مقدمة
إن الحديث عن ثقافة العنف وخصائص السلوك الاجتماعي عند الفرد الجزائري بشكل عام والشباب بشكل خاص أمر ليس بالهين خصوصا إذا علمنا بأن سلوك الفرد غالبا ما يتطابق مع الثقافة السائدة للمجتمع الذي ينتمي إليه. وحيث أن المجتمع الجزائري عرف تحولات وتغيرات عديدة في بنيته الاجتماعية وأنساقه الفرعية انعكست نتائجها سلبا على سلم القيم والمعايير والعلاقات الاجتماعية المكونة له، فطفت على السطح أمراض اجتماعية متعددة لعل أخطرها ظاهرة العنف التي أصبحت تعرف منحاً تطورياً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، حيث أضحت لغة العنف أكثرا تواجدا في مختلف الفضاءات الاجتماعية والأسرية مقارنة بلغة الحوار والتفاهم.
وحيث أن المجتمع الجزائري شبابي بالدرجة الأولى فإن ارتباطهم بالعنف يخلق اضطرابا حقيقيا يهدد أمن واستقرار هذا المجتمع ويعوق تنميته وتطوره نحو الأفضل، يجعل منهم قنبلة موقوتة تنفجر متى زاد الضغط فيها لدرجة لا تحتمل، ذلك لأن الشباب ثروة بشرية هامة تعول عليها الأمم لنهوض بمجتمعاتها، وحيث أن إشكالية العنف لدى الشباب تتداخل فيها عوامل متعددة ومتباينة، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، جعلت من العنف الشبابي يأخذ منحا غير تقليدي في التحليل والبحث في أسبابه، حيث تتضح لنا الصورة على أنه عنف تعبيري أكثر منه تخريبي، عنف لإثبات الذات ولفت الانتباه، عنف للتعبير عن الإحباط والتهميش والفراغ القاتل، لكنه عنف غير مبرر بل هنا يحق لنا أن نتساءل هل أن العنف أضحى هو الحل الوحيد لمشاكل الشباب وهل صحيح أن الشباب الجزائري لا يعرف التعبير عن مشاكله إلا بالعنف؟ ذلك لأنه لم يتعلم أصول حل مشكلاته إلا بهذه الطريقة، وهنا يجدر بنا الحال البحث في سيرورة تنشئته الاجتماعية، وفي ثقافته المكتسبة من هذا المجتمع الذي جعل له العنف أول الحلول في أي موقف يختلف فيه مع الآخر.
إن سلوك الفرد قبل أن يكون شخصي هو ثقافي_ اجتماعي وليد جملة من العوامل وبالخصوص التنشئية. فالفرد المسالم في تعامله المتفتح على الآخر المتسامح هو بالدرجة الأولى نتاج لهذه العملية والمسماة بالتنشئة الاجتماعية، وبالإضافة كما يقول ابن خلدون فهو «ابن بيئته» وهذا ينطبق كليا على ذلك الفرد العدواني، العنيف أيضا في تصرفاته تجاه الآخرين، والذي لا يقبل بالحوار والتسامح ويفهم فقط بلغة العنف، فالفرد يكتسب ثقافة العنف بنفس الطريقة التي يكتسب بها أي نمط آخر من أنماط السلوك الاجتماعي، أي أن اكتساب العنف وراءه ثقافة تؤسس له وتغذيه، ثقافة تزرع في كنف الأسرة وتنمو وتزدهر في أحضان المجتمع.
وإدراكا منا بأهمية الموضوع وشعورنا بمدى تفشي هذه الظاهرة بين أفراد المجتمع ومدى خطورتها على هذا الأخير، نهدف من خلال هذا البحث للوقوف على دور البيئة الأسرية في نشر ثقافة العنف وهذا من خلال الإجابة على التساؤلات الآتية:
-
كيف ساهمت البيئة الأسرية في اكتساب ثقافة العنف لدى الشباب الجزائري؟
-
هل لأساليب التنشئية والتربوية التي تعتمدها الأسرة الجزائرية في تربية أبنائها أثر في اكتساب ثقافة العنف لديهم؟
1. الجانب المنهجي
1.1. الإطار العام للدراسة
1.1.1. أهداف البحث
_الكشف عن أسباب العنف بين أوساط الشباب الجزائري، والبحث في أساليب التنشئة الأسرية التي ساهمت في انتشارها كثقافة مجتمعية متداولة.
_ تهدف هذه الدراسة في مجملها إلى البحث عن مدى تأثير البيئة الأسرية كمؤسسة تنشئية هامة ساهمت بطريقة مقصودة أو غير مقصودة في ترسيخ ثقافة العنف لدى الشباب.
2.1.1. مفاهيم الدراسة
1.2.1.1. أساليب التنشئة الأسرية
تعد الأسرة الوحدة الاجتماعية الأولى التي يحتك بها الطفل احتكاكا مستمرا حيث تعد المكان الأول الذي تنمو فيه أساليب التنشئة الاجتماعية التي تشكل الميلاد الثاني في حياة الطفل أي تكوينه كشخصية اجتماعية ثقافية. فالطفل يتعرض في سياق أسرته بحكم ما لها مندور مهم في عملية التنشئة إلى ممارسات وأساليب واتجاهات معينة في تنشئته من قبل الوالدين الذين يمارسون مع أبنائهم أساليب واتجاهات متعددة منها الصريح والضمني والمقصود وغير المقصود في توجيههم وتشكيل سلوكهم (زرارقة وزرارقة، 2013: 154).
«في دراسة قام بها «جولن »(1969) تبين وجود ثلاث أساليب أساسية في التنشئة الاجتماعية وهي التقبل مقابل الرفض، والتساهل مقابل التحكم، والحماية الزائدة، بينما في المجتمع العربي حدد الباحثون مجموعة من الأساليب، التي تعد من أهم الأساليب التنشئية في المجتمع العربي وهي :أسلوب التقبل والرفض، الأسلوب الديمقراطي، أسلوب التفرقة في المعاملة، أسلوب التساهل والإهمال والحماية الزائدة، أسلوب الحماية الزائدة والتدليل، وأسلوب التسلط والتشدد والقسوة بالإضافة إلى أسلوب إثارة الألم النفسي»(زرارقة وزرارقة، 2013 : 154/165).
2.2.1.1. المفهوم الإجرائي لأساليب للتنشئة الأسرية
التنشئة الأسرية هي عملية اجتماعية يقوم من خلالها الوالدان بتلقين الأبناء وتعليمهم وتربيتهم ونقل ثقافة المجتمع إليهم وربطهم به عبر جملة من الأساليب التربوية والتنشئية المختلفة ولقد حاولنا من خلال هذه الدراسة بتحديد جملة من الأساليب التنشئية على مستوى الأسرة من خلال ما يدركه الشباب نحو معاملة الآباء لهم في المواقف المختلفة منذ الطفولة ومن هذه الأساليب: القسوة والتسلط، الحوار والتشاور والرفق والتسامح، الضرب والعقاب وأسلوب الإهمال واللامبالاة بالإضافة إلى أسلوبي التدليل والحماية الزائدة.
3.2.1.1. الشباب والمفهوم الإجرائي للشباب
جاء في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية أن «مفهوم الشباب بالأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر والرابعة والعشرين (18- 24 سنة)ـ أي الذين أتموا عادة الدراسة العامة، وتتميز هذه المرحلة بأنها مرحلة انتقالية إلى الرجولة أو الأمومة، ويتخطى الأفراد فيها مرحلة التوجيه والرعاية ويكونون أكثر تحرّراِ، ولهذا تحتاج هذه المرحلة إلى عناية خاصة»(بدوي، 1987 : 452).
كما جاء في قاموس «Grand la Rousse Encyclopédique» أن مفهوم الشباب هو تلك المرحلة العمرية المتعلقة بالسن الممتدة ما بين 18-28 سنة «(la rousse, 1962)
هذا ويختلف مفهوم الشباب من المنظور الاجتماعي عن المفهوم البيولوجي من حيث الاقتصار على جوانب النضج الجسمي(العضوي)، كما يختلف عن المفهوم السيكولوجي من حيث الاقتصار على جوانب النضج النفسي، لذلك فإن علماء الاجتماع يرون بأنّ الشباب هي مرحلة عمرية تبدأ حينما يحاول المجتمع إعداد الفرد وتأهيله لكي يحتل مكانة اجتماعية ويؤدي دورا فعالا فيه، فهو ذلك الشخص الذي ينتظر تحقيق الاندماج الاجتماعي والذي هو في حالة بين اكتساب الأدوار وتعليم الوظائف للوصول إلى تقلد المسؤولية (Grawitz,2000).
وبذلك نخلص بالقول بأن مفهوم الشباب ينطوي على جملة من العوامل، أهمها: سن البلوغ والذي يختلف من فرد لآخر، وعامل دخول الفرد الحياة المهنية، واستكماله مراحل تعليمه المختلفة، الزواج وسعيه لتكوين أسرة وغيرها، وتحمله المسؤولية ولعب الأدوار التي يمنحها له المجتمع بكل كفاءة كالقرارات الخاصة بمستقبله المهني أو بشريك الحياة والتخلص من السلطة الأبوية (أو الوالدية).
انطلاقا مما سبق فقد حددنا مفهوم الشباب لهذه الدراسة كما يلي :
-
تتحدد الفئة العمرية للشباب المعني بهذه الدراسة ما بين سن (19سنة و35 سنة)، وهذا لعدة اعتبارات أهمّها أنّ 18 سنة فما فوق هي السن القانونية للفرد الذي يمكن أن يمارس حقوقه المدنية والقانونية وفق قانون الأحوال الشخصية الجزائري. وسن 35 سنة (كحد أقصى) لسن الشباب، على اعتبار مهم وهو متعلق بالحياة الاجتماعية للفرد (الشاب)، كونه أنه أصبح يعرف تأخرا واضحا في مستوى الدخل والعمل والسكن والزواج وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية، خاصة ما إذا علمنا أن متوسط سن الزواج عند الشباب الجزائري بلغ 33 سنة (ذكور) سنة2008.
-
فالشباب الجزائري المعني بهذه الدراسة يندرج ضمن الفئة العمرية الممتدة ما بين ( 19_35 ) سنة التي يتميز فيها الفرد غالبا بالنضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، والتي يكون من خلالها الفرد قادرا على التكيف مع التغيرات الاجتماعية والمستجدات الحياة اليومية كما انه يكون جاهزا لتحقيق الاندماج الاجتماعي واكتساب الأدوار، والاستقلالية وتحمل المسؤولية اتجاه نفسه واتجاه مجتمعه.
4.2.1.1. ثقافة العنفالمفهوم الإجرائي لثقافة العنف
ثقافة العنف هي مجموعة من الأفكار والمعتقدات ومختلف الأنماط السلوكية والقيمية (ثقافة مجتمعية) التي ترسخ العنف كطريقة وأسلوب يتخذه الشباب في مواجهة مختلف المواقف والمشكلات التي يتعرض لها في حياته الاجتماعية العامة والخاصة، فثقافة العنف نقصد بها المخزون الفكري والثقافي للفرد (الشاب) الجزائري الذي يغذي تصرفه العنيف في معظم السلوكيات التي تصدر منه اتجاه الآخر سواء تعلق الأمر بالأفراد أو بالممتلكات لأنه يعتقد أن العنف هو الحل الأمثل لفك النزاع أو التفاهم مع الآخرين.
تشكل الثقافة أسلوب حياة وعادات وتقاليد وطقوس وإرث مشترك بين الشعوب، فهي الحاضنة لكل الأنساق الفاعلة والمغذية لعملية تأطير سلوك الفرد والجماعة باعتبارها تشمل على الدين واللّغة والعادات والمؤسسات الاجتماعية، فهي كما يعرفها» تايلور» بأنّها : «ذلك الكل المركب المتكون من القيم والمعايير والأعراف والعادات والتقاليد والمعتقدات والشرائع والفنون والآداب والوسائل المستخدمة في الحياة اليومية في أي مجتمع من المجتمعات»(الخضر، 2007).
«ويعرف» نورثروب فراي «(Northrop Frye) الثقافة وفق ثلاث طرق، »أوّلا الثقافة كأسلوب حياة أي تلك الطرق التي يمارس المجتمع من خلالها طقوسه الاجتماعية اليومية مثل آداب الأكل والملبس، ثانيا هناك ثقافة كإرث مشترك من الذكريات والعادات التاريخية المنقولة بشكل رئيسي عبر اللغة المشتركة، وهناك ثالثا التعبيرات الخلاقة في المجتمع التي تتجسد في هندسة البناء، والموسيقى والعلوم والمؤسسة التعليمية والفنون التطبيقية»(whitmer, 1997 : 5).
إذن فجوهر مفهوم الثقافة هو الربط بين معرفة الإنسان وبين واقعه واحتياجاته باعتبارها مركب من الأفكار والمعتقدات والقيم والمعايير المقبولة اجتماعيا كأطر مرجعية لضبط وتقييم سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع، وعلاقات بعضهم بالبعض الآخر، وفي هذه الدراسة إذا ربطنا الثقافة بظاهرة العنف فإننا نكون قد اختلفنا مع الكثيرين ممن يرون أنّ الثقافة مرتبطة أساسا بالتهذيب والإصلاح، وحيث أنّ العنف قد أصبح قيمة من قيم المجتمعات المعاصرة والمجتمع الجزائري، وهو ما يهمنا في هذه الدراسة، فإننا نلاحظ بأن العنف كما سبق وأن ذكرنا أضحى قيمة يمارسها أفراد هذا المجتمع ويورثونها لأبنائهم، وحيث أنّ القيم الاجتماعية هي جزء لا يتجزأ عن الثقافة فإننا حتما سنصل إلى نتيجة هامة مفادها أنّ العنف قد تحوّل من ظاهرة منبوذة في المجتمعات إلى ثقافة يكتسبها الأفراد عبر أجيال متلاحقة حيث أنّ العنف أصبح حالة ثقافية، ويجب أن نقف كثيرا عند هذه النقطة، لأنه هنا تحديدا يكمن الخطر الذي يهدد ويدمر أسس ومكونات المجتمع ونظمه الاجتماعية وغير الاجتماعية لتأخذ الفوضى والجريمة والعنف محل الاستقرار المنشود والتنمية المطلوبة من الشعوب تحقيقها.
وحيث أن الثقافة هي التي توجه الفرد وتتحكم في سلوكه الخاص والعام، فالإنسان القادر على فعل العنف هو قادر أيضا على عدم فعله وإنما سلوكه هذا مشروط ليس فقط بالقدرة على الفعل، بل هو موجه ومحدود أيضا بالظروف التي تسمح بالفعل العنفي أو لا تسمح به. لذلك يرى الكثير من الباحثين في مجال الأنثربولوجيا أنه يمكن اعتبار العنف ظاهرة ثقافية في أساسها، ذلك أنّ النظر إلى السلوكات والأفعال الصادرة عن الإنسان على أنها تصنف ضمن الأفعال العنيفة خاضع لمعايير نابعة من ثقافة تلك الجماعات، وراجع كذلك إلى الحقبة التاريخية أو السياق الزمني لحدوث تلك الأفعال.
وهذا ما أكدته الباحثة «مارغريت ميد»(Margaret Mead) في دراسة كانت قد أجرتها على قبيلتين تسمى الأولى «الأرباش»(Les Arapesh) وتسمى الثانية «المندقمور»(Les Mundugumors) فتوصلت الباحثة إلى أنّ الأرباش لا يحاربون ولا يمارسون النهب والغزو والاستيلاء، ولا يقدرون المروءة والرجولة بممارسة القتل، بل ينظرون للشخص القاتل نظرة دونية، ومن أهم خصائصهم كذلك أنهم متمسكون بالتعاون وتسود فيما بينهم قيم التضامن، وعكس الأرباش ( Les Arapesh) تماما نجد «المندقمور»( Les Mundugumor) فهؤلاء يحتكمون إلى معيار القوة والعنف وهم متوحشون في سلوكاتهم ويعيشون عدوانية جنسية، تسود الغيرة والحسد والتنافس جل علاقاتهم، ميالون لأخذ بالثأر فالرجل القدوة أو المثل الأعلى عندهم هو الرجل العنيف عكس الأرباش «Les Arpesh»فالمثل الأعلى لديهم الرجل الهادئ الحكيم (Mead ,1963).
ومن خلال ما سبق يمكن إبراز أنّ العنف هو عبارة عن ظاهرة ثقافية تتميز بها مجتمعات دون الأخرى، حيث توجد مجتمعات تمارس العنف بشكل يومي وتعتبر ذلك قيمة اجتماعية لا يمكن التنازل عنها فظاهرة الأخذ بالثأر في المجتمع الصعيدي المصري هو معنى للرجولة والشهامة والاعتزاز إذن فهو يعبر عن قيم اجتماعية وثقافية لذات المجتمع، هذا ودون أن نغفل على أن الثقافة هي عملية مكتسبة قد يكتسبها الإنسان من أسرته ومجتمعه أو من خلال التلاحم مع الآخرين (جماعته) من خلال تفاعله الاجتماعي معهم.
إن الثقافة تنشأ من تكرار ممارسة شيء معين أو من استمرار وجود هذا الشيء حيث يعتاد الإنسان على ذلك وتتحول الممارسة العملية أو الواقعية إلى مفهوم يحفظه العقل وتتأثر به حياة الإنسان، فاستمرار حياة الفقر بظروفها المعروفة يتولد عنها شيء من المفاهيم التي تستقر في العقول وفي النفوس، ومن هنا تتولد ثقافة الفقر، أي بالانتقال من المحسوس أو من الواقع الحي إلى المجرد أو إلى الفكر، مع الاعتياد على الشيء بصورة تلقائية واستيعاب العقل له، وبالمقياس ذاته يمكن أن تنشأ للعنف ثقافة إذا تكررت ممارسته في المجتمع كثيرا ونتج عن ذلك تعود الأفراد عليه ونتج تبعا للتعود اعتقاد الناس بأن العنف طريقة ناجحة لحل المشاكل، واستقر هذا الاعتقاد وتحدثوا به في مجالسهم فيتوارثه أبناؤهم، وهنا تكمن الخطورة وهي أن يتحول العنف من مجرد ممارسة فردية مستهجنة إلى ثقافة ذات مفاهيم متداولة يقتنع بها الأفراد وتتناقلها أجيالهم كأنها قيمة من قيمهم الثقافية (حسن، 2013، ص : 42/43).
وعليه فالمقصود بثقافة العنف، هو تلك العقائد والأفكار النمطية والسلوك والتربية والبيئة الاجتماعية وطبيعة نظام الحكم وما يتصل بالثقافة من تعبيرات ومصطلحات تؤثر على المرء نفسيا وثقافيا بحيث تؤثر على سلوك الأفراد بأسلوب عنيف وتقع ضحاياه على أطراف أخرى (نوري، 2012 :4)، فيصبح العنف نمطا ثقافيا شأنه شأن الأنماط الأخرى للانحراف الاجتماعي عبر عملية التنشئة الاجتماعية المستمرة من التعليم والتدريب والتأهيل، وعبر نظم ومؤسسات، وعلاقات وتفاعلات اجتماعية ثقافية مستمرة، يتم إنتاجها عبر الوحدات، المؤسسات الاجتماعية نفسها، الأسرة وجماعة الرفاق، المؤسسة الدينية، المدرسة والجامعة، الإعلام والاتصال والدولة، يتم في هذه الثقافة الفرعية أو الكلية تعلم الدوافع والمعاني والتبريرات، كما يتم تعلم العمليات بالمهارات والفنيات وغيرها (ساري، 2014 : 26).
وتأسيسا على ما سبق نجد أنفسنا اليوم نتعامل مع ظاهرة العنف ليس كظاهرة فردية محدودة، وإنما هي إشكالية مجتمعية ثقافية بنيوية متشابكة متبادلة التأثير والتأثر.
2.1. الدراسات السابقة
1.2.1. دراسات عربية
هدف تقرير قدمته وزارة الدولة لشؤون الشباب بدولة الكويت (2014)، البحث عن أهم العوامل التي تسبب السلوك العنيف عند الشباب في المجتمع الكويتي وكيف يمكن التصدي لها عمليا؟
اشتملت عينة الدراسة على 1157 مبحوث داخل المجتمع الكويتي وبمتوسط عمري بلغ 19 سنة، ومن أهم النتائج التي توصل إليها هذه الدراسة الميدانية تتمثل فيما يلي:
-
أغلب المبحوثين وافقوا على أن الأسرة هي المؤثر الأول في تعلم أساليب العنف.
-
أكد أغلب المشاركين في هذا الاستطلاع للرأي أن الخلل في الأجهزة الأمنية وعدم تطبيق القوانين لها الأثر الكبير في انتشار وسهولة تعلم العنف.
-
كذلك التأكيد على ضعف دور المؤسسات الاجتماعية ساعد في انتشار ظاهرة العنف.
-
كما أشار أفراد العينة إلى أن ألعاب الفيديو لها الأثر على السلوكيات العنيفة.
-
العلاقة المتوترة بين الوالدين وكذلك ضعف دورهم يدفع إلى ممارسة السلوك العنيف للأبناء.
-
الأصدقاء لهم دور والمدرسة بيئة مناسبة لتعلم السلوك العنيف
-
ضعف الوازع الديني والفراغ والضغوط الاجتماعية والنفسية لها دور في زيادة العنف في المجتمع.
وفي دراسة لتهاني منيب وعزة سليمان (منيب وسليمان، 2007) هو التعرف على طبيعة سلوك العنف لدى الشباب الجامعي بأبعاده المختلفة، وكذلك التعرف على الدوافع النفسية والاجتماعية التي تكمن وراءه تكونت عينة الدراسة من طلاب وطالبات من أقسام مختلفة بكلية التربية جامعة عين شمس قوامها (300) بواقع 105 طالب، و195 طالبة «تتراوح أعمارهم ما بين 19- 23 عاما. كشفت الدراسة إلى وجود أسباب ودوافع تكمن وراء ظاهرة العنف في الحياة الجامعية، حيث احتلت الدوافع النفسية المرتبة الأولى وراء اقتراف سلوكيات العنف الفردي والجماعي والتي تتمثل في الشعور بالحرمان والغربة وفقدان الأمن والأمان والعزيمة كلها دوافع مولدة للعنف. يليها الدوافع الأسرية والتي تتمثل في ضعف الرقابة الوالدية الدينية مع ارتفاع مستوى المعيشة.. ثم جاءت الأسباب والدوافع المتعلقة بسليبة وسائل الإعلام تجاه القيم الدينية والأخلاقية متقدمة على الدوافع التربوية المتعلقة بالبيئة الجامعية والتي تتمثل في تدني الخدمات المقدمة للطلاب والطالبات في الوسط الجامعي وانعدام التفاعل السوي مع أساتذتهم. أكدت هذه الدراسة على أهمية الدوافع النفسية والأسرية ووسائل الإعلام إلى جانب المتغيرات الاقتصادية التي تسهم في اقتراف سلوكيات العنف الفردي والجماعي لدى الشباب الجامعي وهنا نشير إلى أن هذه الدراسة تلتقي مع دراستنا الحالية في دور العوامل الأسرية والاقتصادية ووسائل الإعلام في ممارسة العنف لدى الشباب الجامعي.
2.2.1. دراسات غربية
قام الباحثان (Kimberly and Philis,1998) بدراسة حول» سلوك العنف عند الشباب على مجموعات من الطلاب من بين 4500 مدرسة ثانوية بولاية كاليفورنيا، سواء المنتظمين بها أو ممن لم يستكملوا دراستهم بها. وذلك بهدف تحديد سلوكيات العنف ومشكلات الصحة العامة والمشكلات السلوكية والعاطفية.
وقد أسفرت نتائج هذه الدراسة على أن أكثر من 50 % من أفراد العينة تورطوا في سلوكات عنف، وأكثر من 25 % من أفراد العينة ارتكبوا جرائم إدمان المخدرات والاتجار بها، كذلك بينت الدراسة بأن الشباب الذين اتصفوا بسلوكيات وجرائم العنف_مقارنة بنظائرهم العاديين_ يعانون من مشكلات في الصحة العامة وتدني التحصيل الأكاديمي وضعف العمليات العقلية المعرفية والمشكلات السلوكية والعاطفية التي تدفعهم إلى ارتكاب جرائم عنف.
أجرت بندا وآخرون (Benda et al ,2002) دراسة امريكية حول ظاهرة الإساءة في مرحلة الطفولة ومدى تأثيرها في ظهور العنف في مرحلة المراهقة، تمت الدراسة على عينة بحث قوامها 1131 شابا مراهقا ممن تعرضوا للإساءة من الكبار أثناء طفولتهم ومراهقتهم لمعرفة ما إذا كان ذلك يؤثر على سلوكيات العنف لديهم. كشفت نتائج البحث عن تأثير إساءة الكبار أثناء الطفولة على سلوك العنف لدى الشباب المراهقين، وذلك بوجود علاقة ذات دلالة بين التعرض للعنف في الطفولة وإعادة ممارسة سلوك العنف في مرحلة المراهقة والشباب، كما توصلت الدراسة إلى وجود علاقة ذات دلالة ارتباطية بين المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للأسرة وسلوك العنف لدى المراهقين الشباب خاصة مستوى تعليم الوالدين نحو سلوك العنف لدى الأبناء.
وفي دراسة مرجعية قام بها جوس جوادلوب وأندرو بين (Guadalupe and Andrew,2002) تناولت العنف لدى الشباب، ناقش فيها الباحثين ظاهرة العنف في المجتمع الأمريكي في سياق الديناميات الفردية والأسرية وتأثير الخبرة المدرسية والمعايير الاجتماعية. كشفت نتائج الدراسة إلى أن الميراث الاجتماعي والمؤسسي للعنف في المجتمع الأمريكي يدعم سلوكيات العنف لدى الشباب وهذا دون الأخذ بعين الاعتبار فردية الشباب وثقافتهم الفرعية. وقدم الباحثين مجموعة من التوصيات تمثلت في الاستراتيجيات العلاجية التي تركز على برنامج تنمية التحصيل العلمي وكذا تنمية الوعي المجتمع بأخطار العنف في المجتمع.
3.1. منهج الدراسة وإجراءاتها
1.3.1. منهج البحث
يعد المنهج الوصفي في العلوم الاجتماعية والإنسانية من بين المناهج العلمية الأكثر شيوعا واستخداما خاصة في البحوث السوسيولوجية، ويهدف إلى وصف الظواهر في زمن الحاضر ويقوم بوصف ما هو موجود ويهتم بتحديد الظروف والعلاقات القائمة بين الوقائع أو الظواهر، فهو الطريقة التي يسعى من خلالها الباحث إلى جمع البيانات والحقائق حول الظواهر الاجتماعية بصفة كيفية «qualitative»(معتوق، 2011 : 120).
كما أن المنهج الوصفي يعتمد على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ويهتم بوصفها وصفا دقيقا ويعبر عنها تعبيرا كيفيا أو تعبير ا كميا، فالتعبير الكيفي يصف لنا الظاهرة ويوضح خصائصها، أما التعبير الكمي فيعطيها وصفا رقميا يوضع مقدار هذه الظاهرة أو حجمها ودرجة ارتباطها مع الظواهر الأخرى (بوحوش، 1986 : 129) وبما أن اختيار منهج الدراسة يتوقف على طبيعة الموضوع فإننا قد وظفنا منهج المسح الاجتماعي والذي يعد أحد أهم المناهج الرئيسية التي تستخدم في البحوث الوصفية.
2.3.1. عينة البحث
إن طريقة اختيار العينة تختلف باختلاف طبيعة المواضيع المدروسة وتعتبر كمرحلة مهمة في البحث الميداني وتتوقف نتائجه على صحتها وقد شارك في هذا البحث 342 شاب وشابة من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية وتحديدا في ولاية البليدة، وهذا باستخدام نوعين من المعاينة ( معاينة طبقية ومعاينة عرضية).
3.3.1. أدوات جمع البيانات
تستخدم في البحوث الاجتماعية عامة الكثير من الوسائل والتقنيات، كما يمكن استخدام أكثر من تقنية في البحث الواحد إذا اقتضت الضرورة ذلك، فهي الوسيلة المستخدمة في جمع البيانات وتصنيفها وجدولتها بطريقة علمية تساعد الباحث على جمع الحقائق والمعلومات المتعلقة بموضوع البحث، وعموما فإن الباحث دائما يفضل الأدوات التي يرى أنها تمكنه من الوصول إلى البيانات المستهدفة بأكثر دقة وموضوعية، وذلك حسب طبيعة الموضوع وكيفية استجابة المبحوثين لها، لأن المبحوث يعد طرفا أساسيا في هذه العملية كما أن اختيار جمع البيانات يتوقف على طبيعة المشكلة، وطبيعة البيانات، وصفات الأفراد المبحوثين ويتعين على البحث اختيار أداة او مجموعة من الأدوات التي يستعين بها في الحصول على البيانات من جمهور البحث «فالأداة هي عبارة عن الوسيلة التي يستعين بها الباحث في جمع بياناته أو بعبارة أخرى محاولة الإجابة على سؤال بماذا يحل الباحث مشكلة بحثه»(حويتي، 2015 : 18).
وعليه الأدوات المستخدمة في هذه الدراسة تمثلت كما يلي:
-
أولا. الملاحظة : هي إحدى أدوات جمع البيانات، وتستخدم في البحوث الميدانية لجمع البيانات التي لا يمكن الحصول عليها عن طريق الدراسة النظرية، كما تستخدم في البيانات التي لا يمكن جمعها عن طريق الاستمارة أو المقابلة أو الوثائق... ومن أجل ذلك يهتم العلم بالملاحظة كأداة بحث، لملاحظة الظواهر الحسية وتصنيفها والكشف عن مختلف أبعادها للوصول إلى إصدار أحكام وصفية للوقائع التي تمثل في الأساس قوانين العلم (زرواتي، 2002 : 154).
وهذا هو المقصود حيث ساعدتنا هذه التقنية خاصة في مرحلة الاستطلاع التقرب من الواقع الاجتماعي لظاهرة ثقافة العنف عند الفرد الجزائري وخاصة عند فئة الشباب حيث مكنتنا من ملاحظة السلوكات الظاهرة لهم أثناء مواقف حياتية عدة ولفترة زمنية محددة، خاصة وأنّنا متأكدين بأنّ المبحوثين لن يغيروا من سلوكاتهم أثناء ملاحظاتنا لهم لأنّهم غير مدركين بأنّهم موضع ملاحظة من أحد، لذلك فقد استفدنا من هذه الأداة كثيرا سواء في مرحلة بناء الموضوع أو بناء استمارات البحث وتعديلها، وهكذا فقد كان استخدامنا لهذه الأداة أهمية بارزة في هذا البحث. -
ثانيا. الاستبيان (استمارة الاستبيان) : تعد استمارة البحث من أكثر أدوات جمع البيانات استخداما وشيوعا في البحوث الاجتماعية، ويرجع ذلك إلى الميزات التي تحققها هذه الأداة حيث تتركز عليها البحوث الميدانية من خلال جمع المعلومات حول الموضوع المدروس. وهي عبارة عن مجموعة من الأسئلة تسجل وتترجم أهداف البحث عن طريقها ليتمكن من جمع معلومات وبيانات تفيدنا في التعرف على اتجاهات الأفراد، مشاعرهم ودوافعهم وسلوكهم كما تفيد في الحصول على إحصائيات تصور الواقع الحالي (العسل، 1997 : 12).وقد تم إعداد استمارة الاستبيان انطلاقا من متغيرات (المتغير التابع والمتغير المستقل) الفرضيات ومن المؤشرات التي تم استخراجها من تلك المتغيرات.
2عرض النتائج الدراسة ومناقشتها
1.2. عرض النتائج الدراسة
الجدول (1)
المجموع |
لا |
نعم |
قبول العنف |
|||
النسبة |
العدد |
النسبة |
العدد |
النسبة |
العدد |
|
%100 |
106 |
%25,50 |
27 |
%74,50 |
79 |
التهديد والضرب |
%100 |
80 |
%28,80 |
23 |
%71,30 |
57 |
السب والشتم |
%100 |
142 |
%56,30 |
80 |
%43,70 |
62 |
الحوار والنصيحة |
%100 |
30 |
%36,70 |
11 |
%63,30 |
19 |
عدم المبالاة |
%100 |
83 |
%45,80 |
38 |
%54,20 |
45 |
المقاطعة وعدم الكلام |
%100 |
01 |
_ |
_ |
%100 |
01 |
الحرمان من شيء أحبه |
%100 |
442 |
%40,50 |
179 |
%59,50 |
263 |
المجموع |
من خلال قراءتنا للجدول رقم (1)، والذي يبين لنا توزيع أفراد العينة حسب الأساليب العقابية لدى الأب وعلاقتها بمدى قبولهم لسلوك العنف، يتضح لنا بأن أغلب المبحوثين يرون بأن العنف هو سلوك مقبول في المجتمع الجزائري وذلك بنسبة قدرت ب 59,50 % في مقابل ذلك نجد 40,50 % هي نسبة الذين يرون بأنه غير مقبول، أما إذا قرأنا توزيع هذه النسب حسب أساليب العقاب لدى آباء المبحوثين فإننا نجد بأن 100 % من المبحوثين الذين يعاقبون من الحرمان من شيء يحبونه يرون بأن العنف هو سلوك مقبول، أما الذين يعاقبون بالتهديد والضرب فإن 74,50 % منهم يون بأن العنف سلوك مقبول في المجتمع الجزائري مقابل 25,50 %يرونه غير مقبول، أما بالنسبة للذين صرحوا بأن أسلوب العقاب هو السب والشتم (العنف اللفظي) فإن 71,30 %أجابوا بأن العنف هو سلوك مقبول مقابل 28,80 % يرونه غير مقبول، في حين أن أسلوب العقاب كان يتميز بالحوار والنصيحة فإن أغلب المبحوثين صرحوا أن العنف سلوك غير مقبول وذلك بنسبة 56,30 % وفي مقابل ذلك 43,70 % يرونه مقبولا.
أما الذين صرحوا بأن آبائهم لا يعاقبونهم ويتعاملون معهم بعدم المبالاة فإننا نلاحظ بأن 63,30 % منهم أجابوا بأن سلوك العنف هو سلوك مقبول مقابل 36,70 % لا يقرون بذلك، ونفس النتيجة بالنسبة للذين يعاقبون بالمقاطعة وعدم الكلام معهم فإنهم يرون بأن العنف سلوك مقبول في المجتمع الجزائري وذلك بنسبة 54,20 %مقابل 45,80 % غير موافقين على ذلك.
من خلال ما سبق نستنتج بأن أسلوب العقاب لدى الآباء له علاقة بآراء المبحوثين حول قبول العنف في المجتمع، حيث توضح لنا نتائج هذا الجدول بأن العقاب المادي كالتهديد والضرب أو العنف اللفظي كالسب والشتم، أو التأديب المعني كالحرمان من أشياء يحبها الفرد، أو التأديب التعبيري أو الرمزي كالمقاطعة وعدم الكلام معهم كعقاب لهم كلها جعل من الشباب يرون بأن العنف يعد سلوكا مقبولا في المجتمع الجزائري، غير أن الذين أجابوا بأسلوب الحوار والنصيحة يرون بأن العنف هو سلوك غير مقبول، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض المبحوثين الشباب صرحوا بأن وجود الحوار والنصيحة من طرف بعض الآباء لم تكن بمعزل عن الأساليب العقابية سالفة الذكر.
لذلك نستنتج بأن الشباب الذين تعاقبوا بالعنف أيا كان نوعه يعطيهم انطباعا بأن العنف سلوك مقبول لأن الأسرة اعتمدته في تربيتهم، وإن كانت هناك أسرا تعتمد وسائل ايجابية كالتحاور والنصح إلا أن ذلك لا ينفي بأن العديد من الأسر الجزائرية لازالت تعتمد الضرب والسب كوسيلة تأديبية للطفل وبنسب متفاوتة، ففي دراسة نشرت في جريدة «الشروق اليومي »، تفيد بأن 70 % من الأسر الجزائرية تعتمد العنف في تربية أبنائها بمختلف أشكاله، فالضرب والتعنيف لا زال شائعا في تربية الأطفال في المجتمع الجزائري كأسلوب لتربية مارسه الأجداد ويمارسه الآباء وسيمارسه الأبناء في تربية نشئهم. إن الأبناء الذين تعودوا على الأسلوب العقابي العنيف لا بد أن يعتبروا بأن هذا العنف هو سلوك مقبول في المجتمع، لأنه أساسا مقبولا في الأسرة فكيف لا يعتبر مقبولا في المجتمع.
الجدول (2)
المجموع |
لا |
نعم |
قبول العنف |
|||
النسبة |
العدد |
النسبة |
العدد |
النسبة |
العدد |
|
%100 |
70 |
%41,40 |
29 |
%58,60 |
41 |
التهديد والضرب |
%100 |
122 |
%32,80 |
40 |
%67,20 |
82 |
السب والشتم |
%100 |
171 |
%52 |
89 |
%48 |
82 |
الحوار والنصيحة |
%100 |
10 |
%20 |
02 |
%80 |
08 |
عدم المبالاة |
%100 |
96 |
%38,50 |
37 |
%61,50 |
59 |
المقاطعة وعدم الكلام |
%100 |
01 |
_ |
_ |
%100 |
01 |
الطرد من المنزل |
%100 |
470 |
%41,92 |
197 |
%58,08 |
273 |
المجموع |
من خلال قراءتنا الإحصائية للجدول رقم (2) والذي يوضح لنا توزيع أفراد العينة حسب الأساليب العقابية لدى الأم وعلاقتها بمدى قبول سلوك العنف لديهم، يتبين لنا بأن المبحوثين الذين عوقبوا بالطرد من المنزل من طرف أمهاتهم فإن 100 % منهم أجابوا بأن العنف سلوكا مقبولا في حين أن 80 %من المبحوثين الذين كانوا يلقون عدم المبالاة من أمهاتهم يرون بأن العنف سلوكا مقبولا مقابل 20 %يرونه غير مقبول، أما بالنسبة للذين كانوا يعاقبون بالسب والشتم أيضا يرون العنف سلوكا مقبولا بنسبة 67,20 % مقابل32,80 يرونه غير مقبولا، بينما نلاحظ بأن الذين عوقبوا من طرف أمهاتهم بالمقاطعة وعدم الكلام معهم أن 61,50 % صرحوا لنا بأن العنف سلوكا مقبولا في المجتمع في مقابل 38,50 % يرونه غير مقبول وكذلك بالنسبة للذين عوقبوا بالتهديد والضرب فإنهم يرون العنف مقبولا وذلك بنسبة تقدر ب 58,60 %مقابل 41,40 % يرون عكس ذلك.
أما المبحوثين الذين صرحوا بأن الحوار والنصيحة كان أسلوب أمهاتهم في التأديب يرون بأن العنف سلوكا غير مقبول وذلك بنسبة قدرت ب 52 %مقابل 48 % يرونه مقبولا.
إن نتائج هذا الجدول توضح لنا أهم الأساليب التأديبية التي كانت تعتمدها أمهات المبحوثين في تأديبهم ولعل أهمها الحوار والنصيحة بالدرجة الأولى والسب والشتم (العنف اللفظي) بالدرجة الثانية عكس الآباء حيث يأتي التهديد والضرب في الدرجة الثانية بعد النصح، وهنا تجدر الإشارة إلى أن العقاب الجسدي وإن وجد فإن العقاب اللفظي والمعني مفضل عند الأمهات وهذا ما أثبتته أيضا دراسات «سليمان مظهر» فالأم الجزائرية حسبه تعتمد على العنف اللفظي والمعنوي أكثر من العقاب الجسدي فهذا الأخير حسبه يشوه صورة الأم، هذه الأخيرة أيضا تصبوا دائما للمحافظة على استقطاب الطاقة الوجدانية والعاطفية لابنها وهي لا تحصل على ذلك إذا ما اعتبرت مصدر عنف لديه لذلك تلجأ للأساليب اللفظية للممارسة العقاب والعنف على أبنائها دون أن تشوه صورتها لذلك تلجأ إلى تفعيل آليات السب والشتم والعتاب والدعاء، وهذا ما أكده لنا الكثير من المبحوثين الذين صرحوا بأن من أساليب العقاب لدى أمهاتهم هي السب والشتم «ودعاوي الشر»حسبهم، وإن كنا لا نقلل من سماحة ورفق وطيبة الأم الجزائرية ولكن هذه الأساليب كانت منتشرة كثيرا خاصة لدى الأم التقليدية وإن كنا نرى بأن الأمر اختلف نوعا ما لدى الأم المعاصرة والمتعلمة. وبناء عليه يمكن القول بأن الطفل الذي ينشأ على صور العنف الجسدي واللفظي والمعنوي حتما سيكبر وهو متعود على تلك الصورة التي يعتبرها طبيعية لذلك سيرى بأن العنف في المجتمع أو حتى ممارسة العنف في حد ذاته هو سلوك طبيعي ومقبول.
الجدول (3)
النسبة |
العدد |
معايشة العنف |
%63,16 |
216 |
نعم |
%36,84 |
126 |
لا |
%100 |
342 |
المجموع |
من خلال قراءتنا للجدول رقم (3)، والذي يبين لنا توزيع أفراد العينة حسب معايشة العنف داخل الأسرة يتضح لنا بأن معظم المبحوثين الشباب عايشوا حالات عنف داخل الأسرة وذلك بنسبة مقدرة ب 63,16 % للذين أجابوا ب «نعم»مقابل 36,84 % أجابوا ب «لا».
وعليه نستنتج بأن أغلب المبحوثين الشباب عايشوا حالات عنف داخل الأسرة وهذا ما يؤكد مدى انتشار العنف داخل الأسر الجزائرية سواء كان ذلك بين الوالدين أو بين الوالدين والأبناء أو الأبناء فيما بينهم والجدول الآتي سيوضح أكثر أفراد الأسرة التي يحدث بينها العنف.
الجدول (4)
النسبة |
العدد |
أفراد الأسرة |
%26,48 |
67 |
بين الوالدين |
%24,90 |
63 |
بين الوالدين والأبناء |
%48,61 |
123 |
بين الإخوة |
%100 |
253 |
المجموع |
يبين لنا الجدول رقم (4)، والذي يوضح لنا توزيع أفراد العينة حسب أكثر أفراد الأسرة ممارسة للعنف من خلال قراءته إحصائيا، بأن الأبناء(الإخوة) هم أكثر أفراد الأسرة ممارسة للعنف وذلك بنسبة قدرت ب 48,61 %بينما نلاحظ بأن 26,48 %هي نسبة المبحوثين الذين صرحوا بأن العنف ينتشر بين الوالدين، في حين نجد بأن الذين أجابوا بأن العنف منتشر بين الوالدين والأبناء قدرت نسبتهم ب 24,90 % وهي نسبة متقاربة إذا ما قارناها بالعنف بين الوالدين.
وعليه نستنتج بأن أكثر أفراد الأسرة التي يحدث بينها العنف هم الأبناء أو الإخوة فيما بينهم ودائما ما يحدث أو في غالب الأحيان وحسب بعض المبحوثين فإنها تكون لعدة أسباب منها ضيق السكن أو لأسباب مادية أو بسبب الغيرة خاصة بين الذكور بالإضافة إلى فرض السيطرة على أخواته الإناث. ويمكن القول بوجه عام بأن الذكور عادة أكثر عنفا من الإناث خاصة من حيث نوع العنف والوسائل المستخدمة، يليها العنف بين الوالدين أو(الزوجين) حيث صرح بعض المبحوثين أنهم عايشوا العنف بين الوالدين باختلاف أشكاله وغالبا ما يكون من طرف الزوج تجاه زوجته، وهي ظاهرة ليست بغريبة عن المجتمع الجزائري، ففي دراسة التي قامت بها الباحثة «نورة قنيفة»توصلت من خلالها أن الاعتقاد الاجتماعي التقليدي المتمثل في مشروعية الممارسات العنفية ضد المرأة الجزائرية قدّم الدعم الكافي للسلوكات العنيفة التي يمارسها الذكر في العائلة الجزائرية مما زاد من معدل صدورها وانتشارها ومن ثم استمراريتها.
الجدول (5)
المجموع |
لا |
نعم |
قبول العنف |
|||
النسبة |
العدد |
النسبة |
العدد |
النسبة |
العدد |
|
%100 |
216 |
%36,10 |
78 |
%63,90 |
138 |
نعم |
%100 |
126 |
%58,70 |
74 |
%41,30 |
52 |
لا |
%100 |
342 |
%44,40 |
152 |
%55,60 |
190 |
المجموع |
من خلال قراءتنا الإحصائية للجدول رقم (5)، يتبين لنا بأن معظم المبحوثين الذين عايشوا العنف على مستوى الأسرة يرون بأن العنف هو سلوك مقبول في المجتمع الجزائري وذلك بنسبة قدرت ب 63,90 % في مقابل 36,10 % من المبحوثين عايشوا العنف في الأسرة ولا يعتبرونه مقبولا في المجتمع، بينما نجد بأن 58,70 % من المبحوثين الذين لم يعايشوا العنف على مستوى الأسرة يرون سلوك العنف غير مقبول في حين أن 41,30 % لم يعايشوا العنف الأسري ولكنهم يرونه مقبولا في المجتمع الجزائري.
وعليه نستنتج من خلال هذه النتائج بأن الفرد الذي عايش العنف في المحيط الأسري يعتبر العنف سلوكا مقبولا لأنه عايشه في أسرته فكيف لا يقبله في المجتمع والعكس صحيح، فالشباب الذين لم يعايشوا العنف الأسري يعتبرون العنف سلوكا غير مقبول، ولكن في المقابل نجد نسبة من الشباب لم تعايش العنف ولكنها تراه مقبولا في المجتمع وتبريرهم في ذلك أن العنف أصبح منتشرا بكثرة في السنوات الأخيرة في المجتمع الجزائري، وأن جميع المؤسسات التنشئية والاجتماعية والشوارع والأحياء تعرف العنف، كما لاحظنا من خلال نتائج هذا الجدول أن الكثير من المبحوثين أجابوا بأنهم لم يعايشوا العنف على مستوى الأسرة ولكنهم أقروا بعد ذلك بوجود العنف اللفظي خاصة وحسبهم فإن السب والشتم والشجارات باستعمال العنف اللفظي هي في الحقيقة ليست عنفا وإنما هي من السلوكات اليومية للأفراد وأن العنف هو كل ما يستعمل فيه الضرب والتكسير وإصابة الأذى الجسدي، وما دون ذلك فهو لا يعتبر عنفا.
وخلاصة القول أن الفرد الذي يعيش بالعنف ويتربى به أكيد سيعتبر أن العنف هو سلوك طبيعي ومقبول، ولكن ليست الأسرة وحدها مسؤولة عن ذلك، فكثرة العنف في المجتمع وانتشاره أعطت انطباعا للشباب بأن العنف أصبح سلوكا مقبولا رغم أنهم لم يعيشوه في المحيط الأسري.
2.2. مناقشة نتائج البحث
تعد الأسرة أول وأهم مؤسسة اجتماعية وتنشئية بالنسبة للفرد على الإطلاق، ففيها تتحدد ملامح شخصيته المستقبلية من خلال عملية التنشئة الأسرية التي تقوم بها بحيث تعمل على إدماج الفرد في جماعته ومجتمعه وتساعده على التكيف مع أفرادها عن طريق تشريبه ثقافة مجتمعه وتنمية قدراته ومهاراته من خلال جملة من الأساليب التنشئية يتمحور هدفها في تقديم تربية سليمة تؤهل هذا الفرد لأن يكون صالحا في المجتمع، ولكن مفهوم التربية يختلف من مجتمع لآخر ومن أسرة لأخرى، فمفهوم التربية لدى الأسرة الجزائرية يتركز حول توفير الاحتياجات المادية أكثر من المعنوية، وأساليب العقاب والثواب لديها لا تزال تقليدية جدا، هذا إلى جانب تأثر نمط التربية فيها بعدة عوامل منها الاقتصادية والاجتماعية بالدرجة الأولى. وقد بينت نتائج هذه الدراسة على جملة من الخصائص والأساليب التنشئة التي تتبعها بعض الأسر الجزائرية في تربية أبنائها تتميز بطبع عنيف أكثر من أي طبع آخر.
من خلال النتائج المتوصل إليها في هذه الدراسة يمكن لنا أن نحمل الأسرة الجزائرية جزءا لا يستهان به في انتشار ثقافة العنف بين الشباب في المجتمع الجزائري فهي تعد من أهم العوامل الاجتماعية التي تساهم في ذلك من خلال الأساليب التنشئية التي تستخدمها في تربية أبنائها في حياتهم المبكرة، فهي تستخدم العنف لأسباب متعددة ومواقف مختلفة فهي لا تلجأ من أجل العقاب فقط بل هو يصبغ الحياة الاجتماعية والممارسات اليومية، وهي غير مدركة تماما لحجم ذلك العنف الممارس، بل هو يندرج ضمن الثقافة التقليدية الشعبية التي تبيح وتدعم استخدام العنف بل وتطفي عليه طابع الشرعية بحيث لا يوصف عنفا بل سلوكات وممارسات اجتماعية تندرج ضمن الثقافة العامة للمجتمع الجزائري، خاصة تلك المتعلقة بتنشئة الطفل والمتعلقة بالتعامل مع المرأة، فالعنف في المجتمع الجزائري يحظى بتأييد واسع بين أفراده.
إن استخدام العنف البدني والنفسي واللفظي كأساليب تربوية في إصلاح سلوك الطفل في الأسرة الجزائرية ومعالجة تصرفاته الخاطئة قد زاد الأمور سوءا وجعل ذلك الطفل المعنف يكبر ولديه قناعة مترسخة بأن العنف هو الحل الوحيد لكل المشاكل التي ستعترضه مستقبلا، وبطبيعة الحال بمجرد أن يكبر ذلك الطفل يجد نفسه يكرر ما عاشه على يد آبائه وأقربائه في شكل انتقام لنفسه وفي شكل إعادة إنتاج لسلوكاتهم فهي قيمة اجتماعية تعود عليها منذ الصغر.
إن معظم الشباب الجزائري ينشأ في أسرة تساهم في اكتسابه لثقافة العنف شئنا أم أبينا، تجعله يلجأ إليها متى اعترضته مشاكل ومواقف يعجز فيها عن حلها، خاصة إذا ما تعرض في تلك المواقف إلى إحباط أو إهانة لذاته وشخصه فرد فعله مباشرة يكون عنيفا وهذا ما لمسناه من خلال إجابات الشباب خاصة الذين تعرضوا لأساليب عقابية شديدة وعنيفة في تنشئتهم، حيث بينت لنا النتائج بأن الأبناء الذين كانت تنشئتهم الأسرية تتميز بالعنف خاصة من طرف الوالدين يعتبرون بأن العنف هو سلوك مقبول في المجتمع لأنهم تعودوا عليه ونشئوا على أشكاله وصوره المتعددة منذ طفولتهم خاصة العنف اللفظي والعنف المادي.
3. توصيات البحث
على ضوء ما توصلت إليه الدراسة من نتائج توصي الباحثة بعدد من التوصيات أو الاقتراحات الهادفة من أجل خفض أو التخفيف من معدل انتشار ثقافة العنف بين الشباب في المجتمع الجزائري ونوجزها فيما يلي :
-
تفعيل دور الشباب التي أصبحت حسب ما لاحظنا مجرد بنايات فيزيقية فقط، من خلال دورات تكوينية وتثقيفية وتحسيسية حول مشاكل الشباب والتعامل معها كالبطالة وإدمان المخدرات والعنف.
-
خلق خلية إصغاء لمشاكل الشباب من خلال لقاءات مع مختصين نفسانيين واجتماعيين ومختصين أيضا في مجال التنمية البشرية وغيرها يتعلمون من خلالها كيف يواجهون مشاكلهم ويحلونها وكيف يستغلون أوقات فراغهم في أمور تفيدهم وتفيد مجتمعهم.
-
رفع مستوى الوعي الديني والتربوي والأخلاقي من خلال مختلف المؤسسات الاجتماعية والتنشئية خاصة المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام.
-
خلق مرافق حيوية ونوادي شبابية لتمضية أوقات الفراغ في ممارسة الرياضة ومختلف الأنشطة الشبابية، لتفريغ الشحنات والمكبوتات التي يعانون منها، بدل من تفريغها في مواجهة الآخرين وضد بعضهم البعض.
خاتمة
إن ثقافة العنف يعود تكوينها إلى مجموعة من العوامل والأسباب الكامنة وراءها كالتربية الأسرية والمدرسية والمجتمعية ككل، هذا من جهة ومن جهة أخرى الظروف الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية والتاريخية والثقافية كلها متداخلة فيما بينها، وتؤثر تأثيرا مباشرا على السلوكات اليومية للأفراد وعلى مختلف الأساليب التعاملية بينهم.
فالأسرة باعتبارها العنصر الأهم في بناء الفرد داخل المجتمع، يقع على عاتقها المسؤولية الكبرى في تربية النشء الصالح وتقديمه للمجتمع ليساهم في بناءه، من خلال ما تقدمه له من قيم وعادات واتجاهات تمكنه من التفاعل مع أفراد مجتمعه، فطبيعة السلوك المكتسب داخل الأسرة خاصة خلال المراحل الأولى من عمر الفرد يتحكم بشكل كبير في مصيره، بحيث لا يمكنه التخلص من رواسب هذا النمط في التربية طوال مراحل حياته.
وهذا فعلا ما خلصت إليه نتائج دراستنا التي أوضحت لنا بأن هناك علاقة وطيدة بين سلوك الشباب وبين الأساليب التربوية التي تلقوها داخل الأسرة وبين سلوكه وأساليب تعامله خارج أسرته، فهو نتاج بيئته الأسرية، فالشباب الذي ينشأ على ثقافة الحوار وقبول الآخر واحترامه داخل أسرته أكيد أنه سيكون كذلك خارج أسرته ومع باقي أفراد مجتمعه، في حين أن الشباب الذي تعرض لمختلف مظاهر العنف والعقاب النفسي والجسدي والعنف اللفظي لا بد أن يعتبر بأن العنف هو سلوك مقبول في يومياته وممارسته أمرا عاديا لا يخجل منه ولا يعد استثناء.