مقدمة
أصبح الحديث عن القرية الكونية، إشارة إلى تصغير الكبير أي العالم و تكبير الصغير أي الفرد، فالعالم أصبح قرية، مما منح الكثير من الوهم للأفراد على التجوال فيها بسهولة حيت الدخول والخروج متى يشاء ودون أي عناء، بمجرد الدخول إلى القرية - الفضاء الصغير والمعزول والمعروف بسكانه وتضاريسه وحتى تفاصيل حياته اليومية - فان الزائر سيضيع وربما يجد صعوبة من الخروج نظرا لتعقد مسارات التفاعل داخل شبكة تلتهم كل شيء بما فيها التهام الهويات الصلبة، ما يؤكد أن الهوية الرقمية هي هوية متغيرة غير مستقرة هو أن اغلب زوار ومواطني القارة الزرقاء لا يكشفون على أسمائهم وعن هوياتهم الحقيقية، وهو أمر يكشف إحدى آليات تفكيك الهويات الأصلية وإذابتها في فضاء لا متناهي، فكثير ممن يرتادونها لهم أسماء مستعارة ووجوه ليست وجوههم، وبعضهم له أكثر من حساب بأكثر من هوية وفق مصالحه ووضعيته الاجتماعية، هذا ما يؤكد أطروحة المفكر ريد بحيث اعتبر أن الفضاء السايبري يستخدم كملعب للذات حيت مجال الحرية متسع وكبير وانه فضاء بلا حدود، في حين تعتبر الهوية الرقمية شكل جديد من المغامرة الذاتية النوعية، أو ضغط للذات المعطوبة لما بعد الحداثة أي الذات التائهة الباحثة عن وجودها ضمن الشتات والمنسي والهامشي والمبعد.
عصرا أصبح الفرد فيه لا يسعى إلى الاقتراب من البعيد إلا ابتعادا عن القريب، انه لا يدنوا من الغائب إلا فرارا من الحاضر ولا يتواصل مع البعيد إلا هروبا من القريب، انه لا يتصل إلا لكي لا يتواصل، وبتالي تعزيز بما يعرف بالاغتراب بعد ذلك الوهم بالتحرر النسبي لمستخدم شبكات التواصل الاجتماعي في علاقاتهم بالمكان والجسد والوضع الاجتماعي والذي هو بالأساس تحرر سلبي بمفهوم فروم أريك، اذ يتيح للفرد نوعا جديدا من الممارسات والمتمثلة تحديدا في اصطناع هويات رقمية بعيدة عن نوعهم الاجتماعي، وإدارتها بما يخدم رغباتهم في التعدد الهوياتي والإقامة خارج الذات، إن هذا التلاعب بالهويات لهو في الأساس شكل من أشكال الاغتراب الذاتي فالفرد في محاولته أن يكون أمينا لهويته الرقمية يسقط في فخ الاغتراب الذاتي، إذ ليس من المؤكد أن القفز على أحد محددات النوع الاجتماعي يساعدك على تعميق الأنا بل على العكس من ذلك ففي اغلب الأحيان ما يقوم بتحييد الأنا الفعلي والاتجاه صوب اغتراب الهوية، حيث تنشطر الذات على نفسها وتتحول إلى شظايا مبعثرة تقودها ظروف خارجية.
وبناءا على ما سبق ذكره، تحاول هذه الورقة البحثية البحث عن الهويات المغتربة المقيمة بشبكات التواصل الاجتماعي من خلال الإجابة على سؤال الإشكالية التالية:
-
ما هي أبعاد ومؤشرات الاغتراب الهوياتي للمستخدم انطلاقا من المقاربة النظرية للاغتراب لدى أريك فروم؟
1. الجانب المنهجي للدراسة
1.1. أدبيات الدراسة
1.1.1. التساؤلات الفرعية للدراسة
-
ما مفهوم الاغتراب الهوياتي؟
-
ما طبيعة الهوية الرقمية؟ أي ذات أصلية أم زائفة؟
-
ما هي علاقة الهوية الرقمية للمستخدم بطبع المجتمع الافتراضي؟
2.1.1. أهداف الدراسة وأهميتها
-
أهمية الدراسة: بمجرد التمكن من فهم المعاني والمستويات المختلفة التي بصددها أصطلح مفهوم الاغتراب الهوياتي، فان علماء الاجتماع والإعلام والاتصال سيكون بوسعهم استخدام الاغتراب على النحو الأفضل كمتغير جوهري في مناقشة السمات الأخرى للتغير البناء الاجتماعي.
-
أهداف الدراسة:
-
الوقوف على مفهوم الاغتراب وأزمة الإنسان ذو البعد الواحد.
-
البحث في ملامح اغتراب الذات الرقمية.
-
الكشف عن محددات النوع الاجتماعي بداخل الفضاءات الافتراضية.
-
الكشف عن أهم الهويات التي يجري الترويج لها في الواقع الافتراضي وفي مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص.
-
التعرف على الفئات التي تهتم بمسائل الهوية.
-
البحث عن علاقة الفرد بهويته الرقمية وان كان مخير أو مقيد بداخل هذه الفضاءات الرقمية.
3.1.1. نوع ومستوى الدراسة
تندرج الدراسة الحالية ضمن الدراسات الاستكشافية الاثنوغرافية التي تحاول أن تستكشف حقيقة تجليات الذات ضمن الفضاء الافتراضي وحيثيات تشكلها من خلال رصد لبعض الهويات المضطربة التي تم التعرف إليها بشكل صدفي وملاحقتهم وتتبع صفحاتهم وتعليقاتهم طوال مدة تتراوح ما بين 28 أفريل إلى غاية 28 جوان من خلال الاعتماد على أداتي الملاحظة بالمشاركة وأداة المقابلة المفتوحة مع مفردات العينة، والتي تمثلت في 26 حالة تعيش الاغتراب من بينها 18 من جنس الإناث للإجابة على تساؤلات الدراسة والخروج بالنتائج العامة وبالتوصيات.
4.1.1. منهج الدراسة
ترتكز هذه الدراسة على المنهج الاثنوغرافي المعتمد على الاستقصاء الطبيعي والذي يتم بجمع بيانات المفحوصين من الحقل أو الميدان واستخدام مثل هذه المناهج يمدنا ببيانات دقيقة وواقعية عن مجتمع الدراسة.
فالمنهج الاثنوغرافي هو من المناهج الكيفية التي تعتمد على أساليب بحثية معينة تميزه عن المناهج الكمية الامبريقية خاصة فيما يتعلق بطريقة البحث والتقصي لدى المبحوثين ضمن سياقاتهم الاجتماعية البيئية (Hammersley & Atkinson, 1995: 25)، كما يعرف البحث الاثنوغرافي بأنه طريقة أو أداة لفهم أساليب وطرق مجتمع ما في الحياة اليومية، وذلك من خلال معرفة أفكار أعضائه ومعتقداتهم وقيمهم وسلوكياتهم، وما يصنعوه من أشياء وكيف يتعاملون معها ويتم ذلك عن طريق الملاحظة في الأوضاع الطبيعية لحياتهم؛ فالبحث الاثنوغرافي يركز على وصف السياق دون محاولة من الباحث فرض نظامه أومعتقداته على الموقف البحثي .(بوغازي، 2012 : 45)
فأمام موضوع يعالج عالم افتراضي رقمي كميدان بحث ويدرس الحسابات الشخصية كعينة بحث، فقد وجدت الباحثة نفسها أنه من المناسب دراسة الموضوع من خلال المنهج الاثنوجرافي، من أجل جمع معطيات كافية ودقيقة، فقليلة هي الدراسات الأجنبية المستخدمة لهذا المنهج في دراسة هذا الفضاء الافتراضي، وتكاد تكون منعدمة في البلاد العربية وهكذا جاءتنا فكرة أن يكون بحثنا عمليا تحليليا من أجل حصر هويات المستخدمين المغتربة من خلال تفاعلها في هذا العالم الافتراضي، ودراستها وهي في وضعية تقمص.
2.1. أدوات جمع البيانات
إن نجاح أي بحث علمي يرتبط بمدى فعالية الأدوات التي استخدمت في جمع البيانات حول مشكلة الدراسة التي تساعد الباحث في بحثه حيث ترتبط هذه الأدوات بموضوع البحث والمنهج المستخدم في الدراسة، كما يتوقف نجاح الباحث إلى حد كبير على استخدام أدوات البحث بكل فعالية، وذلك من خلال الإحاطة جيدا بالأدوات والطرق التي يستخدمها للوصول إلى نتائج مرضية والإجابة عن تساؤلات الدراسة بأقل وقت وجهد وتكاليف.
فالباحثان اعتمدا على أداتين التي تتلاءم ومنهج الدراسة الحالية وهمت كما يلي:
-
الملاحظة بالمشاركة على الخط on line : وهي من أهم أدوات المنهج الاثنوجرافي، إذ يعتمد هذا النوع من الملاحظة على اشتراك الباحث في حياة الأفراد المعنيين بالدراسة، فيقوم بملاحظتهم في وقت يكونون منشغلين بنشاطاتهم، فهي محدودة، إذ ترتبط بزمان ومكان النشاط، وتعرف بأنها : تلك الملاحظة التي يقوم بها الباحث بمشاركة واعية منظمة حسبما تسمح به الظروف في نشاطات الحياة الاجتماعية وفي اهتمامات الجماعات بهدف الحصول على بيانات تتعلق بالسلوك الاجتماعي، وذلك عن طريق اتصال مباشر يجريه الباحث من خلال مواقف اجتماعية محددة (عباد، 2006: 24)، كما هو الحال في دراستنا هذه التي اعتمدنا فيها على الملاحظة بالمشاركة من أجل متابعة الموضوع عن قرب والاحتكاك بأفراد مجتمع البحث، وباعتبارنا نملك حسابا إلكترونيا بموقع الفايسبوك فإن العملية لم تكن صعبة من ناحية الاحتكاك بالمجتمع المبحوث ومراقبته وسط بيئته الافتراضية التي تشهد تفاعلا كبيرا من قبل المشتركين فيها ، فقمنا على ذلك الأساس ببناء شبكة ملاحظة عرضنا من خلالها بشكل مفصل جميع التفاعلات التي تحدث بين الأعضاء حول مواضيع مختلفة تم نشرها عبر صفحة الباحثة بالفايسبوك نوردها مفصلة في الفصل الأخير من هذه الدراسة.
-
المقابلة على الخط on line : إلى جانب الملاحظة يحتاج الباحث في مجال الدراسات الاثنوغرافية لاعتماد تقنيات المقابلة على مستويات مختلفة واعتماد الحوار للكشف عن الارتباطات العلائقية بين أفراد العينة المحيطة من أجل القدرة على تفسير مظاهر التمايز والتماثل والتقاطعات في الممارسات اليومية، وتتمثل هذه الطريقة في استخدام مجموعة أسئلة تتكون من مجموعة من المؤشرات التي وضعت بدقة حول موضوع معين وفي معظم الأحيان تشمل الاستمارة كذلك الإجابات المحتملة أو بمعنى أصح خيارات للإجابة بحيث يمكن ملؤها بسرعة و تفريغها في جداول، وعلى الباحث أن يقرأ كل سؤال أمام الشخص المراد دراسته ثم يقوم بتسجيل إجابته، ويتم ذلك في الغالب بوضع علامة أمام إحدى الإجابات المكتوبة، ويلاحظ أن قراءة الأسئلة يجب أن تتم بصورة محايدة بحيث لا تؤثر على إجابات المستجوب. (رحومة ع.، 2008: 45)
فالمقابلة هي أداة لا تقل أهمية عن الأولى حيث تم الاعتماد على نوعين من المقابلات اخترنا المقابلة الالكترونية الموجهة والتي تم تصميمها عبر خدمة « غوغل درايف »، كانت استمارة مغلقة ومفتوحة مع توجيه دعوات إلكترونية للتفاعل معها عبر شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك بتاريخ 20 جوان 2020 وقد تفاعل مع هذه الاستمارة 26 مستجوب، أما المقابلة غير الموجهة فتمت مع 16 مستجوب، وهم من أصدقاء الباحثة تم اختيارهم قصدا وثم اللجوء إليهم بناء على نتائج الأجوبة الخاصة بالاستمارة الالكترونية، لاسيما المستجوبين الذين أكدوا أنهم هويتهم الرقمية لا تمثل هويتهم الحقيقية في شبكات التواصل الاجتماعي، وهي مقابلة التي اعتمدها (كارل روجرس) 1942 لأنها تشجع المبحوث على الإجابة الحرة والتلقائية والعفوية وتظهر فيها الاستجابة طبيعية حرة، كونها تهدف إلى معرفة المشكلة بطريقة موضوعية. (قسايسية، 2011 : 48)
وقد عمل الباحثان على تنظيم المقابلات حسب جدول زمني خصص لكل مستخدم، حيث سمحت لهما مختلف المقابلات التي أجرتها مع مستخدمي شبكة الفايسبوك من الخروج بمجموعة من المواضيع التي تمحورت حواراتها حول أربعة محاور أساسية وهي :
-
ماهية شبكة الفايسبوك والحساب الشخصي لدى المستجوبين من العينة: وهي الكيفية التي يدرك بها المستخدم من العينة عن ماهية تواجده في هذا العالم وعن علاقة هذا الأخير بهويته الرقمية عبره، وما محله هو كمستخدم أمامهم جميعا.
-
أسباب دخول للفاسبوك بهوية مستعارة والحكاية التي يعطيها المستخدم عنه: وتدور حول طرق عرض هويته بالفايسبوك، أنواع إسقاطات الأنا، الأهداف الأساسية من التواجد في شبكة الفايسبوك، الاختيارات المرئية المخصصة للمستخدم، الاهتمام والاعتناء المخصص بمظهر حسابه الشخصي والحكاية المصاحبة له.
-
طبيعة الأحاسيس المستنبطة من العلاقة التي تربط المستخدم بهويته الرقمية.
-
أساسيات الدور والهوية التي يعطيها المستخدم لحسابه الشخصي والإمكانيات المقدمة لتجسيد التعابير الذاتية عنه، وتطوير هويته في العالم الافتراضي، والدور المنوط للمشتركين الآخرين، والهدف منها : هو تحفيز المستخدمين للتحدث عن تجاربهم في الفايسبوك انطلاقا من مرحلة الإدراك بالفايسبوك مرورا بميلاده ثم شخصنته والبحث عن علاقة مستخدمه به من جهة، وبالمستخدمين الآخرين من جهة أخرى.
وطلب من كل مستخدم في آخر مقابلة أن يكملوا اقتراحاتهم، مع إعطائنا معلومات عن هويتهم الحقيقية والمتعلقة بكل من (السن والجنس والوظيفة)، وهي أمور تركنا لهم الحرية في قبول أو رفض الكشف عنها، وقد تم إجراء المقابلات التفاعلية بيننا وبين المستخدمين عن طريق الرسائل الفورية، ثم جمع محتواها بعد تسجيلها وتصنيفها في ملفات بإتباع أسلوب بايلي الذي يمر بعدة مراحل وهي: (Paillé, 1994: 87)
-
مرحلة الترميز : وهي المرحلة التي قمنا من خلالها بتحديد وترميز المعطيات التي جمعناها من المقابلات إما بكلمات أو عبارات حيث استخرجنا منها خمس عشرة (15) موضوعا أساسيا تتضمن محتوياتها ما يلي : دوافع التسجيل في العوالم الافتراضية، عدد الحسابات الشخصية التي يمتلكها المستخدم وكيفية عرضها، الاختيارات البصرية الأولى، التطور الفيزيقي لحسابه الشخصي، الزمن الذي خصص للعمل على مظهر حسابه الشخصي، العلاقات المقيمة في الفايسبوك من خلال هويته الجديدة، أهمية المظهر، وصف هويته الرقمية، تأثير مظهر حسابه الرقمي على عملية التواصل، طبيعة الأحاسيس والانفعالات المعاشة بداخل الفايسبوك، انطباعات المحيط الافتراضي حول مظهره و هويته الرقمية، المواضيع المتطرق إليها داخل العوالم الافتراضية، الإمكانات الجديدة التي يمنحها الفايسبوك للمستخدمين، وهل الهوية الرقمية هوية بديلة عن الهوية الأصلية أم امتداد لها؟.
-
مرحلة التصنيف: وتتمثل هذه المرحلة في إعادة تصنيف الرموز التي تم جمعها في المرحلة السابقة وتجميع المواضيع المتداخلة تحت عنوان شامل يسمى (التصنيف) حيث يسمح التصنيف الذي يكون غنيا بالمواضيع أن يرفق التحليل إلى مستوى فهم السلوك، أو الظاهرة، أو حدث ما، أ وعاملا من العوامل النفسية أو الاجتماعية، وهو ما سهل لنا مهمة التحليل، حيث قمنا بتصنيف مثلا، كل ما يتعلق بالهوية الرقمية من صناعة ومظهر وصفات.. إلخ، وجمعها تحت تصنيف واحد أسميناه (تمظهرات الهوية الرقمية) وهكذا بالنسبة للرموز السابقة.
ثم ربط هذه التصنيفات بالإطار النظري للموضوع وهي مرحلة سمحت لنا بتمييز خصائص الهوية الرقمية في الفايسبوك، وفهم العلاقة التي تربطها بصاحبها.
وحتى نتمكن من استخدام هذين الأداتين استخداما عمليا، كان لزاما علينا التسجيل في الفايسبوك بحسابات عديدة أولها الحساب الرسمي Hanane Hadji، وحساب على شكل أم باسم أم أيوب وحساب على أساس رجل سمير الجزائري وآخر باسم حنونة لمقلشة لاكتشاف هذا العالم عن قرب ودراسة حيثياته إجرائيا وللتأكد من صدق المبحوثين.
3.1. مجالات الدراسة
يعتبر تحديد مجالات الدراسة من بين أساسيات أي بحث علمي كونه يساعد على قياس مدى فاعلية المعارف النظرية في الميدان، وقد اتفق العديد من الباحثين في مجال البحث العلمي على أن لكل دراسة مجالات ثلاثة رئيسية هي : المجال المكاني أو الجغرافي، المجال الزمني والمجال البشري .(محمد مسعد، 2000 : 46)
-
المجال الجغراف :المجال الجغرافي للدراسة هو شبكة الفايسبوك بالجزائر، وقد ارتكز بحثنا في هذا الفضاء الاتصالي الافتراضي على المشاركة فيه آو العمل على التقرب من المبحوثين ومشاركتهم لأفكارهم عملا بأساس المنهج الاثنوغرافي القائم على المقابلة المباشرة والملاحظة بالمشاركة.
-
المجال الزمني :باعتبار نوع الدراسة التي تقتضي المراقبة المستمرة وأخذ الملاحظات على المدى البعيد لمجتمع البحث والعينة المقصودة بالدراسة الاثنوغرافية، فإنه على هذا الأساس كانت حدود الدراسة مرتبطة بكفاية الباحثان من المعلومات حول الموضوع وحول البيئة الافتراضية المدروسة، وكذا مجتمع البحث لتمتد الفترة الزمنية للدراسة ابتداء من نهاية شهر افريل إلى غاية 28 جوان 2020 أين تم جمع المعلومات والمصادر التي من شأنها إثراء الدراسة من الجانب النظري، إضافة للدراسة الميدانية والتي انطلقت بعد الانتهاء من الدراسة القبلية أو الاستكشافية للتعرف على هذا الفضاء الافتراضي، ورصد التفاعلات فيه وملاحظة المشاركين به أثناء تفاعلهم مع بعضهم البعض.
4.1. موقع البحث من البحوث السابقة
ركزت البحوث العربية على مسألة الهوية الثقافية والاجتماعية ضمن الإطار الافتراضي، حيث تناولت العديد من الدراسات دور وسائل التواصل الاجتماعي في بناء الهوية بالنسبة للفئات الناشئة مثل المراهقين، وركزت أخرى حول تأثير الإعلام الرقمي على الهوية العربية والإسلامية، كما كانت في أغلبها تعتمد على مقاربات نظرية، أما البحوث الأجنبية فقد كانت إجرائية أكثر وركزت على العلاقة بين الذات الحقيقية والذات الافتراضية وطبيعة العلاقة بينهما فضلا عن بعض الدراسات التي تناولت المسائل القانونية والتكنولوجية التي تنبثق من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ستحاول الدراسة الحالية تناول مسألة تشكل الهوية الافتراضية ضمن إطار السوشل ميديا وعلاقتها بالهوية الذاتية للأفراد على أرض الواقع من خلال دراسة اثنوغرافية من منظور مقاربة أريك فروم، وبالتالي فإن الدراسة ستأخذ شكل الدراسات الكيفية من حيث المنهج، أما من حيث المحتوي، فستنطلق الدراسة من نظرية الاغتراب لإريك فروم.
2. الاقتراب النظري للدراسة
1.2. المفاهيم والمصطلحات
1.1.2. مفهوم الاغتراب
-
المعنى اللغوي للاغتراب: إن الكلمة العربية للاغتراب هي غربة، حيث وردت في معجم لسان العرب لابن منظور دلالة على البعيد عن الوطن وأيضا الغرباء هم الأباعد واغترب فلان أي تزوج إلى غير أقاربه، وبتالي فالكلمة تدل على معنيين الأول على الغربة المكانية والثاني الغربة الاجتماعية. (خليفة، 2005: 74)
أما فيما يقابل هذه الكلمة في اللغة الأجنبية أي Aliénation، والذي يعني نقل ملكية شيء لآخر أو الانتزاع أو الإزالة أو الانتماء إلى شخص أخر والتعلق به. (خليفة، 2005: 75) -
المعنى المصطلحي للاغتراب : ينطوي على العديد من الدلالات والتي تختلف باختلاف المجالات والسياقات، فقد ارتبط في بادئ الأمر بالقانون واللاهوت والفلسفة وعلم النفس والطب وحتى الاجتماع، ففي علم القانون مثلا يشير للدلالة على انتقال أو بيع مال أو حق وفي علم الاجتماع ترتبط بالانحلال الرابطة بين الفرد والآخرين وأما عن الدلالة الدينية فيمكن أن نلخصها على أنها انحلال الرابطة بين الفرد والآلهة.
وفي خضم هذا التنوع نجد مثلا ميخائيل انوود في معجم مصطلحات هيجل يؤكد في أواخر العصور الوسطى في ألمانيا كانت كلمة الاغتراب تدل على ما يأخذ أو يسرق أمتعة شخص آخر كما يشير إلى اغتراب العقل أي الذهول والشرود بالعقل كما أشاروا فيما بعد عن غربة الأشخاص عن بعضهم البعض. (انوود، 2000: 47)
أما بالنسبة لوولمان يشير إلى الابتعاد وقطع العلاقات والصلات القريبة وقطع الإحساس بالانتماء إلى الجماعة الكبيرة وزيادة الفجوة بينهم. (محمد الشاذلي، 2008: 78).
2.1.2. مفهوم النوع الاجتماعي
-
النوع الاجتماعي لغة : في المعجم الوسيط : جندر الثوب ونحوه : إعادة رونقه بعد ذهابه وصقله بالجندرة، ونحوه، مر القلم على ما درس منه ليتبين، والجندرة آلة خشبية تتخذ لصقل الملابس. (مصطفى واخرون)
إن الجندر مصطلح إنجليزي الأصل ينحدر اللفظ من أصل لاتيني(Genus) وتأتي بعدة معاني (النوع، العرق، الأسرة، نوع الجنس) وأيضا تعني الجنس ومن أجل العثور على مصطلح يقابله في اللغة العربية، سعت الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث العربية والمنظمات الدولية إلى إيجاد المعنى الحقيقي لها في اللغة العربية فقد نظم مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث اجتماعا في تونس عام 1995م واختيرت عبارة (النوع الاجتماعي) كترجمة له. (هاشم ومنصور، 2010/2011: 39) -
النوع الاجتماعي اصطلاحا : يرجع مصطلح الجندر في اللغة الإنجليزية إلى شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى أي مجرد الشعور بالذكورة أو الأنوثة بعيدا عن الأدوار المنوطة بكل منهما على حدا، وذلك وفقا لما ورد في الموسوعة البريطانية. (سناء واخرون، 2006: 47)
والهوية الجندرية لا تثبت بالهوية بل تؤثر العوامل الاجتماعية بتشكيل نواتها، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل، كما أنه من الممكن أن تتطور الهوية الجندرية الأساسية، حيث يتم اكتساب السلوك الجنسي النمطي وغير النمطي (من الجنس الواحد)، ويتطور لاحقا تتبعا كما يواجه الإنسان في حياته كلما تقدم فيها. (الدويي، 2005: 75)
أما منظمة الصحة فتعرف الجندر بأنه مصطلح يشير إلى الأدوار الاجتماعية والسلوكيات والأنظمة، والصفات التي يعتبرها مجتمع معين منسبا للرجال والنساء. (قادر، 2007: 45-86)
بينما وكالة IASC فعرفته بأنه مصطلح يشير إلى الفروق الاجتماعية بين الإناث والذكور والتي تكتسب على مدار الحياة، والتي على الرغم من تأثرها بجميع الثقافات التي تتطور مع مرور الزمن وتكتنفها تبدلات كثيرة، سواء داخل الثقافات نفسها أو فيما بينها، ويحدد لفظ الجندر للأدوار، والسلطات والموارد بالنسبة للإناث والذكور في أي ثقافة من الثقافات. (هاشم ومنصور، 2010/2011: 39)
كما تعرفه وكالة أوكسفامو التي هي من وكالات الأمم المتحدة يولد البشر ذكورا أو إناثا، لكن التعلم هو الذي يجعل منهم صبية أو إناث ليصبحوا فيما بعد رجالا ونساء، إذ يجري تلقينهم مبادئ السلوك وتحدد لهم المواقف والأدوار والأنشطة المناسبة، إضافة إلى الكيفية التي يتصلون بها مع الآخرين، هذا السلوك المكتسب والمعلم هو الذي يشكل الهوية الجندرية ويحدد الأدوار الجندرية. (قادر، 2007: 45-86)
وقد ترجم مصطلح الجندر باللغة العربية بالنوع الاجتماعي وهو عکس النوع البيولوجي عند انعقاد مؤتمر بمركز المرأة العربية للتدريب والبحوث في دولة تونس و اجتمعوا على تعريف النوع الاجتماعي على أنه اختلاف الأدوار والحقوق والواجبات والالتزامات والعلاقات والمسؤوليات والصور ومكانة المرأة والرجل التي تحدد اجتماعيا وثقافيا عند التطور التاريخي لمجتمع ما وكلها قابلة للتغير وفقا لتغير المكان والزمان وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الأخرى مثل الدين والصفة الاجتماعية والعرق، فضلا عن عدد من البقايا الجزئية المرتبطة بالمجال، مثال (البلوغ وعلاماته، والتغيرات الجسدية والتغيرات النفسية والمفاهيم الرئيسية). (Wajcman, 1991: 41)
والباحثان لا يتفقان مع كل ما ورد من تعريفات اصطلاحية باعتبار أن السلوكيات المرتبطة بالنوع الاجتماعي للرجال والنساء في المجتمع، فإذا كان أداء الإناث يظهر الليونة مثلا في مواقف اجتماعية معينة أو أن يميل أداء الذكور إلى الحزم والشدة في مواقف أخرى فهي في كلتا الحالتين مواقف منطقية ضمن هويتهما، ولكن قد يتبنى أحدهما أداء ينتمي إلى الجنس الأخر فقد يتقبل منه في إطاره الوظيفي أما إذا زاد هذا التصرف إلى حد تقمص دورا جنسيا تبدو مظاهره في الحركات واللغة والإيماءات تسحب منه حينئذ شرعية هوية نوعه الاجتماعي. -
النوع الاجتماعي إجرائيا : هو مجموع العوامل والتوقعات وأسلوب التفكير، وكذلك الصفات والأدوار والأنشطة والمسؤوليات والتصرفات والعلاقات المرتبطة بالنساء والرجال، والتي تبدأ مع المعرفة بالنوع والميول والإنجاز بصفة شعورية ولاشعورية بأننا ننتمي إلى أحد الجنسين.
2.2. الاغتراب عند أريك فروم
يشكل مفهوم الاغتراب المحور الأساسي لفكر فروم أريك فلا يكاد يخلو مؤلف من مؤلفاته من هذا المصطلح الكبير والمعقد في معناه، سوء بصيغة التصريح أم كان مضمر بين الأسطر من خلال عبارات مثل : الشخصية التسويقية، الحرية السلبية، الذات الزائفة، وغيرها من المفاهيم، ففي كتابه ’’ المجتمع السوي’’ عبر عن الاغتراب على أن المصطلح كان منطلق مركزي يمضي من خلاله إلى إنشاء تحليل للطبع الاجتماعي والتغير الاجتماعي المعاصر، أي طبع الإنسان القرن 21، باعتبار أن التغير في هذا العصر يقود الإنسان بالشعور بالاغتراب واليأس ومن مظاهر هذا الطبع الاجتماعي حسب قوله تذكر مثلا ’’ مبدأ الامتلاك، مبدأ التسويق، مبدأ الامتثال، الخيالات النرجسية الجماعية، إغراءات الجماد، الأشياء والواقع المصنع كلها جوانب وثيقة الصلة بظاهرة الاغتراب، ومن هنا يظهر أن الفكرة السائدة عن الاغتراب هي فقدان النفس لذاتها وفي هذا الفقد يكتسب ذات ليس لها علاقة بذاته الحقيقية أو ما وكلفه المجتمع أن يكون عليه وفق ما يطلق عليه النوع الاجتماعي. (فروم، 2009: 36).
3.2. النوع الاجتماعي والهوية الرقمية
عرف فروم النوع الاجتماعي في كتابه المجتمع السوي بأنه القالب الذي يشترك فيه جل أعضاء الثقافة الواحدة على عكس طابع الفردي الذي يختلف فيه الناس الذي ينتمون إلى الثقافة عينها أما عن وظيفته فهي قولبة الطاقة البشرية مع توفير القنوات الملائمة ضمن مجتمع معين قصد استمراره في تأدية وظيفته. (خليفة، 2003: 71)
4.2. الذات الأصلية والذات المزيفة
الذات الأصلية أو الصلبة هي الذات التي يتسم صاحبها بأنه شخص مفكر قادر على الحب والإحساس والإبداع، أما الذات الزائفة تفتقر إلى جميع تلك السمات أو بعضها ويبدو أن مفهوم الذات الأصلية عند فروم يرادف مفهوم الذات المغتربة التي حققت وجودها الإنساني أما الذات الزائفة فهي ذات اغتربت عن نفسها وانفصلت عن وجودها الإنساني الأصلي وهذا ما تطرق إليه جليا في كتابه ’’ الخوف من الحرية’’. (فروم، 1972: 34).
3. الهوية الرقمية والرقمنة وشبكات التواصل الاجتماعي
1.3. الهوية الرقمية
هذا المصطلح مركب من كلمتين مختلفتين لكل منهما تعريفه الخاص وحين يجتمعا يولدان المعنى المراد طرحه في هذه الدراسة لذا وجب الوقوف على معنى كل مصطلح على حدا حتى تتضح الرؤية عند ضبط المصطلح المركب بما يخدم أهداف الدراسة.
-
الهوية لغة :مصدر الكلمة منسوب إلى هو، الهوية : البئر البعيدة القعر، هوِية الإنسان : حقيقته المطلقة وصفاتها الجوهرية، الهوية الوطنية : معالمها وخصائصها المميزة وأصالتها، بطاقة الهوية : البطاقة الشخصية تحمل اسم الشخص وتاريخ ميلاده وعمله وجنسيته، الهوية (في الفلسفة) : حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره، الهوية : شعور الفرد بنفسه وفرديته وحفاظه على تكامله وقيمته وسلوكياته وأفكاره في مختلف المواقف، أزمة الهوية : الاضطراب الذي يصيب الفرد فيما يختص بأدواره في الحياة، ويصيبه الشك في قدرته أو رغبته في الحياة طبقا لتوقعات الآخرين عنه، كما يصبح غير متيقن من مستقبل شخصيته إذا لم يتيسر له تحقيق ما يتوقعه الآخرون منه فيصبح في أزمة. (معجم المعاني الجامع، 2020: 48-110)
يشتق المعنى اللغوي لمصطلح الهوية من الضمير هو ويشير مفهوم الهوية إلى ما يكون به الشيء هو، تموضعه كاسم معرف بـأل ومعناه : الاتحاد بالذات هو، أي من حيث تشخصه وتحققه في ذاته وتميزه عن غيره، فهو وعاء الضمير الجمعي لأي تكتل بشري، ومحتوى لهذا الضمير في نفس الآن، بما يشمله من قيم وعادات ومقومات تكيف وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها. (نصير، 2009: 48)
إذن وردت لفظة الهوية بضم الهاء وكسر الواو وشد الياء في اللغة العربية للتعبير عن ماهية الشيء، والهوية لفظ مركب جعل اسما معرفا باللام ومعناه الاتحاد بالذات، فالهوية حقيقة الشيء أو الشخص المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية.
أما في اللغة الفرنسية فكلمة identité ترتبط بكلمة identique، والتي تعني الوحيد أو الأصيل الذي لا شبيه له فريد من نوعه متميز عن الآخر.
كما تعرف هوية الشيء بأنها ثوابته التي تتجدد ولا تتغير وتتجلى وتفصح عن ذاتها دون أن تترك مكانها لنقيضها فهي كالبصمة بالنسبة للإنسان يتميز بها عن غيره. -
الهوية اصطلاحا: يعد مفهوم الهوية من المفاهيم التي أخذت حيزا كبيرا من تفكير الباحثين، ومصطلح الهوية له دلالاته اللغوية والفلسفية والاجتماعية، سنشير لبعضا منها أسفل.
يشير الفرابي بأن هوية الشيء عينيته ووحدته وتشخصه وخصوصيته ووجوده المنفرد، وقولنا إنه هو إشارة إلى هويته وخصوصيته لا يقع فيه الاشتراك. (اضافات، 2010: 56)
أما بن رشد فيرى أن الهوية تقال بالترادف عن المعن الذي يطلق عليه اسم الموجود وهي مشتقة من الهو كما تشتق الإنسانية من الإنسان.
ويعرف أليكس ميكشيلي الهوية بأنها منظومة متكاملة من المعطيات النفسية والمادية والمعنوية والاجتماعية، تنطوي على نسق المعلومات أو العمليات المعرفية أو التكامل المعرفي، وتتميز بوحدتها التي تتجسد في الروح الداخلية التي تنطوي على خاصية الإحساس بالهوية والشعور بها، فهي وحدة من المشاعر الداخلية التي تتمثل في وحدة العناصر المادية و النفسية المتكاملة التي تجعل من الشخص يتمايز عن سواه ويشعر بوحدته الذاتية.
بينما ميلر يرميلر يعرف الهوية بأنها نمط الصفات الممكن ملاحظتها أو استنتاجها، والتي تظهر الشخص وتعرفه وتحدده لنفسه وللآخرين، ويقسم ميلر الهوية إلى شقين : الهوية الذاتية التي تشير إلى الشخص كما يتصوره الآخرين، والهوية الموضوعية العامة التي تشير إلى الشخص كما يراه الآخرون. (رابح، 2012: 32-89)
والهوية في اللغة العربية مصدر صناعي مركب من ضمير الغائب هو المعرف بأداة التعريف « أل » ومن اللاحقة المتمثلة في الياء المشددة وعلامة التأنيث، وهي تأتي بمعنى ذات الشيء، وعند الفارابي هوية الشيء عينه وشخصه وخصوصية وجوده المتفرد الذي لا يقع فيه إشراك. (اضافات، 2010: 56)
وبشكل عام يمنك القول بأن الهوية تخضع لنوع العلاقة المبنية معا لمحيط الذي يتضمن معنى شاسع إذ يتجاوز المحيط الطبيعي ليشمل كل العناصر التي تحيط بالفرد والمجسدة في اللغة، الإشارات، الأفكار، والتصورات (صور ذات معنى) التي تنتقل عن طريق الأقوال والأفعال، إلى جانب المحيط المادي الذي يشمل كل أنواع النشاط الإنساني، وبالتالي فالهوية ليست أمرا ثابتا إلى حد ما لكنها سيرورة دينامكية، فهي تشمل الطريقة التي بها نتعامل فيما يبننا عندما نكون في حالة تفاعل مع العناصر الإنسانية وللإنسانية معا، والهوية الفردية هي التي تعرف الشخص بشكله واسمه وصفاته وسلوكه وانتماؤه المرجعي، لكن مع انتشار الانترنت وظهور المجتمعات الافتراضية برزت مشکلات تقمص الشخصيات الافتراضية من حيث السن والأنوثة والذكورة والدور الاجتماعي.
2.3. الرقمنة
جاء في قاموس المعاني أن لفظ رقمي هو اسم منسوب إلى افتراض بمعنى ما يعتمد على الفرض أو النظرية بدلا من التجربة أو الخبرة، والواقع الرقمي هو الواقع التقريبي، ومحاكاة يولدها الحاسوب لمناظر ثلاثية الأبعاد لمحيط أو سلسلة من الأحداث تمكن الناظر الذي يستخدم جهازا إلكترونيا خاصا من أن يراها على شاشة عرض ويتفاعل معها بطريقة تبدوا فعلية. (معجم المعاني الجامع، 2020 : 48-110).
أما الهوية الرقمية فتعرف على أنها:
-
الهوية الرقمية اصطلاحا : تعرف الهوية الرقمية بأنها الشخصية التي يتم إنشاؤها من طرف الإنسان المستخدم الذي يعمل كصلة وصل بين الشخص الطبيعي والشخص الظاهري للمستخدمين، وحسب هذا التعريف فإن الهوية الرقمية هي السمات والمواصفات التي يقدمها الفرد الطبيعي للآخرين عبر الانترنت، فتكون عملية الاتصال تتم بين ثلاثة أطراف وليس طرفين وهي الشخص العادي والهوية الرقمية والأشخاص الآخرين. (Boutet & Diéye, 2013 : 46)
إن الهوية الرقمية عبارة عن أداة من خلالها نوثق لتاريخ نشاطنا الشبكي على الانترنت، فهي نتاج عملية جمع الخصائص التي يضعها الفرد للتقديم لمحة عن ذاته في الحياة الافتراضية ومجموع الآراء والانطباعات التي يصف بها الآخرين الشخص ذاته، كما أن التحديات التي تصادفها لا تقل أهمية عن الهوية تلك الموجودة في الواقع الحقيقي كوننا امتدادا له اذ يشهد المجال الرقمي تواجد ثلاثة أنواع من الهويات الرقمية : (متولي، 2016: 45) -
الحقيقية هي تلك التي يتميز بها الفرد الموجود على لوحة المفاتيح.
-
التخيلية وهو نوع من الشخصية والمعادل الرقمي الذي يضعه الشخص الحقيقي لشخصه الافتراضي على شكلavatar.
-
الإسقاطية وهي تلك الهوية التي يرسمها الشخص الحقيقي من خلال معادلة الرقمين لاحظها من خلال تصرفاته في الحياة الافتراضية.
وفي هذا السياق أطلق الصادق رابح على الهوية الرقمية في إحدى دراساته بأنها «هوية فنتازمية» تسعى إلى القفز على محرمات الهوية الاجتماعية. (الصادق، 2007: 89)
لذا ومن خلال إنشاء هوية على الفضاء السيبراني على غرار شبكة الفايسبوك فإننا نخلق شخصا مختلفا عنا، قد يشبهنا ولكنه ليس بالضرورة الحقيقي، بل هو كائنا مجزأ يندمج في العالم الرقمي، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الشخص الآخر هو مقبول من قبل البقية، وهو ما يجعلنا نركز على هوية شخصيتنا المقبولة في العالم الرقمي وهي شخصية منضبطة إلى حد ما أو تحاول أن تكون كذلك حتى تتمكن من الانصهار داخل العالم الرقمي والانسجام مع من فيه وحتى تحقق هويتها الافتراضية قبولا ولما لا شعبية، وهذا الانضباط هو الذي يجرها نحو الامتثال لقوانين الشبكات الاجتماعية وقواعدها تماما مثلما يمتثل الشخص السجين لأوامر سجانه حتى ينال رضاه ويتفادى غضبه. -
الهوية الرقمية إجرائيا : من خلال التعاريف السابقة يمكن إعطاء تعريف إجرائي للهوية الرقمية بالقول أنها كل ما يستخدمه الفرد للتعريف بنفسه عبر الفضاء الرقمي، والتي تمثلت في مجمل البيانات الشخصية والتفضيلات التي يدونها المستخدم فور فتحه لحساب على موقع الفايسبوك بحيث يملك إمكانية تغييرها وتحيينها وتحديثها من حين لآخر، وتشمل المعلومات السوسيوديموغرافية والاسم والصورة والتي تسمى بالهوية التصريحية، وفي المرحلة الثانية يمكن أن تصاغ هويته من خلال التفاعلات وتبادل المحتويات، وكذا النشاطات المختلفة التي يقوم بها المستخدم على حسابه الشخصي أو صفحته مع باقي المستخدمين الآخرين من خلال التفاعلات اليومية مع الآخر، والتي يطلق عليها الهوية النشطة أو المحسوبة كما نادت بها Fanny Georges (Fanny, 2008: 65-96)، وبالتالي يمكن أن يشكل هويته من خلال الآثار التي يتركها أثناء عملية تواجده الرقمي على الشبكة، والتي يحتفظ بها ويؤرشفها النظام المشغل أو برنامج تشغيل الموقع لتوظيفها في استخدامات أخرى.
4. شبكات التواصل الاجتماعي Social media
1.4. الإطار المفهومي
-
شبكات التواصل الاجتماعي اصطلاحا : هي منظومة من الشبكات الإلكترونية التي تسمح للمشترك فيها بإنشاء حساب خاص به ومن ثم ربطه من خلال نظام اجتماعي إلكتروني مع أعضاء آخرين لديهم نفس الاهتمامات والهوايات أو جمعه مع أصدقاء الجامعة أو الثانوية، وتصنف هذه المواقع ضمن مواقع الجيل الثاني للويب وسميت اجتماعية لأنها آتت من مفهوم بناء المجتمعات، وبهذه الطريقة يستطيع المستخدم التعرف على أشخاص لديهم اهتمامات مشتركة في شبكة الانترنيت والتعرف على المزيد من المواقع في المجالات التي تهمه، ومشاركة صوره، مذكراته وملفاته مع العائلة والأصدقاء وزملاء العمل. (زايد، 2006: 65)
-
شبكات التواصل الاجتماعي إجرائيا : ونقصد بمواقع التواصل الاجتماعي في هذه الدراسة هي الصفحات الويب التي يمكن أن تسهل التفاعل النشط بين الأعضاء المشتركين في هذه الشبكة الاجتماعية الموجودة بالفعل على الانترنيت، وتسمح للمشترك فيها بإنشاء حساب خاص به ومن ثم ربطه من خلال نظام اجتماعي إلكتروني مع أعضاء آخرين لديهم نفس الاهتمامات والهوايات، والتي من شأنها تساعد على التفاعل بين الأعضاء بعضهم البعض، ويمكن أن تشمل هذه المميزات المراسلة الفورية الفيديو، تبادل الملفات، مجموعة النقاش، البريد الإلكتروني والمدونات.
-
الفايسبوك Facebook
-
الفايسبوك اصطلاحا : يعرف قاموس الإعلام والاتصال الفايسبوك Facebook على أنه « موقع خاص بالتواصل الاجتماعي أسس عام 2004 (عبد الحميد، 2012: 89)، ويتيح نشر الصفحات الخاصة وقد وضع في البداية لخدمة طلاب الجامعة وهيئة التدريس والموظفين لكنه اتسع ليشمل كل الأشخاص، بدأ فيسبوك كفكرة بسيطة لأحد طلبة هارفارد مارك زوكربيرج Mark Zuckernerg الذي أصبح فيما بعد أصغر ملياردير في العالم، فكرة زوكربيرج كانت تقضي بإنشاء موقع ويب للتواصل الاجتماعي يمكن الدخول إليه مجانا تديره شركة فيس بوك محدودة المسؤولية كملكية خاصة لها (Marcel, 2009: 65) إلا انه تحول فيما بعد إلى وسيلة اجتماعية تساعد الناس كي يشاركوا بالمعلومات والأخبار مع غيرهم في دوائرهم الاجتماعية والعالم بسرعة وفعالية (صادق، 2008: 43)، وهو أحد مواقع الشبكات الاجتماعية الأكثر شعبيةً على الإنترنت، ويمكن الوصول أو استخدام موقع الفايسبوك من خلال أي متصفح إنترنت، وذلك عن طريق الدخول إلى الموقع الرسمي للفايسبوك www.facebook.com، كما أنه يتوفر على شكل تطبيق للهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية.
-
الفايسبوك إجرائيا: هو تلك الشبكة الالكترونية التي تسمح للمشترك فيها بإنشاء حساب خاص به ومن ثم ربطه من خلال نظام اجتماعي الكتروني مع أعضاء آخرين لديهم نفس الاهتمامات والهوايات أو جمعه مع أصدقاء الجامعة أو الثانوية أو الأسرة والعائلة، حيث يقدمون أنفسهم من خلال ملفهم الشخصي أي عبر حساباتهم أو من خلال أحد مكونات هويتهم وبعض المعلومات التي تتعلق بحالتهم الاجتماعية، واهتماماتهم وعملهم، وغيرها من المعلومات، كما أنّها صفحة تحتوي على المنشورات التي يقوم المستخدم بنشرها، أو ما نشره الأصدقاء للمستخدم.
2.4. شبكات التواصل الاجتماعي بين الحرية والتخبط في الهوية الأصلية
في كتاب الخوف من الحرية عبر أريك موضحا أن الحرية سلاح ذو حدين، فالإنسان الحديث له حرية سلبية وفي المقابل له حرية إيجابية، فالحرية السلبية تكمن في انه قد تحرر من نوعه الاجتماعي والسلطة التقليدية أي المجتمع وأصبح فردا ولكنه في الوقت نفسه أصبح منعزلا عن ذاته وأصبح أداة لأغراض خارجية، وبتالي اغترب عن نفسه وعن الآخرين، وبتالي قد تقوده للضعف والنكوس وتجعله مقيد وحبيس هذه التكنولوجيا (Fanny, 2008: 65-96)، أما الحرية الإيجابية من جهة أخرى فهي متطابقة مع التحقق الكامل لإمكانية الفرد مع قدراته على أن يحيا بشكل إيجابي وتلقائي، وبالتالي فالاغتراب حسبه هي حالة نفسية تبدأ من حالة عضوية في انسلاخ الإنسان عن جوهره من خلال علاقته بالطبيعة كجزء منها، والتي تساوي أحيانا البيئة الاجتماعية وخروجه من أحضان الوحدة الكونية إلى الذات الضيقة المعزولة وبدأ يشعر بفقدان التناسق والشعور بالنقص فهو وليد حتمي تولد من انفصاله من رحم المجتمع إلى الإنسان الابن. (عبد ابراهيم، 2002 : 96)
فالهوية إن وجدت فالوجود الذاتي وان غابت فالاغتراب مصيرها، فقد تتحول الهوية إلى اغتراب الذات، حيث تنقسم الذات على نفسها وتتحول من مكانة الحرية الداخلية السلبية إلى ضرورة الخضوع للظروف الخارجية بعد أن يصاب بالإحباط ويسيطر شعور الاغتراب عليه. (رحومة ع.، 2008: 56)
خاتمة ونتائج الدراسة
حاولت هذه الورقة البحثية خلق مساحات للنقاش بين فكر أريك فروم حول الاغتراب وبين التطورات التكنولوجية الرقمية بداخل الفضاءات الرقمية وما أفرزته من وجود رقمي ’’ الهوية الرقمية’’، فالتطورات الحديثة أفقدت الإنسان شعوره بقيمته وأدت به إلى العجز ولا معنى والعزلة وهي كلها أبعاد الاغتراب بحسب فروم، وشبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها موقع الفايسبوك يعتبر من أهم سمات التطور التكنولوجي الحديث التي أتاحت فرصة لتبني هوية رقمية، وفي الوقت الذي يبني فيه الفرد هويته الرقمية يكون ينفصل عن حياته الجوهرية ويتخلى عن إنسانيته متجها صوب وجود زائف، والذي يفرض عليه التماثل الآلي مع الحشد الذي يسعى من خلاله إلى التمظهر حسب ما يريده الآخرون فتصبح هويته هذه شخصية تسويقية كل ما يهمها هو أن تكون شخصية ذات صفقة مربحة في سوق الشخصيات، وكل هذا يوصلنا لنتيجة مفادها أن الهوية الرقمية ليست سوء ذات زائفة والفرد في محاولة لان يكون أمينا لها وبتالي الاغتراب الذاتي.
أكد أفراد العينة المستجوبة أن هذه الأنماط من التجارب التي ترتقي بالنفس من خلال بناء الذات وإعادة تشكيلها وتطويعها تجد مجالا خصبا لها في البانوبتيكون الافتراضي. وبلغة العلاقات العامة، فإن الذات تتخذ من المجال الافتراضي مساحة لخوض حملة إعلانية ترويجية لذاتها، أحد الردود التي وردت عبر الماسنجر من أحد الأساتذة الجامعيين يقول : »يبدو أنّ كل رسالة على فيسبوك تحتوي على استفتاء ضمني حول من أكون، وكأن الأمر كما لو أني أضطر إلى تبرير أو إثبات نفسي من خلال ما أنشره وما أصرح به من تعليقات، لذلك نفعل كل ما في وسعنا لتضخيم فضائلنا وتقديم أنفسنا « فقط » لجعل حياتنا تبدو أكثر جدارة بالاهتمام والتميز، نحن نحاول عن طريق المجال الافتراضي التعبير عن شيء حقيقي حول هويتنا، ولكن لابد أن نعترف أيضا بأننا نخلق أيضًا شيئًا لاستهلاك الآخرين« .
يشير هذا التعليق إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أن الذات الإنسانية تحاول أولا الترويج لهويتها الرقمية وبالتالي إلى الاغتراب عن ذاتها، وفي حالة الإخفاق تصبح مجبرة على إعادة رسم ملامح ذاتها وتطويعها لكي تكون جديرة بالاهتمام افتراضيا، ولعل عملية التطويع التي تحدث عنها صاحب التعليق في الأعلى تدفع الذات إلى إعادة بناء تفاصيلها، وهو ما يخول بدوره إمكانية الكشف عن بعض المؤهلات الذاتية المغمورة وتطوير أخرى.
في المقابل، ينكر بعض المبحوثين اختزال الهوية الذاتية في الانتماء إلى حشد الفايسبوك، مثلما أشار هذا الرد : »مثلما أختزل الكوجيتو الديكارتي في مقولة « أنا أفكر إذن أنا موجود »، فأصبح التفكير هو علة وجود الإنسان، فإن هذه اللافتة تختصر علة وجودنا في الانتماء إلى المجال الافتراضي، من خلال ممارسة النشاط الفايسبوكي، وهذا أمر فيه غلو على الذات الإنسانية« وحسب هذا الرأي فإن الفايسبوك، من حيث هو باحة لممارسة نشاطات ذات طابع تواصلي، لا يرتقي لأن يكون فضاء لتشكيل الهوية الذاتية للأفراد، إذ لا يبتعد في رأيه كثيرا عن الرأي السابق حيث يؤكد : »أجد النص الوارد في الصورة نصا لا يخلو من الادعاء وخطورة، وهو بهذا الاعتبار نص يسلب ذاتية الإنسان، خمس كلمات تختزل وجود الإنسان : الفايسبوك هو الأنا، هو الهوية وأنا هو الفايسبوك، وفي الكلمتين الأوليين هنالك تماهي بين الأنا والفاسبوك، هذا الجمع الافتراضي الممتد الأرجاء يلتقي مع هذا المفرد الذي هو أنا، فكم أنا عظيم ! ! ! وهل ثمة أقوى من هذا الاندماج اندماج الأنا في الفايسبوك واندماج الفايسبوك في الذات البشرية في المفرد ثم انظر إلى أداة الاستنتاج (إذن) بما يضفي على الخطاب عقلانية، والاستنتاج هو لغة المنطق، فالخطاب ليس إذن خطابا عاطفيا ولا وعظيا ولا دعائيا، إنما هو عقلاني منطقي... والأسلوب تقريري. هو شعار عجيب!« .
ويتطرق هذا التعليق إلى دور الفايسبوك في الاندماج داخل المنظومة الافتراضية مع الحشد، وهو أمر أشرنا إليه منذ البداية عند الحديث عن الهوية الاجتماعية حيث تسعى النفس إلى تحقيق ذاتها من خلال تفاعلها مع الذوات المحيطة، وإلى الانضباط كما يقول فوكو بغية الانصهار داخل المجتمع الافتراضي الذي تنتمي إليه بعد أن تتم عملية الانتقاء.
ويذهب باحث أخر إلى ذات القول :’’عندما أتحدث عن »الحشد« ، أفكر في المقام الأول في المجتمعات الافتراضية التي أساهم في بنائها، وهذه هي الفكرة وراء فكرة »دعوة الحشد« : ما يجبرنا على مشاركة المحتوى ليس فقط رغبتنا في التعبير عن قيمنا وخلق أنفسنا عبر الإنترنت؛ إنها أيضا، الرغبة في الانتماء إلى مجتمع مرتبط بقيم مشتركة، إحساسي هو أنه عندما نضع الأشياء على الإنترنت، فإننا نضعها أولاً وقبل كل شيء من أجل مجتمعنا، ليس لدينا فكرة واضحة عن هوية هؤلاء الأشخاص بالضبط في هذه المجتمعات، لكن في النهاية هذا ليس مهما المهم هو أن شبكة القيمة موجودة، ونشعر أننا نساعد في إنشائها والحفاظ عليها من خلال المساهمة في المحتوى، من خلال هذا الرأي تظهر لنا الذات جزءا من الآخر، إذ لا يمكنها تحقيق ذاتيتها منفصلة. وهو رأي تردد بقدر كبير حسب ما اجتمع لدى الباحثة من ردود تدور في نفس الرحى : »عندما نشارك ما نحب ونبحث عنه على شبكاتنا الاجتماعية للحصول على محتوى قيّم لمشاركته، نأتي عبر أشخاص يحبون أيضًا الأشياء التي نحبها، فنحن نحبهم، وأصدقاء لهم، ومتابعين جيدين لهم، وهو شرط أساسي حسب رأيي حتى نتمكن من الاستمرار في مشاركتهم وتلقي ما ينشرونه، في هذه العملية، نبني شبكات اجتماعية قائمة على قيم واهتمامات مشتركة وانطلاقا من هذه الشبكات تتحقق ذواتنا« .
الهوية الرقمية في المجال الافتراضي بدت حسب العينة، وكأنها منصهرة في هوية أوسع، وهي الهوية الاجتماعية، وذابت الذات نهائيا داخل منظومة المجموعة من خلال هذا الرأي : »ما هو اجتماعي حول الوسائط الاجتماعية ليس التبادل العابر بين الأفراد، بل هو الطريقة التي تمكننا من تشكيل التجمعات بناءً على الأشياء التي نحبها، وهو يتوقف على الطريقة التي نحقق بها مكانة، ضمن مجتمعنا الافتراضي، بفضل المواد التي نتقاسمها معهم. ويبرز الأمر عندما نرى أنه من خلال المشاركة، فإننا نساهم في مشروع مشترك وهو بناء مجموعة مشتركة قيّمة للجميع للاستمتاع بها« .
من جهة أخرى، أثارت بعض التعليقات مسألة صناعة الذات ونحت هوية أو هويات مزيفة من خلال استغلال المجال الافتراضي وما يوفره من انفتاح منقطع النظير في تطوير الهوية المروج لها، تقول إعلامية مشاركة في النقاش : »وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت فعلا وسيلة من وسائل تحقيق الذات من جهة والزيف المقدم عن الذات من جهة ثانية، تحقيق الذات من خلال إبراز النجاحات وكل شيء من شأنه أن يبهر الآخر وخير مثال هو بروز طفرة من المشاهير لا لشيء سوى نشر صور عن حياتهم الخاصة وما أصبح يعرف بالفاشينيستا في السوشل ميديا، هناك أشخاص يستمدون وجودهم في العالم الواقعي قبل العالم الافتراضي بعدد المتابعين. والأدهى من ذلك، أصبح بعض أصحاب وسائل الإعلام التقليدية يلهثون وراء الأشخاص الأكثر متابعة على وسائل التواصل الاجتماعي بغية استقطاب متابعيهم. هذا نوع من تحقيق الذات، أما الزيف فهو مرتبط بوهم المثالية التي يريد الجميع إبراز أنفسهم كمتحلين بها، وأحيانا ذات هؤلاء أصلا مزيفة وبالتالي كل هذا الوجود الافتراضي مزيف على أرض الواقع. هناك أصلا من استغله جيدا من مشاهير الفضاء الافتراضي لاقتلاع مناصب وشهرة في الفضاء الحقيقي«.