مُقدّمة
تُعدُّ المشكلة « حالة يشعر فيها المتعلم أنّه أمام موقف، قد يكون مجرد سؤال يجهل الإجابة عنه، أو غير واثق من الإجابة الصحيحة » (دندش وأبو بكر 2003 : 195)؛ وتعتمد على وضع المتعلم في مواقف تعليمية – تعلمية مثيرة تجعله يشعر بالحيرة وعدم التأكد إزاء بعض المواقف، مع وجود رغبة قوية لدى المتعلم لإنهاء ذلك الموقف المحيّر من خلال تنظيم معلوماته، وربطها عن طريق نشاطات معينة، يقوم بها بتوجيهٍ وإرشادٍ من المعلم لإيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة؛ وعليه هناك مفاهيم أساسية وجوهرية في المشكلة؛ منها أنّها
« وضعية أوّلية تشمل على بعض المعلومات، تضع هدفًا من أجل تحقيقه أو تفرض هدفًا يجب بلوغه، وتفرض وضع سلسلة من العمليات، وتجنّد نشاطًا معرفيًا (فكريًا)، تدخل في مسعى بحث للوصول إلى نتيجة نهائية، تكون هذه النتيجة غير معروفة في البداية (مجهولة)؛ لا يكون الحلّ متاحًا فوريًا » ( De Vecchi 2002 : 22)
وهذا يتطلب خطوات منظمة ومتوازنة تأخذ المتعلم في اتجاه يُبعده عن التلقين وحفظ المعلومات والمعارف ويضعه أمام مشكلات تدفعه للبحث والتقصي، وتُعلّمه كيف يفكر، ويحلل، ويستنتج، وكيف يبني تعلماته، وكيف يوظفها في حياته اليومية؛ ويبعث على المشاركة، والعمل الجماعي.
« يُعتبر العلامة ابن خلدون أول من طرح فكرة التعلم عن طريق المشكلة، قصد اكتساب الملكات (العادات والقدرات) العقلية وفهم أسس العلوم والتحكم فيها، ما يسمح للفرد المتعلم بالانتقال من النظري إلى التطبيقي »؛ ويدعم ابن خلدون هذا بقوله : « حتى نتمكن من المعرفة الجيِّدة لكل مظاهر العلوم ونتحكم فيها، يجب أن تكون لدينا ملكة فهم القواعد بعد دراسة المشاكل التي تسمح لنا بالانتقال من المبادئ إلى التطبيق، ومن دون هذا التدريب للملكات العقلية، لا يصح لنا أن نتكلم عن التحكم ». (بوكرمة 2008 : 66).
وتدعيماً لما جاء به ابن خلدون نجد أنّ جون ديوي نادى بطريقة المشكلات التي تدور حول نشاط المتعلم نفسه، وهذا قصد « اكتساب المعارف وبناء الكفاءات »(Perrenoud, 1997 : 75).
ولقد « شُرع في تطبيق هذا الأسلوب في بعض الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا في أواخر الستينيات من القرن الماضي، ثم انتقل إلى بلجيكا وسويسرا، حيث شاع توظيفه في كليات الطب » (وعلي 2010 : 125).
وهذا ما حاولت المنظومة التربوية الجزائرية تطبيقه على أرض الواقع، إذ شهدت حركة إصلاح شاملة وعميقة، من أجل تحسين مردودية ونوعية التعليم، وهذا الإصلاح كان شاملاً للعديد من المجالات في جميع مستويات النظام التعليمي، وفي مختلف المواد الدراسية، في ظل مقاربة بيداغوجية؛ وهي بيداغوجية المقاربة بالكفاءات التي استوجبت تغييراً جذرياً لأنماط الأداء التربوي، وجاءت لتجعل المتعلم في قلب العملية التعليمية – التعلمية.
مما لا شك فيه أنّ من بين أهداف المقاربة بالكفاءات جعل المعارف النظرية سلوكاً ملموساً، انطلاقاً من تسخير مجموع المعارف، والمهارات، والقدرات، والأداءات لمواجهة مختلف الوضعيات التعليمية – التعلمية التي تعتبر من أهم عناصر ومرتكزات المقاربة بالكفاءات؛ «ولا يمكن تصور الكفاءات بدون وضعيات تماما، لأنها هي التي تجعل الكفاءة وظيفة لا سلوكا». (أحمد 2008: 66).
إن المقاربة بالكفاءات تقترح وضعيات تعلمية تُمكِّن من إعطاء معنى للمعارف، وكذا الحقائق؛ وبالتالي اكتساب الكفاءة، فهي القدرة على مواجهة الوضعيات.
وتأسيساً لذلك تأتي المشكلة كأهم خاصية، ورافد من روافد المقاربة بالكفاءات، وأضفنا «إليها مصطلح الوضعية للتأكيد أنّ المشكلة لكي تكون واقعية ينبغي أن تساق في وضعية تعطى لها دلالة » (Perrenoud, 1997 : 75)، على اعتبار أنّ وضعية مشكلة كما بيّنته عدة دراسات، منها دراسة ماجي وهانيكارو بتريك (Pierret Hannecart et Pierret 2003) هي وضعية ملموسة، تبدو في غالب الأحيان بسيطة ومألوفة، مع سؤال يطلب من المتعلم أن يقوم بنشاط. يقتضي هذا النشاط غالبًا عمليات حقيقية أو تظاهرية تجعل المتعلم يعيد النّظر فيها؛ وتترك الوضعية المتعلم حرًّا في اختيار مسعى البحث وحلّ المشكلة المطروحة، والمخرج الوحيد هو اكتساب التعلّم المقصود. وعندما نتكلم عن وضعية المشكلة بدلاً من أن نتكلم عن المشكلة فقط، للتأكيد على ضرورة جعل المشكلة في وضعية تعطيها معناها الكامل وحقيقتها(Pierret-Hannecart et Pierret, 2003 :13)، أما دراسة ج، ديفنش (2002) فتؤكد أنها « تمرين يجب على المتعلمين أن ينجزوه، ومن شأنه أن يأتي بالإجابة الصحيحة » (De Vecchi & Magnaldi, 2002 :20-22)، فهي
«عبارة عن سؤال أو موقف يبعث على الحيرة أو الارتباك، يوجه إلى شخص معين في وقت ما، ويحتاج منه إلى حل أو اتخاذ قرار إزاء هذا الموقف التعليمي- التعلمي، يشعر فيه المتعلم بفجوة بين ما يعرفه وما يجب الوصول إليه، ويتطلب منه التفاعل فرديا وجماعيا لتخطي هذه الفجوة، مستعينا بخبراته السابقة وما يكتسبه من تعاونه مع أفراد الجماعة الآخرين » (شحاتة، 2013 : 191)
كما دلّت دراسة أمبو سعدي والبلوشي (2011) على أنّها « منهجية علمية تتكون من مجموعة من الخطوات تهدف للوصول إلى حل للمشكلة المعطاة » (سعيدي والبلوشي، 2011 : 348)، في حين أكدت دراسة زيتوني وبن قناب (2009) أنّها
« أعقد النشاطات الإنسانية، وعملية نشاط عقلي عالٍ، لأنه يحتوي على عمليات عقلية كثيرة ومعقدة، مثل التذكر والفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والاستبصار والتجريد، وغير ذلك من العمليات العقلية والمهارية والانفعالية المتداخلة » (زيتوني وبن قناب، 2009 : 83)
وعليه وضعية المشكلة هي وضعية تجيب عن المشكل المطروح أي وضع المتعلم أمام إشكال، إذ تقوم هذه الوضعية على عائق تعلمي (تحدّيًا معرفيًا) يضع المتعلم في حالة حيرة وشك وتردّد، عليه تجاوزها. يُجنّد ويوظف المتعلم مختلف معارفه وقدراته لمعالجة المشكل المطروح وتجاوز العائق، فيكون في حالة نشاط معرفي تؤدي إلى بناء تعلّماته، وتسمح باكتساب معارف ذات دلالة؛ وبالتّالي بناء كفاءاته.
على هذا الأساس: وضعية مشكلة لابدّ أن تكون وظيفية تُمكّن المتعلم من استثمار معارفه في حياته اليومية، وملموسة مأخوذة من محيط المتعلم حتّى يكون لها معنى، ويكون دور المدرّس هو تسيير النقاش داخل القسم، يوّجه وينشِّط
« المشكلات التي يطرحها؛ ليست تطبيقات بل هي مشكلات للتعلم، وظيفتها الرئيسية إثارة الرّغبة في البحث عند المتعلم، أو إعطاؤه الفرصة ليتعلم كيف يبحث ومن ثمّ فهي تسمح له أن يستعمل معارف سابقة لفهم العمل المطلوب منه، ليشرع في إجراء الحلّ، مع جعله يكتشف حدود معارفه » (صوالح والطيب، 2003 : 13)،
علمًا أنّه كلّما كانت وضعية المشكلة «متسقة مع ميول وقدرات المتعلمين واهتماماتهم، كان التفاعل في قمته وسيجتهدون في حلّها» (أبو جادو ونوفل، 2007 : 300).
ومن الملاحظات المرصودة أنّ موضوع التعلم بوضعية مشكلة يندرج في إطار تيار علم النفس المعرفي، والاتجاهين البنائي والبنائي الاجتماعي؛ ويُعدُّ أحد المواضيع التي مازالت تثير الكثير من التساؤلات حول ماهيتها؛ وهي من الدراسات التي تمخضت عنها أبحاث متعددة لكنها لم تحظَ بالبحث الكافي، والتقصي من طرف الباحثين - حسب علم الباحثة - في العالم العربي بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة؛ لذلك جاءت هذه الدراسة بهدف الكشف عن الإطار المفاهيمي لوضعية مشكلة، معتمدة في ذلك على المنهج الوصفي الذي يُعتبر طريقة للحصول على معلومات دقيقة، وواضحة؛ بهدف تقديم فهم أشمل، وأعمق؛ اعتمادا على مختلف آراء الباحثين، ومُستعمِلةً في ذلك الأدبيات التربوية، والتراث النظري ذي الصلة بالموضوع، من عرض وتحليل ومناقشة وتفسير.
كما أنه على الرغم من تكاثف الجهود وتعدد الدراسات في هذا الميدان، إلا أن الواقع التربوي (التعليمي – التعلمي)، وعلى رأسه الباحثين المهتمين، وكذا المعلمين والمتعلمين، مازال يطرح عدة تساؤلات على مستوى ممارسة وتطبيق وضعية مشكلة في الوسط التعليمي، بهدف إزالة الضبابية عنها؛ وتتمثّل هذه التساؤلات في:
-
ما المقصود بالمقاربة بالكفاءات؟
-
ما المقصود بوضعية مشكلة؟
-
ما أنواعها وأنماط وضعية مشكلة؟
-
ما خصائص وضعية مشكلة؟
-
ما هي معايير ومقاييس وضعية مشكلة؟
-
ما هي تقنيات، وطرق صياغة وضعية مشكلة؟
1. مفهوم المقاربة بالكفاءات
يُعرِّف فريد حاجي (2005) المقاربة بالكفاءات على أنّها
«بيداغوجية وظيفية تعمل على التحكم في مجريات الحياة بكل ما تحمله من تشابك في العلاقات وتعقيد في الظواهر الاجتماعية. ومِن ثمّ فهي اختيار منهجي يُمكِّن المتعلم من النجاح في هذه الحياة على صورتها، وذلك بالسعي إلى تثمين المعارف المدرسية وجعلها صالحة للاستعمال في مختلف مواقف الحياة »؛ (حاجي، 2005 : 02)
ويُعرِّف المركز الوطني للوثائق التربوية (2005) المقاربة بالكفاءات بأنّها
«نظام متكامل ومندمج من المعارف والأداءات والإنجازات والخبرات والمهارات المنظمة التي تتيح للمتعلم ضمن وضعية تعليمية-تعلمية القيام بشكل لائق بما هو مطالب به ووِفق ما يتماشى وتلك الوضعية» (المركز الوطني للوثائق التربوية، 2005: 4)؛
أما مزيان الحاج أحمد قاسم (2004) فيُعرّفها أنها
«أسلوب وكيفية ونهج يسلكه المتعلم عندما يواجه عائقا أو مشكلة يجب حلها لبلوغ الغاية المطلوبة، فالمقاربة بهذا الشكل تتطلب التخطيط في لحظة ومكان معيّنين، وتشمل نظرة الدارس إلى العالم الفكري. ولكي تستوفي المقاربة شروط حل الإشكاليات يجب أن تشمل خطوات مرحلية متدرجة مرتبطة بالكفاءة المطلوب تحقيقها» (مزيان 2004: 137).
من منطلق التعاريف السابقة نستنتج مجموعة من العناصر المهمة استخلصتها وزارة التربية الوطنية (2004-2005) في المؤشرات التالية:
« الكفاءة نظام من المعارف التصريحية الخالصة، ومن المعارف الإجرائية، أي المعارف المتعلقة بالإنجاز والممارسة والعمل.
الكفاءة تتجسد في الذهن في شكل صور أو خطط.
الكفاءة تسمح بمواجهة مهمة مشكلة (أي ذات إشكال) وحلها بعمل ناجع.
الكفاءة تتكون من قدرات مندمجة متعددة» (بن تريدي وآيت عبد السلام، 2004-2005: 18).
2. مفهوم وضعية مشكلة
هناك من الباحثين الذين قدّموا تعريفًا دقيقًا لمصطلح وضعية مشكلة، أمثال الباحث ك، روجرس Rogiers (2004) الذي عرّفها بأنّها «مجموعة من المعلومات الموضوعة في سياق، والتي ينبغي أن يحرّكها الفرد أو مجموعة من الأفراد بغرض تنفيذ مهمة محدّدة لم تكن واضحة من قبل (Roegiers 2004: 356) «.
أما ف، ميريو (Meirieu 1993) فعرّفها على أنّها « وضعية تعلمية تقترح للفرد مهمة وذلك لتحقيق تعلم معيّن، هذا التعلم يعمل على تأسيس هدف واقعي لوضعية مشكلة، وتحلّ بإزالة العائق وإنجاز مهمة «(Meirieu 1993 :191).
وعرّف ف حاجي (2013) وضعية المشكل Situation problème بقوله:
«هي وضعية يحتاج المتعلم في معالجتها إلى سياق نمطي يقود إلى ناتج، وينبغي أن يكون فيها السياق والناتج جديدين أو أحدهما على الأقل، وتستدعي وضعية المشكل القيام بمحاولات، منها بناء فرضيات، طرح تساؤلات، البحث عن حلول وسيطة تمهيدًا للحلّ النهائي لمقارنة النتائج وتقييمها؛ ومن بين ما تتطلّبه تنظيم التدريس القائم على إيقاظ دافعية وفضول المتعلم عبر التساؤل، ووضعه في وضعية بناء للمعارف وهيكلة المهمّات، لكي يوّظف كل متعلم العمليات الذهنية المستوجبة قصد التعلم» (حاجي 2013 : 11).
أمّا وزارة التربية الوطنية بالجزائر فعرّفتها بأنّها
«وضعية تعلّمية تزعزع المتعلم فيما يعتقده وفي مهاراته، وتزوّده في الوقت نفسه بالوسائل التي تمكّنه من تجاوز المشكلة بعد البحث، فيتوّصل إلى عدّة حلول ممكنة، بعضها أفضل من بعض، إذ يتعيّن على المتعلم أن يجد أفضل الأسئلة، أن يتصرّف، أن يبرهن، أن يبني نماذج ويستبدلها بغيرها، وأن يتعرّف على تلك التي تتطابق وسياقه الثقافي والاجتماعي» (وزارة التربية الوطنية 2009 : 19).
من خلال التعاريف السّابقة نستنتج أنّ هناك «مُكوّنين يحدّدان وضعية المشكلة؛ من جهة الوضعية التي تتلّخص مساهمتها أساساً في توفير موضوع وسياق، ومن جهة أخرى المشكلة التي تُعرف أساساً من خلال عائق وعمل يجب إنجازهما ومعلومات يجب تنسيقها (Roegiers, 2007, p. 15)».
وعليه حدّد الباحث ك، روجرس Rogiers, X (2007) مفهوم وضعية المشكلة في أنموذج انطلاقًا من مُكوّنين أساسيين ضمن الترسيمة التالية :
ولعلّ الباحث م.ط، وعلي (2010) قد أضفى على هذا التقسيم نوعاً من الوضوح فخططها على الشكل التّالي :
في مفهوم وضعية المشكلة، مقصود المعلم هو أن يجعل شيئاً ما من الوضعية والمشكلة بالنّسبة لسلسلة من التعلمات، فهو مقصود تعليمي (Didactique). وبعبارة أخرى فإنّ وضعية المشكلة تغطي الأقطاب الثلاثة للمثلث التعليمي؛ والشكل التالي يبيّن ذلك.
يوّضح الشكل الانتماء المزدوج للمشكلة والوضعية؛ ويبيّن أنّ وضعية المشكلة تشتغل على الأقطاب الثلاثة للمثلث التعليمي.
3. أنواع وأنماط وضعية المشكلة
تصنّف وضعيات المشكلات إلى صنّفين أساسيين يتمثلان في :
-
وضعية المشكلة التعلمية الديدكتيكية Situation problème didactique.
-
وضعية المشكلة الهدف Situation problème cible.
1.3 وضعية المشكلة التعلمية (الديدكتيكية)
يُمكن تعريف وضعية المشكلة التعلمية بأنّها : «بناء اصطناعي، يبتكره المعلّم لتعليم التلاميذ، انطلاقًا من إرباكهم في تصّوراتهم والوصول بهم إلى تغييرها؛ إنّها عقبة (أو تناقض) نابعة من شيء ناقص تتولّد منه مجموعة من التساؤلات» (وعلي 2010 : 103)؛ كما يعرّفها ر، ريونيي (Rieunier 1997) بأنّها «وضعية تربوية يصيغها التربوي بهدف... تمكين التلاميذ من اكتساب تمثلات جديدة حول موضوع محدّد، انطلاقًا من فضاء مشكلة (Françoise & Rieunier 1997 : 340) ».
وهنا تساعد وضعية المشكلة التعلمية على إرساء الموارد وتحقيق تعلمات جديدة، وذلك بتوظيف من المعلم؛ و
«يُعتبر في التعلّم حلّ المشكلات بمثابة شرارة الانطلاق في سيرورة البحث وطرح التساؤلات. لا توفر وضعية المشكلة كل المعلومات اللاّزمة للحلّ ولا تقدّم كل التساؤلات الممكنة، فهي تشكّل نقطة الانطلاق فقط... وضعية المشكلة التعلمية هي كل نشاط يتضمن معطيات أوليّة وهدفًا ختاميًا وصعوبات (عراقيل)، بحيث يجهل من يواجهها الحلّ المعروف مسبقًا » (وعلي، 2010 : 103-104).
2.3. وضعية المشكلة الهدف
« تُستعمل وضعية المشكلة الهدف لأغراض إدماج مكتسبات التلميذ أو لأغراض التقويم (Roegiers 2006 : 39) »
« وهي التّي تُوظَّف في نهاية الفعل التعلمي أيّ في نهاية وحدة تعلمية أو محور أو في نهاية سنة، إنّها تؤدي وظيفتين:
- الأولى : تدريب المتعلم على إدماج الموارد التي تمّ إرساؤها.
- الثانية : تقويم قدرة المتعلم على تجنيد الموارد بشكل مدمج، للتأكد من نمو الكفاءة المستهدفة، وذلك في إطار تقويم تكويني أو إشهادي، يرتكز حينها على وضعيات مشكلات إدماجية. الوضعية الإدماجية تسمح بتقويم نموّ الكفاءات الختامية أثناء الاختبارات الفصلية، أو الكفاءات الشاملة (الأهداف الختامية الإدماجية) أثناء الامتحانات الرّسمية ».(وعلي، 2010 : 103).
ومن هذا المنطلق نستنتج وظائف وضعية المشكلة، المتمثلة في :
-
وظيفة تعلمية ديديكتيكية لضبط التعلمات.
-
وظيفة التعلم من أجل الإدماج.
-
وظيفة التقويم بمفهوم الإدماج.
4. معايير ومقاييس وضعية المشكلة
لبناء وضعية المشكلة يجب أن:
- « يُستوحى موضوع وضعية المشكلة، من الواقع الحيّ في حدود المناهج المقرّرة.
- تحمل الوضعية مدلولاً بالنّسبة إلى المختبر، يدخل في دائرة انشغالاته اليومية.
- تتوّجه في صياغتها إليه على العموم، بصفته مخاطبًا.
- تنطلق من معطيات تمهيدية مسلم بها تؤسس عقدة السؤال.
- تكون كفيلة بإقحام المتعلم (أو المختبر في المأزق وتوريطه في تشغيل ما يملك من طاقات عقلية ومهارات للخروج من المتاهة).
- تكون كفيلة بإشعاره بأنّه الوحيد المعني بإيجاد طريقة المعالجة والحلّ.
- تمثل قضية تستوجب حلاًّ مستعجلاً وليست مجرّد تمرين أو مجرّد مسألة تطبيقية.
- تشكّل مجالاً لتعزيز ثوابت الأمّة، والإشادة بالقيّم السّامية والعالمية.
- تدعو إلى الاجتهاد والإبداع » (بوقلي 2009 : 15).
أمّا م ط، وعلى (2010) فاقترح وأضاف لبناء وضعية المشكلة اعتماد المعايير التالية:
- «أن ترتبط بعقبة محدّدة وقابلة للتجاوز، وعلى المتعلم إدراكها اعتمادًا على تصّوراته.
- أن تكون محفّزة بأن تثير اهتماماته وتساؤلاته ورغبته في العمل.
- أن تجعله على قطيعة مع تصّوراته السّابقة.
- أن تتكيّف مع مستواه، بحيث لا تكون صعبة جدًّا ولا سهلة.
- أن تكون وضعية مرّكبة، تحتمل عدّة إجابات، وتتطلّب تجنيد عدّة موارد واستعمال مختلف الاستراتيجيات.
- أن تنتهي باكتساب معرفة ذات طابع عمومي (مفاهيم، تعاريف، قواعد، قوانين، نظريات، كفاءات...) تساهم في إنماء الكفاءة المستهدفة» (وعلي 2010 : 112).
5. خصائص وضعية مشكلة
يحدّد آستولفي Astolfi الخصائص العشرة التالية:
-
وضعية المشكلة منظّمة حول اجتياز القسم حاجزًا من الحواجز، على أن يكون الحاجز واضحاً، ومحدّداً مسبقاً.
-
الدّراسة تُنظَّم حول وضعية ذات طابع ملموس، تسمح للتلميذ فعلاً بوضع الفرضيات والتخمينات، الأمر هنا لا يتعلّق إذًا بدراسة خالصة، ولا بمثال بعينه ذي طابع توضيحي كما نجد ذلك في وضعيات التعليم التقليدية (حتّى في الأعمال التطبيقية).
-
التّلاميذ يدركون الوضعية المقترحة بصّفتها لغزًا حقيقيًا يراد حلّه، وهم قادرون على استثمار قدراتهم فيها، ذلك هو الشرط المفروض لتبنّي الوضعية؛ رغم أنّ المشكلة تُقترح أصلاً من قِبل المعلم إلاَّ أنّها تصبح بعد ذلك «مشكلتهم الخاصّة».
-
في البداية، المتعلمون لا يمتلكون وسائل الوصول إلى الحلّ المُراد، بسبب الحاجز القائم الذي يجب اجتيازه قبل ذلك، فالحاجة إلى الحلّ هي التي تؤدي بالتلاميذ إلى إعداد أو امتلاك الوسائل الذهنية الضرورية لبناء الحلّ.
-
وجوب أن تكون الوضعية من الصّعوبة بما يجبر المتعلم على استثمار معارفه المكتسبة آنفًا وتصوّراته، بطريقة تؤدي إلى مراجعة أفكاره، ومنها إلى وضع أفكار جديدة.
-
هذا، وينبغي ألاّ يكون الحلّ بعيد المنال لا يقوى عليه التلميذ، لأنّ وضعية المشكلة ليست وضعية ذات طابع إشكالي، أمّا النشاط فينبغي أن يكون جاريًا في المنطقة الجوارية المناسبة لرفع التحدّيات الفكرية واستيعاب قواعد «اللعبة».
-
تخمين النتائج، والتعبير عنها جماعيًا يسبقان البحث الفعلي عن الحلّ، فيما تكون مخاطرة كل فرد جزءاً من اللّعبة.
-
تسيير وظيفة وضعية المشكلة داخل القسم بطريقة تعتمد المناقشة العلمية وإثارة الصّراعات الاجتماعية المعرفية المحتملة.
-
قبول الحلّ وتقويمه لا يصدران عن المُدرّس كإجراء خارجي، لكنّهما ينجمان عن طبيعة بناء الوضعية ذاتها وتركيبها.
-
إعادة النظر الجماعي للمسار المجتاز هي مناسبة لعودة تأملية ذات طابع ما وراء معرفي؛ إنّها تساعد التلاميذ على استيعاب الإستراتيجيات التي أعدّوها بشكل إرشادي، وتثبيتها في شكل إجراءات جاهزة لاستعمالها في وضعيات مماثلة جديدة» (بيرنو 2010 : 57-58).
وهذا ما أوضحه م.ط، وعلي (2010)، حين رأى أنّها :
«تخلق لدى المتعلم صراعًا عقلياً معرفياً.
وسيلة للتعلم وليست نتيجة له.
تستلزم إعادة تنظيم معلومات المتعلم.
تُنظّم اللّجوء إلى الخبرة المكتسبة في مختلف مراحل النشاط.
تجعل المتعلم في حالة اللاّتوازن العاطفي.
تتحدّى قدرات المتعلم المعرفية.
تتضمن سياقًا (معطيات أوّلية).
ترمي إلى بلوغ هدف.
تُثمّن العمل الفوجي» (وعلي 2010 : 109-111).
6. تقنيات وطرق صياغة وضعية مشكلة
لقد أدرج عدّة باحثين طرقاً وتقنيات، وإن اختلفت في الشكل والطرح، فإنّ غايتها مساعدة المتعلم على بناء تعلّماته؛ ومن بين هذه التقنيات نذكر ما يلي :
1.6. تقنية ميريو Meirrieu
بالنسبة لميريو وضعية المشكلة
«تتحكّم فيها سلسلة من الأسئلة:
ماذا أريد أن أُكسِبه للتلاميذ، والذي يمثّل معرفية هامّة.
ما هو العمل الذي يمكن أن أقترحه على التلميذ؟ عمل لا يمكن النّجاح فيه دون تعلم.
ما هو الجهاز (مساعدات، مضايقات، أسئلة) الذي ينبغي أن أضعه كي تنطلق عند التلميذ العمليات الفكرية الضرورية للتعلم؟
ما هي النشاطات التي يجب اقتراحها لتشجيع استراتيجيات الحلّ المختلفة الممكنة؟
وأخيرًا، كيف نُغيّر من أدوات التعلم كي نستطيع أن ندمج هذه الإستراتيجيات المختلفة؟» (Fabre 1999 : 102)
2.6. تقنية دي فيشي Devicchi
تتضمن تقنية دي فتشي أربع مراحل، هي :
-
تحديد الهدف العقلي المعرفي للنشاط وِفق المحاور الهامّة في المادة.
-
تشخيص تصورّات المتعلم العامّة حول المحتوى، قصد استفزازه ومساءلته.
-
إعداد الوثائق والسندات والوسائل التي يمكن أن ندعم بها الوضعية.
-
اقتراح أنشطة تسمح باستعمال الموارد وفق مختلف الإستراتيجيات.
3.6. تقنية جونآر Jonnaert
يقترح جونآر لصياغة وضعية المشكلة التعلمية، اتبّاع الخطوات الآتية :
«ضبط المعارف المقرّرة.
ضبط المهارات.
تحديد السياق الذي في إطاره يستخدم المتعلم تلك المهارات.
وصف وضعية في ذات السياق، بحيث تكون شاملة وذات معنى بالنّسبة للتلميذ.
تشخيص المهام (القدرات) والموارد.
انتقاء الموارد.
صياغة الوضعية.» (وعلي 2010: 114-115).
4.6. تقنية دي كيتل Jean Marie Deketele
تصاغ وضعية المشكلة عند الباحث دي كيتل وفق الخطوات التالية:
-
السند : يحدّد السند، والمتمثل في مجموعة العناصر المادّية نقترحها على المتعلم (نصّ مكتوب، رسم، صورة، مخطط توضيحي...)؛ وهذا السند يتضمن ثلاثة عناصر أساسية تصاغ بدّقة وهي :
-
السياق : الذي نمارس فيه الكفاءة، فهو المحيط الذي يتموضع فيه المتعلم.
-
المعلومة : تُحدَّد المعلومة التي يعتمد عليها المتعلم في إنجاز نشاطه، ويمكن للمعلومات أن تكون كاملة أو ناقصة، منسجمة أو مشوشة، مفيدة أو دخيلة.
-
الوظيفة : تتمثل في تحديد الهدف من إنجاز التلميذ للوضعية.
-
التعليمة : وهي مجموعة الإرشادات (التوصيات) المقدّمة للمتعلم بشكل واضح.
-
المهمة : تُمثّل المنتوج المنتظر (أو التنبؤ بالعمل المنجز).(Roegiers 2004 : 128-129)
5.6. تقنية روجرس كسافيي Rogiers Xavier
لا تختلف تقنية روجرس كسافيي كثيرًا عن تقنية دي كيتل، إلاَّ في جعل السند عند دي كيتل يتضمن ثلاثة عناصر تتمثل في : السياق، المعلومة والوظيفة، بعدها تأتي التعليمة والمهمة؛ أما من وجهة نظر روجرس كسافيي فيتحدّد السياق من خلال : المعلومة، السند والوظيفة؛ وعليه تصبح مكوّنات وضعية المشكلة عنده هي :
-
السياق : ويتحدّد من خلال :
-
المعلومات : وهي المعطيات التي تساعد على حلّ الوضعية.
-
السند : وقد يكون نصًّا أو خريطة أو صورة أو مخططًا أو تسجيلاً أو ما تقتضيه الوضعية.
-
الوظيفة : وهي الهدف الذي من أجله يُحقَّق الإنتاج.
-
المهمة : وتتعلّق بنوع الإنتاج المطلوب.
-
التعليمة : وتتمثّل في السؤال المطروح بشكل صريح وواضح ومختصر وغير قابل للتأويل (وعلي 2010 : 116).
وعليه، فإنّ وزارة التربية الوطنية بالجزائر أخذت هذه التصنيفات وتبنّتها في بناء مناهجها، بعد أن قامت بعملية غربلة لها، وتوضيح الرؤى؛ حيث اعتمدت في بناء وصياغة المشكلة على طريقة علمية تتلاءم مع شروطها الموضوعية، تحتوي العناصر التالية : السياق، السّند، التعليمة؛ والتي تبنّاها روجرس كسافيي في مكوّنات وضعية المشكلة؛ وللتوضيح أكثر، فإنّه لبناء المشكلة وصياغتها «لا بدّ من الجانب المادّي والعمل الجماعي... ويجب أن تكون تعليمات العمل محدّدة بدّقة وأخذ الحيطة أثناء اختيار الأنشطة وكذا أثناء صياغة الأسئلة المطلوب طرحها» (Boilevin 2005 : 19)
«و ينبغي أن تصاغ المشكلة بحيث تثير نزاعًا معرفيًا يحفز المتعلم ويدفعه إلى التعلم، كأن تأتي مثلاً في شكل :
-صيغة محيرة، لا تبعث على ارتياح النّفس،
-نصّ (أو فكرة) مثير للانتباه، يستوقف المتعلم، يستجوبه،
- تجربة أو نتيجة تبدو غير منطقية،
-مشكلة يبدو حلّها مستحيلاً،
-أنموذج شرح أو تفسير يختلف تمامًا عن أنموذج المتعلمين أو يناقضه،
-عنصران متناقضان في المظهر، متفقان في الجوهر،
-فخ يمكن الوقوع فيه...» (بن حبيليس 2004 : 14).
خاتمة
من خلال عرض قراءة للإطار المفاهيمي لوضعية مشكلة نستنتج بنظرة فاحصة تحليلية أنّها تعتمد على وضع المتعلم في مواقف تعليمية – تعلمية مثيرة تجعله يشعر بالحيرة وعدم اليقين إزاء بعض المواقف، مع وجود رغبة قوية لدى المتعلّم في وضع حدٍ لذلك الموقف المحيّر؛ من خلال تنظيم معلوماته وربطها، عن طريق نشاطات معيّنة يقوم بها، بتوجيهٍ وإرشادٍ من المُعلّم، لإيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة. ولعلّ بحثنا هذا يفتح الآفاق أمام كل باحث مهتم يريد أن يساهم في إثراء هذه المفاهيم وإجراء دراسات أكثر عمقاً، سواء في الجانب النظري أو الميداني، إلى جانب إيلاء المزيد من الاهتمام، والبحث، والتقصي في دراسة وفهم موضوع وضعية مشكلة، وخصائصها، ومعاييرها، ومقاييسها، وأنواعها وأنماطها؛ وكذا تقنيات وطرق صياغة مشكلة، باعتبارها أحد الشروط الهامة في العملية التعليمية – التعلمية، علما أنّ البحث في هذا المجال واسعٌ، ومهما حاولنا واجتهدنا فإنّ أعمالنا تحتاج إلى الاستمرارية.