الانزياحات الدلالية في الترجمة: نزوح عن الأصل أم خضوع لمواضعات اللغة الهدف

Les glissements sémantiques en traduction : s›écarter de la langue originale ou refléter les normes de la langue cible

(Semantic Shifts in Translation: deviating from the original language or reflecting the norms of the target language )

فاطمة الزهراء النباتي

فاطمة الزهراء النباتي, « الانزياحات الدلالية في الترجمة: نزوح عن الأصل أم خضوع لمواضعات اللغة الهدف », Aleph [], 9 (3) | 2022, 29 April 2022, 23 November 2024. URL : https://aleph.edinum.org/3848

تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على ظاهرة الانزياح الدلالي في الترجمة وذلك بالإشارة إلى العلاقة بين الانزياح الدلالي والترجمة من خلال رصد وتحليل بعض العلاقات الدلالية التي تتطلب ترجمتها النزوح عن الحرفية التي تفسد المعنى ولا تؤدي الوظيفة التواصلية للترجمة كما هو الحال بالنسبة لترجمة المتلازمات اللفظية من تعابير اصطلاحية وأقوال مأثورة وغيرها؛ وكذلك بعض العلاقات الدلالية الأخرى كترجمة التعابير المجازية. وتعد هذه الانزياحات في الكثير من الأحيان إجبارية، فهي تفرض نفسها على المترجم ولا تترك له مجالا للاختيار لأنها تنطلق من سمات ثابتة لا يمكن التصرف فيها.

La présente étude vise à étudier les écarts sémantiques en traduction en étudiant la relation entre le glissement sémantique et la traduction à travers l’analyse de quelques relations sémantiques qui ne peuvent être traduites littéralement comme les expressions figées. Ces écarts sont dans la plupart des fois obligatoires car ils relèvent des contraintes de l’écriture de la langue cible.

This study tackles the issue of translation shifts shedding light on the relationship between semantic shift and translation through the analysis of some semantic relations that cannot be literally rendered in the target language such as idiomatic expressions. Such shifts are most of the time compulsory since they reflect the norms and rules of the target language.

مقدمة

تقوم الترجمة بدور أساسي وفعال في عملية التواصل الحضاري بين مختلف الشعوب والثقافات، فهي ذاك الجسر الرابط بين الشعوب لتجسيد عملية التلاقح الثقافي بين شكلين مختلفين من أشكال النشاط الفكري. وتتمخض الترجمة عن رغبة الفرد الجامحة في التفتح على الآخر لتجسيد أواصر التعارف والتآلف، فيغترف كل من معارف الآخر وأفكاره وإبداعاته ليستمتع بها ثم يستفيد منها ويفيد بها غيره. ولهذا أضحت الترجمة ضرورة لا تتوانى الحضارات في تبنيها والقيام بها.

وتعد الترجمة بين لغتين مختلفتين (أو ما يطلق عليه جاكبسون ’la traduction interlinguale’)، مجالا خصبا انتعشت في رحمه دراسات متعددة سلطت الضوء على طرق الإحاطة بالمعنى لاستكناهه وتأويله ومن ثمة، تفريغه في قالب النص الهدف للحصول على نتاج ترجمي يجمع بين الجودة والأمانة.

فقد أضحى هاجس الجودة والأمانة يسيطر على المترجم ليحمله عناء تبليغ الرسالة وتقديم مضمونها إلى المتلقي في أجمل حلة. وهي الحلة التي تحافظ على جسد النص الأصلي، أي: معناه، لكنها تكسوه بثوب اللغة الهدف البهي، الذي يخيطه المترجم من أقمشته هذه الأخيرة وأنسجتها المتينة لتلتف بالمعنى وتحافظ عليه. ولكن بقدر الوفاء الذي يريد المترجم أن يتمتع به، إلا أنه يواجه قرارات حرجة، باعتباره وسيطا بين نصين يختلفان من حيث المرجعية اللسانية والأسلوبية والثقافية. وعليه، فقد بات لزاما عليه الخضوع لمواضعات كل لغة.

وهذا لا يتأتى إلا إذا كان المترجم متمكنا من اللغتين المترجم منها وإليها حتى لا يبق حبيس الترجمة الحرفية التي عادة ما تجر في أذيالها آثارا وخيمة لا يمكن تجاوزها أو غض الطرف عنها لأنها تسيء إلى قوانين اللغة الهدف، فتستقبح الترجمة ويسحب البساط من تحت المترجم.

وفي سبيل النجاة من الآثار السلبية للترجمة الحرفية والخروج بالنص إلى بر الأمان، فإن المترجم الجيد هو الذي يكون قادرا على تكسير حواجز المعيار وتخطيها، وذلك بمهاودة اللغة وترويضها حتى وإن اضطر إلى الانحراف على مستويات متباينة تنطلق من الكلمة لتصل إلى النص باعتباره أكبر وحدة ترجمية. وإن هذه المراوغة الأليفة من قبل المترجم، ليس المقصود بها التميز والتفرد، وإنما تهدف إلى الكشف عن التباين والاختلاف بين نسقين لغويين وضعتهما الترجمة في موضع احتكاك وتداخل. ولعل هذا الاختلاف والتباين هو الذي يجسد مبدأ الانزياح الذي تقوم عليه العملية الترجمية بغية الحصول على نصوص منسجمة ومتسقة تحافظ على المعنى وتحترم المواضعات اللغوية.

ومن هذا المنطلق، نسعى في هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على إشكالية الانزياحات الدلالية التي تفرض نفسها أمام المترجم للإجابة على التساؤلات الآتية :

  • ما المقصود بالانزياح الدلالي وكيف يتمظهر في العملية الترجمية؟

  • هل يعد الانزياح الدلالي في الترجمة إجباريا تفرضه القوانين اللغوية أم هو اختياري؟

للإجابة عن هذه الأسئلة سنتبع منهجا تحليليا مقارنا لأن الترجمة تقتضي العمل على أنساق لغوية مختلفة، نتطرق من خلاله إلى توضيح العلاقة بين الانزياح الدلالي والترجمة والإشارة إلى بعض العناصر الدلالية التي لا تترك للمترجم خيارا لأنها تنطلق من سمات ثابتة لا يمكن التصرف فيها.

1. الانزياح الدلالي والترجمة

لعل أبسط تعريف للانزياح الدلالي ما ورد في معجم اللسانيات لجان ديبوا (Jean Dubois)، حيث1 :

« Le glissement (ou changement) de sens est un processus de dérivation implicite ; il consiste à faire passer un mot dans une autre catégorie sans changement de forme (recatégorisation)”

يتمثل الانزياح أو التغير الدلالي في عملية الاشتقاق الضمني. وتكمن هذه العملية في الانتقال بكلمة من صنف إلى صنف آخر دون تغيير شكل هذه الكلمة. ويضيف ديبوا بأن النحو التقليدي يعتبر هذه الظاهرة اشتقاقا غير صحيح، ويحدده من خلال بعض الحالات الكثيرة الورود مثل استعمال صيغة المصدر أو الصفة في وظيفة اسم. ومن أمثلة ذلك نجد: المأكل والمشرب (le manger et le boire) والحلو والمر (le doux et l’amer). فقد استعملت صيغة الفعلين (manger et boire)، والصفتين (doux et amer) في محل الاسم.

هذا فيما يخص الانزياح الدلالي من منظور لساني محض، أما الانزياح الدلالي الذي سنتحدث عنه من منظور ترجمي، فيتعلق بالمعنى المراد تبليغه من خلال عملية الترجمة. لأن المترجم وهو يترجم يحاول بذل ما بوسعه للحفاظ على المعنى ونقله كما هو، لكن عملية نقل المعنى ليست بالسهلة أو المباشرة، لذلك فإن المترجم مطالب بالقيام ببعض التطويعات الدلالية حتى يتسنى له تقديمه في أحسن صورة.

وهذه التطويعات الدلالية هي ما نطلق عليه اسم الانزياحات الدلالية، وهي تطويعات تكون إما إجبارية أو اختيارية. أما الإجبارية فتفرضها الاختلافات اللغوية والأسلوبية والثقافية بين اللغتين. وتتمثل الانزياحات الاختيارية في تلك الرتوش التي يضيفها المترجم لتنميق المعنى. وتتخذ الانزياحات الدلالية في مجال الترجمة عدة أشكال، سنحاول التطرق إليها من زاويتين أسايتين هما: المتلازمات اللفظية والعلاقات الدلالية التوزيعية.

2. أنواع الانزياحات الدلالية في الترجمة

1.2. المتلازمات اللفظية

يعرف كريستال المتلازمات اللفظية بأنها مجموعة من المفردات المعجمية التي ترد مع بعضها البعض بشكل دائم وثابت،  »The habitual co-occurrence of individual lexical items.« 2

ويعرفها ميشال بالار بأنها تلك العلاقات المتميزة بترتيبها الدلالي والتي تتأسس بين كلمات تنتمي إلى أصناف نحوية مختلفة.

« …les relations privilégiées d’ordre sémantique que des mots appartenant à des catégories grammaticales différentes entretiennent entre eux. »1

نستخلص مما سبق أن المتلازمات اللفظية هي كل تجمع لفظي يتكون من لفظتين أو أكثر وتتميز بالثبات أثناء ورودها في الاستعمال اللغوي، إذ لا يمكن استبدال لفظة بلفظة أخرى حتى لا يفسد المعنى. والمتلازمات اللفظية كما سنتحدث عنها تشتمل على عدة أصناف منها:  التعابير الاصطلاحية، الأقوال المأثورة، الخ.

ويرى نيومارك بأن المتلازمات اللفظية تشكل عاملا سياقيا مهما بالنسبة للمترجم، ويقسمها إلى ثلاث فئات رئيسية حسب تركيبها القواعدي2 :

1..صفة + اسم (adjective+noun) : ومن أمثلة ذلك نجد :

فرنسية

انجليزية

عربية

Travail musculaire

Heavy labour

أشغال شاقة

Situation économique

Economic situation

وضع اقتصادي

Poids net

Net weight

وزن صافي

يترجم هذا النوع من المتلازمات بمتلازمات مطابقة، ويوجد في أغلب الأحيان مطابقات تتكون من اسم + صفة في اللغة العربية.

  1. اسم + اسم (noun+noun) : ومن أمثلة ذلك :

انجليزية

فرنسية

عربية

Nerve cell

Cellule nerveuse

خلية أعصاب

Eye-witness

Témoin oculaire

شاهد عيان

نلاحظ من خلال المثالين أن المتلازمات المتكونة من (اسم+اسم) لها مطابقات من نفس التركيب القواعدي في اللغة العربية. إلا أنه في الفرنسية تقابلها متلازمات متكونة من (اسم+ صفة) وقد توجد هذه الحالة أيضا في اللغة العربية. إذ يمكن ترجمة (nerve cell) بخلية عصبية.

  1. فعل + مفعول به (verb+object) : مثل :

عربية

فرنسية

انجليزية

يحضر محتضرة

Suivre une conférence

Attend a lecture

يحرز انتصارا

Remporter une victoire

Score a victory

يقوم بزيارة

Faire une visite

Pay a visit

يوجد في الغالب الأعم متلازمات لها المطابقات القواعدية نفسها في العربية أي (فعل + مفعول به)، كما جاء في المثالين (1) و(2). لكن هذه القاعدة ليست عامة، إذ يوجد بعض الاستثناءات كما في المثال الأخير الذي ترجم بفعل متبوع بجار ومجرور (يقوم بزيارة). وعليه، فإن هذا النوع من المتلازمات يحتاج إلى الدقة والتركيز في اختيار الأفعال الصحيحة في العربية.

هذا فيما يخص المتلازمات اللفظية الشائعة وتراكيبها القواعدية؛ أما المتلازمات اللفظية الثابتة فتطرح إشكالا وصعوبة خاصة في الترجمة إلى العربية، مما يجعل الانزياح الدلالي أمرا إجباريا لتبليغ المعنى. وتصب هذه المتلازمات في إطار المتلازمات الخاصة وهي كالآتي3 :

2.2.التعابير الاصطلاحية (idiomatic expressions) :

هي ثلاثة أنواع :

1. ثنائيات إسمية غير معكوسة/ تعابير اصطلاحية مركبة مثل

عربية

انجليزية

جديد كل الجدة

Spick and span

رأسا على عقب

Head over heals

شخص عظيم الشأن

Big shot

إذا حاولنا ترجمة هذه التعابير ترجمة حرفية فإن المعنى سيفسد كليا لأنه غير موجود في الحرفية. لذلك يجب على المترجم الاهتمام والبحث في معنى التعابير الاصطلاحية حتى يجد المكافئ الصحيح.

  1. تعابير اصطلاحية كاملة مثل:

الترجمة العربية

المثال

يساوره الشك

To smell a rat

يعطى شيئا دون مقابل

To hand something on a silver platter

يعيش في التقتير

Tirer le diable par la queue

يلقي مسؤولية أمر على عاتق شخص

Mettre quelque chose sur le dos de quelqu’un

بالرغم من أنه لا يوجد مطابقات حرفية لهذه المتلازمات على مستوى الكلمات، إلا أن لها مكافئات ترجمية معنوية في العربية، خاصة وأن المعاجم الجديدة قد خصت مثل هذه العبارات بالاهتمام. فقد يجد المترجم بعض هذه المكافئات دون أن يبذل جهدا كبيرا كما في المثال الأخير.

  1. العبارات شبه الاصطلاحية

المثال

الترجمة العربية

Dead drunk

ثمل، سكران بات

A fat salary

راتب ضخم

Deep wound

جرح بليغ

لا يمكن أن تتم ترجمة هذا النوع من المتلازمات دون حدوث انزياح دلالي، إذ يجب الاهتمام بالمعنى ثم طرحه بعبارات محكمة سليمة في العربية.

3.2. الأقوال المأثورة 

أمثلة ذلك

الترجمة العربية

المثال

يعمل من الحبة قبة

To make a mountain out of a mole hill

إنما تعرف الشجرة من ثمارها

A tree is known by its fruit

مصائب قوم عند قوم فوائد

Le Malheur des uns fait le Bonheur des autres

عصفور في اليد خير من اثنين فوق الشجرة

Un tient vaut mieux que deux tu l’auras

يجب على المترجم أن يكون حريصا أثناء ترجمة الأقوال المأثورة لأن البعد الثقافي لهذه المتلازمات يجعل من الترجمة الحرفية عملية خاطئة. هذا وتوجد العديد من الأمثال التي لها مطابقات في العربية كما في الأمثلة مع ضرورة القيام ببعض الانزياحات لتكييفها واللغة العربية كما في المثال الأول.

كما توجد بعض المتلازمات اللفظية التي أصبح استعمالها شائعا مثل العبارات المختزلة (stock phrases) كعبارة (when all is said and done) والتي يقابلها في العربية (عندما ينتهي كل شيء)؛ أو عبارة ( a recipe for disaster) والتي تترجم بـ (طريق الهاوية). وكذلك التشبيهات الاصطلاحية (idiomatic similes) مثل (as old as the hills) التي تترجم بـ (قديم قدم التاريخ)، أو عبارة (as cunning as a fox) والتي يقابلها في العربية (ماكر مكر الثعلب). ناهيك عن المتلازمات اللفظية الأخرى التي أصبحت مألوفة لدى المترجم مثل العبارات اللفظية المألوفة، والصيغ الاجتماعية والاستهلاليات، الخ.

يمكننا القول بأن المتلازمات اللفظية بأنواعها المختلفة تشكل عقبة تعترض سبيل المترجم لأنها لا تقبل الفهم المباشر أو الترجمة الحرفية. فهي تستدعي من المترجم أن يستكنه المعنى في شموليته العباراتية، ولا يعتمد فقط على فهم كل لفظة على حدا. كما يجب مراعاة الأثر المتوخى من هذه المتلازمات للحفاظ عليه في الترجمة مثل ترجمة الأقوال المأثورة مثلا. بالإضافة إلى الحفاظ على الجوانب الأسلوبية، والسياقية، والمجازية والتصريحية، مع الحفاظ على المعنى المراد تبليغه.

3. العلاقات الدلالية الاستبدالية

تتمثل العلاقات الدلالية الاستبدالية في العلاقات التي تدخل في تحليل المعنى على مستوى وحدات تشكل مجموعة من الكلمات والتعابير المهمة التي تربط بينها هذه العلاقات. كما تقوم هذه العلاقات أيضا بتنظيم المفردات داخل ملفوظ يحمل معنى. ويمكن تقسيم هذه العلاقات إلى ثلاث فئات هي: الترادف، وعلاقات الشمول والكناية والاستعارة.

1.3.الترادف (synonymy)

 يحظى الترادف بأهمية كبيرة في الدراسات الترجمية، إذ يعتبره بالدينجر» (Baldinger) مفهوما أساسيا وضروريا في الترجمة :  Translation is nothing than a problem of synonymy 1 «معنى ذلك أن الترجمة ليست سوى مسألة ترادف. فالمترجم يحاول تحليل معنى الوحدات المعجمية للغة المصدر قبل أن يجد لها مكافئات في اللغة الهدف، لأن التداخل الثقافي بالإضافة إلى اختلاف اللغات يزيد من صعوبة الحسم في هذه الوحدات نظرا لوجود وحدات مترادفة لكن لا تحمل شيات المعنى نفسها.

فقد نجد مترادفات كثيرة بين لغتين لكن أثناء الترجمة قد تطرح هذه المترادفات صعوبة في الفهم أو لا توصل المعنى بالطريقة التي نريدها. فالمعنى يحلل وفق عوامل مختلفة منها العوامل الرسمية والعادية والمشتركة. فإذا أخذنا على سبيل المثال الفعل (to commit)، فإن مرادفه في العربية هو يرتكب كأن نقول مثلا (to commit a mistake)، أي : يرتكب خطأ لكن هذا المرادف لا يستعمل كثيرا، إذ نقول يقترف خطأ ونقول يرتكب جريمة (to commit a crime) ويرتكب الزنا (to commit adultery).

وإن الأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة مثل الفعل (faire) الذي يرادفه في العربية (يفعل أو يصنع)، فإذا ترجمنا الجملة (faire une robe) إلى العربية لا نقول (يصنع أو يفعل فستانا) وإنما (يخيط فستانا). وبالتالي فإن العلاقات التي تتحقق عن طريق الترادف قد تصيب أحيانا ولكن على المترجم أن يحترس من الفخ الذي قد توقعه فيه هذه المترادفات لأنها لا تصيب دائما، وهذا ما يوضحه المثال. فالمعنى لا يتحقق إلا بواسطة تلك الانزياحات الدلالية التي يجد المترجم نفسه مجبرا على اللجوء إليها لتجاوز الثغرات الدلالية.

ويحضرنا في هذا السياق قول جاكبسون : «Wherever there is deficiency, terminology may be qualified and amplified by loan words or loan translations or semantic shifts and finally, by circumlocutions» 1 معنى ذلك أنه متى وجد خلل في الترجمة، فإن المصطلحات ستعدل وتوسع بواسطة الكلمات المقترضة أو الترجمات المقترضة أو الانزياحات الدلالية وكذا الاطناب. وعليه، يجب على المترجم التعامل مع المترادفات بحذر واحتراس؛ فيحافظ على مقابلاتها متى أدت المعنى وينزاح عنها متى أحدثت اللبس وأفسدت المعنى المتوخى.

2.3. علاقات الشمول(heperonymy/hyponymy)

 سنقدم مثالا بسيطا لشرح هذا النوع من العلاقات الدلالية2 :

إذا قلنا مثلا الكائنات الحية نعني بذلك : الإنسان والحيوان والنباتات، فالكائنات الحية هو الإسم الشامل (heperonyme) وكل من الإنسان والحيوان والنباتات يمثل اسما مشمولا (hyponyme). وكل اسم مشمول يمكن أن يكون بدوره اسما شاملا وتتفرع عنه أسماء مشمولة فالإنسان مثلا يعطينا الرجل، والمرأة والطفل وهكذا.

فإذا كلمة (نزهة) أو (promenade) في الفرنسية فهي تعتبر اسما شاملا في العربية والفرنسية؛ أما الإنجليزية فتعبر عنها بأسماء مشمولة حسب وسيلة القيام بالنزهة فنقول :

عربية

فرنسية

انجليزية

نزهة

Promenade (à pied)

Walk

نزهة

Promenade (à bicyclette) bicyclette)

Cycle-ride

نزهة

Promenade (en voiture)

Drive

ومثال آخر حول كلمة (حذاء)، إذ يوجد في اللغة الفرنسية أسماء مختلفة للأحذية حسب شكلها وحسب الاستعمال اللغوي، ويمكن اعتبار هذه التسميات أسماء مشمولة مثل (soulier ; godasse ; grolle ; pompe ; tatane ; croquenot ; godillot)، فإذا ترجمنا هذه الكلمات إلى العربية سننزاح عن الاسم المشمول ونترجمها بالاسم الشامل لنقول في جميع الحالات الحذاء وهو يقابل الاسم الشامل (chaussure).

وفي هذا الصدد يمكننا الإشارة إلى عاملي التخصيص والتعميم في الترجمة لأن الانزياح إلى الاسم المشمول يعتبر نوعا من التخصيص وعكسه يعتبر تعميما. ويلجأ المترجم إلى هذا الانزياح حسب الخلفية الثقافية للمتلقي كي يتجنب الالتباس ويتجاوز الثغرة اللسانية. فكما يقول نايدا :

 «The area of cultural specification, however, is likely to provide the greatest difficulties for the translator. In translating a text which represents an area of cultural specification in the source language but not in the receptor language, the translator must frequently construct all sorts of descriptive equivalents so as to make intelligible something which is quite foreign to the receptor.» 1

إذ تشكل الخصوصية الثقافية من أهم صعوبات الترجمة التي تعترض سبيل المترجم. فإذا واجه هذا الأخير نصا يعبر عن خصوصية ثقافية في اللغة المصدر بحيث لا توجد في اللغة الهدف؛ فإنه مجبر على بناء كل أشكال المكافئات الوصفية حتى يفهم القارئ ويوصل له هذه الخصوصية.

3.3. الكناية والاستعارة

1.3.3. الكناية

جاء تعريف الكناية كالآتي

«La métonymie…signifie proprement « changement de terme », terme vague et sans portée. L’usage a adopté ce mot pour désigner les figures qui consiste à prendre :
1. la cause pour l’effet (et vice versa),
2. le contenant pour le contenu (et vice versa),
3. le lieu pour le produit, le trait caractéristique du lieu (et vice versa),
4. le signe pour la chose signifié (et vice versa),
5. le nom abstrait pour le concret (et vice versa)» 2

تعبر الكناية بصفة خاصة عن تغير المعنى، وهو مصطلح مبهم وصعب الإدراك. وقد استعملت هذه الكلمة للإشارة إلى الصور المجازية التي تتشكل باتخاذ :

  1. السبب مقابل الأثر (والعكس صحيح)؛

  2. الحاوي مقابل المحتوى (والعكس صحيح)؛

  3. المكان مقابل النتاج والسمة الخصوصية للمكان (والعكس صحيح)؛

  4. الرمز مقابل الشيء الدال عليه؛

  5. المحسوس مقابل الملموس (والعكس صحيح).

نلاحظ من التعريف أن الكناية تدل على تغير المعنى وفق مجموعة من العوامل اللغوية، والثقافية والمفاهيمية،الخ.، أما عندما يتعلق الأمر بالترجمة فالتعريف يشرح الإجراءات المختلفة التي تتبع لترجمة الكناية، وخاصة إجراء التطويع (la modulation) الذي أتى به فيناي وداربلني (Vinay et Darbelnet) 1، والذي يشير إلى التغيرات التي تحدث أثناء نقل الرسالة من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف؛ وهو يقوم أساسا على تغير في وجهات النظر،أي أنه يحدث على مستوى الأصناف الفكرية. إذ تشكل الصور البلاغية الكلاسيكية كالكناية والمجاز المرسل تطويعات أحادية اللغة، كما توجد تطويعات تحدث بين لغتين مختلفتين.

وتعد الكناية تجليا مهما للانزياح الدلالي في الترجمة، إذ لا يمكن للمترجم أن يترجم الكناية مباشرة، بل عليه أن يطوع المعنى وفق ما تقتضيه عناصر المعنى في اللغة الهدف. وهذا ما توضحه الأمثلة الآتية :

عربية

فرنسية

انجليزية

يمكن اعتبار أن الدماغ هو العضو المسؤول عن التفكير

Le cerveau peut être considéré comme étant l’organe de la pensée

The brain can be considered as the organ of thought

معظم أفراد هذه العائلة أذكياء

Ils sont très intelligents dans cette famille

They have got plenty of brains in that family

لقد استعملت كلمة (brain) في الجملة الأولى للإشارة إلى عضو الدماغ وبالتالي فهي تحمل معنا حقيقيا، وهذا ما جعل الترجمة بالمقابل دون أي تطويع. أما في الجملة الثانية، فقد استعملت الكلمة نفسها استعمالا مجازيا للكناية عن الذكاء، وعليه نستعمل أذكياء للتعبير عن معناها وترجمته سواء في الفرنسية أو العربية. هذا ويجب الإشارة إلى أن هذه الكلمة قد دخلت إلى اللغة العربية باستعمالها المجازي، وتوجد حالات تستعمل فيها دون تطويع أو انزياح دلالي مثل (brain drain) التي تترجم مباشرة بـ (هجرة الأدمغة).

2.3.3. الاستعارة

تشكل الاستعارة شأنها شأن التعابير المجازية الأخرى مشكلا عويصا في الترجمة لأنها تنتقل بالمعنى من دلالته التصريحية إلى دلالته المجازية؛ فيجد المترجم نفسه مجبرا على تطويع المعنى وإحداث تغييرات تحافظ على أثر الرسالة في اللغة الهدف. ويعرف نيومارك الاستعارة كالآتي :

«…any figurative expression : the transferred sense of a physical word (naître as ‘to originate’, its most common meaning) ; the personification of an abstraction (‘modesty forbids me’- en toute modestie je ne peux pas) ; the application of a word or collocation to what it does not literally denote, i.e, to describe one thing in terms of another »1

نسمي استعارة، كل تعبير مجازي يقوم على تحويل المعنى الحقيقي لكلمة ما (مثل استعمال كلمة ’ولد’ بمعنى ’نشأ’ وهي المعنى الشائع)؛ أو تشخيص ما هو محسوس، كأن نقول مثلا (تواضعي يمنعني)؛ أو وصف شيء ما باستعمال كلمة أو تلازما لفظيا لا يمت في معناه الحرفي بأية صلة للشيء الموصوف. ويميز نيومارك بين ستة أنواع من الاستعارة منها : الاستعارة الأصلية، والاستعارة الميتة، والاستعارة المختزلة، الخ.، وهي تتقاطع في كثير من الخصائص مع المتلازمات اللفظية.

وما يهمنا في هذا المقام هو أن الاستعارة تتألف من جمل صحيحة نحويا، إلا أنه لا يمكن استكناه معناها في حرفيته، إذ يجب معرفة الإيحاءات المختلفة للألفاظ التي تتكون منها. كما يجب الإشارة إلى أن هذه التعابير المجازية لها غرض جمالي، لذلك يجب على المترجم الاهتمام بمعناها وبأثرها الجمالي على حد سواء، فينزاح وفق ما يراه مناسبا للمعنى. ومن أمثلة ذلك :

عربية

انجليزية

فرنسية

لقد أثارت ظنوني

It started me thinking

Cela m’a mis la puce à l’oreille

إذا كانت الاستعارة واضحة المعنى، فمن السهل إيجاد مكافئها في اللغة العربية كما في المثال. إذ تمثل الترجمة انزياحا دلاليا عن المعنى الحرفي لأنه يترك الالتباس. وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض أنواع الاستعارة التي أصبحت تشكل جزء من الخلفية الثقافية ويمكن للمترجم استيعابها بسهولة لأنها مألوفة وكثيرة الورود، فينزاح عند ترجمتها تلقائيا لأن معناها قد تبلور في ذهنه. مثل :

عربية

فرنسية

انجليزية

رجل الطاولة

Le pied d’une table

The leg of a table

لب الموضوع

Le fond du problème

The heart of the matter

في المثال الأول، تم الحفاظ على الاستعارة كما هي نظرا لشيوعها ولاستعمالها المألوف في اللغات الثلاث بهذا المعنى. أما في المثال الثاني، فينزاح المترجم عند ترجمته وفق السمات الدلالية لكل لغة؛ إذ لا يمكن أن يتقبل القارئ العربي "قلب الموضوع".

خاتمة

يعد الانزياح الدلالي نتيجة ايجابية تعكس براعة المترجم وقدرته على تقديم الترجمة في أحسن صيغة. كما تعكس قدرته على إدراك الاختلافات اللسانية وغير اللسانية بين اللغتين المصدر والهدف، ومن ثمة، تجاوزها وتسخير الطرق الناجعة التي تهدف إلى احترام خصوصيات ومواضعات كل لغة.

إن مبدأ الانزياح في الترجمة يجسد فكرة الاختلاف والتباين بين اللغات. إذ يجب التركيز على هذه الاختلافات وتحديد مواطنها وتحليلها من خلال الترجمة، لأن اللغة لا تختلف في حد ذاتها إلا إذا قمنا بمقارنتها بلغات أخرى. ولأن المعنى يتخفى وراء قوالب دلالية مختلفة، فإن تحليل الانزياح يساعدنا على رصد بعض الانزياحات الدلالية الناجمة عن الاختلافات اللغوية والثقافية، والتي تعد انزياحات إجبارية تفرضها قوانين اللغة ومواضعاتها.

1 - Jean Dubois et all. 2002. Dictionnaire de linguistique. Larousse. P. 222.

2 Peter Newmark. 1988. A Textbook of Translation. Prentice Hall International. UK. P. 212.

1 Michel Ballard. 1994. La traduction de l’anglais au français. Ed 2. Nathan. P :58.

2 Peter Newmark. Op. cit. P:212-213.

3 انظر حسن غزالة. أكتوبر 1993. ترجمة المتلازمات اللفظية (انجليزي-عربي). ج 2. مجلة ترجمان. مجلد 2. عدد 2. ص:7-12.

1 Baldinger. K. 1980. Semantic Theory. New York. St.Martin's Press. P. 251.

1 Jakobson, Roman. 1959. On Linguistic Aspects of Translation, in R. A. Brower (ed.) On Translation, Cambridge, MA: Harvard University Press, p. 232.

2 - Mortureux, Marie-Françoise. 2001. La lexicologie entre langue et discours. Armand colin. P. 82-84.

1 - Nida, Egene. (1964). Toward a Science of Translation. Leiden, E. J. Brill. P. 89.

2 Michel Ballard. Op. cit. p. 61.

1 Voir Vinay, J.P et Darbelnet. J. 1958. Stylistique comparée du français et de l’anglais. Edition Didier. Paris. P. 89.

1 - Newmark Peter. Op. cit. P. 104.

قائمة المراجع :

Baldinger, K. (1980). Semantic Theory. New York. St.Martin’s Press.

Ballard, Michel. (1994). La traduction de l’anglais au français. Ed 2. Nathan.

Dubois, Jean et autres. (2002). Dictionnaire de linguistique. Larousse.

Jakobson, Roman.(1959). ’On Linguistic Aspects of Translation’, in R. A. Brower (ed.) On Translation, Cambridge, MA : Harvard University Press, pp. 232-39.

Mortureux, Marie-Françoise. (2001). La lexicologie entre langue et discours. Armand colin.

Newmark, Peter. (1988). A Textbook of Translation. Prentice Hall International. UK.

Nida, Egene. (1964). Toward a Science of Translation. Leiden, E. J. Brill.

Vinay, J.P et Darbelnet.J. (1958). Stylistique comparée du français et de l’anglais. Edition Didier. Paris.

غزالة حسن. أكتوبر 1993. ترجمة المتلازمات اللفظية (انجليزي-عربي). ج 2. مجلة ترجمان. مجلد 2. عدد 2. ص :7-12.

1 - Jean Dubois et all. 2002. Dictionnaire de linguistique. Larousse. P. 222.

2 Peter Newmark. 1988. A Textbook of Translation. Prentice Hall International. UK. P. 212.

1 Michel Ballard. 1994. La traduction de l’anglais au français. Ed 2. Nathan. P :58.

2 Peter Newmark. Op. cit. P:212-213.

3 انظر حسن غزالة. أكتوبر 1993. ترجمة المتلازمات اللفظية (انجليزي-عربي). ج 2. مجلة ترجمان. مجلد 2. عدد 2. ص:7-12.

1 Baldinger. K. 1980. Semantic Theory. New York. St.Martin's Press. P. 251.

1 Jakobson, Roman. 1959. On Linguistic Aspects of Translation, in R. A. Brower (ed.) On Translation, Cambridge, MA: Harvard University Press, p. 232.

2 - Mortureux, Marie-Françoise. 2001. La lexicologie entre langue et discours. Armand colin. P. 82-84.

1 - Nida, Egene. (1964). Toward a Science of Translation. Leiden, E. J. Brill. P. 89.

2 Michel Ballard. Op. cit. p. 61.

1 Voir Vinay, J.P et Darbelnet. J. 1958. Stylistique comparée du français et de l’anglais. Edition Didier. Paris. P. 89.

1 - Newmark Peter. Op. cit. P. 104.

فاطمة الزهراء النباتي

المركز الجامعي مغنية

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article