دور التعددية الإعلامية والثقافية في تحقيق التنمية المستدامة: «مظاهر تفاعل التنوع الثقافي وملامح العلاقة»

Le rôle du pluralisme des médias et du multiculturalisme dans la réalisation du développement durable : «aspects de l'interaction de la diversité culturelle et caractéristiques de la relation»

The role of media pluralism & multiculturalism in achieving sustainable development: «aspects of cultural diversity’s interaction & features of relationship»

أ. وفاء بورحلي و د. عبد الرزاق غزال

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

بحث إلكتروني

أ. وفاء بورحلي و د. عبد الرزاق غزال, « دور التعددية الإعلامية والثقافية في تحقيق التنمية المستدامة: «مظاهر تفاعل التنوع الثقافي وملامح العلاقة»  », Aleph [على الإنترنت], Vol 9 (4) | 2022, نشر في الإنترنت 09 octobre 2022, تاريخ الاطلاع 29 mars 2024. URL : https://aleph.edinum.org/6859

تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على مفهومي التعددية الإعلامية والثقافية وإبراز سياق العلاقة بينهما من منطلق كيفية تناول هذه الوسائل لقضايا التنوع الثقافي واهتمامها به ومنه مستويات تأثيرها على تنمية المجتمع عبر دراسة نظرية تحليلية، وصلنا من خلالها إلى التأكيد على وجود علاقة وجوبية بين وجود التعددية الثقافية وتحقيق التعددية الإعلامية في أي مجتمع، وكذا وجود علاقة تفاعلية بين التنوع الثقافي وتحقيق التنمية المستدامة وأهمها حق الأقليات في الانتفاع بالمعلومة والتعبير عن ثقافاتهم وآرائهم من خلال وسائل الإعلام، إلى كونه يساهم في خلق الحوار بين الثقافات وتحقيق الاحترام والتفاهم والمساواة وبالتالي تعزيز التنمية اجتماعيا، ثقافيا وحتى سياسيا واقتصاديا.

Cette recherche vise à mettre au point les concepts du pluralisme médiatique et multiculturalisme et à mettre en évidence le contexte de leur relation en examinant ces moyens pour les questions de diversité culturelle, y compris les niveaux de leur impact sur le développement durable à travers une étude théorique analytique, dont l’étude a abouti de nombreux résultats notamment : l’existence d’une relation obligatoire entre le pluralisme culturel et la réalisation du pluralisme médiatique, ainsi qu’une relation interactive entre la diversité culturelle et la réalisation d’un développement durable, dont le plus important est le droit des minorités à utiliser les informations et à exprimer leurs cultures et leurs opinions à travers les médias ; ainsi, à contribuer à la création d’un dialogue entre les cultures, réaliser le respect, la compréhension et l’égalité et finalement à promouvoir le développement social, culturel et même politique et économiquement.

This research paper aims at setting the concepts of media and cultural pluralism, then highlight the context of their relationship by examining cultural diversity issues, including levels of their impact on community development through an analytical theoretical study, through which we came to emphasize the existence of a compulsory relationship between the existence of multiculturalism and achieving media pluralism in any society, as well as the existence of an interactive relationship between cultural diversity and achieving sustainable development, the most important of which is the right of minorities to use information and express their cultures and opinions through the media; Also to being contributing to creating dialogue between cultures and achieving respect, understanding and equality and thus promoting development socially, culturally and even politically & economically.

مقدمة

يعنى الإعلام بأدوار مختلفة وكبيرة وهو الذي يضطلع بإنتاج رسائل إعلامية مختلفة المضامين والأنواع تؤدي وظائف متشعبة، ما يمنح لوسائل الإعلام وتقنياته أهمية كبيرة نتيجة للدور المحوري الذي تقوم به أو ينتظر منها القيام به في أي مجتمع كان.

إن الوظائف التي تكلف بها وسائل الإعلام عموما ومهما كانت متخصصة من حيث المحتوى والجمهور يفترض أن تسعى في مجملها إلى تطوير المجتمع والسهر على ازدهاره وتوفير خدمة عمومية مرضية لأفراده؛ وهو ما يعني بشكل آخر أن تعمل على تحقيق التنمية فيه باستدامة على مختلف الأصعدة والمجالات، خاصة وأنها تغطي أغلب النشاطات ضمنه منها ما تعلق بالإخبار والصحة، التربية والتعليم، التثقيف والوقوف بالاقتصاد، التنشئة الاجتماعية والسياسية، التسلية والترفيه... الخ (بالإخبار والصحة والتربية والتعليم والتثقيف والوقوف بالاقتصاد والتنشئة الاجتماعية والسياسية والتسلية والترفيه) وهي نشاطات ووظائف غير محدودة زمنيا بل مستمرة على المدى الطويل استمرار وتعاقب الأجيال المختلفة.

وعليه، يشترط لتحقيق غايات الوظائف المذكورة على أكمل وجه وتفعيل التنمية التي تراهن على إحداث تحسين وتغيير إيجابي (إيجابيين)، أن يكون الإعلام حرا ومستقلا، هادفا (وهادفا) وموضوعيا مراعيا لمختلف مكونات المجتمع؛ خاصة وأن السياقات الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية والسياسية تختلف من مجتمع إلى آخر، وقد تختلف داخل المجتمع نفسه.

في هذا السياق، يعد مبدأ التعددية الإعلامية أساسا لحرية الرأي والتعبير، كما يرتبط بالتعددية الثقافية والتنوع الثقافيين كمؤشرات أساسية أصبحت تطرح قضايا راهنة ومهمة للدراسة والبحث والتحليل، يأتي هذا في ظل تطور مفهوم وطبيعة مدلول التنمية المستدامة (مفهوم مدلول التنمية المستدامة وطبيعتها) وتجاوزه الشق الاقتصادي والبيئي إلى الشق الإنساني الاجتماعي بما يعرف بالتنمية الإنسانية المستدامة التي تشكل فيها المقومات المشكلة لثقافة الإنسان، حقوق الإنسان وحرياته ومن بينها ما ذكرناه أعلاه حجر الزاوية لقيامها.

وفي سياق آخر، أنتجت التطورات التكنولوجية الحديثة والانفجار المعلوماتي رؤى ثقافية متعددة من جهة، في ظل وجود أنماطا ثقافية قائمة وسائدة من جهة أخرى، بما كرس تنوعا ثقافيا كبيرا، مؤثرا ومتأثرا بمختلف السياقات الأخرى، خاصة وأن الأخيرة بطبيعة الحال مظاهر مستمرة في ظل تعاقب الأجيال ترتبط بالتنمية وتطرح إشكالات عديدة فيما تعلق بتحقيق تطوره ورفاهيته.

يبدو جديرا مما سبق دراسة العلاقة بين كل من الإعلام والثقافة والتنمية، خاصة في ظل الاهتمام الأكاديمي والدولي الكبير بقضايا التعددية الإعلامية التي تعتبر (تعد) معيارا أساسيا لقياس مدى تطور الدول وهامش الحريات فيها وترتيبها حسبه، إضافة إلى ما يطرح من مشكلات ودراسات بخصوص التعدد الثقافي والهويات والتماسك الاجتماعي، وهي مستويات مرتبطة ارتباطا مباشرا بتفعيل التنمية المستدامة في المجتمع بآليات من المهم الكشف عنها علميا، وهو ما دفعنا إلى طرح التساؤل الرئيسي التالي (الآتي):

  • «كيف تساهم التعددية والتنوع الثقافيين (الاول مذكر والثاني مؤنث، لا يمكن الجمع بينهما) في تكريس التعددية الإعلامية ومنه تحقيق التنمية المستدامة؟»

1. الجانب المنهجي

1.1. الإطار العام للدراسة

  1. التساؤلات الفرعية

  • فيم تتمثل مقومات تكريس التعددية الإعلامية؟

  • فيم تتمثل أبعاد التنمية المستدامة؟

  • ما سياق العلاقة بين التعددية الإعلامية، الثقافية والتنمية المستدامة؟

  • ما هو دور كل من التنوع الثقافي والإعلامي في تفعيل التنمية المستدامة؟

  1. أهداف وأهمية الدراسة (أهداف الدراسة وأهميتها)

  • تعتبر مواضيع التعددية والتنمية المستدامة من المواضيع التي تولى لها أهمية أكاديمية كبيرة في المجال اعتبارا لدور ووظائف هذه المتغيرات في تطوير المجتمع على أصعدة مختلفة ويأخذ هذا البحث أهميته من منطلق ذلك.

  • تهدف الدراسة إلى الكشف عن سياق العلاقة التي تربط التعددية بالتنمية المستدامة وتأثر فيها سلبا أو إيجابا عبر إبراز آليات عملها.

  • تهدف الدراسة إلى إثراء المفاهيم المتعلقة بموضوع البحث وعرض شبكة مؤشرات متكاملة للإحاطة بشكل مفصل وواف بها والتقاطعات بينها ومنه تطوير آليات عملها للوصول إلى تحقيق أهدافها في المجتمع.

2.1. مراجعة الأدبيات الأكاديمية

تميل البحوث العلمية المتعلقة بدراسة التعددية الإعلامية إلى دراستها في سياق جزئي غير كامل وربطها أحيانا بمقوم واحد هو التعددية السياسية مما يوقعها غالبا في إغفال ربطها بالمقومات الأخرى التي تشكل شبكة مؤشرات تربطها علاقات معينة لتحقيقها، كما تركز معظم الدراسات التي تعالج التنمية والتنمية المستدامة على البعد الاقتصادي ثم البيئي كمستوى أول وبعده البعد الإنساني؛ مع ملاحظة أنه لا يوجد عدد كبير من البحوث التي ربطت بين التعدديتين الإعلامية والثقافية كمقوم لها وبين التنمية المستدامة خاصة التنمية المستدامة الإنسانية، باستثناء بعض الدراسات التي سلطت الضوء مباشرة على دور التنوع الثقافي كجزء منها في تفعيل التنمية دون إبراز مكانة القطاع الإعلامي في ذلك؛ وعليه نجد من هذه الدراسات التي ارتبطت ارتباطا غير مباشر بموضوع هذه الورقة:

  • دراسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة سنة 2015 بعنوان1: حيث هدفت إلى دراسة دور وسائل الإعلام في تشكيل مستقبل مزدهر قائم على التنمية من خلال دراسة كيفية ارتباطها بأهداف العملية الإنمائية الاجتماعية، من خلال إثراء مجموعة من النقاشات العلمية تخرج بورقة طريق مفصلة، حيث أكدت الأخيرة أن تحقيق التنمية المستدامة لا يمكن أن يتم بمعزل عن وسائل الإعلام ودورها المحوري في ذلك، مع الإشارة إلى أنه لا توجد صيغة واحدة لتطبيقها دوليا، إذ أن لكل بلد حاجة للاستجابة إلى مشكلات وإمكانات محددة عبر مسارات مختلفة للوصل إلى هذه النقطة، وبالتالي فإن أفضل طريقة لتحديد ما يناسب شعب بلد ما هو الانفتاح على مناقشة الأفكار والاهتمامات المتعددة إلى جانب مكوناتها لحرية الإعلام والتعددية والاستقلالية (UNESCO, 2015) . لقد أشار هذا البحث وإن كان ذلك بشكل ضمني إلى دور وسائل الإعلام في تحقيق التنمية المستدامة من خلال التعبير وحرية الرأي والتفكير كما أشار إلى اختلاف تطبيق ذلك في مجتمع عن آخر وذلك نظرا لاختلاف السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية بينهما وهو ما يعبر بشكل أو بآخر عن التعددية؛ ونحاول من خلال هذه الدراسة التفصيل أكثر في آليات عمل التعدديتين الإعلامية والثقافية لتفعيل التنمية المستدامة.

  • دراسة فوزية حجاب الحربي سنة 2016 بعنوان2: وانطلقت الباحثة من التأكيد على أهمية العلاقة المتبادلة بين الإعلام والتنمية المستدامة وهدفت إلى ربط مفهوم التنمية المستدامة بالإعلام من خلال عرض شروط تحقيقها ودور التخطيط الإعلامي في ذلك؛ وخرجت الدراسة بنتائج عديدة أهمها أنه يشترط في الإعلام أن يكون حرا ليقوم بدوره في تحقيق التنمية المستدامة مع ضرورة أن تتنوع أدواته ووسائله في ذلك إلى جانب ضرورة استحداث دوائر متخصصة في مجال الإعلام التنموي لدى مؤسسات الحكومات ونشر ثقافة التنمية لدى المجتمع بواسطة سياسة إعلامية تتضمن تنفيذ حملات جماهيرية متعددة النوعيات، طويلة النفس وعميقة المدى (الحربي، 2016). يبدو أن الباحثة ومن خلال النتائج المتوصل إليها أشارت إلى التعددية الإعلامية وسياق علاقتها بالتنمية المستدامة بشكل ضمني غير مباشر حيث جاءت النتائج مرتبطة بشبكة المؤشرات التي تشكل مقومات التعددية الإعلامية.

  • دراسة ضحى هلال سنة 2018 بعنوان3: هدفت هذه الدراسة إلى عرض أهم النظريات المفسرة لدور الإعلام في التنمية المستدامة مبرزة من خلالها خصائص وأنواع الإعلام التنموي وعوامل ظهوره ومن بينها الفجوة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وكل ما أفرزه ظهور تكنولوجيا المعلومات؛ بينما ركزت على التنمية السياسية كشكل من أشكال التنمية حيث ركزت على دور وسائل الإعلام في تنمية القيم الديمقراطية من خلال تشجيع المشاركة والتعبير عن الرأي وتشكيل الرأي العام، إضافة إلى تنمية الوعي السياسي خاصة لدى شعوب العالم الثالث، مع الإشارة إلى أن طبيعة هذا الوعي تتحدد وفقا للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع (هلال، 2018).

لقد مكنت الدراسات السابقة الذكر المؤلفان من بناء تصور نظري عام حول موضوع البحث، حيث انطلقا من خلاله إلى بناء تصورات نظرية ومعالجات تحليلية لمختلف السياقات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بمتغيرات الدراسة الحالية، خاصة وأن هذه الدراسات أشارت إليها بشكل ضمني غير مفصل وصريح؛ ورغم أنها سلطت الضوء على أهميتها في سياق جزئي إلا أنها أغفلت إبراز السياق الكلي للعلاقات التي تحكمها والآليات التي تعمل من خلالها عبر أدوار متشعبة ومختلفة المستويات والتأثيرات؛ وبالتالي نسعى إلى سد هذه الفجوة المعرفية من خلال هذه الورقة البحثية.

3.1. ضبط مفاهيم البحث

1.3.1. التعددية Pluralism

يقصد بالتعددية في معجم المصطلحات الاجتماعية «تعدد أشكال الروح الاجتماعية في نطاق كل جماعة، وتعدد الجماعات داخل المجتمع وتعدد الجماعات نفسها (بدوي، 1986، ص 317)، ويعرفها معجم المصطلحات السياسية على أنها: تنظيم حياة المجتمع وفق قواعد عامة مشتركة تحترم وجود التنوع والاختلاف في اتجاهات السكان ذات الأطر الواسعة حيث تختلط الاتجاهات الايديولوجية والفلسفية والدينية؛ فيما يرى» روجيه لابوانت « أن التعدد يوجد حيثما يوجد التنوع، أيا كان الشكل الذي يتخذه ديني، عقائدي، فلسفي، طبقي أو حزبي (عياش، 2018، ص 03).

تعني التعددية اجتماعيا وجود مؤسسات فئات وجماعات غير متماثلة التوجهات في المجتمع، سواء كان هذا التوجه والاختلاف فيه، عقائديا، ثقافيا واثنيا، وحتى سياسيا، وهي بذلك تقوم على التنوع والاختلاف ضمن هذه المستويات، سواء كان ذلك في نطاق مجتمع محلي واحد وقد يتعداه إلى النطاق الدولي؛ كما يختلف بموجب ذلك التعدد باختلاف النطاقات الجغرافية وباختلاف المواضيع والمجالات التي يرتبط بها والدرجات التي يصل إليها، بحيث يكون إيجابيا أو سلبيا، مقبولا أو مرفوضا، معززا أو مفتتا وهو ما سنشير إليه بشيء من التفصيل في المحاور اللاحقة.

1.1.3.1. التعددية الإعلامية Media pluralism

يعد مفهوم التعددية الإعلامية مفهوما معقدا ومتعدد الأبعاد يتكيف وفقا لسياق محدد؛ وغالبا ما يتم تعريف التعددية باستخدام الازدواجية» الداخلية/الخارجية «، حيث تشير التعددية الخارجية إلى تعدد المصادر، بينما تشير التعددية الداخلية إلى تنوع المحتوى الذي يتم تقديمه من خلال كل وسيط أو وسيلة إعلامية (De Bustos & Del Rio, 2014).

يرى زرن من هذا المنطلق أن التعددية الإعلامية تفهم عامة بالعودة إلى مؤشرين: (زرن، 2013، 46)

  1. مؤشر خارجي: يتعلق بملكية وسائل الإعلام.

  2. مؤشر داخلي: يتعلق بمضمون وسائل الإعلام والذي بدوره ينقسم إلى:

  • مؤشر كمي: يتمثل في حجم الأخبار والأراء التي تعرض على الرأي العام، ذلك أن وفرة الأخبار والآراء هي أهم المؤشرات الدالة على تعددية الوسيلة الإعلامية والتي لا تفهم إلا ضمن سياق تلازمي مع عنصر التنوع. إن التعدد الكمي للآراء وحده وفي غياب تعدد كيفي يمكن أن يتحول إلى معيق لمبدأ التعددية.

  • مؤشر كيفي: ويعني به» كل ما له علاقة بخلفية الآراء المعروضة، السياسية منها والإيديولوجية وحتى الثقافية؛ من جهة أخرى تمثل مواضيع الآراء والأخبار المعروضة من سياسية إلى اقتصادية إلى رياضية إلى صحية عنصرا محددا لمبدأ تعددية الإعلام؛ كما يبرز البعد الكيفي في عرض الأفكار والأخبار في كل ما له صلة بالأشكال الصحفية كالروبورتاج والتحقيق والحديث الصحفي أو غيرها من الأشكال الصحفية «.

يرتكز مفهوم التعددية الإعلامية على التنوع الكمي والكيفي، إذ تقوم كميا على ضرورة تشتيت الملكية الصحفية ورفع الاحتكار والتركيز عنها، ويتجاوز التنوع الكمي هذا الشرط إلى ضرورة وجود كم وعدد متنوع من المضامين والمصادر والجمهور المختلف التوجهات والغايات، أما التنوع الكيفي فيتعلق بتعدد نوعية المواضيع والآراء وتمثيلها بشكل متوازن من خلال معالجتها بمختلف الأنواع الصحفية وأساليب التعبير الممكنة مع انفلاتها من الرقابة المقيدة وسيطرة القوى السياسية والاقتصادية بما يضمن الحق في الإعلام للجميع على اختلاف اعتقاداتهم وتوجهاتهم وأماكن تواجدهم.

2.1.3.1 التعددية الثقافية Multiculturalism

تعرف الثقافة على أنها ذلك الكل المركب من المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقانون والأعراف وكل ما اكتسبه الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع؛ كما تعرف على أنها مجمل السلوك الاجتماعي المكتسب والمتعلم الذي يتم نقله من جيل لآخر (صالحي، 2015، ص 261).

  1. التعددية الثقافية فلسفة سياسية أو اجتماعية تعمل على تطوير التنوع الثقافي في مجتمعات تنتمي إلى خلفيات عرقية أو دينية أو ثقافية متعددة، وغايتها تطوير التفاهم المشترك بين المكونات الاجتماعية بما يحقق المساواة فيما بينها في الحقوق والواجبات حيث تسعى التعددية الثقافية إلى تنظيم أحوال الجماعات متنوعة الثقافات، ومنحها شعورًا بالقيمة، المكانة والتقدير (ابراهيم، 2017)؛ كما تتجلى التعددية الثقافية في الاحترام المتبادل ومحاولة عدم تشويش مكون ثقافي على مكون آخر مغاير، وكذا في إهمال الفوارق بين الهويات من أجل خلق وحدة متماسكة داخل المجتمع، أي أنه لا هيمنة لثقافة واحدة أو أفضلية لثقافة عن باقي الثقافات أو تهميش لمجموعة من الثقافات على حساب الثقافة السائدة والمهيمنة (غزال وبورحلي، 2019، ص 120). تتنافى التعددية الثقافية مع الأحادية الثقافية وتقوم في جوهرها على على نقطتين: أولها، ثراء المجتمعات بفئات مختلفة الثقافات ومنه الايديولوجية واللغة وغيرها؛ وثانيها: القبول من خلال احترام الاختلافات بينهم، حماية حقوقهم وتمثيلهم والتعامل معه بشكل متوازن ومساواة في مختلف المجالات دون سعي للهيمنة أو المساس بالهوية.

  2. التنوع الثقافي Cultural diversity: يقصد بالتنوع الثقافي الاختلافات القائمة بين المجتمعات الإنسانية في الأنماط الثقافية السائدة فيها ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية (الدوماني، 2015، ص 242)؛ ويحمل مفهوم التنوع الثقافي فكرة التعايش بين أكثر من مظهر ثقافي داخل نفس الوسط المجتمعي (صالحي، 2015، ص 261)، في ظل تعدد الأشكال التي تعبر بها المجتمعات عن ثقافاتها وكذلك قدرة الأفراد على اختيار أشكال التعبير الثقافي؛ ويعد التنوع الثقافي بذلك امتدادا للتعددية الثقافية والقاعدة المكونة لها بشرط أن يتشكل اعترافا بالاختلافات المذكورة وتقبلا للتعايش معها ابتعادا عن هيمنة ثقافة واحدة وسيطرة الأحادية الثقافية.

2.3.1. التنمية المستدامة Sustainable development

عرف مفهوم التنمية تحولات كبيرة انتقل فيها من المفهوم الضيق القائم على الكم الاقتصادي إلى المفهوم الواسع القائم على محورية الإنسان، خاصة بعد تأكيد إعلان الحق في التنمية لسنة 1986 الذي كان له الفضل في ربط عملية التنمية بحقوق الإنسان صراحة؛ ولأن مفهوم التنمية المستدامة مساحة واسعة من القضايا؛ فإننا نقصد عموما بالتنمية إحداث نوع من التغير في المجتمع الذي تتوجه نحوه وأن هذا التغيير من الممكن أن يكون ماديا يسعى إلى رفع المستوى الاقتصادي والتكنولوجي للمجتمع، وقد يكون معنويا يستهدف تعزيز اتجاهات الناس ومنه تعزيز أهداف التنمية (أحمد، 2007، ص 06)؛ وهي بهذا عملية هادفة في الزمان والمكان تسعى وتراهن على إحداث تغيير إيجابي.

ويعني مفهوم الاستدامة التواصل والاستمرارية، حيث لا معنى لأي نشاط تنموي لا تكتب له الاستدامة بحيث تستفيد منه الأجيال القادمة (مسعودي، 2009، ص 09)، أي مع ضمان رفاه وحقوق الأجيال القادمة ودون المساس باحتياجاتهم بل وتهيئتها من أجلهم.

نشير إلى أن تعريف التنمية يظل مرتبطا دوما بالخلفية العلمية والمجالات والمواضيع التي يرتبط بها، لذلك ارتأينا ضمن هذه الورقة البحثية تعريفها من منظور المجتمع والتنمية الانسانية التي تعد امتدادا للمفهوم الأول (التنمية والتنمية المستدامة) ومرتبطا بالممارسات الاجتماعية ومنه التعدد المجتمعي وبالتالي التعدديتين الثقافية والإعلامية باعتبارهما تبنيان على ذلك؛ و» ترتبط إذن التنمية الإنسانية بالحريات المدنية والسياسية وتتمثل المفاهيم التي أضفت البعد الإنساني للتنمية في الحاجات الإنسانية، رأس المال البشري والموارد البشرية، وتشمل أهداف وغايات ترتبط بجودة الحياة، رفاهية الفرد والحفاظ على كرامته الإنسانية فهي بذلك تتجاوز الحياة والأهداف المادية ولا تقتصر عليها فقط (ومن بين ما نقصده في هذا الصدد ويرتبط بموضوع بحثنا على سبيل المثال حرية الإعلام والحق فيه، الحق في المشاركة وغيرهما... وهو ما سنفصل فيه لاحقا).

2. دور التعددية والتنوع الثقافيين في تحقيق التعددية الإعلامية

1.2. التعددية الثقافية بين التوازن والاختلال

لعل أبرز ما خلفته التحولات الكبرى على الصعيد السياسي والاقتصادي والتقني التي شهدها العالم من تأثيرات متنامية على الخصوصيات الثقافية لمجتمعات لعالم المختلفة خاصة مع دخول العولمة بقوة حيث عملت وسائل الإعلام الغربية ونماذجها على تشكيل حالة من فقدان الهوية الثقافية لشعوب العالم من خلال بناء ثقافة موحدة بحيث يسود نمط ثقافي يكرس قيم الاستهلاك كحالة ثقافية أحادية تسيطر على الثقافات الأخرى؛ تستند في انتشارها على التقدم الهائل في تقنيات الاتصال (الصرايرة، 2014، 196).

غالبا ما تعمل هذه الممارسات من نشر وترويج للمنتجات الثقافية والإعلامية ومختلف المعلومات تحت غطاء التعددية الثقافية والتنوع وتأخذ من الديمقراطية والانفتاح مبررا لها، ولكنها غالبا كذلك قد تحمل أهدافا ومساعي خفية تشكل مأزقا للتعددية وتتنافى معه إذ قد تهيمن بشكل يؤدي إلى الأحادية الثقافية وهو ما طرحه مفهوم العولمة باعتباره ظاهرة أثارت جدل الباحثين حول ما تحمله من قيم وأنماط وتأثيرات؛ وهو نفس الشأن الذي تطرحه التعددية الثقافية التي يمكن أن نصفها بالسلاح ذو حدين يؤدي توزانها إلى تحقيق فوائد اجتماعية مختلفة كما يؤدي اختلالها إلى العكس تماما وهو ما يطرح محاذير حولها .ويمكن إبراز ذلك من خلال بعض:

  1. فوائد التعددية الثقافية 

  • التعرف على ثقافات المجتمع بأكملها، كالعادات والتقاليد والقيم.

  • الاعتراف بشرعية الثقافات الأخرى في المجتمع وبأنها مركب مهم وجزء لا يتجزأ من المجتمع نفسه.

  • تحقيق المساواة بين الثقافات المختلفة في المجتمع فلا يوجد تهميش في المجتمع.

  • إعطاء فرصة لتحقيق الحريات العامة وتأسيس قاعدة متينة للمساواة بين الثقافات المختلفة في المجتمع مثل القوانين (ابراهيم، 2017).

  1. محاذير التعددية الإعلامية 

  • يمكن أن يؤدي الأخذ بالتعددية إلى تفكيك المجتمع وتخريب النسيج الاجتماعي العام لأن كل ثقافة عاداتها وتقاليدها ونمط حياتها.

  • يمكن أن يؤدي الأخذ بالتعددية إلى حالة من عدم الاستقرار والفوضى الاجتماعية.

  • يمكن أن يؤدي إلى اندثار فكرة المجتمع وظهور فكرة الجماعات، فالمجتمع هو نتاج صهر للجماعات تراعى فيه الخصوصيات الثقافية مع التركيز على المشترك الثقافي الأكبر الذي يحقق مبدأ الهوية؛ أما فكرة الجماعات فهي تشكيل غامض من جماعات غير منسجمة، لها تطلعات مختلفة أو ربما متعارضة، وهذا التشكيل لا يقوم على قاعدة الانتماء وإنما على قاعدة المصالح.

  • قد تؤدي إلى بذر صراعات مختلفة الأنواع قد تصل المسلحة بين الجماعات حول الحقوق والسلطات والثروات والغالب أن تنتهي بحروب أهلية مما يؤدي إلى التفكك (ابراهيم، 2017).

يجب أن تنظر المجتمعات إلى التعددية الثقافية في شقها الإيجابي وتعمل على تعزيزها بالشكل الذي يخدمها اجتماعيا وثقافيا وتنمويا خاصة على النطاق المحلي، أخذا بالاحتياطات التي تجابه محاذيرها خاصة الخارجية منها والدولية الرامية إلى الهيمنة والطمس حيث سنبرز سبل ذلك من خلال إبراز سياق العلاقة والأدوار بينها وبين النظم الأخرى.

2.2. مقومات التعددية الإعلامية

يرى الصرايرة أن التعددية الإعلامية تأتي في الواقع انعكاسا لمجموعة من التعدديات الأخرى التي تمثل مقومات وعناصر جوهرية يجب مراعاتها على هذا الصعيد؛ ويمكن في هذا الاتجاه رصد خمسة عناصر أو مقومات أساسية تكرس مجتمعة التعددية الإعلامية وهي:

  • التعددية الإقليمية (الجغرافية): ويقصد بها حق الأقاليم الجغرافية التي يتكون منها العالم في أن تمثل بشكل متوازن نسبيا في إطار عملية تدفق المعلومات على الصعيد الدولي، حيث مثلت أحد أبرز العناوين التي كانت موضع مناظرة ونقاش بين الشمال والجنوب منذ الستينيات من القرن الماضي (الصرايرة، 2014، ص 191)؛ ولا يقتصر التعددية الجغرافية على الأقاليم العالمية فقط بل تتعلق حتى بالأقاليم المحلية وإحداث توازن تدفق الأخبار وتمثيلها فيها.

  1. التعددية الفكرية (الايديولوجية): إذ تقتضي التعددية الإعلامية أن تقوم وسائل الإعلام بإعطاء تمثيل متوازن للنظم والأطروحات الفكرية المختلفة، بحيث توفر للجمهور قاعدة معلوماتية وتحليلية استنادا إلى رؤى متباينة، فالتمثيل الايديولوجي المتوازن عبر وسائل الإعلام وهو في الحقيقة انعكاس لمدى التزام وسائل الإعلام بحرية الرأي والتعبير.

  2. تعددية النظم الإعلامية: فوسائل الإعلام تختلف في دورها ووظيفتها من نظام إلى آخر، وتختلف في نظام الملكية بموجبه، وهو ما تقتضيه التعددية حيث تأخذ الملكيات المختلفة والأنظمة الديمقراطية دورها في توضيح الحقائق والمعلومات وتعرض وجهات النظر المختلفة والسعي للخدمة العامة.

  3. التعددية الثقافية: تمثل في الأساس قاعدة جوهرية لمفهوم التعددية الإعلامية باعتبار الأخيرة تمثل حالة انعكاس للأولى، فالتعددية الإعلامية تقضي بأن تمثل الثقافات المتنوعة على مستوى العالم عبر وسائل الإعلام بتوازن نسبي مقبول بدلا من أن تصبح أداة لترويج ثقافة محددة تسعى للهيمنة.

  4. تعددية محتوى وأولويات وسائل الإعلام: تشير الدراسات في مجال النظريات الإعلامية إلى قدرة وسائل الإعلام على ترتيب اهتمامات الجمهور وأولوياته (الصرايرة، 2014، ص 193-198)؛ وعليه توجيه الجمهور من جهة وحرمانه من الحق في الإعلام حسب خلفيات معينة لذلك تقتضي التعددية إعادة النظر في هذه الممارسات وضرورة احترام أخلاقيات المهنة الصحفية وتوفير توازن في المضامين.

ويمكن أيضا إدراج بعض شروط تحقيق وتكريس التعددية الإعلامية في:

  1. تشتيت الملكية الصحفية بما يعني عدم احتكار وتركز وسائل الإعلام لدى جهة واحدة ممثلة في السلطة أو مالك واحد متحكم على سبيل المثال.

  2. تنوع الصحف ووسائل الإعلام من حيث العدد والمضمون والجمهور والايديولوجيات والانتماءات الثقافية.

  3. استقلالية وسائل الإعلام لاسيما فيما تعلق بالأمور المالية والتمويلية.

  4. حق الأقليات في الانتفاع بالمعلومة (غزال وبورحلي، 2019، ص 122).

إضافة إلى الانفلات من سيطرة الإعلان والمعلنين وتوجيههما للسياسة التحريرية وكذلك التأثيرات الشخصية والذاتية.

3.2. التعددية الثقافية مبدأ أساسي للتعددية الإعلامية: سياسات التعزيز

لاشك في أن المسارات التي سلكتها التعددية الثقافية في المجتمعات والبلدان كانت متباينة للعديد من الأسباب؛ في هذا السياق أجرى «كيملكا» وزملاؤه حصرا لتحديد درجة اعتبار البلدان «متعددة الثقافات» بما يعني مدى تبنيها لسياسات التعددية الثقافية وقد تمثلت في ثمانية مبادئ وسياسات اعتمدت بدرجات متفاوتة في البلدام المختلفة وهي: (راتانسي، 2013، ص 24-25)

  1. التأكيد الدستوري والتشريعي على التعددية الثقافية.

  2. تبني التعددية الثقافية في المناهج التعليمية والمدرسية.

  3. إدراج تمثيلات الأقليات العرقية ومراعاتها في إطار وسائل الإعلام العامة وإصدار التراخيص لها.

  4. الإعفاء من قواعد الملبس.

  5. السماح بازدواجية الجنسية.

  6. تمويل تنظيمات الجماعات العرقية من أجل تشجيع الأنشطة الثقافية.

  7. تمويل التعليم الثنائي اللغة أو التعليم باللغة الأم.

  8. اتخاذ إجراءات إيجابية لمصلحة الجماعات المحرومة أو بالأحرى صياغة تشريعات مناهضة للعنصرية.

وإن كانت السياسة الثالثة المتعلقة بمراعاة تمثيل كل الفئات في وسائل الإعلام ومنه ما تعلق بأدوار هذه الأخيرة في ضمان الحق في الإعلام بمختلف مستوياته تبدو المبدأ الوحيد الذي يربطها بالإعلام ويعزز التعددية الإعلامية كونه مرتبط أساسا بالحق والحرية في التعبير كما أشرنا سابقا، إلا أن هذا الشق لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن السياسات الأخرى، ومثالها «التأكيد الدستوري والتشريعي على التعددية الثقافية» حيث ترتبط النصوص التي تؤسس لها ارتباطا مباشرا بحقوق الفرد ومنه الحقوق العامة المدنية والسياسية والتي لا يتجزأ التعبير والإعلام عنها وعليه النصوص المنظمة للإعلام وأدواره؛ إضافة إلى دور هذه الوسائل في قبول الآخر والتقريب بين الثقافات من خلال التنوع في الإنتاج وكذلك التنوع اللغوي وهو ما يتطابق مع السياسة السابعة التي أتى بها الباحثون؛ كما أن وسائل الإلام في وظائفها معنية أخلاقيا بنبذ العنصرية والعمل على خدمة وتحسين ظروف الفئات المختلفة؛ خلاصة القول أن مبادئ تعزيز التعددية الثقافية وإن كانت في ظاهرها تبدو منفصلة عن التعدديات الأخرى وأهمها التعددية الإعلامية إلا أنها ترتبط بها ارتباطا مباشرا ولو كان ضمنيا وتقوم على أساس العلاقة المتلازمة بينهما. مع الإشارة إلى أن ذلك يتجلى من خلال المظاهر والأدوار القائمة على المسؤولية الاجتماعية والتي نتطرق إلى الكشف عنها لاحقا.

3. التنوع الثقافي والتنمية المستدامة: الأبعاد والمظاهر

1.3. أبعاد التنمية المستدامة

مما سبق عرضه ضمن مفاهيم البحث وتعريفنا للتنمية المستدامة، يمكن أن نلخص أبعادها في ثلاثة أبعاد مترابطة ومتكاملة في إطار تفاعلي هي:

  1. البعد الاقتصادي: ويخص تلبية الحاجات المادية للإنسان عن طريق الإنناج والاستهلاك، ويرى بعض الاقتصاديين أن التنمية المستدامة تتطلب نموا اقتصاديا سريعا للقضاء على الفقر وتوليد الموارد اللازمة للتنمية.

  2. البعد البيئي: ويتعلق بالحفاظ على قاعدة الموارد المادية والبيولوجية وعلى النظم الايكولوجية وتعزيز حمايتها وترشيدها (مسعودي، 2009، ص.ص 11-12).

  3. البعد الاجتماعي: وتدخل فيه اعتبارات العدالة بين الأجيال وداخل الأجيال نفسها (سقني، 2010، ص 40).

ونركز على البعد الأخير في ورقتنا هذه بما يخدم بحثنا بناء على جزئية محورية الإنسان التي ركزنا عليها في تعريفنا للتنمية المستدامة ومنه التنمية الإنسانية المستدامة، وهو الذي يشمل تحقيق الأهداف الاجتماعية مركزا على الإنسان كونه عامل التنمية وهدفها عن طريق تحقيق العدالة الاجتماعية (ومثالها التوازن في تدفق المعلومات والإعلام وتمثيل مختلف الفئات بشكل متساوي)، تقديم الخدمات (ومنه الخدمة العامة عبر مختلف الوسائل)؛ تفعيل دور المرأة في التعليم والمشاركة والتشاركية في مختلف المجالات واحترام الأقليات كما أشرنا إليه أعلاه وعلى صعيد مختلف المستويات وتحقيق الإنصاف بين المجتمعات والأجيال.

إن الحديث عن التركيز على البعد الاجتماعي لا يعني إغفال الأبعاد الأخرى وتغييبها، خاصة منها البعد الاقتصادي الذي يرتبط ارتباطا مباشرا برفاهية الإنسان وتلبية حاجياته المادية التي تشكل عنصرا من عناصر البعد الاجتماعي وهو ما يجعله يفكر ويحتاج تلبية رغبات معنوية كونه حقق المادية، وضمنها الحقوق الإنسانية من جهة؛ كما أنه مرتبط ارتباطا مباشرا كذلك بتعددية وسائل الإعلام ونظمها كما أشرنا إليه سابقا، من حيث الملكية وأنواعها وكذلك من حيث تمويلها ونوعية منتجاتها ولعل أبرز دليل على ذلك فيما نراه من هيمنة بعض الشركات العالمية على السوق الإعلامية ما جعل التنمية في مجتمعات أخرى متأخرة وقاصرة.

تبنى التنمية المستدامة على عدة مقومات ومؤشرات كالتالي:

  1. اللامركزية الجغرافية والإقليمية: وتعني التنازل عن قدر من صناعة القرارات للأقاليم المحلية وما يتبع ذلك من نقل للأنشطة والخدمات ووجود مراكز متكاملة للخدمات، ومنه تشتيت الخدمات التي تجتمع عادة في مركز واحد (مثل البنوك والجامعات والمراكز الصحية ووسائل الإعلام... الخ) وتشتيت النشاطات الاقتصادية مثل المصانع وكذلك تشتيت القرارات الخاصة بها.

  2. اللامركزية الإدارية: أسلوب من أساليب تنظيم العمل حيث تمنح الوحدات المختلفة قدرا كبيرا من الإدارة الذاتية (يس، 2015).

  3. التمكين والأمن: توسيع القدرات والخيارات مما يزيد من قدرة الأفراد على ممارستها بشكل متحرر من الحرمان والحاجة بالإضافة إلى زيادة فرص المشاركة في صنع القرارات المؤثرة على حياتهم في وسط آمن متحرر من ظواهر القمع والمرض ومصادر الضرر.

  4. التنوع والتعاون: نظرا لأهمية الشعور بالانتماء والسعادة والإحساس بوجود هدف ومعنى للحياة بالنسبة لتحقيق الذات بشكل كامل (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 1997، ص.ص 07-08)، ومنه تحقيق التنمية الأعم؛ وبشكل خاص يحدث التنوع فارقا في ظل المجتمعات المتعددة الثقافة والتوجهات الإيديولوجية والعقائدية ويشكل في مظاهره الإيجابية عاملا للدفع بعجلة التنمية فيها.

  5. الإنصاف والتشاركية: إن توسيع الإمكانيات والفرص يعني وجود عدل ومساواة في تقرير الفرد لما يريده أو تحصله على ما يحتاجه؛ كما أن التشاركية تساهم في جعل الفرد فاعلا وتنمي قدراته وثقته في نفسه وتؤدي بذلك إلى تنمية أشمل

  6. الاستدامة: ونعني بها التواصل والاستمرارية حيث لا يمكن أن يحدث أي نشاط تنموي ويوصف يالتنموي لا تكتب له الاستدامة بما يضمن استفادة الأجيال القادمة منه ومن التحسينات الإيجابية والتطور الحاصل عبره.

2.3. أبعاد مظاهر التنوع الثقافي

الجدول رقم 01: تصنيف أبعاد التنوع الثقافي

الأبعاد الأولية

الأبعاد الثانوية

الأبعاد الفرعية

العرق/الاثنية

الدين - أسلوب التفكير

المواقف - الإدراكات

النوع الاجتماعي

الثقافة - أسلوب الحياة – الأصل الجغرافي

المعتقدات - القيم

السن

الوضع العائلي - الوضع الاقتصادي

قواعد الجماعة

القدرة الجسدية/ الإعاقة

الخبرة العملية - التوجه السياسي

المصدر: (زرزور، 2015، ص 129)

تشكل هذه الاختلافات والاتصاف بواحدة منها على الأقل أو أكثر من ذلك أو كلها بشكل لا يشبه الغير أغلبية كانت منهم أو أقلية وخاصة في رقعة جغرافية مشتركة، تنوعا ثقافيا بين الفرد والآخر، حيث يؤدي التباين في الأبعاد المذكورة إلى التعدد الذي يشكل جوهر هذا التنوع الذي لا يقتصر على اللغة أو العادات والتقاليد والاعتقاد فقط كما هو موضح في الجدول؛ وكما ذكرنا سابقا تتأثر التنمية في أي مجتمع بهذا التنوع وهذا من خلال:

3.3. العلاقة التفاعلية بين التنوع الثقافي والتنمية المستدامة

  1. التنوع الثقافي مصدر لإثراء الثقافة البشرية، فالثقافات يثريها التواصل مع الثقافات المغايرة.

  2. التنوع الثقافي أحد المقومات الأساسية للحرية الإنسانية وأحد شروطها لفهم الحياة الإنسانية وتنظيمها من خلال خلق عالم غني ومتنوع في الأفكار والآراء والتقبل.

  3. التنوع الثقافي يخلق مناخا تشترك فيه الثقافات المختلفة بحوار يعود بالنفع على جميعها، حيث تعمل الاختلافات الفنية والأدبية وغيرها من العادات على تبادل مجموعة من الخبرات والتجارب بينهم ومنه خلق أفكار جديدة.

  4. التنوع والحوار بين الثقافات يحقق الاحترام المتبادل، الانسجام والمساواة وبالتالي تعزيز التنمية اجتماعيا، ثقافيا وحتى سياسيا واقتصاديا.

  5. التنوع الثقافي أساس تطبيق الديمقراطية، فبدون الإقرار بالتنوع يوجد عائق أمام احترام الحقوق الإنسانية، ولا يمكن الإقرار بوجود ضمانات لكرامة الإنسان وحماية حقوقه ويصعب وجود مجتمع ديمقراطي لا تنتهك فيه الحقوق.

  6. التنوع الثقافي مؤثر في التعليم بما يساهم في التنمية المستدامة، على سبيل المثال تحديث المناهج والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة، ضمان الانسجام والتوافق بين السياسات الخاصة بقطاع التعليم والقطاعات الخاصة بقطاع التنمية (مثلا الانفتاح على المحيطين الاجتماعي والاقتصادي؛ ومواءمة أهداف التنمية واستراتيجياتها على المستويين المحلي والوطني (صالحي، 2015، 266-267).

نؤكد في هذا السياق على أننا نعالج في هذا الشق الطرح الإيجابي للتنوع الثقافي ومظاهر تفاعله مع ولتحقيق التنمية المستدامة، مع الإشارة دائما إلى أن هذا لا يعني أن التنوع يعود بالفائدة دائما وقد أبرزنا الطرح السلبي له بشكل مفصل أعلاه، كون هذه المحاذير بطبيعة الحال يمكن أن تعمل مع التنمية المستدامة بشكل عكسي نتيجة السلبيات التي تحملها؛ وقد يكون التنوع الثقافي سببا من أسباب الانحراف المجتمعي إذا تجاوز محاسنه إلى التفرقة الاجتماعية والعنصرية والتمييز وتفكك المجتمع.

ناهيك عن الغزو الثقافي، حيث نلاحظ هيمنة الأنشطة الثقافية الأجنبية كما ونوعا في مقابل أنشطة محلية محدودة (صالحي، 2015، ص269)، وهذا ما يؤثر سلبا على التنمية وقد أشرنا إليه سابقا؛ لذلك على وسائل الإعلام تفادي الآليات السلبية ومراعاة الآليات الإيجابية في صناعتها وتوزيعها لمضامينها المختلفة، ونفصل في هذا من خلال الكشف عن ملامحها وأدوارها.

4. التنوعان الإعلامي والثقافي: آلية لتفعيل التنمية المستدامة

1.4. التعددية الإعلامية والتنمية المستدامة: التقاطعات وسياق العلاقة

الشكل رقم 01: التقاطعات بين مقومات التعددية الإعلامية وأبعاد التنمية المستدامة

الشكل رقم 01: التقاطعات بين مقومات التعددية الإعلامية وأبعاد التنمية المستدامة

المصدر: المؤلفان

انطلاقا من أبعاد التنمية المستدامة التي عرضناها سابقا، إضافة إلى مقومات وشروط تحقيق التعددية الإعلامية التي تم إبرازها؛ وبالنظر إلى التقاطعات بينهما من خلال الشكل رقم 01 أعلاه وتحليل عناصرها يمكن تسجيل النقاط التالية لتبيان سياق العلاقة بين المتغيرين المذكورين:

  1. يشترط تحقيق كل من التعددية الإعلامية والتنمية المستدامة بمستوياتها مبدأ اللاتمركز الجغرافي والإقليمي، حيث يضمن من خلاله حق النطاقات المختلفة باختلاف مركزها، مناخها، انتمائها وبعدها عن عاصمة القرار في الحصول على مختلف الخدمات بشكل عادل ومتساو، ومن بين هذه الخدمات حق الحصول على المعلومة والحق في الإعلام، والتدفق الإعلامي المتوازن، وتشتيت نمط وملكية المؤسسات الصحفية خاصة، وتشتيت الخدمات المختلفة بشكل عام.

  2. يقابل مقوم التعددية الفكرية والايديولوجية مبدأ التمكين والأمن، حيث يشكل التحرر من مختلف القيود وفي مقدمتها ضغوط التعبير عن الرأي والتفكير والانفلات من قمعها أولى المستويات والضمانات التي تفتح مجالا رحبا لدافعية الإنجاز وتوسيع الخيارات ويفتح أفاقا واسعة نحو ممارسات ديمقراطية تعود بالإيجاب على الفرد في مختلف المستويات المعرفية والمادية؛ خاصة في ظل وجود بيئة آمنة ومشجعة على مثل هذه الانفتاحات تجعل الفرد يفكر فيما هو أكثر من احتياجات الملبس والمأكل بما يساعد على تفعيل التنمية المستدامة وتطوير المجتمع وذلك يمر من خلال مبدأ التعددية.

  3. إن مبدأ التعددية الثقافية كمؤشر وشرط أساسي للتعددية الإعلامية يتطابق مع مبدأ التنوع والتعاون، حيث وكما أشرنا إليه سابقا ينتج تمثيل الثقافات المختلفة خاصة داخل المجتمع الواحد بشكل متوازن وعادل مشاعر بالتقبل والسعادة وانتماء هذه المجموعات لبعضها البعض، ويدحض النزاعات بينها والصراعات التي قد تعرقل تنميتها أثناء انشغالها بالبحث عن ضمان مكانة لها ضمنه أو تتجاوز ذلك إلى التفكير في إلغاء الآخر من أجل ضمان بقائها؛ وبالتالي تبدو الأحادية الثقافية هنا نقيضا للتنمية المستدامة والتعاون المشروط لقيامها، ولا يتأتى تحقيق هذا التعاون إلا من خلال الاعتراف بالتنوع والتعدد خاصة من خلال اعتناء وسائل الإعلام بهذه الوظيفة التي تعمل على تحقيق السلام واتحاد المجتمع الواحد.

  4. بطبيعة الحال لا تتحقق الشروط السابقة إلا بشرط الاعتراف بتعددية النظم الإعلامية أو على الأقل وجود نظام إعلامي منفتح وديمقراطي ضمن النظام الواحد يرفض الممارسات التسلطية والبيروقراطية، هذه الأخيرة التي تتقاطع مع مبدأ اللامركزية الإدارية الذي يشكل حجر أساس لتحقيق التنمية المستدامة من خلال العمل على القضاء على كل أشكال التنظيمات الإدارية المعقدة التي تثقل كاهل الفرد وتعطل تحقيقه لأهدافه أو حصوله على الخدمات والحقوق المختلفة (ومثالها إصدار نشريات، العمل الصحافي والحق في الإعلام عموما) مع ضرورة أن نربط هذا المبدأ بأول شرط متعلق بالقضاء على المركزية الجغرافية والإقليمية التي تشكل امتداد آخر لممارسة التمركز الإداري وتساهم في تعطيل مسار التنمية.

تتقاطع كذلك كل من التعددية الإعلامية والتنمية المستدامة في نقطتي «تعددية المحتوى والأولويات على وسائل الإعلام» و«الإنصاف والتشاركية» حيث أن تشتيت المحتوى الإعلامي كما وكيفا وتنوعها من حيث الموضوعات والأشكال وعددها إضافة إلى توجيهه إلى جمهور مختلف الميولات والتوجهات والاحتياجات يرتبط ارتباطا مباشرا ومحققا للإنصاف بين الفئات المختلفة لهذا الجمهور، كما أن تحديد الأولويات التي يتم انتهاجها يأتي من خلال مشاركة هذا الجمهور في اختيارها والتشاركية التي يضطلع بها من خلال مشاركته في صناعة المادة الإعلامية خاصة في ظل التقنيات والمساحات التي أصبحت توفرها تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة في هذا المجال؛ وهو ما يشير إلى ارتباط هذين المؤشرين وتقاطعها حيث لا تقوم التعددية الإعلامية والتنمية المستدامة بدونهما.

2.4. التنوع الثقافي في وسائل الإعلام: الملامح والأدوار

  1. التنوع الثقافي مبدأ من مبادئ من مبادئ تكريس التعددية الإعلامية وحقوق الإنسان بشكل أعم: أشرنا سابقا أن الثقافة حق مكفول لكل فرد مهما كانت أشكال السلوك والعقيدة والتعبير المعتمدة في ذلك، كما أشرنا أن التنوع الثقافي بموجب ذلك يمثل قاعدة جوهرية لحرية التفكير، الرأي، التعبير والتلقي وبالتالي انعكاسا للتعددية الإعلامية التي تشترط التمثيل المتوازن بدلا من الهيمنة والأحادية الهادفة إلى إحداث عولمة قائمة على إلغاء الثقافات الأخرى.

  2. للمؤسسات الإعلامية دور مهم في تحريك عملية التنمية عبر علاقة متوازية بين البشر والموارد وتفاعل العناصر الثلاث (المجتمع، الطبيعة، التقنية): نقصد بهذه العناصر الجمهور كجزء من المجتمع، الموارد والطبيعة، والتقنية أو الوسيلة الإعلامية ذاتها، ومنه إذن المتلقي من خلال تلبية مختلف حاجياته وإشباع رغباته، ضمان حقوقه الإنسانية عموما والإعلامية خاصة، وحماية حريته؛ المؤسسات الصحفية والإعلامية عن طريق تشتيت ملكياتها، استقرارها المادي، انفلاتها من مختلف الضغوط السياسية والاقتصادية؛ وتوفير الموارد اللازمة لها لضمان قيامها بمهامها على أكمل وجه خاصة الحث على تقبل الآخر والتعايش السلمي؛ المورد البشري من صحفيين وعاملين على مختلف المستويات والوظائف من خلال استقرار وضعهم المهني، احترافية آدائهم، تكوينهم وتدريبهم وضمان الرضا الوظيفي لديهم وهو ما يرفع الأداء ويؤثر إيجابا على بقية العناصر الأخرى، ترقية الصحافة وتنمية المجتمع عموما كهدف منشود؛ مع ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية وخاصة الصناعات الثقافية كصناعات أصبحت ذات أهمية كبيرة.

  3. العولمة، التنوع والغزو الثقافيين «بين التنمية والطمس»: للعولمة أثر كبير وواضح في التأثير على الهوية الثقافية وقد برز اتجاهين:

  • اتجاه مؤيد: ينظر إلى العولمة من زاوية إيجابية ويتقبلها باعتبارها ظاهرة تعود بالنفع نتيجة ما وفرته من تقارب ثقافي جعل العالم قرية واحدة وما أفرزته من انفجار معرفي أتاح لمختلف المجتمعات الوصول إلى المعلومات والاستفادة من الصناعات الإعلامية والثقافية المختلفة والمتطورة، لذلك يرى بعض المتخصصين أن التأثير على الهوية الثقافية بسيط.

  • اتجاه معارض: يرى أصحاب هذا الطرح أن العولمة تقوم على الغزو الثقافي الذي يقوم أساسا على الأحادية والتبعية الثقافيتين وطمس الهويات الثقافية والقضاء عليها بما يتعارض ومصالح التنمية ويلغي هويات المجتمعات خاصة الغير قادرة على اللحاق بركب الدول المتقدمة؛ ويشيرون إلى الاختلال الإعلامي والمعلوماتي بين العالمين الأول والثالث وما أحدثته من فجوة رقمية كرست مظاهر اللامساواة والحد من تحقيق تبادل ثقافي حقيقي، ناهيك عن الاستهلاك غير العقلاني وغير المنطقي لصناعات يتم النظر إليها غالبا على أنها صناعات موجهة تحمل في طياتها قصدا هدف طمس الهويات أو التنميط السلبي وغزو المجتمعات ثقافيا للقضاء على مقوماته.

  1. دور وسائل الإعلام في تعزيز التنوع الثقافي: لا تقتصر تجليات التنوع الثقافي على تنوع أساليب التعبير عن التراث الثقافي للبشرية وأساليب حمايته وإثرائه ونقله إلى الأجيال المقبلة، بل تشمل كذلك تنوع أشكال التعبير الثقافي التي تحملها السلع والخدمات الثقافية في جميع أنحاء العالم وشتى أنماط الإنتاج والنشر والتوزيع والاستهلاك أيا كانت الوسائل المستخدمة.

وتسهم السياسات التي ترمي إلى تعهد التنوع الثقافي في مضمون الاتصالات والمضمون الثقافي في ازدهار التعددية وتدفق الأفكار بصورة حرة طليقة ولذا يتعين أن يحتل التنوع الثقافي مكانه في قلب الإعلام الجيد؛ وعلى وسائل الإعلام أن تساهم في دعم الحوار بين الثقافات من أجل نشر مبادئ المحبة والتعاون والسلام وتعزيز قيم الحوار الحضاري بين الأمم والشعوب، وتعمل على نبذ ومحاربة كل دعاة الصدام بين الحضارات الذي تدعو إليه بعض الأصوات التي لا تؤمن بمنهجية الحوار الديمقراطي البناء، من جانب آخر فإن وسائل الإعلام تلعب دورا أساسيا في التسويق الاجتماعي الخاص بتبني أفكار وأسس وسياسيات التنوع الثقافي الذي يعتمد على تكتيكات ومبادئ نظرية وعلمية لتقديم أي قضية اجتماعية جديدة أو فكرة أو سلوك مستندا إلى تكنولوجيا أساليب التغيير الاجتماعي من حيث تصميم وتنفيذ برامج اتصالية تهدف إلى زيادة قبول الفكرة الاجتماعية أو الممارسة. (غزال وبورحلي، 2019، ص 124).

  1. حقوق الأقليات، خاصة الحق في الإعلام: يمكن أن نعرف «الأقليات أو الأقلية» على أنها فئة أو مجموعة من الأفراد أو الأشخاص الذي يشكلون العدد الأقل والفئة غير الغالبة في مجتمع ما على وجه الخصوص، أو دوليا على وجه العموم؛ حيث تختلف هذه الفئة عن الأغلبية على مستوى واحدة على الأقل أو كل من: الاثنية، العرق، الدين والمعتقد، الثقافة، اللغة، العادات، التقاليد ومختلف السلوكات الثقافية والاجتماعية؛ وحتى المهاجرين على سبيل المثال، مع ملاحظة أن الأقلية في مجتمع ما قد تشكل أغلبية في مجتمع آخر والعكس صحيح.

في سياق معالجة موضوع ورقتنا البحثية، يؤكد «ديفيد راندال» ضرورة التزام ومراعاة القائمين بالاتصال أثناء تحريرهم الرسائل الإعلامية التي تخص الأقليات للمبادئ التالية: (راندال، 2013، ص 328)

  • تجنب الإشارة إلى العرق إلا إذا كان له تأثير مباشر على الرسالة الإعلامية.

  • لا تطبق معايير متباينة على الرسائل الإعلامية التي تتناول الجماعات الاجتماعية المختلفة.

  • التشبث بالدقة وعدم استعمال العبارات الملطفة.

3.4. ثنائية التنوع والتنمية المستدامة: علاقة وجوبية، تكاملية وتفاعلية

الشكل رقم 02: العلاقة بين التعدديتين الثقافية والإعلامية والتنمية المستدامة

الشكل رقم 02: العلاقة بين التعدديتين الثقافية والإعلامية والتنمية المستدامة

المصدر: المؤلفان

نخلص ونستنتج من كل ما سبق ومن خلال التحليل والربط بين متغيرات هذه الورقة البحثية في نطاق تسليط الضوء على سياق العلاقة بين التعددية الإعلامية والثقافية والتنمية المستدامة؛ أن التنوع الثقافي والإعلامي (باعتباره سياقا جزئيا) يشكلان آلية لتفعيل وتحقيق التنمية المستدامة حيث أنه:

لا يمكن أن تتكرس التعددية الإعلامية في غياب التعددية الثقافية، كما لا يمكن نتيجة لذلك أن تتحقق التنمية المستدامة بدون تعددية إعلامية قائمة على تفعيل التنوع الثقافي بآلياته الإيجابية؛ ويتجلى ذلك من خلال علاقة تكاملية يمكن تلخيص سياقها في التالي:

  1. وجود علاقة وجوبية بين التعددية الثقافية والتعددية الإعلامية في أي مجتمع.

  2. وجود علاقة تفاعلية بين التنوع الثقافي وتحقيق التنمية المستدامة (باعتبار هذا التنوع جوهرا للتعددية الإعلامية والثقافية).

خاتمة

إذن يعتبر التنوع الثقافي في العالم وداخل المجتمع الواحد المحرك الرئيسي للتنمية المستدامة فيه باعتباره تراثا مشتركا للإنسانية ينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح الأجيال المختلفة، وفي إطار هذا يفترض في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها أن تضطلع بمهمة التعريف بثقافات المجتمع والتعبير عنها بمختلف الأشكال الصحفية تكريسا للتعددية الإعلامية التي تعنى بأدوار كبيرة في تحقيق التنمية المستدامة والتي تُعتبر قضايا التنوع الثقافي في وسائل الإعلام والتعددية الثقافية إحدى أهم مقوماتها ومؤشراتها؛ نوصي في نهاية هذا البحث بـ:

  1. العمل على تطوير مؤشرات التعددية الإعلامية والثقافية ضمن النصوص الدستورية والتشريعية بما لا يؤثر سلبا على الهوية، اعتمادا على العناصر والمقومات الدولية.

  2. نشر ثقافة التعايش السلمي وتقبل الآخر عبر الأجيال بواسطة وسائل الإعلام، ومراعاة التوازن في معالجة المضامين بما يحقق التنمية المستدامة.

  3. ابتعاد وسائل الإعلام عن التنميط والقولبة وضرورة العمل على سد فجوة التفاوت في تطور الصناعات الثقافية بين دول العالم الأول ونظيراته.

1 Media in support of sustainable development and a culture of peace

2 دور الإعلام في دعم خطط التنمية المستدامة

3 دور الإعلام التنموي في تحقيق التنمية المستدامة: دراسة جانب التنمية السياسية.

ابراهيم، عبد الله. 2017. «التعددية الثقافية» . https://bit.ly/2YDwV1C> <. بتاريخ: 10/10/2019.

أحمد، الأمين العوض حاج وآخرون. 2007. «الأطر المؤسسية للمجتمع المحلي والشراكة في تحقيق التنمية» . https://bit.ly/2AqZZ4D> <. بتاريخ/ 10/10/2019.

بدوي، أحمد زكي. 1986. معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية. ط2، مكتبة لبنان. بيروت. لبنان.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. 1997. «إدارة الحكم لخدمة التنمية البشرية المستدامة» . https://bit.ly/3fnjNED> <. بتاريخ: 10/10/2019.

الحربي، فوزية حجاب. 2016. «دور الإعلام في دعم خطط التنمية المستدامة» . https://bit.ly/3d8MtQt> <. بتاريخ: 22/10/2019.

الدوماني، محمد أحمد. 2015. التنوع الثقافي وجهود التنمية المستدامة في المجتمع العربي. أعمال المؤتمر الدولي الثامن حول التنوع الثقافي. طرابلس.

راتانسي علي. 2013. التعددية الثقافية. تر: لبنى عماد تركي. مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. القاهرة. مصر.

راندال ديفيد. 2007. الصحفي العالمي. تر: معين الإمام. العبيكان للنشر. الرياض. السعودية.

زرزور، براهمي. 2015. «إدارة التنوع الثقافي داخل المنظمات... الفرص والتحديات دراسة حالة منظمة الصحة العالمية» . أعمال المؤتمر الدولي الثامن حول التنوع الثقافي. طرابلس.

زرن، جمال. 2013. «الإعلام العمومي والتعددية من أجل شبكة مؤشرات التعددية الإعلامية» . ورقة بحثية مقدمة لأشغال الملتقى الدولي حول وسائل الإعلام العمومية العربية وعمليات التحول الديمقراطي. معهد الصحافة وعلوم الأخبار. جامعة منوبة. تونس.

سقني، فاكية. 2010. «التنمية الإنسانية المستدامة وحقوق الإنسان» . مذكرة غير منشورة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام. جامعة فرحات عباس، سطيف، الجزائر.

صالحي، نصيرة. 2015. «التنوع الثقافي كآلية جديدة لتفعيل مسار التنمية» . أعمال المؤتمر الدولي الثامن حول التنوع الثقافي. طرابلس.

الصرايرة، محمد نجيب. 2014. قضايا في الإعلام الدولي. مكتبة الرائد العلمية. عمان. الأردن.

عياش، اسحق. 2018. الهوية وإدارة التعدد والتنوع المجتمعي. المعهد المصري للدراسات. دم.

غزال، عبد الرزاق وبورحلي، وفاء. 2019. «تكريس التعددية الإعلامية عبر تحقيق التنوع الثقافي في وسائل الإعلام الرقمية: الملامح، المقومات والعوائق» . مجلة الباحث الإعلامي: (46). 117-132. http://abaa.uobaghdad.edu.iq/index.php/abaa/article/view/409/221> <https://doi.org/10.33282/abaa.v11i46.409.

مسعودي، يحي. 2009. «إشكاليات التنمية المستدامة في ظل العولمة في العالم الثالث –حالة الجزائر-» . مذكرة غير منشورة مقدمة ضمن متطلبات شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير. جامعة الجزائر، الجزائر.

هلال، ضحى. 2018. «دور الإعلام التنموي في تحقيق التنمية المستدامة: دراسة جانب التنمية السياسية» . https://democraticac.de/ ?p =53391> <. بتاريخ: 10/11/2019.

يس، فرح. 2015. «مفاهيم حول المركزية واللامركزية الإدارية» . https://bit.ly/3e4Pqmb> <. بتاريخ، 10/10/2019.

De Bustos, Juan Carlos Miguel & Del Rio, Miguel Angel Casado. 2014. Reflexion sur le pluralisme dans le nouveau contexte médiatique, Actes du colloque international «Concentration des médias, changements technologique, pluralisme d’information. Centre de recherche interuniversitaire. Université de Québec à Montréal. Québec. Canada.

UNESCO. 2015. Media in support of sustainable development and a culture of peace. united nations educational, scientific and cultural organization. Jakarta. Indonesia.

1 Media in support of sustainable development and a culture of peace

2 دور الإعلام في دعم خطط التنمية المستدامة

3 دور الإعلام التنموي في تحقيق التنمية المستدامة: دراسة جانب التنمية السياسية.

الشكل رقم 01: التقاطعات بين مقومات التعددية الإعلامية وأبعاد التنمية المستدامة

الشكل رقم 01: التقاطعات بين مقومات التعددية الإعلامية وأبعاد التنمية المستدامة

المصدر: المؤلفان

الشكل رقم 02: العلاقة بين التعدديتين الثقافية والإعلامية والتنمية المستدامة

الشكل رقم 02: العلاقة بين التعدديتين الثقافية والإعلامية والتنمية المستدامة

المصدر: المؤلفان

أ. وفاء بورحلي

جامعة الجزائر 3 bourahli.wafa@univ-alger3.dz

د. عبد الرزاق غزال

جامعة محمد بوضياف المسيلة abderrazzek.ghezal@univ-msila.dz

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article