المقدمة
بفضل التَّطور العلمي والتكنولوجي الذي شهده العالم في القرنين العشرون والواحد والعشرون، تقلَّصت حواجز الزمن والمسافة، وانفتحت شعوب العالم على بعضها البعض على اختلاف لغاتهم وتعدّد ثقافاتهم، الأمر الذي ساهم في إدخالنا إلى عصر الترجمة الحتمية، إذ تشكِّل المحور الرَّئيسي في نقل العلوم والمعارف نحو لغات مختلفة، حتى أضحت بمثابة النَّواة الأساسية في جميع العلوم على حدّ سواء.
وحديثنا عن ترجمة العلوم، يقودنا تلقائيا إلى الحديث عن ترجمة مصطلحاته، التي يتولاها علم المصطلح، فعلى الرغم من كون كلا العلمين مستقلين بذاتهما، إلا أنهما يشتركان في استخدام اللغة الأصل واللغة الهدف كوسيلة وغاية في نفس الوقت، إضافة إلى أن المصطلح هو الوحدة اللُّغوية الأساسية والأكثر دقة التي يرتكز عليها عمل المترجم.
والمتصفح في الأعمال الترجمية للعلوم قديما، يجد أن المترجمين كانوا يقومون بوضع واصطلاح المقابلات لكل المصطلحات التي يواجهونها، فكان بذلك المترجم هو المخول الشرعي في وضع المصطلحات حسب خلفيته المعرفية والثقافية، إلى أن أصبح علم المصطلح علما قائما بذاته، فصارت المصطلحات تولَّد من طرف مُصطلحيِّين متخصّصين، يتطلب منهم إِعدادا خاصا حتى يُلموا بجميع جوانب الترجمة من لغة الاختصاص، إلى خصوصية المصطلح نفسه، باعتباره مُوجها إلى قارئ مخصوص، ينتمي إلى نفس المجال العلمي، ولعل أهم ما يواجه المترجم المصطلحي، هو صعوبة نقل الشحنات والحمولات الفكرية والثقافية التي يستمدّها المصطلح من البيئة التي نشأ وتكوَّن فيها، حيث يجد المترجم نفسه مجبرا على ترجمة كل العناصر المحيطة به، باعتبار أن مفهوم المصطلح وتصوّره واحد وموحّد في جميع اللغات، بينما لفظه يختلف من شعب لآخر، ولذلك وجبت العناية بالمصطلح لأنه يعبّر عن الفهم الحقيقي لمفهوم الشيء وماهيته في لغته الأم، ثم نقله بصورته النهائية إلى اللغة الهدف مع احتفاظه بكل مكوناته المعنوية، وخلفياته الثقافية.
وارتأينا اليوم أن نتطرق إلى أحد أهم فروع الترجمة المتخصصة ألا وهي: ترجمة المصطلحات اللسانية، من خلال البحث الموسوم ب"مظاهر الفوضى المصطلحية في ترجمة كتاب مبادئ اللسانيات العامة لأندري مارتيني"، حيث سنعالج من خلال هذا البحث قضية ترجمة المصطلحات اللسانية في كتاب Eléments de linguistique générale للساني الفرنسي أندري مارتيني، (طبعة 1980)، الذي تُرجم إلى اللغة العربية ثلاث ترجمات متعاقبة هي على التوالي: ترجمة الدكتور أحمد الحمو بعنوان مبادئ اللسانيات العامة، سنة1984، والترجمة الثانية: لريمون رزق الله بعنوان مبادئ ألسنية عامة سنة 1990، وآخرها ترجمة الجزائري سعدي زبير بعنوان مبادئ في اللسانيات العامة سنة1999، فالملاحظ من خلال عرضنا للمدونات الثلاث اختلاف وتباين في ترجمة العنوان نفسه بين المترجمين، وقد انطلقنا في هذا البحث من إشكالية تعدُّد الترجمات العربية للمصطلحات الواردة في الكتاب ومفاهيمها، فكيف ستكون ترجمة المصطلحات اللسانية ومفاهيمها عند هؤلاء المترجمين؟ لذلك سوف تكون دراستنا، دراسة مصطلحية مقارنة للترجمات، نقوم من خلالها بتسليط الضوء على نماذج مختارة من المصطلحات اللسانية الواردة في الكتاب الأصلي ومقارنتها بالمصطلحات والمفاهيم الترجمية الخاصة بها في كل من الترجمات الثلاث، مبيِّنين ماهية كل من الترجمة، المصطلح العلمي، باعتباره آلية من آليات توليد المصطلحات، ووسيلة من وسائل الاثراء اللغوي، معرِّجين على اللغة المتخصّصة وعلاقتها بالمصطلح، إضافة إلى علاقة علم المصطلح بعلمي الدّلالة والترجمة، مع اقتراح خطة عمل تتصدى لمشكلة التعدد المصطلحي، وضرورة توحيده على مستوى العالم العربي.
1. الجانب النظري
1.1. مفاهيم أساسية
1.1.1. الترجمة
الترجمة في اللغة، نقل وتفسير الكلام من لغة إلى لغة أخرى، كما جاء في لسان العرب «ترجم كلامه بمعنى فسره بلسان آخر» (ابن منظور،1988ص316)،أما اصطلاحا فالترجمة هي نقل نفس النص، المكتوب من لغة المصدر، إلى لغة الهدف، حيث يرى في ذلك كل من فيناي Vinay، داربلنت Darbelnet (1958) أن « الترجمة عبارة عن نقل من اللغة A إلى اللغة B من أجل التعبير عن الواقع نفسه »(أمبارو،2007، ص45)،
و« الترجمة هي عملية نقل لصورة ذهنية أو حديث بكافة معانيه وإيحاءاته وملابساته بحيث تكون معبرة تعبيرا دقيقا عن الأصل»(موسى،2012، ص15)،وكغيرها من العلوم، تقوم الترجمة على مجموعة من المبادئ : منها التركيز على نقل المعنى، نقل الغلاف اللغوي الحاضن المعنى، ونقل الأسلوب وذلك من أجل إحداث التأثير نفسه الذي يحدثه النص الأصلي في المتلقي، يقول في هذا الصدد عبده مختار موسى : نقل المعنى (وليس نقل الكلمات نقلا حرفيا وإلا لن نستطيع نقل الشعر أو الأمثال أو التشبيهات المجازية والاستعارية) وأيضا نقل الغلاف اللغوي الذي يغلف المعنى (بمعنى نقل الزمن سواء ماضي أو مضارع، والمضارع ليس زمنا وإنما هو صيغة، أما الأزمنة فهي الماضي والحاضر والمستقبل إلى آخره، ومدلولات الزمن والنحو تضيف للمعنى وتعززه وبالتالي كلما تعمق المترجم في فهم الجملة كلما وجد أدلة ومفاتيح تثبت وتؤكد صحة ترجمته أو تقوده للأصح).ونقل الأسلوب (نقل أسلوب الكاتب أو المتحدث وتشبيهاته والصور الجمالية المستخدمة ونقلها من خلال حضارة اللغة الهدف حتى تصبح مستساغة ومفهومة »(موسى،2012، ص15).
2.1.1. المصطلح العلمي
من بين أهم النتائج التي خلفها التطور التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم، في كل مجالات العلوم والمعارف، تأثيرا كبيرا على كل اللغات، ذلك أنه يحتاج إلى توثيق نتائج وحوصلات البحوث، حتى يتسنى للناس مشاركتها وتبادلها، مما يعني ولادة مفاهيم جديدة، تستلزم بالضرورة التعبير عنها بمصطلحات وألفاظ جديدة متخصصة، فكانت تلك الألفاظ التي ترتبط نشأتها بالعلوم تكتسب صفة العلمية تلقائيا، ويُطلق عليها اسم « المصطلحات العلمية »، وفيما يلي مجموعة تعاريف لعدّة علماء : حيث يُعرَّفه أحمد الحطَّاب بأنه «كل لفظة أو كلمة تدخل في نطاق المعرفة العلمية، والتي صاغها وابتكرها واقتبسها الباحثون والدارسون للتعبير عن نتائج أعمالهم، و لا تنعت المصطلحات بالعلمية لكونها علمية في حد ذاتها، ولكن للظروف التي تمت فيها الصياغة والابتكار» (الحطاب،1999، ص 212). وورد أيضا أن
«المصطلح العلمي هو الأساس في البناء المعرفي؛ وهو: لفظ كلمة أو كلمات، تحمل مفهوما معينا ماديا أو معنويا غير ملموس، أو هو كلمة أو كلمات ذات دلالة علمية أو حضارية، يتواضع عليها المشتغلون بتلك العلوم والفنون والمباحث، وفي جميع الأحوال يجب عند وضع المصطلحات الاهتمام بالمعنى قبل اللفظ، وأن يكون لكل مفهوم مصطلح مخصوص به» (دويدري،2010، ص147)،
ومنه فالمصطلح العلمي ينشأ في ظروف علمية خاصة، وهو الحجر الأساس في بناء العلوم والمعارف، وللمصطلح العلمي مجموعة من السمات والصفات الدقيقة التي تميِّزه عن غيره من الكلمات وهي:
«-أن يكون لفظا لا عبارة حتى يسهل تداوله.
-أن يكون المصطلح محدد للمعنى تحديدا تاما، ولهذا حسن تجنب الاشتقاق من ألفاظ الحياة العامة.
-أن تكون المصطلحات بطبيعتها قابلة للتنسيق العلمي.
-أن تكون قابلة للنمو والزيادة» (عبد العزيز، د.ت، ص218).
3.1.1. اللغة المتخصصة
يلجأ الباحث في وصف نتائج وحوصلات البحوث إلى اللغة المتخصصة التي ترتبط بحقل الدراسة، لعرض ما توصّل إليه من نتائج، تعرفها لورا بيار (Pierre Lerat) ب :
» La notion de langue spécialisée est plus pragmatique: c’est une langue naturelle considérée en tant que vecteur de connaissances spécialisée» (Lerat 1955: 20)
« مفهوم اللغة المتخصصة أكثر واقعية : هي لغة طبيعية تُعتبر بمثابة ناقل للمعرفة المُتخصصة »
وأما في العصر الحالي فللغة المتخصصة عدة مرادفات حيث
«توصف اللغات الموظفة في التعبير عن مضامين العلوم» باللغات المتخصصة «(langue spéciales) أو باللغات المتخصصة (langue spécialisée)، أو بلغات التخصص (langue de spécialités) أو بلغة الأغراض الخاصة (langue for specials purposes) وهي في مجموعها أوصاف مترادفة من حيث إنها تفيد المعني نفسه، وهو اختصاص هذه اللغات بمجالات علمية محددة» (الكتاب الطبي الجامعي، 2005، ص43).
فمهمّة اللغة المتخصّصة وصف العلوم ونقلها.
2.1. علاقة المصطلح باللغة المتخصصة
باعتبار أن لغة التخصص لغة مرتبطة بمجال معرفي معيّن، فإنها بذلك منشأ للعديد من المصطلحات، التي تحتضنها وتهيأها لتصبح كيانا قائما بذاته، ولمّا يشيع استخدامها بين المختصين، تنتقل تلقائيا إلى اللغة العامة، وعندما تدخل الكلمات الوافدة من اللغة العامة حيِّز لغة التخصص، تتجرّد من عموميتها وتصبح ذات دلالة خاصة في استخدامها الجديد حيث أنّ
«المصطلحات جزء من لغات التخصص، وهي الجزء الأساسي في كل لغات التخصص المختلفة، سواء أكانت في المجال العلمي أم في المجال المهني، إنّ لغات التخصص ليست مجرّد مصطلحات، فالمصطلحات وحدها لا تقيم لغة بل فيها – أيضا – خصائص صرفية ونحوية محدّدة، لا شكّ أنّ السّمة الجوهرية المميِّزة للعبارة المتخصّصة تكمن في مصطلحاتها» (حجازي، د.ت، ص14)
فلغات التخصص ليست مصطلحات فقط، وإنما هي لغة قائمة بذاتها تنتمي بدورها إلى اللغة العامة، لها خصائصها النحوية والصرفية، لكن يبقى المصطلح العنصر البارز فيها.
ويلتقي كل من المصطلح ولغة التخصص في كون «لغات التخصص تتوخى الدقة والدلالة المباشرة، وكلتاهما سمة جوهرية في المصطلحات العلمية، والتقنية، وهذه السمات تجعل لغات التخصص تختلف عن اللغة العامة وعن اللغة الأدبية» (حجازي، د.ت، ص14)
وحتى تكون للمصطلحات دلالة مباشرة ودقيقة يجب الابتعاد عن المجاز، والتعبيرات غير المباشرة، التي تظلل المفهوم وتشوهه. ولغة التخصص هي نظام لغوي مستقل داخل نظام اللغة العامة، تتّسم بالعلمية التي تعكس الوقائع والظواهر كما هي مطابقة للواقع، لا أثر فيها لتعدّد المعاني وكثرة الإيحاءات، حيث يقتصر دورها في وصف وتفسير التطور المفاهيمي للمصطلحات في سياق علمي. ويبقى المصطلح سيّد الموقف في اللغات المتخصصة، باعتباره وحدة لغوية علمية، وجزء أساسي في كل لغات التخصص المختلفة، بحيث تمثّل خلاصة البحث العلمي، كما أن المصطلحات هي عبارة عن الخط الفاصل الذي يفصل اللغة العامة عن اللغة الخاصة.
3.1. توحيد المصطلح العلمي في الوطن العربي
المتصفح للتراث اللغوي عند العرب في العصر الجاهلي يجد بأنه
«لم يكن للعرب في الجاهلية مصطلحات علمية إذ كانوا لا يزالون في طور البداوة والحياة الفطرية، فلمَّا نزل الإسلام في ديارهم رأوا فيه شريعة إلاهية ذات فروضاً لا عهد لهم بها... وتبع هذه الفرائض فروض وضعت لها مصطلحات مثل: ما يتبع الصلاة من الوضوء، والتيمّم والرّكوع والقيام والسّجود ولم يحدث ذلك في العبادات وحدها، فقد حدث في المعاملات وفي كثير من فروع الشريعة والفقه، وأخذت علوم كثيرة تنشأ حول القرآن مثل علم القراءات ومصطلحاته، ومثل علوم اللغة والنحو وعلوم البلاغة» (المناوي، 2013، ص64).
غير أن المتتبع لحركة التعريب في العصور الذهبية يجد بأن الاسم المعرّب في «العصر العباسي من خلال بعض الأصول الجامعة التي اعتمدناها ثمة، أن المصطلحات العلمية فيها تكاد تكون موحدة على اختلاف الأزمان والأوطان بين مؤلفيها» (عبد العزيز، د. ت، ص274). فبالرغم من عدم توفر مراكز خاصة بتوليد المصطلحات، أو علماء مختصّين في وضع المصطلحات إلا أن المصطلحات كانت موحدة بين المترجمين في عصر صدر الإسلام والعصر العباسي، ولعل من أهم أسباب ازدهار الحركة العلمية قديما.
« توحيد المصطلحات العلمية في أوطاننا العربية، مما هيأ لقيام وحدة علمية بين علماء العرب في جميع ديارهم وأقطارهم، من أقاصي إيران إلى أقاصي الأندلس ولنضرب مثلا بعلم الطب، فمصطلحاته عند ابن سينا في بخاري أو غيرها من مدن إيران التي تراها هي نفسها مصطلحات الأطباء في جميع بلدان العالم العربي، فلا فرق فيها بين بلد في الشرق وبلد في الغرب، ولا بين عالم في الأندلس ولا عالم في مصر أو العراق، وأتاح ذلك للعلوم العربية نهضة كبيرة»(المناوي، 2013، ص69).
إذا كانت المصطلحات العلمية موحدة في العصر العباسي ففي العصر الحديث
«لا تكاد تجد قطرين عربيين يتفقان على مصطلحات علمية واحدة في أي فرع من فروع العلم، ولعل من أسباب ذلك أن الاحتلال الأجنبي لأقطار العالم العربي بسط سيطرته على التعليم وفرض لغته على مؤسساته، ومن ثم توزعت مصادره العلمية بين الإنجليزية والفرنسية» (عبد العزيز، د.ت، ص276).
كانت هذه حوصلة عن وضعية المصطلحات عبر عصور عربية مختلفة، ففي العصر الجاهلي والعصر العباسي لم يعرف فيه العرب فوضى المصطلح التي يشهدها العالم العربي في العصر الحديث. حيث بدأ العرب ينهلون من مختلف علوم الأمم المجاورة، إلا أنّه ما ميّز مصطلحات هاته العلوم في تلك الفترة أنّها تكاد تكون موحدة، في كل ربوع الوطن العربي.
2. الجانب التطبيقي
نحاول في هذا الجانب أن نعرض نماذج مختارة من التوافقات والاختلافات المصطلحية، التي أوردها المترجمون في ترجماتهم، للمصطلحات الأصلية الواردة في كتاب أندريه مارتيني.
Accent 1.2
المترجم المصطلح |
Accent |
أحمد الحمو |
النبر |
ريمون رزق الله |
الحركة |
سعدي زبير |
النبر |
يقول أندريه مارتينيه :
« L’accent est la mise en valeur d’une syllabe et d’une seule dans ce qui représente, dans une langue déterminée l’unité accentuelle dans la plupart de langue, cette unité accentuelle est ce qu’on appelle couramment le mots ». (Martinet,1980 : 89)
يترجمها أحمد الحمو «النبر هو إبراز مقطع واحد فقط داخل ما يشكل في إحدى اللغات الوحدة النبرية Unité accentuelle، وتتجسد الوحدة النبرية في معظم اللغات فيما نسميه عادة بالكلمة »(الحمو، 1984، ص83).ويترجمه ريمون رزق الله « لحركة هي عملية إبراز مقطع صوتي، ومقطع واحد فيما تمثله الوحدة الحركية في لغة معينة، هذه الأخيرة هي ما نسميه في أغلبية اللغات بالكلمة بصورة عامية»(رزق الله، 1990، ص103).في حين يترجمه سعدي زبير «النبرة إبراز لقيمة مقطع صوتي واحد فقط فيما تمثله –في لسان معين- الوحدة النبرية، والوحدة النبرية في أغلب الألسن هي ما جرت على الألسن تسميته باللفظة » (زبير، 1999، ص86). فالملاحظ من خلال هاته الترجمات أن أحمد الحمو وسعدي زبير اتفقا في ترجمة مصطلح Accent ب «النبر»، وترجمه ريمون رزق الله ب «الحركة»، وبالعودة إلى المفاهيم الدقيقة لكلا المصطلحين في اللغة العربية نجد أن :
«النبر هو وضوح نسبي لصوت أو مقطع إذا قورن ببقية الأصوات والمقاطع في الكلام، والمقطع المنبور بقوة ينطقه المتكلم بجهد أعظم من المقاطع المجاورة له، لأن النطق حين النبر يصحبه نشاط كبير في أعضاء النطق جميعا في وقت واحد، ويترتب على ذلك أن الصوت يعدو عاليا وواضحا في السمع» (قدور،2008، ص163).
والحركة
«هي أثر التحرك، وقد تكون مظهرا إعرابيا تحققه العوامل المعنوية أو اللفظية، فتجلب للكلمات الداخلة عليها إحدى الحركات الثلاثة، الضمة أو الفتحة أو الكسرة، وكل منها تمثل حالة إعرابية معينة: فالضمة تمثل الرفع، والفتحة تمثل النصب والكسرة تمثل الجر والنصب في جمع المؤنث السالم». (اللبدي، 1985، ص63)
ومن خلال ما سبق فإن الترجمة الملائمة والمناسبة لمصطلح Accent هي ترجمة أحمد الحمو، وسعدي زبير، لأن مصطلح «نبر» هو المقابل المناسب والمطابق لمصطلح Accentومفهومه، في حين أن ترجمة ريمون رزق الله غير مناسبة لأن مصطلح «حركة» يدل على الحركات الإعرابية، التي تلحق بأواخر الكلمات. وبالنسبة لمصطلح motsفقد تُرجم على النحو التالي:
المترجم المصطلح |
Mots |
أحمد الحمو |
الكلمة |
ريمون رزق الله |
الكلمة |
سعدي زبير |
اللفظة |
جاء في معجم المصطلحات النحوية والصرفية «قد تكون الكلمة اسما أو فعلا أو حرفا، لأنها إن دلت على معنى في نفسها غير مقترنة بزمان فهي الاسم، وان اقترنت بزمان فهي الفعل، وإن لم تدل على معنى في نفسها، بل في غيرها فهي الحرف» (اللبدي، 1985، ص197). بينما اللفظ «هو الصوت الذي يشتمل على بعض الحروف تحقيقا كزيد وتقديرا كالضمير المستتر وهو جنس يشمل الكلام والكلمة والكلِم، كما يشمل المهمل مثل: ديز والمستعمل مثل: زيد» (اللبدي، 1985، ص205).
من التعاريف السابقة فإننا نرجح ترجمة أحمد الحمو وريمون رزق الله لمصطلح» Mots بالكلمة»، كونها أعم وأشمل من ترجمة «لفظة» التي أوردها سعدي زبير. ومما سبق كله فالمقابل المصطلحي والمفهومي المناسب لمصطلح Accent هو ما وضعه أحمد الحمو.
2.2. Adverbes
المترجمالمصطلح |
Adverbes |
أحمد الحمو |
قرائن فضلية |
ريمون رزق الله |
الظرف |
سعدي زبير |
الظرف |
يقول أندريه مارتنيه :
« Ce qu’on appelle traditionnellement ‘’adverbe’’ comporte des unités appartenant à des classes assez variées. On y trouve notamment les monèmes autonomes hier, vite, et les synthèses dérivées de même comportement comme vivement, doucement, il s’agit lâ d’expansions du prédicat, lorsque le prédicat correspond a une action, l’adverbe est naturellement un complément de cette action » (Martinet,1980 : 140).
يترجمها أحمد الحمو
« قرائن فضلية إن ما اصطلح على تسميته» قرينة فضلية
adverbe« يشتمل على وحدات من فئات مختلفة، ونذكر منها الوحدات الدالة المستقلة مثل hier وvive والوحدات الإفرادية المتفرعة التي تسلك السلوك ذاته مثل vivement وdoucement، وتشمل هذه القرائن الفضلية داخل الجمل فصلة على المسند، فإذا كان المسند فعلا، كانت القرينة الفضلية تكملة لهذا الفعل» (الحمو، 1984، ص144).
يترجمها ريمون رزق الله: الظرف
adverbe«’يحتوي ما نسميه تقليديا بالظرف على وحدات تنتمي إلى فئات متنوعة نجد من بينها خاصة المونيمات المستقلة hier، vive والمونيمات المركبة المشتقة التي تتصرف، على الصعيد الألسني مثل : vivement وdoucement، ويتعلق الأمر هنا بامتدادات المسند حين يتطابق هذا الأخير مع فعل أو عمل، يكون الظرف بالطبع مكملا لهذا العمل. adverbe« (رزق الله، 1990، ص166)
في حين يترجمها سعدي زبير
«ما يسمى تقليديا «ظرف» يشتمل على محددات تنتمي إلى أقسام جد متنوعة نجد فيها على الخصوص الكلمات المكتفية أمس، سريعا، والأنساق المشتقة من نفس السلوك مثل vivement وdoucement يتعلق الأمر هنا بباسطات المخبر عندما يتطابق المخبر مع عمل يكون الظرف بطبيعة الحال تكملة لهذا العمل» (زبير، 1999، ص127).
عند العودة إلى ما ورد في التراث اللغوي العربي نجد المبرد (210- 286ه) يقول في الفضلة «يكون المفعول فيه فضلة كالحال والظرف والمصدر ونحو ذلك، مما إذا ذكرته زدت في الفائدة، وإذا حذفته لم تخلل بالكلام» (بن يزيد،1386ه، ص116)، وفيما يخص الظرف فيقول ابن هشام الأنصاري «الظرف ما ضمن معنى» في«بإطراد، من اسم وقت أو اسم مكان أو باسم عرضت دلالته على أحدهما أو جار مجراه»(لأنصاري، ص204). ومما سبق فإن الترجمة الصحيحة لمصطلح Adverbeهي الظروف، كما ترجمها ريمون رزق الله وسعدي زبير، ذلك أن ترجمة أحمد الحمو للمصطلح كانت ترجمة عامة حيث إن القرائن اللفظية في اللغة العربية متعددة ومتنوعة، في حين الترجمة التي أوردها المترجمان الآخران خصصت المصطلح وأعطته ترجمة أقرب إلى الدقة، أما فيما يخص ترجمة الأمثلة (vite, hier, doucement, vivement) فإن أحمد الحمو الحمو وسعدي زبير لم يقوما يترجمتها واكتفيا بإيدراجها كما هي لفظا ومعنى، في حين قام سعدي زبير بترجمة(vite, hier)، إلى : أمس وسريعا ولم يقم بترجمة(doucement, vivement)، هذا فيما يخص ترجمة المصطلح، أما إذا تمعنا جيدا في الترجمة المفهومية للمصطلح نجد بأن هناك ثمة فروقات أيضا في الترجمة فمثلا :
المترجم المصطلح |
Les monèmes autonomes |
أحمد الحمو |
الوحدات الدالة المستقلة |
ريمون رزق الله |
المونيمات المستقلة |
سعدي زبير |
الكلمات المكتفية |
مصطلح Les monèmes autonomes هو مصطلح مركب، حيث تُرجمت «monèmes» بالوحدات الدالة عند أحمد الحمو وهي ترجمة قريبة جدّاً من مفهوم المصطلح، واقترضت كما هي عند ريمون رزق الله مع اخضاعها للنظام الصوتي والصرفي العربيين، حيث مزج فيها بين نظامين لغويين مختلفين، وتُرجمت بالكلمات عند سعدي زبير وهي الترجمة المناسبة للمصطلح، أما فيما يخص الجزء الثاني من المصطلح« autonome» ، فكل الترجمات صحيحة كونها تعبر عن المعنى الأصلي التي وُضعت من أجله.أما في مصطلح Les synthèmes dérives فنجد مفارقة بارزة، حيث نجد الترجمة تختلف من مترجم لآخر حسب الجدول التالي :
المترجم المصطلح |
Les synthèmes dérives |
أحمد الحمو |
الوحدات الافرادية المتفرعة |
ريمون رزق الله |
المونيمات المركبة المشتقة |
سعدي زبير |
الأنساق المشتقة |
وعليه فالمقابل الصحيح لمصطلح synthèmes هي ترجمة سعدي زبير كونها أقرب للدقة للتعبير عن دلالة المصطلح في لغته الأصلية، في حين نلاحظ أن ريمون رزق الله يستخدم مصطلح «مونيمات»، للدلالة على مصطلحين الأول«monèmes» ، والثاني «synthèmes» ، مما يدل على أن كلا المصطلحين في اللغة الأجنبية يقابلان المصطلح المقترض عند ريمون رزق الله وهو المونيمات. أما فيما يخص الجزء الثاني من من الصطلح، فالاشتقاق هو »أخذ كلمة من كلمة أو أكثر مع تناسب بين المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ» (لوشن، 2008، ص213)، ومن كل ماسبق فإننا نرجح ترجمة سعدي زبير لهذا المصطلح. ومن الملاحظ أيضا أن أحمد الحمو وريمون رزق الله عند ترجمتهما للمصطلح لم يقوما بترجمة الأمثلة الواردة فيه، على غرار سعدي زبير الذي قام بترجمة الأمثلة من لغتها الأصلية إلى العربية وفكان لابد لهما من ترجمتها، ذلك أن هناك مقابلات لتلك المصطلحات في اللغة العربية كونها من أغنى اللغات في العالم من حيث المفردات.
Bilinguisme 3.2
المترجم المصطلح |
Bilinguisme |
أحمد الحمو |
ازدواجية اللغة |
ريمون رزق الله |
ثنائية اللغة |
سعدي زبير |
الازدواجية اللسانية |
يقول أندريه مارتينيه :
« Le Bilinguisme implique deux langue de statut identique est si répandue et si bien ancrée, il n’y aurait de Bilinguisme qu’individuel » (Martinet,1980 :148).
يترجمها أحمد الحمو «ازدواجية اللغة تعني بالضرورة بوجود لغتين تتمتعان بقدر متساو من الانتشار والاعتراف.. يقتصر مفهوم لازدواجية اللغة على الأفراد فقط» (الحمو، 1984، ص149). ويترجمها ريمون رزق الله «ثنائية اللغة هي لغتين تخضعان لوضع متطابق.. فليس هناك من ثنائية إلا الفردية منها» (رزق الله، 1990، ص171). في حين يترجمها سعدي زبير «الازدواجية اللسانية تعني وجود لسانين لهما نفس الحكم.. فليس ثمة ازدواجية إلا فردية » (زبير، 1999، ص130). لا بد لنا قبل كل شيء من التفريق بين مصطلح ثنائية لغوية، وإزدواجية لغوية، فيقال عن الشخص أنه مزدوج اللغة إذا كان هذا الشخص «يمتاز بملكة وظيفية ضمن لغة ثانية، إلاّ أنّه قد تتفاوت هذه الملكة بين مزدوجي اللغة هؤلاء ضمن مجال للتطبيق الواحد أو أكثر ومن حيث درجة إتقان اللغتين معا الذي يسمي أحيانا بالازدواجية اللغوية المتكافئة» ( صبولسكي، 2010، ص60)، أما الثنائية اللغوية «فهي قدرة الفرد على استعمال لغتين، يمكن اختيار كل واحدة منهما بوجه أو أكثر، لغة أصلية بالنسبة له» ( استيتية، 2005، ص65)، وعليه فإن المقابل الدقيق لمصطلح Bilinguisme هو الازدواجية اللسانية للمترجم سعدي زبير، حيث أن الازدواجية ظاهرة فردية، تعني اتقان الفرد أو الشخص للغتين بنفس المستوى، أما ترجمة ريمون رزق الله للمصطلح بالثنائية التي يقابلها في اللغة الأجنبية مصطلحdiglossie، غير مناسبة حيث إنها ظاهرة اجتماعية تعني استعمال جماعة لغوية لغتين مختلفتين معا، كما هو الحال في الجزائر بين اللغتين العربية والفرنسية، وما جعل ترجمة سعدي زبير مطابقة أكثر كون اللسان منطوق، ولا يكون من غير صوت أو نطق أبدا ، أما اللغة فتكون بصوت أو بدونه، مثلا لغة إشارة المرور، لغة الإشارة.
Créoles 4.2
المترجم المصطلح |
Créoles |
أحمد الحمو |
الكريولية |
ريمون رزق الله |
لغات مختلطة |
سعدي زبير |
الكرييول |
يقول أندريه مارتينيه :
« Les idiomes qu’on désigne sous le terme de ‘‘créoles’’ sont parlés par les descendants d’esclaves, amenés d’Afrique au nouveau monde et dans les iles de l’Océan Indien, ils ont dû résulter d’un processus particulier dont on s’efforce par la pensée de reconstruire les stades, mais leur comportement contemporain vis-à-vis de la langue de culture, dont ils semblent être une version mutilée et déformée, rappelle celui des dialectes et des patios » (Martinet,1980 : 158).
يترجمها أحمد الحمو
«يتكلم أحفاد العبيد الذين جلبوا من إفريقيا إلى العالم الجديد وجزر المحيط الهندي لهجات نطلق عليها اسم «الكريولية» ونرجح أن هذه اللهجات قد تولدت نتيجة لعملية من نوع خاص، لا يستطيع المرء حيالها سوى أن يحاول تصور مراحلها من خلال أعمال الفكر وتشبه علاقاتها بلغة الثقافة علاقة اللهجات والباتوا بهذه اللغة إذ أنها ليست سوى تحويرا وتشويها له» (الحمو، 1984، ص160).
بينما يترجمها ريمون رزق الله
«إن اللغات الخاصة المشار إليها بكلمة «لغات مختلطة» هي التي يتكلمها المتحدرون من عبيد أحضروا من إفريقيا إلى العالم الجديد وجزر المحيط الهندي، وهي ناتجة عن عملية خاصة نحاول بالفكر استعادة مراحلها، إلا أن تصرفها المعاصر إزاء لغة الثقافة التي تبدو وكأنها صورة مشوهة عنه» (رزق الله، 1990، ص183).
في حين يترجمها سعدي زبير
«إن الأعراف اللسانية التي نشير إليها بهذا المصطلح «كرييول» هي التي يتكلمها ذرية العبيد الذين جيء بهم من إفريقيا إلى العالم الجديد وإلى جزر المحيط الهندي، لعل هذه الأعراف تكون قد نتجت عن سيرورة خاصة يجتهد الفكر في إعادة بناء أطوارا، ولكن تصرفها الآن تجاه لسان الثقافة التي يبدو أنها نسخة منه مشوهة» (زبير، 1999، ص138).
في هذا المصطلح وُفِّق ريمون رزق الله في ترجمة مصطلح Créoles باللغات المختلطة، وهي ذلك المزيج اللغوي الذي يتحدث بها نسل عبيد إفريقيا. وهي ترجمة مطابقة للمصطلح، في حين اعتمد كل من أحمد الحمو وسعدي زبير اقتراض المصطلح كما هو من لغته الأصلية.
Diachronie 5.2
المترجم المصطلح |
Diachronie |
أحمد الحمو |
الوصف الزماني |
ريمون رزق الله |
التعاقبية |
سعدي زبير |
الزماني |
يقول أندريه مارتنيه :
« Toute étude qui comporte la comparaison d’usages différents d’une même langue avec l’intention d’en tirer des conséquences quant à un sens de l’évolution » (Martinet,1980 : 129).
يترجمها أحمد الحمو «إذا قمنا بدراسة تعتمد على مقارنة الأنماط المختلفة للغة التخاطب داخل اللغة الواحدة بغرض التعرف على اتجاه التطور في هذه اللغة» (الحمو، 1984، ص35). بينما يترجمها ريمون رزق الله «تكون تعاقبية كل دراسة تتضمن مقارنة استعمالات مختلفة لنفس اللغة وذلك في سبيل استخلاص النتائج فيما يخص معنى ما للتطور» (رزق الله، 1990، ص35). في حين يترجمها سعدي زبير «تسمى زمانية كل دراسة تحتوي على مقارنة الاستعمالات المختلفة لنفس اللسان بنية استخلاص النتائج فيما يخص اتجاه التطور» (زبير، 1999، ص32). في هذا المصطلح وُفٍّقَ كل المترجمون على ترجمة هذا المصطلح، حيث أن كل من التعاقبية والزمانية تدل على دراسة اللغة عبر حقب زمنية مختلفة.
خاتمة
وصفوة القول أن العالم العربي يعاني أزمة مصطلحية حقيقية، تتمثل في تعدد المقابلات العربية للمصطلحات الأجنبية، خاصة في العصر الحديث، وهذا ما لاحظناه في ترجمة المصطلحات اللسانية في كتاب Eléments de linguistique générale، للساني الفرنسي أندريه مارتني، والسبب الحقيقي وراء هاته الفوضى المصطلحية، هو الغياب التام لدور المؤسسات الرسمية المخولة بوضع وإصدار المصطلحات كالمجامع اللغوية العربية، وبنوك المصطلحات العربية، إلى جانب عدم تكاتف جهود اللغويين العرب فيما بينهم وعدم وجود تنسيق لجهود المترجمين في هذا الميدان، فتداول مثل هذه المصطلحات في االمجالات العلمية، من شأنه أن يحدث اختلالا في البنية اللغوية للنظام اللغوي العربي، وهيمنة مثل هذه المصطلحات الغير مقنّنة والمولّدة بطريقة عشوائية على اللغة العلمية، من شأنه أن يمس بكيان اللغة العربية ومكانتها ، إذ أصبح توحيد المصطلحات العلمية العربية مطلباً من المطالب الشرعية التي تقتضيها المعطيات المعاصرة، وتُحتّمه هيمنة لغات العولمة، ومن أجل تحقيق ذلك أصبح من الضروري وجود مراكز قومية تهتم باصطلاح وتقنين المصطلحات حتى تكون موحدة في كل ربوع الأقطار العربية، وهذا للحفاظ على لغتنا العربية، بطريقة تُراعي التعايش اللغوي بين العربية وغيرها من اللغات تحت مبدأ التأثير والتأثر، وتضمن لها التطور ومواكبة سيرورة العصر.