اللغة والخطاب الإعلامي: إشكالية التأثير والتأثر

Langage et discours médiatiques : le problème de l’impact et de l’influence

Langage and media discourse: the problem of impact and influence

فريدة بلاهدة

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

بحث إلكتروني

فريدة بلاهدة, « اللغة والخطاب الإعلامي: إشكالية التأثير والتأثر », Aleph [على الإنترنت], Vol 9 (4) | 2022, نشر في الإنترنت 13 octobre 2022, تاريخ الاطلاع 24 avril 2024. URL : https://aleph.edinum.org/6983

تعد العلاقة بين اللغة والإعلام علاقة جدلية خاضعة للتأثير والتأثر بحكم أن وسائل الإعلام تعتمد اعتمادا كليا في إيصال رسالتها على اللغة وطرق توظيفها بالشكل الذي ينسجم مع أهدافها؛ حيث إن أهم شروط اللغة الإعلامية هو أن تكون قريبة من الواقع والحياة لذلك يجب أن تكون ﺳــﻬﻠﺔ وبسيطة ﻟﺘﻜــﻮن ﻣﺘﻨــﺎول جميع اﻟﻨــﺎس ولكن هل يحق للخطاب الإعلامي أن يتحرر من بعض الضوابط اللغوية وفي المقابل، هل يحق للغة أن تتحكم في شكل الخطاب الإعلامي خاصة في يتعلق بألفاظ الحضارة هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.

La relation entre la langue et les médias est une relation dialectique sujette à l’impact et influence, puisque les médias sont complètement dépendants de la livraison de leur message sur la langue et des méthodes pour l’employer d’une manière cohérente avec ses objectifs. Comme les conditions les plus importantes du langage médiatique est d’être proche de la réalité et de la vie, il doit donc être facile et simple pour être accessible à tout le monde. Mais le discours médiatique a-t-il le droit de s’affranchir de certains contrôles linguistiques, et en retour la langue a-t-elle le droit de contrôler la forme du discours médiatique, notamment en ce qui concerne les mots de la civilisation. C’est ce à quoi nous allons essayer de répondre dans cet article.

The relationship between language and the media is a dialectical relationship subject to impact and influence, since the media are completely dependent on the delivery of their message about language and the methods of employing it in a manner consistent with its objectives. As the most important conditions of media language is to be close to reality and life, so it should be easy and simple to be accessible to everyone. But does media discourse have the right to free itself from certain linguistic controls, and in return does language have the right to control the form of media discourse, especially with regard to the words of civilization? This is what we will try to answer in this article.

مقدمة

ما فتئ الحديث عن العلاقة بين الإعلام واللغة يشكل مادة دسمة تستفز البحث وتستنفر الباحثين في المجالين للتدقيق والتأصيل والخروج بالخطاب الإعلامي إلى مستوى من القوة والسلامة يضمن رسالته الإعلامية ويراعي الضوابط اللغوية.

والحقيقة أن الدارسين وإن قتلوا بالبحث والمرافقة جوانب من العلاقة فإن زوايا أخرى كثيرة ما تزال في الظل تحتاج إلى المزيد من الإضاءة، ثم إلى المزيد من التواضع والاتفاق لمرافقة الخطاب الإعلامي بمعايير محددة ومسايرة للواقع، وذلك بالنظر إلى الوتيرة المتسارعة التي يقطع بها الإعلام أشواطه في عالم يطوي فيه الليل النهار، وما يفرضه ذلك من المواكبة في المضامين، ثم ما تستوجبه هذه المواكبة من أدوات لغوية قوية ومعبرة يخوض بها الإعلامي الفضاءات المفتوحةَ.

ثم بالنظر إلى اللغة العربية ومستوياتها، وتفعيل قوة مخزونها الضخم ونخص بالذكر هنا المستوى المعجمي، وأهمية هذا الرصيد المكدس في تضاعيف المعاجم والقواميس العربية أمام هذا المحيط المتحرك المتسارع..

العلاقة بين اللغة والإعلام لم تسلم يوما من تعدي كل طرف على الآخر، والتدخل في شؤونه بشكل مباشر أو غير مباشر للانفراد بالخطاب الإعلامي وتزعمه، ونتحدث هنا عن بعض ما نراه ونلمسه في الواقع والممارسة طبعا، لا عن الحقيقة وما ينبغي أن يكون، لذلك قد نستغرب الجدلية المطروحة بين الكثير من الإعلاميين والمدققين اللغويين في المؤسسات الإعلامية: هل تتحكم اللغة في الإعلام أم يتحكم الإعلام في اللغة، وهل يحق للخطاب الإعلامي أن يتحرر من بعض الضوابط اللغوية، بحجة جعل الخبر مقدما على القالب الذي تصاغ فيه؟ وفي المقابل، هل يحق للغة أن تتحكم في شكل الخطاب الإعلامي ونعني هنا المستويين المعجمي والدلالي وما ينبغي أن يقال وما لا ينبغي أن يقال، بعيدا ثنائية الخطأ والصواب، فيما يصطلح عليه أهل مهنة الصحافة بفنيات التحرير؟ وهو حسب التجربة والممارسة ذريعة وإن كانت معتبرة ومؤسسة فإنها تمارس تحت غطائها الكثير من الموبقات اللغوية؟ هذه أهم الإشكالات التي سنعالجها في هذا المقال.

1. الجانب المنهجي

1.1. اللغة والخطاب الإعلامي

إن اللغة العربية لغة دقيقة في مفرداتها وأساليبها، فما يكاد يصيب هذه أو تلك شيء من تغيير حتى يكون له أثر في المعنى على وجه من الوجوه، لأن المعنى يتأثر بكل ما يدخل الكلمات والأساليب من تغيير، مهما كان موضعه، كما أن التغيير الذي يدخل على العبارة بتقديم أو تأخير، وتعريف أو تنكير، وإطلاق وتقييد، وذكر وحذف لابد له من صدى في معنى الجملة.

وكم خاض المدققون اللغويون من سجالات محتدمة ونقاشات طويلة، وهم يستشعرون الخطر الداهم على اللغة في التقارير الصحفية التي راحت تجور على ضوابطها الصارمة وتفرض عليها حدودا وقواعد جديدة تعزى إلى التأثر والتماهي في الشائع والمتداول ولو كان غير صحيح.

والحقيقة أن وسائل الإعلام بكل أشكالها المرئية والمسموعة والمكتوبة تمثل الفضاء المفتوح الناقل للمادة اللغوية والمنبر المصدي الذي يخدم اللغة وتخدمه في علاقة تبادلية تشاركية لا غنى لأي منهما عن الآخر .

فأهل اللغة يبحثون في الخطاب الإعلامي وقدراته الاتصالية عن الانتشار والتسويق الواسع للمادة اللغوية ويَعُدّون الإعلام أحد أقوى الأسلحة في معركة المواكبة والاستمرار وفي تجاوز التحديات الحضارية القوية التي تواجه العربية، لذلك يسوؤهم ظهوره بهذا الشكل الهزيل الذي لا نكشف سرا حين نعترف به.

في حين يفتش الخطاب الإعلامي عن القوالب اللغوية المناسبة في العمليات الاتصالية وقبل ذلك يبحث عن السلامة في الأداء اللغوي في مستويات اللغة الثلاثة الصوتي والإفرادي والتركيبي لضمان الدقة في الرسالة التبليغية ( الخبر بالاصطلاح الإعلامي) التي تمثل محور العملية التواصلية وأصل نشأة المدارس الإعلامية التي تـُنظر لذلك.

وهنا نتحدث عن أحد أهم الإشكالات اللغوية التي تعترض الصحفي في ممارسته اليومية وهي توظيف الألفاظ الفنية العلمية وألفاظ الحضارة في التقارير الإعلامية في ضوء ما يعرف اليوم بالصحافة المتخصصة.

لأن التخصص الذي كان في الأمس القريب يتوزع على مجالات واسعة، السياسي والاقتصادي والثقافي، هي اليوم تتشعب إلى تخصصات أدق وأكثر تنوعا، فلدينا اليوم الصحفي المهتم بفنون وتخصصات بعينها كالفلاحة أو التجارة أو الطب أو الموسيقى وغيرها من الاهتمامات الدقيقة.

هذا المنحى الجديد يفرض على الصحفي التعامل مع قواميس خاصة لا تؤدى مدلولاتها من دونها، وما أكثر الفوضى الحاصلة في هذا التوظيف.

2.1. وظيفة الاتصال في اللغة

يحمل مصطلح الاتصال عدة مفاهيم أقربها إلى الوضوح، التعريف القائل إن الاتصال هو : الطريقة التي تنتقل المعرفة، والأفكار بها من شخص (أو جهة) إلى شخص آخر(أو جهة أخرى) بقصد التفاعل والتأثير المعرفي أو الوجداني في هذا الشخص، أو إعلامه بشيء، أو تبادل الخبرات، والأفكار معه، أو الارتقاء بمستواه الجمالي، والقيمي، أو إقناعه بأمر ما أو الترفيه عنه (روحي الفيصل، 2004، ص13).

أما وسائل الاتصال، فهي كما هو معروف محددة ضمن إطار هذا العلم، وهي قابلة للزيادة كلما تطورت التكنولوجيا. ويحصر بعضهم وسائل الاتصال في : الصحافة، الإذاعة، التلفاز (أو ما يطلق على تسميته الصحافة السمعية البصرية)، السينما( شرف، 1980، ص27)، بينما يتوسع بعضهم الآخر فيضيف : وكالات الأنباء، المعارض، المؤتمرات الصحفية، الزيارات الرسمية، العلاقات العامة أو ما يسمى (فن الاتصال بالجماهير)( حمزة، 1958، ص87). ونحن مع هذا الرأي في التوسع بتعدد وسائل الاتصال بل ويمكن إضافة وسائل التواصل الاجتماعي إلى القائمة.

مما تقدم نستنتج: أن كل اتصال يحتاج إلى :

  1. المرسل: وهو الجهة التي ترغب في نقل المعرفة أو الأفكار إلى الآخرين.

  2. المستقبل: وهو الجهة التي تتلقى المعرفة أو الأفكار التي يرسلها المرسل.

  3. قناة الاتصال: الوسيط الذي ينقل المعرفة أو الأفكار إلى المستقبل

  4. الرسالة: أو الهدف الذي يرغب المرسل في نقله إلى الآخرين(روحي الفيصل، 2004، ص13).
    إن مفهوم الاتصال بين اللغة والإعلام له مجال أو أكثر غير مفهوم (الوسيلة) إذ يتفق علماء اللغة والإعلام على ضرورة وجود معنى حتى يمكن لدائرة الاتصال أن تتم، وتؤدي دورها في الإبلاغ) (سيد محمد، 1984، ص8).
    ففي الجانب الاتصالي قدم ويلبور شرام (Wilbur Lang Schramm ) أنموذجا لعملية الاتصال ذكر فيه :

  • أولا المصدر، أو صاحب الفكرة.
    ثانيا التعبير عن الفكرة، وصياغتها في رموز لتكوين الرسالة.

  • ثالثا المستقبل الذي يفك رموز الرسالة.

  • رابعا الاستجابة، ورجع الصدى الذي قد يصل،أو لا يصل إلى انتباه مرسل الرسالة الإعلامية، فإن وصل وفسر تفسيرا صحيحا، فإن الدورة الاتصالية تكتمل(شرف،1974، ص357).
    وهذا التقسيم على الرغم من حداثته إلا أنه لا يختلف كثيرا عن تقسيم الموقف الاتصالي عند أرسطو، والذي هو :

  • الخطيب، أو المرسل.

  • الجمهور، أو المستقبل.

  • الخطبة أو الرسالة، مع ضرورة فهم الخطيب لرسالته وجمهوره على السواء (شرف، 1974، ص347).

يقول ابن خلدون: ”إن الأمور التي يقصد المتكلم بها إفادة السامع من كلامه، هي : إمَّا تصوُّر مفردات تُسنَدُ ويُسنَدُ إليها، ويفضي بعضها إلى بعض، والدلالة على هذه هي المفردات من الأسماء، والأفعال، والحروف؛ وإمَّا تمييز المسندات من المسند إليها، والأزمنة، ويُدَلُّ عليها بتغيُّر الحركات، وهو الإعراب، وأبنية الكلمات. وهذه كلها هي صناعة النحو. ويبقى من الأمور المكتنفة بالواقعات، المحتاجة للدلالة، أحوال المتخاطبين أو الفاعلين، وما يقتضيه حال الفعل؛ وهو محتاج إلى الدلالة عليه،لأنه من تمام الإفادة، وإذا حصلت للمتكلم فقد بلغ غاية الإفادة في كلامه. وإذا لم يشتمل على شيء منها، فليس من جنس كلام العرب؛ فإنَّ كلامهم واسعٌ، ولكل مقام عندهم مقال يختصّ به بعد كمال الإعراب والإبانة” (ابن خلدون، 1967، ص 1064).

فالاتصال وظيفة من وظائف اللغة فضلا عن وظيفتها الأساسية وهي التعبير عن الفكر ويبدو أن الفرق ليس كبيرا بين الوظيفتين (التعبير) و (الاتصال) في النظرة إلى اللغة، لاسيما إذا علمنا أن الإعلام هو : عملية نشر، وتقديم، تشمل : المعلومات، الحقائق، الأخبار، الموضوعات الدقيقة، الوقائع المحددة، الأفكار المنطقية، الآراء للجماهير مع ذكر مصدرها. وفي ضوء تحليل العلاقة بين اللغة والإعلام، نرى أن اللغة ليست وسيلة اتصال بالمفهوم الإعلامي للوسائل الإعلامية، ولكن الاتصال وظيفة من وظائف اللغة(سيد محمد، 1984، ص10)؛ لأننا لا نستطيع أن نقصر وظيفة اللغة على الاتصال أو التعبير عن الفكر وحدهما. بل يجب أن ننظر إلى اللغة على أنها وظيفة اجتماعية، ومن وظائفها الاتصال.

ويظهر فضل الصحافة على اللغة في كونها طوعت اللغة، وجعلتها مرنة تفي بمتطلبات العصر، وتستوعب التطورات التي صاحبت النهضة في ميادين الحياة المختلفة، فقد أشاعت ألفاظاً، واستحدثت ألفاظا جديدة ووسعت آفاق اللغة وطورت أساليبها في العلوم والفنون، فالإعلام قد يسر للغة العربية سبل تبسيطها، بحيث يفهمها أكبر عدد من المتلقين.

3.1. مظاهر اللغة الإعلامية

بما أن اللغة هي الرابطة التي تربط الإعلام بالمجتمع، ولأنها ترجع في عناصرها إلى أمرين : الصوت والدلالة وجب أن ننظر إليها نظرة علمية صحيحة من مختلف جوانبها، لأنها ليست مجموعة القواعد (النحو) وليست وسيلة إفادة فحسب بل هي سلوك اجتماعي، وقد تمظهرت اللغة الإعلامية في مظهرين :

  • الأول إيجابي ويتمثل في انتشار اللغة على نطاق واسع وذلك لسهولة امتدادها بفضل وسائل الإعلام.

  • الثاني سلبي ويتمثَّل في شيوع الخطأ في اللغة وتداول أقيسة وتراكيب وأساليب ليست من الفصحى، بحيث أصبحت اللغة الإعلامية هي الأصل واللغة الفصيحة هي الاستثناء.

وقد تزايد نفوذ الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، بحيث أصبح يشكل عاملا مساعدا على ذيوع اللغة العربية وسعة انتشارها من جهة ولكنه سبّب عزوفا عن تراثها ورصيدها من جهة أخرى.

ولتلافي هذه الازدواجية، فإنه لا مناص لنا من اعتماد المنهج التكاملي في تعاملنا مع اللغة، بأن تواكب الجهودُ التي نبذلها على مستوى مجامع اللغة العربية التطورَ الذي تعرفه اللغة بحكم تأثير وسائل الإعلام فيها، وأن يساير هذا العملُ الأكاديميّ والفني الوضع الحاليّ للغة العربية، بحيث لا يتم خارج نطاق الواقع، وإنما يكون جزءاً من هذا الواقع، يتفاعل معه تفاعلا إيجابيا ينتج عنه ازدهار اللغة العربية وانتشارها، والحفاظ عليها وحمايتها، وتطويرها وتجديدها. من خلال التعامل مع اللغة على أساس أنها كائن حي قابل للتطور والانفتاح على المستجدات في العالم، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا وذلك اعتمادا على القواعد الآتية:

  • أن تلتزم اللغة الإعلامية التراكيب والأبنية الخاضعة لقواعد اللغة.

  • أن تواكب اللغة الإعلامية حاجات المجتمع بحيث تكون لغة متطورة، مسايرة لعصرها.

  • أن يُحتفظ بمساحة بين لغة الخطاب اليومي عبر وسائل الإعلام وبين لغة الفكر والأدب والإبداع.

2. الجانب التطبيقي

قبل أن نخوض في المسألة بالتمثيل يجب أن نشير إلى أن حقيقة الإشكالية التي تم طرحها آنفا ليست بالعمق أو بالخطورة التي يحاول بعض المغرضين طرحها وتصويرها ليُعَرّض باللغة ويغمزها تدليلا على قصورها، وذلك لسبب بسيط وهو أن أهم شروط اللغة الإعلامية هو أن تكون قريبة من الواقع والحياة، توظف الكلمات الأكثر تداولا، فهي تستهدف كل طبقات المجتمع الثقافية، بل كلما كانت شعبية (بالمفهوم النقدي) كانت أقرب إلى تأدية وظيفتها التي قامت لأجلها وهي الإخبار، لذلك نقول إن إشكالية ألفاظ الحضارة بل وحتى الألفاظ العلمية وإن كانت مطروحة في الخطاب الإعلامي فإن طبيعة هذا الخطاب المشروط بضرورة الوصول إلى المتلقي تخفف من وطأتها.

وعندما غاب التنسيق بين الهيئات اللغوية المتخصصة والمؤسسات الإعلامية أوكل الصحفي إلى نفسه وإلى اجتهاده الخاص فتباين التعامل مع ألفاظ الحضارة بتباين ذهنيات الصحفيين بل وحتى أمزجتهم وتوجهاتهم:

فريق من الصحفيين تعاملوا مع اللغة العربية بالعقلية الليبرالية يأخذون الكلمة كما وردت إليهم بلغتها الأجنبية الأصلية وعن سبق إصرار وتعمد يوظفونها في تقاريرهم حتى وإن كان لها مقابل باللغة العربية تحت ذريعة واهية انتشرت للأسف في الأوساط الإعلامية وهي قولهم: « خطأ شائع خير من صواب مهجور »

وحتى نمثل لهذا النوع من المفردات لدينا التالي:

  • توظيف كلمة (كوادر) المؤسسات، عوض إطارات.

  • توظيف كلمة (أجندة) حين يتحدثون عن الرزنامة أو جدول أعمال.

  • توظيف كلمة (الكليشيه والكليشيهات) عوض الرسم والرسوم أو الرواسم للحديث عن التعبير الجاهز أو العبارة المتداولة، واتسع استعمال الكلمة لتأخذ معنى الكلام المبتذل.

  • توظيف (التويتة) عوض استعمال التغريدة.

  • توظيف (الرسكلة) عوض إعادة التأهيل.

  • توظيف (السوشل ميديا): مقابل منصات التواصل الاجتماعية.

  • ونجده يكتفي مثلا بترجمة الكلمة الثانية والإبقاء على الأصل الأجنبي للكلمة الأولى في الكلمات المركبة مثل : (Afro – asiatique ) فيقول ( الآفروآسيوية) عوض أن يقول ( الإفريقية – الآسيوية ).

– وتطرف بعض الصحفيين من هذا الفريق إلى استعمال تعبير (فيديوكونفيرانس) عوض استعمال تقنية التحاضر عن بعد لأسباب خارجة عن السياق اللغوي العلمي لا داعي لذكرها.

الصحفي من هذا النوع يستهويه الصدى المدوي لهذه الكلمات الذي لم يقوه إلا الاستعمال الواسع، ويشده بريقها الذي يزيد من توهجه تداولها على ألسنة بعض الأسماء الإعلامية الكبيرة في الفضائيات العربية المشرقية، فيسارع إلى توظيفها تماهيا وتقليدا وبحثا عن الظهور بالمماثلة والمحاكاة الشكلية ليس إلا.

وعلى الرغم من أن هذه الأسماء الكبيرة في الإعلام تمثل مرجعا في الأداء الإعلامي والمهنية فإنها ليست كذلك بالنسبة للمرجعية اللغوية، فالشهرة التي نالوها تحوطهم بهالة وهمية ترسم حولهم تكسبهم هذه المرجعية اللغوية التي لا يستحقونها.

هذا الشكل الأول من أشكال التعامل مع ألفاظ الحضارة موجود بكثرة في اللغة الإعلامية للأسباب التي أسلفت ذكرها وأعني قضية الصواب الشائع والخطأ المهجور، لكن ما يخفى على هذا الفريق هو أن قضية الشيوع التي يتعلل بها هي في الأساس إحدى المسؤوليات المنوطة بالصحفي والتي قصر عن تأديتها، فالمفردات مطروحة في المعاجم العربية، وبعضها قد ولد من رحم المجامع اللغوية يعرفها أهل الاختصاص، ويبقى دور الشيوع والاستعمال الواسع من واجبات المنابر الكبيرة والتي تنتظم على رأسها المنابر الإعلامية.

ونمثل على ذلك بمصطلح (الجائحة) مثلا الذي لم يكن معروفا إلا في الأوساط الضيقة جدا لأنه لم يكن متداولا فلما شاع استعماله بانتشار الوباء واجتياحه لكل ربوع المعمورة اجتاح معه الاصطلاح كل ربوع البلاد العربية.

هذا الفريق من الصحفيين هو الذي جعل الخطأ شائعا بتوظيفه، وجعل الصواب مهجورا بالابتعاد عنه إما جهلا وإما تماهيا في الآخر وانسلاخا.

أما الفريق الثاني فتعامل مع ألفاظ الحضارة باجتهاد خاص لإيجاد المقابل أصاب به المعنى- ربما - لكنه أخطأ الدقة وحاد عن التواضع والاصطلاح، فجهله للمقابل الصحيح ألجأه للتحايل على المعنى بتوظيف شرح الكلمة عوض اسمها، وهنا نجده يعتمد على إظهار وظيفة المدلول لا الدال المباشر له ومن ذلك :

  • كلمة (Bidet ) يستعمل في مقابلها ( مكان غسل الأرجل)

  • وكلمة (Friperie): مترجمة إلى (متجر الألبسة المستعملة).

  • وكلمة: Gyrophare: (فانوس دوار).

أما الإشكال الحقيقي الكبير الذي يواجهه الصحفي وهو يوظف المصطلح الحضاري المعتمد لدى بعض أهل الاختصاص فهو :

  • عدم دقة المقابل العربي المقترح لما يتصف به من شمول لا يعكس المعنى الدقيق المقصود أو المعنى المقابل باللغة الأجنبية، لاشتراك المعنى المضمن في الكلمة مع بعض المعاني الأخرى غير التي يريدها الصحفي، فيقع في حرج عدم وصول المعلومة إلى المتلقي، وهنا يضطر إلى إتباعها بالشرح أو إلى الاستغناء عنها والاعتماد على الشرح بالأساس، ومن هذه الكلمات على سبيل التمثيل:

  • Bibelot : تحفة، فهذا الاصطلاح أوسع بكثير من المدلول المخصوص.

  • Bâche : غطاء بلاستيكي، معنى عام يصلح أن يقال عن كل أنواع الأغطية البلاستيكية.

  • Pâtisserie : حلوى، كعك. (عموم لا يخدم المعنى الخاص).

  • Bidet : مطهرة (عموم لا يخدم المعنى الخاص).

وقد يحدث العكس فتتسم الكلمة العربية بالخصوص للتعبير عن معنى عام وشامل تعنيه الكلمة الأجنبية.

  • Banquier : صيرفي / أو مصرفي فالكلمة الفرنسية هنا أشمل من المقابل لأن العمليات التي يجريها موظفو البنوك لا تقتصر على الإجراءات المصرفية فيضطر الصحفي إلى توظيف عامل البنك عوض مصرفي.

الإشكال الآخر في توظيف المصطلح الحضاري هو عدم وجود المقابل العربي لبعض المعاني المرادة أصلا وهنا نسأل عن دور المجامع اللغوية العربية في مسايرة هذا الواقع الذي أرغم الصحفيين على الاجتهاد واستعمال بعض الكلمات باعتماد الترجمة الحرفية وإقحام الأوزان العربية لبعض الكلمات غير الصحيحة لغويا لتؤدي المعنى المقصود (ونحن هنا نقيس الصحيح والخطأ على ما وجدناه في المعاجم العربية وما لم نجده ) ومن ذلك :

  • المَأسسة كقولهم: « مأسسة هذه الجهود، أي جعلها في إطار مؤسسات.

  • (الأخلقة) كقولهم في التقارير (أخلقة العمل السياسي )-

  • كلمة - الدَمَقْرَطة – من جعل الجو ديمقراطيا

  • وكلمة Fourrière : التي تترجمها التقارير الإعلامية بكلمة محشرة على الرغم من عدم اعتمادها على حسب اطلاعي المتواضع .

  • و Flash disque : قرص وامض

.... وغيرها من الكلمات التي يضطر المدققون اللغويون إلى قبولها لاختصارها المعنى وعدم وجود مقابل عربي لها.

  • المسألة الأخيرة التي تتعلق بألفاظ الحضارة في اللغة الإعلامية هي احتضان اللغة العربية لنوع جديد من الدخيل فرض نفسه بقوة الواقع العام ليس على العربية فحسب، لكن على كل اللغات لارتباط المصطلح بظواهر تكنولوجية مشتركة استغنت اللفظة معها عن المقابل.

  • مثل كلمة» ترند " التي تشير إلى الموضوعات التي يتم تصنيفها حاليا باعتبارها الأكثر شيوعا وتداولا على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك – تويتر – أنستاغرام – يوتيوب).، بل نجد الفضائية العربية مثل BBC بالعربية قد سمت أحد أشهر برامجها التي تتناول القضايا الشائعة [تراندينغ] وقد قلدها التلفزيون الجزائري وبعض التلفزيونات العربية في الاسم والمحتوى.

  • هاشتا : هي عبارة عن تغريدات موجهة قليلة المبنى عميقة المعنى على مواقع التواصل الاجتماعي تأتي على شكل عبارات مؤثرة أو شعارات أو أرقام، من بين استخداماتها أنها تستعمل لاستمالة الرأي العام وتعبئته نحو قضية معينة.( سياسية أو اجتماعية أو في أي مجال آخر).

  • الجرائم السيبرانية من (Cyber cime) : واللفظة تعبر عن شكل جديد من أشكال التعدي على الأفراد والجماعات باستخدام الوسائل المعلوماتية وتوظيف تقنية الإعلام الآلي والإنترنت العابرة للدول والقارات.

خاتمة

حين ننظر إلى اللغة على أنها ظاهرة اجتماعية متحركة كغيرها من الظواهر التي تقبل التطور والنمو فإننا يجب أن نقف على مفهوم التعريب أو الاقتراض باعتباره أهم وسيلة يتقدم بها الفكر الإنساني عموما والفكر العربي، وأن هذا النوع من التبادل بين اللغات ظاهرة صحية ليست وليدة واقعنا فحسب، بل هي عريقة عراقة العربية التي لم تتحسس يوما من التجاوب والتفاعل مع اللغات الأخرى، فهي الاستجابة المنطقية بل الضرورية لمقتضيات الحضارة وضرورات الحياة. لكن ..

ومن واقع الممارسة نحن ملزمون بالاعتراف بالفوضى الحاصلة في هذا التفاعل بين اللغة والإعلام حول ما تعلق بألفاظ الحضارة وباقي مستويات التوظيف اللغوي، وإذا كانت المسؤولية مشتركة ومتشعبة فإن تراجع دور المجامع اللغوية في توليد الألفاظ المناسبة وتوفيرها وصناعة معاجم متخصصة ينتظم على رأس أسباب انتشار هذه الفوضى.

ولم لا.. إيجاد هيئة لغوية مرجعية موازية لسلطة الضبط (أو في أضعف الإيمان) فتحُ فروع متخصصة في مجمع اللغة العربية في الجزائر أو المجلس الأعلى للغة العربية تقتصر على خدمة اللغة الإعلامية لأهميتها وخطر دورها وتعالج إشكالاتها الطارئة على سبيل الاستئناس وتوفر المرجعية العلمية الصحيحة، مع ضرورة مضاعفة التنسيق مع المؤسسات الإعلامية وترسيمه باتفاقيات ثنائية تضمن التكوين وتطهر الخطاب الإعلامي مما علق به من ألفاظ هجينة وكلمات مبتذلة أحيانا.

الفيصل، سمر روحي ومحمد جهاد جمل (2004). مهارات الاتصال في اللغة العربية. منشورات دار الكتاب الجامعي- العين (الإمارات العربية المتحدة). ط1.

شرف، عبد العزيز (1980). المدخل إلى وسائل الإعلام.الكتاب المصري- القاهرة. ط1 .

حمزة، عبد اللطيف (1958). الإعلام والدعاية. دار الفكر العربي. القاهرة. ط2.

 سيد محمد، محمد (1984). الإعلام واللغة. (سلسلة البحوث الاعلامية1) عالم الكتب. القاهرة.

 شرف، عبد العزيز (1974). الإعلام ولغة الحضارة. مجلة اللسان العربي 1 المجلد 11.الرباط- المغرب.

 ابن خلدون (1967). المقدمة. دار الكتاب اللبناني. بيروت. ط 3.ج1.

فريدة بلاهدة

مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية

مقالات للكاتب نفسه

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article