توظيف استراتيجية التّعلّم التّعاوني في تعليم اللغة العربية: السنة الأولى من مرحلة التعليم المتوسط أنموذجا. دراسة تحليلية للوثائق التربوية

L'apprentissage coopératif et l'enseignement de la langue arabe : Le cas de la première année de l'enseignement moyen. Étude analytique des documents pédagogiques

The use of cooperative learning strategy for teaching Arabic language: The case of the first year of middle school. Analytical study of educational documents

فطيمة بغراجي

Citer cet article

Référence électronique

فطيمة بغراجي, « توظيف استراتيجية التّعلّم التّعاوني في تعليم اللغة العربية: السنة الأولى من مرحلة التعليم المتوسط أنموذجا. دراسة تحليلية للوثائق التربوية », Aleph [En ligne], 8 (3) | 2021, mis en ligne le 26 octobre 2021, consulté le 23 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/4751

نحدّد في هذا المقال مفهوم التّعلم التعاوني وخصائصه ومزاياه وشروط تطبيقه ومقوّمات نجاحه، ونحلّل محتوى منهاج السنة الأولى من مرحلة التعليم المتوسط والوثيقة المرافقة له، للوقوف على مدى اهتمامهما بهذه الاستراتيجية وتطبيقها في تعليم اللغة العربية.
لم تحظ استراتيجية التّعلم التّعاوني باهتمام المنهاج والوثيقة المرافقة له، رغم تأكيد الكثير من الأبحاث والدراسات على أهميّتها وضرورة استثمارها في العمليّة التّعليمية لما لها من أثر واضح في تنمية المهارات الاجتماعية، وتعزيز مستويات التّفاعل الإيجابي، وترسيخ قيم التّعاون والـتّآزر والتّحاور والمحبّة والاحترام بين المتعلّمين، وتحفيزهم على العمل التّعاوني لتطوير كفاءاتهم، وتحسين مستوياتهم التعليمية.

Le présent article a pour objectif de définir le concept d’apprentissage coopératif, ses caractéristiques, ses avantages, les conditions de son application et les composantes de sa réussite, ainsi que d’analyser le contenu du curriculum et du document d’accompagnement de la première année de l’enseignement moyen, et ce, pour examiner le degré d’intérêt accordé à cette stratégie et à son application dans l’enseignement de la langue arabe.

La stratégie d’apprentissage coopératif n’a pas bénéficié de l’intérêt du curriculum et du document d’accompagnement, malgré les nombreuses recherches et études qui ont mis l’accent sur son importance et sur la nécessité de son exploitation dans le processus éducatif pour son impact évident sur le développement des habiletés sociales, le renforcement des niveaux d’interaction positive, la consolidation des valeurs de coopération, d’entraide, de dialogue, d’amour, et de respect entre les apprenants, ainsi que sur la motivation de ces derniers pour s’adhérer au travail de coopération afin de développer leurs compétences et d’améliorer leurs niveaux d’apprentissage.

The objective of the present paper is to define the cooperative learning, its characteristics, advantages, conditions of its application and elements of its success, it aims also at analyzing the content of the first year of middle school’s curriculum and accompanying document in order to examine the extent of interest given to this strategy and to its application in teaching Arabic language.

The curriculum and the accompanying document have not interested in the cooperative learning strategy, despite the stress of a lot of studies and researches on its importance and the necessity to exploit it in the teaching process for its clear impact on the development of social skills, reinforcement of the positive interactions levels, consolidation of the values of cooperation, mutual assistance, dialogue, love and respect between learners, as well as the motivation of them to adhere to the cooperative work in order to develop their competences and to improve their level of learning.

المقدمة

التّعلم التعاوني استراتيجية تعلّميّة نشطة، تهدف إلى تنمية المهارات الاجتماعية، وغرس روح التّعاون بين المتعلّيمن داخل المدرسة وخارجها؛ حيث يعملون معا لتحقيق أهداف مشتركة، ممّا يزيد من مستويات التفاعل بينهم، ويعزّز قيم الاحترام والمحبّة وتقبّل الرأي الآخر، وقد أكّدت الكثير من الأبحاث والدراسات على أهمّية استثمار هذه الاستراتيجية في العمليّة التعليميّة لما لها من أثر واضح في تحسين مستوى المتعلمين، وتكوين خبراتهم، وتطوير كفاءاتهم.

تركّز استراتيجية التّعلم التّعاوني على المتعلّم، وتدفعه إلى تحمّل مسؤولية إدارة تعلّماته، وتحفّزه على المشاركة الفاعلة والإيجابية في المواقف التّعلميّة المختلفة، وحلّ المشكلات التي تتضمّنها بالتّعاون مع زملائه في مجموعات صغيرة، بحيث :

« يشعر كلّ فرد من أفراد المجموعة بمسؤوليته نحو مجموعته، فنجاحه أو فشله هو نجاح أو فشل لمجموعته، لذا يسعى كلّ فرد من أفراد المجموعة إلى مساعدة زميله، وأثناء هذا التفاعل الفعّال تنمو لديهم مهارات شخصية واجتماعية ». (شحاتة، 2008، الصفحات 138-139).

تتمثّل الإشكالية التي يطرحها هذا المقال ويهدف إلى معالجتها في التساؤلات الآتية :

  • مامفهوم التّعلّم التّعاوني؟ وماهي خصائصه ومزاياه؟ وماهي مقوّماته وشروط تطبيقه في العمليّة التّعليميّة؟

  • هل يتبنّى منهاج اللغة العربية للسنة الأولى من مرحلة التعليم المتوسط هذا النوع من الاستراتيجيات في تعليم اللغة العربية؟ وهل وفّر البيئة الملائمة لإنجاح تطبيقها؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات يتعيّن علينا أوّلا تحديد مفهوم التّعلم التّعاوني، وذكر خصائصه ومميّزاته، وإبراز أهمّيته وشروط تطبيقه ومقوّمات نجاحه، ثمّ تحليل محتوى منهاج السنة الأولى من مرحلة التعليم المتوسط والوثيقة المرافقة له، للوقوف على التّصور الذي قدّماه بخصوص استراتيجية التّعلم التعاوني وكيفية تطبيقها في تعليم اللغة العربية.

ويتوجّب منذ البدء تقديم الفرضيات الآتية :

  • التعلم التعاوني، استراتيجية تعليمية حقيقية وفعّالة، تمكّن المتعلم من بناء تعلّماته، وتكوين خبراته، والمشاركة في الأنشطة والتمارين والمشروعات بفاعلية كبيرة، بفضل ما تتميّز به من خصائص، تجعل المتعلم محورا للعملية التّعليمية التّعلميّة، وتشجّعه على التفاعل والتعاون مع زملائه.

  • يقتضي تبنّي استراتيجية التعلم التعاوني في العملية التعليمية الأخذ بجملة من التدابير، منها على الخصوص تكوين المعلّم في مثل هذه الاستراتيجيات، وتهيئة المتعلّم لهذا النوع من التّعلم، وتوفير بيئة تعلّمية إيجابية وتفاعلية، تضمّ الأنشطة التعليمية الهادفة والمتنوعة، والوسائل التعليمية المناسبة، التي تعينه على إدارة تعلّمه، والمشاركة في بناء كفاءاته وتكوين خبراته وتقويمها، وتكسبه مهارة التفاعل والتواصل مع الآخرين، داخل المدرسة وخارجها.

1. مفهوم التعلم التعاوني وشروط نجاحه

1.1. مفهوم التّعلم التّعاوني

يعرّف التّعلم التّعاوني بأنّه:

« استراتيجية تعلّم، يقسّم فيها المتعلمون إلى مجموعات (مابين 4-6 متعلمين) يعملون معا لتحقيق التعلم، وتكون العلاقة في التعلم التعاوني ارتباطية بين تحقيق الفرد لأهدافه وأهداف الآخرين؛ حيث يعمل الجميع للوصول إلى الحدّ الأعلى للتعلم، وتؤدّي هذه الاستراتيجية إلى زيادة الاعتماد الإيجابي المتبادل بين أعضاء المجموعة، وتنمية العديد من المهارات الاجتماعية، بتوجيه وإرشاد من المعلّم ». (عبد العظيم، 2015، صفحة 57).

2.1. مزايا التعلم التعاوني وأهميّته

يشجّع التّعلم التعاوني المتعلمين على التفاعل فيما بينهم، وعلى تبادل الآراء والخبرات، والتعاون على حلّ المشكلات التي تواجههم في المواقف التعلّمية المختلفة، وينمّي مهاراتهم الاجتماعية، ويمكن تلخيص مميّزات التّعلم التعاوني في النقاط الآتية :

  • تحقيق المحبّة والتآزر والتكامل والتعاضد بين المتعلمين والمدرسين داخل الصف وخارجه.

  • تنمية الشعور لدى المتعلم بالانتماء إلى مجموعة هو جزء منها.

  • تنمية التفكير والاستقصاء، وإدراك العلاقات المرتبطة بالمفاهيم لدى المتعلمين.

  • تقبّل النّقد البنّاء داخل المجموعة والتّعوّد على احترام الآخرين.

  • اكتساب القيم الديمقراطية أثناء النقاش والحوار، وتنمية الجوانب الانفعالية. (رفاعي، 2012، صفحة 188).

  • التقييم لا يكون فرديا، بل جماعيا، وبذلك يعمل كلّ فرد لإنجاح المجموعة، بتطبيق ما أوكل إليه من مهام. (فرج، 2005، صفحة 27).

3.1. مقوّمات التّعلّم التّعاوني

يعدّ التعلم التعاوني من الاستراتيجيات المهمّة في تنمية المهارات الاجتماعية وتطويرها، وتحقيق التعاون والتواصل والتحاور والمشاركة الإيجابية في العملية التعليمية، ويكون التّعلم تعاونيا، إذا توافرت فيه المقوّمات الآتية :

  • « الاعتماد الإيجابي المتبادل : يتكاثف جميع المتعلمين من أجل التعلم؛ حيث يدرك كلّ واحد منهم أنّ جهده لا يفيده فحسب؛ بل يفيد أعضاء مجموعته كذلك.

  • المسؤولية الفردية : يبذل كلّ متعلم جهدا فرديا في التعلم حتى يتقن المطلوب منه.

  • التفاعل وجها لوجه : حيث يلتقي أعضاء المجموعة الواحدة وجها لوجه، ويحدث بينهم تفاعل إيجابي لإنجاز المهمّة التي كلّفوا بها.

  • المهارات الاجتماعية : وتعني القدرة على المشاركة في الأفكار والمشاعر، والتعبير عن الأفكار بوضوح وفاعلية، بالإضافة إلى القدرة على حلّ الاختلافات والصراعات بينهم.

  • معالجة عمل المجموعات : يجب أن ينطوي التعلم التعاوني على عنصر تقييم أداء عمل أفراد المجموعة في إنجاز المهام ». (شحاتة، 2016، الصفحات 191-192).

4.1. دور المعلّم والمتعلّم في التّعلّم التّعاوني

1.4.1.دور المعلّم

تتّسم بيئة التعلم التعاوني بالتفاعل والتشارك والتواصل وتبادل الآراء بين المتعلمين بكلّ حرية، لذلك يعمل المعلّم على :

« تجهيز الأدوات اللازمة للتدريس، وتحديد الأهداف التعليمية، وتكوين المجموعات، وتحديد أدوار أفراد المجموعة، يشرح ويوضّح المهمة التعليمية، ويحدّد معايير النجاح على المستوى الفردي وعلى مستوى المجموعة، يحدّد الأنماط السلوكية المرغوبة ويتابع تقدّم طلاّب كلّ مجموعة، يقدّم المساعدة في أداء المهمة، ويقيّم نوعية التعليم وكميّته، ويقوّم مدى تحسّن عمل المجموعة ». (شحاتة، 2008، الصفحات 148-156).

2.4.1. دور المتعلّم

يعدّ المتعلم محورا أساسيا في التعلم التعاوني؛ حيث يمارس نشاطه التّعلمي بالتعاون مع زملائه :

« فيعرض كلّ طالب أفكاره وآراءه ومقترحاته ويساعد الآخرين في أداء مهامهم، ويتناقش ويتحاور ويستفسر ويبحث ويدرس ويجرّب ويحلّ ويستنتج ويقرأ ويكتب، ويقوم بدوره المحدّد طبقا لتقسيم الموضوع وتوزيع المهام التعليمية، ويحاول تنسيق الجهود لتحقيق الهدف المشترك » (عبد العظيم، 2015، الصفحات 60-61).

5.1. الشروط الواجب توافرها في بيئة التعلم التعاوني

إنّ العوامل المعينة على إنجاح التعلّم التعاوني كثيرة، نذكر منها مايلي :

  • "المناخ الصفّي المناسب؛ حيث يتطلّب التعلّم التعاوني اهتمام الطلاب وانضباطهم واستشعارهم للمسؤولية حتى يمكنهم العمل والبحث والنقاش بشكل دقيق، أمّا الفوضى وعدم استشعار المسؤولية، فإنّها لا تحقّق الأهداف المرجوّة من التعلّم التعاوني.

  • العدد المناسب للتعاون ينبغي أن لا يكون صغيرا يحدّ من تفاعلهم ولا كبيرا يفقدهم الانضباط، كما ينبغي أن تكون مساحة الفصل مناسبة لتحرّك المجموعات ونقاشها علاوة على مناسبة تأثيثها لعمل المجموعات.

  • الطمأنينة وعدم الشعور بالرّقابة؛ إذ لا يمكن أن يسود نقاش جادّ وصادق في ظل رقابة متعسّفة وشعور بعدم الطمأنينة، لذا يعمل المعلّم أو قائد المجموعة على حضّ الفريق التعاوني على البحث وإبداء الرأي والنقاش، لتحقيق الأهداف المرجوّة في ظلّ تطبيق هذه الاستراتيجية.

  • اختيار المحتوى التّعليمي المناسب بمشاركة جميع أعضاء الفريق أو من يكلّفون بذلك تحت إشراف المعلّم.

  • تيسير الحصول على المعرفة بشكلها المناسب وفي وقتها المحدّد، وذلك إمّا من خلال قاعة مصادر التّعلم الملحقة بالمدرسة، أو من خلال المكتبات التي يمكن الوصول إليها بيسر وسهولة.

  • وضوح الأهداف بشكل يمكّن أعضاء المجموعة من فهمها والعمل على تحقيقها.

  • التقويم المستمرّ لعمل المجموعات، للتعرف على وضع المجموعات مقارنة بالأهداف الموضوعة". (فرج، 2005، صفحة 30).

2. توظيف استراتيجية التعلم التعاوني في المنهاج والوثيقة المرافقة له

1.2. مبرّرات بناء المنهاج والغاية منه

تتكفّل مناهج الإصلاح بتوضيح معالم التغيير الذي شهدته المنظومة التربوية، وتعرض أهدافه وغاياته، وتحدّد أسبابه وتذكر مبرّراته، وقد تمّت إعادة صياغة هذه المناهج وتحديثها انطلاقا من المعطيات العلمية والتعليمية الحديثة،

« فمن الأمور المسلّم بها عالميا أنّ المناهج المدرسية لا تتّصف بالجمود، وإنّما تخضع دوريا إلى تعديلات ظرفية، وإدراج معارف أو مواد جديدة يفرضها التّقدم العلمي والتكنولوجي، أو تعديلات تقتضيها أحكام القانون التوجيهي، أو تعزيز الاختيارات المنهجية وتعميقها، وذلك قصد معالجة سلبيات تلك المناهج المعدّة في عجالة، وسنة سنة، وبمواقيت غير مستقرة ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 04).

وتشمل المبرّرات التي انطُلق منها في تحديث مناهج التعليم المتوسط الجوانب الآتية :

1.1.2. الجانب الأخلاقي

شهد المجتمع الجزائري في العقود الأخيرة تحوّلات سياسية واجتماعية وثقافية عميقة، غيّرت فلسفته الاجتماعية، وفتحت أمامه طموحات مشروعة للتّقدم والرّقي في ظلّ المحافظة على قيمه ومبادئه وهويّته، لذلك فإنّ قيم الهوية والمواطنة المسؤولة والقيم العالمية تمثّل في نظر المنهاج أولى المصادر المعتمدة في توجيه المنظومة التربوية، واختيار المضامين التّعليمية وطرائق التّعلم، وقد جاء في المرجعية العامة للمناهج « أنّ المنظومة التربوية ملزمة بإكساب كلّ متعلم قاعدة من الآداب والأخلاق المتعلقة بالقيم، ذات بعدين(وطني وعالمي) » (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 05)، ويتعلّق الأمر

« بقيم الهويّة الوطنية المرجعية(الإسلام، العروبة، والأمازيغية)، التي تشكّل بانصهارها المتفاعل »جزائرية الجزائري«، لذلك يجب أن تنمّي الكفاءات المستهدفة لدى المتعلم تربية إسلامية قاعدية، تعمل على تنمية سلوك فردي وجماعي يتماشى والقيم النبيلة للإسلام(روح العدل والنظافة والصحة والتضامن، وحبّ العمل والاجتهاد والنزاهة والتسامح...)، بالإضافة إلى تعليم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وتعزيز عملية اكتساب القيم العالمية الأكثر خصوبة في أبعادها الإنسانية والعلمية والثقافية ». (منهاج اللغة العربية، 2015، الصفحات 5-6).

2.1.2.الجانب الفلسفي (الابستمولوجي)

أشار منهاج اللغة العربية إلى مكانة القيم في المقاربة بالكفاءات، وأكّد على أنّ محتويات التعليم والتّعلم في البرامج الدراسية ينبغي أن تغرس في المتعلم القيم الوطنية والعالمية، وأن تركّز على بناء الكفاءات والابتعاد عن تكديس المعارف من خلال

« وضع المعلومات في خدمة عملية تنمية الكفاءات، ممّا يؤدي إلى اعتبار هذه المعلومات كموارد في خدمة الكفاءة، بالإضافة إلى فكّ عزلة برامج المواد بعضها عن بعض، وجعلها في خدمة مشروع تربوي واحد، فتبحث بذلك عن تشارك وتقاطع بين برامج مختلف المواد، خاصة تلك التي تنتمي إلى نفس العائلة». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 06).

3.1.2.الجانب المنهجي والبيداغوجي

تتميّز مناهج الإصلاح-حسب المنهاج- بالانسجام وقابلية التطبيق العملي، ويرجع ذلك إلى « التكفل الناجع بالفرضيات والممارسات التي يستوجبها مدخل المناهج بالكفاءات، فهو ليس مسعى معرفيا فحسب، بل هو مسعى بنائي اجتماعي على وجه الخصوص» . (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 06)، وعليه فإنّ المناهج الجديدة ترتكز على المقاربة بالكفاءات المستوحاة من النظرية المعرفية والبنائية الاجتماعية، (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 07)، وهي إشارة واضحة إلى أنّ الطريقة المعتمدة في التعليم هي المقاربة بالكفاءات، لذلك "ينبغي تحديد الكفاءات الخاصة بالمواد المعنية، لاسيما في المجال المعرفي والمنهجي، وفي المجال التجريبي الذي ينبغي تفضيله نظرا لارتباطه بالحياة الاجتماعية والمهنية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ينبغي تحديد التقاطعات الضرورية لبناء المنهاج في حدّ ذاته، والمتمثّلة في المسائل المتعلقة بالتّعلّمات الأساسية : اللغة العربية، الرياضيات، اللغة الأجنبية الأولى". (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 07).

وتحدّد المناهج مضامين تعليمها وفق الغايات التربوية وأهداف التعلم، فهي « تصف الوسائل التي تمكّن من تحقيق تلك الأهداف وفق المساعي والسلوكات المنتظرة من المتعلم، بالإضافة إلى ذلك فإنّ تقييم المناهج يتعلّق بأهداف محدّدة بوضوح ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 07).

2.2. طرائق تعليم اللغة العربية في المنهاج

يتبنّى منهاج اللغة العربية للسنة الأولى من مرحلة التعليم المتوسط الاستراتيجيات التعليمية التي تركّز على الكفاءات، ويرى أنّ وضع هذه الاستراتيجيات حيّز التطبيق « يقتضي إنجاز مخططات تعليمية، وتحليل وضعيات تعلّمية صفيّة لتحقيق الكفاءات المستهدفة وتنميتها، ويتطلّب كذلك مجموعة من الإمكانيات التعليمية والبيداغوجية( المشروع البيداغوجي، الزيارات الميدانية، استضافة أشخاص يملكون موارد... » (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 07)، ويشير هذا الكلام إلى وعي المنهاج بمتطلّبات المقاربة التعليمية التي أعلن عن تبنّيها؛ فتحقيق الكفاءات المستهدفة يتطلّب توفير بيئة تعليمية تفاعلية، تحتوي على الاستراتيجيات التعليمية الحديثة، التي أصبحت تقدّم حلولا ناجعة، تمكّن المتعلم من تجاوز المشاكل التعلييمة التي تواجهه في مساره التعلّمي، وتحتوي كذلك على الآليات اللازمة، والأدوات الفعّالة، التي تمكّنه من التفاعل مع المادة التعليمية، وتساعده على بناء كفاءاته وتطويرها.

1.2.2.المقاربة بالكفاءات

يعتمد المنهاج على المقاربة بالكفاءات كمقاربة تعليمية جديدة لأساليب التّعلم والتعليم خلفا للمقاربة بالأهداف، نظرا للخصائص التي تميّزها عن الطرائق التعليمية السابقة؛ حيث تقوم هذه المقاربة على مبدأ الإدماج، وتجعل المتعلّم محورا أساسيا للعملية التعليمية، وتعمل على إشراكه في عملية بناء تعلّماته، من خلال تجنيد معارفه ومكتسباته القبلية لحلّ الوضعيات التعليمية المستقاة من الحياة في صيغة مشكلات، بغية تحقيق أقصى قدر ممكن من الفاعلية في ممارسة عملية التّعلم الناجحة، وتدفع المتعلم كذلك إلى المبادرة والملاحظة وتحمّل المسؤولية واتّخاذ القرار، فالمقاربة بالكفاءات من أنسب الطرائق التعليمية في نظر المنهاج؛ لأنّها :

« تفضّل منطق التعلم الذي يركّز على التلميذ وردود أفعاله في مواجهة وضعيات مشكلة، على منطق التعليم الذي يعتمد على تحصيل المعارف والمعلومات فقط، إنّها تستمدّ أسسها ومبادئها من النظرية المعرفية البنائية الاجتماعية التي تمكّن المتعلم من التفاعل مع بيئته، وتساعده على بناء معارفه في وضعيات متفاعلة وذات دلالة، وتتيح له فرصة تقديم مساهمته في مجموعة من أقرانه ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 07).

ويقتضي تبنّي المقاربة بالكفاءات في العملية التعليمية -حسب المنهاج- الابتعاد عن تلقين المعارف، والتّوجه نحو إشراك المتعلم في النشاط التّعلمي، وتشجيعه على البحث والاستقصاء والتحليل وإيجاد الحلول للوضعيات التي تواجهه في مساره التّعلمي، من خلال تجنيد معارفه السابقة ومكتسباته القبلية وإدماجها وتنظيمها :

« فالوضعيات التّعلمية لا تركّز على المحتويات والمسارات فحسب، بل على تجنيدها الوجيه والمدمج أيضا في وضعيات مشكلة، وعلى استغلال الوضعيات المعقّدة المقترحة على التلاميذ كسند تعلّمي، وسند للتقويم التكويني، ولا تختصر هذه المقاربة مسار التّعلم في تكديس المعارف من مختلف المواد؛ بل تجعل منها أدوات للتفكير والتّصرف في المدرسة وخارجها؛ أي إنّها تجعل المعارف حيّة ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 07).

وتعتمد عملية التّعلم على مسعى « المقطع التّعلمي »، الذي يتألّف من عدد من الوضعيات التّعلمية والإدماجية والتقويمية، لذا ينبغي على الأستاذ « أن يغيّر ممارساته في القسم، فيجعل التلاميذ في وضعيات التعلم لا التعليم، ويغيّر دوره من مانح للمعرفة، إلى مرشد وموجّه للتلاميذ، ومساعد لهم على بناء تعلّماتهم ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 36).

ويقسّم المنهاج الكفاءة إلى كفاءة المادة والكفاءات العرضية، أمّا كفاءة المادة فهي « الكفاءات التي يكتسبها المتعلم في مادة من المواد الدراسية، وتهدف إلى التحكّم في المعارف، وتمكين المتعلم من الموارد الضرورية لحلّ وضعيات مشكلة ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 08)، وأمّا الكفاءة الختامية فتكتسب حسب المنهاج

« من خلال المادة وتتحقّق من خلال المسعى التدرّجي للعملية التّعلمية، الذي يربط مقاصد الغايات بالممارسة في القسم، والتعبير عن جزء من ملامح التخرج من المرحلة والطور، لكنها تتّسم في صياغتها بالعموم والاندماج، الأمر الذي لا يمكّنها من بناء وحدات أو مقاطع تعلّمية » (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 08).

ويدعو المنهاج إلى ضرورة التعامل مع أنشطة اللغة العربية ككلّ متكامل رغم تعدّدها؛ أي « ينبغي أن تمارس في تكامل وانسجام، لا منعزلة بعضها عن بعض، ولا تكون بمعزل عن الكفاءة المحورية التي يسعى إلى إرسائها أو تنميتها في سياق شامل، وقد يستعان في ذلك بنشاط من مادة دراسية خارج مادة اللغة العربية ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 36).

2.2.2. المقاربة النصية

أعلن المنهاج تبنّيه للمقاربة النصية في تعليم اللغة العربية لأوّل مرة عبر كامل صفحاته عندما قدّم توصيات تبيّن كيفية تطبيق المنهاج الجديد، وهو آخر شيء أشار إليه المنهاج، ممّا يدلّ على أنّ المقاربة بالكفاءات هي رهان المنهاج الأكبر والأوّل في الإصلاح التربوي، في حين تمثّل المقاربة النصية الخيار البيداغوجي الآخر الذي يجب اعتماده في تعليم اللغات، بما فيها اللغة العربية، وقد أشار المنهاج إليها بشكل مقتضب، ينبئ بغياب تصور واضح لهذه المقاربة في المنهاج.

وتعني المقاربة النصية في تصوّر المنهاج أنّ :

« نشاط القراءة هو المحور الأساس الذي تدور في فلكه كلّ الأنشطة الأخرى للمادة، فمن النص يثري التلميذ رصيده اللغوي، ويستنتج القواعد اللغوية كمورد معرفي يعينه على بناء كفاءة من الكفاءات، ويكتشف خصائص أنماط النصوص، ويتعلّم التحليل، ويكتشف قيما خلقية واجتماعية، وبذلك يبني كفاءة لطالما غيّبت في درس اللغة العربية، ألا وهي التواصل ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 36).

ولا يعني هذا التصور الذي قدّمه المنهاج بخصوص المقاربة النصية أكثر من اتّخاذ النصوص القرائية منطلقا لتصميم دروس الأنشطة اللغوية التي تدور في فلكها على حدّ قوله(المنهاج)، من خلال استقاء الأمثلة التي تشرح محتوى هذه الأنشطة من نصوص القراءة، لتستقلّ بعد ذلك بمضامينها، ممّا يوحي بأنّ اللغة فروع ومواد منفصلة لا رابط بينها، في حين يقتضي تبنّي المقاربة النصية تعاضد تلك الأنشطة التّعليمية في الكشف عن بنية النص، وخصائص تركيبه، وأدوات اتّساقه، وآليات انسجامه، وطريقة تنظيمه ومنطق اشتغاله، وهو مالم يشر إليه المنهاج ولم يبيّنه.

3.2.2. استراتيجية حلّ المشكلات

لم يعرّف المنهاج هذه الطريقة ولم يشر إلى كيفية تطبيقها، وإنّما اكتفى بتعريف الوضعية المشكلة وذكر خصائصها وكيفية بنائها في معرض حديثه عن الوضعية التّعلمية؛ حيث يرى المنهاج أنّ « الوضعية التّعلمية هي وضعية مشكلة يعدّها المدرّس لتقديم تعلّمات جديدة متنوعة ومتكاملة ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 19)، تأتي في صورة لغز « يطرح على التلميذ، ولا يمكنه حلّه إلا باستعمال تصوّر محدّد بدقة، أو اكتساب كفاءة لم يكن يمتلكها؛ أي أنّه يتمكّن من تذليل صعوبة، وبهذا التقدّم تبنى الوضعية ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 20).

ويعتبر المنهاج الوضعية المشكلة أداة بيداغوجية تقوم على البناء الذاتي للمعارف، ويشترط توفّرها على جملة من الخصائص، التي من شأنها أن تساعد المتعلم على بناء معارفه وكفاءاته، كأن تكون« مهمة، شاملة، مركّبة وذات دلالة، تثير صراعا معرفيا، ويتطلّب حلّها جهدا، وتثير اهتمام التلميذ، وذات صلة بحياته اليومية ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 20).

وتبنى الوضعية المشكلة حسب المنهاج من خلال

« إبراز التّمثلات الأوّليّة، وإرفاق كلّ وضعية مشكلة بمهمّة مرفقة بتعليمة، تبيّن المطلوب مع تحديد مدّة الحلّ وعدم إغفال الأهداف المفاهيمية المستهدفة، وتصوّر مسبق لكلّ السيناريوهات الممكنة، استعدادا لأيّ طارئ، إلى جانب صياغة فردية للتّمثلات الجديدة ومقارنة التّمثلات الأوّليّة بالتّمثلات الجديدة ». (منهاج اللغة العربية، 2015، صفحة 20).

لم يستعمل المنهاج مصطلح التعلم التعاوني ولم يشر إليه في كلّ صفحاته، ولم يذكره ضمن مبررات الإصلاح التي ساقها، ولا ضمن الطرائق التعليمية التي ذكرها، وهو مايؤكد أنّ المنهاج قد حسم أمره منذ البداية بشأن الطريقة التعليمية التي يتمّ اعتمادها في تعليم اللغة العربية على غرار المواد التعليمية الأخرى، ويتعلّق الأمر بالمقاربة بالكفاءات التي أسهب في التعريف بها وذكر مبادئها ومميزاتها وشرح أساليب تطبيقها، رغم أنّ استراتيجية التعلم التعاوني من أهمّ الاستراتيجيات التعليمية النشطة، التي تحقق التعليم التفاعلي، الذي يجعل المتعلم محورا للعملية التعليمية وأساسا لها؛ حيث يبتعد عن التلقي السلبي للمعارف والمعلومات، ويشارك في بناء تعلّماته وكفاءاته، من خلال التّعاون مع زملائه في حلّ المشكلات التي تواجههم في المواقف التعلّمية المختلفة.

3. الانسجام بين المنهاج والوثيقة المرافقة له في التّصوّرات التّعليمية

لم تخرج الوثيقة المرافقة في مضمونها عمّا جاء في المنهاج في ما يخصّ الطرائق التعليمية المعتمدة في تعليم اللغة العربية؛ حيث تطرّقت تقريبا إلى كلّ المعطيات النظرية التي وردت في المنهاج، ولم تزد عليها أوتفصّل فيها، ويدلّ على ذلك مضمون التقديم الذي أشارت فيه الوثيقة إلى أنّه قد تمّ بناء مناهج التعليم المتوسط وفق المقاربة بالكفاءات على غرار مناهج الإصلاح، بغية تحقيق مبدأي التكامل والاستمرارية في العملية التعليمية، « فالتلميذ يبني(بمساعدة الأستاذ وتوجيهه) معارفه بنفسه فترسخ، ويصقل قدراته بجهده فيتمكّن من توظيفها في عملية التواصل، وحلّ المشكلات التي تعترضه في المدرسة أو في حياته الاجتماعية ». (الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط، 2015، صفحة 07).

1.3. المقاربة بالكفاءات

استهلت الوثيقة المرافقة للمنهاج حديثها عن المقاربات التعليمية بالمقارنة بين الطرائق المعتمدة في المناهج التعليمية السابقة وبين مناهج الإصلاح؛ حيث قارنت بين بيداغوجيا التبليغ والمقاربة بالكفاءات، وحاولت تبيين خصائص هذه المقاربة الجديدة التي تميّزها عن سابقاتها، فالمقاربة بالكفاءات تعدّ المتعلم محورا للعملية التعليمية التّعلمية وأهمّ حلقة فيها، وترى ضرورة إشراكه بصفة فاعلة في بناء معارفه، وتشجيعه على التعلم الذاتي النشط في ظل توجيهات المعلم وإشرافه، وهو الأمر الذي أهملته الطرائق التعليمية السابقة(بيداغوجيا تبليغ المحتويات)، التي تركّز جلّ اهتمامها على تزويد المتعلّم بشتى المعارف التي ينبغي عليه تخزينها واسترجاعها يوم الامتحان، وعليه فإنّ الطرائق الحديثة التي تتبنّى الكفاءات كمقاربة،

« قد جعلت المدرّس منشطا وموجّها، والمتعلم باحثا مكتشفا، ومساهما فاعلا في بناء معارفه وتطوير كفاءاته، لذلك فإنّ الفعل التربوي في هذه المقاربة يرتكز على منطق التعلم، ويعتبر المتعلم محور العملية التعلّمية، والكفاءات المستهدفة هي التي تحدّد المحتويات المعرفية التي ينبغي إكسابها ». (الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط، 2015، صفحة 08).

1.1.3. مبررات اختيار المقاربة بالكفاءات

قدّمت الوثيقة المرافقة للمنهاج مجموعة من العوامل التي تبرّر تبنّي مناهج الإصلاح للمقاربة بالكفاءات كطريقة تعليمية تخصّ المواد التعليمية جميعها، منها على الخصوص التطور العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العصر الحديث، والذي جعل الحياة أكثر تعقيدا، وهو ما فرض على المختصين في مجال التربية والتعليم إعادة النظر في التصورات التعليمية المعتمدة، والعمل على بناء مناهج حديثة تواكب العصر، وتعدّ متعلّما قادرا على مجابهة المشكلات الحياتية، ومستعدّا لحلها بفضل ما يحمله من معارف ومهارات وكفاءات، وهذا ما يستوجب حسب المشتغلين بالشأن التعليمي الاعتماد على المقاربات التعليمية التي أقرّتها علوم التربية الحديثة، منها على الخصوص المقاربة بالكفاءات التي« لا تنكر دور المعارف وأهميّتها؛ بل تعمل-بعد اكتسابها- على تفعيلها وتوظيفها في حلّ مشكلات في وضعيات مختلفة ». (الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط، 2015، صفحة 08).

2.1.3. مميّزات المقاربة بالكفاءات

ذكرت الوثيقة المرافقة بعضا من خصائص المقاربة بالكفاءات ومميّزاتها، نلخصها في النقاط الآتية :

  • "المتعلم في قلب العملية التعليمية التعلمية.

  • المتعلم يبني معارفه بنفسه.

  • النظر إلى التعلمات نظرة اجتماعية.

  • التعلم عملية نسقية مندمجة.

  • التعلم موجّه نحو الحياة.

  • المدرّس مرشد وموجّه.

  • تنظيم مكتسبات المتعلم ودمجها وتوظيفها في حلّ مشكلات الحياة". (الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط، 2015، صفحة 08).

2.3. استراتيجية حلّ المشكلات

أشارت الوثيقة المرافقة للمنهاج إلى استراتيجية حلّ المشكلات في سياق حديثها عن كيفية سير العملية التعليمية في ضوء اعتماد المقاربة بالكفاءات، وتعدّ هذه الطريقة من أنسب الطرائق التعليمية وأنجعها في نظر الوثيقة المرافقة للمنهاج، كونها تتبنّى مبدأ التّعلم الذاتي، وتعمل على تحفيز المتعلم للمشاركة الفاعلة في العملية التعليمية، وتعزّز قدراته وكفاءاته، وتساعده على الاندماج في محيطه الاجتماعي، والتكيّف مع تغيّراته المختلفة من خلال إكسابه« الثقة في النفس والقدرة على الملاحظة والتّأمّل، وتحليل المعطيات وتنظيمها قصد استغلالها، وتدريبه على اقتراح الحلول وانتقاء أنجعها، وتعويده على العمل الجماعي والتعاون مع الأقران ومع الآخرين ». (الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط، 2015، صفحة 10).

وتؤكّد الوثيقة المرافقة للمنهاج على ضرورة الاعتماد في تعليم الأنشطة اللغوية المختلفة على الوضعيات المشكلة التي يتطلّب حلّها تجنيد المتعلم لمكتسباته القبلية وإدماجها، « ففي نشاط القراءة ودراسة النص مثلا، يجد القارئ نفسه أمام وضعيات مشكلة تتمثّل في وجود مفردات وجمل غير مضبوطة بالشكل التام، وهذا ما يدفعه إلى تجنيد مكتسباته القبلية من موارد ومنهجيات، وقد يلجأ إلى البحث والاستقصاء ». (الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط، 2015، صفحة 09).

3.3. المقاربة النصية

أكّدت الوثيقة المرافقة للمنهاج أنّ المقاربة النصية هي المقاربة التعليمية المعتمدة في تعليم اللغة العربية؛ لأنّها « تعتبر النص وسيلة فعّالة لتعلّم اللغة واكتساب الرصيد اللغوي، وهو ما يمكّن المتعلم من التواصل مشافهة وكتابة في وضعيات دالة، فينفذ بها في مواد دراسية أخرى ». (الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط، 2015، صفحة 07)، ودعت الوثيقة المرافقة للمنهاج إلى التركيز على بناء كفاءة التواصل لدى المتعلم منذ التحاقه بمرحلة التعليم المتوسط من خلال « العمل على تحسين كفاءة القراءة والفهم التي تمكّنه من التحليل، وكفاءة الكتابة والتحرير التي تمكّنه من التركيب، ولا يتأتّى ذلك إلاّ باعتماد المقاربة النصية، لكونها توفّر فرصة البحث والتّقصّي ». (الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط، 2015، صفحة 07).

ولم تزد الوثيقة المرافقة عن هذه الكلمات في تقديمها للمقاربة النصية، حيث لم تحدّد مفهوم هذه المقاربة، ولم تشر إلى مرجعياتها المعرفية، ولم تذكر أسسها ومقوّماتها وآليات تطبيقها، ولم تقدّم نماذج تطبيقية تساعد على تمثّلها وحسن استثمارها في تعليم اللغة العربية، رغم أنّها تعتبرها السبيل الأمثل والأوحد لتحقيق كفاءة التواصل باللغة العربية مشافهة وكتابة، وهو ما يجعلنا نتساءل عن مبرّرات الاعتماد على هذه الطريقة التعليمية والتصور الذي تملكه الوثيقة المرافقة للمنهاج ومن قبلها المنهاج بخصوص هذه المقاربة ومدى وعيهما بمقتضياتها وطريقة تطبيقها؟

لقد حذت الوثيقة المرافقة للمنهاج حذو المنهاج في الاحتفاء بالمقاربة بالكفاءات، مقارنة بالمقاربة النصية التي لم تلق الاهتمام نفسه رغم علاقتها الوطيدة بتعليم اللغة العربية، واكتفت بالتركيز على استراتيجية الوضعية المشكلة كرافد مهمّ من روافد المقاربة بالكفاءات مقارنة بغيرها من الاستراتيجيات كاستراتيجية التعلم التعاوني واستراتيجية المشروع، التي أشارت إليها الوثيقة المرافقة إشارة خاطفة في سياق حديثها عن طريقة تعليم التعبير الكتابي دون التفصيل فيها أو ذكر كيفية تطبيقها، رغم أهميّتها كأسلوب تعليمي يقوم على أساس الوضعيات التّعلمية والعمل التعاوني.

والملفت للنظر هو غياب الانسجام بين المنهاج والوثيقة المرافقة له في كثير من المواطن، نذكر من ذلك أنّ الوثيقة المرافقة للمنهاج ترى في المقاربة بالكفاءات بديلا للمقاربة بالمحتويات، في حين يرى المنهاج أن المقاربة بالكفاءات جاءت خلفا للمقاربة بالأهداف المعتمدة في مناهج ما قبل الإصلاح، ومن ذلك أيضا إشارة الوثيقة المرافقة للمنهاج إلى استراتيجية المشروع كرافد من روافد المقاربة بالكفاءات في حين لم يشر المنهاج إليها، وهو مايضع التصورات التعليمية التي تبنّاها المنهاج والوثيقة المرافقة له موضع المساءلة والمناقشة، لتشخيص الاختلالات الواقعة، والبحث في أسبابها وإيجاد حلول عاجلة لها إذا ما أردنا إنجاح مسعى الإصلاح الذي تبنّته المنظومة التربوية.

إنّ مهمّة الوثائق التربوية الأولى تتلخّص في مساعدة الأساتذة والمعلّمين على تمثّل التصورات التعليمية التي حملها الإصلاح التربوي الجديد وفهمها، من خلال تقديم المرجعيات المعرفية والمبادئ المنهجية والأسس التربوية التي بنيت عليها هذه التصورات التعليمية، وتذليل الصعوبات التي قد تعترض الأساتذة في قراءة الوثائق التربوية وفهم محتوياتها، وتقديم نماذج تطبيقية تعينهم على ترجمة الأهداف المسطّرة والمضامين المقررة إلى وضعيات تعلّمية ملائمة لمستوى المتعلمين، واقتراح الآليات التي تساعدهم على تقويم أدائهم، لذلك لابدّ أن يحرص القائمون على إعداد المناهج وتخطيطها على مراعاة الانسجام بين الوثائق التربوية بخصوص التصورات التعليمية المتبنّاة، والعمل على شرحها وتبسيطها وتوضيحها بطريقة تمكّن المعلمين والأساتذة من فهمها والالتزام بها.

الخاتمة

لم تحظ استراتيجية التعلم التعاوني باهتمام المنهاج والوثيقة المرافقة له رغم أهميتها في تنمية الكفاءات التعليمية، وتطوير المهارات الاجتماعية والجماعية، وتعزيز مستويات التفاعل الإيجابي، وترسيخ قيم التعاون والـتآزر والتحاور والمحبة والاحترام بين المتعلمين، وهو ما يفرض على المنهاج والوثيقة المرافقة له إعادة النظر في التصورات التعليمية المطروحة، والعناية بهذه الاستراتيجية، وإيلاءها الأهمية التي تستحقّها، من خلال تبيين مفهومها، وشروط تطبيقها، وعوامل نجاحها بطرق بسيطة وواضحة، تمكّن المعلّم من فهمها وتمثّلها واسثمارها بطريقة مناسبة لتحقيق نتائج أفضل.

يتطلّب تطوير كفاءات المتعلمين وتكوين خبراتهم في أدبيات التربية الحديثة التنويع في الطرائق والاستراتيجيات التعليمية، التي تعمل على تحفيز المتعلمين ومساعدتهم على الانخراط في الممارسة التعليمية والعمل التعاوني التفاعلي، من خلال إحاطة النشاط التّعلمي بجوّ من المناقشة، وفسح المجال أمام المتعلم لإبداء رأيه، وإصدار أحكامه وتعليلها في ضوء إرشاد المعلم وتوجيهه، بدل الاكتفاء بالصمت واستقبال المعارف بطريقة سلبية تجمّد فكره، وتحدّ من إبداعه، وتعوّده الآلية والجمود، فيحرم بذلك من بناء كفاءاته وتطويرها، ويعجز عن حلّ المشكلات التي تصادفه في حياته، ولذلك وجب الاهتمام بكلّ الاستراتيجيات التعليمية النشطة، التي تجعل من المتعلم محورا للعملية التعليمية التّعلمية، وتدفعه إلى المشاركة الفعلية والإيجابية والفاعلة في بناء تعلّماته، وتكوين خبراته، وتحقيق الكفاءات التي تقيس قدراته الفعلية في الإنجاز والإتقان.

رفاعي, ع. م. (2012). التّعلّم النشط، المفهوم والاستراتيجيات وتقويم نواتج التعلم. الإسكندرية : دار الجامعة الجديدة.

شحاتة, ح. (2008). استراتيجيات التعليم والتعلم الحديثة وصناعة العقل العربي. القاهرة : الدار المصرية اللبنانية.

شحاتة, ح. (2016). استراتيجيات حديثة في تعليم اللغة العربية وتعلّمها. القاهرة : الدار المصرية اللبنانية.

عبد العظيم, ع. ص. (2015). استراتيجيات طرق التدريس العامة الإلكترونية. القاهرة : المجموعة العربية للتدريس والنشر.

فرج, ع. ب. (2005). طرق التدريس في القرن الواحد والعشرين. عمان : دار المسيرة.

اللجنة الوطنية للمناهج. (2015).منهاج اللغة العربية. الجزائر : ديوان المطبوعات المدرسية.

اللجنة الوطنية للمناهج.. (2015)الوثيقة المرافقة لمناهج التعليم المتوسط. الجزائر : ديوان المطبوعات المدرسية.

فطيمة بغراجي

الجزائرAlger 2

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article