مقدمة
يرى البيداغوجيون أنه إذا أردنا أن نجعل المتعلم يتحكم في إنتاج النصوص بمختلف أنواعها، يجب إطلاعه على عينة كافية من كل نوع من الأنواع النصية وأنماط الخطاب الذي تحمله هذه النصوص والأدوات اللغوية والتعبيرية الموظّفة فيها بما يُمَكِّنه من تمثّل واستيعاب الخصائص اللغوية والبنائية لكل نوع، وبما يجعله يتحكّم في عملية إنتاجها؛ لأن القاعدة البيداغوجية التي يمكن جنيها من معرفة خصائص كل نوع من أنواع النصوص هي « أنّ المتعلم إذا استوعب ميكانيزمات نوع معين من خلال تعامله مع نماذج عديدة منه، فإنه يكتسب كفاءة أو مهارة نصية تيسر له التعامل مع أي نص آخر، بحيث يصبح بإمكانه أن يتكهّن أو يتوقع أشياء في النص قبل الوصول إليها » (اللجنة الوطنية للمناهج 2004: 9). فبهذه الطريقة تتكون لدى المتعلم قدرتان هما:
-
قدرة التلقي: وتتعلق بفهم محتويات النصوص وإدراك مقاصدها وكيفيات بنائها.
-
قدرة الإنتاج: وتتعلق بإنتاج نصوص شبيهة بمحتويات النصوص التي تلقاها.
ولتحقيق ذلك يوصي المنهاج التعليمي باعتماد المقاربة النصية1 التي تقوم على جعل النص الوحدة الأساسية في التعلم؛ فهو يشكّل دوما نقطة انطلاق الأنشطة اللغوية الأخرى، فالمتعلم يدرس نصا ويتعرف على كيفية بنائه كما يلتمس من خلاله القواعد اللغوية ليتوصّل إلى إنتاج نص على منواله....؛ فبفهم الكيفية التي تشتغل بها النصوص والمنطق الذي يحكم اشتغالها يستطيع استثمار ذلك في إنتاج نصوص على شاكلتها من حيث الانسجام والتماسك، وبهذا تتحقق الكفاءة المستهدفة من المقاربة النصية (للنص) وهي إنتاج نص شبيه بالنص المدروس.
ومن هذا المنطلق تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن قدرة تلاميذ المرحلة المتوسطة على تحرير نص منسجم دلاليا؛ وذلك من خلال اقتراح وضعية إدماجية ترتبط بشؤون الحياة اليومية للتلاميذ، ثم دراسة إنتاجاتهم الكتابية وتحليلها وفق مؤشرات التقييم الذي يخضع له معيار الترابط والانسجام الدلالي.
1 منهجية الدراسة
1.1. عيّنة الدراسة
تنتمي العينة التي اعتمدناها في تحرّياتنا الميدانية إلى نظام التعليم المتوسط الذي يدوم أربع سنوات والذي شرع في التطبيق له خلال سنة 2004. ولقد أخذت هذه العيّنة بطريقة عشوائية من الأقسام المدرسية بمتوسطتين بالجزائر العاصمة هما متوسطة عبد الرحمان بن سالم ببلدية وادي قريش المرموز إليها بـ « م 1 »، ومتوسطة شكيب أرسلان ببلدية الأبيار المرموز إليها بـ « م 2 »، وتتكون من تلاميذ السنة الثالثة من التعليم المتوّسط، ويبلغ عدد أفرادها 151 تلميذا يتوزعون حسب المتوسطتين المذكورتين على أربعة أقسام بالشكل الآتي:
الجدول 1: تحديد أفراد عينة البحث
اسم المؤسسة التربوية |
عدد الأقسام |
عدد التلاميذ المفحوصين |
م 1 |
2 |
70 |
م 2 |
2 |
81 |
المجموع |
4 |
151 |
2.1.أداة الدراسة
لجمع معطياتنا اللغوية اللازمة قمنا بإعداد اختبار تحصيلي يتضمّن وضعية إدماجية ذات دلالة بالنسبة للتلاميذ صيغت بهذا الشكل:
الوضعية السند: تعرّض منزلكم إلى تشقق جدرانه وانهيار بعض الأجزاء منه نتيجة الأمطار الغزيرة التي اجتاحت الجزائر العاصمة في السنوات الأخيرة.
التعليمة: حرّر رسالة إدارية لا تتجاوز الصفحة إلى رئيس البلدية؛ تشرح فيها الوضعية السيئة التي تعيشونها بهذا المنزل، وتطلب من سيادته سكنا اجتماعيا في أقرب الآجال الممكنة.
بعد إعداد الوضعية تم تطبيقها على أفراد العينة على أن ينجز النشاط الكتابي داخل القسم في ظرف ساعة من الزمن؛ وذلك في نهاية السنة الدراسية، وبالتحديد في مرحلة المراجعة؛ أي بعد إتمام المقررات التعليمية.
3.1. طريقة التقييم والتحليل
بعد الحصول على إنتاجات المتعلمين شرعنا في قراءة الوثائق ودراستها، ولقد تمّت عملية تحليل المدونة اللّغوية على أربعة مراحل:
-
استقراء الإنتاجات الكتابية لتحديد درجة تحكم التلاميذ في مؤشرات الانسجام الدلالي في النص المطلوب إنتاجه؛ وذلك بمنح كل تلميذ نقطة أو علامة على عشرين (20) وهي النقطة التي يعتمدها نظامنا التعليمي في تقييم الاختبارات والفروض.
-
استقراء كتابات التلاميذ لاستخراج كل الأخطاء المتعلّقة بذلك.
-
فرز الأخطاء وتصنيفها.
-
قياس تواتر كل صنف وتحديد نسبته المئوية باحتساب عدد الأخطاء × 100 على عدد التلاميذ؛ وذلك بهدف رصد ما هو شائع منها.
-
تحليل هذه الأخطاء ومحاولة تفسير عوامل إحداثها وفق المعطيات المتوفّرة.
وفي تقييم إنتاجات التلاميذ الكتابية وتحليلها استندنا إلى شبكة مجموعة2 « إيفا » EVA المُعَدَّة لتقييم كفاءة المكتوب لدى التلاميذ في اللغة الفرنسية من خلال معيار الترابط والانسجام الدلالي الذي يقيس معاني المفردات والعلاقات الدلالية التي تربط الأفكار والجمل في النص، مثلما يوضّحه الجدول الآتي:
الجدول 2: مؤشرات معيار الانسجام والترابط والدلالي
معيار التقييم |
المؤشرات |
|
|
المؤشر 01 |
هل المعلومات الواردة في النص المنتج واضحة، مناسبة للموضوع ومنسجمة؟ |
المؤشّر 02 |
هل هناك انسجام دلالي بين الجمل في النص؟ (الاستعمال المناسب للإحالات والعلاقات العائدية. ..). |
|
المؤشّر 03 |
هل اختار المتعلم الأدوات التي تحقق الربط المنطقي بين الجمل ؟ (لأنّ، إذا، لكن، إذن، أمام، قبل...). |
|
المؤشّر 04 |
هل يخضع منتوج المتعلم لمنهجية منطقية (مقدمة، عرض، خاتمة) متسلسلة ومنسجمة؟ |
2. عرض نتائج التقييم والتحليل
سنعرض فيما يأتي أهم النتائج التي أفرزتها عملية تقييم إنتاجات التلاميذ الكتابية وتحليلها وفق مؤشرات معيار الانسجام الدلالي التي يُنتظر أن تتحقق في إنجازات التلاميذ الكتابية.
1.2. النتائج الإجمالية الخاصة بمؤشرات معيار « الترابط والانسجام الدلالي في المنتوج »
لتحديد المستوى الذي بلغه تلاميذ العينة المفحوصة في مؤشرات معيار الانسجام الدلالي نقدم الجدول الآتي:
الجدول3: النتائج الإجمالية الخاصة بمعيار التقييم
المؤشرات |
مستوى التحكّم |
مستوى عدم التحكّم |
||
العدد |
النسبة |
العدد |
النسبة |
|
المؤشر 1 |
161 |
39,66 % |
245 |
60,34 % |
المؤشر 2 |
200 |
49,26 % |
206 |
50,74 % |
المؤشر 3 |
87 |
21,43 % |
319 |
78,57 % |
المؤشر 4 |
183 |
45,07 % |
223 |
54,93 % |
المؤشر 5 |
158 |
38,92 % |
248 |
61,08 % |
ويمكن تمثيل هذه النسب في الرسم البياني الآتي:
إذا قارنا بين نسب تحقق مؤشرات التقييم ونسب عدم تحققها في الجدول أعلاه نجد أنّ المؤشّر الوحيد الذي تمكن التلاميذ من تحقيقه بنسبة معتبرة، نوعا ما، هو المؤشّر الثاني المتعلق بالانسجام الدلالي بين الجمل في النص (الإحالات والعلاقات العائدية)، حيث قدرت بـ 49.26% مقابل 50,74% نسبة التلاميذ الذين لم يتمكّنوا من ذلك، مما يعكس قدرة ما يقارب نصف عدد التلاميذ على توظيف تعلّماتهم اللغوية أثناء التحرير، أما بقية المؤشّرات، فوردت نسب التحكّم فيها أقلّ؛ حيث بلغت في المؤشّر الأول (ملاءمة الأفكار أو المعلومات الواردة لموضوع النص وانسجامها) 39.66% مقابل 60.34%، وفي المؤشّر الثالث (الربط بين الجمل في النص) 21.43% مقابل78.57%. أما في المؤشّر الرابع (الانسجام بين الأجزاء المكونة للنص)، فبلغت نسبة التحكّم فيه 45.07% مقابل 54.93%، وفي المؤشّر الخامس(اختيار المفردات الدقيقة المناسبة لنمط النص) انخفضت نسبة التحكّم إلى38.92% مقابل 61.08%، وهذا يعني أنّ كفاءة التلاميذ في هذا الجانب من التحليل ما تزال محدودة.
2.2. النتائج الخاصة بالمؤشر الأوّل: اختيار المعلومات الواضحة الملائمة لموضوع النص
بلغت نسبة التحكّم في المؤشر الأوّل المتعلق بذكر المعلومات الملائمة لنوع النص 39.66% مقابل 60.34% نسبة التلاميذ الذين لم يتحكموا في تحقيق هذا المؤشر إما لعدم وضوح أفكارهم، أو لعدم مناسبتها لموضوع النص المنتج أو لعدم انسجامها، وفيما يأتي النموذج الذي يعكس ذلك:
« نحن عائلة متكونة من أب وأم وإخوة واحد متزوّج وكنا نملك دارا كبيرة تأوينا كلنا والحمد لله وبعد فترة تعرّض منزلنا إلى تشقق وإنهيار بعض الأجزاء منه نتيجة الأمطار الغزيرة وبقيت أنا وحيد أنتظر رحمة الله الكريم وعطفكم الأبوي بدون مأوى وأكثر الأحيان إني أنام مع بعض الأصدقاء وأطلب من سيادتكم العادلة النظر في قضيتي بتخصيص دار صغيرة لغرض إكمال ترتيب الزواج وأنني أعاني من هذه المشكلة وكل أمل بك أيها الأب الحنون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ».
يتبين لنا من خلال هذه النموذج أنّ التلميذ أورد بعض المعلومات والتفاصيل التي لا تستوجبها الوضعية التواصلية ولا تنص عليها التعليمة، لعدم وضوح أفكاره وقلة معلوماته. ويفسر ذلك بعدم تدريب التلاميذ على مهارة التخطيط الذي يأتي في مقدمة عمليات الكتابة وتدوين الأفكار والمعلومات المتصلة بالموضوع.
3.2. النتائج الخاصة بالمؤشر الثاني: الانسجام الدلالي بين الجمل في النص (الإحالات والعلاقات العائدية)
قدّرت نسبة التلاميذ الذين تمكّنوا من تحقيق هذا المؤشر الخاص بـالاستعمال المناسب للإحالات والعلاقات العائدية وغياب التناقضات من جملة إلى أخرى 49.26% وهي نسبة تعكس استطاعة ما يقارب الخمسين بالمئة من تلاميذ العينة من استعمال الإحالات استعمالا سليما، ولكن في المقابل سجلنا نسبة إخفاق مهمة قدرت بـ 50.74% وتمثل نسبة التلاميذ الذين لم يتمكّنوا من تجاوز عتبة التحكّم في هذا المؤشر نتيجة استعمالاتهم الخاطئة للإحالات والعلاقات العائدية، وهذا يدلّ على أنهم لم يدركوا بعد المقاييس التي تمكّنهم من نظم الكلم وتعليقها ببعضها البعض لتؤدي وظيفة التواصل في مدرج الكلام، وتجسدت أخطاؤهم خاصة في المطابقة بين المحيل والمحيل إليه في استعمالهم لأساليب الإضمار والوصل والإشارة، والإحالة على أسماء غير مذكورة بضمائر وأسماء إشارة؛ الأمر الذي سبّب نوعا من الالتباس في فهم دلالة الإضمار والوصل والإشارة، وأخلّ بالانسجام الدلالي للنص، ومما يبرز ذلك الأمثلة الآتية.
-
« أريد الحصول على بيت جديدة نظرا لخطورة حالة منزلي كل جدرانها مشقوقة ».
-
« أطلب منكم أن ترحّلوني لأنا بيتي الذي أني أعيش فيها إنها كل جدرانها مشقق ».
-
« ونحن الآن نعيش وضعية مزرية في هذا المنزل بسبب التشققات وانهيار بعض أجزائها ».
-
« لأنّ إذا هدمنا هذه المنزل لا يوجد أين نذهب للعيش ».
-
« نعيش وضعية مزرية في هذه المنزل بسبب التشقّقات ».
-
« وجاء المطر وهبة الرياح الذي سبّب في شق الجدران ».
-
« الرجاء ترميم المسكن التي كانت مشقّقة نتيجة الأمطار ».
تبيّن الأمثلة السابقة إخفاق أصحابها في إحلال التطابق بين الضمير العائد (ها) والأسماء الظاهرة العائدة عليه (جدرانها) في العبارة الأولى، (فيها، إنها، جدرانها) في العبارة الثانية، و(أجزائها) في العبارة الثالثة العائدة على الاسم نفسه وهو (البيت أو المنزل)، وذلك حسب السياقات الذي ورد فيها، وقد خالف التلاميذ هنا ما عاد عليه جنسا وإن راعوا التطابق بينهما عددا؛ لأن كلمة (البيت) وردت في صيغة المفرد ومذكرة، والضمير (ها) يستعمل للمفرد المؤنث. وهذا يعني أنّ الضمير المستعمل في هذه العبارات لا يزال مبهما، وبالتالي لم يؤد وظيفته في الخطاب؛ وهي رفع اللبس وتحقيق العلاقة العائدية. والأمر نفسه بالنسبة لتوظيف أسلوب الإشارة في العبارة الرابعة والخامسة؛ إذ لم يراع فيها التلاميذ التوافق بين اسم الإشارة والاسم العائد عليه جنسا، حيث استعملوا اسم الإشارة (هذه) عائدا على اسم مقدم عليه وهو (المنزل) الذي ورد في صيغة التذكير والإفراد.
وهذا ما سجلناه أيضا في توظيف التلاميذ لأسلوب الوصل نتيجة لعدم إحلالهم التطابق الموجود بين الاسم الموصول والاسم الظاهر قبله؛ حيث ورد الاسم الموصول في العبارة السادسة مفردا مذكرا (الذي) ليعود إلى جمع التكسير (الرياح)، ومفردا مؤنثا (التي) في العبارة السابعة للدلالة على اسم مذكر (المسكن)، فالتلاميذ هنا وإن حرصوا على مطابقة الاسم الموصول للاسم الظاهر الذي يعود إليه عددا إلاّ أنهم أخطأوا في مطابقته له جنسا.
وتدل أخطاء إحلال التطابق في مجملها على أنّ التلاميذ لم يدركوا بعد وظيفة دلالة بعض العناصر اللغوية في النص المكتوب خاصة ما تعلق منها بالجنس والعدد، وتعكس عدم استيعابهم للشروط التي يجب أن تتوفر في العائد نتيجة لـ:
-
تأثر التلاميذ بمحيطهم اللغوي المُطَعَّم بكثير من هذه الاستعمالات مثل استعمال بعض الكلمات المذكّرة على أنها مؤنثة أو العكس، وبالتالي الوقوع في الخطأ عند توظيف الضمائر وأسماء الإشارة العائدة إليها وأفعالها مثل كلمة (البيت) و(المنزل) التي شاع استعمالها في العامية على أنها مؤنثة قياسا على كلمة دار. وبنفس العامل يفسر إخفاق التلاميذ في توظيف أسلوب الوصل حيث كان نتيجة تأثرهم بلغة المنشأ؛ لأنّ الاسم الموصول غير موجود في اللهجة العامية بالصورة التي يظهر عليها في الفصحى، فالمتكلم في لغة المنشأ يستعمل اسما موصولا واحدا هو (اللي)، وهو اختصار لـ (الذي)، الذي حذفت منه (الذال) وبقيت (ال)، للدلالة على الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث؛ لأنّ نظام الأسماء الموصولة القائمة في الفصحى بين الإفراد والتثنية والجمع من جهة والتذكير والتأنيث من جهة أخرى قد بسطته اللهجة العامية إلى أقصى الحدود بأن أرجعته إلى اسم موصول واحد هو (اللي) في كل الحالات (أوشيش 2002: 152-153).
-
المناهج التعليمية التي لم تعط فرصة التكامل بين القراءة والكتابة، فهي لا تعلم التلاميذ انطلاقا من النص وظيفة الوحدات النصية مثل الضمائر والأسماء الموصولة وأسماء الإشارة التي تشكل جزءا من الخطاب، ولا تدربهم على توظيفها في وضعيات تواصلية مشابهة للنص المنطلق منه، فغالبا ما تُعلّم هذه الوحدات النصية معزولة عن نصها وانطلاقا من أمثلة مستقلة عن النص المدروس، ومما يؤكد ذلك أنّ معالجة النصوص في الكتب المدرسية « مازالت قائمة على منطق الشكل والمضمون، ويظهر ذلك من خلال تصنيف الأسئلة التي يتم بواسطتها معالجة هذه النصوص إلى أسئلة متعلقة بالبناء الفكري للنص، ثم أسئلة متعلقة بالبناء الفني للنص، فأسئلة البناء اللغوي لهذا النص، بينما يفترض أن تعالج هذه النصوص كأنماط خطاب لغرض وضعية تواصلية معينة وما تتطلبه من موارد لغوية وتعبيرية مناسبة لهذه الوضعية، وما تمتاز به من خصائص ومميزات » (عزوق، كباس ويموني 2006: 15).
4.2. النتائج الخاصة بالمؤشر الثالث: أدوات الربط
يعتبر المؤشر الثالث المتعلق بتوظيف الروابط المؤشر الذي حاز فيه التلاميذ على أقل نسبة تحكم من بين مؤشرات معيار الانسجام الدلالي؛ حيث قدّرت بــ ـ21.43% مقابل نسبة عدم تحكم كبيرة بلغت 78.57%، وتعكس هذه النسبة ضعف قدرة عدد كبير من التلاميذ على اختيار الروابط المناسبة التي تقيم علاقات منطقية بين الجمل والعبارات، وتعمل على تحقيق نص متماسك ومتسلسل الأجزاء يسهل قراءته وفهمه؛ وذلك بسبب خلو نصوصهم من الروابط أو إلى الإخفاق في اختيار المناسبة منها، ونوضح ذلك بالنموذج الآتي الذي يقتصر على توظيف الرابط (و):
« يشرفني أن أطلب من سيادتكم ترحيلنا في أقرب الآجال الممكنة. والحالة التي نعيشها هي صعبة ومزرية ويكاد البيت يتهدم والجدران تكاد تسقط على رؤوسنا وهذا بسبب الأمطار الغزيرة التي تسقط في الأونة الأخيرة ونحن نعيش مرحلة صعبة ونرجو من سيادتكم ترحيلنا في أقرب وقت »
ويبقى الشيء اللاّفت للانتباه هو شيوع استعمال الرابط «و» عند أغلبية التلاميذ، والاقتصار أحيانا على توظيفه دون غيره في كامل النص لتأدية عدة وظائف العطف؛ الربط، التعاقب الزمني، الدلالة على الاختتام...، أما الروابط الأخرى مثل (أو، ثم، بل، كي، لأنّ...) فوردت بنسبة قليلة جدا3، وبالتالي جاءت نصوصهم مفككة دلاليا، ويتعذر في بعض الأحيان فهمها؛ لأن فهم جملة ما في النص مرهون بمعرفة نوع علاقتها بالجمل الأخرى، فإذا غمضت هذه العلاقة بسبب غياب أدوات الربط أو بسبب سوء استخدامها تعذّر معرفة إن كانت جملة ما نتيجة لسابقتها أم سببا لها، تؤكّدها أم تناقضها. معنى هذا أنّ «الأنواع المختلفة من الوصل إذا كانت وظيفتها هي الربط بين الأجزاء المشكّلة للنص، فإن معانيها داخل النص مختلفة، فقد يعني الوصل تارة معلومات مضافة إلى معلومات سابقة أو معلومات مغايرة للسابقة أو معلومات مترتبة عن السابقة إلى غير ذلك من المعاني» (خطابي 2006: 24) ويرجع ذلك إلى:
-
اكتساب التلميذ للرابط (و) في محيطه الاجتماعي قبل دخوله المدرسة وافتقاره لأنواع الروابط الأخرى وجهل معانيها.
-
طريقة تناول النصوص لم تكن وفق المقاربة النصية التي تقتضي تدريب التلاميذ على اكتشاف مظاهر الاتساق والانسجام فيها التي تظهر بحسن اختيار الروابط المناسبة، والتأكيد على أهمية توظيفها في بناء النصوص، وذلك حتى يمتثلها التلاميذ في إنتاجهم الكتابي.
5.2. النتائج الخاصة بالمؤشر الرابع: توافر النص على الأجزاء المكونة له (المقدمة، العرض، الخاتمة) وتسلسلها المنطقي وانسجامها
قدّرت نسبة التلاميذ الذين بلغوا عتبة التحكّم في المؤشّر الرابع الخاص بتوافر النص على عناصر موضوع الخطاب وترابطها من الناحية الدلالية 45.07% وتعكس هذه النسبة قدرة عدد معتبر من التلاميذ الإحاطة بكل الوقائع والأحداث المشكّلة للموضوع وترتيبها ترتيبا منطقيا متسلسلا، مقابل نسبة إخفاق قدرت بـــ 54.74%؛ وتدل على أن هؤلاء التلاميذ الذين تمثلهم هذه النسبة لم يحسنوا التصرف في تنظيم معلوماتهم داخل النص، وفي حسن تقديمها واختتامها؛ وذلك لافتقارهم إلى المنهجية المتسلسلة التي يبنى عليها النص (مقدمة، عرض، خاتمة) والعلاقة التي تربط بين هذه المكونات، لأنّ الرسالة الإدارية كغيرها من الأنماط النصية الأخرى تخضع لخطة محددة تعكس التسلسل الخطي لمختلف الأجزاء والمقاطع المكونة لها، وتشكل هذه الخطة البنية التركيبية التي تضمن للرسالة الإدارية انسجامها النصي (Laurent 2008 :65) ، ومن بين النصوص التي تجسد ذلك النص الآتي:
«يشرّفني سيدي الكريم أن أتقدم لمنحي طلب سكن اجتماعي بسبب الأمطار الغزيرة التي اجتاحت العاصمة
وبهذا نرجو سيدي أن يلقى طلبنا هذا القبول لديكم في القريب العاجل ولكم جزيل الشكر ».
يعكس هذا النموذج الخلل الموجود في نص الخطاب نتيجة افتقاره لصلب الموضوع؛ حيث استهل التلميذ رسالته بمقدمة افتتاحية باستخدام عبارات الافتتاح المعروفة «يشرّفني»، ثم انتقل مباشرة إلى ختم نصه بعبارات الاختتام، وأغفل أو أهمل بذلك الخطوة الجوهرية في إنتاج العمل الكتابي وهو كتابة العرض أو المتن؛ الجزء الذي تطرح فيه المعلومات الأساسية التي يراد إيصالها للمرسل إليه، والغرض الرئيسي من الرسالة استجابة للوضعية التواصلية، وهذا ما أخلّ بانسجام الخطاب. ومن النماذج التي تبرز إخفاق التلاميذ في تحقيق هذا المؤشر أيضا هذا النص الذي يستهل فيه التلميذ رسالته بالدخول في الموضوع مباشرة دون أي تقديم أو تمهيد يُهيِّئ به ذهن المخاطب لموضوع الرسالة؛ لغياب معرفته بأهمية كتابة المقدمة في العمل الكتابي.
«أخبرك عن حالتي الاجتماعية المزرية التي أعيشها، خاصة بعد تعرّض منزلي جراء سوء الأحوال الجوية وسقوط الأمطار الغزيرة التي أدت إلى تشققات في جدران منزلي مع انهيار بعض الأجزاء منه، حيث أصبحت أنا وعائلتي في خطر قد يؤدي بحياة أحدنا، لأن المنزل يوشك على الانهيار، وخاصة أن هذا المنزل قديم جدا فنحن نسكن فيه منذ أكثر من 50 سنة، كما أننا نعيش في رطوبة والبرد القارص مما سبب مرضنا بالربو.
في انتظار ردكم أرجوا أن تأخذوا رسالتي هذه بعين الاعتبار».
ونفسر عدم تحقيق التلاميذ لهذا المؤشر بقلة تدريبهم على كيفية تخطيط الموضوع وتنظيم الأفكار، وعدم تعليمهم خطوات إنتاج العمل الكتابي الذي يضم ثلاثة محاور رئيسية متناسقة هي: التقديم، العرض، الخاتمة، ولهذا جاءت كتاباتهم ناقصة وغير تامة رغم أن اكتمال النص هو أحد المقومات الأساسية التي تقوم عليها كل المقاربات التعليمية. فمهما كان نمط النص الذي يحرره الكاتب، فإنه لا بد أن يرسم لذلك خطة محددة ومنهجية منطقية واضحة المعالم تبدأ من نقطة ما وتنتهي إلى نتيجة وخاتمة، فالنص الذي لا يختتم مثلا يفقد الكثير من انسجامه ولا يستطيع متلقيه أن يدرك بوضوح غايته. هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك نصوص تتوافر على كل أجزائها، ولكنها غير مناسبة وغير منسجمة مع الموضوع المطلوب. ومن النماذج التي تمثل ذلك هذا النص:
« يشرّفني أن أطلب من حضرتكم الموقرة النظر وتدخل مصالحكم في الوضع الذي آل إليه المحيط العمراني من تشقق الجدران انقطاع مستمر في الماء والكهرباء بعد الكوارث الإيكولوجية التي حدثت بالبلاد.
وقد بدأت المساحات الخضراء تتأثر وتتقلص وعدد كبير من الأشجار التي ماتت، الأمر الذي ينبئ بخطر لا نخال أنكم لا تقدرون عواقبه الوخيمة.
وعليه نرجو من سيادتكم الإسراع في إبلاغ الأوامر إلى المصالح المعنية، لاصلاح العطب قبل حدوث كارثة صحية وإيكولوجية».
6.2. النتائج الخاصة بالمؤشر الخامس: استعمال مفردات دقيقة
بلغت نسبة التلاميذ الذين استطاعوا أن يختاروا من معجمهم الإفرادي كلمات دقيقة ملائمة للمعنى المقصود ولنمط النص المطلوب 38.92%، وهي نسبة قليلة إذا قورنت بنسبة التلاميذ الذين لم يتمكنوا من ذلك، والتي قدرت بـ 61.08% نتيجة عجزهم عن استحضار المفردة المحددة المناسبة لسياق النص؛ ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى ضآلة المحصول اللغوي من المفردات لديهم، الأمر الذي يدفع بهم إلى استعمال مفردة مشابهة لها؛ أي تنتمي إلى نفس الحقل الدلالي توهُّما منهم بأنّ المفردة لها دلالة واحدة صالحة لكل السياقات، أو يلجأون مباشرة إلى توظيف كلمة من لغة منشئهم؛ مما يؤثر على دلالة الخطاب اللغوي المكتوب، ولعل من الأسباب التي أدت إلى ذلك الفصل التام بين لغة التلميذ (العامية) ولغة المدرسة وقلة المطالعة. وما يمثل ذلك النماذج الآتية:
-
«لأننا في حلة يرثى لها ربما تأتي شتاء قليلة الغزارة ينهار المنزل».
-
«نعيش حياة سوداء من كثرة البرد القارس والشتاء التي لم تتوقف أبدا حتى الآن».
-
«يشرفني أن أطلب من سيادتكم التدخل لخدمة منزلي الذي تعرض للتشقق»
-
«نرجو من حضرتكم تقدير وتحسين ظروفنا بترميم المنزل وخدمته في أقرب الآجال ».
-
« فأرجو من سيادتكم الموقرة أن تساهموا في مساعدتنا في أقرب وقت ممكن لأننا حقا نعيش في ميزيرية ».
-
« وتسببت (أي الأمطار) في تحطيم أنابيب المياه والغاز وتمزيق الكابلات الكهربائية ».
-
« بعد مرور الأمطار الغازيرة السابق بدأت الجدران تنفش وبلاط منزلي يتشقق ».
-
« وهذه ليست ظروف لعائلة مزدحمة مثلنا ».
-
« أتمنى أن تقبلوا مني هذا العرض ».
-
« فقد تسللت مياه الأمطار إلى داخله (أي المنزل) وتشققت جدرانه ».
بالنسبة للعبارات (1، 2، 3، 4) نلاحظ أنّ التلاميذ وظّفوا المفردات المشتركة بين اللهجة العامية والفصحى بنفس الدلالة التي تحملها في العامية؛ حيث استخدموا كلمة (شتاء) للدلالة على المطر و(الخدمة) للدلالة على العمل، مع أنّ هذه المفردات لها دلالات أخرى في الفصحى غير هذه؛ فإذا أخذنا على سبيل المثال كلمة (الشتاء) نجد أنها تعني فصلا من فصول السنة، وقد وظّفها التلميذ بالدلالة التي تحملها في العامية وهي المطر الذي يرتبط سقوطه غالبا بفصل الشتاء.
ويعود السبب في ارتكاب هذا النوع من الأخطاء إلى احتمال واحد هو تأثر التلاميذ بلغة منشئهم، أين يشيع استعمال المفردات الفصيحة التي لحقها بعض مظاهر التطور الدلالي كتعميم الخاص (مثل كلمة القراءة التي تستعمل في اللهجة العامية للدلالة على الدراسة والتعلّم) أو تخصيص العام وتضييقه مثلما لاحظناه بالنسبة لكلمة (الشتاء). أما بالنسبة للأمثلة (5، 6، 7) فلم يكلف التلاميذ أنفسهم جهدا لإيجاد المفردة المعبرة عن المقصود؛ إذ لجأوا مباشرة إلى مستواهم العامي المألوف لديهم ليختاروا ما يؤدي المعنى المقصود فوظّفوا كلمة (ميزيرية) المشتقة من الكلمة الفرنسية (misère) للدلالة على الوضعية المزرية التي يعيشونها بالبيت، وكلمة (كابلات) المشتقة من الفرنسية (Câbles) وكلمة (تنفش) بمعنى تتلاشى.
ولقد وظّف التلاميذ أيضا في العبارات (8، 9، 10) مفردات فصيحة ولكنها غير ملائمة للسياق الذي وردت فيه، بحيث لا تؤدي المعنى المقصود حيث استعملوا كلمة (مزدحمة) للدلالة على كبيرة، (العرض) للدلالة على الطلب، (تسللت) عوض (تسربت).
ويمكن أن نرد إخفاق التلاميذ في توظيف المفردات الدقيقة المعبّرة عن الموضوع عموما بضعف رصيدهم اللغوي من المفردات الناتج عن قلة المطالعة ونقص الممارسة اللغوية وقلّة احتكاكهم بهذا النوع من النصوص.
3. عرض نتائج الدراسة وتقديم المقترحات
1.3. عرض نتائج الدراسة
-
لقد بيّنت لنا النتائج التي توصلنا إليها من خلال النسب والأرقام المحصّل عليها أنّ أغلبية التلاميذ لم يتمكنوا من تحقيق كفاءة تحرير نص وظيفي مترابط منسجم دلاليا؛ إذ لم يتمكنوا من بلوغ عتبة التحكّم في أيّ مؤشّر من مؤشرات التقييم الخمسة، إذا استثنينا المؤشر الثاني الخاص بالإحالات والعلاقات العائدية؛ أين حقق عدد معتبر من التلاميذ نسبة نجاح تقارب الخمسين بالمئة؛ وهذا نتيجة لعدم تحكمهم في آليات تشكيل النص بتوظيف العناصر التي تراعي تناسقه وانسجامه. وقد يرجع ذلك إلى عدة عوامل هذه أهمها.
-
استراتيجية تعليم التواصل المكتوب: رغم المكانة التي أعطتها المناهج التعليمية لكفاءة التحرير إلا أنّ استراتيجية تعليم هذه المهارة تركز على المنتوج النهائي للمتعلم دون أن تعلّمه العمليات الكتابية التي تؤدي إلى هذا المنتوج، فهي تطالبه بإنتاج نص دون أن تدرّبه على الكيفية التي ينتج بها هذا النص، أو الخطوات التي ينبغي المرور بها للوصول إلى ذلك بدءا من تخطيط الموضوع إلى تصحيحه ونشره، ودون تدريبه على ممارسة كل خطوة أو مرحلة. وفي غياب هذا التصور تضيع الفرصة لبناء القدرة على التحرير بشكل نظامي متدرج. وهذا ما جعل التلاميذ يكتبون نصوصهم دون أي تخطيط أو منهجية، فيتعثرون في اختيار المفردات الدقيقة وإيجاد الأفكار المناسبة والتعبير عنها بلغة سليمة وتنظيمها في تسلسل منطقي,
-
طريقة تقويم كتابات التلاميذ: لاحظنا من خلال المعاينة الميدانية أن الجوانب التي يمسها تقييم كتابات التلاميذ وتقويمها لا تتعدى سلامة اللغة والتركيب. أما الجوانب النصية الأخرى كاحترام التعليمة والتخطيط وتطور الأفكار والمعاني التي تحملها هذه الأفكار، والمفردات، والانسجام والربط، والالتزام بنمط النص المطلوب، وبناء الفقرات، واحترام قواعد الترقيم، إلخ، فلا أثر لها يذكر أثناء التصحيح، وقد يرجع السبب في ذلك إلى غياب معايير التقييم وتقنياته وإجراءاته العملية؛ فالشبكات التي ينبغي أن يؤسس عليها تقييم كتابات التلاميذ لم تدرج في الكتاب المدرسي إلا في بداية السنة الثالثة من التعليم المتوسط على شكل تقييم ذاتي رغم النصّ على ضرورة استخدامها في المناهج التعليمية، وتتم عملية التصحيح والتقويم مثلما لاحظنا بكتابة نص من النصوص التي أنتجها التلاميذ على السبورة؛ قراءته واستخراج الجمل الخاطئة فيه، تسجيلها على السبورة بخطئها، تعيين نوع الخطأ (لغوي، نحوي، تعبيري)، وشرحه ثم تصويبه باسترجاع ما درس. وتتبع نفس المراحل لتصحيح بقية الأخطاء، ثم توزع المواضيع على التلاميذ لإجراء التصحيحات الذاتية تحت مراقبة المعلم، ولكن نظرا لضيق الوقت وكثرة عدد التلاميذ في القسم تبدأ التصحيحات الذاتية في القسم لتكمل في المنزل وقد يغفل التلاميذ ذلك.
-
غياب الانسجام بين نشاط القراءة والكتابة في الوحدة التعليمية: رغم تأكيد المختصين في التربية والتعليم على الاهتمام في تعليم اللغة بكفاءاتها الأربع من استماع وتحدث وقراءة وكتابة والحرص على تكاملها؛ لأنّ تنمية كفاءة لغوية يعد تنمية للكفاءات الأخرى إلاّ أن ما لاحظناه ونحن نتصفح الكتب المدرسية الخاصة بسنوات التعليم المتوسط يعكس غير ذلك، فلقد ثبت أنّ هناك تباينا في مختلف الوحدات التعليمية بين نشاط التحرير المبرمج في نهاية الوحدة لتعليم تقنية من تقنيات التحرير وبين نصوص القراءة التي يفترض أن تكون روافدَ له؛ إذ لم تتخذ النصوص الواردة في الكتب المدرسية سندا لممارسة هذا النشاط، وهذا يتعارض مع مبادئ المقاربة النصية التي تدعو إلى استخلاص التقنيات التحريرية من النماذج التي جاءت وفقها نصوص القراءة. فإذا كان نص القراءة المبرمج في الوحدة التعليمية لا يتوافق في بنائه وهيكله مع التقنية التحريرية المراد تعليمها للتلاميذ، فلماذا برمج هذا النص مع تلك التقنية في وحدة تعليمية واحدة، ثم كيف نطالب المتعلم بإنتاج نمط من الأنماط النصية دون أن نطلعه على نماذج مماثلة له ليحتذي بها وينسج على منوالها، ومرجع ذلك هو هيكلة الوحدات التدريسية حسب الموضوعات بدلا من الكفاءات المستهدفة.
2.3. تقديم المقترحات
وفي ضوء هذه النتائج نقدم المقترحات الآتية:
-
تحقيق التوافق والانسجام بين نشاط القراءة ونشاط الكتابة تطبيقا للمقاربة النصية؛ بالتركيز في البداية على إكساب التلاميذ استراتيجيات قراءة مختلف أنواع النصوص المتصلة بحياتهم العملية وتحليلها قصد استخراج خاصياتها وسياقات كتابتها وكيفية نسجها وبنائها للوصول تدريجيا إلى إنتاج أنماط مماثلة لها؛ لأنّ قدرة الإنتاج تتوقف على قدرة التلقي؛ وذلك بالاطلاع على نمط النص في المرحلة الأولى، ثم تحليله وتفكيكه في المرحلة الثانية لاستكشاف أنساقه البنائية، ودراسته من كل النواحي التداولية واللغوية والتركيبية والدلالية، وممارسته في المرحلة الثالثة، والاهتمام أكثر بتعليم القواعد النصية (أساليب الإضمار، والوصل والإشارة) التي تعمل على إكساب التلاميذ كفاءة إنتاج خطابات مترابطة ومنسجمة ومحكمة البناء، وتدريبهم على كيفية توظيفها أثناء التحرير انطلاقا من النص، « فالاكتفاء (كما يقول الأستاذ عبد الرحمان الحاج صالح) في تعليم العربية بجانب السلامة اللغوية؛ أي بجعل الطالب قادرا على تطبيق القواعد النحوية وحدها دون مراعاة ما تستلزمه عملية الخطاب؛ أي دون القواعد البلاغية هو تعليم ناقص (....) لأنّ الملكة اللغوية بكاملها وفي جملتها هي مهارة التصرف في بنى اللغة بما يقتضيه حال الحديث؛ أي القدرة على التبليغ الفعال بما تواضع عليه أهل اللغة » (الحاج صالح 2007: 184). ونظرا لأهمية هذا الجانب في الإنتاج الكتابي يحث أهل الاختصاص على ضرورة إدراج الانسجام النصي أو الأساليب النصية ضمن معايير تقييم كفاءة التواصل المكتوب.(Carbonneau et Préfontaine 2005 :78-81).
-
إدراج كل الأنماط والأنواع النصية الوظيفية التي تعبّر عن واقع المتعلم المعيش ضمن السندات التعليمية التي تحقق أهداف الوحدات التعليمية بمراعاة مستوى التلاميذ المعرفي والذهني، وبالاحتكام إلى مقاييس اختيار النصوص المراد إنتاجها (Beacco 2007: 227-228)، وتعويدهم على قراءتها واستنباط خصائصها وتمثّل بنيتها والتدريب على كتابة نصوص على منوالها، دون إهمال بطبيعة الحال النماذج الراقية من النصوص التي تكسب التلاميذ أساليب عربية فصيحة؛ لأنّ « الطفل إن لم يطلع مبكّرا على ما كتبه الأدباء والعلماء بشيء كثير من التقريب إلى ذهنه ومراعاة مداركه فتبقى لغته فقيرة ذات خصاصة مهولة وبالتالي مستواه الثقافي أيضا... » (الحاج صالح 2007: 6) وعليه ينبغي على واضعي الكتب اللغوية المدرسية التنويع في النصوص بمراعاة المستويين معا؛ مستوى تستلزمه الحياة اليومية ومستوى يخص الخطاب الأدبي.
-
تطبيق نموذج أو مدخل المراحل الخمس في تعليم الكتابة الذي يتأسس على تعليم التلميذ على مدار العام الدراسي الخطوات أو العمليات التي تؤدي إلى تحرير نمط النص المطلوب؛ لأنّ تحرير النص « لا يقتصر على إنتاج بنى لغوية ملائمة فقط وإنما يتعدى ذلك إلى تحقيق سلسلة من الإجراءات العملية التي ينبغي القيام بها قبل وأثناء وبعد عملية الكتابة » (Buridant et Bunjevac 1994: 53) وهي عمليات (التخطيط والبناء والمراجعة والتصحيح)، وتدريب التلاميذ على مهارات كل عملية أو مرحلة بنشاطات مناسبة، والتركيز على عملية التخطيط باعتبارها أهم خطوة في نشاط الكتابة، وينبغي هنا تنمية وعي التلاميذ والمعلم بأهمية توظيف هذا المدخل في تعليم الكتابة وتعلمها بوصفه أسلوبا يساعد على تنمية القدرة على التحرير لدى المتعلم، وتدريب المعلمين على استخدام هذا الأسلوب الحديث أثناء ممارستهم التعليمية، والاستفادة من الدراسات التجريبية التي حاولت تطبيقه على عينة من تلاميذ المرحلة المتوسطة، وأثبتت فاعليته في تنمية مهارة الكتابة لديهم4.
خاتمة
سعت هذه الدراسة إلى كشف مدى قدرة تلاميذ المرحلة المتوسطة، بعد مرحلة تعلمية معينة على تحرير نص قصير منسجم دلاليا في وضعية من وضعيات الكتابة الوظيفية؛ وذلك من خلال دراسة إنتاجات التلاميذ الكتابية وتحليلها تحليلا علميا وفق خمسة مؤشرات التقييم تتعلق بمعيار الترابط والانسجام الدلالي هي: ملاءمة الأفكار أو المعلومات الواردة لموضوع النص وانسجامها، الانسجام الدلالي بين الجمل في النص (الإحالات والعلاقات العائدية)، الربط بين الجمل في النص، الانسجام بين الأجزاء المكونة للنص، توظيف مفردات دقيقة ملائمة لنمط النص ونوعه؛ حيث حددنا درجة تحقق المعيار أو عدم تحقّقه لدى كل تلميذ بالنسبة لكل مؤشر.
ولقد أظهرت لنا نتائج التحليل الإحصائي أنّ أغلبية التلاميذ لم يتخطوا عتبة التحكّم في أي مؤشر من مؤشرات التقييم المعتمدة، مما يدل على أنّ كفاءتهم في تحرير نص مترابط ومنسج دلاليا لا تزال محدودة، فهي تحتاج إلى دعم وبناء وتطوير وتمرّس.