المقاولاتية النسوية بين متطلبات المحيط السوسيوثقافي والتحديات المهنية، دراسة سوسيولوجية في منطقة تيزي وزو

Lentrepreneuriat féminin entre les exigences de l›environnement socioculturel et les défis professionnels. Une étude sociologique des femmes entrepreneurs dans le Tizi Ouzou

Feminist entrepreneurship between the requirements of the socio-cultural environment and the professional challenges. A sociological study of women entrepreneurs in the Tizi Ouzou

ثيزيري محتوت و شاوش حميد

p. 593-613

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

مرجع ورقي

ثيزيري محتوت و شاوش حميد, « المقاولاتية النسوية بين متطلبات المحيط السوسيوثقافي والتحديات المهنية، دراسة سوسيولوجية في منطقة تيزي وزو », Aleph, 10 (1) | 2023, 593-613.

بحث إلكتروني

ثيزيري محتوت و شاوش حميد, « المقاولاتية النسوية بين متطلبات المحيط السوسيوثقافي والتحديات المهنية، دراسة سوسيولوجية في منطقة تيزي وزو », Aleph [على الإنترنت], 10 (1) | 2023, نشر في الإنترنت 31 janvier 2023, تاريخ الاطلاع 19 avril 2024. URL : https://aleph.edinum.org/7547

تمثل ميدان دراستنا حول ظاهرة المقاولاتية النسوية في منطقة تيزي وزو،في فئة النساء التي اعتمدنا على الآليات المدعمة لإنشاء المؤسسات المصغرة، نذكر منها وكالة A.N.A.D، التي أنشئت بموجب تقديم التمويلات لأصحاب المشاريع والشهادات. ما سمح لنا ببلورة إشكالية نظرية وتطبيقية نحاول فيها الإحاطة بالموضوع من منظور سوسيولوجي وفهم واقع هذه الظاهرة في المجتمع من زاوية نظرية وميدانية. فحسب أخر الإحصائيات الصادرة عن الوكالة، وإذا أخذنها من منظور نقدي تحليلي، نجد نسبة النشاطات النسوية الممولة من إجمالي كل نشاط، تتمثل في المهن الحرة التي تأخذ أكبر نسبة في المساواة بين الرجل والمرأة، في امتهان هذه الأعمال بنسبة 43 %. ويعود السبب لكون هذه الأعمال ترتبط بتخصصات التكوين المهني والعالي، توجه الفرد لضرورة المبادرة في المقاولاتية، باعتبار المنطقة مناخا يتناسب مع مختلف الميادين، سواء الصناعة، التجارة وكذلك قطاع الخدمات. فإن إجمالي المشاريع التي تأسست عن طريق الوكالة، تتمثل في 135 مؤسسة نسوية، في عدة مجالات، سنة 2017. نذكر في المرتبة الأولى ميدان الخدمات، الذي وصلت عدد المشاريع إلى 70 مشروعا من طرف المرأة. ثم يليها صناعة المواد الغذائية بعدد المشاريع المتمثلة في 70 مشروع، أما في سنة 2018، تتمثل مجمل المشاريع التي اوديعت لدى الوكالة، 246 مشروعا من طرف الرجال، و114 أخرا مجال داخل الوكالة من طرف النساء، وعند دراسة الملفات من طرف المختصين داخل الوكالة، كان مجموع الملفات المؤهلة للإنشاء تتمثل في 165 مشروعا للرجال و88 مشروعا نسويا. أما في مرحلة التطبيق كانت المشاريع التي أسسها الرجال يتمثل في 115، بينما النساء جاءت 58 مشروعا، فكيف يمكننا أن نفسر هذا الفرق بين المشاريع المؤسسة لتصل إلى 58 مشروعا من طرف المرأة، في حين أن مجمل المشاريع المقبولة تمثل 88 مشروعا، ما الذي أدى بهذا العدد إلى الانخفاض؟

L’Algérie a connu de nombreuses transformations pertinentes de sa politique économique ayant pour but d’atteindre les objectifs de développement dit « durable ». Elles ont, entre autres, induit l’insertion des femmes dans le marché du travail. Depuis la nouvelle réforme de l’ANAD qui a mis en oeuvre de nouveaux dispositifs d’aide à la création d’entreprises, le nombre de femmes actives ayant intégré le marché du travail et adopté la démarche entrepreneuriale est en augmentation remarquable.
L’étude présentée passera en revue les incidences positives de cette réforme et la non-cohérence observée entre les projets présentés et ceux qui ont effectivement abouti.

Algeria has undergone many relevant transformations in its economic policy in order to achieve the so-called ’sustainable’ development objectives. These have, among other things, led to the integration of women into the labour market. Since the new reform of ANAD, which implemented new support mechanisms for business creation, the number of active women who have entered the labour market and adopted the entrepreneurial approach has increased remarkably. 
The study presented will review the positive impact of this reform and the lack of consistency between the projects presented and those that have actually succeeded. 

مقدمة

عرف عمل المرأة في المجتمع الجزائري تطورا معتبرا بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة فيه، التي أدت إلى تنوع على المستوى المهني. حيث أصبحت المرأة تؤدي مهامها في كل المجالات والقطاعات سواء قطاع الصحة، الخدمات والاقتصاد، كفاعل مهني واقتصادي في المؤسسات العامة والخاصة. تقوم المرأة بأداء مهامها في إطار المنصب الذي تشغله وتتحمل مسؤولياته، حيث أثبتت قدرتها على تسيير وتنظيم العمل بكل مجالاته. كل هذا عائد إلى السياسة التي تبنتها المنظومة الاقتصادية في الجزائر في ظل فتح المجال للمقاولاتية (Abdelfettah 2013: 8) ما سمح لها الدخول إلى ميدان إدارة الأعمال، في ظل اقتصاد السوق بداية من التسعينات (Addi 1999: 12)، التي شهدت فيها السياسة الاقتصادية إعادة هيكلتها، من أجل الدخول في اقتصاد السوق. ما أدى إلى ظهور المؤسسات الخاصة كمحرك أساسي لتحقيق التنمية. كل هذه العوامل السياسية الاقتصادية والاجتماعية ساهمت في دخول المرأة إلى القطاع الخاص وتبني فكرة المقاولات بإدارة مشاريع اقتصادية من أجل إنجاح مؤسستها، فسابقا نجد المرأة العاملة تخصصت في مجال التعليم كمهنة تقيدت في أغلب الأحيان فيها. وبعدها فرضت وجودها في عدة قطاعات حتى تلك التي كانت مرتبطة بالرجل فقط وهذا يرجع إلى النظرة الاجتماعية لتقسيم العمل، فنجد في المجتمع الجزائري أن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة يعتمد على مؤشر الجنس، فهناك مهن خاصة بالمرأة وأخرى مخصصة للرجل فقط وإن وجدت المرأة فيها فبنسب متفاوتة. يعود ذلك إلى القانون الاجتماعي الذي يقسم بين الأفراد وأدوارهم على أساس الجنس. وفي هذا الصدد نجد بورديو يشير إلى هذا التقسيم الاجتماعي للعمل، حيث قام بدراساته الإثنوغرافية في منطقة القبائل، التي تمثل في الميدان الذي سنقوم فيه بدراستنا، تحدث أيضا عن تقسيم المحيط الاجتماعي، بما في ذلك الرجل والمرأة وفقا لمعايير يجب أن يتقيد بها. لكن استطاعت هذه المرأة التي تتفاعل بصفة رمزية داخل المجتمع، بتجاوز هذا المضمون الذي ينوط لهويتها ضمن التصورات الاجتماعية. ودخلت الأماكن المهنية التي كانت مخصصة للرجل في أغلب الأحيان، أصبحت تنافسه عليها في سوق العمل. فإنها تملك القدرة على إدارة المشاريع واتخاذ القرارات، بالتالي لديها الكفاءة اللازمة للمبادرة في ظل إنشاء مؤسسات خاصة. تعتبر بهذا فاعل اقتصادي تعيش وتواجه التحديات التي يفرضها هذا المجال (اقتصاد السوق) والمحيط السوسيو ثقافي، كما نجد أن المرأة العاملة فرضت وجودها في القطاع العام حيث تشغل مناصب عليا فيه. (Ait sellmat 2013 : 10)

لكن موضوع دراستنا يهتم أكثر بالمرأة التي تبادر بإنشاء مؤسسة خاصة بها وتتبنى مشروعا تقوم بتسييره من أجل الاستمرارية والديمومة، كذلك التمركز في السوق. نهتم أكثر بالكيفية والخطوات التي تتبعها من أجل إنجاح مشروعها بما يواكب التغيرات التي تحصل في هذا المجال كظاهرة حديثة في المجتمع، بفعل تبلور الفكر المقاولاتي لدى المرأة وتدخل عدة عوامل، نحاول معرفتها بطرح عدة تساؤلات نظرية وتطبيقية، نجيب عنها بالبحث في الموضوع. ما سمح لنا ببلورة اشكالية نظرية وتطبيقية نحاول فيها الإحاطة بالموضوع من منظور سوسيولوجي وفهم واقع هذه الظاهرة في المجتمع من زاوية نظرية وميدانية. فحسب أخر الإحصائيات الصادرة عن الوكالة، وإذا أخذنها من منظور نقدي تحليلي، نجد نسبة النشاطات النسوية الممولة من إجمالي كل نشاط، تتمثل في المهن الحرة التي تأخذ أكبر نسبة في المساواة بين الرجل والمرأة، في امتهان هذه الأعمال بنسبة 43 % ويعود السبب إلى ذلك لكون هذه الأعمال ترتبط بتخصصات التكوين المهني والعالي، توجه الفرد لضرورة المبادرة في المقاولاتية. التي تمثل في ميدان دراستنا حول المقاولاتية النسوية، باعتبار المنطقة مناخا يتناسب مع مختلف الميادين، سواء الصناعة، التجارة وكذلك قطاع الخدمات. فإن إجمالي المشاريع التي تأسست عن طريق وكالة التشغيل لدعم الشباب، تتمثل في 135 مؤسسة نسوية، في عدة مجالات، سنة 2017. نذكر في المرتبة الأولى ميدان الخدمات، الذي وصلت عدد المشاريع إلى 70 مشروعا من طرف المرأة. ثم يليها صناعة المواد الغذائية بعدد المشاريع المتمثلة في 70 مشروع، أما في سنة 2018، تتمثل مجمل المشاريع التي أوديعت لدى الوكالة، بمجمل 246 مشروعا من طرف الرجال، و114 أخرا مجال داخل الوكالة من طرف النساء، وعند دراسة الملفات من طرف المختصين داخل الوكالة، كان مجموع الملفات المؤهلة للإنشاء تتمثل في 165 مشروعا للرجال و88 مشروعا نسويا. أما في مرحلة التطبيق كانت المشاريع التي أسسها الرجال يتمثل في 115، بينما النساء جاءت 58 مشروعا، فكيف يمكننا أن نفسر هذا الفرق بين المشاريع المؤسسة لتصل إلى 58 مشروعا من طرف المرأة، في حين أن مجمل المشاريع المقبولة تمثل 88 مشروعا، ما الذي أدى بهذا العدد إلى الانخفاض؟ تتمثل الفرضيات في:

  • تعيش المرأة المقاولة في منطقة تيزي وزو واقعا تواجه في تحديات في ظل متطلبات السوق والمحيط السوسيو ثقافي والمهني.

  • تواجه المرأة المقاولة في منطقة تيزي وزو عائقا في مجال عملها على الصعيد الإداري

  • كل هذه التحديات تعتبرها المرأة دافعا في تأسيس مشروعها وفي ظل الإنتاج.

تستدعي إشكالية بحثنا دراسة كيفية من أجل فهم هذه الظاهرة في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، التي أدت إلى دخول المرأة لمجال المقاولات في ظل اقتصاد السوق وإنشاء مؤسستها الخاصة بما يتناسب مع المحيط ومتطلباته من جهة، ومن جهة أخرى كيف تنجح هذا المشروع وفقا للشروط العقلانية التي ترتبط بالمقاولات، حيث تأخذ بعين الاعتبار المنافسة، التسويق وتسيير مشروعها في ظل القوانين السارية المفعول حول المقاولاتية. فهذه المرأة تبادر وتتبنى مشروعا خاص بها، به تواكب الواقع الاقتصادي (Tremblay 2003: 3).وتقوم أيضا بأب داء مهامها في ظل الأدوار التي تقوم بها داخل الجماعات الاجتماعية التي تنتمي إليها. نهتم بالفئة العاملة النسوية بكل مؤشراتها من حيث السن، المستوى الثقافي، المحيط الجغرافي، كيف تبنت فكرة المبادرة، كذلك ندرس المؤشرات المتعلقة بالمقاولات من حيث المجال الذي تختص به، الشروط المتعلقة بالإجراءات المعمول بها من مرحلة التأسيس إلى مرحلة الأداء، كذلك في ظل محاولتنا للإجابة على كل هذه الأسئلة، يستدعي موضوع دراستنا الاعتماد على المقابلات التفقدية كتقنية بحث منهجية من أجل التعرف على الميدان وندرك مدى قابلية موضوعنا للدراسة وتوفر المعطيات من أجل البحث بكل موضوعية فيه.

1. الجانب المنهجي

1.1. الإطار العام للدراسة

1.1.1. المقابلة 

تهدف المقابلة في علم الاجتماع إلى جمع المعطيات، المعلومات، الخبرات والتجارب التي مر بها الأفراد والتي لها علاقة بموضوع دراستنا، انطلاقا من السؤال السوسيولوجي، الذي طرحناه في الإشكالية.

تعتبر من التقنيات المعمول بها في البحث السوسيولوجي، وتتقيد بما يجب أن نعرفه من الأفراد المبحوثين حسب الدراسة التي نقوم بها (أهداف البحث). فبقيامنا بالمقابلة نحاول أن نفهم وندرس كل تلك المواقف الاجتماعية التي عاشتها المرأة المقاولات بطريقة منهجية اعتمادا على التحليل السوسيولوجي للمواقف الذاتية وتصرفات الفاعلين الاجتماعيين.

تهتم المقابلة في علم الاجتماع بإلقاء الضوء على الذاتية وتحليلها بطريقة موضوعية ففي المقابلة حول المقاولاتية النسوية نحاول أن نفهم كل ما يدفع المرأة للقيام بالفعل بجلب كل الحوارات والخطابات التي ستدور بين الباحث والمبحوث التي تتمثل في المرأة المقاولة في منطقة تيزي وزو، ومختلف التفاعلات التي تحدث في ظل الوضعية الحوار.

وفي دراستنا نلقي الاهتمام لكل المواقف التي عاشتها المرأة المقاولة أثناء دخولها في المشروع ومتطلباته كذلك نظرتها لهذا المجال وماهية الدوافع التي أدت بها إليه، كيف تتفاعل مع الوضعية ومع الواقع المعاش في ظل المجتمع والتحديات الاقتصادية. وهذا سندرجه داخل دليل المقابلة الذي يتضمن أسئلة موجهة تخدم موضوع دراستنا، تنقسم إلى أجزاء تتمثل في أسئلة حول المرأة المقاولة يمكن أن نسميها بطاقة تعريف وجزء يتعلق بالدوافع التي أدت بالمرأة تبادر في إنشاء مؤسسة، ثم جزء يتعلق كيف تتفاعل المرأة مع الوضع الذي تعيشه في ظل أنه تسير مؤسسة وماهي التحديات التي تصادفها. اعتمادا على هذه الأسئلة نحاول جمع المعلومات حول المقاولات النسوية في منطقة تيزي وزو، انطلاقا من البدايات الأولى لإنشاء المبادرة إلى دخول المرأة مرحلة التنفيذ والأداء.

2.1.1. الملاحظة المباشرة 

اعتمادا على هذه التقنية نحاول أن نأخذ بعين الاعتبار تصرفات المرأة التي نقوم معها بالمقابلة ونفهمها بربطها بالوضعية فسنقوم بشبكة الملاحظة التي تتمثل في تدوين كل الملاحظات من أجل المقارنة بين المواقف ودراستها من منظور سوسيولوجي(Arborio 2007 : 7).

نحاول أن نترجم كل هذه المعطيات والمواقف، التي استمدناها من الواقع أثناء قيامنا بالمقابلة مع المرأة المقاولة إلى معطيات وسيكولوجية بالتحليل المقابلات والربط بين المواقف من أجل الخروج بتحليل سوسيولوجيا للظاهرة المدروسة. والاهتمام بالمتطلبات الاقتصادية ونقصد بها العرض والطلب، المنافسة والتسويق ولا ننسى التحديات السوسيو ثقافية التي تواجهها المرأة المقاولة. كل هذه المعطيات نحاول أن ندرس بها موضوعنا في منطقة تيزي وزو.

2.1. المراجع المعتمدة 

في هذه المرحلة سنقوم بالبحث عن المراجع التي اهتمت بدراسة موضوع المقاولاتية النسوية سواء على المستوى المحلي أو العالمي، فهي عبارة عن مختلف الدراسات التي أقيمت حول الموضوع بها نستطيع أن ندرك أهمية الظاهرة داخل المجتمع وكيف ينظر لها المفكرون من الناحية العلمية والمنهجية، نتعرف على مختلف الزوايا التي درست بها الظاهرة وماهي النظريات التي اهتمت بالموضوع. ما يفتح لنا المجال في دراسة موضوعنا من ناحية أخرى ولا ربما نقد بعض هذه الدراسات ومعرفة نقاط التشابه والاختلاف، لكن يجب أن نختار القراءات التي تخدم سؤالنا فهي تساعدنا أيضا في بناء الإشكالية وبلورة السؤال إذا تحقق في الميدان اعتمادا على المقابلات التفقدية، التي هي عبارة عن المرحلة التفقدية للميدان وندرك مدى قابلية موضوعنا للدراسة.

هذه الدراسات تساعدنا في اختيار النظرية التي نعتمدها في دراستنا خاصة إذا تحققت في الميدان وتتمثل في الخيط الناقل في دراستنا من حيث المفاهيم المستعملة والمنهجية المعتمدة كذلك تساعدنا في تصحيح الميدان واغناءه

3.1. العينة وخصائصها

1.3.1. عينة الدراسة 

عبارة عن نساء مقاولات في منطقة تيزي وزو، اختارنا المحيط الجغرافي بكل العوامل التي يفرضها من حيث المحيط الحضري والريفي فلا نتقيد بمؤشر معين. فمنطقة تيزي وزو تتمتع بكل خصائص البحث العلمي في السيسيولوجيا، فهناك تنوع في المظاهر من حيث الأفراد.

كما أن هناك نساء مقاولات على المستوى الحضري والريفي، فبذلك نجد ما يخدم بحثنا كما أن النساء المقاولات تتمتع بالقابلية للبحث من حيث السن، المستوى الثقافي، المهنة فكل هذه الملاحظات يمكن أن نجدها في وكالات التشغيل والمقاولاتية الواقعة في ولاية تيزي وزو.

من جهة أخرى فإن المجتمع عرف عملية التثقيف الذي يتمثل في التقارب الثقافي بين الأفراد بفعل التغيرات السوسيو ثقافية والاقتصادية، والدليل على ذلك إنشاء المقاولات من طرف المرأة التي تقيدت سابقا في العمل التقليدي مثلا الزراعة، النسيج. حيث انحصر دورها في تلبية الحاجات المتعلقة بالجماعات الأولية التي تنتمي إليها، فبفعل التغير الاجتماعي أصبحت المرأة تطور من هذا العمل الذي كان تقليديا وبه تبادر لإنشاء مقاولة مصغرة، فهذا العمل يكتسب طابعا اقتصاديا وفقا لمتطلبات السوق والمحيط ونأخذ على سبيل المثال الحرف، ولا ننسى أن هذه المرأة نجدها أيضا تتمتع بمستوى ثقافي وشهادات عليا. تبقى هذه فرضية نصححها في الميدان، فليس بالضرورة إنشاء المقاولات من طرف المرأة في المنطقة يؤول لنا أن المجتمع عرف تغير في الثقافة فإلى يومنا هذا هناك نساء لا يعملن بفعل التصور الاجتماعي السائد في المنطقة. فنجد بورديوفي دراساته على المجتمع القبائلي.

كل هذه المعطيات تدفعنا لتساؤلات حول المقاولاتية النسوية في منطقة تيزي وزو من حيث العوامل الظروف والكيفيات والأبعاد التي تحيط بالظاهرة.

من خلال فئة الدراسة، نستخلص خصائص النساء المقاولات في العينة، قبل اختبار الفرضيات، من خلال الاشارة إلى الخصائص الديموغرافية، دوافع إنشاء المؤسسة، وأخيرا مدى توفر الخصائص والمهارات المقاولاتية لديهن.

2.3.1. الخصائص الديمغرافية للعينة ومميزاتها

سوف نركز على ثلاثة متغيرات رئيسية تتعلق بالجنس، السن والمستوى التعليمي لأفراد العينة المدروسةأن أغلبية عينة الدراسة المقدرة من فئة النساء، يتميزن بنساء من المنطقة التي قمنا بالبحث فيها بحكم موضوع دراستنا الذي يتعلق بالمقاولاتية النسوية. التي كانت وما زالت موجودة في الثقافة المحلية للمجتمع الجزائري، الذي نشأ في ظل تواجد هذه الظاهرة منذ الأزمان الماضية أين كانت النساء يقمن بالصناعات البسيطة التي تتمثل في الحرف والمهن البسيطة من أجل تحقيق الأمن الغذائي للجماعة الاجتماعية التي ينتمين إليها، فما يمكن قوله إن هذه الظاهرة عرفت تغيرا في أنماطها وأشكالها بحكم التغيرات الاقتصادية التي شاهدتها المجتمعات الإنسانية.

  1. توزيع الأفراد حسب متغير السن: إن أغلبية أفراد العينة، تتراوح أعمارهن بين 30 و50سنة، حيث نجد أن العدد الأكبر من المبحثين. لأن المرحلة العمرية تعتبر المرحلة الأكثر مماثلة للممارسة النشاط المقاولاتي، حيث تمتلك المقاولات في هذه الفئة الخبرة اللازمة لإنشاء المؤسسة وتحمل مسؤولية الربح أو الخسارة والمخاطرة في مجال إدارة الأعمال، هو ما يعني أن أغلب المتوجهين إلى النشاط المقاولات من الفئة النسوية بمختلف الأعمار، في حين لا يتعدى أفراد العينة من الفئات العمرية أقل من 30سنة وأكثر من 50 سنة نسبيا.

  2. توزيع أفراد العينة حسب المستوى التعليمي: بشكل عام، يمتلك أفراد العينة في هذه الدراسة مستوى تعليمي جامعي، حيث وصل عددهم إلى 10 امرأة مقاولة من مجموع 30 من أفراد العينة، بينما بلغ عدد المقاولات من المستوى التعليمي الثانوي ب 9 مقاولة أما ذوي المستوى التعليمي الابتدائي والمتوسط كان يمثل البقية.
    هذا التوزيع لأفراد العينة التي ندرسها، ينعكس على طبيعة النشاطات التي تمارسها كل فئة. نجد أن قطاع الخدمات والحرف يستحوذ على أكبر نسبة من المؤسسات بسبب ميل الأفراد ذوي التعليم الثانوي. إلى المشاريع الخدمية والحرفية الأقل مخاطرة، في هذا الإطار، يمكن تقسيم الأفراد الذين من المحتمل إن يقدموا على الاستثمار عبر تأسيس مؤسسات من حيث مستوى التكوين، وتضم الفئة الأولى الأفراد خريجي الجامعات ويكون لديهم مستوى تعليمي عال، وتضم الفئة الثانية الأفراد الذين لديهم تكوين متوسط ولكنه في غاية التخصص، نجد هذه الفئة بين خريجات مختلف مراكز التكوين المهني. أما الفئة الثالثة تضم الأفراد الذين لا يتعدى مستواهم التعليمي في أحسن الأحوال التعليم المتوسط.

  • وفقا لهذا التقسيم نجد الفئة الأولى لها أكبر الفرص في تحقيق مشروعهن، ثم تليها الفئة الثانية والثالثة. إذ يمكن القول إن تحقيق المشاريع وانجاز المؤسسات يكون نسبيا وهو مرتبط بمستوى طموح الفرد وقابليته لإنشاء المؤسسة وقدرته على إنشاءها. فإذا كانت القابلية للإنجاز والطموح أمرا ذاتيا قد تحدده مميزات تتعلق بالفرد، وتتمثل في الرغبة في إثبات الذات وتحسين المستوى الاجتماعي، فإن القدرة على تحقيق المشاريع يبقى أمرا موضوعيا إلى أبعد الحدود، بالرغم أنه ينبثق من ذاتية الفرد ويتحدد بشخصية المقاول ومهاراته العقلية وطاقته الايجابية والمستوى المعرفي. وهذا ما يحدد القدرة على وضع الطرق والآليات المناسبة لتحقيق وانجاز ما يهدف إليه الفرد فمن مجرد فكرة تتحول إلى مشروع معين في مجال معين يحدده خاصة المجال التعليمي للفرد المقاول إلي ينشأ مؤسسته. هذا ما أشار إليه الباحثين بالدافعية للإنجاز، عندما ركزوا في دراساتهم على الصفات والمميزات التي يتمتع بها المقاول.

  • بناءا على ذلك، نجد أن أفراد العينة من الفئة الأولى، يتجاوز طموحاتهم مجرد تحقيق المشروع وإرشاء المؤسسة، ليمتد إلى مواصلة تحقيق النمو والتوسع، بالنسبة للأعمال التي يقومون بها من نشاطات اقتصادية معقدة، تتطلب قدرا عاليا من الجهد الفكري والحس التنظيمي. فهذه الفئة تسخر كل ما لديها من موارد اقتصادية وبشرية من أجل التواجد الدائم في السوق وتحقيق الديمومة والاستمرارية في مجال العمل وسوق الفرص. هذه الفئة من المقاولات يمتد طموحها إلى تحقيق كل ما يطمحن إليه والتفرد بتحقيق النجاح. فلا تتوقف عن المبادرة برسم الخطط واقتناص الفرص المواتية من أجل التوسيع من مهام المؤسسة وعلاقاتها الداخلية والخارجية من أجل احتكار المنافسة والسوق كما أشار إلى هذا الجانب الباحث في الاقتصاد، الذي يتحدث عن الإبداع والمبادرة في بحوثه المتعلقة بالمقاولاتية (Schumpeter 1935 : 20).

  • أما الفئة الثانية فطبيعة الاستثمار يكون في مجال ضيق نسبيا، ويكون عادة في المجال الذي يشكل ميدان تكوين المقاول. بالتالي تكون فرص النجاح بالنسبة لهذه الفئة عالية، إلا أن المفهوم الذي يعطونه للنجاح يختلف نسبيا عن مفهومه لدى الفئة الأولى التي تتعدى كل المجالات من أجل تحقيق الانفراد. فبمجرد التمكن من إنشاء المؤسسة واستمرارها، يعد نجاحا بالنسبة للفئة الثانية دون أن يكون التوسع الكبير هدفا من أهدافها المباشرة، حيث أن طبيعة التكوين، بالنسبة لهؤلاء المقاولات تؤدي دورا في جعل طموحهم ضمن هذه الحدود، ولا يمكنها أن يخرج عنها إلا إذا توسعت أهدافها وطموحاتها الاقتصادية لا سيما بحكم الأقدمية التي تتولد عنها بفعل التجربة في المجال المقاولات الذي تمارسه المرأة والاحتكاك مع المقاولين الآخرين بفعل الملتقيات والندوات، كذلك التكوينات المهنية التي تقوم بتنظيمها الجهات المختصة في تطوير المجال المقاولات والآليات التي تتدخل في هذا النشاط.

  • في حين أنه بالنسبة الثالثة، فإن الاستثمار الذي تقوم به يكون عادة في نشاطات قد تكون مهمة من ناحية الدور الاقتصادي الذي تقوم به. لكن أفقها الاقتصادي قصيرا نسبيا وتفتقر إلى طاقة التوليد الضرورية التي تسمح لها بالاستمرار، فهذا النوع من الاستثمار يفتقد للطبيعة الإبداعية وتوليد الطاقات، مما يجعل قيمته تتأكل مع الزمن دون أن يكون هناك مصدرا لتجديده. حيث يكون الاستثمار عادة مركزا في أنواع محددة في قطاع الخدمات، مما يخدمها الدور الفعال في التأثير على الدورة الإنتاجية في الاقتصاد، فالطموح هنا لمن يقمن بهذا الاستثمار لا يتعدى حد ضمان العيش في المستوى اللائق يفوق نسبيا المستوى الذي يضمنه داخل الوظيفة.
    بالرغم من التحليل الذي أوردناه، إلا أن هذا التصنيف للمقاولات لا يرقى إلى مستوى التحديد المطلق، على أساس أنه قد يوجد ضمن الفئة الثالثة، أفرادا يتمتعون بروح المقاولات العلية، ويمتلكون القدرات الكبيرة في مجال الأعمال. يوجد من بين أفراد الفئة الأولى من لا يمتلك أي مهارات مقاولاتية.

على هذا الأساس، يمكن أن تقوم السلطات العمومية بوضع آلية للاختيار، لا سيما عند مرحلة الانطلاق، التي تستطيع أن تميز المواهب الفعلية في مجال المقاولات، ومع أن هذا الأمر، يعتبر نسبيا إلا أنه لا يشكل ضمانا للنجاح. الذي يرتبط بعوامل عديدة تتدخل في الوصول للهدف المقاولات، لكنه على الأقل يكشف المواهب التي تمتلك أكبر الفرص في تحقيق هذا النجاح. أما بالنسبة للمؤسسات القائمة فإن السوق يكون كفيلا باختيار المقاولات الذين لديهم القدرة على الاستمرار بتجاوز كل العوائق التي يصادفهن في هذا المجال بالرجوع إلى شخصيتهن ومهارتهن اللائي يمتلكن. فإن تصنيف المقاولات وتحديد طبيعة النشاطات التي تقمن بها وأفقهن الاقتصادي، يرتبط أساسا في رسم السياسات الحكومية. الذي يساعد على تحديد الأولويات في مجال الدعم المقاولات، حيث تتمكن الجهات المعنية في وضع الأولوية في سلم دعم والتشجيع كل من له القدرة على تطوير أداة الإنتاج ويتمتع بأعلى الفرص في التحول من فرد مقاول يعتمد على المساعدة إلى فرد يساهم في تحفيز ديناميكية الاقتصاد. بمعنى أن الأفراد الذين تكون لديهم القدرة في أي وقت على زيادة توليدهم للقيمة المضافة – إن صح التعبير-في المجال المقاولات، وهو الأمر الذي يكون له انعكاس مباشر على زيادة التشغيل. كما يؤدي تصنيف المقاولات إلى تكييف وتحسين برامج التكوين الموجهة لفائدة المقاولين، والتي تمس مختلف أوجه المقاولات، لا سيما في مجال تسيير المؤسسات.

3.3.1 خصائص المؤسسات المدروسة

نهتم بدراسة خصائص المؤسسات الصغيرة، لتحديد توجهات المقاولات بعض الخصائص المتعلقة بعينة الدراسة والبيئة العامة للنشاط المقاولات.

  1. حسب الشكل القانوني: في الواقع، يميل أغلب حاملات المشاريع في عينة الدراسة، إلى تسجيلهم كمؤسسات فردية وهذا لبساطة الإجراءات والقوانين المتعلقة بإنشاء وتسيير هذه المؤسسات من جهة، ومن جهة أخرى بسبب صغر حجم المؤسسة وقلة الإمكانيات المالية، كذلك طبيعة الأهداف المرسومة من طرف المقاولات التي قمنا بدراستها. (مؤسسة فردية ذات شخص واحد، هذا لا ينفي أن مع تزايد الإنتاج والأقدمية يمكن أن تغير المؤسسة من شكلها القانوني بحكم التوسع في المجال والتوظيف.نلاحظ أن جل المؤسسات الصغيرة في العينة المدروسة، تتعلق بمؤسسات صغيرة حيث بلغت 30 مؤسسة بنسبة 100 %. تتوزع على شكل مؤسسات ذات الشخص الواحد ب 20 مؤسسة من مجموع المؤسسات المدروسة. وهي الأشكال القانونية بالنسبة للمؤسسات الصغيرة في الجزائر،هذا التصنيف، يطرح سؤالا جوهريا يتعلق بالعوامل المتدخلة في هذا التوزيع، وهل هو خيار استراتيجيا من طرف المقاولات، أم أنه يرجع ذلك للتوجه الذي تميل إليه فئة الدراسة الذي يتعلق بعدم النمو والتطور، واعتبار المؤسسة فقط كوسيلة لتحقيق الدخل اليومي، كما أشار إليه بعض المبعوثات اللواتي تمت مقابلتهن.

  2. حسب قطاع النشاط : يستحوذ قطاع الخدمات على أكبر نسبة من المؤسسات الصغيرة في العينة المدروسة، ما يعادل 20من مجموع المؤسسات المدروسة، تتمثل أساسا فيبعض المهن الحرة، بالإضافة إلى خدمات التربية، ويليه قطاع الحرف الذي يشمل أساسا الخياطة، التجارة، والحلاقة، وكذلك صناعة الخبز والحلويات، ما يميز قطاع المقولاتية في تيزي وزو
    بالنسبة لقطاعات الفلاحة والصناعة والبناء والأشغال العمومية، حيث لا يتوجه المقاولات الشباب بشكل كبير إلى هذا النوع من المشاريع التي تكون فيها دورة الإنتاج أطول نسبيا، كما أنه تتطلب جهدا بدنيا ولا ننسى أن نسبة المخاطرة فيها قليلة نسبيا مقارنة بالمهن الأخرى التي تستدعي المنافسة والتسويق.

  3. توزيع المؤسسات حسب الأقدمية: تبين الدراسة أن العدد الإجمالي للمؤسسات المدروسة لا زالت في طور الإنشاء وتمثل 15 من مجموع المؤسسات، ولا تتعدى 10سنوات من تاريخ إنشاءها أي أنها مؤسسات ناشئة في المراحل الأولية من كينونتها، وتمثل النسبة الأكبر من العينة المدروسة.نلاحظ أن أكبر المؤسسات لا زالت في الطور الأول من الإنشاء، و7 مؤسسة في الطور الثاني، في حين نجد 8 مؤسسة في الطور الثالث من الإنشاء. يعود ذلك أساسا إلى اختيار العينة المدروسة، التي كان إنشاءها بالاعتماد على هيئات الدعم للمقاولات، حتى يتسنى لنا التحليل الموضوعي للظاهرة، حيث تعامل المؤسسات الصغيرة مع هذه الهيئات يقل كلما زاد عمر المؤسسة وخبرتها.

  4. توزيع المؤسسات حسب عدد العمال: أن عينة الدراسة في مجملها، تتكون من مؤسسات صغيرة ناشئة لا يتعدى عدد عمالها .10عاملا، أما النسبة المتبقية فهي مؤسسات تضم ما بين 1 إلى 5عاملا. وهذا يرجع أساسا إلى التشغيل، وخاصة التشغيل الدائم التي تتعلق بمهمة المؤسسات القديمة النشأة التي تتمتع بالمورد المالي الكافي لخلق فرص العمل والرغبة في التوسع، كما أنه تتميز هذه المؤسسات بأن لديها القدرة بالتأقلم مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي، باعتبار المؤسسة شخص معنوي يتكيف مع الثقافة السائدة وتكون لديها الهوية الاقتصادية والاجتماعية، بما يتماشى مع المحيط الموجودة فيه (نظرية سان سوليو) فهي تكتسب المناعة أمام العقبات والتهديدات، التي يمكن أن تمارسها العوامل الخارجية لهذا المحيط. حيث أن نجاح المؤسسة في البقاء، سوف يجعلها تكتسب الخبرات اللازمة وامتلاك الوسائل الذاتية، التي تتيح لها إمكانات التوسع. بالتالي تتزايد حاجاتها إلى التشغيل من أجل ضمان ذلك. ف المطلوب منها ليس القيام بالتشغيل والمساهمة في امتصاص البطالة. لكن هو التركيز على التقنيات التي تؤدي بها إلى الاستمرار والديمومة، خاصة مع السنوات الأولى من التأسيس. بالتالي الفكرة السائدة في النشاط المقاولات بالجزائر الذي يركز على أن مهمة هذه المؤسسات الناشئة هو التشغيل، تعتبر بفكرة ليست صائبة في المجال المقاولات، سواء فما يخص هذه المؤسسات لأن هدفها الأولي ليس خلق مناصب العمل إنما أولا يجب أن تضمن الكينونة، ولا بالنسبة للتشغيل في حد ذاته، حيث أن إلقاء هذه المهمة على هذه المؤسسات سوف يحملها مسؤولية تتجاوز طاقتها، ويهدد استمراريتها وخلق مناصب العمل الدائمة .لكن هذا لا يفند النظرية القائلة، أن هذه المؤسسات الصغيرة القائمة تستقطب اليد العاملة وتحتاج إلى دعم يختلف عن المؤسسات الناشئة. حيث أنها تحتاج إلى بيئة أعمال مناسبة تسمح لها بالتطور. فإن المؤسسات الناشئة تحتاج إلى المرافقة والتوجيه، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بفئة النساء الشباب تنقصها الخبرة في مجال الأعمال، عند إنشاء المؤسسات في إطار هيئات الدعم التي وضعت لهذا الغرض.

2. مميزات المقاولاتية النسوية

تتمتع منطقة تيزي وزو بكل خصائص البحث العلمي في السوسيولوجيا، فهناك تنوع في المظاهر من حيث الأفراد والجماعات الاجتماعية، كما أن هناك مظاهر المقاولاتية النسوية في المنطقة، ما يخدم بحثنا كما أن النساء المقاولات تتمتع بالقابلية للبحث من حيث السن، المستوى الثقافي، المهنة فكل هذه الملاحظات يمكن أن نجدها في وكالات التشغيل ولمقاولاتي الواقعة في منطقة تيزي وزو.

تعيش المرأة المقاولة في منطقة تيزي وزو، واقعا تواجه فيه تحديات في ظل متطلبات السوق والمحيط السوسيو ثقافي والمهني، ما يشكل عائقا في مجال عملها. كل هذه التحديات تعتبرها المرأة دافعا في تأسيس مشروعها واستمراريته. فهي تتفاعل في المحيط الاجتماعي بكل مؤشرات البنية الاجتماعية، من حيث انتماء هذه المرأة إلى جماعات اجتماعية، تفرض عليها الالتزام بقواعدها من جهة، ومن جهة أخرى يستدعي ذلك فرض وجودها بداخلها والقيام بدورها على أكمل وجه ممكن، وفي حالة حدوث العكس تتعرض للنقد والعقاب ما نسميه القهر الاجتماعي. من جهة أخرى فإن المجتمع عرف عملية التثقيف الذي يتمثل في التقارب الثقافي بين الأفراد بفعل التغيرات السوسيو ثقافية والاقتصادية (Catherine 2014: 13)، والدليل على ذلك إنشاء هذه المقاولات من طرف المرأة التي تقيدت سابقا في العمل التقليدي مثلا الزراعة، النسيج. حيث انحصر دورها في تلبية الحاجات المتعلقة بالجماعات الأولية التي تنتمي إليها، فبفعل التغير الاجتماعي، أصبحت المرأة تطور من هذا العمل، الذي كان تقليديا وبه تبادر لإنشاء مقاولة مصغرة، فهذا العمل يكتسب طابعا اقتصاديا وفقا لمتطلبات السوق والمحيط ونأخذ على سبيل المثال الحرف، ولا ننسى أن هذه المرأة نجدها أيضا تتمتع بمستوى ثقافي وشهادات عليا. فليس بالضرورة إنشاء المقاولات من طرف المرأة في المنطقة يؤول لنا أن المجتمع عرف تغير في الثقافة. فإلى يومنا هذا هناك نساء لا يعملن بفعل التصور الاجتماعي السائد في المنطقة. فنجد بوردي يتحدث عن المعايير الاجتماعية التي تتحكم في المجتمع التقليدي في منطقة تيزي وزو. الذي نتجت عنها تقسيم الأدوار والمحيط الاجتماعي بين الأفراد. بالتالي اتخذت المقاولات عدة أبعاد في المجتمع فهي ليست مجرد مهنة تلبي بها المرأة حاجياته الاقتصادية إنما تعدت المقاولات النسوية هذا البعد التقليدي الذي كانت النساء تتبنى المسار المقاولات من أجل اكتساب مهنة بها تعيل أفراد أسرتها وتضمن مستقبلها.

1.2. البعد الاجتماعي الاقتصادي 

1.1.2. البعد والاجتماعي 

يتم التركيز بشكل خاص، على نظام القيم والمعايير المتبعة في مختلف المجتمعات. فالبيئة الاجتماعية والثقافية، غالبا ما تعتبر عامل محددا للتوجه والفعل المقاولاتي. فالمقصود بالعوامل الاجتماعية والثقافية هي العوامل المرتبطة مباشرة بمختلف البيئات، التي يمكن أن يكون لها تأثيرات على توجهات الأفراد نحو المقاولات فالمحيط الاجتماعي (العائلة، المدرسة، الجامعة، المؤسسة، المهن، الدين والعضوية في المجتمع. في السنوات القليلة، كانت تخرج المرأة للعمل لضرورة معاشية أو نتيجة لضغط اجتماعي أو اقتصادي، أي من أجل مواجهة أمور الحياة ومتطلباتها المتنوعة والمتزايدة، كذلك المتغيرة ومساعدة الأسرة التي تتجه نحو الاستهلاك بصورة عالية. أما في يومنا هذا، فقد أصبحت المرأة تخرج للعمل ليس فقط من أجل كسب العيش في حالة عدم وجود من يتكفل بالإنفاق عليها لسبب أو لأخر إنما لرغبتها في العمل أيضا من أجل تنمية مهارتها والمساهمة في عملية التنمية، لتثبت نفسها لمن حولها أن باستطاعتها أن تجاري الحداثة وبالتالي تكتسب تقدير اجتماعي. فإن المرأة تسعى إلى العمل المقاولات من أجل الرفع من مكانتها الاجتماعية ما يكسبها حرية اتخاذ القرارات داخل الجماعات الاجتماعية التي تنتمي إليها.

وفي هذا الصدد تقول الباحثة كاميليا عبد الفتاح:

« إن الحاجة إلى تأكيد الذات والشعور بالمكان والإحساس بالقيمة الاجتماعية، جاءت في الرتبة الأولى يليها مباشرة الحاجة الاقتصادية لرفع المستوى الاقتصادي والشعور بالأمن حيال ظروف الحياة. فتأكيد الذات والشعور بالمكانة الاجتماعية يستلزم بالضرورة الاستقلال الاقتصادي، وقد كان العمل عموما محصورا في الطبقات ذات الدخل المتوسط من المجتمع التي دفع بها الحاجة الاقتصادية إلى السماح بالنساء بالعمل. أما الطبقات ذات الدخل المرتفع لا تكن النساء بحاجة إلى العمل إلى من أجل تحقيق طموح ورغبة هذه النساء في التميز وإثبات الذات. في نفس الوقت، هناك اختلاف يتجسد في الوضع الاجتماعي بالنسبة للنساء اللواتي ينتمين إلى الطبقات العليا، فهذه الفئة تحضي بامتيازات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وتتمتع بكل التسهيلات الموجودة داخل المجتمع. فالخروج للعمل بالنسبة لهذه الفئة، هو الحاجة إلى التغيير واحتكاكها بالوسط الاجتماعي.»

في هذه الحالة، نستنتج أن المرأة المقاولة تهدف بمشروعها إلى التغيير من نمط المعيشي، سواء من أجل حتمية اقتصادية أو من أجل إثبات ذاتها على المستوى الاقتصادي بالتالي اكتساب المكانة الاجتماعية لأن المرأة في المجتمع الجزائري تعاني من القهر الاجتماعي، الذي يضع المرأة في المرتبة الثانية بعد الرجل الذي يحتمي وراء حقوقه التاريخية وما تعطيه من سلطة على المرأة. كما نجد أن الممنوحة للمرأة هي مقيدة بالمعايير، التي تفرضها الجماعات الأولية التي تنتمي إليها، بالتالي تضيف إلى ملكية الأسرة رصيدا ماليا. وقد ظلت هذه الأفكار والتقاليد جامدة لفترة طويلة، حيث أصبحت المرأة تؤدي دورا جديدا في المجتمع بالإضافة لدورها في الأسرة، لهذا وجدت المرأة أمام تحديات من أجل التوفيق بين هذه الأدوار التي تؤديها المرأة داخل المجتمع بين التوفيق بين المرأة المقاولاتية وبين المهام التقليدي الذي نسب إليها منذ نشأة المجتمعات وألا هي دور الأنثى الذي يعود إلى التقسيم الجنسي للرجل والمرأة داخل المجتمع. وقد كانت هذه الظروف عاملا أساسيا في حدوث تغييرات اجتماعية تتعلق بالاستقلال عن الجماعات الأولية لتكون بدورها جماعة أولية وانفجار إطار الحياة المنزلية للمرأة وتحويله إلى إطار حياة خارجية، بمفهوم أخر خرجت المرأة من الحياة الخاصة إلى الحياة العامة. فإن الأوضاع الاجتماعية الجديدة التي طرأت على المجتمع، تفرض على المرأة مزيدا من المشاركة في النشاطات الاجتماعية والاقتصادية، ما يستدعي من المرأة استثمار وقتها كاملا من أجل أن تكون عنصرا فعالا ومفيدا داخل المجتمع. فأصبحت المرأة لا تتقبل البطالة في أي مرحلة من مراحل حياتها، خاصة مع التغييرات الاجتماعية المتسارعة والانفتاح على العالم. السبب الذي جعل المرأة تبحث عن مجالات، تستحق استثمار وقتها، وفي نفس الوقت تستفيد وتفيد. فالعمل بالنسبة للمرأة أصبح ضرورة لابد منها، ليس فقط من أجل تلبية حاجاتها والأفراد المكونين لأسرتها، إنما هي متأكدة أن عدم مسؤوليتها ماديا نظرية لا تنطبق على الواقع الذي تعيشه، بالتالي تعمل اليوم من أجل التغيير من واقعها الاجتماعي الذي يفرض عليها السلطة الأبوية التي تعتمد على الخضوع والسلطة الذكرية يقول الكواكبي: « إن التربية عملية كبرى تشارك فيها الأسرة والمدرسة والظروف الاجتماعية» فيمكننا القول إن التربية هي تعبير عن المستوى العام للأمة، التي تتأثر بالبني القائمة عليها. فعبر عملية التربية، يتعلم الأفراد الأدوار الاجتماعية، التي يتوقع أن يحققها في أوضاع اجتماعية محددة. يتضمن الدور الاجتماعي للمرأة، منظومة من أنماط السلوك التي تمارسها المرأة بغض النظر عما تجهله من أراء وتوجهات شخصية. لأن دور المرأة حقيقة اجتماعية، فإن المجتمع بكل أجزاءه المتكونة من الأسرة والمدرسة والشارع، يشاركون في تقديم معايير واضحة لاحتواء فعلها وتوجيهه. فالمرأة في المجتمع الجزائري، تتعرض من خلال المراحل الأولى لحياتها الأسرية والمدرسية إلى إدماجها في المجتمع، وهذا المجتمع يتقيد بحدود لا يمكنها أن تتجاوزها في حياتها العملية والمهنية في المراحل القادمة من حياتها. بطريقة أخرى يجعلها المجتمع تدرك عقدة النقص منذ نشأتها، فيدفعونها إلى المجالات المهنية التي لا تعزز من مكانتها الاجتماعية والاقتصادية بالتالي تتدارك هذه العقدة، هذا ما كان يحدث في السنوات القليلة الماضية، فتقول المقاولة تسعديت :

«حتى الرجل عندما يريد الزواج بامرأة عاملة يشترط عليها أن تعمل فقط في مجال التعليم والتربية، أو على الأقل في القطاع العمومي... ولا يفضل أن تكون مقاولة من أجل ألا تسلبه سلطته...’’ فهي تمتلك الخصائص التي تجعلها مسؤولة، بالتالي تتمكن من فرض سلطتها وقوتها، فتضيف المقاولة « المرأة المقاولة قوية وجريئة. تفقد الرجل موهبته داخل البيت» »

أدت هذه التصورات الاجتماعية إلى إعطاء نظرة خاطئة للمرأة المقاولة التي خرجت من هويتها التقليدية التي تنصهر داخل المجتمع الذكري وتسعى هذه المرأة إلى الاستحواذ على القدرات التي تفتقدها. فلا يمكن تقبل بصورة موضوعية مشاركة المرأة معه في العمل الذي كان المجتمع ينسبه إلى الرجل فقط. فعندما تترسخ نظرة تفوق الرجل على المرأة لا يمكن أن تكون النظرة موضوعية إلى إنتاجية كل طرف بالرغم من انعدام الفوارق بينهما، إنما المجتمع من أعطى هذه النظرة الجنسية للعمل، فالتقسيم الحقيقي بين الرجل والمرأة على الصعيد الفيزيقي والوظيفة البيولوجية لكل منهما. أنما المجتمع من يطلق الأحكام المعيارية على المرأة التي تظهر كلما زاد سنها، وتبنت مراكز داخل المجتمع، حتى أن في بعض الأحيان تتعمد أن تعيش ضمن هذه القيود الاجتماعية والرفض لهذه الأخيرة، يؤدي بها إلى الخروج عن الجماعة والمعايير القيمية التي نشأت عليها ويؤدي ذلك إلى التخلي عنها وتتعرض للعقاب الذي يختلف حسب النماذج التربوية. مع كل هذه المعيقات الاجتماعية تبقى المرأة تتمتع بشخصيتها المستقلة وخصائصها المتفردة، التي تنمي لديها القدرة على الاستقلال في فكرها وفعلها وترفض القهر الاجتماعي، وتحاول أن تؤدي من دورها من خلال المهام التي تنظر أنه بحاجة إليها. لأنه تمتلك القدرة على استيعاب من تمكنها التفرد بذاتها، حيث استطاعت أن تتجاوز بعض القيم التربوية المبنية على التمييز، هذه الأخيرة التي جعلت منها المرأة تحفيزا لدورها الفعال في التنمية والتطور من خلال تبني مشاريع خاصة بها وتعمل على تحقيقها في أرض الواقع.

2.1.2. البعد الاقتصادي 

تتجه أغلبية النساء المقاولات نحو قطاع الخدمات ويركزن في الأنشطة التي تشكل امتدادا للدور التقليدي الذي تقمن به في المجتمع من قبيل الحياكة والخياطة والصناعة الغذائية. ويرجع ذلك إلى أن هذه الأنشطة لا تتميز بالصعوبات الكبيرة وهي النماذج المثالية التي تؤدي بالنساء الدخول في المسار المقاولات، واستقطاب الزبائن الأساسين للتوسع في هذا المجال، كما أن أغلبية النساء لا تتوفر على الإمكانيات المالية الكبيرة، لهذا يفضلن المشاريع التي لا تستدعي التمويل الكبير ومواجهة العراقيل في منتصف المشاريع كما أن هذه الأنشطة تفتح لهن المجال لممارستها بطريقة غير رسمية، وتمكنهن من ممارسة دورهن الاجتماعي والمهني بطريقة لا تنقص من مسؤولية المرأة اتجاه جماعتها الأولية واتجاه الزبائن، خاصة أن هذه الأنشطة تجعل النساء تمتلك امتيازات مطلقة بفضل المعرفة المسبقة بالحاجات المسبقة لهذه المهن التي يمكن أن نعتبرها تقليدية اكتسبت حيزا جغرافيا ومحيطا اقتصادي مستجد بفعل التغيرات الاقتصادية التي شملت هذه المهن من خلال أنه أصبحت تمارس خارج البيوت بمقاييس اقتصادية خاصة مع التطور الحضري، كما أنه تعتبر من الحرف على المستوى الاقتصادي وتعتبر مشاريع اقتصادية حتى أنه تتلقى النساء الحاملات لهذا النوع من المشاريع الدعم الكافي من خلال البرامج والمؤسسات المختصة بالدعم المقاولات. حيث اكتسبت هذه المهن المكانة والاهتمام من طرف العملاء الاقتصاديين ومن طرف المستهلكين الذين تزايد عددهم بفعل التنوع في مجالات الاستهلاك وتزايد الحاجات الاقتصادية لأفراد المجتمع. فإن هذه المهن اكتسبت القيمة المضافة، إذ نلاحظ بروز فئة جديدة من النساء اللواتي قمنا بدراسات وتكوينات في هذا المجال.كما تستمر النساء في الولوج في مجالات عدة وتقوم بدراسات عليا، من أجل التوجه إلى القطاعات العصرية مثل المكاتب الاستشارية، قطاع السياحة. يرجع هذا التوجه في رغبة منهن من استثمار الرأسمال المعرفي، التي اكتسبته من خلال الدراسات الجامعية والتكوينات التي قمنا بها، بالتالي يتجهن لهذه المهن من أجل استثمار قدراتهن في النشاط المقاولات. فالنساء المقاولات في هذا المجال يكتسبن الريادية في الأعمال العصرية دون الحاجة إلى تراكم الأموال، لأن هذه المهن لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة. كما تساهم في الخروج من البطالة التي تطارد خريجي الجامعات والدراسات العليا وتكسب هؤلاء النساء الأموال والمرد ودية الكبيرة دون إلقاء الجهد الكبير وتحمل المسؤولية الكبيرة، كما أن المنطقة التي تتواجد فيها هذه المقاولات تعطي لهم الفرصة بالولوج في هذا المسار من اجل تحقيق الهدف منه من جهة ومن جهة أخرى استغلال خصائص هذا المجال في الانطلاق فيه. الذي لا يقيد من المرأة المقاولة، فهي تختبر من قدراتها وتنميها بالعمل الميداني وتتيح لها الفرصة في بناء علاقات اجتماعية تجعلها توسع من مجال عملها وتستقطب العديد من الطبقات والمستهلكين. كما أن هذا العمل يتميز بالديناميكية حيث تجعل من المرأة المقاولة فيه تميل إلى الإبداع والابتكار لأنها تسعى إلى الأفضل بالنسبة لها ولمؤسستها من أجل الاستمرارية والاحتكار في النشاط الذي تمارسه وتتمتع بالحرية الذاتية في أنماط الأداء بطرق تناسبها وتجهيزات جديدة تجعلها تطور من أفكارها ومشروعها بطرق غير مكلفة على الصعيد المالي والاقتصادي كما تتحكم في وضع مؤسستها من كل الجوانب.

2.2. الواقع الاجتماعي للمرأة المقاولات في المجتمع الجزائري

1.2.2. متطلبات المحيط السوسيو ثقافي 

تواجه المرأة المقاولة في المجتمع الجزائري بعض التحديات التي لا تختلف عن كثيرا عن تلك التي تعاني منها النساء في البلدان الأخرى، وكذا رجال الأعمال. غير أن المرأة المقاولة في الجزائر تأخذ طابعا خاصا، بفعل الخصوصيات التي يتميز بها المجتمع الجزائري عن غيره من المجتمعات الإنسانية. يرجع أساسا إلى مستوى التنمية وتطور القطاع الخاص وقدراته على إدماج قوى جديدة نسائية، في كل المجالات التي ترتبط بالمقاولات النسائية. هذه التغييرات الحاصلة أدت إلى ظهور معوقات تواجه هذه المرأة، ترتبط بممارستها لمهنة حرة ذات طابع سوسيوثقافي مرهون بالثقافة المحلية التي تسودها معتقدات خاطئة تنتسب إلى الدين من جهة وللعادات والتقاليد من جهة أخرى. وفي هذا الشأن تقول ياسمين: إن المرأة المقاولة في الجزائر هي باستمرار في مواجهة الصعوبات والعراقيل، كونها تنتمي إلى مجتمع محافظ، تربى على الخضوع الذي يمارسه الرجل على المرأة. ومن أبرز الأساليب التي استعملت في وجه المرأة إلى ميدان المال والأعمال استغلال الدين يجعله يتماشى وأهواءهم. فمنهم من جعل من الدين حاجزا أمام المرأة التي تطمح إل دخول عالم الأعمال. ومن ناحية أخرى، استغلت العادات الثقافية والاجتماعية لكبح هذا الطموح. فمثلا المرأة في الجزائر لا يسمح لها بالخروج ليلا من أجل المشاركة في تظاهرة عمل أو عقد شراكة من شأنه أن يطور من عملها (عشاء عمل). فالعادات والتقاليد تلعب دورا أساسيا في تحديد، من يمكنه أن يصبح مقاولا داخل المجتمع لأن سلطة الرجال تؤثر على القرارات المهنية للنساء. بالإضافة إلى هذه الصعوبات تواجه المرأة المتزوجة مسؤولية مزدوجة، يتعلق الأمر بتربية الأولاد والاهتمام بالأسرة على أكمل وجه، خاصة أن التكفل بالأطفال يمنع المرأة من تكريس وقت كاف لنشاطها المهني، حيث تغفل المرأة بقيام بدورها كأم التي تتمثل في وظيفتها الطبيعية داخل المجتمع، كما أن قيامها بعدة أدوار داخل المجتمع يتطلب كل دور المسؤولية اللازمة من أجل أداءه بصورة كاملة. فهي مطالبة بالتوفيق بدورها كزوجة، أم، أخت وكمقاولة تتحمل مسؤولية عملها وتوسع من مشروعها المهني وتطور في مساره المقاولات نحو الاستمرارية والتفوق فيه. بالتالي فهي مخيرة بين حياتها الزوجية ووظيفتها التربوية وبين طموحها ومشاريعها من أجل تحقيق ذاتها في المجال المهني. فهنا يظهر التحدي الحقيقي للمرأة المقاولة فمن جهة هناك شروط موضوعية تستدعي منها الالتزام بمهنتها، والأخذ بعين الاعتبار كل الشروط التي يجب أن تتوفر من أجل النجاح في مشروعها والاستمرار فيه. بينما من جهة أخرى، يستدعي منها للقيام بمهمتها الاجتماعية داخل جماعتها الاجتماعية وإعادة إنتاج لدورها التقليدي. بالتالي فالمرأة التي تتمتع بالاستقلال المادي، تعتقد أن هذا الجانب يؤدي بها إلى تحقيق من ذاتها وتثبت قدراتها وحريتها في التصرف والتحكم في ذاتها، حيث تكتسب هوية اقتصادية من خلال العمل المنتج في المجتمع. لكن يبقى أن مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي لا يمنع من ترسيخ وزوال الثقافة السائدة التي تحكم عليها بتلك المعايير التي تجعل منها مصدرا لاكتساب المال. فمهما كانت التغييرات التي طرأت على المجتمع الجزائري فإن العلاقات بين الجنسين مازال يطبعها النموذج التقليدي للنوع الاجتماعي ولو نسبيا. لأن هذا النموذج يركز على أهمية الأسرة كوحدة اجتماعية رئيسية مقارنة بالفرد، فالمرأة المقاولة باعتبارها فردا داخل المجتمع لديها هذا التصور الذي يطغى على الذهنيات، فمن منظور اجتماعي استقرار المرأة يعتمد على تكوينها لأسرة مستقرة بجانب زوجها وأطفالها وتحسن من دورها في التنشئة الاجتماعية وتدبير لشؤون أسرتها. هذا هو المكسب الحقيقي للمرأة ‘’لالة نساء’’ في التصور الاجتماعي السائد في الثقافة المحلية، فبالرغم من أنها تبدع في عملها وتبتكر فيه وتخلق مشاريع على الصعيد الاقتصادي وتشارك في الحياة العامة، لكن يبقى الرأسمال الذي لا ينتهي، يتعلق بأسرتها وانجازاتها في المجال العائلي. ما يثبت هذا التصور هو بالرغم أن المرأة تحقق نجاحا بإنشاء مؤسستها وتوسع من مشروعها، إلا أنه لا تفقد طموحها في تكوين أسرة. لأن بطبعها تبحث المرأة عن تحقيق الاستقرار الذاتي، فالعمل في مجال المقاولات يحقق لها الاستقرار المادي وحب الذات والإثبات لقدراتها التسييرية والتنظيمية فقط ولا يضمن لها إنشاء أسرة ووضعية اجتماعية. فالمرأة المقاولة في الجزائر ما زالت تعيش في إطار المجتمع وتقاليده، فإن تعليمها وتكوينها وخروجها إلى ميدان العمل الحر لم يحدث تغييرا في النظرة السائدة بداخله. فالأدوار داخل الأسرة مازالت غير متكافئة، بالتالي هي التي تقوم بالدور الأهم بداخلها. ما يخلق حاجزا أمام المرأة المقاولة، ولو نسبيا بالتكافؤ بين عملها وأسرتها. لذلك يصعب عليها التفاعل مع البيئة المقاولات رغم تكوينها وثقافتها ومهما اكتسبت إرادة وقوة في الوصول قدما.

2.2.2. التحديات المهنية 

هذه العوائق الاجتماعية تقابلها أخرى اقتصادية تقف أمام تمكين المرأة أمام المسار المقاولات التي تتعلق بتواضع خبرتها في مجال المعاملات المالية وما يتطلب من ضرورة الإلمام بمختلف الخدمات المالية وأنظمة التعامل مع البنوك، كما تعاني المرأة المقاولة من صعوبة التمويل الذي يحول دون اقتحامها وبقوة هذا المجال. كما أنه يعيق ذلك التي تريد التطوير من عملها وتوسيعه، فيضل مقتصرا على المجالات الصغيرة ذات الرأسمال البسيط، التي لا تتطلب الكثير من التمويل والنفقات. لأن الحصول على تمويل كبير يخضع إلى ضمانات تعجيزية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمرأة التي لا تملك موردا أخرا غير هذا النشاط الذي تزاوله. فإن التعاملات مع البنوك تتطلب مصدر مالي معتبرا من أجل الحصول على القروض الكبيرة، كما تتقيد هذا النوع من القروض مدة زمنية معينة واسما تجاريا معروفا من أجل زرع الثقة والحصول على الفوائد الكبيرة.فينحصر في أغلب الأحيان مصدر التمويل على القروض الصغيرة، ما يجعل الكثير من المقاولات النسائية تميل إلى الأنشطة البسيطة مثل التجارة والخدمات والصناعة التقليدية.

ومن التحديات التي تواجهها المرأة المقاولة عدم إعطاء لها الفرصة من حصولها على تكوينات وتدريبات في المجال الذي تمتهنه، ما يجعلها تكون على دراية بالسوق والجهات المنافسة والأسعار. فقلة الدورات التدريبية تقلل من نشر الفكر المقاولاتي وتنميته لدى المرأة المقاولة، ما يؤدي إلى تمكن المرأة في هذا المجال وإبعادها عن مراكز القرار التي تجعلها عنصرا ينفذ أكثر من أن يقرر في مجالها.

بالرغم من المحاولات التي قامت بها المرأة في مجال المقاولة والتطورات التي شهدتها، وأن كانت بطيئة، تخللتها جملة من المصاعب والعراقيل التي تحد في بعض الأحيان من مشاركة المرأة في النشاط المقاولاتي وأحيانا أخرى في مقدرتها على مواصلة نشاطها

خاتمة

إلى يومنا هذا، ما زالت المرأة في الجزائر تتجه إلى المهن التي لا تتعارض مع دورها في البيت، والحاصل أن عمل المرأة يكاد ينحصر في مجالات تقليدية معينة، العمل الخدماتي والتربية والتمريض، لا يفضلن الأعمال التي تتطلب التسيير والسلطة والقيادة. يعود السبب إلى ذلك إلى أن المرأة المقاولة في الجزائر لا تتحمل المسؤوليات الكبيرة، لأنها لم تحضر لهذا العمل داخل الأسرة والمجتمع، إنما فقط لتولي مسؤوليات البيت والتربية. يعتبر المجتمع المسؤول الأول عن هذه الوضعية التي وصلت إليها المرأة. لأنه لم يتوصل إلى حقيقة تمكن المرأة من القيام بالأعمال التي كانت مخصصة للرجل.

على هذا الأساس، فإن الوسط الاجتماعي والثقافي الذي تعيش فيه المرأة في المجتمع له تأثير على نوعية النشاطات التي تقوم بها المرأة، فالوسط العائلي يوجه المرأة للتخصص في بعض المهن ويبعدها عن الأخرى. أكثر من ذلك فإن المرأة المقاولة في المجتمع الجزائري لا تسعى إلى الوصول إلى المراتب الأعلى دون النظر إلى التصورات الاجتماعية السائدة إنما تتقيد دائما بالضمير الجمعي الذي يحتم عليها البقاء في نفس المجال الاجتماعي الذي يفرض عليها العادات والتقاليد من أجل الحفاظ على مكانتها التقليدية بالرغم من أنها تعددت عليه أدوارها ومهامها في المجتمع. أهم مؤشر لهذا التغيير هو خروجها للعمل خارج المنزل ثم تبنيها للمشاريع الاقتصادية من أجل إثبات ذاتها في هذا المجال. هذا الخطأ الذي ترتكبه المرأة في هذا المجال. فمن جهة هناك السياسة الاجتماعية التي جاءت بها وكالات الدعم المقاولات التي تهدف إلى خلق مناصب الشغل، من أجل امتصاص البطالة ومن جهة أخرى، نجد هذه المرأة تتبن المقاولات من أجل إثبات ذاتها داخل المجتمع. بالرغم من أنها لا تحتاج إلى ذلك فهي فرد موجود منذ موجود الرجل داخل المجتمع وتقوم بالمهام الصعب منذ نشأتها من خلال الأعمال المنزلية وتنشئة الأولاد وتربيتهم.

Abdelfettah Hassina. L'entrepreneuriat féminin dans la ville de Bejaia entre défis et contraintes. Université Bejaia,2013

Addi Lahouari. Les mutations de la société Algérienne, familiales et lieu social dans l'Algérie contemporaine. Ed la découverte, Paris, France,1999.

Ait Sellamat Fairouz. 2013. Étude sociologique de la trajectoire des femmes entrepreneures de la région de Bejaia, cas pratique : les femmes créatrices des PME dans la région d’AKBOU. Université de Bejaia.

Arborio Anne Marie. Olivier Martin. 2015. L’entretien compréhensif en sociologie. Armand Colin. Paris.

Benfeldja Giat. 2013. Contraintes socioculturelles des femmes entrepreneures en Algérie. Conférence université d’Oran

Bourdieu-Pierre. 1998. La domination masculine. Le seuil. Paris.

Bourdieu Pierre. 1980. Le sens pratique. Éd Minuit, Paris.

Catherine Nicole. 2014. Dynamisme entrepreneurial des femmes, étude de cas de développement d’entreprise. Université de Bordeaux.

Claire Bernard Caroline LE Moign .2013. L’entrepreneuriat féminin, centre d’analyse stratégique

Chauvin Pierre, Grossitti Michel, Zatio Pierre. 2014. Dictionnaire sociologique de l’entrepreneuriat. Éd Presse Sciences Po.

Fayolle Alain. 2001. « D’une approche typologique de l’entrepreneuriat chez les ingénieurs ». Revue de l’entrepreneuriat, v 1.

Gillet Anne.2003. Les femmes créatrices de PME en Algérie, motivations, parcours socioprofessionnel et stratégie d’existence. CNAM.

Hernandez Émile Michel.2014. L’entrepreneuriat, approche théorique. L’Harmattan. Paris.

Lee Gosselin Hélène.2008. Les femmes entrepreneures et l’argent. Université Laval.

Scumpeter, JA. 1935. Théorie de l’évolution économique. Ed Dalloz, Paris.

Tremblay Diane Gabrielle. 2003. Innovation, management et économie : comment la théorie économique rend elle compte de l’innovation dans l’entreprise. Télé-université Québec.

ثيزيري محتوت

جامعة مولود معمري

شاوش حميد

جامعة مولود معمري

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article