الفهم القرائي في ضوء تحليل الخطاب وتداولية اللغة

(السنة أولى ثانوي أنموذجا)

حمزة دليلة

p. 68-89

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

مرجع ورقي

حمزة دليلة, « الفهم القرائي في ضوء تحليل الخطاب وتداولية اللغة », Aleph, Vol. 3 (2) | 2016, 68-89.

بحث إلكتروني

حمزة دليلة, « الفهم القرائي في ضوء تحليل الخطاب وتداولية اللغة », Aleph [على الإنترنت], Vol. 3 (2) | 2016, نشر في الإنترنت 25 juin 2017, تاريخ الاطلاع 21 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/831

لقد مرت الدراسات الأدبية بثلاث لحظات : لحظة الكاتب، ثم لحظة النص، ثم لحظة القارئ، وفي ضوء هذه الأخيرة توسعت نظرة الباحثين أكثر في حقل تحليل الخطاب والتداولية، فتغيرت جملة من المفاهيم مثل : الخطاب، القراءة، عملية الفهم القرائي، وقد تركزت دراستنا حول تطور مفهوم القراءة كونها مهارة من المهارات الأساسية، حيث أصبح فهم النص وتلقيه من أهم قضايا النظريات الحديثة ولتحقق عملية الفهم تتفاعل عدة عوامل غير الرموز اللغوية وهي المعرفة المشتركة، الخلفية المعرفية، سياق النص. وقد اهتم علماء التعليمية واللسانيات بهذا الموضوع نذكر على سبيل المثال مقاربة فان ديك، مقاربة براون ويول.

Les études littéraires ont connu trois moments : le moment de l’écrivain, et le moment du texte, puis le moment du lecteur, et à la lumière des derniers chercheurs look a élargi plus dans l’analyse du discours et de pragmatique, ont changé un certain nombre de concepts tels que : la parole, la lecture, le processus de compréhension du lecture, ont concentré notre étude sur l’évolution du concept de la lecture comme une compétence des compétences de base, où il est devenu la compréhension du texte et de la réception des questions les plus importantes du processus théories modernes et vérification de la compréhension de plusieurs facteurs interagissent pour obtenir des symboles non linguistiques qui est une connaissance commune, les connaissances de base, le contexte du texte. didacticiens et linguistique ce sujet était intéressé mention, par exemple, l’approche que vous avez, l’approche de Brown et juillet.

The literary studies have undergone three moments : the writer’s moment, the moment of the text, and the moment of the reader. In the light of this latter, the researchers’ view has widened further in the field of discourse analysis and pragmatic. A number of concepts have changed : speech, reading, reading comprehension. The development of the concept of reading as a skill of basic skills, where the understanding of the text and receive the most important issues of modern theories and achieve the understanding of several factors interact in the achievement of non-linguistic symbols namely common knowledge, background knowledge, context of the text. For example, the Van Dyck approach, the Brown and Woolle approach,was addressed by educational and linguistic scholars.

مقـــــــــدمة

نتيجة لتطور البحوث والدراسات اللغوية الحديثة، توسعت نظرة الباحثين أكثر في حقل تحليل الخطاب وتداولية اللغة، فالخطاب في الدراسات البنوية الصارمة الذي كان ينظر إليه من جانب شكلي بحت منغلق على ذاته، انفتح إلى أبعد من حدود، فمن لسانيات الجملة، إلى لسانيات النص، ثم في المرحلة الأخيرة لم يعد ينظر إلى النص في حد ذاته كبنية مجردة، وإنما البحث اللساني اتجه إلى آليات تحليل الخطاب (كيف نحلل الخطاب) وهنا كان اتجاه الدارسين نحو آليات الفهم والتأويل.

Image 10000201000004F6000002E633CD6197.png

ولو نظرنا إلى التعريف الأخير فهو نتيجة نظرة تواصلية اجتماعية تداولية. وهنا انفتح باب آخر أرحب في موضوع القراءة وآليات التأويل والتلقي التي تنظر إلى الخطاب على أنه فعل منجز في ظروف معينة

وبالنظر إلى تحليل هذه الظروف نصل إلى الهدف الأساسي من الخطاب في المجال التداولي التواصلي وهو عملية الفهم.

تبعا لذلك يشمل بحثنا العناصر الآتية :

تطور مفهوم القراء

قبل أن نخوض في تحديد مفهوم القراءة يجب التطرق لعنصر هام يلزم الوقوف عليه؛ ويتمثل في تطور مفهوم القراءة، فبفضل تطور العلوم وظهور النظريات الحديثة لم يبق مفهوم القراءة قارا « فلو أننا حللنا ما كتب عنه في النصف الأخير، لوجدنا أن مفهوم القراءة تطور إلى مفهوم معقد، يقوم على أن القراءة نشاط عقلي يستلزم تدخل شخصية الإنسان بكل جوانبها. »(المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،1983، ص150) فإذن مفهوم القراءة مر بمراحل يمكن إيجازها فيما يلي :

التعرف على الرموز والنطق بها حروفا وكلمات

وتمثل هذه المرحلة القراءة في أبسط عملياتها وقد ظهرت في « مستهل القرن العشرين، بدأت بمفهوم لا يتعدى الحروف والكلمات والنطق بها، فحين كان يعلم المدرس تلاميذه في الفصل القراءة كان يوجه همه إلى تعليمهم هاتين الناحيتين، لا يكاد يتجاوزهما... »(المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،1983،150) «  ومن بين هذه المفاهيم البسيطة نورد مايلي : القراءة : »عملية إرسال بصوت مرتفع لنص مكتوب. وللانتقال من النظام الكتابي إلى النظام الشفهي* تجب معرفة القوانين التي تتحكم في التبديل المكاني للكلمات.« (لطيفة هباشي،2008،ص13) وكما نلاحظ من خلال هذا التعريف أن مفهوم القراءة كان يركز على الجانب البصري الفيزيائي فقط، أي يكفي أن تلتقط العين الرموز الكتابية، ثم ينطق بها اللسان لنقول عنها عملية قراءة.

الفهم والاستيعاب

أما المرحلة الثانية فقد أضيف إليها عما سبق : عملية الفهم، وقد كان لأبحاث (ثورنديك) الدور الكبير فيها  »ففي العقد الثاني من القرن المشار إليه .... أجرى (ثورنديك) سلسلة من البحوث تتعلق بأخطاء الطلاب الكبار في قراءة الفقرات، وخرج بنتيجة هي أن القراءة : عملية معقدة تشبه العمليات الرياضية، فهي تستلزم الفهم، والربط الاستنتاج، وبالتالي أضيف إلى مفهوم القراءة كعنصر ثان وهو الفهم، وكان من نتيجة هذا التطور ظهور أهمية القراءة الصامتة والعناية الفائقة بها.«  (ينظر زين كمال الخويسكي،2008،ص13) ويمكن أن نمثل لهذه المرحلة بتعريف أفنزي :  »إن القول بأن فردا ما يعرف القراءة يمكن أن يترجم إلى معنيين، فهو يعني أولا أنه باستطاعة الفرد أن يربط صوتا بحرف، وأن يعبر عن حرف بالصوت الذي يناسبه، والقراءة في هذه الحالة يمكن أن تعرف على أنها فك الرموز،ويعني ثانيا أن الفرد يدرك أو يميز بين هذا المعنى وذلك.« (محمد رجب فضل الله،1998،ص64) وهنا يمكننا القول أن القراءة هي تعرف الرموز + فهمها.

التحليل والنقد

وثالث تطور حدث في مفهوم القراءة هو النقد؛  »فباجتماع هذين التيارين نشأ عنصر ثالث للقراءة هو النقد، نتيجة للتيار الأول أجرى (جد وبوزيل) أبحاثا ظهر منها أن القراءة تختلف باختلاف غرض القارئ، كما أنها تختلف باختلاف مواد القراءة... ونتيجة للتيار الثاني نجد أن الأنظار اتجهت إلى العناية بالنقد لتمكينهم من الحكم على ما يقرؤون والأخذ منه بما تقبله عقولهم وتقتضيه موازينهم.« (مراد علي عيسى سعد،2006،ص80)، ويمكن أن نمثل لمفهوم هذه المرحلة بقول : حمدان علي نصر :  »عملية القراءة في مستوياتها العليا هي عملية فحص ناقدة تتيح للقارئ فرصة اكتشاف الأفكار والعلاقات ومراجعتها وتقويمها، وبناء تصورات حول مضامين النص المقروء.«  (مراد علي عيسى سعد،2006،ص80) وفي هذه المرحلة تصبح القراءة : تعرف + فهم + نقد.

الاختيار والتفاعل أسلوب من أساليب حل المشكلات

أما في المرحلة الرابعة فتزداد عملية القراءة أكثر تعقيدا وذلك بحلول العقد الثالث من القرن الماضي، حيث  »انتقل مفهوم القراءة انتقالا جديدا... والانتقال الأخير في مفهوم القراءة هو أنها أسلوب من أساليب النشاط الفكري في حل المشكلات، فهي ليست عملية متميزة بل نشاط فكري متكامل، يبدأ بإحساس الانسان في القراءة لحل هذه المشكلة، ويقوم في أثناء ذلك بجميع الاستجابات التي يتطلبها حل هذه المشكلة من عمل وانفعال.«  (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،1983، ص152)

 »ويمكن أن نمثل لهذه المرحلة بقول (نايف سليمان) « تطور مفهوم القراءة من عملية الإدراك البصري للرموز المكتوبة، إلى عملية عقلية، يتفاعل فيها المتعلم مع ما يقرأ، يقوم بالنقد والتحليل والمقارنة والاستنتاج، ويستخدم ما يقرأه في حل المشكلات اليومية... » (نايف سليمان محمد الشناوي وآخرون،2001،151) ومن ثم أصبحت القراءة : تعرف + فهم + نقد + تفاعل وحل مشكلات.

وسيلة استمتاع وتسلية

يقال : أن خير جليس للإنسان هو الكتاب، من ذلك قول المتنبي :
« أعز مكان في الدنـــــا سرج ســــابح ♣ وخير جليــــس في الزمان كتــــــاب » (عبد جعفر
الدجيلي 1984،ص61)

إذن التطور الأخير لمفهوم القراءة ارتبط بتطورات ومستجدات العصر؛ « فظهور مشكلة وقت الفراغ والرغبة في استغلاله، والاستمتاع به أضيف إلى ما سبق معنى جديدا للقراءة يجعلها أداة لاستمتاع الإنسان بما يقرأ. » (محمد رجب فضل الله،ص25) ويمكن أن نمثل لهذه المرحلة بما قاله طه علي الدليمي « أصبحت القراءة بمفهومها الحديث نشاطا فكريا يشتمل تعرف الحروف والكلمات والنطق بها صحيحة، والفهم والتحليل والنقد والتفاعل مع المقروء، وحل المشكلات، والمتعة النفسية، وبعبارة أخرى أصبحت القراءة وسيلة لربط الانسان بعالمه الذي يحيا فيه في تغيره وتطوره وفي مشكلاته ووسائل تسليته. »( طه علي الدليمي،2006،ص5)

إذا، القراءة بمفهومها الجديد والعام هي : التعرف على الرموز + الفهم + النقد + التفاعل وحل مشكلات + وسيلة إمتاع وتسلية. يمكن أن نمثل لمراحل تطور القراءة بالمخطط الآتي :

Image 10000201000004FE000001DE37719468.png

الفهم القرائي

سنورد بعض التعاريف للباحثين حتى يمكننا الإحاطة بمفهوم هذا المصطلح :

  • ـ أحمد حسن حنورة : « هو تمكن الطالب من إدراك مفردات النص اللغوي إدراكا صحيحا وذلك بفهم معانيها وإدراك شتى العلاقات بين أجزاء النص. »( أحمد حسن حنورة، 2002،ص9)

  • ـ تعريف الأستاذان أحمد عبد الله أحمد وفهيم مصطفى محمد بقولهما « من الغريب أن يكون الفهم صعب التعريف فلا يوجد تعريف مناسب من التعريفات التي اقترحت لكلمة الفهم ولقد عرف بعض الباحثين الفهم : يشمل الفهم في القراءة الربط الصحيح بين الرمز والمعنى، وإخراج المعنى من السياق واختيار المعنى المناسب، وتنظيم الأفكار المقروءة، وتذكر هذه الأهداف واستخدامها في بعض الأنشطة الحاضرة والمستقبلية. » (مجلة اللسانيات،عدد109،ص40،41.) إذا :« الفهم القرائي عملية معرفية يستحضر القارئ فيها كل خبراته السابقة في أثناء موقف القراءة. » (مجلة اللسانيات،عدد109،ص40،41) « أي عملية تفاعلية يلعب فيها النص والمعرفة بالعالم الأدوار الرئيسية. » (مراد علي عيسى سعد، 2006،ص96)

نستخلص مما سبق أن الباحثين في مجال القراءة رغم اختلاف توجهاتهم واهتماماتهم، إلا أنهم يتفقون على عناصر محددة في وضع مفهوم للفهم القرائي ومن ثم فالفهم القرائي هو عملية من العمليات العقلية المعقدة والتي يتم خلالها التعرف على معاني مفردات النص المقروء وتنظيمها وترتيبها بالاعتماد على العالم الخارجي ومعرفة الفرد السابقة في تحليل وتأويل مفردات النص، إذن فهو عملية تفاعل بين عدة عناصر يشكل النص محورا لها، وهذا التفاعل بين العناصر يتم عن طريق مجموعة من العمليات العقلية الأخرى مثل الانتباه، التذكر والاسترجاع، التحليل، التفسير.

وفي الأخير نستنتج أن عملية الفهم تتدرج من البسيط إلى المعقد ويتوقف ذلك على مدى قدرة القارئ في التحليل والاستنتاج وكذلك سعة معرفته وخبرته فكلما اتسعت معرفته بموضوع النص وكان متمكنا من المهارات التفكيرية وصل الفهم إلى أعلى مستوياته ويمكن أن نقسم عملية التلقي وفهم المقروء إلى ثلاثة فروع رئيسية هي :

Image 100002010000041C00000196EFE54A64.png

الفهم من منظور لساني

ينظر الباحثين في مجالات لسانيات النص وتحليل الخطاب إلى عملية الفهم انطلاقا من مبدأ انسجام النص(1) وذلك بإقحام مجالات أخرى ارتكزوا عليها في بحثهم كعلم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي* فتميز « اتجاه جديد هو التوجه نحو تفسير أكثر عمقا للعمليات اللغوية، ظاهرة يمكن أن توصف في علم اللغة بأنها نوع من تحول إدراكي .. إن التركيز الأكثر شدة على ما هو إدراكي يجعل إذن النصوص تبدو وكأنها ظواهر ذات أساس نفسي... كأنها نتائج عمليات ذهنية. »( فولفجانج هاينه مان،2004،ص68)

ومن أهم اللسانيين اللذين تناولوا عملية الفهم : (جري سميث وروجي شانك) (وتوني فان ديك)، (براون ويول) ولنوضح موقع عملية الفهم في لسانيات النص، نقتصر الحديث على كل من (فان ديك) و(براون ويول).

محاولة فان ـ ديك

يهتم (فان ديك) بكل ما يرتبط بتلقي النص من فهم وتأويل، وكذلك السياق الثقافي الذي نفهم من خلاله النص أي كيف نحلل النص لنستخرج دلالته، لذلك فهو « يريد أن يستبدل بالسؤال الساذج : (ما النص؟) سؤال آخر هو (كيف نحلل النص) » (منذر عياشي،2004،ص139) « فيذهب إلى أن النظرية اللسانية تتعامل مع أنساق اللغة الطبيعية، أي مع بنياتها الفعلية والممكنة، ومع تطورها التاريخي واختلافها الثقافي ووظيفتها الاجتماعية. » (محمد خطابي،1991،ص34) « حيث لا يقف عند البنى السطحية والتركيبية للنص، ولكنه يتجاوزها إلى ربط النص ببنيات خارجية ساعيا بذلك إلى إقامة تصور متكامل للنص يسمح ببناء نظرية منسجمة تتجاوز الحد السكوني الذي تقف عنده السرديات إلى مقاربة دينامية للنص. » (فاطمة بغراجي،ص50)

ويعتبر فان ديك « أهم علماء النص المحدثين لتحليل السياقات الثقافية الفاعلة في تكوين النصوص الأدبية وشرح طريقة مقاربتها ، وذلك بتتبعه خواص الأبنية الأسلوبية وعلاقتها بمختلف أنواع السياقات لا لفهم النص فحسب، وإنما لفهم وتحليل مختلف وظائفه. » (صلاح فضل، 2008، ص134)

الدلالة

ينظر (فان ديك) إلى الدلالة على أنها « عنصر أساسي لا غنى عنه في النحو إذ يحاول الخروج من حدود الجملة إلى النص من خلال إضافة عنصرآخرغير  »البنيات المجردة للأقوال صوتيا وتركيبيا ومرفولوجيا.«  (محمد خطابي،1991ص28) وهذا العنصر يتمثل في المعنى فما  »لم يهتم النحو بالمعنى فإنه يظل ناقصا.«  (محمد خطابي،1991ص28) حيث  »يعتبر ديك أن تحليل الانسجام يحتاج إلى تحديد نوع الدلالة التي ستمكننا من ذلك...أي أننا لا نؤول الجمل أو القضايا بمعزل عن الجمل والقضايا السابقة عليها، فالعلاقة بين الجمل محددة باعتبار التأويلات النسبية.«  (محمد خطابي1991،ص28)  »وعندما نتكلم عن العلاقات الدلالية بين الجمل لتتابع ما، فإن المقصود في النتيجة هو وجود علاقات بين معاني هذه الجمل ومراجعها.«  (محمد خطابي،1991ص34)

البنى الكبرى (الترسيمة الاجمالية للنص) :

وهنا يفصل فان ديك في تحديد البنيات الكبرى فيرى أن نقترح  »أولا جنسا للبنى الاجمالية والتي سنسميها البنى العليا، وإن هذه لتتعلق بالمضمون بصورة أقل من تعلقها بتمفصله الداخلي الاجمالي فنحن نستطيع أن نتكلم عن (الأشكال النصية) أو عن (الترسيمات النصية) وإن النموذجين الأعليين الأكثر شهرة هما من غير ريب الترسيمة السردية وترسيمة المحاججة، وإنه لمن الواضح أن هاتين الترسيمتين مستقلتان عن المضمون الاجمالي للنص؛ والسبب لأننا نستطيع أن نستعمل الترسيمات السردية نفسها إزاء قصص تحيل إلى موضوعات تحيل تماما وإن هذا ليصلح أيضا بالنسبة إلى ترسيمات المحاججة وهكذا فإن البنى العليا تمثل (نحوا) إجماليا للنص بوصفه كلا.«  (محمد خطابي ،1991 ص162،163.)

السياق الادراكي فهم النصوص

يصل (فان ديك) في هذه النقطة إلى معالجة النصوص في جانب من جوانب علم النفس وهو الجانب الإدراكي، وذلك انطلاقا من عملية التواصل  »يجب على المستمع/القارئ، لكي يستطيع أن يستعمل نصا في وضع تواصلي أن يفهم هذا النص..«  (محمد خطابي ،1991 ص173،174) أي  »معالجة نص في سياق نفسي وبصورة خاصة في السياق الإدراكي..«  (محمد خطابي ،1991 ص173،174)  »ويتبع فهم النصوص، في هذه الحالة، تتابعات الجمل...إن سيرورة الفهم تعود إلى تحليل المعلومات التي تنقلها البنية الفوقية للنص، كما تعود إلى ترجمتها بمصطلحات المضمون، أي بسلاسل من القضايا.«  (محمد خطابي ،1991 ص173،174) »... فالقارئ للنص غير قادر على تكرار النص كلمة كلمة، جملة جملة...«  (محمد خطابي ،1991 ص176،177)

دور السياق في عملية الفهم

مفهوم السياق

إن سياق عنصر ما (س) هو مبدئيا ما يحيط بهذا العنصر، وعندما تكون (س) وحدة لغوية (من طبيعة وكم متغيرين : فونيم، مونيم، مورفيم، جملة، ملفوظ) فإن محيط (س) سيكون في الآن نفسه من طبيعة لغوية (المحيط اللغوي)، غير لغوية (السياق المقامي الاجتماعي الثقافي. (باتريك شارود وآخرون، ص133.) وهذا ما عمد علماء اللغة النصيون إلى تقسيمه :

  • إحالة داخلية : أي داخل النص أو داخل اللغة (وهو نوعان إحالة قبلية وإحالة بعدية)

  • إحالة خارجية : أي خارج النص أو خارج اللغة و إحالتة على غير مذكور، أو إحالة مقامية وهما شيئان خارج النص. ومن ثم يستعمل لفظ سياق بحسب المؤلفين، للإحالة خاصة إما للمحيط اللغوي للوحدة... وإما مقام التخاطب .(أحمد عفيفي،43،44) ومع فان ديك) تصور السياق لم يعد جامدا وإنما صار ديناميكيا وحدثانيا يقوم بدور أساسي في إشغال الملفوظات سواء فيما يتعلق بأنشطة الانتاج أو التأويل.(باتريك شارودو،2008 ص131)

أيضا نجد من تعاريف السياق أنه المراد به الوضعية الملموسة التي تصاحب إنتاج أفعال الكلام ) المتعلقة بالمكان والزمان وهوية المتكلمين. (بلقاسم دفة، مجلة المخبر،د/ت ص)

عناصر السياق في بلورة عملية التواصل في الخطاب

نوجزها في المخطط الآتي :

Image 10000201000004D4000002DAA543DE37.png

وينظر بشير إبرير إلى المعرفة المشتركة في عملية التواصل « ولكي تتم عملية التواصل في إطار القراءة، فذلك معناه أن النص عبارة عن رسالة بين مرسل ومرسل إليه ويشترط في فهمه الإنطلاق من وضع ما هو مشترك بينهما...» (بشير إبرير، مجلة علوم اللسان ،العدد10،2005،ص46)

ولتوضيح هذه الفكرة أكثر يقدم بشير إبرير المخطط التالي :

Image 100002010000047200000266E79C74AC.png

يمثل المخطط في الأعلى عملية التواصل ، وهي تتشكل من قطبين أساسيين، هما الكاتب والقارئ، وتمثل المساحة المشطوبة مجموع المعرفة المشتركة بينهما، فكلما اتسعت هذه المساحة كان الفهم أعمق.  » فالخطاب ممارسة تجري تداوليا مما يحول دون ثبات سماتها، فالمرسل متجدد وكذلك المرسل إليه، كما ان عناصر السياق الاخرى متغيرة دوما، وهذا هو وجه تسميتها بعناصر سياق الخطاب، مما يمنح كلاّ منها صبغته التداولية« (بشير إبرير،مجلة علوم اللسان، العدد10،2005،ص40.)

ونجد جان ميشال آدم حدد السياق في ثلاثة عناصر :

  • السياق الخارجي : وهو السياق أو وضعية التفاعل الاجتماعي الخطابي فهو إذا سياق وضعية التلفظ أو التأويل.

  • المحيط اللغوي المباشر : والمقصود به سياق النص المصاحب والتشكل النصي.

  • المعارف العامة المشتركة : والمقصود بها التمثلات الاجتماعية، الخلفيات الثقافية في التاريخ وفي الذاتية المشتركة(عمر بلخير،2005،ص54)

إذا تناول الباحثين للسياق من وجهة نظر تداولية هو كل ما يصاحب فعل التلفظ من ظروف تعمل على بنائه، من ذلك الخلفية المعرفية لكل من المرسل والمرسل إليه، وقصدية المرسل، والوسائل الإقناعية التي يحتاجها المرسل لإقناع المرسل إليه. وهذا ما ارتكز عليه كل من فان وبراون ويول في فهم وتأويل الخطاب.

أنواع السياق حسب بريت

Image 10000201000004E80000018811B3B758.png

السياق النصي وهو ما أشار إليه آدم ميشال بالمحيط اللغوي المباشر، أما السياق الوجودي فيتعلق بعوالم الأشياء ونجده في الفلسفة والمنطق، أما السياق المقامي فنقصد به الظروف الإجتماعية المحيطة، وسياق الفعل جزء من السياق المقامي، أما السياق النفسي فهو فيتعلق بالعمليات الذهنية وقصدية الكاتب. (عبد الهادي بن ظافر،ص42،43،44)

ومهما يكن فإن » السياق هو الإطار الذي يسهم في ترجيح أدوات بعينها واختيار آليات مناسبة لعملية الإفهام والفهم بين طرفي الخطاب.«  لذلك سلّط الباحثين في تحليل الخطاب وتداولية اللغة الضوء على السياق في تحليل مختلف الخطابات، من ذلك (جفري فيرث) الذي يدعو اللسانيين إلى الإلتفات إلى الجانب الكلامي للغة. ومن نتاجات إعادة النظر في جملة من المفاهيم فالقراءة سابقا لم تتعد التعرف على معاني الكلمات في التركيب، أما الآن فيستقى المعنى من سياق النص وجهودات القارئ في عملية الفهم. وبذلك فإن  »الدراسات التداولية، أخرجت النص من عزلته وجعلته نتاج تفاعل مستمرمع عوامل السياق« (عبد الهادي بن ظافر،ص140)

الدراسة التطبيقية

سنقوم بدراسة نموذج نص من المقرر الدراسي للسنة الأولى من التعليم الثاني. وهي تعتمد على : الخلفية المعرفية، المعرفة المشتركة، السياق.

عنوان النص : من المؤثرات الحزبية على الشعراء.

الشاعر : الكميت بن زيد (بني هاشم)

النص: في مدح الهاشميين للكميت بن زيد.

الهدف العام للقصيدة: تعرف المتعلم على تأثير الأحزاب السيّاسية في شعر صدر الإسلام2.

Image 1000020100000280000001A708F6A48E.png

الكتاب المدرسي: المشوق في الأدب والنصوص والمطالعة الموجهة (السنة الأولى من التعليم الثانوي) جذع مشترك آداب. ص 151.

دورة التخاطب

دورة التخاطب

لو تأملنا في المخطط نجد : لو تأملنا في المخطط نجد المعرفة المشتركة بين الكاتب والمتعلم ترتبط بالسنن اللغوي، وموضوع النص. وما دام المتعلم بعيد بعدا كبيرا عن زمن الكاتب فهناك تفاوت في هذه المعرفة، حيث تكون رجاحة الكفة للمرسل، وهنا يجد المتعلم صعوبة في تلقي النص.

الخلفية المعرفية

وتتمحور حول ذلك القدر من المعلومات عن هذا الأحداث في العصر الأموي وهنا نجد بعض الأسئلة الموجهة لفهم النص تستهدف هذه المعرفة بالذات فكلما كان المتعلم يملك معلومات تحيط أكثر بالموضوع كان تحليله للنص أعمق وفهمه أشمل ومن تلك الأسئلة نورد :

  • يكشف النص عن مذهب الشاعر السياسي، حدده مع التعليل.

  • عمن يدافع الشاعر في هذا النص؟ ما اللون الذي يمثله هذا النص الشعري؟

سياق النص

وهي مختلف الظروف التي صاحبت إيجاد النص، ونقصد بها هنا مناسبة القصيدة، وهذا العنصر دور كبير توجيه عملية الفهم وتفاعل المتعلم مع النص حيث تجعله في وسط الأحداث. إذا في مثل نصوص ذات بنية تاريخية وثقافية مثل هذا النص فإن المعرفة بالعالم تلعب دورا كبيرا في فهم النص وتذوقه.

خاتمة

ومهما يكن فإن » السياق هو الإطار الذي يسهم في ترجيح أدوات بعينها واختيار آليات مناسبة لعملية الإفهام والفهم بين طرفي الخطاب.«  لذلك سلّط الباحثين في تحليل الخطاب وتداولية اللغة الضوء على السياق في تحليل مختلف الخطابات، من ذلك (جفري فيرث) الذي يدعو اللسانيين إلى الإلتفات إلى الجانب الكلامي للغة. ومن نتاجات ذلك إعادة النظر في جملة من المفاهيم فالقراءة سابقا لم تتعد التعرف على معاني الكلمات في التركيب، أما الآن فيستقى المعنى من سياق النص وجهودات القارئ في عملية الفهم.

وبذلك فإن  »الدراسات التداولية، أخرجت النص من عزلته وجعلته نتاج تفاعل مستمرمع عوامل السياق”

فالخطاب بخصائصه الفريدة التي يتميز ليس حكرا على اللغة و إنما هو محور التقاء مجموعة من العلوم.

1 ـ إن الباحثين الذين اهتموا بتلقي النص ارتكزوا في تفسير عملية الفهم على مبدأ انسجام النص انطلاقا من تمكن المتلقي من فهمه النص فإذا وصل المتلقي المعنى

2 معاني بعض الكلمات: البيض: النساء الحسان. / النهى: العقل./ الرّهط: القوم / كنف: الظل والجانب./ عطفاه: جانباه/ بكيل وأٍحب: حيان في همذان./ الخباء

أـ المراجع :

1ـأحمد حسن حنورة، المهارات اللغوية، دار المطبوعات الجديدة، د ـط، مصر، 2002.

2ـ باتريك شارود وآخرون، معجم تحليل الخطاب، ترجمة عبد القادر المهيري وآخر، مطبعة المغرب للنشر، دار سيناترا، تونس، 2008.

3ـ محمد رجب فضل الله، الاتجاهات التربوية المعاصرة في تدريس اللغة العربية، عالم الكتب، ط1، مصر، 1998.

4ـ محمد خطابي، لسانيات النص : مدخل إلى انسجام الخطاب، المركز الثقافي العربي، ط1، لبنان، 1991.

5ـ مراد علي عيسى سعد، الضعف في القراءة وأساليب التعلم (النظرية ـ والبحوث ـ والتدريبات ـ والاختبارات) دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، ط1، مصر،2006.

6ـ المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم، تطوير مناهج تعليم القراءة في مراحل التعليم العام في الوطن العربي، إدارة التربية، دـط، تونس، 1983.

7ـ منذر عياشي، العلامتية وعلم النص، المركز الثقافي العربي، ط1، المغرب، 1991.

8ـ نايف محمد الشناويوآخرون أساليب تعليم الأطفال القراءة والكتابة، دار صفاء،ط1، الأردن، 2001.

9ـ عبد الهادي بن ظافر الشهري،استراتيجية الخطاب مقاربة تداوية لغوية، دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط1، ليبيا.

10ـ فولفجانج هاينه مان، مدخل إلى علم لغة النص، ترجمة سعيد بحيري، مكتبة زهراء الشرق، ط1، مصر، 2004.

11ـ طه علي الدليمي وآخر، اتجاهات حديثة في تدريس اللغة العربية بين المهارة والصعوبة، عالم الكتب الحديث، ط1، الجزائر، 2006.

12ـ زين كامل الخويسكي، المهارات اللغوية : الاستماع، التحدث، القراءة والكتابة وعوامل تنمية المهارات اللغوية عند العرب وغيرهم، دار المعرفة الجامعية،دـ ط، مصر، 2008.

13ـ لطيفة هباشي، استثمار النصوص الأصيلة في تنمية القراءة الناقدة، عالم الكتب الحديث، جدارا للكتاب العالمي، دـ ط، الأردن، 2008.

ب ـ الأطروحات والرسائل :

1ـ فاطمة بغراجي، تعليم القراءة في ضوء المقاربة النصية (السنة الرابعة من التعليم المتوسط أنموذجا) رسالة ماجستير.

2ـ عمر بلخير، معالم لدراسة تداولية وحجاجية للخطاب الصحافي الجزائري، أطروحة أعدت لنيل شهادة الدكتوراه، تخصص لغة عربية، إشراف خولة طالب

ج ـ المجلات والدوريات :

1ـ بلقاسم دفة، استراتيجية الخطاب الحجاجي (دراسة تداولية في الإرسالية الإشهارية العربية)، مجلة المخبر أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، ج ، الجزائر ينظر الإحالة في نحو النص لأحمد عفيفي، كلية دار العلوم جامعة القاهرة، دـط، دـ ت .

2ـ عبد جعفر الدجيلي، الكتاب العربي والقارئ، مجلة التربية، إصدار اللجنة الوطنية القطرية للثقافة والعلوم، العدد64، 1984.

3ـ بشير إبرير، مقال من مجلة علوم اللسان وتكنولوجياته، مركز البحوث العلمية لترقية اللغة العربية، العدد10، الجزائر، 2005.

1 ـ إن الباحثين الذين اهتموا بتلقي النص ارتكزوا في تفسير عملية الفهم على مبدأ انسجام النص انطلاقا من تمكن المتلقي من فهمه النص فإذا وصل المتلقي المعنى المقصود فيمكن أن نقول أن النص منسجم من ذلك شارول الذي "يضع مسألة الانسجام على مستوى فهم الخطاب" "فلكي تفهم حقيقة كيف تساهم علامات الاتساق ... في فهم الخطاب، لابد أن ينصب تفكيرنا على انسجام الخطاب وخصائصه" ينظر مفتاح بن عروس، الاتساق والانسجام في القرآن، (رسالة لنيل شهادة دكتراه دولة في لسانيات النص 2007ـ 2008، ص.60.)

2 معاني بعض الكلمات: البيض: النساء الحسان. / النهى: العقل./ الرّهط: القوم / كنف: الظل والجانب./ عطفاه: جانباه/ بكيل وأٍحب: حيان في همذان./ الخباء المطنب: البيت المشدود بالأطناب أو الحبال.

الكتاب المدرسي: المشوق في الأدب والنصوص والمطالعة الموجهة (السنة الأولى من التعليم الثانوي) جذع مشترك آداب. ص 151.

دورة التخاطب

دورة التخاطب

حمزة دليلة

قسم علوم اللسان جامعة الجزائر2rAlge

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article