مقدمة
تعتبر المنظمات غير الحكومية جهات فاعلة رئيسية في مجالات التنمية، وحقوق الإنسان، والعمل الإنساني، والبيئة، والعديد من مجالات العمل العام الأخرى، من جهود إعادة الإعمار إلى حملة «اجعل الفقر تاريخيًا» وذلك من خلال تقديم المساعدات وإصلاح التجارة وإلغاء ديون البلدان النامية..الخ.
وتشتهر المنظمات غير الحكومية بنوعين مختلفين من الأنشطة، الذين يعتبران مترابطان في كثير من الأحيان تقديم الخدمات للأشخاص المحتاجين، من خلال ترشيد السياسات، وتنظيم الحملات العامة. كما تنشط أيضًا في مجموعة واسعة من الأدوار المتخصصة الأخرى، مثل بناء الديمقراطية، وحل النزاعات، والعمل في مجال حقوق الإنسان، والحفاظ على التراث الثقافي، والنشاط البيئي، وكذا تحليل السياسات، والبحث.
ولقد كانت المنظمات غير الحكومية موجودة في أشكال مختلفة لعدة قرون، لكنها برزت بشكل كبير في التنمية الدولية، وزادت أعدادها بشكل كبير في الثمانينيات والتسعينيات. ومن الصعب معرفة عدد المنظمات غير الحكومية على وجه التحديد، بسبب قلة الإحصاءات الشاملة أو الموثوقة التي يتم الاحتفاظ بها. وتشير بعض التقديرات إلى وجود مليون منظمة، إذا تم تضمين كل من المنظمات الرسمية وغير الرسمية، في حين أن عدد المنظمات غير الحكومية المسجلة، والتي تتلقى مساعدات دولية ربما يكون أقرب إلى بضع مئات الآلاف وتقدر الأمم المتحدة أن هناك حوالي 35 ألف منظمة غير حكومية في عام 2000.
وبالمقابل تشير الصحة العالمية أيضًا إلى «قضايا الصحة العالمية بطبيعتها»، أي الظواهر المحددة للصحة التي تتجاوز الحدود الوطنية. وتعمل المنظمات الدولية الغير الحكومية دورا بارزا في التنمية الصحية من خلال التوزيع العادل للرعاية الصحية، وبذل الكثير من الجهود في حل المشكلات الصحية في بلدان العالم، وكذا تدعيم البرامج والجهود البحثية سواء كانت مادية أو معنوية. ولذلك تركز هذا الورقة البحثية بشكل أساسي على مناقشة دور المنظمات الغير الحكومية في سياق التنمية الصحية الدولية، انطلاقا من الاشكالية التالية: ماهي الأدوار التي تلعبها المنظمات الغير الحكومية في معالجة وتحقيق أمن صحي عالمي؟
1.منهجية البحث
للتطرق للموضوع تم الاستعانة بالمنهج التحليلي من خلال تحليل مختلف الأدبيات والمنشورات ذات صلة بالمنظمات غير الحكومية، والتي تم العثور عليها من خلال عمليات البحث عبر الإنترنت، والمواقع الإلكترونية للمنظمات غير الحكومية والوكالات الدولية. تم استكمال هذه المراجعة ببحث على الإنترنت باستخدام محرك بحث من أجل تطوير تحليل بسيط لتكرار استخدام مصطلح «الأمن الصحي»، كما أننا نعتمد على المنهج الإحصائي من خلال الاستعانة بالأرقام المختلفة التي تقدمها الدول والمنظمات الحكومية والغير الحكومية والمتعلقة بموضوع الصحة في السياسة الدولية. وتعالج الدراسة الموضوع من خلال المحاور التالية:
-
المحور الأول: في مفهوم المنظمات غير الحكومية والأمن الصحي.
-
المحور الثاني: أدوار المنظمات الغير الحكومية في تحقيق التنمية الصحية.
-
دور المنظمات غير الحكومية في الرعاية الصحية الأولية.
-
دور المنظمات غير الحكومية في دبلوماسية الصحة العالمية.
-
المحور الثالث: أمثلة عن دور المنظمات الغير الحكومية في المجال الصحي
2. في مفهوم المنظمات غير الحكومية والأمن الصحي
1.2. تعريف المنظمات غير الحكومية
يختلف تعريف المنظمات غير الحكومية باختلاف أشكالها وأهدافها، وبالتالي فإن تحليل ظاهرة المنظمات غير الحكومية لا يزال يمثل تحديا صعبًا في الأدبيات السياسية، وأحد أسباب ذلك هو أن المنظمات غير الحكومية هي مجموعة متنوعة من المنظمات التي تتحدى التعميم، بدءًا من المجموعات الصغيرة غير الرسمية إلى الوكالات الرسمية الكبيرة، ولكونها تلعب أدوارًا مختلفة، وتتخذ أشكالًا مختلفة داخل المجتمعات المختلفة وعبرها (بن سلطان 2011: 67). ونتيجة لذلك، تظل المنظمات غير الحكومية كفئة تحليلية معقدة وغير واضحة. على سبيل المثال، على الرغم من حقيقة أن المنظمات غير الحكومية لا تدار من قبل الحكومة، ولا مدفوعة بالدوافع المؤيدة لهذه الأخيرة، إلا أن هناك بعض المنظمات غير الحكومية التي تتلقى مستويات عالية من التمويل الحكومي، وأخرى تسعى إلى توليد جهود لاستئناف عملها ضمن حدود غير واضحة. ونتيجة لذلك يصعب تحديد المنظمات غير الحكومية تحليليًا. وقد أدى ذلك إلى نقاشات معقدة حول ما هو تعريف المنظمة غير حكومية وما هو غير ذلك، كما دارت الأسئلة حول الأساليب الأكثر ملاءمة لتحليل أدوارها وهياكلها، وما قد تكون المنظمات غير الحكومية كبيرة أو صغيرة، رسمية أو غير رسمية، بيروقراطية أو مرنة (حسين 2011: 715).
فالبنك الدولي يعرف المنظمات غير الحكومية بأنها: تشمل العديد من المجموعات والمؤسسات المستقلة كليًا أو إلى حد كبير عن الحكومة، والتي لها أهداف إنسانية أو تعاونية في المقام الأول وليست تجارية. أو هي وكالات خاصة في البلدان الصناعية التي تهدف إلى دعم التنمية الدولية؛ كما تعرف بأنها تتشكل من مجموعات ينخرط فيها السكان الأصليين والتي تتميز بالتنظيم إقليميا أو وطنيا (مجدان 2015: 135).
كما أن المنظمات غير الحكومية تشمل جمعيات خيرية ودينية، والتي تعمل على حشد الأموال الخاصة للتنمية، وكذا توزيع الطعام، وتقديم خدمات للأسرة وتعزيز التنظيم المجتمعي، كما أنها تشمل أيضًا التعاونيات المستقلة والجمعيات المجتمعية وجمعيات مستخدمي المياه والجماعات النسائية والجمعيات الرعوية، كما تعتبر جمعيات المواطنين التي تهدف إلى رفع الوعي، وإلى التأثير في السياسة، فكل هذه تعتبر منظمات غير حكومية (السيد سليم 2002: 196).
2.2. مفهوم الأمن الصحي
على الرغم من توفر مؤلفات شاسعة حول الأمن الصحي والأمن الصحي العام العالمي، فإنه لا يوجد تعريف متفق عليه عالميا. وفيما يلي من كلام تقديم لعدة محاولات من أجل ضبط المفهوم.
بداية، يشير مفهوم الأمن الصحي والأمن الصحي العام العالمي إلى نظامين متفاعلين مع بعضهما البعض، وهما قطاع الصحة وقطاع الأمن، اللذان يلتقيان ويتفاعلان في مجموعة متنوعة من المواقف، فديباجة دستور منظمة الصحة العالمية لعام 1946 - مثلا- تشير إلى أن صحة جميع الشعوب أمر أساسي لتحقيق السلام والأمن، ويمكن من خلال هذه الديباجة ملاحظة الربط بين الصحة والسلام والأمن، بل وجعل الصحة هدفا أساسيا لتحقيق السلام والأمن (بن جديد وبن قيطة 2016: 44).
وغير بعيد عن السياق أعلاه، نجد أن تقرير التنمية البشرية الذي نشره برنامج الأمم المتحدة في عام 1994 بعنوان «الأبعاد الجديدة للأمن البشري» ربط الاهتمامات الصحية بالأمن البشري، حيث تم تحديد سبع فئات من التهديدات للأمن البشري وهي الأمن الاقتصادي، والأمن الغذائي، والأمن الصحي، والأمن البيئي، والأمن الشخصي، والأمن المجتمعي، وأخيرا الأمن السياسي (Aboudouh 2021 :2). ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد على عدة سنوات، ففي ماي 2003، قدمت لجنة الأمن البشري تقريرا إلى الأمين العام للأمم المتحدة معنونا بـ «الأمن البشري الآن»، وتم في هذا التقرير وصف الأمن البشري بأنه مكمّل لأمن الدولة، ولكن مع التركيز على حقوق الإنسان والتنمية البشرية، وخلص ذات التقرير في إحدى توصياته العشر إلى الجانب الصحي، من خلال الإشارة إلى منح الأولوية الكبرى للصحة عبر ضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية الأساسية(بينيديك ونيكولوفا 2003 : 119).
ولم يتوقف الربط عند هذا الجانب، بل تم ربط الأمن الصحي العالمي بالإنذار والاستجابة الوبائية، وهو ما نجده في قرار جمعية الصحة العالمية رقم 54.14 الصادر عام 2001، وهو الربط الي حمل في طياته مفهوما للأمن الصحي والذي يتلخص في كونه استراتيجية عالمية للوقاية من انتقال الأمراض المعدية عبر الحدود الوطنية، وقد عدّ الكثيرون هذا القرار بمثابة خطوة أولى في ربط الأمن الصحي العالمي بالامتثال للوائح الصحية الدولية (Enmark 2007: 06).
هذا، وبالنسبة لتقرير الصحة العالمي السنوي الصادر عام 2007 الموسوم بـ: «مستقبل أكثر أمانا: أمن الصحة العامة العالمي في القرن الحادي والعشرين» فقد عالج الأمن الصحي العالمي، والذي عرّفه بأنه مجموع الأنشطة المطلوبة للتقليل من التعرض للأحداث التي تمس الصحة العامة، والتي تعرض الصحة الجماعية للسكان الذين يعيشون عبر المناطق الجغرافية والحدود الدولية المختلفة إلى الخطر. ويظهر كذلك من خلال هذا التقرير أنه تم اعتبار الأمن الصحي كآلية لمكافحة الأمراض المعدية، وذلك لكون منظمة الصحة العالمية واصلت ربط الأمن الصحي بمكافحة الأمراض المعدية، عندما أعادت تسمية مجموعة الأمراض المعدية باسم «الأمن الصحي والبيئة»، في حين يرى مهتمون أن مثل هذه الاستخدامات التقييدية نسبيا لمصطلحي « الأمن الصحي العالمي » وكذا « الأمن الصحي » بالرغم من توفرها على الوضوح والتركيز، إلا أنها تستبعد العديد من مخاوف الصحة العامة العالمية الأخرى كالحد من وفيات الأمهات مثلا وبقاء الأطفال ومشاكل التغذية (Enmark 2007 : 07).
ومع ذلك، وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة في وجهات النظر للمهتمين حول نطاق الأمن والأمن الصحي، فإن الأدبيات تحتوي على نقاط مشتركة يمكن تعدادها فيما يلي:
-
الحماية من التهديدات، والمتمثلة في الأمراض المعدية الناشئة المعرضة للجائحة كالسارس وانفلونزا الطيور والإرهاب البيولوجي.
-
دخول فواعل جديدة في ميدان الصحة، وتتمثل هذه الفواعل في المنظمات غير الحكومية، والأفراد بما في ذلك المؤسسات العسكرية، هذه الأخيرة الذي أصبح لها دور كبير في تحقيق الأمن الصحي، كما نلاحظة أن هناك مشاركة متزايدة للوحدات العسكرية في تدخلات الصحة العامة، ومن أمثلة ذلك مشاركة الجيوش الأجنبية في الاستجابة لكارثة تسونامي الآسيوية عام 2005.
-
ارتباطه بمصالح السياسة الخارجية، وهذا راجع لاعتبار الصحة مصدر قلق مزمن للسياسات الخارجية للدول، ومن أمثلة ذلك أنه في عام 1999 نظر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لأول مرة في المشكلات الصحية، ومعلنا في ذات الوقت أن فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) يشكل تهديدا للأمن القومي. وقد تم توسيع نطاق المخاوف الصحية للسياسة الخارجية منذ ذلك الحين لتشمل المشاكل العابرة للحدود مثل انتشار الأمراض المعدية الأخرى، وكذا حماية الفقراء الذين يعيشون في الدول الفاشلة، كما سعى المجلس لإقناع الدول المانحة بأنه من مصلحتها الخارجية تقديم مساعدات تنموية متزايدة (Simon 2011: 145).
من خلال ما سبق، يمكن ان نصل إلى تعريف إجرائي لتعريف الأمن والأمن الصحي واعتباره بأنه مجموع تلك الإجراءات التي من شأنها المحافظة على الصحة العامة،والذي هو من احد مهام السياسات العامة، والتي تتطلب حضورا واضحا ومميزا في المجال الطبي والصحي.
3. أدوار المنظمات غير الحكومية في تحقيق التنمية الصحية
المنظمات غير الحكومية هي عنصر أساسي في تمثيل العالم الحديث، والمشاركة فيها تعتبر -بطريقة ما- ضمانة للشرعية السياسية، ومن وجهة نظر الدمقرطة العالمية، فإننا بحاجة إلى مشاركة الرأي العام الدولي، وكذا تعبئة القوى للمنظمات غير الحكومية، فهذه الأخيرة اكتسبت في المجال الصحي القوة والزخم بمرور الوقت، فقد اعترف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بقدرة المنظمات غير الحكومية على التأثير على صانعي السياسات، كما أشار ذات المدير وبشكل علني إلى أن المنظمات غير الحكومية هي التي ضغطت على منظمة الصحة العالمية بشدة لتتجاوز نهج الإدارة التقنية الذي يركز على المرض ويعتمد على الخبراء الذين يستندون على نظام الإدارة السائدة والذي يخضع لمنطق الطب، حيث كانت المشاركة المجتمعية والتنسيق الشفوي بين الاختصاصات والتكنولوجيا المناسبة مهمة (بينيديك ونيكولوفا 2003 : 145).
كما يتميز التأثير المتزايد للمنظمات غير الحكومية ذات الصلة بالصحة، والتي تشمل تلك الموجودة في ميدان الصحة العامة، مثل الاتحاد العالمي لجمعيات الصحة العامة (WFPHA)، والاتحاد الدولي للصحة -الترويج والتعليم- (IUHPE)، والرابطة الدولية لمعاهد الصحة العامة الوطنية (IANPHI)، والجمهور الوطني والإقليمي للجمعيات الصحية، والجمعيات الوطنية والإقليمية لمدارس الصحة العامة (بن جديد وبن قيطة 2016 : 45).
وفي ماي 1977 قبل الاتحاد العالمي لجمعيات الصحة العامة (WFPHA) دعوة من منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) لوضع ورقة موقف تمثل آراء المنظمات غير الحكومية حول الرعاية الصحية الأولية لعرضها في المؤتمر الدولي للرعاية الصحية الأولية الذي سيعقد في سبتمبر 1978 في ألما آتا بكازاخستان. كما استشار برنامج الأغذية العالمي للصحة عددا كبيرا من المنظمات غير الحكومية، سواء تلك التي لها علاقة رسمية مع منظمة الصحة العالمية، واليونيسيف والعديد من المنظمات غير الحكومية الأخرى المهتمة (الوطنية والدولية (Aboudouh 2021: 3).
وفي مجال الصحة ساعدت المنظمات غير الحكومية منذ فترة طويلة في وضع معايير للممارسة والتدريب والتعليم المستمر وتحديد دور العاملين الصحيين في البرامج الوطنية. في حين ركز آخرون على مرض أو نشاط معين مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والجذام، والسل، وبرامج المعاقين. كما تساهم البرامج والكفاءات المتنوعة للعديد من المنظمات غير الحكومية بشكل مباشر في الرعاية الصحية بطريقة أو بأخرى في التنمية البشرية الشاملة، وتشمل مشاريع لتحسين التغذية وإنتاج الغذاء والإسكان، وكذا توفير المياه الصالحة للشرب، وتعزيز محو الأمية، وكذا توفير المواد التعليمية وغيرها من المواد التعليمية التي تساهم في تنمية المجتمع، وتوفير التدريب في مجموعة واسعة من المهارات، وباختصار فهم يساعدون في خلق ظروف مواتية لحماية وتعزيز وصيانة الصحة والوقاية من المرض وقد شهدت السنوات الأخيرة قدرة متنامية للمنظمات غير الحكومية على تطوير أنماط التعاون فيما بينها محليًا ووطنًا ودوليًا من خلال التشاور وتبادل المعلومات أو العمل المشترك (وهيبة 2020 : 180).
1.3. دور المنظمات غير الحكومية في الرعاية الصحية الأولية
يمكن للمنظمات غير الحكومية ان تكون فعالة في جميع مراحل تطوير برامج الرعاية الصحية الأولية من خلال النقاط التالية (العبيدي والمبروك 2020: 217) :
-
إن اعتراف الحكومة بالمساهمات التي يمكن أن تقدمها المنظمات غير الحكومية لدعم الرعاية الصحية الأولية سيضمن أقصى فوائد لهذه المساهمات في برامج الصحة الوطنية.
-
يمكن للمنظمات غير الحكومية العمل من أجل فهم عدد كبير من المواقف الإيجابية اتجاه الرعاية الصحية الأولية عبر تعزيز الحوار داخل وبين المنظمات غير الحكومية وكذا استمرار الحوار مع السلطات الحكومية، واخيرا توفير المعلومات وخلق طرق جديدة لشرح الرعاية الصحية الاولية لعامة الناس، وكذا تعزيز وسائل الاتصال لتحقيق ذلك.
-
يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تساعد في تشكيل السياسة الوطنية في مجالات الرعاية الصحية والتنمية المتكاملة، بالإضافة إلى ذلك يمكنها تقديم احتياجات الرعاية الصحية بناء على اتصالاتها مع المجتمعات، ويمكنهم أيضا تفسير خطط الرعاية الصحية الأولية للوكالات المانحة ذات الصلة.
-
يمكن للمنظمات غير الحكومية إنشاء وسائل تهدف إلى زيادة في التعاون والتنسيق بين الفاعلين من جهة وأنشطة الرعاية الصحية الأولية من جهة ثانية.
-
يمكن للمنظمات غير الحكومية المساهمة في الرعاية الصحية الأولية بعدة طرق، قد يكون ذلك عبر تقديم المساعدة لتطوير وتعزيز قدرات وأنشطة المنظمات غير الحكومية المحلية مع إيلاء اهتمام خاص بتنمية المجتمعات المحلية. وقد يكون عبر إجراء مراجعات وتقييمات لبرامج الصحة والتنمية القائمة، وكذا مساعدة المجتمعات في ممارسة دورها في مثل هذه المراجعات. كما قد يكون عبر وضع برامج مبتكرة تضع الرعاية الصحية الأولية في سياق التنمية البشرية الشاملة، مع ضرورة التأكد والتحقق من أن هذه البرامج تهدف إلى تعزيز المشاركة الكاملة للأفراد والمجتمعات في كل الحالات إما في التخطيط أو التنفيذ او المراقبة أو فيها جميعا. وقد يكون كذلك عبر توسيع الجهود التدريبية للاستجابة لاحتياجات برامج الرعاية الصحية وتطوير تقنيات صحية مستدامة ومناسبة بالاستخدام العقلاني لجميع الموارد المتاحة. وقد يكون عبر المساهمة في غنشاء طرق جديدة وفعالة للتثقيف الصحي والتي تمكن الأفراد والمجتمعات على حد سواء من تحمل مسؤولية كبيرة للحفاظ على صحتهم من جهة، ومن جهة ثانية الاعتراف بالدور الأساسي للمرأة في تعزيز الصحة وفي النطاق الكامل لشواغل التنمية المجتمعية، ومن جهة ثالثة زيادة قدر ة هذه المنظمات على العمل مع السكان الفقراء والمحرومين وتمكينهم من كسر حلقة الحرمان والمساهمة بهذه الطريقة في البحث عن عدالة اجتماعية أكبر (العبيدي والمبروك 2020 :2018).
2.3. دور المنظمات غير الحكومية في دبلوماسية الصحة العالمية
تواجه المنظمات غير الحكومية تحديين كبيرين، الأول يتعلق بنقل اهتمامات الجماهير الأكبر، في حين يتعلق الثاني بالمساهمة في المفاوضات بين الدول في انظمة حكم محورها الدولة، وغالبا ما يتم تخفيفه عن طريق ضغوط من المصالح الخاصة او المصلحة الذاتية التجارية من جانب الدولة نفسها، لذلك تعتبر المنظمات غير الحكومية جزءا مهمّا من دبلوماسية الصحة العالمية، ويمثل وجودها القوي على المسرح العالمي أحد الاتجاهات التي تُعزَى إلى ظهور ما يسمى بثقافة الخطاب، فدبلوماسية الصحة يمكن ان تعني بناء ثقافة الخطاب والتعاون بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية، على أن يتم العمل على مستوى القاعدة الشعبية وعلى مستوى المجتمعات، لأن ذلك يسمح بأكبر قدر من الوصول إلى الأشخاص المحتاجين، فإذا كانت الحكومات تمثل القوة في الدبلوماسية فإن المنظمات غير الحكومية تمثل الأفكار والمعرفة (Katz and Others 2011 : 505)).
من جهة أخرى، نجد بأن المنظمات غير الحكومية تساهم في جميع مراحل دورة البحث، وتعزز أهمية وفعالية البحث وتحديد الأولويات وترجمة المعرفة من مجرد أقوال إلى أفعال على أرض الواقع، كما أن لها دورا رئيسيا في الإشراف وتعبئة الموارد من أجل البحث وتوليد المعرفة واستخدامها وإدارتها مع ما يتطلبه ذلك من تنمية القدرات. ومع ذلك، عادة ما تكون مشاركة المنظمات غير الحكومية في البحث في المراحل النهائية من إنتاج المعرفة، وعادة ما تأخذ شكل شراكة مع الجامعات أو وكالات البحث المتخصصة، فمثلا يعمل مجلس البحوث الصحية في التنمية COHRED بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، ومنظمات أخرى لتعزيز دور البحوث الصحية على المستوى القطري، وغالبًا ما تلعب المنظمات غير الحكومية دورًا حاسمًا في تفسير الأدلة وترجمة صلتها بالمجتمعات المحلية، وبذلك يعتمد مستوى مشاركة المجتمع على الملاءمة وفرصة العمل والدعوة إليها (Smolinski 2005 : 20).
4. أمثلة عن دور المنظمات غير الحكومية في المجال الصحي
هناك عدد كبير من المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الصحي، والمثال الأكثر تعبيرا عن هذه الأدوار هو المؤتمر الذي قامت منظمة Ditchley غير الحكومية ومقرها النرويج باستضافته مناصفة مع معاهد Nuffield Trust وكذاRand (FPGH)، وقد فيه تم جمع ممثلي الحكومات والأكاديميين وقادة المنظمات غير الحكومية من كندا وهولندا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع الأعضاء التنفيذيين في منظمة الصحة العالمية، وكان موضوع المؤتمر هو فحص الروابط بين القضايا الصحية ومصالح السياسة الخارجية الوطنية وأوجه التآزر التي يمكن الحصول عليها من خلال التنسيق على المستويين الوطني والدولي للسياسات الصحية مع الخارج في سياسات الأمن والتنمية، وإلى دور الصحة في التنمية العالمية، والصلة بين الأمن والصحة، حيث أقر المشاركون بأنها قد تكون مدفوعة في المقام الأول من خلال المصلحة الذاتية للدولة (UNHCR 2022).
كما حذر المشاركون في المؤتمر من تسييس الصحة كوسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأخرى، وكذا تبني « حياد الصحة » كهدف جدير بالاهتمام بالسياسة الخارجية في حد ذاته، وفي سياق مجريات المؤتمر سلط الضوء على الطرق الممكنة التي يمكن للحكومات والدول من خلالها دمج الصحة في السياسات الدولية، مثل تخصيص الأموال لمشاريع الصحة والتنمية العالمية، وكذا تبادل خبراء الصحة، بهدف تقريب توجهات النظر، وأخيرًا كان ينظر إلى القيادة من الأعلى على أنها أن تكون إحدى أهم الطرق لتحقيق اهتمام قوي ومستدام في العالم(Wright 2022).
وفي نفس السياق قام اثنان من المشاركين في المؤتمر من المنتسبين لمؤسسة RAND بنشر أعمال ذات صلة من منظور أمريكي، ركزت على الدور الذي يجب أن تلعبه المهن الصحية في السياسة الداخلية والخارجية ولا سيما في أعقاب أحداث 9/11. وقام الاثنان بربط الصحة بالأمن والتنمية الاقتصادية العالمية، كما قامت بوضع الصحة كأداة أو أداة للسياسة الخارجية بمعنى أنها يمكن أن تكون قوة موحدة. كما سلطت الضوء على الدور الذي يمكن أن يلعبه المهنيون الصحيون في التعامل مع التحديات الصحية في الخارج لأسباب إنسانية، ولكن أيضًا لإخماد التهديدات الأمنية الأمريكية وتعزيز سمعة أمريكا العالمية المتعثرة من خلال عملهم يمكن للمجتمع الصحي في الولايات المتحدة أن يعمل بشكل جيد من وأيضا خلال العمل الخيري(UNHCR 2022).
كما جذب مؤتمر RAND و Nuffield Trust المنعقد في نفس العام أيضًا انتباه عدد قليل من الباحثين الكنديين، الذين أشاروا في ورقتهم التي أعدت من أجل دراسة مستقبل الرعاية الصحية في كندا إلى دور المؤتمر في وضع الصحة كعنصر مركزي في السياسة الخارجية للقرن الحادي والعشرين، وتمت مناقشة لماذا يجب أن تكون الصحة أحد اهتمامات السياسة الخارجية، وخلص المجتمعون أن ذلك راجع لدعم التنمية، لتعزيز الأمن، بعيدا عن الأسباب التي تتعلق بالمصالح الشخصية، وذلك من خلال إبراز العلاقة بين التجارة والصحة وأهمية التركيز على حقوق الإنسان(Wright 2022).
خاتمة
نخلص في نهاية المقالة للقول أن نطاق وشدة التحديات الصحية العالمية وتشعبها أثبتت أنه لا يمكن لدولة أو وكالة بمفردها العمل بمفردها لمواجهتها، لذلك وللمساهمة في أهداف الصحة العالمية المشتركة يجب أن تعمل المنظمات غير الحكومية في شراكة وثيقة مع مجموعة واسعة من الوكالات والمؤسسات الدولية لتشكيل السياسات الصحية العالمية وتمويل البرامج وتنفيذها وتقييمها. وما لهذه الأخيرة من أدوار في تحديد وتنسيق سياسات الدول لتيسير التعاون بينهما في القضايا المتعلقة بالصحة، فهي لها القدرة على تحديد نماذج اللازمة لتشكيل نظام أمني صحي، كما يمكن للمجتمعات أن تساعد على تحديد المبادئ والقواعد والمعايير المتعلقة بالصحة، ففهم المبادئ الصحية تتكامل على نحو متزايد بسبب الجهود المعرفية الذي توضع لحماية النظم الصحية، والمنظمات غير الحكومية تقدم المعلومات اللازمة حول المشاكل البيئية والصحية للدول.