مقدمة
تعد شبكات التواصل الاجتماعي ثورة تكنولوجية رافقت الإعلام الجديد الذي غير ترتيب وموضع القوى وقلب كل الموازين، إذ يوصف هذا الفضاء -أي الشبكات الاجتماعية- بالتحرر الكبير والانتشار الواسع له، فاليوم أصبح يضم أكثر من نصف العالم منخرطين في هذه الشبكات الاجتماعية يتابعون ما يحدث يوميا من جديد ويتفاعلون معه بالنشر والتعليق والمشاركة وأيضا بالتأثير وحشد الرأي العام.
فالإعلام الجديد متحرر من كل قيد أو سلطة خاصة عندما نكون في مجتمع يغلب عليه الرأي الواحد فدخول وسائل التواصل الاجتماعي حررت الفرد من التبعية للمؤسسات الرسمية ووجد الفرد ضالته في تلك الوسائط فالإعلام الجديد وجد نفسه مستعدا لسد الفراغ وتحرير المتلقي من إيديولوجية السلطة الحاكمة1، وهذا ما يؤكده أدموين إمري في قوله:
« إن الإعلام الجديد قد انفلت من يد السلطة السياسية وجعل المتلقي ينفلت منها ويتحول إلى صانع للخبر ومتحكم فيه ويمكنه أن يزعج السلطة وأن يطيح بها كل هذه الخصائص وفرتها التقنية الفائقة أو الرهيبة والتي مكنتنا من جعل الزمن والفضاء طوع إرادتنا باستخدام الحاسبات الآلية وأنظمة الإرسال الفوري »2
لقد أصبحت الشبكات الاجتماعية ملجأ لكثير من الفئات الاجتماعية المهمشة والتي تعاني نوعا من القهر الاجتماعي والسياسي حيث مكنتها الشبكات الاجتماعية من التعبير عن نفسها وساعدها على التحرر من المؤسسات الرسمية أو الإعلام التقليدي الذي يبقى فيه المواطن متلقيا ومشاهدا فقط« 3
وانطلاقا من هذا فقد استغل الشباب الجزائري المزايا التي توفرها الشبكات الاجتماعية ووظفها في التعبير عن رفضه للأوضاع السياسية والاجتماعية التي يعيشها وللتحضير للثورة الجديدة والتي وصفت بالسلمية والتحررية والتي شنها ضد رموز النظام الفاسدة والمطالبة بمحاكمتهم ومحاسبتهم عن ما آلت إليه البلاد، وهذه الثورة بدأت عبر الفيسبوك الذي احتواها وأطرها لتبلغ ما بلغته اليوم »إذ أصبح المجتجون يؤطرون الواقع عن طريق الفيسبوك ويؤطرون الفيسبوك من خلال الواقع ويستشرقون مآلاته« 4
فبإمكاننا القول أن قيام الحراك ونجاحه يعود بدرجة كبيرة إلى التقنية الحديثة والشبكات الاجتماعية وعلى رأسها الفيسبوك هذا من جهة إضافة إلى فطنة الشباب والجيل الحديث الذي عرف كيف يوظفها في خدمة أهدافه والتعبير عن مطالبه والإصرار عليها كما يقول في ذلك براتراند بادي قائلا » إن الأجيال الجديدة قد تمردت على السلطة وتحولت إلى قوة ضاغطة كبيرة ساعدتها التكنولوجيا في التعبير عن ذاتها وفي الانعتاق من نظام الرقابة ومحاولة تغيير واقعها عن طريق مجابهة السلطة بأخطائها حيث إن الشعارات الشعبوية لم تعد مجدية ولم تعد قادرة على رأب الصدع بين تلك الفوارق المتزايدة بين طموح الدولة الظاهرة وبين فعاليتها الحقيقية« .5
ونحاول في هذا البحث التطرق إلى الكشف عن واقع الحراك السياسي الجزائري من خلال موقع الفيسبوك وذلك من الناحية السوسيولسانية ولكن قبل ذلك لابد لنا من ضبط مفاهيم الدراسة :
1. الفيسبوك
يعد موقع فيسبوك أحد أهم مكونات شبكة المعلومات الدولية بالإضافة إلى أنه يشكل قطاعا متميزا له طبيعته الخاصة في المجتمع الافتراضي الذي أصبح له وجوده المؤثر على تفاعلات المجتمع الواقعي الذي نعيش فيه.
ونشير هنا إلى أن موقع الفيسبوك هو نتاج موقع فيس ماش(Face Match) التابع لجامعة هارفارد وهو موقع من نوع خاص يعتمد على نشر صور لمجموعة من الأشخاص ثم يقوم رواد الموقع باختيار الشخص الأكثر جاذبية، بعد ذلك قام مارك زوكريبرغ(Mark Zuckerberg) باختراق الموقع وإضافة كثير من الأصدقاء عليه ومكنهم من تبادل الأخبار والصور والآراء فيما بينهم ليؤسس بذلك موقع الفيسبوك الذي نعرفه حاليا وذلك عام 2004، »ففي البداية كانت العضوية في الموقع مقتصرة على طلبة جامعة هارفارد فقط وشيئا فشيئا أتيحت لطلاب الجامعات الأخرى في الولايات المتحدة وكندا ثم اتسعت الدائرة لتشمل أي طالب جامعي، ومن ثم طلبة المدارس الثانوية الساعين إلى تعرف الحياة الجامعية، وفي العام 2006 فتح الموقع أبوابه أمام جميع الأفراد.« .6
إن الترجمة الحرفية لاسم فيسبوك هي كتاب الوجه، ومن المعروف أن للوجه دلالاته في علم الاجتماع، فالوجه قد يدل على اعتداء المرء بنفسه أو على المنزلة ودرجة الاحترام والمهابة التي يضيفها عليه الآخرون كما أن الملامح والصفات المتصلة بالوجه أو الرأس تعبر عن كثير من المشاعر القيمية والخصال حتى وإن كانت من جملة المظاهر الطبيعية التي يتميز بها الناس، ولكلمة كتاب أيضا دلالاتها المرتبطة بالبعد الاجتماعي للوجه لذا ذهب بعض الباحثين إلى أن كتاب الوجه أو الفيسبوك هو النسخة الإلكترونية –الافتراضية عن الشخصية في إطار تفاعلها الاجتماعي.7
فالفيسبوك فضاء يجتمع فيه أفراد المجتمع للتفاعل مع بعضهم من خلال تبادل الصور وأشرطة الفيديو وغيرها من المعلومات والاتصال بشكل عام مع الأصدقاء والعائلة وزملاء العمل والدراسة وغيرهم وهو يربط الأفراد الذين يبنون علاقات على سطح صفحات الملف الشخصي التي تسمح للمستخدمين بتبادل المعلومات والتواصل بينهم، إنه يسعى لخلق بيئة يمكن للأفراد الدخول بانتظام لتتبع ما يفعله الأصدقاء باستمرار وتبادل الأنشطة الخاصة بهم.8
وباختصار يمكننا القول أن الفيسبوك أكثر شبكات التواصل الاجتماعي استخداما في العالم وهو يجمع الكل في فضاء واحد ويسمح لهم بالتواصل مع المعارف والأصدقاء فضلا عن إمكانية بناء علاقات جديدة وتبادل الأخبار والمعلومات ومشاركاتها وفق مختلف الخدمات التي يتيحها الموقع.
2. الحراك السياسي ومطالبه
الحراك مفهوم شامل ومركب من حراك وسياسي والذي هو في أصله حراك اجتماعي فالحراك فيزيائيا مأخوذ من الحركة وهو كل مظهر من مظاهر النشاط وهو ضد السكون في الممارسة السياسية والاجتماعية وهو الذي يجعل الجماعة تنشط في صلب الحراك لتحقيق أهداف معينة فهو حراك معارض ذو طبيعة إيجابية يهدف إلى تغيير الأوضاع إلى ماهو أحسن من خلال مناهضة الاستغلال والمطالبة بالعدل والمساواة وما إلى ذلك9. فالحراك إذا يراد به كافة الفعاليات السياسية التي يشارك فيها أفراد المجتمع من مسيرات واحتجاجات ومظاهرات وتصاحبها نقاشات مفتوحة في عدد من الموضوعات السياسية كمحاربة الفساد والتعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية والرئاسية وما إلى ذلك. والحراك السياسي في الجزائر هو موقف سياسي اتخذه الشعب أمام انسداد الوضع في البلاد وهو موقف شعبي بشتى أطيافه وشرائحه بطريقة سلمية فكان رسالة سياسية قوية للسلطة بوجوب تنحيتها وزوال ايديولوجيتها ونظامها10، وقد اتخذ الشعب الجزائري خيار الحراك ولم يؤطره أحد إنما دفعته الإرادة القوية للأفراد ومبادرتهم واقتراحاتهم والتي تحولت إلى إرادة عامة الشعب الذي حافظ على الطبيعة السلمية للحراك بالرغم من محاولات اختراقه وتوجيهه نحو العنف وأعمال الشغب11، وهو حراك يسعى للتغيير الشامل وبناء دولة الحق والقانون والحرية والديمقراطية .
ونقصد بالحراك السياسي الجزائري » ذلك الرفض الجماهيري الذي خرج رفضا لترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة وهو غضب شعبي مس كل ولايات الوطن بطريقة عفوية وليس له أي قيادة سياسية أو حزبية كان يرفع في البداية رفض العهدة الخامسة ثم تحول إلى حركة سياسية واجتماعية تطالب باصلاحات جذرية على مستوى النظام السياسي الجزائري هو حراك يعتمد على التحرك في الواقع وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك« .12
وكانت بداية هذا الحراك الشعبي في الجزائر يوم 22 فيفري حيث خرج الشعب في مسيرات معلنا رفض ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة وهذا الأخير قد تولى الحكم منذ 20 عاما وبعد تدهور حالته الصحية وغيابه عن أداء مهامه الرسمية وبداية تذمر الشعب من هذه الحال وأوضاع البلاد إلا أن المجموعات النافذة داخل النظام وبهدف الحفاظ على مصالحها قررت الدفع بعهدة جديدة للرئيس لتكون لخطة إعلان ترشيحه هي اللحظة الثورية التي أخرجت الجزائريين إلى الشوارع للاحتجاج والمطالبة برفض العهدة الخامسة وخاصة بعد الركود الذي عرفته الجزائر، فخرجت حركات احتجاجية احتلت الشوارع العامة مما اضطر الرئيس بوتفليقة إلى سحب ترشحه ليتولى بعده رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح تسيير المرحلة الانتقالية لاحقا لكن الحراك لم يتوقف عند هذا الحد فقد رفع سقف مطالبه وأراد قطيعة كاملة مع إرث بوتفليقة فطالب بتنحية كل رموز النظام والوجوه القديمة فيه ولم يبرحوا الشارع والمسيرات الاحتجاجية التي كانت حاضرة كل جمعة ورفعوا عدة شعارات للمطالبة برحيل كل المحسوبين على رموز النظام الفاسد التابع بوتفليقة ومحاسبتهم عما وصلت إليه البلاد من تدهور وعلى رأسهم أحمد أويحي والسعيد بوتفليقة وغيرهم، وعن رفض الحراك الشعبي للرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح رغم موافقته على مطالب الجيش الجزائري بتفعيل المادة 102 من الدستوري والتي تولي فيها البلاد رئيس مؤقت إلى حين انتخاب رئيس جديد فإن الحراك قد رفض وبقوة إشراف بن صالح وأتباعه على الانتخابات لأنهم من نظام بوتفليقة ويجب تغييرهم بالكامل فببقائهم في هرم السلطة سيعيدون إنتاج هذا النظام بشكل أو بآخر، لذا يطالب الحراك برحيلهم والدخول في مرحلة انتقالية توافقية تضع الأسس لقواعد ديمقراطية جديدة وتسليم المشعل لوجوه جديدة ونزيهة من شأنها إدارة الانتخابات الرئاسية المقبلة بنزاهة، ومن المتظاهرين كذلك من طالب قائد أركان الجيش بالاستقالة بعد تأكد إصراره على عملية الانتقال السياسي التي تطرحها مؤسسة الجيش عبر الرئاسة المؤقتة بقيادة الثنائي بن صالح والوزير الأول بدوي.
وأمام جملة هذه المطالب ويؤكد أن الحراكيون على أنه لن تكون هناك انتخابات إلا بعد رحيل كل العصابة ويصرون على عدم مغادرة المسيرات إلا بتحقق كل هذه المطالب وفي ظل هذه الأحداث تبقى الساحة السياسية في الجزائر مفتوحة على عدة احتمالات.
3. دور الفيسبوك في تفعيل الحراك السياسي
لقد أظهر الحراك السياسي السلمي الذي تعيشه الجزائر منذ أسابيع القدرة الكبيرة على التأثير التي تتميز بها وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها الفيسبوك في من خلال صناعة وتوجيه الرأي العام ومحاولة الدفع إلى تغيير الأوضاع إلى ماهو أحسن فلا يمكن لأحد أن ينكر اليوم أن الفيسبوك يبقى الفاعل الأساسي في الدعوة لحراك الشارع فقد جرى تهيئة الحراك من خلال الفضاء الافتراضي والذي كان متنفسا للتعبير الحر ومع انطلاق شرارة الحراك الشعبي تحول النشاط الحراكي في الواقع الافتراضي إلى واقع مجسد ميدانيا ليصبح الشارع الجزائري بمثابة جدارية فيسبوكية تتحرك13.
ويمكن القول أن الفيسبوك قد تمكن أيضا من صناعة الوعي وروح المواطنة في الشعب وخاصة لدى الشباب الذي تفاعل معه ولم يلجأ إلى العنف مثلما روجت له كل المنشورات التي تم تداولها عبر الفيسبوك في الأشهر الأخيرة ليخرج إلى الشارع شعب متشبع بروح الوطنية استطاع تحقيق جزء من مطالبه ولا يزال يواصل14.
وكان للفيسبوك أثر في تجنيد حشود كبيرة بفعل الكم الهائل من المنشورات والفيديوهات التي ينشرها الشباب المشارك في الحراك والذين قاموا بتغطية التظاهرات في جميع مراحلها وقد سمح لكل المواطنين مهما كان مقرهم ومستواهم التعليمي والثقافي بالمشاركة في التعبئة السياسية عبر التفاعل مع كل جديد في هذا الحدث، كما أن جل الأحزاب السياسية والشخصيات أصبحت تروج لآراءها اتجاه هذا الحراك بطريقة ما عبر الفيسبوك، وهذا ما نلاحظه من خلال صفحاتهم الشخصية وكذلك عبر الصفحات التي أنشأت لمتابعة هذا الحراك وتطوراته كصفحة نهضة شباب الجزائر وصفحة ثورة الجزائر2019، وصفحة حراك الجزائر، 1.2.3viva l’algerie والتي يبلغ عدد المشاركين في كل منها بالآلاف مما يضمن فعالية التواصل وسرعته، حيث يقوم المستخدمون من خلالها بنشر صور، فيديوهات، شعارات أو خطابات مكتوبة حول الحراك السياسي في الجزائر لخصت مطالبهم وتذمرهم من الأوضاع الحالية وتطلعاتهم إلى غد أفضل وإن كان كثير من هذه اللافتات بمضامين جدية لكن أصحابها فضلوا صياغتها بشكل ساخر وقد قام نشطاء آخرون بالتفاعل معها ومشاركتها عبر حساباتهم ولاسيما تلك المتداولة بكثرة.
واللافت في هذه المنشورات أنها متجددة مع تجدد الأحداث في الساحة السياسية الجزائرية فبداية كانت أغلب المنشورات تطالب برحيل الرئيس بوتفليقة والدعوة إلى سلمية المظاهرات ومنها المنشورات المنادية باستمرار الحراك وصموده غلى غاية تحقيق كل المطالب وكما رأينا مع كل قرار أو خطاب جديد سواء للمؤسسة العسكرية أو السلطة نجد كما هائلا من المنشورات والتعليقات الموازية، وإن كان من غير الممكن الإلمام بكل المنشورات الواردة في الحراك إلا أنني قمت في هذه الدراسة باختيار عينة بسيطة من المنشورات الأكثر تداولا لمعرفة مضمونها وكذلك طبيعتها اللغوية التي كتبت بها :
قراءة وتحليل
يُظهر المنشور لافتة باللون الأبيض وقد كتب عليها باللون الأسود خطاب ثنائي اللغة لا لعهدة خامسة بالفصحى وأسفله (Dégage Bouteflika) باللغة الفرنسية وقد توسط العبارتين رقم خمسة ضمن دائرة وقد وردت مشطوبة للدلالة على رفضهم العهدة الرقم خمسة، فمباشرة بعد إعلان الرئيس بوتفليقة نيته في الترشح لولاية انتخابية جديدة انتشرت بسرعة دعوات للتظاهر والتعبير عن رفض هذا الترشح عبر الفيسبوك داعين إلى وقف مشروع العهدة الخامسة وقد تم رفع لافتات في هذه المسيرات وإدراج صور ومنشورات تصب كلها في نفس المنحى(لا للعهدة الخامسة، يابوتفيلقة ربي حلل ربعة والخامسة حرام عليك وكذلك (il faut pas tzid manda)،وهذة المظاهرات والاحتجاجات الضخمة والغير مسبوقة كان لها أثر فقد دفعت بالرئيس بوتفليقة للتقدم باستقالته وسحبه لترشحه لتكون أولى انتصارات الحراك في 11 مارس المنقضي بعد عدول الرئيس عن الترشح وإصدار قرار تأجيل الانتخابات.
قراءة وتحليل
يبين هذا المنشور صورة رجل متظاهر وسط الشارع يحمل لافتة عليها مطرقة ومسمار أعوج مقترن بجزء من إطار وقد كتب عليها باللغة العامية » طاح الكادر قعدو لمسامر« ، والمدلول العام للعبارة »طاح الكادر« بمعنى أن بوتفليقة قد سقط وانتهى وذلك بعد إعلانه الانسحاب من الإنتخابات الرئاسية تحت ضغط الشعب ولكن نظامه لايزال قائما بتعبير الصورة » قعدو لمسامر« وإسقاطهم هو المطلب التالي للمتظاهرين، ونشير هنا أن مصطلح الكادر قد حضر بقوة في المسيرات وهو يحيل إلى الإطار الذي يحمل صورة الرئيس بوتفليقة وقد كان ينوب عنه منذ ابتعاده عن الأضواء الإعلامية بعد مرضه وقد كان ينوب عنه في عدد من الاحتفالات والمناسبات وتلقي الكريمات الموجهة للرئيس الغائب وسط تصفيقات الحاضرين مما شكل إهانة للجزائريين وشرارة أخرجتهم إلى الشارع في هذه المظاهرات احتجاجا على هذا الكادر أما »المسامر« فالمقصود بهم حاشية بوتفليقة ورموز نظامه وكل أتباعه.
قراءة وتحليل
المنشور عبارة عن صورة مأخوذة من قلب الحراك في الجزائر العاصمة بالقرب من البريد المركزي كتب عليها خطاب باللغة العامية » باش يتنحاو قاع لازم نخرجو قاع« وقد كتبت العبارة باللون الأبيض ضمن إطارات ملونة بكل من الأخضر والأحمر وهذه الرموز تشكل رموزا للهوية الوطنية والعلم الجزائري، والمقصود من هذا الخطاب هو الدعوة والتحريض على الخروج في المسيرات السلمية من أجل إسقاط النظام فتحقيق هذا الهدف مرهون بخروج كل الشعب الجزائري إلى الساحات والشوارع لرفض هذا النظام وإسقاطه، ونشير هنا إلى أن عبارة » يتنحاو قاع « باللهجة الجزائرية قد أصبحت أيقونة للحراك الجزائري وهي في حقيقتها
صرخة لشاب جزائري تلفظ بها على المباشر في قناة سكاي نيوز العربية حيث سألته الصحفية عن رأيه بعد سحب الرئيس بوتفليقة ترشحه قائلا »يتنحاو قاع« بمعنى فليرحلوا جميعا قاصدا بها كل النظام التابع لبوتفيلقة مشيرا إلى أن هذا هو مطلبه ومطلب جميع الجزائريين الذين خرجو في مسيراتهم الاحتجاجية، وهذه العبارة قد تصدرت مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والفيسبوك خاصة وأصبحت مصدر إلهام للكثيرين منهم وقد تم التفنن في تصميم لافتات ومنشورات تحمل هذه العبارة كما جاء في نموذج المنشور الذي اخترناه.
قراءة وتحليل
يبين المنشور صورة للرئيس عبد القادر بن صالح حيث تم تم تصميمها بتوظيف الفوتوشوب تظهر الرئيس على شكل رجل آلي (روبوت) وهذا الروبوت تتحكم فيه أسلاك وخلفية الصورة قد وردت ملونة بألون العلم الفرنسي وكتب على الصورة خطاب مباشر وصريح بتوظيف الازدواجية اللغوية (فصحى-عامية) » يا عملاء فرنسا ترحلو يعني ترحلو« حيث »ياعملاء فرنسا : عربية فصيحة، « ترحلو يعني ترحلو » لغة عامية، والخطاب وهو رسالة مقصودة إلى بن صالح تطالبه بالرحيل وتصفه بأنه من عملاء فرنسا التي تتحكم فيه وتحاول من خلاله وأتباعه التحكم في الجزائر، فعقب تولي بن صالح رئيس مجلس الأمة الرئاسة الانتقالي انتقلت الاحتجاجات من استهداف الرئيس المستقيل بوتفليقة إلى مهاجمة بن صالح ويطالبه المتظاهرون بالرحيل فهو بالنسبة إليهم أحد وجوه النظام وبالرغم من أن بن صالح قد وعد بتنظيم انتخابات رئاسية نزيهة تضمن انتقال السلطة والمناصب إلى من يختاره الشعب إلا أن المتظاهرون يشككون في هذه النزاهة لأنها ستنظم في إطار قوانين وضعتها السلطة الموروثة عن بوتفليقة والتي وجهت لها اتهامات على مدى عشرين عاما بالتزوير ويطالب الحراكيون كذلك بانتقال السلطة أولا إلى شخصيات توافقية يختارها الشعب ويؤكدون على عدم إجراء أي انتخابات في ظل الوجوه القديمة، وقد برزت في مواقع التواصل منشورات كثيرة موازية لهذا كتب فيها (ارحل يابن صالح نريد رئيسا صالح، بن صالح ديغاج وأيضا نريد رحيل الباءات الثلاثة والمقصودة بيها الطيب بلعيز رئيس المجلس التشريعي وكذلك بدوي رئيس الحكومة).
قراءة وتحليل
يظهر المنشور صورة لرؤس العصابة يحيط بها منجل وهذا الأخير تمسك به يد الشعب وقد كتب عليه باللغة العامية « كليتو لبلاد يالسراقين وتتحاسبو قاع » وفيه اتهام مباشر للمسؤولين عن النظام بأعمال الفساد ونهب أموال الشعب واستغلالها لمصالحهم ويؤكد الخطاب كذلك على ضرورة محاسبة هؤلاء وهذا المنشور له دلالة قوية من الناحية السيميائية تختصر الكثير من الكلام وخاصة توظيف المنجل في الصورة ، فالمنجل هو رمز تزود به القاموس الجزائري في سياق الحراك وقد شاع تداوله عبر الوسائط الاجتماعية وإن كان في أصله أداة يدوية تساعد على حصاد أكبر عدد ممكن من السنابل بفعالية وفي نفس الوقت فقد استخدم في الحراك للدلالة على حملة التطهير التي أقرها الشعب ومالحقها من ملاحقات قضائية ضد من يسمون بالعصابة وهذا بالتزامن مع التحقيقات التي باشرتها السلطات الأمنية والقضاء مع أغلب السياسين ووالوزراء ورجال الأعمال ومن بينهم السعيد بوتفليقة وأحمد أويحي وبشير طرطاق وغيرهم من اتهموا بالفساد والتآمر على البلاد وقد تم توقيفهم بالسجن إلى غاية صدور الأحكام النهائية ويكد الشعب على ضرورة محاسبتهم ومحاسبة كل من كان شريكا لهم في الفساد واسترداد كل أملاك الشعب المنهوبة.
قراءة وتحليل
يبين المنشور صورة أخذت من قلب الحراك وتظهر شباب يحملون لافتة كبيرة باللون الأبيض كتب عليها باللغة العامية « الجيش ديالنا والجزاير بلادنا » وقد جاءت لتأكد على العلاقة الوطيدة بين الشعب والجيش والتلاحم بينهما وخاصة بعد إعلان أحمد قايد صالح قائد الجيش عدم أهلية الرئيس بوتفليقة للرئاسيات موافقا في ذلك مانادى به الحراكيون برفضهم للعهدة الخامسة كما تواصلت هذه العلاقة وتدعمت أكثر لانسجام المؤسسة العسكرية مع مطالب الشعب وتطبيقها وخاصة مطالبتهم بمحاسبة أفراد العصابة وقد تم ذلك بالفعل كما أشاد المتظاهرون من خلال مسيراتهم الشعبية بالجيش الوطني وبدوره في الحفاظ على استقرار البلاد وحماية الوطن ووحدته ولكن مع ارتفاع سقف المطالب ومطالبتهم لرحيل رؤوس العصابة رأينا تمسك القايد صالح في الفتة الأخيرة بكل من بدوي وبن صالح وهو الأمر الذي لم يعجب الكثيرين مما فتح عليه أبواب الاتهامات كذلك حتى أن هناك من طالبه بالرحيل.
قراءة وتحليل
يظهر المنشور لافتة من قلب الحراك رسم عليها كاريكاتور للقايد صالح بالزي العسكي ومعه تمثيل لثكنة وبعض العسكر وقد كتب على المنشور باللغة العامية :« لي حب يحكمه القايد يروح يقاجي يهني روحو ويهنينا » وهذا المنشور كان بالموازاة مع المسيرات التي خرج فيها الجزائريون المتظاهرون ولعدة جمعات على التوالي في شوارع العاصمة وقد نادى أغلب المتظاهرين برفض الدولة العسكرية ناهيك عن إلغاء انتخابات الرابع جويلية التي يرفضها الشعب جملة وتفصيلا ولا يمكن أن تكون أن تمت سوى استمرارية التلاعب بالإرادة الشعبية ورغبة الشعب في التجديد والاصلاح وبناء دولة الحق والقانون الديمقراطية، وهذه المسيرات والجماهير الحاشدة انطلقت تحت شعار جمعة دولة مدنية ماشي عسكرية في إصرار وتحد لكل ألاعيب العصابة للالتفاف حول الحراك وإفشاله ورفع المشاركون العديد من الشعارات التي تدور في نفس المنحى ومن بينها هذا الشعار، فالمطلب كان هو رحيل العصابة المطالبة بدولة مدنية دون العصبة العسكرية وقد جاء الرد من القايد صالح أن شعار الدولة المدنية غير العسكرية المرددة في كل جمعة بأنها « أفكار مسمومة أملتها دوائر معادية الجزائر »، مضيفا إلى كلامه أن الانتخابات الرئاسية التي نعتبرها مفتاحا حقيقيا للولوج إلى بناء دولة قوية ذات أسس سلمية وصحيحة ودولة تعمل بقيادة الجيش الوطني الشعبي بكل إصرار على ضمان بلوغها في ظروف آمنة ومستقرة.
نتائج
وفي ختام هذه الورقة البحثية نخلص إلى مجموعة من النتائج لعل أبرزها :
-
للفيسبوك دور كبير في تفعيل الحراك واستمراره كما ساهم في تجنيد حشود كبيرة للمشاركة في المسيرات وتوجيهها نحو السلمية وذلك بفضل خصائصه التفاعلية من خلال النشر والمشاركة والتعليق على الروابط المختلفة والفيديوهات والمنشورات.
-
المنشورات الفيسبوكية كانت عديدة ومتجددة مع تجدد الأحداث في الساحة السياسية الجزائرية كما نجد للمنشور الواحد عشرات التعليقات الموازية له.
-
كتبت أغلب خطابات هذه المنشورات وتعليقاتها باللغة العامية الجزائرية وكانت صريحة ومباشرة تهدف أغلبها إلى تخوين رموز النظام والمطالبة برحيله ومحاسبته.
-
كما تخللت الخطابات المنشورة في الفيسبوك وجود عدة ألفاظ أجنبية فرنسية سواء كانت أصلية أو محورة عن اللغة الفرنسية وهذا يبين لنا تغلغل الفرنسية في المجتمع الجزائري وذلك انطلاقا من مرجعيات تاريخية تعود لتواجد الاستعمار الفرنسي فترة طويلة بالجزائر.