الخطاب الديني المتلفز ومسألة الهوية

Discours religieux télévisé et question d’identité

Televised religious discourse and the question of identity

جير الزهرة Djir Zahra et طيبي غماريTebi Ghomari

p. 79-101

Citer cet article

Référence papier

جير الزهرة Djir Zahra et طيبي غماريTebi Ghomari, « الخطاب الديني المتلفز ومسألة الهوية  », Aleph, 10 (1) | 2023, 79-101.

Référence électronique

جير الزهرة Djir Zahra et طيبي غماريTebi Ghomari, « الخطاب الديني المتلفز ومسألة الهوية  », Aleph [En ligne], 10 (1) | 2023, mis en ligne le 13 octobre 2022, consulté le 24 avril 2024. URL : https://aleph.edinum.org/7601

شكلت العودة القوية للمقدس منعرجا فلسفيا مهما طغى بنقاشاته الحادة على الساحة الفكرية، وأصبح من حيث تواجده المكثف على مستوى المخيال الديني في كنف الثورة التكنولوجية (المعلوماتية) الحديثة من بين أكبر القضايا وأهمها، وقد استقطب انشغال العديد من الباحثين في بحوثهم الإعلامية والسوسيولوجية خاصة، وعرفت هذه المكاشفة بروز الذروة القصوى لتنامي الاهتمام بالإعلام الديني، وأصبحت بالتالي ظاهرة الخطاب المتُلفز حول جملة هاته المسائل التي اكتسحت مجالات هذه الساحة أمرا واقعا لتجعلنا بعد ذلك، كباحثين، أمام تحديات التنقيب المعرفي الذي يكشف لنا عن بعض الحقائق، وعليه فإننا سنسعى من خلال هذا المقال إلى إبراز مدى قدرة التلفزيون الفضائي على احتواء الخطاب الديني بما يحمله من إمكانات معرفية ومصوغات سلوكية، بحيث يسهم كتوجه في صوغ ملامح الهوية الدينية باعتبارها مرجعية فقهية وتاريخية ممتدة عبر الزمان والمكان تؤدي وظيفة تفاعلية على مستوى النص والفكر والممارسة.

Le fort retour du discours sacré constitue un tournant philosophique significatif qui a été éclipsé par d’intenses débats sur la sphère intellectuelle et est devenu l’un des sujets les plus importants à présent dans l’imaginaire religieux à la suite de la révolution technologique (de l’information) moderne. Par conséquent, ce changement a attiré l’attention de nombreux chercheurs dans le domaine des médias et de la sociologie en particulier. L’exposition a révélé un intérêt croissant aux médias religieux, et le phénomène du discours télévisé abordant ces questions est devenu une réalité indéniable, ce qui a poussé les chercheurs à mener des enquêtes cognitives afin de comprendre la nature de ces faits clés. Par conséquent, cet article étudie l’étendue de la capacité de la télévision à contenir le discours religieux avec toutes ses aptitudes cognitives et ses formules comportementales, de sorte qu’elle contribue à former les caractéristiques de l’identité religieuse et la présente comme une référence jurisprudentielle et historique qui s’étend à travers le temps et l’espace et joue un rôle interactif au niveau du texte, de la pensée et des actes.

The strong return to the sacred discourse constitutes a significant philosophical turning point that has been overshadowed by intense debates on the intellectual sphere and became one of the most important issues present in the religious imagination as a result of the modern technological (information) revolution. Therefore, this change has attracted the attention of many researchers in the field of media and sociology in particular. The exposure revealed an unprecedented and increasing interest in religious media, and the phenomenon of televised speech tackling these issues became an undeniable reality, which drove researchers to lead cognitive investigations in order to understand the nature of these key-facts. Hence, this article highlights the extent of the television’s capability in containing religious discourse with its cognitive aptitudes and behavioral formulas, so that it contributes in shaping the features of religious identity and portrays it as a jurisprudential and historical reference that extends across time and space and plays an interactive role at the level of text, thought and acts.

مقدمة

كثيرة هي الكتابات التي تؤشر اليوم على مرحلة جديدة من التعاطي العلمي مع قضايا واهتمامات الخطاب الديني الإعلامي في المجتمعات العربية، وعديدة هي القراءات والمقاربات التي وظفها الباحث ونفي ميادين وحقول معرفية متنوعة خاصة، وقد أصبحت تبدو متباعدة بالرغم من اشتغالها على الخطاب الديني المُتلفز وقضايا التغير الاجتماعي، الذي يهم بدرجات متفاوتة شرائح وفئات المجتمع. وهذا ما يجعلنا نفكر بشكل جدي في رصد بعض جوانب التحول الاجتماعي الذي غير بشكل أو بآخر موقع ومسارات تشكل الهوية الدينية، مما انعكس على تمثلات وممارسات أفراد المجتمع وكذا تغير منظومة القيم الدينية المألوفة التي ورثها الأبناء عن جيل الآباء.

إن الخطاب الديني المتُلفز أو ما أصبح يصطلح على تسميته في بعض الدراسات الإعلامية موسطة1 الدين بواسطة التلفزيون والتي تعد ظاهرة اجتماعية بامتياز، بحيث يمكننا بناءها وإعادة تنظيمها كمجال خصب للدراسة والبحث والتفكيك السوسيولوجي الذي يتعلق بمختلف أبعاد هذه الظاهرة ومؤشراتها، خاصة إذا ما صاحب هذه الموسطة استجابات وردات فعل تعبر عن واقع متمايز للفاعلين الاجتماعيين، لذلك ينبغي علينا مساءلة عدة تخصصات علمية كـ(علم الاجتماع وعلم الإعلام وعلم النفس....) وذلك لمقاربة حيثيات بناء الخطاب التلفزيوني الذي يتخذ من الدين محورا أساسيا له، ومعرفة خلفياته ومآلات توظيفه في الفعل لدى الجمهور المتابع له. الأمر الذي يستدعي منا الوقوف أولا عند ماهية هذا الخطاب وعند مضامينه ومواصفاته التي يمتاز بها ككيان فكري مستقل بذاته ويتميز بخاصية الاستثناء عن غيره من الخطابات، كما أردنا الوقوف بعد ذلك عند مختلف تجليات وتمظهرات هذا الخطاب ضمن الإيقاع اليومي لحياة الفاعلين الاجتماعيين سواء من حيث تصوراتهم وتمثلاتهم له، أو من حيث مستوى وعيهم العام، الذي يخلق نوعا من الانتماء الهوياتي الديني لديهم.

1. الخطاب وإشكالية التعريف 

للوقوف على مفهوم الخطاب كان لزاما علينا أولا وقبل كل شيء أن ننقب ونتصفح المصادر والمراجع الخاصة بالموضوع لرصد أهم التعريفات التي يمكننا الاستدلال بها في هذا العمل، وقد بدأنا ذلك بالتعامل مع كتاب « لسان العرب » لابن منظور، الذي وقف مباشرة على أصل الكلمة ومعناها باعتبارها تعني « الخطاب والمخاطبة أي مراجعة الكلام، ونقول قد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا، وهما يتخاطبان، والخطبة مصدر الخطيب وخطب الخطيب على المنبر، واختطب يخطب خطابه واسم الكلام الخطبة » وبذلك فالخطاب وفق هذا المنظور مرتبطا كل الارتباط بالكلام (ابن منظور1955 : 361).

وقد ورد في القرآن الكريم صيغتان للخطاب:

  1. الأولى صيغة متعلقة بالمصدر في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم «فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب» سورة ص الآية 22 وقال عزوجل «وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب» سورة ص الآية.19 وقوله تعالى «رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا» سورة النبأ الآية 37

  2. والثانية صيغة مرتبطة بالفعل وقد وردت في قوله تعالى: «ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون» سورة المؤمنون الآية 27 وقوله تعالى: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما» سورة الفرقان الآية 63.

وقد ذهب الآمدي في تعريف الخطاب تعريفا بيانيا، بحيث ربطه بمنطق معرفة الأحكام الشرعية، على اعتبار أن اللفظ يراد به الإفهام. وهو ما ينطبق على الخطاب الديني الذي سنعرضه لاحقا.

يشير مايكل شورت Short Michael في تعريفه للخطاب إلى أنه « اتصال لغوي والذي يعتبر صفقة بين المتكلم والمستمع ونشاطا متبادلا بينهما وتتوقف صيغته على غرضه الاجتماعي » (ميلز 2004 : 03)، وهذا يعنى أن الخطاب يمثل تجربة دينامية تساهم فيها عدة أطراف والتي تتصل فيما بينها عن طريق عملية التفاعل، وذلك قصد تحديد الأدوار والوظائف كل حسب موقعه باعتباره الوارث الشرعي له من حيث تفسيره وتشكيله في وعيه ووفق مرجعياته ورؤاه، من أجل الوقوف على أكبر قدر من المقروئية/ المشاهدة لتشكيل رؤى/ والتي تعد بنى تساهم في عملية بلورة النتاج الفكري/ التواصلي المتنوع .باعتبار أن القراءة هي أول الفهم، والفهم ينجر عنه إنتاج المعنى، وبذلك تكتمل صورة التلقي والفهم لغاية إنتاج المعنى.

كما عرف هاريس Haris الخطاب بكونه «مجموعة من الجمل التي لها معنى» (الإبراهيمي 2000: 58) مؤكدا على أنها هي غالبية الوحدات الأساسية لتحليل الخطاب. في حين يؤكد باتريك شارودوP. Charaudeau بأن الخطاب هو عبارة عن معادلة تتكون من الملفوظ والموقف التواصلي.

Image 100002010000028000000060B50ADD3FA7FE1FA4.png

.أما إيميل بنفنست E. Benveniste فقد عرف هو الآخر الخطاب على أنه « كل مقول أو قول يفترض متكلما ومستمعا وتكون لدى الأول أو الطرف القائل نية التأثير في الثاني بصورة ما » (Benveniste1966 :16) وهو يركز على شكلين منبثقين من الخطاب ألا وهما : الملفوظ والتلفظ أو التحدث، حيث أشار إلى أن الملفوظ يشير إلى « مجموع الوقائع الكلامية أو اللغوية التي يقوم بها المتكلم وهو تمثيل جزئي للتلفظ يؤديه المتلفظ مؤكدا أو آمرا أو مفترضا » (Benveniste1966 : 16).

أما التلفظ فهو فعل استعمال اللغة من أجل إنتاج نص ما، ويمكن القول أن مفهوم التلفظ لدى بنفنست هو نفسه مفهوم التخاطب الذي تحدث عنه الفكر العربي قديما، ولعل ما جعل اسمه لامعا في دراسة وتحليل الخطاب هو عدم تركيزه على الخطاب بصفته بنية لغوية خاصة فقط، بل تجاوزها إلى الوقوف عند ظروف إنتاجه مراعيا في ذلك المخاطب (المتكلم) وطريقة تأديته لخطابه والكيفية التي يتلقى فيها المخاطَب لهذا الخطاب وفق مرجعيات معينة وفي زمان ومكان محددين (أي أنه مرتبط بلحظة إنتاجه).

ويعرف الخطاب على أنه تلك «الطريقة المعينة للتحدث عن الواقع وفهمه، وهو مجموعة من النصوص والممارسات الخاصة بإنتاجها وانتشارها واستقبالها، مما يؤدي إلى إنشاء أو فهم الواقع الاجتماعي» (شومان 2007 : 25) هذا التعريف يوحي في دلالته إلى أن الخطاب هو« ظاهرة معرفية اجتماعية مركبة » لأنه معطى معرفي يمس كل ما له علاقة بالإنسان والوعي والإدراك والمجتمع وهو أرضية خصبة متنوعة التضاريس والمظاهر. أي أنه يعبر عن مجمل الأشياء التي تكوّن العالم الاجتماعي بما في ذلك هويتنا، بمعنى آخر أن الخطاب ما هو إلاّ واقعنا الاجتماعي وإدراكنا لذواتنا (هويتنا)، وبدونه لا يمكننا الحديث عن الواقع الاجتماعي ولا فهم واقعنا وتجاربنا وحتى أنفسنا (ذواتنا). لذلك يمكننا القول أن مفهوم الخطاب هو في حقيقة الأمر مسألة شائكة ومعقدة ضمن فسيفساء الكتابة لارتباطه بحقول معرفية متباينة، ولكونه يتعلق بعلوم اللسان الذي تم التعامل معها باحتشام بسبب تركيزها على اللسان لا على الكلام، فانه يمكننا القول إجمالا أن الخطاب هو وحدة تواصلية إبلاغية متعددة المعاني ناتجة عن مخاطِب ما موجهة إلى مخاطَب معين، عبر سياق معين، وهو يفترض وجود سامع يتلقاه، وهو مرتبط بلحظة إنتاجه، ولا يتجاوز سامعه إلى غيره وهو يدرس ضمن لسانيات الخطاب.

أما الخطاب بلاغيا فهو مجموعة من الجمل منطوقة كانت أو مكتوبة، تكون في حالة الاشتغال على موضوع محدد يكون بين الكلام والفهم، ويسعى التلفظ به إلى التأثير في المتلقي بواسطة فرضيات ورؤى وأحاسيس، مما يتطلب مبدئيا ديمومة في إنتاجه وتلقيه ويتطلب كذلك تماسكا داخليا وتدليلا مقنعا وصورا تعبيرية ولغة واضحة.

إن فعل المحادثة هو الذي دفع بالكثير بالمهتمين إلى البحث والاستقصاء عن مفهوم الخطاب في ظل العوامل المحيطة به، إذ يمكننا أن نستدل على أنه تلك « الشبكة المعقدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية التي تبرز الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على الهيمنة والمخاطر في الوقت نفسه » ( فوكو 2007 : 7)، وبعبارة أخرى فإن جملة الضغوطات والقيود التي تمارسها عادات وقيم المجتمعات هي التي تحدد ما يمكن قوله وما لا يمكن قوله أو كتابته، إنها قيود نابعة أساسا من الإرث الثقافي وهي عبارة عن « شفرات الثقافة »، وفي مواجهة ذلك يمكننا أن نتحدث عن الرقابة المعرفية المفروضة والمهيمنة التي يمارسها أصحاب حقل معرفي ما على أهلية المتحدث وصحة خطابه ومشروعيته.

فالخطاب ببساطة يشير إلى «طريقة معينة للتحدث عن الواقع وفهمه، كما أنه عبارة عن مجموعة من النصوص والممارسات الخاصة بإنتاج الكتابة وانتشارها واستقبالها، مما يؤدي إلى إنشاء أو فهم الواقع الاجتماعي» (شومان 2007: 25)، خاصة وأننا ندرك مليا بأن الخطاب يظهر لنا دائما في شكله المتحرك والمتغير، كما أن له جمهورا وهدفا مقصودا، ويتشكل من مجموعة من النصوص والممارسات الاجتماعية.

تبرز إذن مكانة الخطاب في كونه أداة ذات أهمية في تكوين أفعال الجماعة وصناعة السلوكيات ضمن ممارساتهم الاجتماعية اليومية، لكنها تظل في الوقت نفسه عبارة عن مجاراة متعددة لاستعمالات متفرقة. كما أن غياب التواصل سيؤدي حتما إلى انعدام السلوك الإنساني، لذلك ينبغي في نفس الوقت أن تكون اللغة المستعملة أداة تواصل تكشف الأفكار وتنقل المعارف بشكل واضح وقابل للإدراك والوعي.

« يشير الخطاب إلى طريقة في الكلام ونعني به (المكتوب/ المنطوق) على حد سواء والذي قد يعطي معنى لخبرات من منظور محدد وعليه، فإنه يسهم في تصور يخص : الهويات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية ونظم المعرفة والمعاني » (بدوي 2009 : 187) ، كما أنه لا ينتج من فراغ، بل في إطار سياق اجتماعي وثقافي وتاريخي محدد.

2. النظام الإعلامي ومسعى التغيير 

رغم أن معارفنا ارتكزت في الماضي على السماع وثقافة الاعتماد على الأذن، إلا أننا اليوم وأمام تحديات العصر وجدنا أنفسنا عرضة إلى ظهور عنصر آخر يتكامل مع هذه الثقافة ويعنيها، إنه «عالم الصورة وثقافة العين » عالم اشتهر بعالم الصوت والصورة، والتي أصبحت فيه ومعه المعلومة هي الرأسمال البشري الذي تستثمره الدول لتحقيق حاجات وفوائد اقتصادية وسياسية وثقافية .... تحت مظلة العولمة التي تعمل باستمرار على إعادة تشكيل العالم وصياغته فكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا وإعلاميا....

وأمام تنامي العولمة واختصار العالم في قرية صغيرة تحول الإنسان المعاصر معها إلى كائن تقني تواصلي إعلامي، وأصبح معه الخطاب صناعة ثقافية بامتياز، تجمع ما بين اللغة والمعلومة ومختلف المحتويات الثقافية الأخرى التي تستخدم مختلف الآليات التقنية من أجل تبليغ هذه الأفكار والأخبار المنتشرة عبر الزمان والمكان إلى الجهات التي تهتم بإذاعتها.

فالخطاب الإعلامي هو كذلك «مجموعة الأنشطة الإعلامية التواصلية التي تخص الجماهير والتي قد تتجسد في جملة التقارير الإخبارية والافتتاحيات والبرامج المُتلفزة وحتى بعض المواد الإذاعية وغيرها من الخطابات النوعية» (العاقد 2002: 110).

إننا أمام هذا التحول في مواجهة مباشرة وتحد معرفي يقتضي إعطاء تعريف للخطاب الإعلامي يكون كإنجاز يستهدف أن يكون لغويا وإخباريا متنوعا يتشكل ضمن بنية اجتماعية ثقافية Structure socioculturelle محددة، وهو بالإضافة إلى أنه شكلا من أشكال التواصل الفعالة في المجتمع، فإن له قدرة كبيرة على التأثير في المتلقي وإعادة تشكيل وعيه ورسم رؤاه المستقبلية وبلورة رأيه، كل بحسب الوسائط التقنية التي يستعملها والمرتكزات المعرفية التي يصدر عنها. إن الخطاب الإعلامي هو نسق تفاعلي مركب ومتشابك، وهو في حقيقة الأمر جامع للنسق اللساني والأيقوني على السواء، إنه يمتاز بثرائه وزخمه اللغوي وغير اللغوي، وهو يتشابه مع بعض الخطابات ويختلف ويتمايز مع بعضها الآخر كـالخطاب السياسي والأدبي والديني.....الذي سنحاول الوقوف عليهم لكننا سنختار الاقتراب من الخطاب الديني الذي يعرض على شاشات التلفزيون أكثر فأكثر، كونه خطابا يشتغل خاصة على اللغة والصورة في الوقت نفسه، مما يجعله نسقا سيميائيا دالا قابلا للقراءة والتأويل وعابرا للتخصصات ومختلف المعارف وموظفا ومستثمرا للتراث الديني حسب ما تقتضيه الظروف والأوضاع.

3. سوسيولوجيا الخطاب الديني المتلفز

1.3. البرامج الدينية التلفزيونية: نحو تحديد المفهوم وتشخيص الواقع

تشير البرامج الدينية الإسلامية إلى « تزويد الجماهير بحقائق الدين الإسلامي، المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله (ص) بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال وسيلة إعلامية عامة يقوم عبرها أحد المختصين في هذا المجال ومن بين الذين تكون لديهم خلفية واسعة ومتعمقة في موضوع الرسالة التي يتناولها لإيصال المعلومة أو الحقيقة الدينية المنشودة عبر الحصة المقدمة، وذلك بغية تكوين رأي عام صائب يعي الحقائق الدينية ويترجمها إلى واقع في سلوكه ومعاملاته » (بغداد 2010 : 45)، يجسد هذا نوعا من أنواع الخطاب الذي يطغى على مضامينه المحتوى الديني سواء تمثل ذلك في الإرشاد أو الدعوة أو التفسير أو حتى عن طريق الشرح المستفيض للعقيدة، ويكون ذلك اجتهادا من قبل هؤلاء لتقديم فتاوى لمواضيع مختلفة قد يتساءل عنها الجمهور المتلقي أو يتصل لأجلها بصفة مباشرة مع الشيخ الذي يمارس فعله الخطابي هذا، إن ما يهدف إليه مبدئيا هذا المخاطِب هو تزويد الجمهور بالحقائق الدينية التي من المفروض أن تكلل وتتجسد في الواقع الميداني بأفعال عاكسة لحقيقة التلقي، ويكون الغرض منها بذلك هو صناعة رأي عام وهوية تؤطر هذه الثقافة الدينية وتتحكم في السلوكيات والأفعال اليومية للفاعلين الاجتماعيين.

إننا قد لا نجد أنفسنا على هذا المستوى أمام الثقافة الدينية مستهلكين لصيغ الخطاب المتنوعة فحسب، بل قد يتأتى لنا تبني التصور الديني والوصول إلى المستوى الذي يحدد وجهة نظر ورؤية الفاعل الاجتماعي لأجل صياغة علاقة ما مع المحيط الاجتماعي الذي نعيش فيه، وأبعد من ذلك قد ينتقل المتتبع لهذه البرامج إلى ربط علاقة بالكون والحياة بصفة معينة ضمن إطار التصور الفلسفي للثقافة والهوية الدينية.

وعليه فإن هذا البث التلفزي الذي يسعى الخطيب من وراء تقديمه إلى اشتراط أن يبنى على فلسفة واضحة وإستراتيجية محددة وواضحة المعالم وبأهداف دقيقة خاصة وأنه سيرتكز على العلم والمعرفة مع مراعاته لخاصية التجديد والتغيير الذي ترتبط بالأحداث والمستجدات الطارئة على المجتمع، إننا أمام زخم الوسائل التكنولوجية الحديثة وحرصا منا على ضمان الاستفادة من القدرات والإمكانات والأدوات الإعلامية التي أفرزتها ثورة المعلومات الحديثة في هذا المجال سنحاول تقصي إسهامات رفع مستوى الوعي الديني ومتابعة المتلقي وجس نبض إقباله على هذه البرامج التي تعتمد على الأساليب الإغرائية التي تؤثر في تكوين الرأي والمعرفة الدينية التي تنبني على المواقف وتجسيد السلوكيات التي تنسجم مع المرجعية الدينية الأصلية.

أما فيما يتعلق بخصائص هذا الخطاب فإن مظاهره ومواصفاته تبدو وكأنها لا تختلف كثيرا عما نجده في صفحات الجرائد والمجلات وما تقدمه البرامج الإذاعية الرسمية. لذلك فإنه يمكننا من هذا المنطلق أن نقدم قراءة نقدية نرصد من خلالها أهم هاته الخصائص التي سنوجزها في النقاط التالية:

  • التركيز على آلية الترغيب والترهيب.

  • انحصار الفتوى والأحكام في مسائل مرتبطة بالطلاق والزواج والميراث والقليل من أحكام المعاملات التجارية كالبيع وأحكام العبادات في شكلها المتعدد، وهذا طبعا دون نسيان بعض المسائل والقضايا المتعلقة بالنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمن والصحة والتعليم وغيرها.... دون بذل لأدنى جهد في محاولة مسايرة وتوجيه الرسالة بحسب مقتضيات المتتبعين أو متطلباتهم، فالخطاب إذن يكون موجها لكل الجمهور دون تمييز ودون أدنى اعتبار لمواصفاته وخصائصه، وحتى درجة وعيه وإدراكه لقضايا أمته. كما أن أغلبية القضايا الذي يتحدث عنها الخطيب إنما هي محصلة الاتصالات والاستفسارات المباشرة التي يطرحها المشاهد، دون تجاوز لهذه القضايا. ويمكننا القول هنا أن هذا الخطاب بقي على حالته كما في القنوات الأرضية دون أدنى اعتبار لمدى توسع دائرة المشاهدة وبالتالي اتساع الجمهور إلى متلقين عالميين، مما يستوجب منا التفطن لهذا الانتشار الذي يؤدي إلى إعادة صياغة الرسالة الموجهة إلى المشاهدين بما يتلاءم والمعايير والمضامين الكونية.

  • إن شدة التركيز على مسألة العبادات والمسائل الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها المشاهد أو المتلقي لهذا الخطاب تضمن استهلاكه الإيجابي لهذه القواعد، ورغم كل ذلك يمكننا القول أنه ولحد الساعة لم يواكب الخطاب الديني موجات التجديد، خاصة على مستوى مضمون الرسالة التي تتكرر موضوعاتها المتناولة دائما دون أن تتماشى مع متطلبات الجمهور المتلقي لكل ذلك ورغم ما يشهده العالم من تغيرات تستدعي التكيف معها، إلا أنه لا يمكننا بأي حال من الأحوال التعاطي مع مجال العبادات بطريقة نقدية بحتة، لذلك سنسعى هنا وفي هذا الشأن إلى عرض الرسالة وتبيان تجليات الفعل كممارسة للناس لإثارة عواطفهم. لأن هذا النوع من الخطاب لا يختلف عن بقية الخطابات التقليدية الأخرى سواء التي تبثها القنوات الأرضية أو التي تتناولها وسائل الإعلام خاصة الفضائية منها اللّهم إلا من ناحية العرض والتقديم.

  • إن ما يقدمه الخطيب من تشكيلات دعوية تبدو غير متناسقة سواء عند التقديم أو القراءة في غالب الأحيان، ويمكننا إرجاع أسباب ذلك بالدرجة الأولى إلى عدم وجود وحدة أو مدرسة إخراجية متميزة للخطاب الديني(الإثارة والمتعة في نفس الوقت)، كما أن العمل الإخراجي هو عمل فني أولا وقبل كل شيء، وبالتالي فالرسالة كيفما كانت قوتها ودرجة مصداقيتها لا يمكن أن تلج إلى النفوس وتستلهم قلوب المتابعين، اللّهم إلا إذا قدمت في قالب يزاوج بين الفائدة والمتعة والتشويق، ولا يقتصر ذلك على تقديم هذه المادة الدينية أو تلك، وحتى وإن كان ذلك في قالب من الوعظ والإرشاد الذي ينفر أكثر مما يرغب خاصة عندما يتميز الخطيب بالأبوية والتعالي واعتقاد العالمية على شرائح اجتماعية قد تكون مدركة أشد الإدراك لدينها وقيمها، والأخلاق المترتبة عليها (اليحياوي 2016 : 105).

  • وقوف الداعية أو الخطيب على تمجيد التاريخ الإسلامي أكثر من تركيزه على الحاضر ومستجدات الأحداث اليومية للفاعلين الاجتماعيين من مشكلات، وعدم البحث عن طرق التعايش مع آثارها، هيمنة المسائل المحرجة التي تُلقى على عاتق صناع القرار الإعلامي، وحتى وإن توجه البرنامج إلى عرض هذه المواضيع الدينية، فان جلها يبدو جافا ومتواضعا وبعيدا كل البعد عن التشويق والإثارة، وكذا الإمتاع والمؤانسة والجاذبية إزاء القول والعمل، رغم أهميتها ودسامة مواضيعها في بعض الأحيان.

إننا عندما نتحدث عن مرجعية الخطاب الديني المتلفز يمكننا القول أنه يكون أكثر احتكاما إلى القيم والمبادئ الدينية المستنبطة من صميم الدين إذا راعى المتحدث كل الجوانب المحيطة بالموضوع، حيث تسهل بهذه الطريقة المتبعة على المشاهد عملية الانتقال من خطاب عن الدين إلى الخطاب في الدين، وعندها فقط ينتقل الخطيب ومعه المشاهد فيما بعد إثر ما لقياه من خلال البرامج الدينية المتلفزة المحلية والعالمية على السواء والتي تعتمد في جلها على منطوق النص الديني الذي يعتبر مكمن اجتهاد ومصدرا لقيم ومبادئ تتجاوز الإطار الزمكاني إلى حدود الفهم الحقيقي للدين، عندما نقول بأن الخطيب يفتقد للحداثة في تجربته، أو كأنه يعاني من قصور مهني عند إعداده لخطبته وصناعته لها، فإننا نكون قد قضينا على فحوى الخطبة وتشربنا بإيديولوجية نص ديني أو سياسي ما.أما فيما يتعلق بآليات العمل الأخرى فيمكن مطابقتها بسلوكيات العرض التلفزيوني وفق ما تضمنته أساليب الخطاب الديني بصفة عامة، خاصة وأن الطريقة التقديمية تتشابه في توصيل مضامينها سواء كان ذلك في مؤسسة المسجد أو الزوايا أو التلفزيون أو غيرها كالجرائد والأنترنت......

2.3. الخطاب الديني المتلفز: نحو قراءة المشهد سوسيولوجيا

1.2.3. الخطاب الديني المُتلفز: نحو قراءة المشهد سوسيولوجيا

تشهد الساحة الإعلامية اليوم تعددا في القنوات الدينية وتزايدا ملحوظا في البرامج الفقهية التي فسحت أمامها المجال لتنوع وتعدد مزايا هذا الخطاب سواء في شكله أو أسلوبه أو في مضمونه وجوهره. حيث أصبح أقوى الخطابات الإعلامية من حيث استثماره للرموز وفعاليته في التفاعل باعتباره مسعًا استثماريا لمختلف الحاجات الإنسانية.

إنما تعيشه دول العالم العربي والإسلامي من سقوط للإيديولوجيات ومختلف أنماط الحكم الدكتاتورية خلق تبعات أدت إلى « تصاعد الطلب على الدين باعتباره مصدرا رئيسيا للمعاني والرموز والطقوس التي يحتاج إليها الفضاء العام ومجالاته المختلفة، ولم يكن ذلك حاضرا بشكل واضح فيما سبق ولا حتى في بعض الفترات المميزة للعصر الحالي، ومع تصاعد الطلب على الدين تجلت مظاهر السياسة والاقتصاد، وبدت وسائل الإعلام أكثر حساسية وتأثرا بهذا التحول، وأبانت على قدرتها على تلبية هذا الطلب الإيديولوجي المتعاظم في ظل احترام الجدل الدائر حول الممارسات وسؤال الهوية، وموقع التدين فيها » (اليحياوي 2016 : 111).

فالعودة الدوغمائية الكبيرة أو كما يسميها البعض «عودة المقدس» قد تحمل في ثناياها عدة التباسات ممكنة كأن تكون عبارة عن صحوة دينية تستخدم فيها مختلف وسائل الاتصال أو أن تكون كتجليات لهذه العولمة الإعلامية التي تجعل الناس يتعاملون مع الدين مثلما يتصرفون إزاء مختلف المنتجات الاستهلاكية الرائجة اليوم، وبذلك تصبح «الأديان والمذاهب والملل مخزنا تجاريا كبيرا يدخله المرء ويختار منه السلع التي تناسبه، والتي قد يعدل عنها في كل مرة كلما استهوته سلعة أخرى» (شحادة 2010: 125).

والحقيقة أن مجمل مضامين الخطاب الديني المُتلفزْ قد تصاغ وفق خلفية تزايد الحاجة للدين ولبعض مسائل التدين، وذلك في ظل مشهد هو أقرب ما يكون إلى مسرح بائس فقد ممثليه شخصياتهم التمثيلية وفقدوا في نفس الوقت السيناريو المسرحي المؤطر لفعل التمثيل، وهذا هو الحال بالنسبة للواقعٍ الذي فقد مرجعياته الدينية، واختلت وتشابكت فيه المفردات المهيمنة التي كان يبني بها وعليها المتتبع الذي كان يسعى لتتبع خطابه الديني.

إن اتساع حيز هذا الخطاب ورواجه الكبير في ظل مشهد منقطع النظير لم يكن ليأتي هكذا عبثا، وإنما جاء مقصودا بتبنيه إستراتيجية ومنهجا محكما في مجال الإعلام الديني، بحيث يمكن أن نزكي تركيزه في البداية على البعد الإنساني (الفردي) في مسألة التدين ضمن عملية نشر قيم الخلاص الفردي باسم الدين، أي أننا نكون هنا فاعلين إزاء ترسيخ تقليد ديني تاريخي « يلقي بالمتدين في عوالم لاهوتية تضفي على سلوكه الاجتماعي غربة وجودية وتنزع عنه الإرادة وتشل حركته وترهن مصيره بيد السلطات الدنيوية التي تشجع على تدين أناني » (الغيلاني 2013)، هذا المعطى المستجد فرضته مقاصد العولمة وسياسة الانفتاح على الآخر، أين أصبح الإنسان بحاجة للدين كمدخل فردي للبحث عن مجال أو فضاء لممارسة معتقداته وعباداته بالطريقة التي يراها مناسبة في ظل تعدد الخطابات وتعدد المرجعيات المؤطرة للفعل الديني عنده.

يكون التركيز ثانيا على مستوى الخلافات الطائفية والمذهبية وأيضا العرقية الحاصلة في الساحة العربية الإسلامية، إذ يعمد الإعلاميون والمنشطون الدينيون إلى تقديم مجموعة من الأقوال والتصريحات التي تمجد شخصية تاريخية دون أخرى، لا لغاية سوى للرد على ما هو مروج من طرف المذهب المخالف لجملة المواقف والممارسات التي يعتقد الطرف الآخر أنها أدت أدوارا تآمرية على مسيرة الإسلام التاريخي من أجل تبرئة الذات وإعطاء نموذج تاريخي من أجل ذم الخصوم قصد غلق باب الانفتاح وسد مسار التسامح مع الآخر.

لقد تحول الخطاب الديني في بعض المحطات التلفزيونية إلى خطاب حرب بين الشيعة والسنة، وبين الصوفية والسلفية، إن ما تداولته مثلا قنوات «الكوثر» و«أهل البيت» و«الأنوار» الشيعية في مهاجمتها لأهل السنة والتشكيك في الثوابت الدينية من انتقاد للصحابة ولأم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) هو خير دليل على ما نقول. إذ أن تزعم هذه الخطابات الحربية كان على لسان كل من : على الكوراني2وكمال الحيدري3.. والعديد من الشيوخ، لدرجة أن السعودي وليد الرشودي قد حرّم مشاهدة خطاب الفضائيات الدينية الأخرى متهما إياها بالترويج للبدع مثل قناة «اقرأ» وقناة «الرسالة» التي أثارت ضجة إعلامية شديدة (نظير ما يقدمه برنامج الداعية عمرو خالد) وقد وصلت فتواهم إلى حد تكفيره من طرف بعض دعاة السلفية في برامجهم الدينية المتلفزة ونعته بـ «الجاهل المتفلسف» (سليمان وآخرون 2010: 26).

لا شك أن الخطيب يسعى عبر الفضائيات إجمالا إلى ترسيخ فكرة امتلاكه الحقيقة المطلقة سواء في الأمر الديني إجمالا، أو في الأمر الدنيوي. باعتبار أن العقيدة الصحيحة هي واحدة، والفرقة الناجية هي كذلك واحدة، لذلك وجدنا أن الخطاب السلفي والشيعي أو الصوفي يكون في اشتباك دائم عبر فضائيات ومنابر ومنتديات ترسخ وتعمق الفرقة والكراهية المتبادلتين، وهنا يمكن القول أيضا أن قناة الجزيرة تشتغل ضمن هذا السياق من خلال برنامج الشريعة والحياة الذي كان يقدمه سابقا الشيخ القرضاوي وتواصل بثه لعدة سنوات، ثم تم توقيفه نظرا لم آل إليه الوضع جراء ما أصبح يسمى بالربيع العربي وما انجر عنه من انتفاضات عاشتها عدة بلدان من الوطن العربي، حيث تحول الخطاب الديني من خطاب يدعو إلى التسامح والتمسك بشعائر وقيم الدين السمحة إلى خطاب دعوي سياسي، يزكي طرفا ويتحامل على الطرف الثاني، فهو إذن يؤجج ويهيج الجماهير لاعتماده هذا الموقف دون ذاك، ولتبنيه فكرا وممارسة دون غيرها، لذلك أصبح هذا الخطاب عامل فتن مذهبية وسياسية أساءت وأضرت بالدين وأسالت الدماء باسمه.

في هذه الحالة يمكن القول أن الخطاب الديني المروج له في ظل هاته التصادمات/ الاختلافات الطائفية والمذهبية إنما يتخذ لنفسه مجالا خطابيا استراتيجيا يهدف لصياغة نمط تدين يخدم مصالح المروجين له المستقبلية، مركزا في ذلك على القضية الفردية صانعا لهم أفقا روحيا تارة يدعوا للتسامح والتأقلم والانفتاح، ويدعوا تارة أخرى للانغلاق والقطيعة ورفض الآخر. فهو «خطاب يدين الحداثة ويتسامح مع مكتسباتها ويدين الأعداء ويطالب بالحوار معهم ويتشدد مع المخالفين مذهبيا ويدعوا إلى التسامح الديني» (الغيلاني 2013)

يمكننا القول بناءا على ذلك أن مضامين الخطاب الديني المتلفز لا تؤشر سوسيولوجيا إلى تحول عميق في القيم الدينية أو في سلوكيات وأنماط التدين لدى الأفراد، بقدر ما تمثل محاولة للتحكم في الشروط الاجتماعية للتدين، والإمساك بعوامل إنتاجه، وإعادة تسويقه وترتيب القيم والمعايير وفق سياسات الحفاظ على البنى الاجتماعية، ومحددات الانتماء الاجتماعي واللعب بالتوازنات الدينية التقليدية داخل هذه البنى، باعتبار أن نمط تدين المؤمن (سواءا بطريقة فردية كما سبق وأن أشرنا إليها أو جماعيا فهو يرتكز في ذات الحين على منظومة اجتماعية جامعة) يعتبر مؤشرا أساسيا لفهم جملة التحولات الاجتماعية، وفي نفس الوقت معلما حيويا يركز على أهمية القيم في بناء الروابط الاجتماعية داخل المجتمع، بالإضافة إلى تحكمها في سيرورة التحول الاجتماعي، وتشكيل شرائح مجتمعية متضامنة على أساس تلك القيم الروحية.

إن هذا التحول الاجتماعي الحاصل على مستوى القيم والتدين لم يأت عبثا بل جاء كنتيجة حتمية للحصار الحتمي للفضاء الديني العام، خاصة وأن قيم المجتمع الجديدة جعلت من الفرد مستهلكا لمختلف أنواع الثقافات التي رمت به نحو زاوية التهميش، الذي أصبح حقيقة لا مفر من مواجهتها، إن هذه الوضعية رسخت لأفراد هذا المجتمع الجديد الشعور بالوحدة والعجز، الأمر الذي عزز لديهم نزعة الخلاص الفردي والأناني.

لا يمكننا بأي حال من الأحوال فهم أهداف ومآلات الخطاب الديني المروج له، إلا إذا رجعنا وفهمنا السياسات الدينية المؤطرة من طرف الدولة سواءا الرسمية منها أو الخفية، حيث أنه ومن ناحية الشكل يمكننا القول بأنه خطاب بمرجعية أخلاقية ورمزية، موجه إلى جمهور متدين مختلف ومتباين في حاجاته التي يبحث عنها، وفي درجة الإيمان التي يسعى لها، لكنه يتشابه من حين لآخر مع من هم في حالة احتياج نفسي إلى ملأ الفراغ الروحي العميق الذي أفرزته السوق الاستهلاكية، وقيم الحداثة المجردة إضافة إلى جملة الاعتبارات العقلانية الجافة. أما من حيث المضمون فيمكن تلمس الطابع الإيديولوجي فيه والذي يراهن على تقديم خطاب يعيد إنتاج القيم وأنماط السلوك الديني السائد، ويسعى مقابل ذلك إلى تقليص الفضاء الديني العام إلى فضاءات خاصة موزعة ومشتتة، حيث « ينبغي ألاّ نفترض بأن الناس على وعي بالأبعاد الإيديولوجية لممارساتهم، فالإيديولوجيات التي تتحول إلى جزء لا يتجزأ من الأعراف قد تصبح إلى حد ما مطبوعة وذات صبغة تلقائية وقد يصعب على الناس أن يدركوا أن ممارساتهم المعتادة قد تتخذ لها صورا إيديولوجية محددة » (فيركلف 2015 : 116)، ولذلك يمكن القول أن الخطاب الديني المتلفز يقوم باستمرار بإعادة هيكلة لمختلف الممارسات والأبنية التي تحدد المواقع الاجتماعية للفاعلين .

كما أن السياسات الدينية التي تنتهجها الدول لا توضع بغرض خدمة الدين وترسيخ التدين فحسب، بقدر ما توضع لأجل إعادة إنتاج منظومة فكرية في الدين أو تمثل في التدين، وعليه، فالخطاب الديني الذي يعرض على التلفزيون الحكومي أو الخاص ما هو إلا نسخة طبق الأصل لخطاب المؤسسة الدينية الرسمية، أي كمحصلة لطبيعة النظام السياسي القائم. ثم إن القول بتراجع نفوذ مؤسسة المسجد وترهلها يبقى نسبيا إن لم نقل حكما معياريا لوظيفتها الدينية وواقعها الاتصالي التواصلي مع جمهور المؤمنين، كون أن البرامج التي تُبث على التلفزيون ما هي إلا محاولة حثيثة وجادة في الكثير من الأحيان وحديثة، تعمل على تعويض جزء من التراجع الذي عاشته المؤسسة ذاتها خلال السنوات الماضية، حتى وإن لم تستطع ملأ فراغ مؤسسة التلفزيون شكلا ومضمونا بالكامل.

2.2.3. الخطاب الديني المُتلفز وأسس بناء الهوية

غالبا ما تحدد الهوية على أنها مجموعة الخصائص التي تسمح بتعريف شيء معين تعريفا واضحا وصريحا، وهذا ما يجعلنا نعتقد دائما بأن مفهومها بسيط وواضح إن لم يكن بديهيا، وقد سبق وأن أشار ديكارت إلى أن أول حقيقة يمكننا التشبث بها هي حقيقة وجودنا الذاتي أي حقيقة هويتنا. لذلك فإننا إذا ما تعمقنا في البحث عن معناها، فسوف نجد بأن مفهوم الهوية هو حقل متعدد الأبعاد، ذو طبيعة جدلية تتميز بتناقضات واختلافات تتحرك ضمن سيرورة مستمرة، ولا يخفى عنا أن هوية الشخص هي اسمه وجنسه وانتماءه الوطني والديني... الخ، وتعتبر هذه المعلومات مجرد معطيات قانونية تساعدنا للتعرف على الشخص، لذلك تبقى غير كافية لكي تطلعنا على حقيقة هويته، الشيء الذي يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي:

  • لم التساؤل عن الهوية؟ وعن ماذا نبحث بالضبط إزاءها؟

ويكون الأمر طبيعيا عند إيجاد الصعوبة في الإجابة عن هذا السؤال خاصة وأننا أمام تحد إعلامي كبير يجعل من المشاهد أسيرا لمضامينه دون سابق معرفة لاتجاهات وتمفصلات المشهد الإعلامي، حيث نلمس تعقد مفهوم الهوية لما يتضمنه من جملة التباينات التي قد تجعله متناقضا. ويمثل الحقل الدلالي أول مؤشر على ذلك، فبقدر ما يفيد لفظ «الهوية» لكل ما هو متشابه نجده من جهة أخرى يحيلنا على خاصية ما هو مختلف ومتفرد، مما قد يجعلنا نستنتج بأن «الهوية» كلفظة تحمل تناقضها في تعريفها لكونها تعني في آن واحد ما يجعل الأمور بينها متشابهة ومختلفة متفردة ومتماثلة في نفس الوقت. إنه بقدر ما تحيل إليه «الهوية» من غيرية راديكالية، نجدها كذلك تحيل إلى التماثل التام، إنها على حد تعبير بعض الباحثين أمثال كلود ديبار4 C.Dubar وبيار طاب 5P. Tap تمثل « الصفات المميزة لكل شخص باعتباره كائنا متميزا ومنفردا بذاته من جهة وعضوا يمثل نموذجا يرتكز على الاشتراك في الخاصيات المتقاسمة مع باقي أفراد النوع من جهة أخرى » (السباعي 2007 :255)

ينبغي القول أن دراسات الأنثروبولوجيا قد أظهرت الطابع الديناميكي والتفاعلي للهوية، وهو ما جعل منها أحد أبرز المواضيع التي استقطبت اهتمام الباحثين السوسيولوجيين الذين ينظرون إلى الهوية باعتبارها «حصيلة مجموعة من الأنساق والعلاقات والدلالات التي يستقي منها الفرد تقييمه لذاته، ويضع على ضوئها نظاما لتشكيل هويته وتحديد لماهيته داخل الوسط السوسيوـ ثقافي» (السباعي 2007: 258). إنها بذلك تعد بنية معرفية ترتبط ارتباطا كليا بالجانب الفكري التمثلي، من خلال تجسد رؤى الأفراد لذواتهم من جهة، وتصوراتهم لجماعات الانتماء من جهة أخرى.

ويمثل الدين أحد أهم مصادر بناء الهوية التي يبحث عنها الفاعلون الاجتماعيون باستمرار ويسعون لتجسيد هذا الانتماء وتجديده والتعبير عنه تمثلا وفعلا، كون «الدين في الأصل واحد لكن التديّن، أي طريقة تبني ذلك الدين وإتباعه وتأويل نصوصه وتطبيقه يختلف، وقد اختلف بالفعل عبر التاريخ وعبر الجغرافيا» (الشرفي 2014 : 87). فمسألة النقاش حول الهوية تتركز على نقطة مهمة وأساسية ألا وهي الدين كونه « رابطة روحية قوية تؤطر وجود الجماعة مزودة بمعان روحية للحياة وللعالم وللتاريخ » (سبيلا 2010 : 63)إنها (أي الهوية) تعد بمثابة المنارة التي يلجأ إليها الجميع للاحتماء بها في ظل ظلام العولمة الدامس، وتعد حصنا حصينا لإثبات الذات لأنها منبرا للوعي بالكينونة وأداة فعالة للمقاومة ضد الذوبان. ويرى درسلر وكورنز (Dressler et Corns) في هذا الصدد « بأن إشباع الحاجات الدينية يعطي للفرد عموما توجها وإطارا عاما للحياة، ومجموعة من الموضوعات والميادين التي يكرس من أجلها حياته ويعتبر العامل الديني بذلك وجها من أوجه البنية الشخصية للإنسان، حتى تتحد هويته بما يكرس له نفسه من أجلها » (حضري 2013 : 194) وبهذا المعنى تصبح الهوية الدينية في سيرورة مستمرة يعمل الفرد دوما على بنائها ليصل بها إلى التميز والاختلاف، وهي تتجلى دائما من خلال ذلك التعديل والتطوير المتواصل ومن خلال التبادلات الاجتماعية والعلاقات التي يكونها الفرد مع المجتمع كذلك، وتتجلى عبر عمليات التطبيع الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية بمختلف وسائطها كالأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام وغيرها.

بما أننا في محاولة للبحث والتقصي عن تأثيرات الخطاب الديني المتلفز على الهوية، فإننا ننوه إلى أننا سنركز الحديث على شخصية الفاعلين المتلقين لهذا الخطاب، باعتبار أن هذه (الهوية الدينية) تعني الدافع الإيماني الذاتي والمنبه الداخلي الذي يوجه المؤمنين بمختلف فئاتهم إلى اكتساب معارف/ أو ثقافة دينية وترجمتها إلى جملة من السلوكيات الدينية ضمن تفاعلاتهم اليومية.

تعتبر العلاقة الجدلية المعقدة بين البنيات الموضوعية للعالم الخارجي والبنيات الذاتية للفاعلين، من بين بنيات الأشياء وبنيات الذوات الفاعلة، وهي إذن العلاقة التي عبر عنها بورديو Bourdieu مستشهدا بمقولة لباسكال حيث يقول فيها بأن «العالم يحتويني ويبلعني كنقطة، بيد أنني أحتويه» وذلك من خلال فهمه وإدراكه وتمثله وبنائه رمزيا وثقافيا واجتماعيا وتاريخيا.

فالاستعداد على حد تعبير بورديو أو الميل أو القدرة الذاتية على تمثل الخطاب الديني المتلفز واستبطان بنياته، تمثلا ذهنيا ـ جسديا في نفس الوقت، ليس مجرد قدرة فطرية لدى الأفراد، بل هو قدرة تنشأ وتبنى وتزرع اجتماعيا وثقافيا فيهم، تبنى في أجسادهم عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية بواسطة التربية والتعليم والتلقين والعنف الرمزي في ظل الصراع الذي تعيشه المجتمعات التقليدية الحاملة لرأسمال ثقافي ديني نوعي متمايز، يكون رهانه سعيهم الدائم إلى المحافظة على مواقعهم ومكاناتهم الاجتماعية.

هذه الاستعدادات الذاتية والاجتماعية هي التي تجعل الفرد لا يتحرك إلاّ بتوجيه الوعي له، وبالخضوع التام للتصورات التي يكونها عن الأدوار التي عليه أن يؤديها على مسرح الحياة أمام الآخرين وفي تفاعل خصب معهم، على أساس أن «مسألة الوعي هي مسألة معاناة ومسألة معرفة ومسألة ضمير» (سبيلا 2010: 87). وقد بين على ضوء هذا غوفمان أيضا على أن ما يحكم التفاعلات الاجتماعية هو أداء الفاعلين لأدوارهم وفق نماذج أعدت سلفا في الثقافة السائدة في مجتمعهم، ويكون ذلك الأداء جيدا أو سيئا في الحالة الشعورية أو اللا شعورية.

نلاحظ إذن أمام هذه الخصائص، أن متلقي الخطاب الديني عبر التلفزيون يبحث بصفة دائمة ومستمرة عن ملاذه الثقافي الديني/ المعارف الدينية الجديدة التي تعمل على تأطير مختلف سلوكياته الدينية من خلال «تعايش أنماط متعددة من المعتقدات داخل نسق واحد متميز» (Berque1955)، حيث يتصور (المتلقي) أن ذاته هي أكثر معرفة بالدين الرسمي (الدين العارف) منها لأشياء أخرى، بمعنى أن ينظر إلى الدين كما ينبغي أن يكون وليس كما هو كائن ( الدين المعاش/ الشعبي).

وبمجرد تلقي هذا الخطاب يصبح جمعيا واجتماعيا في ذات الوقت، بحيث يترسخ في النظام الثقافي الاجتماعي، ويصبح بذلك من أهم العوامل البانية للهوية الثقافية عموما والهوية الدينية باعتبارها موضعا للدراسة على وجه الخصوص للجماعة، نظرا لما يمثله من قوة وسلطة معرفية دينامية ويتخذ مسارا معينا في الفعل الاجتماعي وفي جملة الرموز والمعاني والدلالات التي يتمثلها ويضفيها المؤمنون على حياتهم ومعاشهم فضلا عن ممارساتهم اليومية وعلاقاتهم الاجتماعية.

إنه بقدر ما يقوم به هذا الخطاب من تشكيل للثقافة وبتعبئتها فإنه يقوم أيضا بشحنها بالرموز والمضامين والقيم مشكلة ومؤطرة بذلك السلوك الديني ـ باعتباره بعدا جوهريا للهوية الدينية ـ لدى المؤمن عبر العديد من المنظومات القيمية التي تبنيها ذهنيات دينية (تمثلات) وأعراف اجتماعية عبر مسارات تنشئوية وفضاءات اجتماعية متباينة أبرزها وسائل الإعلام (التلفزيون على وجه التحديد) الذي يجعل من الخطاب الديني الإعلامي عموما والخطاب الديني المتلفز على وجه الخصوص قوة استثنائية نادرة « حيث يسهم بشكل فعال في رفع مستوى الجمهور المتلقي عقليا وذهنيا وفنيا بصورة تلقائية » (الدليمي 2005 : 20)، ويكون أكثر حرية في اختيار الآراء الدينية والفتاوى المؤسسة لمعرفتهم الدينية التي بدورها تصبح موجها ومؤطرا لهذا السلوك الديني دون غيره من السلوكيات.

لقد خصص الداعية المصري عمرو خالد بصفته شخصية دينية إعلامية بارزة العديد من البرامج التلفزيونية عبر قنوات مختلفة كبرنامج صُنّاع الحياة /وعلى خطى الحبيب في قناة اقرأ، وصدق رسول الله ضمن قناة الرسالة، ولمحات إنسانية /والإيمان والعصر ضمن قناة المحور، والسيرة حياة في قناة الرأي...وغيرها من البرامج الدعوية الدينية التي كان لها تأثيرا كبيرا على المتلقين خاصة على فئة الشباب التي يحاول معها وبكل ما أوتي من تجربة ومعارف أن يوليها اهتماما كبيرا ويخاطبها عبر مشاركاته المتلفزة من أجل العمل على تنمية سلوكياتهم وتلبية احتياجاتهم، أما من حيث مواضيع برامجه المختلفة فهي تحمل تسميات مختلفة عن باقي البرامج الدينية المشابهة لها والتي تبث في مختلف القنوات الفضائية علما أنها تتميز بالراهنية وبمدلولاتها العملية البارزة، وكمثال على ذلك نشير إلى برنامج صُنّاع الحياة الذي لاقى نجاحا كبيرا في الساحة الإعلامية حيث يدل ـ من حيث اختيار تسميته ـ على صناعة الفرد وتهيئة نفسه لربه، بمعنى أن التأسيس لفتح الأذهان وتفعيل دلالة المسؤولية ورفع مستوى الأخلاق الذاتية والاجتماعية ضمن شبكة التواصل والمثاقفة معا هي من الأفعال المحورية التي تؤدي إلى التغيير.

إن هذا الوجه من الحرية واتساع رقعة الاطلاع على المعارف الدينية عبر القنوات أمام تعدد المرجعيات الدينية قد ينتج عنه تعتيما وضبابية للمتلقي، وإن ذلك يبدو وكأنه نوعا من الإرباك الذاتي لبعض القضايا اليومية المعاشة المتسمة بهالة من التقديس، وقد يجد هؤلاء الذين يكونون في موقع انتقائي لمختلف المرجعيات المتعددة بما يتماشى ومصالحهم (البرغماتية في التعامل مع المقدس) أنفسهم في وضعية تستدعي التعامل معها برجاحة عقل متزنة.

خاصة وأن تغلغل المضامين الخطابية الدينية في الحياة الاجتماعية اليومية للفاعلين، قد خلقت وفق رؤية بودريار عالما متكونا من اختلاط أنماط السلوك الديني من جهة وكذا أشكال الصورة الإعلامية من جهة أخرى، كما حاول فيبر أن يوضح « كيف يمكن للسلوك الديني أن يوجه بقية النشاطات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والقانونية وفق تعاليم وتشريعات معينة وكيف يمكن لهذا التوجه أن يحدد سلوكا أخلاقيا يطبق بدوره في الشؤون الدنيوية » ( عماد 2017 : 88) وهو ما يؤكد عليه أيضا هيجل باعتبار « أن الأفكار والمعتقدات السائدة كبنية فوقية هي التي تحدد السلوك الإنساني » (عماد 2017 : 81) وهي القاعدة العملية التي تقوم بترسيخ مضامين دينية معينة غالبا ما نجدها داخل الرسائل المتوجهة إلى المتلقين والتي تساهم في إعادة تشكيل هويتهم الدينية، والتأثير فيها بشكل قابل للملاحظة وبدرجة كبيرة للغاية، وذلك من خلال قيم متعددة المرجعيات، مما يتيح أمامهم كمؤمنين إمكانية الاختيار والانتقاء الطوعي لبعض المبادئ البارزة من بين هذه النماذج الدينية المتعددة، وهو ما لم يكن مقبولا ولا معمولا به في مراحل سابقة من تاريخ المجتمعات الإسلامية.

يجب علينا أن لا نغفل أن عملية استخدام أو توظيف الخطاب الديني المتلفز والتي تتم بشكل مكثف خلال الأزمات تشكل دائما دورا محوريا يعمل في انسجام مستمر مع الأحداث على تسيير هاته الأزمات، كما أن ذلك يعد نوعا من الاستدعاء للتنفيذ من أجل الاحتماء بنماذجه في التحديات التي تخلق وتحدد نوعا من التوازن للذات الفاعلة والذات الاجتماعية، ويمثل لنا ذلك كباحثين ما تعنيه لنا تلك الطاقة الهائلة التي تقوم بشحن الحقل الثقافي/ الديني، وتتخذ منها القوى/ أو الأنظمة السياسية السائدة (مؤسسات الدولة) شرعيتها بطريقة راشدة خاصة وأنها تتبناها تحقيقا وإثباتا لهيمنتها، كما يمكن لجهات أخرى من النظام استعمال هذه الطاقة للتحريض وإثارة السخط على النظام القائم (المعارض).

إن جملة التحولات الجديدة التي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية ما هي إلا تعبير ودلالة ضمنية كامنة عن انفراد ما يسمى بـ « الإيديولوجيا الناعمة »6 التي تراهن الفضائيات الدينية ومن ورائها السلطة السياسية والاقتصادية التي تقف على كل ذلك من خلال ممارستها للعنف الرمزي ضمن أطر التعبئة الجماهيرية وفق جرعات متفاوتة « تتغلغل وتنساب إلى عقول المشاهدين ....بهدوء وبلا ضجيج على عكس ما كان يتم في السابق » (بورديو 2004 : 24) وفق تقنيات وآليات خفية متميزة تقوم في غالب الأحيان بعملية استعراض حب الذات من جهة وبالحفاظ على النظام الرمزي المؤطر لوجودها من جهة أخرى (ويمكننا أن نذكر هنا على سبيل المثال بعض القنوات الشيعية كقناة الأنوار والكوثر، والسلفية كقنوات المجد والناس والأثر التي تحاول جاهدة من خلال رأسمالها الديني على استقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين وذلك من خلال استخدام آلية العنف الرمزي وأساليب الهيمنة) لأجل أن يصبح الخطاب الديني المتلفز عملية توجيه تؤطر/ وترسخ الانخراط وتؤسس الولوج في الحياة الإعلامية التي تصنع الثقافة الدينية والتي يمكن أن تندرج كذلك في الوجود الاجتماعي والسياسي للتلاعب بالعقول.

إن سبل إنتاج الثقافة الدينية التي يكتسبها الأفراد سواء من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، أو من خلال ما تم تجديده وإعادة تمثله وممارسته عبر التلق المجحف للخطاب الديني المتلفز الذي يعمل في نفس السياق على إعادة هيكلة واستصاغة الموروث الديني بشقيه المحلي والعالمي للجمهور المتلقي وبشتى طرق التأثير كاعتماده إثارة العنف الرمزي الذي تمارسه القنوات عبر مختلف برامجها، نظرا لأنه كخطاب يمكنه أن يسمع ويشاهد عبر الإلقاء والمتابعة الحية فإنه وكيفما كان نوعه خصوصيا أو شموليا فإنه يشهد تجانسا وتشابها في الموضوعات التي يقترحها للنقاش والمحاورة والإفتاء، مع احتمال أن يتميز إيديولوجيا في أحيان أخرى ومن خلال المرجعيات الدينية المتبناة وأيضا من خلال استراتيجيات التقديم والأداء وعصرنة الوسائل المستعملة والبث التلفزي، لا لشيء إلا لتسجل التميز ولأجل أن تحافظ هذه القناة على سمعتها وصدارتها في عرض المشهد الديني مقارنة بالقنوات الأخرى (كقناة الرسالة أوقناة اقرأ حسب الأوديمات7 المسجلة) « إن هذا النوع من لعبة المرايا العاكسة التي تمارس من كل جانب يحدث تأثيرا هائلا من الانعزال والانغلاق العقلي » (بورديو 2004 : 58) الناتج عن آلية الانتشار الدائري للمعلومات والمعارف الدينية التي تؤثر على درجة قبول أو رفض المتلقي لنمط هذا الخطاب ما دام أن السوق الاستهلاكية لهذا النوع من الفكر هي دائما متشابهة، ويكون هنا المرجع هو كيفية اختيار مختلف التوجهات التوحيدية على المستوى العالمي أو الإقليمي حسب تقنيات ومهارة العرض المقدمة التي يجب إيلاءها ثقة منقطعة النظير لإنتاجها الفكري أو الدوغمائي المتلفز على حساب السوق الدينية المحلية إن وجدت، لتشكل بذلك غذاء ثقافيا وروحيا على أكبر قدر من السرعة الممكنة والتي من شأنها أن تمس التكوين العقلي للأفراد وتغير من طرق رؤيتهم وتفكيرهم للموضوعات والقضايا الاجتماعية العامة التي تحيط بهم، وهذا ضمن تنوع ثقافي مشرعن يسعى إلى تدجين العقول وتعبئتها وقولبتها وفق المقاس الذي حبك مسبقا في سيناريوهات البرامج والخطابات الدينية. تسعى هذه المساعي في محاولات حثيثة لإنتاج التنميط الفكري والتأثير السياسي لأجل الوصول إلى صناعات ثقافية دنيئة وإلى ترسيخ العنف الرمزي الذي يتجول وينتقل من قناة إلى قناة عبر البرامج التي تدسّ الإيديولوجيات وتحولها إلى عنف مادي.

يمكننا القول إجمالا أن الخطاب الديني المتلفز يمثل نسقا كاملا يعمل على مد المؤمنين بثقافة دينية متكاملة وأيا كان نوعها وتوجهها فإنها تتعلق بالفكر العقدي/ والطقوسي وبجملة القيم الضرورية التي يحتاجونها لتسيير شؤون حياتهم، وفي نفس الوقت يمثل عنصرا فاعلا وقدرة ديناميكية داخل نسق شامل يتمثل في الاجتماع المدني للدولة بمختلف أبعاده السياسية والوطنية والقومية والإنسانية.

إن محاولة ربط هاتين الفكرتين بطرق اشتغال الخطاب الديني المتلفز تمكننا ربما من فهم «المجال الحقلي» لكل منهما في إطار عملية إدراك حركة الثقافة الدينية وديناميتها. بمعنى أن الفكرة الأولى تحيلنا إلى فهم واستيعاب الخطاب الديني المتلفز وفق دلالات معرفية دينية، في حين تتجه الفكرة الثانية إلى أن اعتماد وتبني هذا الخطاب وفهمه سيكون وفق تحليل سوسيو ـ ثقافي لمختلف تجلياته وتمظهراته في البنية الاجتماعية السائدة. إن جل المساعي الإعلامية المشار إليها آنفا تهدف إلى الاستثمار الإيديولوجي في الخطاب المتلفز الذي يعمل على بناء الثقافة الدينية وحركيتها، ومن ثم فإن الأفعال والسلوكيات الناتجة عنها ترنو نحو الاستجابة الحتمية لكل ذلك، وكمحصلة عامة يحيلنا هذا الأمر إلى تشكيل وبناء هوية دينية أو إعادة بنائها وتجديدها وفق أفق حداثي يؤكد على الانفتاح على الآخر ويدفعنا خاصة إلى المحافظة على الإرث الثقافي والتحلي بخصوصياته في نفس الوقت.

إن جملة الآليات الموظفة تعمل باستمرار على تعرية التوجه الاجتماعي العام للدين ويرنو بشكل تدريجي نحو الهيمنة على المجتمعات والأفراد باسم الإله، كما أنه يتجه إلى حمايتنا من اللاهوتية الدينية القادمة من كل صوب، ولأنه في حمايته هاته لنا يقوم بعملية التصدي لكبار كهنة التواصل الشامل والتي تسعى المؤسسات الإعلامية وعلى رأسها التلفزيون إلى استغلالها بم يخدم أغراض ومنافع الجماعات السياسية أو الدينية الضاغطة، لذلك نرى أن الإعلام في توجهاته الديماغوجية أصبح يعري بالتعبير عن كل ذلك وعن الواقع الذي يسهم في خلقه عن طريق البرامج التي يسطرها لبلوغ أهدافه، حيث يبثها كيفما حتم عليه المنطق ذلك وبالطريقة التي يراها مناسبة، ويتأرجح الفرد المتابع لهذه الخطب مع كل هذه الخلفيات بين دفتين إعلاميتين أو إيديولوجيتين مختلفتين، حيث تنادي الأولى بحريته في تدبير شأنه الديني، وتدعوه الثانية لعولمة طاغية تعرض عليه مشروعا دينيا شاملا ومختلفا في نفس الوقت من حيث المعتقدات والممارسات والقيم والانتماءات والهويات.

خاتمة 

يشكل التلفزيون ملتقى إيديولوجيات دينية لقوى اجتماعية تروج لخطابها المعبر عن تطلعاتها العقدية والسياسية التي تراهن على الخطاب الديني المتلفز بوصفه أداة ووسيلة تنشيئية مهمة تضفي المشروعية على طموحاتها في التغيير وتحقيق المشروع الاجتماعي الحداثي البديل، في إطار ترسيخ مكانة مركزية له ضمن خطة هيكلة الحقل الديني، من حيث السعي إلى خلق نمط حداثي من التدين (شكلا ومضمونا) وقطع الطريق على كل الخطابات والنماذج التي تشذ عن الإطار المذهبي والعقدي المرسوم للبلاد، والذي يضمن استمرارية النظام السياسي والاجتماعي من خلال الأمن الروحي/الديني للفاعلين الاجتماعيين الذي يعني تحصين المواطنين والمواطنات ضد أنماط التدين والإفتاء المناوئة للنظام أو كما يسميه الآخرون بـ » الخوارج الجدد".

إننا وبأي حال من الأحوال لا يمكننا حصر وظيفة التلفزيون بصفة عامة والخطاب الديني المُتلفز على وجه الخصوص في الإعلام والإخبار لأن هذا الخطاب هو بقدر ما أصبح يؤثر في التمثلات والممارسات الدينية اليومية للأفراد ومختلف علاقاتهم الاجتماعية، فهو عموما والموسطة التلفزيونية للدين على وجه التحديد نجد أنها لم تساهم وفقط في تغيير العلاقة بالديني فحسب بل تنجم عنها جملة من التغيرات الاستيراتيجية في حياة الإنسان عموما. وباعتبار الدين تشريعا وإيمانا وعبادة فهو يساهم كذلك وفي جميع الأحوال إلى إعادة بعث/ أو إعادة ولادة هذا كمجال أو كفضاء اجتماعي بامتياز ( ضمن ما يسمى بالفضاء الديني العام)، وفي نفس الوقت فإن هذه الموسطة خلقت معالم جديدة في التدين تنادي وتندد بالفردانية وبالشخصنة إن جاز لنا تبني هذا المصطلح (خاصة وأننا نجده أكثر تحديدا) وهنا يجب أن نميز أنه إذا لم يعد للدين ذلك الملمح الجماعي جراء الميولات البراغماتية القاتلة، فإنه أصبح شأنا فرديا بامتياز وبتمثلاته وممارساته لذلك إذا كان يتجلى كتميز فكري فهو يحتاج للتفسير والتوضيح أكثر فأكثر)، ظف إلى ذلك أنه أصبح غذاء ثقافيا سريعا تمت سلعنتة بقياس مستوى الأوديمات، من حيث ترويجه وحساب نسب ربحه في ظل سوق دينية استهلاكية منافسة.

1 الموسطة التلفزيونية للدين La médiatisation de la religion يمكننا أن نقول عنها وبعيدا عن مفهومي الوسيط والوساطة اللذين يشترطان طرفين في عملية الاتصال

2 علي الكوراني هو رجل دين مسلم شيعي إثناعشري (لبناني) اشتهر بظهوره إعلامياً في النقاشات والحوارات بين الشيعة والسنة. كما اشتهر في أوساط الشيعة ببحوثه

3 كمال الحيدري رجل دين شيعي عراقي من المراجع الدينية المعاصرة، من أعلام حركة إصلاح التراث الإسلامي بإيران، له عديد المناظرات العقائدية مع المذاهب

4 كلود ديبار Claude Dubar أحد رواد السوسيولوجيا المعرفية المعاصرة في فرنسا، له عديد المؤلفات أبرزها: Socialisation et construction identitaire (1998)

5 بيار طاب Pierre Tap أحد الأسماء اللامعة في علم النفس اهتم كثيرا بمسألة الهوية الفردية والتنشئة الاجتماعية، من أهم مؤلفاته: Les dynamiques

6 الإيديولوجيا الناعمة Soft idéologie إنها تلك الجرعات اليومية بل اللحظية التي تبثها وسائل الإعلام الحديثة وكذلك مختلف الوسائط المتعددة عبر شبكة

7 الأوديمات Audimat تعني قياس نسبة الإقبال على مشاهدة برنامج معين.

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكريم

ابن منظور، جمال الدين الأفريقي ابن مكرم (1955). لسان العرب، ج1، ط1. بيروت: دار صادر للنشر.

الإبراهيمي، خولة طالب. (2000). مبادئ في اللسانيات العامة. الجزائر: دار هومة.

الدليمي، محمد عبد الرزاق. (2005). عولمة التلفزيون. ط 1، عمان: دار جرير للنشر والتوزيع.

العاقد، أحمد (2002). تحليل الخطاب الصحافي من اللغة إلى السلطة، ط1. المغرب: دار الثقافة للنشر والتوزيع

السباعي، خلود (2007). الجسد الأنثوي وهوية الجندر، ط1. الرباط: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع.

الشرفي، عبد المجيد (2014). مرجعيات الإسلام السياسي، ط1. تونس: التنوير للطباعة والنشر والتوزيع

الغيلاني، محمد. (2013). الخطاب الديني في القنوات الفضائية العربية: دراسة وتحليل للمضمون، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، في الموقع www.mouminoun.com الزيارة في : 10/03/ 2017.

اليحياوي، يحيى (2016). الخطاب الديني في الفضائيات العربية: مقاربة من منظور الموسطة، ط1. المغرب: مؤمنون بلا حدود.

بدوي، أحمد موسى (2009). الأبعاد الاجتماعية لإنتاج واكتساب المعرفة: حالة علم الاجتماع في الجامعات المصرية، ط1. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

بغداد، محمد (2010). الإعلام الديني في الجزائر: الخطاب والهوية. الجزائر: دار الحكمة للنشر

بورديو، بيار (2004). عن التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول، ترجمة وتقديم: الحلوجي، درويش، ط1. دمشق: دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الاعلامية.

سبيلا، محمد. (2010). في تحولات المجتمع المغربي. ط1. المغرب: دار توبقال للنشر

سليمان، محمد ناجاتي، وآخرون (2010). عمرو خالد بين ناقديه ومادحيه: دراسة منهجية في كيفية تصحيح الأخطاء والرد على الشبهات. مصر: دار البشير.

حضري، فضيل (2013). ملامح أزمة الهوية الدينية ومصادرها، مجلة الإنسان والمجتمع، جامعة أبي بكر بالقايد، تلمسان، العدد الثالث، ص ص189 -196.

شحادة الشيخ حسين أحمد (2010). اجتماعيات الدين والتدين: دراسات في النظرية الاجتماعية الاسلامية، ط1، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.

شومان، محمد. (2007). تحليل الخطاب الإعلامي: أطر نظرية ونماذج تطبيقية، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية.

عماد، عبد الغني (2017). سوسيولوجيا الهوية: جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، ط1. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

فوكو، ميشال. (2007). نظام الخطاب، ترجمة سبيلا محمد. بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع

فيركلف، نورمان (2015). الخطاب والتغير الاجتماعي، ترجمة: عناني، محمد، ط1. القاهرة: المركز القومي للترجمة.

ميلز، سارة. (2004). الخطاب، ترجمة: بغول، يوسف. منشورات مخبر الترجمة في الأدب واللسانيات، جامعة منتوري: قسنطينة.

Benveniste, Émile (1966). Problème de linguistique générale. Paris : édition Gallimard.

Berque, Jacques (1955). Structures sociales du Haut Atlas. Paris : PUF.

1 الموسطة التلفزيونية للدين La médiatisation de la religion يمكننا أن نقول عنها وبعيدا عن مفهومي الوسيط والوساطة اللذين يشترطان طرفين في عملية الاتصال، بأنها مفهوم شائع في علوم الإعلام والاتصال وتعني جعل التلفزيون قناة تربط الفقيه الفضائي بالجمهور المتلقي لأجل فهم واستيعاب مضامين وأبعاد الخطاب الديني الذي يفرز واقعا اجتماعيا متمايزا للفاعلين.

2 علي الكوراني هو رجل دين مسلم شيعي إثناعشري (لبناني) اشتهر بظهوره إعلامياً في النقاشات والحوارات بين الشيعة والسنة. كما اشتهر في أوساط الشيعة ببحوثه حول الإمام المهدي، له عديد البرامج التلفزيونية مثل برنامج المهدي منا الذي بث على قناة أهل البيت، وتبث برامجه ومحاضراته على قنوات فضائية شيعية أخرى مثل قناة الأنوار والكوثر والمعارف.

3 كمال الحيدري رجل دين شيعي عراقي من المراجع الدينية المعاصرة، من أعلام حركة إصلاح التراث الإسلامي بإيران، له عديد المناظرات العقائدية مع المذاهب والفرق الأخرى عبر برامجه التلفزيونية كبرنامجي مطارحات في العقيدة والأطروحة المهدوية اللذين يبثان من قناة الكوثر

4 كلود ديبار Claude Dubar أحد رواد السوسيولوجيا المعرفية المعاصرة في فرنسا، له عديد المؤلفات أبرزها: Socialisation et construction identitaire (1998) , La crise des identités :l’interprétation d’une mutation (2000).

5 بيار طاب Pierre Tap أحد الأسماء اللامعة في علم النفس اهتم كثيرا بمسألة الهوية الفردية والتنشئة الاجتماعية، من أهم مؤلفاته: Les dynamiques identitaires: questions pour la recherche et la formation, Identités collectives et changements sociaux (1980), Masculin et Féminin chez l’enfant (1985), …

6 الإيديولوجيا الناعمة Soft idéologie إنها تلك الجرعات اليومية بل اللحظية التي تبثها وسائل الإعلام الحديثة وكذلك مختلف الوسائط المتعددة عبر شبكة الأنترنت.

7 الأوديمات Audimat تعني قياس نسبة الإقبال على مشاهدة برنامج معين.

جير الزهرة Djir Zahra

جامعة مصطفى اسطمبولي ـ معسكر

طيبي غماريTebi Ghomari

جامعة بلحاج بوشعيب عين تموشنت

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article