّة، ولكي يسهل على المعلّم مهامه أثناء أداءه.
2.3.2. مقياس تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في التّعليم
إنّ لوجود هذا المقياس في مناهج التّكوين لدى معلّم المدرسة العليا للأساتذة أمر في غاية الأهمّية، لكن لم يتمّ إدراج أهمّية أو الأهداف المراد تحقيقها لدى الطّالب المعلّم فيه، على الرّغم من أهمّيته في العمليّة التّعليميّة، خاصّة وأنّ أسس الاتّصال وقواعده وطرق استخدامه، وأجهزته وأدواته، تهمّ كل معلّم نظرا لأهمّيتها في تيسير عمليّة الفهم والتّنمية المعرفيّة للمتعلّم.
4.2. برنامج التّكوين في السّنة الثّالثة
المقاييس |
الحجم الساعي |
الحجم الساعي الأسبوعي والمعامل |
||
م |
أ.م/أ. ت |
المعامل |
||
نحو وصرف وإملاء (س1) |
90 |
1سا 30 |
1سا 30 |
2 |
تعليمية القواعد والإملاء (س1) |
45 |
1سا 30 |
1 |
|
نصوص وتعليمية النصوص (س1) |
90 |
1سا 30 |
1سا 30 |
2 |
تعليمية الرياضيات (س1) |
90 |
1سا 30 |
1سا 30 |
2 |
جيولوجيا (س1) |
90 |
1سا 30 |
1سا 30 |
2 |
علم النفس التربوي (س1) |
90 |
1سا 30 |
1سا 30 |
2 |
المناهج التعليمية (س2) |
90 |
1سا 30 |
1سا 30 |
2 |
تشريع مدرسي (س2) |
45 |
1سا 30 |
1 |
|
تدريب ميداني في المدارس الابتدائية |
2 |
|||
مذكرة التدريب الميداني |
1 |
|||
630 |
16 ساعة ونصف أسبوعيا س1 و4ساعات ونصف أسبوعيا س2 |
17 |
جدول رقم (04) : يوضّح البرنامج المقترح لمعلّم التّعليم الابتدائي في اللّغة العربية في السّنة الثّالثة من التّكوين (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 : 03).
في السّنة الأخيرة من التّكوين معلّم المرحلة الابتدائيّة يتلقى الطّالب المعلّم مقاييس وهي :
-
نحو وصرف وإملاء :يهدف تدريس هذا المقياس إلى : « إكمال النّقص في التّكوين اللغّوي ومراجعة بعض القضايا التّي تشغل بال الطّلبة » (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 :75) إذ أنّ جلّ القضايا في هذا المقياس تم تقديمها للطّالب المعلّم في السّنة الأولى من التّكوين، أي هو عبارة عن إعادة لما تمّ تقديمه سابقا، إضافة إلى سدّ النّقص والعجز في بعض الكفاءات الذي ربّما لم يتتحقّق لهم في السّنة الأولى من التّكوين.
-
تعليميّة القواعد والإملاء :حيث وضّح معدّو التّكوين أنّ الهدف من المقياس هو : « تزويد الطّلبة بخلفيّة نظريّة عن تعليميّة القواعد والإملاء، وإجراءات تطبيقيّة تمكّنه من الطّريقة النّموذجيّة في تدريس محوري القواعد والإملاء » (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 : 77) تضمّن طرائق تدريس القواعد، ومستوياتها وأهداف تدريسها، ومشكلاتها وتعليميّة الإملاء وأنواعها وشروط اختيار القطع الإملائيّة، لكن ما يعاب على مفردات المقياس هو عدم التّطرق إلى تعليميّة القواعد وفق مقاربة تعليميّة النّصوص أو المقاربة النّصيّة، وتعليميّة الظّواهر اللّغوية وفق المواقف التّعليميّة، ومراعاة السّياق في اختيار العبارات والجمل الملائمة لتدريسها، ومختلف الطّرائق النّشطة الحديثة المساهمة في تنمية الملكة التّواصليّة وتمكّنه من استخدام اللّغة في مختلف المواقف والأحوال، كلّ هذه العناصر والمفاهيم غائبة عن التّكوين.
-
مقياس نصوص وتعليميّة النّصوص : حدّد واضعو التّكوين أنّ الهدف من تدريس هذا المقياس هو أن : « يكتشف الطّالب بعد تلقّيه لهذه الدّروس أنواع النّصوص الأدبيّة، وتتكوّن لديه ملكة التّذوق الأدبي، كما ستمكّنه من اكتشاف عوالم النّص الأدبي » (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 :81)، نلاحظ من خلال أهداف تدريس مقياس نصوص وتعليميّة النّصوص عدم التّطرق إلى أهمّية النّص التّعليمي كأداة في تنمية مهارات اللّغة الأربع، محدّدين الهدف حول ملكة التّذوق الأدبي أي الاهتمام بالجانب البلاغي من اللّغة قبل الأداء التّواصلي والمهاري للنّصوص، وعليه لابدّ من توجيه الاهتمام حول دور النّص التّعليمي في تفعيل الفعل المهاري السّمعي والقرائي والكتابي والتّعبيري، والنّحوي والتّداولي لدى المتعلّم، والاتّجاه نحو وصوب تعليم اللّغة العربيّة وفق مدخل حديث وهو المدخل التّواصلي.
-
علم النّفس التّربوي : إنّ أهداف تدريس هذا المقياس لم تأت متخصّصة واضحة المعالم، بل جاءت عامّة تحاكي أهدافا سابقة، وهذا ما يقودنا بالقول أنّ معدّو المنهاج التّكويني ليسو من المتخصّصين، فيقول فيما يخصّ تحديد أهداف هذا المقياس :
« تكوين أساتذة ومعلّمين يواكبون التّغيّر والتّطور والتّعديل ويقبلون (ينخرطون) بصفة منتظّمة في كلّ ما يتعلّق بتحسين الأداء، استحداث الممارسات الميدانيّة، التّكوين المستمر، لأنّهم يدركون ولأنّنا ندرك كلّ الإدراك أنّهم طرف فاعل في المنظومة التّربويّة وليسو مجرّد أداة. ومنه يجب أن تكون البرامج المعتمدة في تكوين المعلّمين خاصّة برامج التّكوين البيداغوجي قائمة على الاهتمام بالجانب الأدائي على غرار الجانب الاجتماعي » (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 : 91)
-
في حين عند تصفّحنا لمفردات المقياس وجدنا المواضيع التّي تتعلّق بموضوع الاتّصال البيداغوجي وطبيعة العلاقات التّربويّة فما علاقة الاتّصال البيداغوجي بعلم النّفس التّربوي؟
-
المناهج التّعليميّة :وهي أن يتمكّن الطّالب من : « التّمييز بين المنهج القديم والحديث، تصنيف الأهداف التّربوية، بناء أسئلة تقييميّة، بناء خطة تدريسيّة » (برنامج التّكوين لمعلم التّعليم الأساسي في اللغة العربية، 2009، 2010 :93) يتناول فيه تعريف المنهج وأنواع المناهج التّعليميّة، وأسسها والمقاربات البيداغوجيّة التّقليديّة منها والحديثة (المقاربة بالأهداف والمحتويات، والكفاءات، وطرائق التّدريس التّقليديّة والحديثة، والوسائل التّعليميّة والتّقويم. هذا المقياس شامل للمفردات العامّة حوله ولم نسجل اختلالات في طبيعة مفرداته.
-
مقياس التّشريع المدرسي : وهو مقياس يختصّ بقوانين العمل، الحقوق والواجبات وغيرها من المبادئ التّي يقوم عليها التّشريع المدرسي داخل المؤسّسة التّعليميّة وخارجها.
خاتمة
إنّ برنامج إعداد معلّم اللّغة العربيّة في المدارس العليا للأساتذة يفتقد لأسس برنامج إعداد معلّمي اللّغات، أمام غياب أسس وملامح هذا التّكوين، وهذا ما يقودنا بالقول إلى اتّهامه بالقصور، ومنه يمكننا تحديد ملامح هذا القصور في النّقاط التّالية :
-
إنّ معايير اختيار وانتقاء معلّم اللّغة العربيّة في المدارس العليا للأساتذة ضعيفة جدّا مقارنة بما هو رائج في البلدان المتقدّمة، فالشّرط الذي تضعه هو الحصول على علامة (12/20) وهو شرط متواضع جدّا أمام المهمّة التّي يضطلع بها، خاصّة في هذه المرحلة المهمّة والحسّاسة من التّعليم.
-
ضعف معايير اختبار قياس قدرات المعلّم اللّغويّة والتّواصليّة، فالمقابلة الشّخصيّة التّي تجرى ليست معيارا لفشل الطّالب أو نجاحه لأداء المهنة، فلابدّ أن يُتبع ذلك اختبار كتابي أيضا دون الاعتماد على الشّفوي فقط، كما يجب اعتماد السّيرة العلميّة والذّاتيّة للطّالب المتقدّم، واختبار لمسألة الصّحة البدنيّة التّي تعين المعلّم على التّواصل الفعّال مع متعلّميه.
-
لا يوجد برنامج واضح المعالم مسبق التّخطيط بالنّسبة لمعلّم اللّغة العربيّة المتقدّم للمدرسة العليا للأساتذة، وأنّ برنامج التّكوين المقرّر لا يختلف كثيرا عن برامج التّكوين الجامعي ومفرداته.
-
نلاحظ من خلال برنامج التّكوين للسّنة الأولى غياب مقياس أوّلي يُعنى بأهمّية التّعليم، ومهمّة المعلّم ودوره ومهامه في المدرسة والمجتمع.
-
غياب كلّي لمفاهيم تعليميّة القواعد وفق المدخل التّواصلي.
-
عدم إدراج مفاهيم حول الظّواهر اللّغويّة، وفق ما يتعلّق بما هو نحوي وصرفي.
-
غياب مفهوم المقاربة النّصيّة واستثمار تعليم النّصوص القرائيّة لتعليم الظّاهرة اللّغويّة.
-
غياب مفاهيم تعليم الظّواهر اللّغويّة (النّحوية والصّرفيّة) وفق المواقف اللّغويّة والمهمّات التّعليميّة والتّواصليّة.
-
غياب مقياس تعليمي خاص بمهارات اللّغة العربيّة ونماذجها التّعليميّة.
-
نقترح ضرورة إدراج مادّة الفلسفة التّعليميّة حتى يتمكّن الطّالب المعلّم من معرفة طبيعة الفلسفة التّعليميّة المنتهجة في وطنه وفي بلدان عربيّة وعالميّة، وإدراج مفردات تعليميّة خاصّة بالمحتوى الثّقافي والاجتماعي.
-
كما نقترح نماذج تعليميّة اللّغة العربيّة بالحاسوب.
-
نقترح نماذج تقويم حديثة للتّدريس.
وتشير المقابلات التّي تمّ اعتمادها مع المعلّمين إلى أنّ البرنامج التّكويني الذي تلقّوه طيلة الثّلاث سنوات لا يتوافق مع محتوى المنهاج المدرّس في المرحلة الابتدائيّة أثناء الخدمة، حيث أنّ برنامج التّكوين التّخصّصي لمهنة المعلّم لا يكفي من وجهة نظرهم كممارسين تعليميّين، ويفتقر لأسس التّكوين الأسّاسيّة لما هو موجود في المنهاج التّعليمي والواقع الاجتماعي والثّقافي للمتعلّم.
لذلك يجب أن يجتمع في مكوّنات برنامج التّكوين العناصر اللّغوية والمهاريّة والشّخصيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة الحقيقيّة التّي تتوافق مع المنهاج المدرّس في المرحلة الابتدائيّة.