مقدمة
عرفت البشرية تطورا مهولا في السنوات الأخيرة على جميع الأصعدة مما أدى إلى ظهور ملايين المفاهيم، بيد أن عدد الجذور في أيّة لغة لا يتجاوز الآلاف. ونتيجة لذلك حصل خلل في التناسب بين عدد المفاهيم العلميّة المتنامية وعدد المصطلحات التي تعبّر عنها. ولهذا، كان لا بدّ من توحيد المبادئ التي تتحكّم في إيجاد المفاهيم أو تغييرها وفي وضع المصطلحات المقابلة لها وتعديلها.
من هنا ظهر علم المصطلح وهو العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها، وهي علم مشترك بين علوم اللغة، والمنطق وحقول التخصص العلمي الغاية منها إيجاد مقابلات للمفاهيم تتميز بالدقة والوضوح.
وتُعنى النظرية العامّة لعلم المصطلح بشكل خاصّ بتحديد المبادئ المصطلحيّة الواجب تطبيقها في وضع المصطلحات وتوحيدها، وكذلك تحديد طرائق الاختيار بين المبادئ المتضاربة.
1. مفهوم المصطلح
لا تعد أي كلمة مصطلحًا إلا إذا اتفق أهل الاختصاص في علم معين عليها، ومن ثم لا يعد المصطلح مصطلحا حتى يكتسي طابع التواطؤ والتواضع على دلالة معينة ضمن اختصاص معين. فالاصطلاح كما يعرفه الشريف الجرجاني هو :« عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل عن موضعه الأول »( الجرجاني، 1985، ص 28)، وهذا الكلام معناه أن للتعريف الاصطلاحي معنى لغويا هو الأصل في الدلالة ومن ثم يتم إخراج اللفظ من معناه اللغوي لإكسابه المعنى الاصطلاحي لوجود مناسبة بينهما. وها هو ابن جني عند حديثه في (باب القول على أصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح)، يستعمل هذا اللفظ بمعنى الاتفاق والتواضع إذ يقول :« أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح، لا وحي وتوقيف » (ابن جني، 1989، ص40).
كما يعرفه الزبيدي بقوله« اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص » (الزبيدي ،1965، مادة « صلح »)، فالمصطلح إذا هو « كلمة أو مجموعة من الكلمات المترابطة فيما بينها ضمن موضوع موحد » ( OXFORD DICTINARY, p423 )، أو هو« وحدة معجمية يتم تحديدها ضمن نص في اختصاص معين » (Kocourek, 1982, p77. )، ويعرفه فلبر هالمت Helmut Felber بقوله :« هو كل رمز اتفاقي يمثل مفهوما في مجال معين »(Felber, 1984, p114 ).
وبذلك تحتاج المصطلحات إلى « تعريفات خاصة، من خلال تحليل المفاهيم وتحديد دلالاتها ثم التحقق من العلاقات بينها ليتم إلحاق كل منها بمفهوم معين يختلف عن غيره من المفاهيم حسب المجال المستعمل فيه....بعدها يتم انتقاء الكلمات المناسبة لتكوين المصطلح » (Felber, 1984, p114 ).
أما علم المصطلح ( Terminologie) أو ( (Terminology وهو العلم الذي يعنى بقوائم المصطلحات في مجال معين فيعرفه معجم (Oxford) بأنه « مجموع المصطلحات في موضوع ما أو في دراسة ما أو في مهنة ما » (OXFORD DICTINARY , p423)، وهو بهذا يختلف عن مفهوم المعجمية، و« تشترك معالجة كل من علم المصطلح ( (Terminology وعلم المعجم(Lexicology) في السمات النظرية نفسها من استرداد المفردات وتحليلها وبنائها، وخزنها للغات الحديثة. وتتطابق العلوم التطبيقية للمصطلحية (Terminography) وصناعة المعجم(Lexicography) في توزيع المفردات بشكل مطبوع أو مجموعة حقائق ( أو بيانات data) لغوية إلكترونية. وهكذا ينظم علم المصطلح وتطبيقاته صناعة المعجم.... وعليه فعلم المصطلح مزود باحتياجات حقول المواضيع، كتنظيم معارف تخصصية » (زفنكي، 2010، ص10).
يقول أدريان هرمانس (Adrien Hermans) في حديثه عن الفرق بين علم المعجم وعلم المصطلح :« يتمثل الفرق الجوهري بين علم المعجم وعلم المصطلح من وجهة نظر لسانية في نمط التحليل الدلالي الذي يطبقه هذان التخصصان على الكلمة أو على المصطلح؛ فعلم المعجم ينطلق من الكلمة للوصول إلى المعنى وهذا يدخل ضمن الدلالة اللفظية1 (la sémasiologie)، أما علم المصطلح فإنه يتنطلق من المفهوم للبحث عن المصطلح الذي يناسبه وهذه مقاربة غير لفظية2 onomasiologique » (Hermans, 1989,p529 ).
فعلم المصطلح كما تحدده المنظمة العالمية للتقييس إيزو( (ISO في توصيتها( 1087) هو« الدراسة العلمية للمفاهيم والمصطلحات المستعملة في اللغات الخاصة » (أعضاء شبكة تعريب العلوم الصحية، 2005، ص5).
وحديثنا عن المصطلح ضمن المعجم اللغوي لا يعني أننا نطالب برصد كل المصطلحات العلمية في كل المجالات وجعلها مداخل ضمن المعجم؛ وإنما المطلوب هو حصر تلك المصطلحات ذات الاستعمال الشائع وجعلها مداخل فرعية تحمل المعنى الاصطلاحي بعد إيراد المعنى اللغوي وإلحاقها بالحقل المعرفي الذي ينتمي إليه المصطلح مع تحديد التعريف الاصطلاحي الذي يتناسب والغاية من المعجم .
2. خصائص المصطلح
يقول ألان ري (Alain Rey )« من الناحية النظرية، ينبغي أن يعبر التعريف المصطلحي عن السمات المميزة للمصطلح، كما ينبغي أن يعكس أيضا السمات الخاصة بالمفهوم أو التصور » (1992 Rey, p42,)، فما هي السمات المميزة للمصطلح؟
يقول أدريان هرمانس :« يجب أن يكون المصطلح أحادي الدلالة (Monosémique)، متفقا عليه (univoque)، غير إيحائي( non connoté) ومعياريا( prescriptif) » (Hermans, 1989, p 529 ) ؛ فمجموع هذه الخصائص هي التي تحدد المصطلح العلمي.
-
أحادي الدلالة(Monosémique ) : والمقصود به أن المصطلح له معنى واحد، وهذه نظرة تقليدية لعلم المصطلح، حيث ترى أن المصطلح يتميز عن غيره من مفردات اللغة بكونه أحادي الدلالة، وهي فكرة المدرسة الألمانية النمساوية بقيادة فوستر والتي تعتبر « الدلالة الأحادية خاصية أساسية في المصطلح، وبحكم هذا المبدأ رفضت ظاهرتي المشترك اللفظي والترادف » (أعضاء شبكة تعريب العلوم الصحية، 2005، ص7)، ولكن الدراسات المصطلحية الحديثة أولت أهمية أكبر للسياق الذي يكون فيه المصطلح ضمن نظام مفهومي محدد، يقول فلبر :« لا يتم تحديد المعنى المصطلحي إلا ضمن سياق يستعمل فيه هذا المصطلح، فالمفردة متعلقة لا محالة بالسياق » (Felber, 1984, p168)، وفي هذا الإطار « لا يجوز أن نتحدث في مجال المعرفة العلمية عن مصطلحات معزولة أو عن مفاهيم معزولة، وإنما عن أنساق المصطلحات وأنساق المفاهيم » (أعضاء شبكة تعريب العلوم الصحية، 2005، ص27). لذلك فإن « تحديد مجال الاستعمال في المعاجم اللغوية ضرورة منهجية ويمثل جزءا لا يتجزأ من التعريف، وخاصة من حيث ترتيب الدلالات وتقريب الفهم وتسهيل عملية الإدراك، ويتجّلى ذلك في المشتركات اللفظية » (حلام، 1998، ص120).
فالمجال المفهومي هو السياق الذي يحدد معنى المصطلح وعليه فإن المصطلحات العلمية تتميز بتعدد معانيها تبعا للمجال الذي يتم تناولها فيه. ذلك أنه يحصل أن يكون المصطلح الواحد في أكثر من اختصاص واحد، فيكتسي معناه تبعا للعلم الذي ينتمي إليه، فالخبر في الاصطلاح النحوي يختلف عن الخبر في علم الحديث كما يختلف أيضا عن الخبر في علم البلاغة وهو بدوره يختلف عن الخبر في علم الصحافة وهكذا. لأجل ذلك تكون التعريفات الاصطلاحية تابعة لنظام مفهومي ضمن منظومة محددة، وأي خروج عنها هو خروج عن مجال اختصاص معين. يقول فلبر :« تعريف المصطلح هو وصف لمفهوم انطلاقا من مجموعة معلومة من معاني الكلمات، حيث يتم تحديد هذا المفهوم في علاقته مع غيره من المفاهيم ضمن مجال مفهومي محدد » (Felber, 1984, p160). فالمجال الذي ينتمي إليه المصطلح هو الذي يحدد معناه وعليه فإن الكلمة يؤخذ معناها من سياقها الذي وردت فيه، ومعانيها تتعدد إذا تعددت سياقاتها سواء كانت هذه السياقات لغوية أو ثقافية اجتماعية. -
متفق عليه (univoque) : سبق الحديث في تعريفنا للمصطلح عن أهمية الاتفاق والتواطؤ في وضع المصطلح وأن هذا العنصر جوهري في تحديده، أي إنه لا يمكن أن نطلق على كلمة لفظَ مصطلح إلا إذا اتفق أهل الاختصاص في علم معين عليها، يقول أوتمان في هذا الإطار :« » تعريف الوحدة المصطلحية لا يمكن أن يكون إلا متواضعا عليه »، ويقول ألان ري :« يتكون كل مفهوم مصطلحي بطريقة اتفاقية وصريحة » (1996,p17 Otman,) .
-
غير إيحائي( non connoté) : أي إن المصطلح لا يحمل دلالة ثانية زيادة على دلالته الأولى وهي فكرة مكملة لمفهوم أحادية الدلالة.
-
معياري( prescriptif) : أي أن يكون خاضعا لنظام محدد يتم التقعيد له في إطار تحديد ما ينبغي أن يكون عليه استعماله ضمن حدود اللغة التي ينتمي إليها وضمن اختصاص معين؛ فالوظيفة المعيارية هي إسناد دلالة خاصة إلى مصطلح عن طريق فرضها.
وهذا يحيلنا على مفهوم التعريف المعياري Définition Prescriptive) ( الذي « يملي معنى الكلمة ويفرض استعمالها في اتجاه واحد » (Clas, 1985, p78). وعليه فإن الغاية من هذا النوع من التعريف هو فرض محتوى معين من أجل تحديد معنى أو مفهوم محدد، ومنه يكون هدفه في الأغلب هو التنميط، « ويستخدم عادة من قبل المتخصصين في خدمة مؤسسات توحيد المصطلحات العلمية مثل : ( (ISO, AFNOR, DIN ....وهو نوعان قبلي (activité a priori ) وبعدي posteriori) a activité ( » (Sepälä, 2004, p73 ).
والذي يعنينا في مقالنا هذا هو النوع الثاني؛ لأن الأصل فيه هو وجود اللفظ مسبقا، غير أن أهل الاختصاص يحملونه معنى إضافيا ينتمي إلى نسق مفهومي معين وعليه يمكن القول إن الكثير من المصطلحات ينطلق فيها أصحابها من اللغة العادية، ومن ثم يتم تعديل دلالتها لتوافق المقصود الجديد.
3. التعريف المصطلحي3
1.3. فما الذي يتم تعريفه المفهوم أم المصطلح ؟
وهو التعريف الذي يعتمده علم المصطلح الحديث، ويتوخى تعريف المفهوم وليس الكلمة أو الشيء والمفهوم تصور (أو فكرة) يعبر عنه بمصطلح أو رمز، ويتكون هذا التصور من الخصائص المنطقية والوجودية المتعلقة بشيء أو بمجموعة من الأشياء ذات الخصائص المشتركة (القاسمي، 1985، 20-22). ولا يمكن تعريف المفهوم ما لم يتم تحديد موقعه في المنظومة المفهومية التي تشكل الحقل العلمي أو التقني الذي ينتمي إليه ذلك المفهوم، أي معرفة علاقات المفهوم بغيره من مفاهيم ذلك الحقل العلمي(خالد الأشهب،1997 : 1-34).
تقول سيبالا Selja Sepälä) ( :« في علم المصطلح يفترض فهم مفهوم معين انطلاقا من معرفة تعريفه؛ لأن هذا التعريف هو الذي يحُد المفهوم بفضل وصف مختلف خصائصه المميزة وبفضل إنشاء تلك العلاقات بين مختلف العناصر المكونة للتعريف، فمن خلال ذلك فقط يتم تحديد مكانة المفهوم التي يشغلها ضمن مجال معرفي معين » (Sepälä, 2004, p4 )، وهي نفسها الفكرة التي يوضحها روبير فيزينا (Robert Vézina) في تحديده للتعريف المصطلحي إذ يقول :« يتعلق التعريف المصطلحي بوصف مفهوم محدد بمصطلح وتعيين مختلف الخصائص التي تربطه بغيره من المفاهيم داخل نظام مفهومي معين » (Vézina et al, 2009, p6).
فمن خلال هذين التعريفين نلمس ذلك الاتفاق في كون التعريف المصطلحي ينطلق من المفهوم وليس من الوحدة المعجمية ومن ثم يتم تحديد مختلف العلاقات التي تربط هذا المفهوم بغيره من المفاهيم داخل شبكة من العلاقات التي يحدها مجال معين، يقول فيزينا :« يتم تطبيق التعريف المصطلحي دائما على مفهوم ضمن مجال معين » (Vézina et al, 2009, p6)، وهذا يشير إلى أن المصطلح لا ينتمي إلى نطاق اللغة العامة وإنما لديه مجال معرفي ينتمي إليه.
وقد سبق الحديث في مقطع لأدريان هرمانس عن أن علم المصطلح يتم الانطلاق فيه من المفهوم للبحث عن المصطلح الذي يناسبه؛ فانطلاقا من المفاهيم التي يتم الاتفاق عليها بين جماعة من المتخصصين يتم البحث عن المصطلحات المناسبة لها وذلك لمشابهة بين المعنى المصطلحي المراد الوصول إليه وبين المعنى اللغوي الذي هو الأصل في الدلالة. ومن هذا المنطلق يتضح أن المعنى المصطلحي هو مقابل للمعنى الطبيعي الذي يعنى بتعريف كلمات اللغة العامة يقول روبير مارتن( Robert Martin ) : « فالتعريف الطبيعي يقابل تعريف المتصورات اللغوية أي الكلمات المعرَّفة بصفة تواضعية » ( Martin 1988 , p 86)، غير أن« التعريف سواء كان في مؤلف مصطلحي أو معجمي يسمح بتوضيح وحدة أو مجموعة من الوحدات الدالة » )5 Vézina et al, 2009, p )؛ أي إن الغاية من التعريف المصطلحي هو تقديم شرح للمفهوم المراد مع مراعاة شرط الوضوح ونوعية الفئة المستهدفة؛ فالتعريف الموجه لأصحاب الاختصاص يختلف عن التعريف الموجه إلى فئة تعليمية معينة.
لقد اختلف المناطقة واللغويون العرب لزمن طويل حول ما الذي يجب تعريفه في المعجم، وكيف ينبغي أن يصاغ تعريفه. هل نريد أن نعرّف الذات (الشيء) أو الكلمة التي تدل على ذلك الشيء؟ وبعبارة أخرى، هل نريد أن نعرف مم يتكون ذلك الشيء أو أننا نريد أن نعرّف كيف نستعمل الكلمة التي تمثله في اللغة؟ إن الاختلاف حول الغرض من التعريف يقود إلى الاختلاف في طرائق التعريف ووسائله.
ولكن وفي حقل علم المصطلح يمكننا اعتبار التعريف المصطلحي مرتكزا على المفهوم؛ لأنه الأصل في الدلالة، أما المصطلح فما هو إلا قالب يحويه فقط، تقول ماريا تريزا كابري ( Maria Teresa Cabré) :« يمكننا تصور المفهوم مستقلا عن المجال أو المصطلح الذي يعيّنه » ( Cabré, 1998, p 72 )، وهذا معناه أنه في التعريف المصطلحي لا يتم تعريف المصطلح وإنما المفهوم الذي يحيل عليه؛ ذلك أن هذا المفهوم يتغير تبعا للمجال الذي ينتمي إليه، وعليه فالاقتصار على تعريف المصطلح يحيلنا بالضرورة على الدلالة اللغوية فقط . وهذا هو رأي إبراهيم بن مراد، فحسب رأيه قد تكون الوحدات المعجمية أدلّة ذات مداليل تحيل إلى مراجع من خارج اللغة، كما قد تكون مفاهيم، وبهذا يكون التعريف الأول لغويا ومجاله القاموس اللغوي العام والثاني تعريفا منطقيا ومجاله القاموس العلمي أو الفني المختص (بن مراد، 2010، ص 159/160) .
وقد حدد الباحثون في مجال المصطلحية ثلاثة عناصر لتكوين التعريف المصطلحي (Voir : Vézina,2009 , pp 8-9. ) هي :
-
المجال( Le domaine) : وعادة ما يكون مستقلا عن التعريف، ويتمثل في فرع علمي متخصص أو قسم من المعرفة يتحدد من خلاله النظام المفهومي للمصطلح.
ذلك أن المصطلح لا يتحدد مفهومه إلا داخل هذا الحقل المفهومي الذي ينتمي إليه، حيث تربطه مع باقي المصطلحات ومفاهيمها علاقات محددة. لذا فإن من أهم خصائص المصطلح انتظامه داخل نسق من المصطلحات المتعالقة فيما بينها، وبالنتيجة لا يمكن الحديث عن مصطلح إلا في ارتباطه بمجال علمي أو معرفي معين.
وعلى هذا الأساس يكون تحديد المجال مساهما في وصف المفهوم وربما في تعريفه على الرغم من اعتبار تحديد المجال خارج نطاق التعريف، وعليه يمكن اعتبار التعريف المصطلحي عملية وصف للمفهوم في حدود مجال معين باعتباره ضروريا في عملية التعريف المصطلحي.
فإذا كان للمصطلح أكثر من مفهوم واحد في مجالات مختلفة كمثال الخبر الذي أوردناه سابقا؛ فإن الإشارة إلى المجال الذي ينتمي إليه هذا المصطلح هو الذي يخصصه ويحصره ضمن تعريف مصطلحي واحد خاضع لخصوصية المجال الذي ينتمي إليه. -
المعرِّف الأولي (Le définisseur initial ) ( ويعبر به إما عن المحتوي (l’incluant) أو شبه المحتوي( (faux incluant : ويمثل العنصر المعجمي أو مجموع العناصر المعجمية التي من المفترض أن يستهل بها التعريف والتي تمثل حجر الزاوية فيه، حيث يعمل في أغلب الأحيان على موضعة المفهوم قيد التعريف في علاقته مع غيره من المفاهيم ضمن نظام مفهومي معين. وتظهر فعالية التعريف المصطلحي في حسن اختيار المعرِّف الابتدائي، ويدخل تحت هذا العنصر صنفان هما : المحتوي (l’incluant) وشبه المحتوي( (faux incluant.
-
المحتوي أو المحتوي الحقيقي : يقول فيزينا :« يمكن الحديث عن المحتوي عندما يسمح المعرف الابتدائي بإقامة علاقة أعم ( علاقة احتواء) مع المفهوم المراد تحديده، بمعنى أن المحتوي يشكل مفهوما عاما أكثر شمولية من المفهوم المعرَّف الذي يكون بالضرورة أكثر دقة أو أكثر خصوصية » ( Vézina et al, 2009, p9).
تقول دوبوف :« إن علاقة الاحتواء هي التي تسمح بالإجابة في كل لغة عن السؤال ما هو س؟ وذلك ببناء إرداف (Périphrase) على المحتوي » (Debove,1970, p 23)؛ فعلاقة الاحتواء هذه تستوجب أن يكون المحتوي مشتملا على كل الخصائص التي يتميز بها المفهوم المراد تعريفه.
وهنا يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من المحتوي : الجنس القريب (genre prochain) والجنس البعيد (genre éloigné) والجنس الأعلى (genre suprême ). -
شبه المحتوي : ويعتبر الصنف الثاني من أصناف المعرِّف الابتدائي، ويمثل« المعرِّف الابتدائي الذي لا يشكل مفهوما أعم من المفهوم المعرَّف » (Vézina et al, 2009, p 39)؛ حيث لا يتم بواسطته استحضار جنس المفاهيم التي ينتمي إليها المفهوم المعرف، وعليه فإن الاستعانة بشبه المحتوى يعتبر علامة على تعريف غير مناسب. ولكنه الأنسب لتعريف المصطلحات غير ذات جوهر، مثل الصفات ( adjectives ) والظروف ( adverbes) وغيرها. ففي هذه الحالة يسمح شبه المحتوي برسم علاقة ذات طبيعة لسانية وهذا هو المطلوب في هذا النوع من المصطلحات. إن استعمال شبه المحتوي يكون مبررا عندما يتم تعريف مفهوم يكون جزءا من شيء، ففي هذه الحالة يتصدر شبه المحتوي تعريفا تقسيميا (définition partitive.) تكون العلاقة فيه ( كل/جزء) مسهمة في إبراز تلك العلاقات بين المفاهيم التي تتكون من أكثر من جزء واحد والذي تطلق عليه دوبوف التعريف التحليلي، وللتوضيح أكثر نضرب المثال الآتي المأخوذ من المنجد الوسيط، ففي تعريف مصطلح (الجر) نلاحظ أنه ابتدأ بلفظة (نوع ) حيث جاء التعريف كما يلي : هو نوع من الإعراب في الأسماء فهذه اللفظة (نوع ) تعد شبه محتو لعدم وجود علاقة الاحتواء بين جر ونوع.
2.3. الخصائص الجوهرية أو المميزة :(les Caractères)
تقول سيبالا :« الخاصية المميزة أو السمة المميزة أو المعرف الخاص على اختلاف التسميات هو القسم المكون للملفوظ التعريفي الذي لا يحيل فقط على ميزة أو مظهر يتعلق بالمعنى أو بالمفهوم وإنما أيضا تمييز المفهوم المعرف وتقريبه من غيره من المفاهيم والمعاني » (Sepälä, 2004, p53) فالخصائص المميزة مهمتها تصنيف المفاهيم.
وهذا معناه أن عملية تشكيل المفهوم تتحدد عن طريق الإدراك المباشر للعناصر التي تميزه؛ فهذه العناصر الضرورية واللازمة لتحديد المفهوم هي التي يطلق عليها الخصائص الجوهرية أو المميزة، وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار كل ملمح قابل للملاحظة أو التخيل خاصية مميزة لتحديد المفهوم.
وفي سياق تعريف المصطلحات النحوية يمكننا استخدام الخصائص المميزة تبعا للوظائف التي تؤديها في اللغة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المقصود بالمصطلحات النحوية هو تلك المصطلحات التي تعبر عن مفاهيم اصطلاحية كالاستثناء والجر والعطف وغيرها وليس المقصود بها الكلمات النحوية المفرغة من المعاني كحروف الجر وأدوات النصب التي يقتصر محتواها الدلالي على وظيفتها فقط، والتي لا يناسبها هذا النوع من التعريف بل يناسبها التعريف الواصف للغة. تقول أليس لهمان (Alise Lehmann ) في هذا الصدد : « تتمتع الكلمات النحوية بتواتر مرتفع جدا، ولكن محتواها الدلالي فقير نسبيا يكاد يختصر في الوظيفة ....وهذا هو السبب الذي يجعلها غير قادرة على أن تكون موضوعا للتعريف الاحتوائي، وإنما تتعلق بإجراء تحليلي آخر هو التعريف الواصف للغة »( Lehmann, 2003, p23 )، وهو نفسه رأي دوبوف التي تقول :« الكلمات النحوية هي الكلمات ذات المحتوى الفقير والوظيفة المهمة والمعقدة »( Debove,1971, p69 )، ولكنها في حديثها عن الكلمات الواصفة للغة والتي من ضمنها يمكن تصنيف المصطلحات النحوية، فإنها تعاملها معاملة المفردات الحاملة لمعنى فتعطي مثال (فعل) الذي يمثل المحتوي((l’incluant لعدة كلمات في مقابل( ثدييات) التي تصنف مجموعة من الحيوانات. وعلى هذا الأساس فإن المدخل(فعل) يعرف باعتباره كلمة واصفة للغة ذات محتوى وباعتباره كلمة واصفة للغة على أساس كونه دليلا لغويا ؛ ففي الحالة الأولى يحيل التعريف على (س1) باعتباره لفظة تحيل على معنى كأن نقول : الفعل( هو لفظ يدل على حالة أو حدث في الزمان الماضي أو الحاضر أو المستقبل)، أما الحالة الثانية فالفعل اسم مذكر يعامل كغيره من مفردات اللغة. وعلى العموم فإن الكلمة الواصفة للغة باعتبارها مدخلا ضمن معجم هي علامة علامات أو في علاقة مع مجموع علامات تنتمي إلى حقل سيمي « علامة لسانية »، ولم تعد مهمة المعجم وصف اللغة، بل وصف مجموع المصطلحات المستعملة لوصف هذه اللغة (Debove,1971, pp 282-283).
3.3. شروط التعريف المصطلحي
حدد المصطلحيون المحدثون مجموعة من الشروط للتعريف المصطلحي يمكن إجمالها فيما يأتي :
-
شرط الإيجاز (Principe de concision ) : وهو من أهم شروط التعريف المصطلحي حيث يجب أن يتم استخدام الكلمات التي تخدم مصلحة التعريف وتفادي أي حشو أو إطالة لا طائل منها وتطلق عليه سيبالا شرط الاقتصاد إذ تقول :« المقصود بالإيجاز هو تخصيص المفردات المستخدمة في التعريف، وذلك لتفادي تراكم الخصائص المميزة التي تعمل على تقليص حمولة المحتوي العام، فالمعرّف يجب أن يكون مرتبطا بالجنس القريب ذلك أن المحتوي الأقرب هو الأكثر خصوصية » (Sepälä, 2004, p88)؛ فاستخدام الجنس القريب وحصر المفردات في المجال المفهومي المخصص للمصطلح يساهم في عملية اختصار تحرير التعريف؛ فمبدأ الاختصار يلزم محرر التعريف« بالاقتصار على الخصائص المميزة الضرورية ؛ لأن أي تراكم لهذه الخصائص قد يحوّل التعريف إلى توسيع أو بسط موسوعي » (Vézina et al, 2009, p 12).
-
شرط الوضوح (Principe de clarté) : وهو أن تكون المفردات المستخدمة في التعريف خالية من أي غموض يقول فيزينا في هذا السياق :« يجب أن تكون المفردات خالية من أي إبهام (non équivoques) من أجل تفادي التأويل أو اللبس »(Vézina et al, 2009, p 12) ؛ والمقصود باللبس هنا هو تحميل المصطلح أكثر من مفهوم واحد، وعليه فإن التعريف المصطلحي يجب أن يصاغ بلغة بسيطة ومباشرة يتم فيها تفادي الالتواء في المعنى .
-
شرط الدقة والتناسب أو المساواة بين المصطلح والمفهوم (Principe d’explicitation et d’adéquation) : معلوم أنه من الوظائف الأساسية للتعريف هو وصف المفاهيم وتحديدها، ومن ثم تمييزها فيما بينها لإنشاء العلاقات داخل النظام المفهومي.
« والشروط الناتجة عن هذه الوظائف تقتضي أن يكون التعريف محددا بمجموعة من الخصائص الأساسية التي تحُد المفهوم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن يكون التعريف ملائما، أي إنه لا ينطبق إلا على المفهوم المعرف » (Vézina et al, 2009, p 13). غير أنه يبدو أن هذا الشرط صعب التحقيق على أرض الواقع ؛لأن الاستعمال أثبت أنه من غير الممكن أن تكون مطابقة أو مساواة بين التعريف والمعرف، حيث لا تكون هناك زيادة أو نقصان، لذلك يرى دو بيسي( Bruno de Bessé)« أن التعريف المصطلحي شأنه شأن التعريف المعجمي لا يحتاج لأن يكون تاما، وإنما يكفي أن يوافق حاجات الاستعمال الخاصة بالمنتوج المصطلحي » (de Bessé, 1988, p 258).
وفي هذا الإطار أرى أن رأي الأستاذ حميدي بن يوسف أقرب إلى الصواب حيث يقول :« الموقف السليم يقتضي بأن يعمل المعرف المصطلحي على استقصاء الخصائص المفهومية الضرورية للمفهوم المراد تعريفه ما أسعفته معرفته من أجل تحقيق التقارب المفهومي بين المصطلح وتعريفه على الأقل ولكن إذا ارتبط التعريف المصطلحي بغرض يقتضي ذكر بعض الخصائص المفهومية دون غيرها، كالغرض التعليمي مثلا، فإنه ينبغي إسقاط الالتزام الكلي بهذا الشرط » ( حميدي بن يوسف، 2012، التعريف في المعاجم اللسانية العربية الحديثة، دراسة وصفية تحليلية في ضوء المصطلحية الحديثة، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة الجزائر، ص314). -
شرط قابلية الاستبدال (Principe de substitution) : وهو مبدأ ناشئ عن الشرط السابق الذي هو المساواة بين التعريف والمعرَّف، وهذا معناه أن « هذه المساواة بين المصطلح والتعريف تسمح بعملية التبادل النظري بينهما ....دون المساس بالمعنى أو تغييره، فيكون تعويض المصطلح بالسياق الذي يعرفه غير محدث لانقطاع في التركيب »( Vézina et al, 2009, p 14).
وضمن هذا السياق ترى سيبالا أن « مبدأ قابلية الاستبدال يقتضي أن يبدأ التعريف بمحتو من الفئة النحوية نفسها للمعرَّف » (Sepälä, 2004, p81 )؛ لأن التوافق في الفئة النحوية يسهم في عملية التكافؤ بين التعريف والمعرف. -
شرط الخلو من الإطناب أو الحشو(Principe de non-tautologie) : وهذا معناه أن التعريف يجب أن يخلو من المفردات التي لا تضيف شيئا للمصطلح المعرف، يقول فيزينا :« يجب ألا يستهل التعريف المصطلحي بالمصطلح المعرَّف ولا أن يحتوي التعريف على هذا المصطلح أو أحد مشتقاته »( Vézina et al, 2009, p 24)، ذلك أن استعمال المصطلح نفسه أو أحد مشتقاته في التعريف لا يضيف شيئا إلى المعنى بل يمكن تصنيفه ضمن الحشو، وعلى الرغم من ذلك يجد المعجمي نفسه أحيانا مضطرا إلى هذا الاستعمال ولكنها حالات خاصة.
-
شرط العموم والتجريد (Principe de généralisation et d’abstraction) : يهدف التعريف إلى وصف المفهوم في بعده التجريدي والكلي، دون الركون إلى خصوصية الأشياء، وهذا معناه أن محرر التعريف المصطلحي يجب أن يفكر في تعريف المفهوم دون اللجوء إلى تمثيل المعنى بما يبدو مكررا أو مألوفا (Vézina et al, 2009, p 15). فالتعريف يجب أن يحتوي على الخصائص الأساسية فقط، أما غيرها من الخصائص الثانوية أو الموسوعية فتستبعد منه.
هذا فضلا عن كون محرر التعريف المصطلحي مطالبا باستبعاد أحكامه الذاتية والشخصية أثناء وضعه للتعريف، فالمطلوب منه المحافظة على حياده وموضوعيته. -
شرط مناسبة التعريف للفئة المستهدفة (Principe d’adaptation aux groupes cibles ) : وهذا شيء طبيعي، فالمفترض أن يراعي واضع التعريف خصوصية الفئة التي يوجه إليها هذا التعريف، حيث يناسب مستواهم واحتياجاتهم، فالتعريف الموجه لأصحاب الاختصاص يختلف عن التعريف الموجه لفئة معينة وغرضه تعليمي. وعليه فموافقة التعريف لغرض المعجم يعد عنصرا أساسيا، وعليه تختلف المعاجم باختلاف الفئة المستهدفة ؛ ومن ثم يكون التأليف المعجمي الذي غايته إنشاء معجم مدرسي مراعيا لمستوى التلاميذ؛ لأن غايته الأولى تعليمية بحتة ومنه يجب أن تتسم التعريفات بالوضوح والدقة كي لا يتيه التلميذ بين مختلف التعريفات، كما يجب أن تدعم بالأمثلة الموضحة والمستمدة من واقعه. يقول بو سفنسن(Bo Svensén) : « ينبغي أن تراعي التعريفات الغرض من المعجم »( Svensén, 1993, p 134)، والملاحظ أن هذا العنصر قد تمت مراعاته في الكثير من المعاجم المؤلفة في السنوات الأخيرة، لذلك تم تصنيف المعاجم تبعا للفئة العمرية التي يوجه إليها، يقول هارتمان (Hartmann) :« من بين أهم التطورات التي شهدتها صناعة المعاجم في السنوات الأخيرة تركيزها على مستعمل المعجم، حيث تم الأخذ بعين الاعتبار الهدف من استعمال المعجم الذي يتغير تبعا لمنظور مستعمله. وعلى المعجم أن يستجيب لهذه الأهداف » (Hartmann and James , 2003, p introduction viii ).
-
شرط التنبؤ (Principe de prévisibilité ) :إن شرط التنبؤ المطبق في التعريف المصطلحي يسمح بتوقع المكانة التي سيتخذها المفهوم أو يعكس المكانة التي يشغلها في نظام مفهومي (Vézina et al, 2009, p 16)، فعند اختيار المحتوي وتحديد خصائصه المميزة يجب الأخذ بعين الاعتبار تلك الفروق الجوهرية بين مختلف المفاهيم التي تنتمي إلى حقل مفهومي واحد، وذلك لتوضيح الحدود الموجودة بين مختلف المفاهيم.
4.3. أنواع التعريف المصطلحي
يقول فيلبر :« المفهوم يجب أن يوصف إما بتعريف وإما بشرح، حيث إنه عند تعذر تقديم تعريف في بعض الحالات فإن شرحا يجب أن يعطى على الأقل » (Felber, 1984, p160 )، وقد حدد فيلبر نوعين من التعريفات تلائم التعريف المصطلحي هما التعريف الاحتوائي (Définition par intension) والذي تطلق عليه دوبوف (Définition par inclusion) والتعريف الإحالي أو الامتدادي (Définition par extension) (Felber, 1984, p160-164 voir) والذي تطلق عليه دوبوف التعريف التحليلي.
ترى دوبوف أن« التعريف المعجمي هو تعريف تفسيري (explicative)حيث يطبق على مدلول موجود أصلا معنى كلمة من اللغة وليس مطلقا تعريفا بنائيا (Constructive)، أي إنه لا يعد لتخصيص معنى اتفاقي لكلمة ما عن طريق تسمية مفهوم تم إنشاؤه ( التعريف الإجرائي للعلوم) » (pp180,181 , 1971Debove, )، فمن خلال هذا القول نلاحظ الفرق بين تحديد التعريفين المعجمي والمصطلحي؛ فالتعريف المعجمي ما وجد إلا لتحديد معاني الكلمات بالنظر إلى سياقاتها اللغوية، بينما التعريف المصطلحي فإنه يسعى إلى تحديد ماهية المفاهيم التي تم إنشاؤها وفقا لانتمائها إلى مجالات معينة.
وعلى هذا الأساس يكون التعريف المصطلحي فرعا عن التعريف المعجمي لذلك يُلجأ إلى بعض الأنواع التعريفية المعجمية في تحديده.
1.4.3. التعريف المصطلحي الاحتوائي
يعرف فيزينا مفهوم الاحتواء بقوله :« هو مجموع الخصائص المشكلة للمفهوم » (Vézina et al, 2009, p 35)، ويرى أن التعريف الأنسب في مجال المصطلحية هو التعريف الاحتوائي الذي« يتوقف على وضع مفهوم ضمن صنف من الأشياء، ثم تمييزه عن بقية المفاهيم المرتبطة به » (Vézina et al, 2009, p8).
والملاحظ من خلال هذا التعريف أنه لا يختلف كثيرا عما ورد عند دوبوف في تعريفها لهذا النوع ضمن تحديدها لأقسام التعريف المتعلقة باللغة العامة حيث تقول :« إنه يتعلق بتحديد صنف عام ينتمي إليه(س)، ومن ثم تخصيصه عن بقية العناصر الفرعية التي تنتمي إلى هذا الصنف » (Debove,1971, p221).
وقد سبق الحديث عن مكونات التعريف الاحتوائي عند حديثنا عن عناصر تكوين التعريف المصطلحي، وبينا أن المعرِّف الابتدائي الذي هو المحتوي في هذا النوع من التعريف يشكل مفهوما عاما أكثر شمولية من المفهوم المعرَّف؛ لذلك فإن العلاقة التي تربطهما هي علاقة احتواء.
2.4.3. المصطلحي الإحالي ( التحليلي عند دوبوف)
يعرف فيلبر التعريف الإحالي بقوله :« هو التعريف الذي يتعلق بتعداد كل الأنواع التي تنتمي إلى المستوى التجريدي نفسه، أو تعداد كل الأشياء الخاصة التي تنتمي إلى المفهوم المعرَّف. فهو تعبير لساني امتدادي للعلاقة التي تربط المفاهيم والتي تمثل نتيجة ربط أو فصل أو إدماج....ويمكن استعماله متمما للتعريف الاحتوائي » (Felber, 1984, p163). فمن خلال هذا التعريف نستخلص مجموعة من الخصائص التي تميز هذا النوع من التعريف وهي :
-
إن هذا التعريف قائم على حصر كل الأنواع التي ينتمي إليها المفهوم المعرف، وهذا معناه أن مجال استعمال هذا النوع من التعريف يقتصر على المفاهيم التي يمكن حصرها أو حدها وإلا فلا يمكن أن تتم عملية الحصر هذه، فمثلا عند تعريف سفينة هواء (aircraft) نذكر كل الأشكال التي تنتمي إليها مثل الطائرة، المنطاد، الطائرة الشراعية ....ويتم ذلك عن طريق ثلاثة سبل :
-
الربط : مثل قولنا برمائي هو بري ومائي في الآن نفسه.
-
الفصل : الطفل هو ولد أو بنت.
-
الإدماج : الماء هو حصيلة تركيب ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين.
-
يعد التعريف الإحالي أو التحليلي كما تسميه دوبوف متمما للتعريف الاحتوائي؛ لذلك نلاحظ أن الكثير من المعاجم المصطلحية تستخدم هذا النوع مكملا للتعريف الاحتوائي، فأي نقص في التعريف الاحتوائي يستعمل التعريف الإحالي(التحليلي) ليغطيه.
خاتمة
تتجلى أهمية المصطلح في ما يلعبه من دور مهم في بناء المفاهيم، وفي تنظيمها وفق أنساق معرفية، لذا فإن توفير المصطلحات العلمية الدقيقة يعمل على تيسير نقل المعلومات وتبادلها من أجل نشر المعرفة في المجتمع.
لذا فإن ما توفره هذه المصطلحات من فهم العلوم من خلال فهم مفاتيحها بكلمات مختصرة وبسيطة، تعكس وراءها منظومة متكاملة من المعارف والعلوم، وواجب المصطلح هو أن يفي بتوصيل الأفكار بدقة وموضوعية، وأن يقينا سوء الفهم والاضطراب، ويمنع اللبس والخلط.
وعليه فإن العناية في أي عمل مصطلحي بتعيين المصطلح ومميزاته، وتعريف المفهوم، وتمييز النسق المصطلحي عن مدونة المصطلحات هو الثمرة التي نجنيها من علم المصطلح.
إن العمل المصطلحي جهد معقد يقوم على وضع الأسس والآليات المناسبة لفرز المفاهيم الدقيقة وتمييزها عن بعضها وتحديدها وتنسيقها، ثم تقييدها بألفاظ يصطلح عليها، وهو بذلك جهد يتطلب منهجية خاصة عند صياغته، تحتاج إلى التثبت والدقة .
وقد أصبح التطور المهول الذي طرأ على تكنولوجيا المعلومات والاتصال وسيلة فعالة لإشاعة المصطلح وإيصاله إلى كل بيت، بل صار من الممكن الآن الاتصال بقواعد البيانات، وبنوك المصطلحات، والمعاجم المتعددة اللغات المتاحة على شبكة الانترنت والاستفادة من المعلومات التي تتوافر عليها. ومن ناحية أخرى، فقد يسرت هذه التكنولوجيا عملية إعداد المعاجم وتأليفها، ونشرها، كما أصبح من اليسير اليوم التواصل بين المختصين في حقل من الحقول العلمية والتعاون وتبادل المعلومات فيما بينهم، بفضل شبكة الانترنت .
من هذا المنطلق صار من الممكن إنشاء شبكة عربية للمصطلحات لتبادل المعلومات المصطلحية، بحيث يستطيع المختصون الوقوف على مواطن الاتفاق والاختلاف في مصطلحاتهم وضبط الترادف والاشتراك اللفظي فيها بسهولة. فما أحوج أمتنا العربية في نهضتها العلمية إلى نتائج هذا العلم وتطبيقاته لا لتيسير نقل العلوم والتكنولوجيا وتنميتها فحسب، بل لتوحيد مصطلحاتها أيضا.