مقدمة
تعتبر الأسرة من أهم مقومات الوجود الاجتماعي، في المجتمع الأمازيغي، إذ أنها النواة الأولى والهامة في بناء المجتمع، وأصلها وجوهرها الزواج الذي هو بمثابة الاطار الاجتماعي والشرعي لها، ففي ثناياه تتشكل الاسرة التي تقوم على ركيزتين هـامتين هما الـرجل والمـرأة، مع اختلاف مهامهما على أساس الاختلاف في مجالهما، ومن أجل ذلك جُعلت قوانين خاصة لمراقبة سلوكات الأفراد وخاصة المرأة التي تمثل في نظر الجماعة عنصرا هاما في حياة الفرد، وخطرا يتربص العائلة، مادام شرفها مرتبط كل الارتباط بشرف المرأة ومتوقف على التزامها به، فما هو النظام السائد في المجتمع الأمازيغي عامة والقبائلي خاصة؟ وهل يلعب النسق القرابي دورا في الأعراف والقوانين السائدة في المجتمع القبائلي؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات، سنعتمد على المنهج الوصفي التحليلي ومسح الحالة للوقوف عند أهم العناصر
1.الإطار العام للدراسة
جاء في معجم علم الاجتماع أن مفهوم الأسرة هو «مجموعة تتكون من شخصين أو أكثـر يـرتبطون مع بعضهم البعض، بـواسطة الـدم أو الـزواج أو التبني، ويعيشون حياة مشتركة، ويرى بعض العلماء أن الأسرة وحدة بنائية تتكون من رجل وامرأة مع أطفالها بطريقة منظمة اجتماعيا»، فالأسرة هي إنتاج اجتماعي يعكس صورة المجتمع، وتتكون من شخصين أو عدة أشخاص يكتسبون مكانا وأدوارا اجتماعية عن طريق الزواج والانجاب، ولها صفتان مهمتان هما: صفة الاجتماعية وصفة الإلزامية. فلا يمكن تكوين اسرة من فرد واحد، بل لابد ان تتكون من عدة افراد، كما وجب عليها الالتزام والخضوع لقيم وأعراف وتقاليد المجتمع.
1.1. التنشئة الاجتماعية وخصائصها
إن التنشئة الاجتماعية هـي العملية التي يتم بها انتقال الثقافة مـن جيل إلى جيل، والطريق الذي يتم فيه تكوين الأفراد منذ نعومة أظافرهم حتى يتمكنوا من العيش في مجتمع له مشارب متعددة من الثقافات، فهي «مجموعة من العمليات التي تساعد على تنمية الشخصية الانسانية للفرد، حيث يعرف كيف يؤدي الأدوار الاجتماعية، وبالتالي هي عملية تقوم على مبدأ التفاعل الأسري والاجتماعي»(Bourdieu 1971 : 11 ) ، بمعنى أنها عملية تحويل الكائن الحيوي البيولوجي إلى كائن اجتماعي، وذاك عن طريق «استدخال ثقافة المجتمع في بناء شخصيته» (مرموري 2002 : 45) ليصبح في الأخير فردا يتصف بالصفات الانسانية التي تؤهله لممارسة نشاطه على أكمل وجه داخل المجتمع.
إن سلوكات وتصرفات الأفراد في حياتهم العادية واليومية، تعبر عن طبيعة المجتمع الذي يسير وفق نظام الأعراف والعادات والتقاليد، وهذا النظام يشكل بالأساس هويتهم وقانونهم الذي يتعايشون به في مجتمعهم.
وتختلف هذه الأعراف والعادات والتقاليد في المنطقة الأمازيغية بسبب اختلاف الأشكال التنظيمية لكل عرش أو قرية، فالنظام العام السائد في المناطق الأمازيغية عموما من حيث التنظيم أو التشكيل، إلا أنه مع التدقيق نجد الاختلاف، بحيث أن نظام منطقة القبائل لا يشبه نظيره في منطقة الأوراس ولا الآخر في وادي مزاب، ولا الذي في المجتمع التارقي، مع أنهم يُطبّقون نفس الأعراف التي تنص على احترام رأي كبار الأعراش وقوانينهم السائدة في المجتمع بالنسبة لجميع مناطق المجتمع الجزائري عامة والأمازيغي خاصة.
2.1. مؤسسات التنشئة الاجتماعية ووظائفها
1.2.1. وظائف التنشئة الاجتماعية
إن من أهم وظائف التنشئة الاجتماعية على الإطلاق، أن ينمو الفرد اجتماعيا من حيث معاملاته وسلوكاته وقدرته على الاندماج مع محيط مجتمعه، ولتحقيق هذه الغاية لابد من توافر بعض النقاط الهامة ومنها:
«- اكتساب الفرد لثقافة مجتمعه، التي تتمثل في اللغة والعادات والقيم والتقاليد من أجل تحديد هويته وانتمائه فيورثها جيلا بعد جيل للسلف بعده.
إشباع حاجات الفرد الوجدانية والمعرفية والطموحات والرغبات التي تبعث على انسجامه مع نفسه ومجتمعه.
يتكيف الفرد مع مجتمعه ومحيطه الاجتماعي من أسرته ورفاقه ومؤسسات التنشئة جميعها.
- دمج الثقافة في شخصية الفرد باستعماله للّغة ورموزها المترجمة لتصوراته الذهنية». (ناصر 2004: 15)
2.2.1. مؤسسات التنشئة الاجتماعية
وباعتبار أن الانسان كائن اجتماعي بطبعه، فإن وجود الأعراف والتقاليد في مسار حياته كان منذ ولادته من خلال التنشئة الاجتماعية،
«حيث يتلقى هذه التعاليم من أسرته التي تزوده بجميع الأفكار والقيم والآراء والأداب والسلوك وكل المعاملات التي يجب عليه اتباعها والالتزام بها حتى مماته، وخاصة في نظام قبيلته التي ينتمي إليها، والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ويساعد في ذلك التعاليم التي يتلقاها في مدرسته أو « الزاوية »، إضافة إليهما جماعة الرفاق، ووسائل الإعلام» (ناصر 2004 : 26)
1.2.2.1. الأسرة
و مادامت الأسرة هي النواة التي من خلالها يُبنى المجتمع، فإنه لا محالة ينجر عنها كل الوسائل الأخرى المساعدة في التنشئة الاجتماعية، وقد توقفنا عند مفهومها في أول الحديث، ولها خصائص مهمة سنحاول حصرها معتمدين على ما جاءوا بـه في هـذه النقاط، وخاصة تلك التي تحدث عنها إيميل ماسكراي Masqueray :
« إن الأسرة التقليدية في المجتمع الأمازيغي هي أسرة ذات سلطة أبوية.
هي أسرة يسودها نظام الأسرة الواحدة الممتدة.
نجد ظاهرة التفاخر العائلي بسبب كثرة عدد أفرادها ومواليدها.
الارتباط الوثيق بالارض لأنها سبب رزقهم وانتمائهم.
مبدأ القاعدة المشتركة في السكن والوحدة الاقتصادية التي يغلب عليها طابع التوفير والتخزين.
الزواج المبكر الخاضع لنظام العادات والتقاليد.
لا تخضع الاسرة للتنظيم وتحديد النسل.
تسيطر على العائلة سمة الكرم والقناعة والرضى.» ( (Masqueray,1978 : 108-109
وأغلب هذه الصفات نجدها في المجتمعات الريفية الجزائرية دون استثناء، لأن أغلب العائلات الجزائرية بعد الاستقلال، كانت تعتمد في تشكيلها للأسر على نمط الأسرة الممتدة.
أما من أهم الأدوار التي تؤديها الأسرة في التنشئة الاجتماعية، فهي تحدد في بعض الوظائف التي تؤديها للفرد والجماعة، ومن أهمها:
«الوظيفة البيولوجية : التي تضمن استمرار المجتمع بالتناسل، وتكفل للفرد الجانب النفسي، فتدعمه وتزوده بالأمن والقبول على إحـداث التكامل فـي شخصية الفرد، بالاهتمام بـ :
- الجانب المادي حيث يقوم الأب بإعالة زوجته وأبنائه.
- الجانب الروحي لأنه الوسط الطبيعي لنشأة العقائد الدينية واستمرارها.
- تعليم اللغة القومية.
الأسرة هي المسؤول الأول على تقديم مبادئ التربية الاجتماعية للفرد وتعليمه السلوك وآداب المحافظة على حقوقه، والقيام بواجباته.
تضمن الأسرة للمجتمع نقل عاداته وتقاليده، وقيمه وعقائده للأجيال بأساليب التكيّف.» (حفار 2011 : 64-65)
فكل الأعمال السّوسيولوجية تؤكد على أن الدور الأساسي للتنشئة الاجتماعية للأولاد يعود للأسرة، إذ وجب عليها تبليغ ثقافة المجتمع لأبنائها وتعليمهم الأدوار الاجتماعية المناسبة لكل فرد حسب جنسه، وخاصة مع البنت، حيث نجد الأم الأمازيغية تمتهن حرفة النسيج لمساعدة زوجها على الكسب، وهي مؤمنة كل الإيمان أنه واجبها الذي أُهّلت له، وعلى هذا تكبر البنت راضخة لواقع التابعة المطيعة للرجل في مجتمعها.
هذا من ناحية نمط المعيشة، أما من ناحية العلاقة التي كانت تربط الأفراد فيما بينهم، فقد كانت تقوم على أسس أبوية خاضعة للهيمنة الذكورية، حيث يتمتع رب الأسرة الممتدة بالسلطة المطلقة في تسيير شؤونها واتخاذ القرارات المتعلقة بها، بما فيها القرارات التي تخص المرأة في حياتها.
إن ذهنية صاحب السلطة في اتخاذ القرارات عن المرأة سواء كانت الزوجة أو الابنة أو زوجـة الإبن، لا تقبل النقد ولا الحـوار ولا النقاش فيما تعلق بتحديد المصير، وما هو إلا كوسيلة لفرض رأي الرجل مهما كان دوره في العائلة، ولا يُقبل التراجع عن القرارات إلا فيما تعلق بأمور غيرها.
2.2.2.1. المرأة والهيمنة الذكورية
يختلف مركز المرأة في مختلف العصور باختلاف الأمم والمجتمعات والأقاليم ذات الطبائع المختلفة، من معتدلة وحارة وباردة، وما تعاقب عليها من الزمن، وما تقلب عليها من عوامل متنوعة من دينية واجتماعية وعادات وأخلاق، ومرت عليها أطوار من عوامل الانحطاط، مما جعل المرأة يرتفع شأنها، وتسود في مجتمعات وتنحط في مجتمعات أخرى.
وكان سبب ذلك التمييز بينها وبين الذكر،
«فتُلصق بالذكر كل صفات الكمال والقوة، وتُلصق من جهة أخرى بالمرأة كل صفات النقص والضعف، ويُنظر إليها بالتالي بمنظار الدونية والاحتقار، هكذا بدون قواعد بيِّنة، اللهم إلا المعروفة عند عامة الناس والمتعلقة بالصفات الجسدية، وقد بدأ التفريق بين الجنسين بالتنظيمات وتوسع الحروب والحراثة والسحر، ورافقت هذه الصفات تاريخ الانسان في رحلاته، وإن يكن الجنسان قد عاشا معا لم يكن تاريخهما واحدا، بل كان لكل واحد منهما أحوال خاصة، كأنه يعيش في عالم آخر.» (مرموري، 2005، ص 123)
3.2.2.1. التعليم
تتأثـر الفتاة أثناء اللعب مع قريناتها بمحيطها الخـارجي، المتمثل في المـدرسة، وهذه الأخيرة تأتي لتكمل ما بدأته الأسرة، «بمنح هذه الفتاة قيما جديدة، لنمو عقلها، فهي تعمل على إعدادها بشكل يؤهلها لكي تندمج في المجتمع.» (حفار، 2011، ص 66-67)
وتختلف الأسر من مجتمع لآخر من حيث مدخولها الاقتصادي، فمنها من عمدت إلى تعليم الفتيات في المدارس، ومنها من لم تقدر على تحقيق ذلك، نتيجة العوز، أو بُعد المسافة بين المنزل والمدرسة مما أدى إلى إيقافها لحماية شرفها، والاكتفاء فقط بما تعلمته من والدتها، أو من الزوايا القرآنية.
2 مميزات وخصائص الأسرة الأمازيغية التقليدية
تتميز العائلة الأمازيغية التقليدية بكونها ذات نسب أبوي، حيث تتكون من أجيال ثلاث هي: الاجداد والاباء والابناء، وكلهم يقيمون في منزل واحد كبير، حيث تكون السلطة المطلقة للاب، أو لأكبرهم سنا،
«وتُشكل كل هذه السكنات، وحدة سكنية واحدة تملكها الاسرة الممتدة، وتصب كلها في فناء واحد يجمعها، ويتشاركون معا في المأكل والتمويل، مع انضمام الأعمام والأقارب غالبا، وتمنحهم هذه الوحدة المشتركة تماسكا قويا بالإضافة للقوة الاجتماعية والعاطفية.» (بوتفنوشت، 1984، ص 19-20)
إن النسق القرابي الموجود في هذه المجتمعات التقليدية، ساهمت في تنشئة الأجيال تنشئة اجتماعية سوية، من حيث التنظيم والتلاحم والحميمية، علاوة على ذلك انتماؤهم لرئيس واحد بيده السلطة المادية والروحية، جعل لهم مكانة اجتماعيـة مرموقة، وأعطاهم القدرة على حل النزاعات والخلافات التي تنشأ بين الاقارب وغير الأقارب، وهو أمر محمود من جهة تآلف الأفراد، وتحمل رب العائلة مسؤوليتهم.
و من خصائص الأسرة الأمازيغية التقليدية ما ذكره عدة دارسين مستشرقين ممن كان لهم الريادة والفضل في كشف المستور عن الحياة الريفية التقليدية ونواتها في المجتمع الأمازيغي، ومن هؤلاء الدارسين الأوائل نذكر : هانطو ولوترنو Hanoteau Et Letourneux ، وليورال Liorel، وبورديوBourdieu ، ولاكوست Lacoste، وكولونا Colonna، وقويشون Goichon ، وماسكرايMasqueray ، وكريت Carette ، وغيرهم ممن درسوا خصائص المجتمع الأمازيغي عامة.
1.2. النسق الاجتماعي في المجتمعات الأمازيغية بصورة عامة
1.1.2. مميزات المجتمعات الأمـازيغية
تتميز المجتمعات الأمـازيغية عـلى غـرار أي مجتمع مـن المجتمعات الأخرى، بثقافتها ومنظومتها القيمية، وتعتبر الأسرة الأمازيغية من أكثر الأسر تمسكا بالعادات والتقاليد، إذ أن الدور والفضل يرجع للتنشئة الاجتماعية التي هي أساس تكوين الفرد وتنميته من خلال نمط عيش الأسرة التي يتفاعل مع سلوكاتها ويتشرب من معين عاداتها وتقاليدها، وقيمها وسلوكاتها، ومعاملاتها الاجتماعية، لتنمو معه هذه المعاملات مُشكِّلة ما يسمى بالنمط السلوكي الذي يتّبعه أفراد الجماعات المحيطة.
يُعرّف النسق على أنه كلا موحدا، فهو «مفهوم يعم كل الكون، بل إن الكون بكامله، ليس إلا نسقا كبيرا يحوي داخله أنساقا جزئية تتداخل فيما بينهما» (حلايمية، 2002: 730-731) بمعنى أنه بنية شاملة تنبثق منها بنيات صغرى.، ويعد من أكثر المصطلحات العلمية الاجتماعية تداخلا وتبادلا في الاستعمال، وقد اهتم «تالكوت بارسونز Talcott Parsons بالنظم الاجتماعية باعتبارها أنساق صغرى، ولكنها أنساق من طبيعة متميزة، فهي نظم تتكون من أبعاد متناسقة ومتكاملة لحياة الناس في عدد من المجالات المتباينة نوعا ما.» (حلايمية 2002: 731) فالأنساق الاجتماعية تركيب وتفاعل بيانات أخرى مكونة لها.
2.1.2. المرأة في الثقافة الأمازيغية
إذا تتبعنا صفحات التاريخ عبر مختلف الحضارات السابقة والمجتمعات، نكاد لا نجد موقعا مشرفا للمرأة إلا نادرا، وهذا ما عبّرت عنه أسطورة قديمة من الموروث الشعبي المغربي التي تحكي
«أنه حين يزداد مولود ذكر، يولد معه مائة شيطان، وحين تزداد مولودة أنثى يولد معها مائة ملاك، غير أنه وفي كل سنة، ينتقل ملاك من الفتاة ليحُلّ في الفتى الذي يتخلص من شيطان يحل في الفتاة، ومع توالي السنين تُضيّع الفتاة ملائكتها وتكتسب بدلا منها عددا موازيا من الشياطين، وبوصولها لسن المائة، تفقد المرأة المسنة كل ملائكتها، التي تعوضها بالشياطين، في حين لا يبقى للرجل سوى الملائكة بعدما تخلّص من كل شياطينه» (بل العافية 2008: 09)
وما هذه الأسطورة إلا تصوير لواقعها المرير، حيث هيمنت السلطة الذكورية عليها في العائلة الأمازيغية أو غير الأمازيغية، باعتبارها راحة الرجل ومحتواه ومحقق أمانيه، ومرد ذلك كله إلى التقاليد التي نصتها الأعراف، وتوارثتها العائلات والمجتمعات.
إن المرأة في الثقافة الأمازيغية بمختلف تفرعاتها لم تحض بمكانة هامة إثر هذه التقاليد التي حطتها إلى مستوى الدونية، حيث لم يُنظر لها إلا من زاوية الانجاب وتوفير الخدمة والراحة للأولاد والزوج وأقاربه، فمنذ ولادتها كانت تعتبر نذير شؤم عمّ العائلة والمجتمع، ووصمة عار تلحق الأم أينما حلت وارتحلت، والتي عبر عنها المثل القبائلي القائل: لْمَرتْبَ نْتُولاَوِينْ يُوغِيتْ وَقْجُونْ، Lemṛeṭba n-tulawin , yugi-ṭ weqjun ، وترجمته : مرتبة النساء يرفضها الكلب (Genevois 1969 : 01)
و أيضا المثل القائل: تْرُونْتْ تْسَّارِيوِينْ ما دْلالَنْتْ ثَحْذَايِينْ ttrunt tsariwin ma d-lalent teḥdayin ، وترجمته : يبكون ويندبون عندما يولد الفتيات، والمثل المزابي : عدَّبْ عَدَّبْ تَرْوَدْ تايْزِيوْتْ Ɛeddeb ɛeddeb terw-ed tayẓiwt ،ترجمته : عذاب عذاب والمولود أنثى ، لأن المرأة في المجتمع الأمازيغي بمثابة شرف وعفة القرية والعرش، وجب الحفاظ عليه .
و ينحصر دور المرأة الأمازيغية في محيط البيت فقط، ويقتصر على أشغال البيت وتربية الأطفال والاعتناء بالزوج وبأفراد عائلته، بينما ينحصر دور الرجل في المجال الخارجي، وتأخذ الفتاة رغم صغر سنها دور الام في رعاية البيت والاخوة الصغار أثناء انشغال الام في أشغال اخرى خارج البيت كالزراعة وجني الزيتون وجلب الماء وغيرها من الأعمال المنوطة بها، ونستعرض هاهنا دور المرأة والرجل في المجتمع الأمازيغي في الجدول :
دور المرأة والرجل في المجتمع |
|
دور المرأة وعملها في المجتمع |
دور الرجل وعمله في المجتمع |
داخل المنزل |
خارج المنزل |
أشغال المنزل من طبخ وكنس وغسيل النسيج العناية بالزوج والأطفال حلب البقر إطعام الحيوانات (الابقار والدجاج) |
جلب كل الاحتياجات المهمة ربط الحيوانات كنس اسطبل الحيوانات الذهاب إلى التسوق الزراعة والحرث في الحقل البعيد |
في الخارج |
في الداخل |
الزراعة والحرث والجني في البستان القريب |
لايمارس أي شيء |
(Bourdieu 2002 : 24)
من خلال الجدول، نلاحظ أن مهام الرجل يختلف عن مهام المرأة في المجتمع الأمازيغي، فالفضاء الخارجي مخصص للرجل والفضاء الداخلي مخصص للمرأة، فلا يحق للمراة ممارسة دور الرجل، وكذا الرجل لا يحق له ممارسة دور المرأة.
ففي الداخل كان الرجل هو رب العائلة وكانت المرأة تتلقى الحماية من الرجل الذي كُلّف بالدفاع عن حقوقها، » وتبقى المرأة تابعة للرجل ومنسوبة إليه وتحت حمايته ومسؤوليته، ووجب عليها بالمقابل صيانة شرفها حتى من أبناء عمومتها، بينما لا يقوم الذكر بشيئ من هذه الأعمال المنوطة بالأنثى « (Bourdieu 2002 .23-25) ففي المجتمع الأمازيغي يتوقف شرف العائلة بأكملها على المرأة.
أما المرأة فكانت تقوم بعدة اهتمامات في الداخل والخارج، ففي الداخل كانت تعد الأكل وتعتني بالصغار وتنظف البيت وتغسل الملابس، اما في الخارج فكانت تجلب الماء وتمارس الفلاحة في البستان القريب وتجني الثمار والزيتون، «بينما المرأة المزابية لم تكن لتمارس مثل هذه الاهتمامات، وتشاركتْ النساء الأمازيغيات في المنسج والنسيج، فهو بمثابة الزوج الأنثوي للحرث، فالرجل يحرث خارجا والمرأة تحرث في النسيج لتساعد الزوج في تحمل أعباء الأسرة (Genevois,1969: 60)»
تتعرض المرأة الأمازيغية منذ ولادتها إلى تربية خاصة، وهي طفلة صغيرة تتعوّد على الاستمـاع إلى القصـص والحكـايات الشعـبية والأمثـال من الأمّـهات والجدات، وكلها تتعلق بأفكار وتمثلات المجتمع الذي تنتمي إليه.
«إن أهم شيئ يميز التكوين التربوي للبنت داخل الأسرة الأمازيغية، هو الحرص على تعليمها الأشغال اليدوية وبعض الحرف التقليدية، وتحفيظها لقسط من القرآن الكريم، فإذا بلغت سن البلوغ لُقّنت معالم الحفـاظ على عفّـتها وشرفـها وخضوعها التّـام لسلطـة الرجل زوجا أو أخا أو صاحب سلطة في العائـلة، فالأسرة تعمل على تهيئـتها اجتماعيا، إذ «تُعدها أمها منذ ولادتها لتكون أساسا لحياة زوجها وركنا للمجتمع بالإيحاء والقدوة الحسنة من سلوكها في الدار وبالتدريب على العمل وعلى كل الأخلاق الإسلامية الراقية في كل أدوار طفولتها وفي شبابها» (الواهج، 1982، ص 23)
فتنشأ بفضل هذه التربية إمرأة صالحة مطيعة مؤدبة لأنها هي من تعرف كيف تحترم رجال العائلة حتى لو كانوا أصغر سنا منها.
2.2. النسق الاجتماعي للمجتمع القبائلي بصورة خاصة
1.2.2. مميزات المجتمع القبائلي
إن التركيبة للمجتمع القبائلي حسب بورديو Bourdieu، يبدو وكأنه «يتكون من سلسلة من التجمعات المختلفة، وتمثل دوائر مركزية من الأمانات لها أسماؤها وأملاكها وشرفها.» (Bourdieu 1971: 11)
تتكون القرية القبائلية من الأسرة، وهي التي تمثل الخلية الرئيسية للمجتمع، وهي
«مكونة من الآباء والتي تكون الوحدة الاجتماعية الاقتصادية، وهي مؤسسة علاقات الإلزام المتبادلة وتبعية وحضور في نسق العلاقات الاجتماعية التقليدية، وللأسرة معانٍ متعددة مثل المرأة، القرابة، الزواج، المسكن والحرمة العائلية.» (بداك، دت، ص 27-28)
تتألف الأسرة القبائلية من عائلتين، تربطهما في الغالب علاقة دموية، ويعيش أعضاء هذه العائلة، في وِحدة سكانية، مؤسسها الرئيس، الجد، وله سلطة على الأبناء، الذين يقيمون معه «وهي نموذج للتماسك والأمن والاستقرار، ومجموعها هو «ثخروبث»، التي مجموعها يسمى «أذروم»، وجدّها المشترك غالبا ما يكون شخصية خرافية أسطورية مقدسة.» (بداك، دت : 28)
ويشرف على تسيير شؤون كل قرية، أو «ثدّارْث»، مجلس عام يسمى « ثاجماعث »، وتعتبر «القرية كوحدة سياسية وإدارة تقليدية، تضم مجموعة من اللجان» (Bourdieu 1971 12) ، أما « ثاجماعث » أو الجماعة «فهي سياسة وجهاز تشريعي يقوم بحل النزاعات ومناقشة الأمور، ويترأس الجماعة « لمين نتدّرث»، وهو من أبناء القرية يختار لخبرته وحنكته الطويلتين في الميدان.» ( آيت قاضي، 1999، ص39)
وتسهر «ثاجماعث» على وضع القوانين المنظمة للجماعة، «ويحل المشاكل بين أفراد العائلات كالطلاق والزواج، ويطغى على العلاقات التي تربط الأفراد، العمل الجماع والتعاون.» (بداك، دت، ص29)
تجتمع «ثاجماعث» مرة واحدة في كل أسبوعين يوم الجمعة، لمناقشة بعض الأمور، وتنظيم الجنازات والحفـلات الدينية ذات الطابع التقلـيدي، «والعاصي لأوامـرها، مرغم على مغادرة القرية، ويحرم من المشاركة في التوزيع الجماعي والتحدث مع أهل القرية، وعدم مشاركة هؤلاء في جنازته. (Letourneux et» Hanoteau, 1893 07)
وتتألف هذه الجماعة من خمسة أفراد غير دائمين يطلق على واحد منهم اسم «طمان» أو «أطامن»، يتم اختياره من عرشه أو أسرته الكبيرة، ويجب أن تتوفر فيه شروطا معينة كأن يكون من نسب حسيب ومن عائلة شريفة، ويقوم بحفظ الأمن والاستقرار، ويسهر على تنفيذ القوانين وتطبيق القرارات.
ويشارك الجماعة «لوكيل نتَمْعمّرْث»، الذي يسهر هو الآخر على حسن سير الجلسات،
«وهو الذي يسير الشؤون المالية والإدارية للزاوية، وإذا عجز هؤلاء على حل نزاع ما، خاصة إذا كان الأمر يتعـلق بصراع مع قريـة أخرى، ففي هذه الحالة تتصل « ثاجماعث » بجماعة « العقال » التي تتكون غاليا من شيوخ القرية وحكمائها.» (حويلي، 2012 : 13-14)
وعند حضور الناس إلى جلسات «ثاجماعث»، عليهم التصرف كالرجال، وأن تكون كلمتهم كلمة رجال أيضا «فينظرون إلى غيرهم نظرة الند للند، والكل ملزم بالحضور وللمشاركة وإدلاء آرائهم وانتقاداتهم« (Letourneux et Hanoteau, 1893 07)
يوجد في منطـقة القبائل عدد هائل من القـرى، والقرية في المجتمع القبـائلي «هو وحـدة اجتـماعية منغـلقة مسـتقلة بـذاتها» (بداك، دت، ص30)، وتتكـون القـرية من العـروش «أذروم »، ومن « ثخروبث » وأصغرها وحدة تسمى « أخام ».
فثخروبث هي أكبر وحدة اجتماعية توجد في القرية، وهي «مجموعة من الأسر والعائلات التي تنحدر من جد واحد» (آيت قاضي 1999: 35)، أما ««أذروم» فأكبر من «ثخروبث»، أو هو عدد من «إخربان»، وتنحدر من جد واحد، ويمتزج هذا المصطلح بمصطلح « ثخروبث» (حويلي 2012 : 14)
أما «أخام»، «فهو أصغر وحدة اجتماعية توجد في القرية، يحكمها الجد، فهو الذي يقرر نيابة عن أهل البيت، ولديه السلطة المطلقة فيه» (آيت قاضي، 1999: 35)
ويرى بورديو Bourdieu أن العائلة أو
«أخام» ، «هي أصغـر وحدة اجتمـاعية، فالعائلات تجتمع لتؤسس ما يسمى «ثخروبث» غالبا ما يعود أصلها إلى الدرجة القرابية الرابعة أو الخامسة، ولكن يحدث أن تدخل عائلات نيق عائلات أخرى للتلاحم ولكي تؤسس وحدة اجتماعية متعايشة، ويمكن لثخـروبث أن تتحول إلى « أذروم» في صيغة ما، إذا ما كانت العائلات كثيرة، أما مجموع القرى فيشكل العرش الذي يحمل شخصية أسطـورية قدمت إلى المنطقة منذ أمد بعيد، وتخـتلف القرى عن بعضها البعض، فهناك منها ما لا تحتمل «أذروم» و «ثخروبث» معا، إذ أن القرى تعتمد على واحد منهما فقط» (Bourdieu,1971 : 12)
تُنجـز القريـة في هذه الأسـرة المُمتدة، النشـاطات الإنتـاجية والاستـهلاكية، وذلك عن طريق الاتصالات الاجتمـاعية المبنية على وجهـها الأكمـل، بحيث
«لا يكتسب كل شخص إلا المعارف الأساسية التي تؤهله لإنجاز النشاطات الاستهلاكية التي تتطلب تقسيم العمل بين الرجل والمرأة زيادة على ذلك نجد العادات والقيم ومكتسبات أخرى ضرورية لاستطاعتهم المشاركة في مختلف الأعمال العائلية المشتركة في الحياة الجماعية للجماعة» (بداك، دت، ص30)
تسكن الجماعة في رقعة تكون الوحدة الثقافية والاجتماعية، ولها خصائص ثقافية محلية، كونتها من تأثير البيئة، ولتلك المنطقة نظام اجتماعي وقرابي يؤثر في سلوكات الأفراد وعلاقاتهم فيما بينهم وبين غيرهم، ويظهر هذا جليا في عاداتهم وتقاليدهم وحِرفهم ومهاراتهم وجميع مظاهر حياتهم.
إن منطقة القبائل هي وِحدة اجتماعية متعايشة منذ زمن بعيد، وتضم عدة قرى ومداشر، ولكل منها وحدة اجتماعية متماسكة، ويتواصلون بلغة واحدة يفهمها الجميع، وان اختلفت نبرات الأصوات من قرية لأخرى،
«ويجمع سكان المنطقة قيم مشتركة، كالدين والقرابة وما ينتج عنهما من قيم أخلاقية تكون الأساس لبناء اجتماعي متميز، فسكان المنطقة تجمعهم قرابة دموية منذ سـائر السنين، وتتشـابه مظاهر عيشهم وغذائهم ومسكنـهم خاصة الأريـاف، وينتشر طبَق الكسكس في ربوع المنطقة كلها، ممزوجا بالخضار والفول واللحم واللبن». (حويلي، 2012، ص18)
يمتاز المجتمع القبائلي كغيره من المجتمعات الأمازيغية بصفة الديموقراطية الملازمة له في كل تصرفاته وأفعاله، ويعشقون الحرية، بالرغم من أنهم يعيشون في منزل الجد، غير مستقلين عن ذويهم.
وتتكون منازل القبائل من حجرات، «حجرة للجد والجدة، حجرة للأب والأم، وحجرة للأولاد» (بداك، دت، ص28)، والبيت يبنى من الحجارة والطين، بسيط بساطة أهله، بالرغم من أن معظم البيوت الآن جمعت بين الحداثة والتقليد. ولكل قرية دار لمجلسها، تعقد فيه اجتماعات «اجمعا» وفي كل دار أوقاف من أبناء المنطقة، يحتاجه الغير في أفراحهم وأتراحهم.
وتمتاز بلاد القبائل كغيرها من المناطق بالتويزة، أو ما يعرف بـ « ثمشرط » أو « لوزيعة » ، وهي احتفالات شعبية تقام في أجواء أخوية بهيجة، ويتم فيها نحر الثيران، وتقسيمها على الأهل والجيران بالعدل والانصاف، كما تقام احتفالات «لوزيعة» أيضا في حالات الجفاف تذرعا إلى الله لينزل المطر وينمو الزرع» ( طبركان، 2012، ص12)
ومع قدوم فصل الربيع، يتم استقباله بإعداد «أشباض» وهي فطائر رقيقة من السميد، تطبخ مع الحليب.
ومن مجموع العادات التي تميز المجتمع القبائلي، أنه لما يصوم الطفل للمرة الأولى في حياته، يصعد إلى سقف البيت، وذلك يوم السابع والعشرين من شهر رمضان، وهناك يتناول إفطاره الخاص المتمثل في الشوربة والبيض المسلوق، وقطعة من «ثامثونت»، وهي قطعة من الخبز الذي يعجن بإضافة الخميرة، وبعد الانتهاء من الفطور يشرب الماء في آنية فخارية بها قطعة من السكر وشيء من الفضة، لينعم بالصحة الجيدة من جهة، ويعلو شأنه كعلو السقف الذي أفطر فوقه.
وما يمكن قوله إجمالا أن النسق الاجتماعي في منطقة القبائل يسوده نظام الأعراف والعروش، ولهم أوامر لابد من الامتثال لها، وعادات لا طاقة لهم بالتخلي عنها، كزيارة أضرحة الأولياء الصالحين والتبرك بهم لمسح الخطايا، كالولي الصالح سيدي بهلول الذي يقصده العديد من الزوار من مختلف الجهات، خاصة في الأعياد والمناسبات.
ويرى الدكتور بورايو أن «الأولياء هم الرجال المقربون إلى الله عزوجل، يتصلون به، ولهم قدرة عجيبة، ويقومون بأعمال خارقة في حياتهم وحتى بعد مماتهم، ويكون ضريحهم رمزا لهذه القدرة على الفعل» (بورايو، 1986، ص22)
ومن المعتقدات الشائعة في منطقة القبائل، الاعتقاد بالسّحر أو ما يسمى «إحشكولن» ، « وهو وسيلة من وسائل إفشاء السوء، والإصابة بالأمراض، ولكي يبطل السحر هناك عمل سحري مضاد له» (بورايو، 1986، ص24)، والاعتقاد بالجن، والعين والأشجار، والأحجار والصخور، وعين الماء، وغيرها من المعتقدات التي تقدس عند الفرد القبائلي، ومعنى التقديس هنا هو التطهر من الذنوب والخطايا.
تلك هي إذا بعض الأمور والمعتقدات والأفعال التي وضحت لنا بنية المجتمع القبائلي، التي كانت وما تزال أغلبيتها تمارس في كل المناطق القبائلية ومنذ أمد بعيد، لأنها تعد جزء لا يتجزأ من تراث وأصالة المنطقة.
2.2.2. مكانة المرأة في المجتمع القبائلي
لن نحدد وضعية المرأة في المجتمع القبائلي كما أوردها هانوطو في كتابه La Kabylie et les coutumes kabyles، لأنه قدّم «وصفا قاتما سوادويا لوضعية المرأة القبائلية ومكانتها في المجتمع، بل سنحددها بصفة بسيطة، مستندين إلى آراء ونقد بعض الباحثين أمثال أمحمد جلاوي وسي عمر بن سعيد بوليفا» (Letourneux et Hanoteau, 1893: 287-294)
لقد حظيت المرأة بمكانة في مجتمعها القبائلي، وخصص لها دور أكثر دقة وصعوبة يتمثل في رعاية البيت وتربية الأولاد وتنظيم العش الزوجي، وإضفاء جو الفرحة والسعادة في أوساطه، فهي محبوبة من طرف الرجل، وتمثل بالنسبة له النصف الآخر الذي لا يستغنى عنه أبدا، وتحظى بتكريم لمّا تنجب المولود الذكر، وهذا لتقوية صف القبيلة، لأنه فينظر العامة عنوان الأنفة والعزة للأسرة والقرية والقبيلة.
وبالرغم من وصف الوضعية التي تعيشها المرأة في المجتمع القبائلي بالنظرة السوداوية عند هانـوطو Hanoteau ، إلا أنه تناقض مع ما ذكره من أنها كـائن عديم الدور والأهمية، بأنها تمثل كائنا محترما ومقدسا في الأوساط، وهذا بقوله :
«... في نظرهم، المرأة تمثل كائنا محترما ومقدسا، بئس الذي يمس شخصيتها وسمعتها وشرفها، فأي تصرف عنيف إزاءها، أو تلميح مغرض، أو إشارة مشبوهة، يمثل الحجة الكافية لإراقة الدماء، وأخذ القصاص من مثل هذا المعتدي الخارق لحرمتها وشرفها، والقوانين تحرص كل الحرص على شرف المرأة وكرامتها، فلا نجد من هو أكثر غيرة واحتراما لشخصية المرأة من الفرد القبائلي، فهي محبوبة كزوجة ومبجّلة كأم» (Letourneux et Hanoteau, 1893 : 202)
وعلى مستوى التعامل الاجتماعي، فإن العادة والأعراف في المجتمع القبائلي يفرض مجموعة من الشروط لضمان نجاح الزواج بدء بالاتفاق على الشروط، ثم الوليمة ثم المهر فالزواج، وتكرم خلالها المرأة أيّما تكريم، وتقدم لها الهدايا، بما تسمح به إمكانية الزوج المادية.
وتشارك المرأة القبائلية في العديد من العادات والتقاليد لمنطقة القبائل، كإحياء المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وعاشوراء وغيرها، وذلك بتحضيرات وممارسات مميزة، ففيها يتم إعداد أكلات وأطباق تقليدية مثل الكسكس باللحم والفطائر التي يتم توزيعها على الزائرين والزائرات.
بالإضافة إلى زيارة أضرحة الأولياء الصالحين في هذه المناسبات السعيدة، يصاحب هذه الزيارات التصدق «بالعشور» والأموال قصد التبرك والخير، «كما تقيم المرأة القبائلية احتفال بهيج عند قص شعر الطفل لأول مرة لما يبلغ حولا كاملا، يقصد فيه الطفل والأب السوق لاقتناء رأس ثور، ليتم طبخه مع الكسكس، وتوزيعه على الأهل والأحباب والجيران تفاؤلا للخير وطول العمر» (طبركان، 2012، ص11).
يضاف إلى هذا كله، جرأة المرأة القبائلية في حل نزاعات القبائل، ومشاكلها وهي التي ورثت هذه الجرأة من سابقاتها، «ويذكر لنا التاريخ نساء قدن الجيوش، كالملكة «شمسي Chimci » التي تولت قيادة قبائل جرجرة في منتصف القرن الرابع عشر (14)، وقد ذكرها ابن خلدون في مقدمته» (جلاوي، 2011، ص26).
وتبقى المرأة القبائلية حرة في قدراتها الذهنية، ثائرة ومتمردة إذا ساءت أحوال معيشتها، لا سيما إن لم تجد ما يرضيها عند زوجها،
«وتفرض في الغالب نفوذها وتأثيرها في الوسط الأشري والأوساط الاجتماعية، وكل هذا معترف به ومستساغ بين ذويها، فالمجتمع القبائلي يعترف بدورها الأسمى ومكانتها العالية بين ذويها، ويرى فيها كائنا متفوقا، يرقى به إلى أسمى مقام تشرف به على باقي أفراد الأسرة» (جلاوي، 2011، ص 29)
ونختم هذا الكلام عن مكانة المرأة ووضعيتها في المجتمع القبائلي بشهادة هانوطو الذي يقول: «المرأة كما يقول القبائلي مثل الترعة المزينة بالزهور المختلفة الألوان والأنواع، لما تتفتق كل شيء يظهر فيها لامعا براقا» (Letourneux et Hanoteau, 1893 : 294)
خاتمة
وفي الأخير، نجزم على أن العمل الميداني من أصعب مراحل جمع ونقل ودراسة المادة الثقافية الشعبيّة لكونها مُشتتّة في أذهان النّاس وعبر أمصار عميقة يصعب التوغّل فيها. ونعني بالميدان المنطقة الجغرافية التي تسكنها مجموعة بشرية تُكوّن فيما بينها وِحْدة اجتماعية متماسكة منذ أمد بعيد، لها خصائصها الثقافية المحليّة، وتتكوّن هذه الخصائص بتأثير البيئة أو المنطقة الجغرافية، ولها نظامها الاجتماعي والقرابي المُؤثر في سلوكات الأفراد وعلاقاتهم فيما بينهم وبين غيرهم، ويتجلى ذلك في عاداتهم وتقاليدهم وحِرفهم ومهاراتهم وشفوياتهم وشتى مظاهر حياتهم. وهذا ما رصدناه تحديدا عند الوقوف على النسق الاجتماعي للمجتمع القبائلي وانظام السائد فيه.