الوصم الاجتماعي وآثاره على المرأة السجينة بالجزائر

(دراسة حالات لجريمة القتل)

La stigmatisation sociale et ses effets sur les femmes emprisonnées en Algérie. (Etude de cas sur les crimes de meurtre)

Social stigma and its effects on the imprisoned women in Algeria. Case study of murder crimes

زايـــــدي وسيــــلة, فريحــة محمد كريم برغــــل سعــــــيد

زايـــــدي وسيــــلة, فريحــة محمد كريم برغــــل سعــــــيد, « الوصم الاجتماعي وآثاره على المرأة السجينة بالجزائر  », Aleph [], 7 (4) | 2020, 03 December 2020, 21 November 2024. URL : https://aleph.edinum.org/3057

هدفت هذه الدراسة الميدانية إلى معرفة المرأة السجينة التي ارتكبت جريمة القتل ومدى معاناتها من الوصم الاجتماعي وبالإضافة إلى تحديد تأثيراته النفسية والاجتماعية والكشف عن مشكلاتها المستقبلية نتيجة هذه الوصمة. ومن اجل تحقيق أهداف هذه الدراسة، تم الاعتماد على دراسة حالة لأربعة سجينات ارتكبن جريمة القتل بحيث تم الحكم عليهن لعقوبة السجن ولمدة طويلة من الزمن. بحيث أظهرت النتائج على وجود الوصم الاجتماعي للمرأة السجينة والتي ارتكبت جريمة القتل، بحيث يتخلى عنها الأهل والأقارب وتفقد أسرتها وتتعرض لطلاق زوجها وتمنع من حضانة أطفالها كونها مسببة لهم العار داخل هذه الأسرة، كما أشارت نتائج هذه الدراسة إلى إحساس المرأة السجينة بالعار بحيث يتبناها شعور مسيء من الدونیة والانكسار اتجاه ذاتها، ومن انعدام الثقة وفقدان الأمان. بحيث تعيش مشكلة مستقبلها من النظرة التشاؤمية وأحيانا التفكير في الانتقام من الكل والعود للإجرام وعدوان اتجاه ذاتها والمجتمع.

Cette étude de terrain visait à connaître la femme emprisonnée qui a commis le crime de meurtre et l’étendue de sa souffrance de stigmatisation sociale, en plus d’identifier ses effets psychologiques et sociaux et de révéler ses futurs problèmes à la suite de cette stigmatisation. Pour atteindre les objectifs de cette étude, elle est approuvée sur une étude de cas de quatre détenues qui ont commis le crime de meurtre. Elles ont été condamnées à des peines de prison pour une longue période. Alors que les résultats ont montré l’existence de la stigmatisation sociale de la femme emprisonnée qui a commis le crime de meurtre. Leurs familles et les proches l’abandonnent. Elle perde sa famille. Son mari la divorce. Elle empêche sa garde de ses enfants, car ils font honte à cette famille. Les résultats de cette étude ont également indiqué que la femme emprisonnée ressente de la honte. Elle est embrassée par un sentiment abusif d’infériorité et de réfraction envers lui-même, et de méfiance et d’insécurité. Alors que le problème de son avenir vit d’un point de vue pessimiste et pense parfois à la vengeance contre le tout, au retour à la criminalité, à l’agression envers lui-même et la société.

This field study aimed to highlight the imprisoned woman who committed the crime of murder and the extent of her suffering from social stigma. Also, it aims at identifying its psychological, social effects and revealing her future problems because of this stigma. In order to achieve its goals, this study relied on a case study of four prisoner women who committed the crime of murder so that they were sentenced to prison terms for a long period of time. The results showed the existence of the social stigma of the imprisoned woman who committed the crime of murder. Her relatives abandoned her. She has lost her family as she was subjected to divorce by her husband. In addition, she was prevented the custody of her children because she was a cause of shame within this family. The results of this study also indicated that the imprisoned woman feels shame so that she adapted a feeling of inferiority and refraction towards herself, in addition to mistrust and insecurity. She is living her future with a pessimistic view and sometimes she is thinking about revenge against the whole, a return to criminality, and being aggressive towards herself and her society.

مقدمة

إن الجريمة كظاهرة فردية مرتبطة بالفرد ذاته، وكظاهرة اجتماعية تتعلق بالمجتمع ككل لا تقتصر على الرجل فقط من حيث ارتكابها، فحسب الإحصائيات الجنائية فجرائم المرأة تقل كثيرا عن جرائم الرجل، وخاصة في المجتمعات العربية، كما أن نوعية إجرامها يختلف أيضا عن إجرام الرجل (نجيب علي سيف الجميل 2008 : 8) فالإجرام لم يعد ظاهرة ذكورية وإنما دخلت المرأة المجرمة السجون، وذلك بفعل تضافر عوامل مختلفة أدخلت المرأة في عالم الإجرام وأوقعت بها في بؤرة الجريمة. وقد نشأ عن هذا الواقع المؤلم مصطلح جرائم النساء أو النساء السجينات. (أحمد الخمليشي 1986 : 15)

في الولايات المتحدة الأمريكية سجل عدد النساء المعتقلات بسبب جرائم عنيفة انخفاض من 4 من كل 10 نساء في عام 1986 إلى حوالي 3 من كل 10 نساء في عام 1991، وعلى الرغم من هذا الانخفاض في نسبة السجينات العنيفات، ارتفع عدد النساء المحكوم عليهن في الجرائم العنيفة من 8045 إلى 12400 خلال فترة خمس سنوات. حيث شكلت جريمة القتل، أكثر الجرائم عنفا بين النزيلات في 1991 ما يزيد عن ثلث النساء المحكوم عليهن بتهمة ارتكاب جرائم عنيفة(Tracy L.. Snell, Danielle C. Morton 1994 : 3)

كذلك زادت مشاركة الفتيات دون سن 18 عاملاً في جرائم العنف الذي يعتبر مصدر قلق متزايد في السنوات الأخيرة، حيث وصفت عالمة الطب الشرعي هيلين سميث في كتابها عن « قتلة الأحداث بأنهاأسرع مشكلة متنامية»(Kathleen .2009 : 32)

أما على المستوى العربي وخصوصا الجزائر أظهرت دراسة بوفولة بوخميس ومزوز بركو، حول «التغير الاجتماعي والأسري وعلاقته بالسلوك الإجرامي لدى المرأة في المجتمع الجزائري» وتمحورت إشكالية الدراسة التي شملت عينتها 90 امرأة سجينة، حول العوامل الدافعة إلى ارتكاب الفعل الإجرامي لدى المرأة في المجتمع الجزائري، وخصائص البيئة التي ترعرعت فيها المرأة المجرمة، وبينت الاستجوابات أن أكثر الجرائم المرتكبة من طرف المرأة السجينة هي القتل ثم الدعارة، السرقة، فالزنا، وتتراوح مدة العقوبة المفروضة عليهن بين 06 سنوات و15 سنة. (نوارة أ 2008 : 1)

وكذلك بالنسبة للنتائج المتوصل إليها في دراسة مزوز بركو بالنسبة لنوعية الجرائم المرتكبة من قبل المرأة هي في معظمها تلك التي يرتكبها الرجل وأن أعلى نسبة سجلت في هذه الدراسة تلك المتعلقة بجريمة القتل فالدعارة، فالسرقة والأعمال الإرهابية؛ فجريمة القتل احتلت المرتبة الأولى بين مختلف الجرائم الأخرى التي اقترفتها المرأة وذلك باعتبار أن هذه الجريمة بأركانها القانونية المعروفة (الركن المادي والشرعي والمعنوي) هي جريمة لا يمكن إخفائها خاصة مع توفر الركن المادي وهو وجود جثة. (مزوز بركو2012 : 4)

وخلافا لما هو شائع اجتماعيا، من أن المرأة لا تقدم كثيرا على اقتراف جرائم العنف وخاصة جريمة القتل وحتى وان فعلت فنصيبها منها ضئيل مقارنة بالجرائم الأخرى،إلا أنه ثبت لدى الباحث وادي عماد الدين أن جريمة القتل كانت أعلى نسبة في الارتكاب من قبل المرأة مقارنة بالجرائم الأخرى (عماد الدين وادي 2015 : 275). وبالتالي فمهما قلت عدد جرائم المرأة ومهما اختلفت وتنوعت إلا أن جريمة القتل لدى المرأة تبقى محتلة الدرجة الأولى في ارتكابها. ولذلك اعتبر القتل من أقدم الجرائم. ولا جدال في خطورة جريمة القتل وتهديدها للكيان الفردي والاجتماعي معا، ولذلك كانت عقوبتها صارمة. (أحمد الخمليشي 1986 : 14)

1. إشكالية الدراسة ومنطلقاتها، الأهمية والأهداف

1.1. الإشكالية 

تبدأ الحياة الجديدة لدى المسجون بمجرد النطق بالحكم ودخوله مجتمع السجن بما فيه من تناقضات اجتماعيّة جديدة مختلفة، كان يعيش هذا المسجون من قبل داخل المُجتمع السوي، وعليه فإن المسجون بمجرد وصوله ودخوله إلى السجن يعيش العديد من التصورات الفكريّة المؤلمة، والتي تندرج جميعها في نطاق من القلق والتوتر إزاء حاضره ومستقبله، كما تنتابه أحاسيس متباينة من تأثير الذات، حيث يعيش داخل السجن وهو على يقين كامل بأن المُجتمع قد لفظه وطرده، ومن ثم يعيش أحاسيس متباينة تعبر عن كونه منبوذًا ومطرودًا. (علاء عبد الهادي 2016 : 21)

فاجتماعيا السجن يخرج المسجون من زمرة الأخيار ما يفقده ثقة الناس به كما يفقده أيضا عمله، ويترتب عن ذلك بقاء أسرته بلا عائل كما قد يؤدي إلى الطلاق إذا طالت مدة السجن وبالتالي زوال الأسرة وتفككها (ياسمينة مزوار 2013 : 129) فالمرور عبر السجن هو تثبيت لحالة من الهشاشة الاجتماعية التي يتم الكشف عنها عند الخروج ويصنفها ما يسميه فيليب كومبيسي بوصمة عار تحمل علامة الختم (Lable 2015 : 32) .

يعبر الوصم عن عملية تراكمية مركبة. من آثارها إضعاف مجموعة من السكان وحرمانهم من الاندماج في الحياة العامة. وإبعادهم عن مراكز اتخاذ القرار. ويتتبع ذلك الانغلاق الاجتماعي وانحلال الرابطة بين الفرد والمجتمع، فتتكون ردود فعل سلبية لدى الفئات المعّرضة للوصم تنعكس على الجانب النفسي نتيجة تدّني احترام الذات والشعور بالامتهان وعدم الأمان والعزلة. وعلى المستوى الاجتماعي ينعدم التماسك والتكامل الاجتماعي (وسيلة شابو 2017 : 345) ففي فرنسا وصمة العار، التي يمكن أن تؤثر على المسجونين بسبب الاعتداء الجنسي أو الأفعال ضد الأطفال، أساسيا إنهم في الغالبية العظمى، لأن جميع السجناء يرفضوا التقرب والاتصال بهؤلاء لتجنب أي تلوث أخلاقي هذا الأمر العميق لأن هؤلاء المعتقلين، بالإضافة إلى الاحتقار الذي يواجهونه يوميا، هم في الغالب ضحايا للاستبعاد والعنف (Corinne 2011 :158) إلا أن ذلك يختلف تماما بين الجنسين ويكون التباين بينهما واضحا، وكما يختلف ذلك من مجتمع لآخر. وخاصة من طرف المقربين. فالرجل غالبا ما يتلقى الترحيب من أفراد عائلته، أما المرأة فهي عكس ذلك.

فتقول ميريام : «لقد قتلت، ولكن الأسوأ هو قتل الأطفال» . والجميع يسعى لاستعادة كرامته تجاه نفسه والآخرين وأقربائه. فالنساء المتهمات بقتل الأطفال أو الجرائم الجنسية أكثر احتمالا رفض وضعهم بسبب رفضهم من قبل الآخرين وعدم قدرتهم على ذلك عكس معنى الفعل المرتكب. (Corinne 2011 :159)

فالوصمة هي تلك الصفة التي تلتصق بالسجينة وتسبب لها حرج وخجل، وحتى إن تماثل إلى إعادة توبتها إلا أنها تبقى سجينة في نظر المجتمع، فكثيرا ما تشتكي السجينات بعد تحسن حالتهم من عدم تقبل الناس لهن والابتعاد عنهن وحتى السخرية منهن ويجتنبونهن ولا يتواصلوا معهن، وهذا ما يؤدي إلى شعورهن بالألم والحسرة والخوف من مقابلة الآخرين والرغبة في الانعزال وشعور بالوحدة، بالخجل والحزن وتدني شعور بقيمة الذات. (مسعودة بن السايح 2018 : 156)

ولهذا نتساءل عن معاناة المرأة السجينة من الوصم الاجتماعي ؟ وكيف يؤثر على إدماجها في المجتمع عند الخروج من السجن؟ وما هي مشكلة المرأة السجينة حول ذاتها ومستقبلها ؟

2.1. فرضيات الدراسة

  • تعاني المرأة السجينة من الوصم الاجتماعي.

  • التعرف عن آثار الوصمة الاجتماعية للمرأة السجينة المرتكبة لجريمة القتل.

  • النظرة السلبية للمرأة السجينة نحو ذاتها ومستقبلها.

3.1. أهمية موضوع الدراسة

نظرا لندرة البحوث والدراسات العربيّة عن الموصومات الجنائيات وآثار الوصمة الاجتماعيّة والنفسيّة على الموصومة، فاكتسى موضوع هذه الدراسة التطبيقية بأهمية بالغة كونه يعالج مشكلة اجتماعية تعتبر من أهم المشاكل التي قد تتعرض لها المرأة الجزائرية وهي الوصم الاجتماعي للمرأة السجينة جريمة القتل نموذجا، وما يترتب عنها من خسائر وأضرار بشرية وصحية واجتماعية ونفسية ومادية خطيرة، سواًء بالمرأة نفسها أو بالمجتمع ككل.

كما تزداد أهمية هذا الموضوع في أن المرأة محل الدراسة باعتبارها من الفئات المستضعفة التي تحتاج إلى حماية قانونية واجتماعية عند تعرضها للمشكلات الاجتماعية وفي مقدمتها مشكلة الجريمة وأن هذه المشكلة بحاجة إلى دراسة شاملة ومتعمقة ومن مختلف الجوانب، إضافة إلى حاجتها إلى معالجة جادة وفعالة نظرا لخطورتها وآثارها السيئة التي تخلفها. ومشكلة إعادة إدماجها في المجتمع بعد خروجها من السجن مما قد يؤدي في غياب ذلك لعودتها ثانيا إلى الإجرام.

4.1. أهداف الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى :

  • تحديد الآثار الاجتماعيّة للوصمة.

  • معرفة مدى معاناة السجينة من الوصم الاجتماعي وتأثيراته النفسية والاجتماعية.

  • الكشف عن النظرة المستقبلية للسجينة نتيجة الوصم الاجتماعي.

5.1. مصطلحات الدراسة

1.5.1. مفهوم الوصم

  1. الوصم في اللغة : الوصم هو العار، والعيب، والصدع، والعقدة في العود، وفي اللغة الانجليزية مشتقة من كلمة stigma وتشير إلى علامات مميزة تكشف عن كل ما هو غير عادي وسيء من الناحية الأخلاقية للأشخاص الذين يمارسون سلوكا غير سوي من أجل تمييزهم.

  2. تعريف الوصم اصطلاحا : هو عبارة عن إلصاق صفة سلبية جانح أو مجرم أو سارق بالشخص حيث تختلف شدته وأثره واستمراره بناء على الجهة التي تقوم بعملية الوصم وعلى نوع الفعل التي ينتمي إليه الموصوم (أروى أحمد شلبي 2014 : 8). كما ظهر مفهوم الوصمة في نظرية التسمية Labeling لجوفان Goffman في كتابه الوصمة عام 1963 وهو يشير إلى علاقة التدني التي تجرد الفرد من أهلية القبول الاجتماعي. (دينا عبد الرحمن البقرى ووليد عبد المنعم الدماطى 2016 : 1 )

  3. الوصمة الجنائية : هي العملية التي تنسب الأخطاء والآثام الدالة على الانحطاط الأخلاقي للأشخاص في المجتمع، فتصفهم بصفات بغيضة أو سمات تجلب لهم العار أو تثير الشائعات (المرجع نفسه 2016 : 2)
    فالوصم هو كل صفة سلبية تنعت بها شخص لسلوك غير مقبول اجتماعيا، فتجعله متحيز عن المجتمع بسبب تصرفاته وأفعاله التي يرفضها أفراد محيطه من جهة ويوضع الموصوم في حالة النبذ الاجتماعي من جهة أخرى. وهو عبارة عن ردة الفعل الاجتماعية السلبية للشخص الموصوم الذي فقد شعوره بعدم جدوى من السلوك السوي.

2.5.1. مفهوم المرأة السجينة

حيث يذهب الباحثان لورين برزانس ورينيه كوليت كارير في مقال حول « المرأة في السجن .. عيب اجتماعي » أن المحتجزة هامشية ومسيئة. فالنساء في السجن بالطبع لأنهن ارتكبن جريمة. معترفا بذنبهن، فيتم الحكم عليهن باستبعادهن من المجتمع. ويصبحن أكثر تهمشا بسبب طبيعة هذه الحياة في السجن. وسواء على الصعيد الإقليمي أو الفدرالي. (Berzns et Collette-Carrère1979 : 9)

فالمرأة السجينة هي كل امرأة ارتكبت جريمة بنص قانوني وتم الحكم عليها بعقوبة السجن لمدة معينة حسب نمط الجريمة.

3.5.1. مفهوم جريمة القتل

القتل عمدي : قتل مصطحب بقصد جنائي يتضمن نية إزهاق الروح. القتل غير عمدي : قتل مصطحب بخط. (شوقي ضيف 1999 : 269)

والمقتل - بفتح الميم والتاء-: الموضع الذي أصيب لا يكاد صاحبه يسلم، كالصدغ. وهو أنواع : منها الذبح، والنحر، والخنق، والرضخ. (هشام بن صالح الزير 2009 : 4 - 5).

في دراسة حسين عبد علي عيسى يستخلص أن جريمة القتل بكونها عبارة عن إزهاق حياة إنسان آخر خلافا للقانون، بقصد جنائي أو بخطأ، أو هي حرمان إنسان آخر من حياته خلافا للقانون عمدا أو بإهمال (حسين عبد علي عيسى 2005 : 43). فالقتل يطلق على كل فعل أدى إلى إزهاق الروح سواء كان ذلك الفعل جرحا داخليا أو خارجيا أو حرقا أو غرقا أو سما أو سحرا أو بالمحدد كالسيف أو بالمثقل كالحجر الكبير .(عزام بن محمد بن سعد الشويعر 2000 : 26).

القتل هو كل فعل يسبب خروج الروح من الجسد، يقال : قتلته قتلا، من باب نصر : أزهقت روحه فهو قتيل، والمرأة قتيلا أيضا إذا كان وصفا، فيستوي فيه المذكر والمؤنث، فإذا حذف الموصوف جعل اسما ودخلت الهاء، نحو رأيت قتيلة بني فلان، والجمع فيهما قتلى. وقتلت الشيء قتلا : عرفته، والقتلة بالكسر الهيئة، يقال قتله قتلة سوء. والقتلة بالفتح المرة. (شوقي ضيف1999 : 269)

6.1.الدراسات السابقة

دراسة مزوز بركو (2006) بعنوان استراتيجيات مواجهة الضغوط لدى المرأة المجرمة السجينة : وهي دراسة وصفية تحليلية عن عينة من النساء اقترفن الجريمة وهن نزيلات المؤسسة العقابية لإعادة التربية بباتنة، واستخدمت الباحثة المقابلة نصف الموجهة، والتقارير الشهرية وسجلات اليد الجارية للمؤسسة العقابية. وهدفت الدراسة إلى : تسليط الضوء على أساليب التعامل مع الضغوط النفسية لدى المرأة المجرمة المتواجدة في السجن. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة :

  • خلافا لما هو شائع اجتماعيا من أن المرأة لا يمكنها أن تقترف جريمة القتل وحتى إن فعلت فنصيبها منها ضئيل جدا مقارنة بالجرائم الأخرى فقد كانت النتيجة المتوصل إليها من خلال هذه الدراسة أن :

  • جريمة القتل كانت أعلى نسبة في الارتكاب من طرف المرأة مقارنة بالجرائم الأخرى كالسرقة والتشرد والتزوير... إلخ.

  • مصادر الضغط لدى المرأة تمثلت في المقام الأول : » الوصم الاجتماعي « و »الحقرة » و » سوء المعاملة»

  • أن معظم الجانيات ينتمين إلى أسر مفككة متصدعة، وعشن في ظل محيط وجداني واجتماعي –ثقافي مضطرب ومن دلائل هذا الاضطراب : التفكك العائلي، سوء المعاملة والقسوة فيها، الإهمال العاطفي والمادي، كما أن الشعور بالدونية وانخفاض تقدير الذات لدى الجانيات كان قويا جدا جراء اقتراف الجريمة من جهة ومن جهة أخرى جراء المؤسسة العقابية التي يقضين فيها مدة العقوبة.

  • هشاشة العلاقات السائدة في أسر الجانيات حرمتهن من التكيف الجيد والتوافق مع المجتمع ومعطيات الحياة الاجتماعية بكل مجرياتها، كما أن التعرض للصدمات النفسية (محاولات الاغتصاب) والأزمات الاجتماعية (التصدع العائلي) جعل المرأة المجرمة تقع فريسة إما لحالات الانفعال الشديدة (الغضب) أو لضغوط اجتماعية ساعدتهن على الفعل الإجرامي حيث يكون هذا الأخير هو الوسيلة أو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة وحلا للصراع الذي تعيشه. (حيزية حسناوي 2012 : 68)

دراسة الباحثة مزوز بركو حول إجرام المرأة في المجتمع الجزائري (2006/2007) : بحيث تم اكتشاف العوامل النفسیة والاجتماعیة التي تدفع بالمرأة إلى ارتكاب الفعل الإجرامي، وكذا معرفة الآثار التي تنجر عن اقتراف هذا الفعل واستغرقت الدراسة الفترة الممتدة من 2004 إلى 2006 على مستوى ثلاث مؤسسات إعادة التربیة بالجزائر. وطبقت أدوات الدراسة على ثلاث مجموعات بحث : الأولى دراسة 310 سجلا، والثانیة تحتوى على 90 امرأة مجرمة، والثالثة 10 حالات دُرست وحُللت إكلینیكیا .بحيث خلصت الدراسة إلى النتائج التالیة :

  • توجد عدة عوامل نفسیة تدفع المرأة إلى اقتراف الجریمة كالغیرة من الزوج، والانتقام من كل من تسبب في انحرافها وكذا سوء المعاملة الذي تعرضت له.

  • توجد عوامل اجتماعیة تدفع المرأة إلى ارتكاب الفعل الإجرامي كتدني المستوى الدراسي والاقتصادي للمرأة التفكك والتصدع العائلي، سوء العلاقة الزوجیة.

  • یكون معاش السجینة سیئا تكتنفه »الشعور بالدونیة « و »الوصم الاجتماعي« 

  • تنظر المرأة نظرة تشاؤمیة إلى مستقبلها بعد انقضاء فترة العقوبة والخروج من السجن حیث تفكر في »الانعزال الاجتماعي»، «الانتقام« و »العود.« (مزوز بركو2007 : 569)

ففي دراسة أروى أحمد شلبي(2014) حول دور الوصم الاجتماعي في الاستجابات السلبية للأسرة السعودية تجاه المفرج عنهن، بحيث تكون مجتمع الدراسة من نزيلات دار الضيافة في مدينة الرياض وقد وصل عددهن إلى (80) فرداً. استخدمت الباحثة المنهج الوصفي المسحي باستخدام طريقة المسح كما استخدمت الباحثة الاستبانة أداة الدراسة. تمثلت نتائج الدراسة : إن أفراد عينة الدراسة موافقات على العوامل التي تؤدي إلى ظاهرة الوصم الاجتماعي وموقف الأسرة من المفرج عنها، ومن أهم عوامل ظاهرة الوصم الاجتماعي هي :»يعتقد الكثير من الأزواج أن دخول الزوجة للسجن يسبب له إحراجا في المجتمع. مازال أبي متمسكا بالعادات والتقاليد حفاظا على سمعته بين أقرانه.« (أروى أحمد شلبي 2014 : 3)

7.1. تعقيب عن الدراسات 

نظرا لنقص الدراسات حول المرأة إلا أننا وجدنا الباحثة مزوز بركو تخصصت في مجال إجرام المرأة، حيث توصلت إلى الدراستين أن معظم جرائم المرأة متمثلة في جريمة القتل وما تعانيه المرأة من حقرة وسوء معاملة ونظرة سلبية تشاؤمية لمستقبلها كما یكون معاشها سیئا تكتنفه. » الشعور بالدونیة « و» الوصم الاجتماعي .«

أما في دراسة أروى أحمد شلبي والتي تبين من خلال البحث الآثار الاجتماعية للوصم للمرأة السجينة والتي برز فيها المتغير الثقافي للمجتمع من خلال التسبب في إحراج أفراد أسرتها والحفاظ على سمعة العائلة من جهة أخرى وبتمسكه للعادات والتقاليد.

2. تفسير نظرية الوصم اجتماعياً

لوصـم هو عملية اجتماعية لا يرجع للفعل الانحرافي ذاته، فالفعل ليس هو الذي يحدد ما هو انحراف وما هو غير انحراف، بل أن ما يقوم بذلك هو ردة الفعل الاجتماعية التي تتبع الفعل الإنحرافي بمعنى أن الوصم مرتبط بردة الفعل الاجتماعية عن ذلك الفعل الانحرافي وليس الفعل. ومن ثم يتم انتقال الفرد من مكانة إلى أخرى، من سوي إلى غير سوي بعد أن تضعف علاقته بالأسوياء وتزيد قوة علاقته بالمنحرفين، بمعنى أن الانحراف لا ينتج فقط من مخالفة القواعد والمعايير والقيم الاجتماعية بقدر ما هو ناتج عن الوصم. (فاطمة الزهراء زيدان 2015 : 15)

تؤيد الباحثة أنيسة دوكم وجهة النظر تلك، مشيرة إلى أن “النبذ والعزل والحكم الجائر الذي تلقاه السجينة من المجتمع يمكن أن يولد لديها حالة نفسية غير سوية وغير متزنة ويزيد من احتمالية فقدانها الشعور بجدوى السلوك السوي مادام لا يغيّر واقعها ولا يحسنه فتندفع نحو الخطأ لأنه يصبح لا ملاذ لها”. حتى داخل السجون، لا يختلف حال المرأة المفرج عنها عن حالها سجينة (وديع العيسي 2013 : 3) وقد يعيش الأفراد الوصم كعار شخصي وشعور بالذنب والحرج، وهو ما يـسمى بالوصم الداخلي... ومن مظاهر هذا الوصم أن يستبعد الأفراد أنفسهم من الخدمات والفرص، ولا يقدروا أنفسهم، وتكون لهم نظرة سلبية عن أنفسهم، وينعزلون عن اﻟمجتمع، ويخافون من أنُ تكتشف حالة الوصم التي يعيشوﻧها. (الأمم المتحدة 2012 : 8)

كما نهى الإسلام عن وصم الأفراد بالألقاب مما لها أثر سلبي فقال تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون﴾ (القرآن الكريم سورة الحجرات : الآية 11) لذلك نهى الإسلام عن القذف وسوء الظن، والتي تعمل على إلصاق بعض الأفعال مما تزيد سوءا على الفرد والمجتمع.

وتتحدد عملية الوصم من وجهة نظر (تاتينوم) من عنصرين أساسين هما :

  1. عنصر المفاضلة والتميز، وهو وضع الموصوم في جهة وباقي أفراد المجتمع في جهة أخرى.

  2. بلورة الهوية التي تؤدي إلى أحداث تحول في شعور الفرد ذاته أو تقييمه لذاته، وينتج هذا من الفجوة والهوة بعلاقته مع الآخرين.

لذلك تعد نظرية الوصم من النظريات المفسرة للعود إلى الجريمة، بحيث أن المرأة ربما ترتكب سلوك منحرف أو خاطئ في أول حياتها لا تتعرض فيه لمساءلة جنائية ولكنه ربما يبقى أثره عند أهلها وأقاربها وصديقاتها وزوجها فيلمزونها به وتتغير معاملتهم لها بنظرة شك أو احتقار أو عدم ثقة أو غير ذلك، فتكون تلك المعاملة وتلك النظرة قد تؤدي بها إلى الانحراف بالإضافة إلى عوامل أخرى. (محمد إبراهيم الربدي 2003 : 64 - 66).

1.2. الانحراف كنتاج للوصم الاجتماعي

يرجع أصل نظرية الوصم إلى ما كتبه « تاننبوم » عام 1938م عن أن ما يؤدي إلى خلق المجرم إنما هو الكيفية التي يعامله بها الآخرون وذلك حيث أشار إلى أن تلك الكيفية وما يصاحبها من عمليات مرحلية بما يلازمها من تأثير وتأثر متبادل مشترك إنما تؤدي إلى تأكيد الشر والإثم أو المبالغة في تصويرهما. حيث يرى أن عملية صنع المجرم تحتوي على عناصر تشمل وضع علامات وألقاب وتعريفات وفعل وشرح تقوم الجماعة بإلصاقها على الأفراد. وتساعد عملية الوصم هذه على بلورة نقمة الجمهور ضد الشخص المخالف وأيضاً تأكيد نقمة الفرد الموصوم نحو نفسه.

ومن أوائل المتعلقين بمفهوم الوصم من اللاحقين لتاننبوم عالم الاجتماع الشهير إدون ليمرت والذي يرجع الانحراف في السلوك بصفة عامة إلى آثار الخبرة الناشئة عن الوصم الاجتماعي. (مراد بن علي زريقات 2007 : 12)

فحسب إدون ليمرت يشير الوصم إلى العملية التي تنسب الأخطاء، والآثام الدالة على الانحطاط الخلقي على أشخاص في المجتمع، فوصمهم بصفات بغيضة، أو سمات تجلب لهم العار أو تثير حولهم الشائعات، وتركز نظرية الوصم على أنه لا يوجد سلوك منصرف بحد ذاته، ولا يحمل في جوهره أية معان للانحراف وإنما الطريقة التي يصنف بها المجتمع السلوك ويستجيب نحوه أفراد المجتمع هي التي تحدد السلوك المنحرف عن غيره.

والحقيقة أن عملية الوصم الاجتماعي تمس المرأة أكثر من الرجل، خاصة في مجتمع محافظ كمجتمعنا الجزائري، وذلك راجع لمكانتها ودورها الاجتماعي الذي لا يقل أهمية عن دور الرجل في المجتمع، وكذلك إلى حساسيتها ضد هذا الوصم، فنفسيتها المرهقة لا تحتمله (حيزية حسناوي 2012 : 102- 103). أما العالم الآخر الذي له إسهامات مهمة في مجال الوصم الاجتماعي فهو « هوارد بيكر » الذي يرى أن الجماعات البشرية هي التي تخلق الانحراف عن طريق صنع القواعد التي يتكون الانحراف نتيجة خرقها حيث يطبق القانون على بعض الأشخاص الذين يوصمهم المجتمع بوصمة الانحراف ويوصفون بالخروج عن القانون. ومن هنا لا يصبح الانحراف ذاته صفة للفعل الذي يرتكبه الشخص بل نتيجة لما يطبقه الآخرون عليه من القواعد أي نتيجة وصم الشخص من قبل الآخرين كمذنب حيث يقع على الشخص ليكون منحرفاً والفعل الذي ارتكبه انحرافاً. فالأشخاص الذين يرتكبون الأفعال المخالفة للمعايير أو قواعد السوية الاجتماعية لا يصبحون منحرفين إلا بعد أن يتعرضون لوصمة الانحراف والخبرة الناشئة عن مثل هذه الوصمة. (مراد بن علي زريقات 2007 : 12)

2.2. الآثار السلبية للوصم الاجتماعي

تعددت الآثار الناجمة عن الوصم الاجتماعي على الموصومة من عزل ونبذ لها وتخلي المجتمع عنها وقد تصل في بعض الأحيان إلى محاولة التخلص منها جسديا. ومن هذه الآثار أيضا من وجهة نظر الموصومة ما يلي :

  • الشعور بالنبذ والعزلة الاجتماعية.

  • تقلص وضعف شبكة الدعم المادي والمعنوي من كل أفراد العائلة بشكل خاص والمجتمع ومؤسساته بشكل عام.

  • العزلة والهروب من الجماعة الواصمة للمفرج عنها.

  • الشعور بالدونية والانكسار.

  • ارتفاع مشاعر القلق والاكتئاب والعدائية (أروى أحمد شلبي 2014 : 28) من خلال هذه الآثار السلبية، يؤدي الوصم إلى العود للسلوك الإجرامي والانحرافي.

3.2. الآثار الإيجابية للوصم الاجتماعي

نظرا لشيوع الوصمة اقترح البعض أنه لابد أن لها فائدة سواء للأشخاص الواصمين أو المجتمعات فقد تساعد الوصمة على تبرير الوضع الاجتماعي السائد لجماعة من الناس أو معاملتهم أو السيطرة عليهم. كذلك رأى البعض إن الوصمة تعمل كأداة للضبط من أجل الحفاظ على النظام الاجتماعي وذلك من خلال تقليل حدوث انحراف في المستقبل أو منع حدوثه (المرجع نفسه 2014 : 28).. وذلك بسبب خوفهن من ردة فعل المجتمع.

4.2. أثر الوصمة على الموصوم (خطورة الوصم على الفرد والمجتمع)

لا تكمن الوصمة فقط في قدرتها على زرع الاكتئاب والقلق في قلب الموصوم، بالإضافة إلى أنها تعمل على انهيار الأخلاق والثقة بالنفس ومن ثم الإصابة بالوهن والجمود وعدم القدرة على الإبداع أو حتى العمل وإنما الأزمة الكبرى للوصمة أنها تؤثر على عقل الموصوم ومشاعره وسلوكه وتجعله يتصرف على النحو الذي يتوقعه منه المجتمع الواصم وهذا ما نستطيع أن نطلق عليه “تـشـــرب الوصمـة”. (علاء عبد الهادي 2016 : 11) وتعتبر عائلة السجينة بأكملها موصومة بالملجأ والمجتمع، تحت مصطلح التلوث. فالشعور بالذنب أكثر إيلاما لتحمل المجاعة في السجن خاصة عندما تعينه عائلته فالوصم يعتبر كعنصر من عناصر تمزقها. في معظم المجتمعات، تتعارض النساء الجانحات مع الصورة الحالية لدور الجنس، تقول المنظمة الدولية لإصلاح القانون الجنائي. « يمكن ترجمة النساء الجانحات من الأسرة والمجتمع إلى أشكال من النبذ أثناء الاحتجاز وبعد الإفراج من السجن أكثر تطرفا من الرجال. (Constanty 2018 : 4)

3. مشكلة السجينات ونظرة المجتمع للنساء السجينات

1.3. مشكلة السجينات

الفصل بين الأسرة والعزلة الناجمة عن احتجاز المرأة أعمق من الفصل بين الرجال الذين يستمرون في كثير من الأحيان في تلقي الدعم المعنوي وتلقي الزيارات من الأقارب. « هذا الاختلاف المهم مع وضع الرجال له عواقب على الحياة في الاحتجاز، ولكن أيضا على إمكانيات إعادة الإدماج عند الخروج يؤكد مسار جمعية المرأة بسويسرا أنه في الإجراء لن يتم تقديم السجينات من قبل عائلاتهن ولن يعرفوا إلى أين يذهبون ». ذلك لأنه من الصعب الحفاظ على الاتصال بالعائلة والعار من السجن. (Constanty 2018: 3)

كما توصلت الباحثة كاثلين وآخرون أنه في الولايات المتحدة الفتيات الجناة يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة المعقدة ومن سوء فهم الذات، والاكتئاب والانفصال، فهن يميلون إلى أن يكن مندفعات عدوانيات تجاه أنفسهن أو الآخرين، ويعانين من مشاعر مزمنة من العار وتدني احترام الذات ولومها(Kathleen 2009 :5) على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت هناك العديد من النظريات العامة التي قدمت هذه المحاولة لشرح سبب قتل النساء. على الرغم من أن بعض هذه المنظورات تهدف في المقام الأول إلى تسليط الضوء على القتل أو قتل الأطفال فقط، لا يبدو أنها تتفق على العوامل الاجتماعية والنفسية الأساسية لهذه الجرائم. ومن بين العوامل الاجتماعية الهيكلية، هناك إشارة متكررة إلى الفقر وعدم المساواة بين الجنسين والتمييز العنصري والإقامة الحضرية وغيرها من أشكال الاضطراب الاجتماعي. فتؤدي هذه العوامل الاجتماعية إلى بيئة في النساء اللائي يتعرضن للإجهاد وتحت التهديد البدني والنفسي. (Heeren 2004 : 8)

2.3. نظرة المجتمع للنساء السجينات

في كندا المرأة السجينة لا تمثل كيانا رقميا مهما بما يكفي لسلطتها. إنه بالأحرى إزعاج بيروقراطي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار (Berzns et Collette-Carrère 1979 : 11). وينظر إلى النساء اللاتي يقتلن على أنهن معزول اجتماعيا، ويفتقرن إلى الدعم الاجتماعي (Heeren 2004 : 8) أما في المجتمع العربي، وبرغم أن معدلات ارتكاب الجرائم منخفضة بين النساء مقارنة مع ما هي عليه بين الرجال، إلا أن نظرة المجتمع للمفرج عنهن نظرة قاسية جدا، وهناك عدم تقبل لهن في المجتمع، فهن مرفوضات كشريكات عمل وموظفات وصديقات وزوجات ويلاحقهن الوصم الاجتماعي، فالوصم كما هو معروف يصيب السجينة أولا ومن ثم أسرتها فالوصم يلاحق الأنثى وتحول دون اندماجها من جديد، فالوصم يلاحق السجينة أثناء وجودها في السجن وبعد خروجها منه وحتى مماتها. فالسجن عار يصيب السجينة وأسرتها ويصمهم في نظر المجتمع بوصمة تجعلهن إما يختبئن ويخفت نشاطهم وتنكسر نفوسهم ويشعرون بالعار والنقص أو قد يدفعهن إلى التصدي والثورة ومحاربة الوسط الاجتماعي الذي يحاربهن والجماعة التي تذلهن. وهذا ما يعرقل عملية التكيف الاجتماعي لها من خلال علاقتهم مع الجيران والأقارب. (أروى أحمد شلبي 2014 : 13)

4. منهجية الدراسة

نظرا لموضوع الدراسة المطروح هنا يتناول قضية اجتماعية، فإن ذلك يفرض الاعتماد على دراسة حالة وهذا راجع إلى أنها مسألة هامة هي الوصف والتحليل الشامل والدقيق للظاهرة الاجتماعية والنفسية في المجتمع.

1.4. عينة الدراسة

نظرا لصعوبة الوصول إلى ميدان البحث المتمثل النساء السجينات بالمؤسسة العقابية، وبالرغم من تقديم طلبنا لإجراء بحث ميداني بالمؤسسة العقابية، إلا أنه يمنع ذلك لقوانين خاصة بالمؤسسة. إلا أننا بإتباع تقنية الكرة الثلجية للحصول على العينة المتمثلة في 04 حالات من النساء السجينات المرتكبات لجريمة القتل والمحكوم عليهن لمدة طويلة من العقوبة، وذلك من خلال خريجات المؤسسة من زميلاتهن بكل من ولايات قالمة، عنابة وقسنطينة. وذلك للبحث الدقيق بينهن عن سبب دخولهن للسجن ومعرفة الدوافع والأسباب المؤدية لذلك بمختلف تفاصيل الوقائع.

2.4. أدوات جمع البيانات

اعتمدنا في هذه الدراسة بشكل أساسي على مجموعة من البيانات لعينة السجينات من خلال مجموعة من التساؤلات بحيث غطى كل تساؤل منها عنصرا من عناصر الموضوع كما يلي :

  • البيانات الشخصية والاجتماعية للسجينة.

  • بيانات حول العلاقات الأسرية.

  • البيانات حول دوافع وأسباب ارتكابها السلوك الإجرامي.

  • بيانات حول طبيعة الجرم والعقوبة لذلك.

  • بيانات حول السوابق العدلية

  • بيانات حول الآثار النفسية والاجتماعية بعد الدخول إلى السجن.

  • بيانات حول مستقبلها بعد الخروج من المؤسسة العقابية.

3.4تقديم وتحليل الحالات

تمت عينة الدراسة على أربعة سجينات، وقد راعت الباحثة أن تُغطي العينة من مختلف المستويات الاقتصاديّة من ثراء وفقر، وكان معظم انتمائهن من القرى وأعمارهن مختلفة وتباين في مستويات التعليم، ومن مختلف الحالة الاجتماعية عازبة ومتزوجة، مع اختلاف طبيعة الجرائم.

قتلت النساء الأربعة ثلاثة أنواع مختلفة من الضحايا : أحد أفراد الأسرة المتمثلة في الزوج، وشخص غريب. كما تبين في كل الحالات وجود شريك أثناء عملية أو محاولة القتل. لقد استخدموا أساليب مختلفة للقتل : التهديد بالسلاح الأبيض، الضرب ثم الحرق، الاعتداء والضرب حتى القتل. كان لديهن تاريخ مشترك من التعلق غير الآمن والإهمال الشديد والإيذاء طوال الطفولة والشذوذ الجنسي واستهلاك الممنوعات وتعدد العلاقات الجنسية. توصلت التقييمات لهاته الفئة إلى أن تعدد الآثار الاجتماعية والاقتصادية خاصة النفسية لصدمات الطفولة الوخيمة دفعتهن وتسببت في سلوك جريمة القتل.

1.3.4. الحالة الأولى

تبلغ هذه الحالة 30 سنة من السن، عازبة ولم يسبق لها أن تزوجت، دخلت السجن وهي بسن 16 سنة وكان لها مستوى ثانية ثانوي وهي حاليا واصلت دروسها الجامعية في تخصص علم النفس. بحيث دخلت السجن في جريمة لمحاولة قتل فتاة، وكانت مدة العقوبة آنذاك 10 سنوات إلا أن عائلة الضحية والنيابة طالبا بزيادة عدد سنوات العقوبة. كذلك نفس الشيء بالنسبة لرفيقتها في القضية. حيث تدور أحداث الجريمة حينما كان يتجولان معا، فوجدتا طفلة تبلغ من العمر بين 4 و5 سنوات، فاتصلتا بها. وحين أمسكها فنزعتا لها حلقة أذنيها، ثم وضعتا السكين على رقبتها لتخويفها، إلا أن السكين مر على رقبة الطفلة فأصبحت تنزف دما إلا أنهما هربتا وتركا الطفلة في تلك الحالة، وحينها رأى شخص تلك الفتاة اتصل بالشرطة والحماية المدنية. حاليا وهي بالسجن تعاني من اضطراب الحساسية، معظم الوقت تبكي نتيجة للصدمة التي تعاني منها لدخولها السجن كما أصرت على امتناعها عن الأكل. تجدها في حالة صمت تام، تجتهد في فرائضها الدينية بحيث تصلي، تصوم. كما تتمتع من زيارة أهلها بالمؤسسة بحيث كل أفراد العائلة تقوم بزيارتها وحتى الأقارب الآخرون كانت تستهلك كل الممنوعات ولكن ليس لها علاقات جنسية. تنحدر من عائلة ثرية، لا توجد مشاكل لدى عائلتها ونظرا لثراء المستوى المعيشي والاقتصادي للوسط الذي كانت تعيش فيه. وباعتبارها هي الصغرى في إخوتها كانت المدللة. إلا أنه حاليا كل أفراد عائلتها تبكي وتعاني لوضعها في السجن. كانت طفولتها بحالة حسنة وبمستوى جيد ماديا ومعنويا. سببها مخالطة ومصاحبة صديقة لها في سن المراهقة كما ساعدتها في اللقاء بشقيقها في منزلهم ودون علم والداها، بحيث ما جرى لها كانت متمنية لو تعرضت لاعتداء جنسي وحمل غير شرعي على أن تدخل السجن بسبب المخالطة لأشخاص منحرفين. فكل الأهل لم يتخل عنها. مثلما كانت تصريحاتها : (لم تتخلى العائلة عني ولأكمل دراستي، أخاف على عائلتي من كلام المجتمع لأني دخلت السجن بسن 16 سنة، أصبحت أصلي وأبتعد عن الفوضى والمشاكل بالمؤسسة، كما تضيف : تحطم اسم العائلة وكنت أنا السبب وحدثت لهم مشاكل بسببي ولا أستطيع فعل أي شيء وأنا بين أربعة حيطان وباب حديدي كبير).

  • تحليل الحالة الأولى 

نظرا لسن الحالة لارتكابها الجرم بسن المراهقة وكذلك مرافقة صحبة السوء التي أدت لرغبة الاكتشاف والتجريب والمغامرة وتعاطي الكحول والمخدرات في وقت مبكر بسبب الاهتمام الزائد من طرف العائلة كونها هي الطفلة الصغرى مما يدل حصولها بسهولة على كل ما ترغب به دون امتناع، وبتكرار السلوك المنحرف تلو الآخر حتى زج بها لارتكاب ما هو أخطر وأعنف والزج بها في السجن كما أشارت إليه الدراسات لارتكاب الفتاة القاصرة لجريمة القتل وبالرغم لعدم وجود نية في ذلك ولعدم وجود سوابق إجرامية مسبقة لها والظروف الاجتماعية التي عاشت فيها سوية. ومهما محاولة إدماجها اجتماعيا من تحسن مستواها التعليمي وعدم تخلي عائلتها عنها، إلا أن شعورها بالعار سبب لها بالحرج والخجل، وحتى إن تماثل إلى إعادة توبتها إلا أنها تبقى سجينة في نظر المجتمع وهذا ما تبين في عباراتها. فالأسى والوصم امتد حتى للعائلة ككل فشعورها بالذنب أكثر إيلاما لتحمل المجاعة في السجن خاصة عندما تتمسك بها عائلتها فالوصم يعتبر كعنصر من عناصر تمزقها.

2.3.4. الحالة الثانية

تبلغ السيدة من العمر 32 سنة، لها مستوى تاسعة أساسي، مطلقة ولها طفل، تعرضت لعقوبة السجن لمدة 10 سنوات لجريمة محاولة القتل، حينها تعرضت لعدة صدمات كإصابتها بالغيبوبة عندما قام زوجها بتطليقها وهي بالسجن، كما تعاني من اضطرابات الحساسية ولها الشذوذ الجنسي بحيث تمارسه مع بنات بالسجن. عاشت ظروف اجتماعية مضطربة ومليئة بالعنف حيث كان والداها يتشاجران. فهربت من بيت والدها مع الرجل الذي أحبته وثم تزوجت به. وسابقا كانت تلتقي بشقيق صديقتها بمنزلهما ثم انقطعت علاقتهما. إلا أنها بقيت مع اتصال بصديقتها التي هي بنفس عمرها. وكانت تسكن بجانبها بحيث تأتي لزيارتها دائما، فقامت معها علاقة جنسية وأصبحت تحضرها لبيتها الزوجية ثم تذهب معها للتنزه دون علم زوجها. وفي إحدى الأيام بينما هي وصديقتها تتنزهان وجدتا فتاة تبلغ من العمر 4 أو 5 سنوات كانت تقطن بقرية صغيرة مجاورة. فنادتاها فأتت إليهما الفتاة فأمسكتا بها ثم وضعتا السكين في رقبتها لتخويفها لنزع قرضا أذنيها. إلا أن السكين مر على رقبة الطفلة فأصبح الدم يسيل فهربتا وتركتا الطفلة تنزف دما وحينها وجدها رجل فاتصل بالشرطة والحماية المدنية. فتم نقل الطفلة إلى المستشفى وبعد تخطيها حالة الغيبوبة أجريا معها الشرطة تقرير حتى تعرفت الفتاة عن الفاعلة، فقبضوا عليهما وتم إيداعهما السجن.

كانت تتجول كثيرا في الشارع حتى تعرفت على هذا الشاب فتزوجها وأنجبت منه طفل. كانت مدمنة الكحول، وتبيت في الجبل والغابة وتستهلك كل الممنوعات وتبحث عن المال. في شخصيتها طفلة وفي نفس الوقت تحب العلاقة الجنسية مع الفتيات. تمارس هواية الرسم وذلك نظرا لموهبتها في ذلك. هي حاليا بالسجن منذ 2004 إلى غاية يومنا هذا سبتمبر 2018، دخلت السجن وهي بسن 18 سنة أحيانا كانت تظهر بشخصية سوية وأحيانا أخرى تبدو بشخصية منحرفة ازدواجية الشخصية (تصرح بما يلي : أصبحت كثيرة المشاكل والشذوذ الجنسي مع الفتيات، لعنة الله عليا وعائلتي والمجتمع بأكمله، تخلي العائلة عني وزوجي كذلك ولم أعد أرى ابني. كما تضيف : قد اختلطت عليا الأمور وأصبحت في خبر كان ولا أحد يأتي لزيارتي فأنا أريد رئيس عصابة وأنشئ بيوت دعارة كما أتمنى أن يختلط الشر بالخير ويغلب الشر).

  • تحليل الحالة الثانية 

نظرًا لتاريخ الحالة والتي تنحدر من بيئة يسودها العنف والتصدع وإصابتها لعدة اضطرابات سلوكية غير سوية كالهروب والشذوذ الجنسي وتعدد في العلاقات. وتدني المستوى التعليمي والاقتصادي وكثرة الانحرافات السلوكية وإدمانها على الكحول وتعاطى المخدرات في وقت مبكر، ونتيجة لذلك تعرضت الحالة لإيذاء جسدي لفظي ونفسي في مرحلة الطفولة، وكما تم الإشارة إليه في الدراسات السابقة وهكذا حتى توصلت لجرم أخطر بالخطأ وبالرغم من أنه لم يكن لها نية في ذلك. وبسبب تعدد العوامل أصبحت تعيش حالة اضطراب من أحاسيس متباينة تعبر عن كونها منبوذًة ومطرودة وتدني احترام ذاتها وشعورها بالتلوث الأخلاقي لاقتراف السلوك الإجرامي وتعرضها لعقوبة السجن مما أدى لإصابتها بالحزن وتحيزها عن المجتمع من خلال تعرضها للطلاق نظرا لطول مدة عقوبتها وذلك لما تسبب له في الإحراج وحرمانها من احتضان ابنها ما جعلها مرفوضة اجتماعيا مما أدى بها لحالة نفسية غير سوية كالنظرة التشاؤمية نحو مستقبلها والانتقام من الكل والعود للإجرام والانحرافات الجنسية وعدوان اتجاه ذاتها والمجتمع والحسرة والاكتئاب.

3.3.4. الحالة الثالثة

تبلغ السيدة 47 سنة، لها مستوى ثالثة ثانوي. متزوجة ولها طفلين. عاشت مشاكل مع العائلة الكفيلة بها منذ الطفولة علما أنها مسعفة ولم تتعرف على والديها البيولوجيين، بحيث كان زوجها يملك مسكن وشاحنة نفعية. ونظرا لتعدد علاقاته الغرامية بنساء أخريات كانت السجينة تعيش معه مشاكل يومية بسبب ذلك كما لا يقوم بالنفقة على أسرته. وهي كذلك كان لها علاقة غرامية مع شخص في مكان عملها. عوقبت لجريمة القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد وكانت المدة 40 سنة، تعود أحداث الواقعة عند خطوبة ابنتها فرفض والدها تزويج ابنته بهذا الشاب. قامت بتخطيط لعملية قتله والتخلص منه بحرقه في مركبته. وفي إحدى الأيام وعند عودة الأب إلى بيته وهو في حالة سكر وفاقد للوعي. قام صهره بضربه مقابل قيمة مالية مقدرة بمائة ألف دينار جزائري (100000 دج) ثم قاموا بوضعه داخل شاحنته وقاما بحرقها. تم الحكم على صهرها بالسجن لمدة 20 سنة. وفي أوقات أخرى كانت تحرض رجال آخرون ليقوموا بضرب زوجها. كما تم الكشف عن علاقتها الغرامية. حاليا تعاني من بعض الاضطرابات الجسدية كنزيف الأنف. إلا أن سلوكها داخل المؤسسة يتصف بالفتنة بين السجينات. وهي تردد : لا أجد الطمأنينة في حياتي ولا في عملي، عانيت من الحقرة عند زوجي وأهله وأقاربه، اختلاط الأمور عليا وتدهور حالتي النفسية قادتني لأسوء حال. كما تضيف : قاتلة لزوجها ليس لديها دين ولا ملة من نوعية النساء اللواتي خرجن عن القانون، تافهة لدرجة تحت الصفر لا ضمير ولا قلب يطلق عليا اسم الإرهابية وخائنة في المجتمع البائس).

  • تحليل الحالة الثالثة 

نظرا لتعرض الحالة لجملة من المشاكل والضغوطات خلال تنشئتها الاجتماعية وامتد ذلك إلى حياتها الزوجية وهذا يمكن بسبب عدم التعرف عن والديها البيولوجيين وكونها كفيلة، مما أدى لحدوث اضطراب في الشخصية وهذا ما يدل عن عدم توافقها الاجتماعي مع أفراد محيطها، وانحرافها عن ذلك من خلال الخيانة الزوجية وبناء علاقات غير سوية يرفضها المجتمع جعلها تقع فريسة الانفعال الشديد ومحاولة التخلص منه لعدة مرات وبطرق عنيفة. ومقارنة بزوجها الذي كانت تتلقى منه كل أنواع العنف الجسدي النفسي الاجتماعي والاقتصادي، وسلوكه المنحرف من تعدد في علاقاته، وإدمانه على الكحول. فهي تعيش حاليا شعورًا سيئًا لجريمة القتل باعتبارها المجرمة المتهمة أمام زوجها الضحية.

كما تعاني من حالة قلق وحزن وإكتئاب وتدّني احترام الذات وعداء اتجاه ذاتها خصوصا فهي تمثل كمصدر إزعاج اجتماعي ولها نظرة تشاؤمية للمستقبل والتفكير في العود وانتقام ذاتها. وهذا ما يعرف بالوصم الداخلي ومنه تأكيد نقمة الموصومة نحو نفسها وشعورها بالعار والنعت بالمسيئة للمجتمع.

4.3.4. الحالة الرابعة

تبلغ السيدة من العمر 43 سنة، لها مستوى تاسعة أساسي عازبة. تعرضت لعقوبة السجن لجريمة القتل ألعمدي مع سبق الإصرار والترصد لمدة 40 سنة ولا تزال ليومنا هذا بالسجن. تنحدر الحالة من أسرة فقيرة وكل الإخوة الذكور يعيشون على السرقة، السكن الذي تعيش فيه رديء الدخل الشهري للعائلة ضعيف المشاكل بين الإخوة والأخوات داخل المنزل يوميا، عائلة جد فقيرة، أفراد العائلة ككل تعيش على سلوك السرقة، كما يوجد أيضا داخل الأسرة الانحرافات الجنسية فالسيدة كذلك تمارس الجنس للحصول على المال فكل فتيات الريف تقريبا يتعرضون للتحرش الجنسي أو يعتدون عليهن منذ الطفولة فصديقها أيضا يحرضها لمخالطة رجال آخرون. في السجن لم يأتي أحد من أفراد عائلتها لزيارتها. بحيث لما كانت في موعد غرامي مع صديقها. كان في القرب منهم طفل مراهق يبلغ من العمر حوالي 15 سنة يرمي عليهم بالحجارة. ثم قامت هي وصديقها بخطف هذا المراهق فقاما بربطه بخيط من الحديد. وقام صديقها بالاعتداء عليه من جهة كذلك هي مارست عليه العنف وكان بالعض على كتفه وهذا ما أثبت إدانتها. وكما قامت بضربه على رأسه بالحجر ومنها توفي المراهق. كما يمارس بعض أفراد عائلتها متاجرة المخدرات بكل أنواعها. وهي حاليا مازالت بسجن قسنطينة. بحيث معظم وقتها داخل بالمؤسسة كانت صامتة وتبكي، لا تعمل لا تكتب. تعاني الحالة من اضطرابات في المعدة، وحين تم بنطق الحكم لمدة العقوبة أصيبت بغيبوبة. (تصرح بمايلي : مددت يدي لصديقي فلطخها بدم طفل بريء، نظرة المجتمع أنني مجرمة واقترفت ذنب، حطمت مستقبلي بيدي ولا أدري ماذا ينتظرني في الغد. كما تضيف : نظرة المجتمع لي بأني مجرمة وقاتلة، ضاع المستقبل وضاعت عائلتي وخسرتها، انقلاب موازن حياتي كلها، ارتفاع نسبة الرعب بداخلي أحس بالخوف وأجهش بالبكاء).

  • تحليل الحالة الرابعة 

نشأت الحالة في بيئة مفككة متصدعة من العنف والانحرافات السلوكية والجنسية، ونظرا لتعرضها للصدمات النفسية في مرحلة الطفولة من محاولات الاغتصاب والأزمات الاجتماعية كالتصدع العائلي جعلت الحالة تقع فريسة لضغوط اجتماعية ساعدتها على الفعل الإجرامي وإضافة ذلك الفقر السبب الرئيسي في حدوث ذلك، فتجردت من أهلية القبول الاجتماعي بحيث تعيش داخل السجن وهي على يقين كامل بأن المُجتمع قد ابتعد عنها وهي تحت شعور سیئا من الدونیة والانكسار وعدم الأمان وحرمانها من الاندماج في الحياة العامة. جعلها تندم لقتل الضحية، فهي تنظر إلى مستقبلها بنظرة تشاؤمیة.

4.4. استخلاص النتائج

أشارت نتائج الدراسة حول الوصم الاجتماعي للمرأة السجينة نموذج لجريمة القتل، إلى ما يلي :

  • بالنسبة للفرض الأول حول معاناة المرأة السجينة من الوصم الاجتماعي فاتضح ذلك في دراسة الحالات الأربعة من خلال :

  • شعورهن بالعار الذي سبب لهن الحرج والخجل، فمهما تغيرن يبقين سجينات في نظر المجتمع، مما يزيد من تمزق كيانهن النفسي. كما اتضح أنهن في حالة اضطراب من أحاسيس متباينة تعبر عن كونهن منبوذًات ومطرودات من المجتمع. وتدني احترام ذاتهن وشعورهن بالتلوث الأخلاقي لاقتراف السلوك الإجرامي، كما تعانين من حالة قلق وحزن واكتئاب وعداء، وهن تحت شعور سیئا من الدونیة والانكسار وعدم الأمان جعلهن يندمن لقتل الضحية. فهن كمصدر إزعاج بالنسبة للمجتمع.

  • بينما أشارت نتيجة الفرض الثاني : حول التعرف عن آثار الوصمة الاجتماعية للمرأة السجينة المرتكبة لجريمة القتل نموذجا فتبينت من تجردهن من أهلية القبول الاجتماعي بحيث تعشن داخل السجن وهن على يقين كامل بأن المُجتمع قد ابتعد عنهن، كذلك الأسى والوصم امتد حتى لعائلتهن وتعرضهن لعقوبة السجن مما أدى لإصابتهن بالحزن وتحيزهن عن المجتمع من خلال تعرضهن للطلاق نظرا لطول مدة عقوبتهن كما اتضح ذلك في بعض الحالات وذلك لما تسبب لهن من إحراج وحرمانهن من احتضان أطفالهن ما جعلهن مرفوضات اجتماعيا، وحرمانهن من الاندماج في الحياة العامة.

  • كما أثبتت نتيجة الفرض الثالث : حول مشكلة المرأة السجينة اتجاه ذاتها ومستقبلها من خلال دراسة الحالات تبين نظرتهن وفي ظروف حالتهن النفسية الغير سوية كالنظرة التشاؤمية نحو مستقبلهن والانتقام من الكل والعود للإجرام والانحرافات الجنسية وعدوان اتجاه ذاتهن والمجتمع والحسرة والاكتئاب. ومنه تأكيد نقمة الموصومة نحو نفسها وشعورها بالعار والنعت بالمسيئة للمجتمع. مما يظن أنهن سيئات على المجتمع وغير صالحات.

خاتمة 

إذا كانت مساهمة النساء في الحياة العامة تؤدي إلى إيجاد الفرص أو الظروف التي يمكن أن تحملهن على الإجرام إلا أن هذا الإجرام يتصف عادة بنوعية خاصة بالنظر لتكوين المرأة ودورها في الحياة، وخلافا لما هو شائع اجتماعيا، من أن المرأة لا تقدم كثير على اقتراف جرائم العنف وخاصة جريمة القتل وحتى وان فعلت فنصيبها منها ضئيل مقارنة بالجرائم الأخرى، بحيث توصلت نتائج الباحثين أن جريمة القتل كانت أعلى نسبة في الارتكاب من قبل المرأة مقارنة بالجرائم الأخرى.

إضافة إلى ذلك توصلت نتائج الدراسة القائمة على أن المرأة تعيش داخل السجن وهي على يقين بأن مجتمعنا قد لفظها وطردها، ومن ثم تكون لها أحاسيس متباينة تعبر عن كونها منبوذة ومطرودة، كما تكون لها أحاسيس متباينة من تأثير الذات والعديد من الأفكار المؤلمة، والتي تندرج جميعها في نطاق من القلق والتوتر إزاء حاضرها ومستقبلها.

بحيث اتضح من خلال الدراسة أن السجينة تصيب بالوصم أولا ومن ثم أسرتها فالوصم يلاحق الأنثى في أثناء دخولها السجن وبعد خروجها منه وحتى مماتها. فالسجن عار يصيب أفراد أسرة السجينة ويصمهم في نظر المجتمع بوصمة تجعلهم إما تجرح نفوسهم ويركبهم مركب النقص أو قد يدفعهم إلى التصدي والثورة ومحاربة الوسط الاجتماعي الذي يحاربهم والجماعة التي تذلهم.

في الأخير يمكن اقتراح بعض التوصيات الميدانية كالتالي :

  • إعداد برامج وتدريب وحملات توعية حول الإرشاد الأسري خصوصا من لهم مشاكل أسرية، والتحسيس ببرامج تكفل وإدماج النساء من هن ضحايا عنف ومن هن في وضع اجتماعي صعب، وتنفيذ عبر وسائل الإعلام بخطورة السلوك الإجرامي خصوصا لدى المرأة ومخاطره السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع والعواقب الوخيمة الناتجة عنها.

  • التنسيق بين المساعدين الاجتماعيين والمربين والأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين لدى مديريات النشاط الاجتماعي والمساعدين الاجتماعيين لدى المؤسسات العقابية في محاولة التكفل بالسجينات داخل المؤسسات العقابية وكذلك التكفل بأطفالهن من خلال إدماجهم لدى مراكز الطفولة المسعفة، أو التنسيق خصوصا والعمل كوسطاء اجتماعيين بين السجينات وعائلاتهن بتخطي هذه المعظلة من خلال مواصلة زيارة السجينات لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهن، وتكثيف المجهودات للحالات التي اقترب خروجهن من السجن وإعادة وحفظ الروابط العائلية مع توفير لعائلاتهن مساعدات مادية ومالية لإعادة بناء مكانتهن الاجتماعية.

أحمد الخمليشي :( 1986)، القانون الجنائي الخاص، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرباط،ج 2.

أروى، أحمد شلبي. (2014) دور الوصم الاجتماعي في الاستجابات السلبية للأسرة السعودية تجاه المفرج عنهن،

دراسة استكمالية للحصول على درجة الماجستر، 2014، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.

الأمم المتحدة،(2012، 02 جويلية)، « الوصم وإعمال حقوق الإنسان في الحصول على المياه وخـدمات الـصرف

الصحي »، الدورة 21، البند 3. استرجعت في تاريخ 8 جانفي 2019 منhttps://www.ohchr.org> <

حسين، عبد علي عيسى : (2005) « جريمة قتل شخصين فأكثر في قانون العقوبات »، مجلة الرافدين للحقوق،

مجلد(3/ السنة العاشرة)، (26)، 351-399.

حيزية، حسناوي : (2012)، أنماط ودوافع جريمة المرأة في المجتمع تحليل مضمون جريدة النهار، مقدمة لنيل

شهادة الماجستر، جامعة باجي مختار، الجزائر.

دينا، عبد الرحمن البقرى، ووليد عبد المنعم، الدماطى :( 8 نوفمبر، 2016) « الوصم والرفض المجتمعي للحالات

التي تتعامل معها مؤسسة حياه مما ينذر بعودتها إلي الجريمة »، استرجعت في تاريخ 8 جانفي 2019 من

lfdci.org>.

شوقي ضيف(1999). معجم القانون، القاهرة، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية.

عزام، بن محمد بن سعد الشويعر : (2000) الآلة الجنائية في جريمة القتل العمد وأثرها في الحكم القضائي، بحث

مقدم استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستر في العدالة الجنائية، أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الرياض.

علاء، عبد الهادي. (2016، 5 جانفي) « الوصمة المجتمعية وعلاقتها بالعودة للجريمة ». استرجعت في تاريخ 8

جانفي 2019 من <lfdci. Org/979/>.

عماد الدين، وادي. (2015). إجرام المرأة ودور المؤسسات العقابية في إعادة تأهيلها. رسالة دكتوراه. جامعة

الجزائر 1. الجزائر.

فاطمة الزهراء، زيدان : (2015، 4 نوفمبر) « ذوي الاحتياجات الخاصة بين الدمج الاجتماعي والوصم

الاجتماعي »، مجلة دفاتر المخبر، 10 (02)، 105-120.

القرآن الكريم : سورة الحجرات الآية 11.

محمد إبراهيم الربدي، العوامل الاجتماعية المرتبطة بجرائم النساء في المجتمع السعودي، بحث مقدم لاستكمال

رسالة ماجستر، الرياض، 2003.

مراد، بن علي زريقات. (2007) « العوامل الاجتماعية للانحراف قراءة سوسيولوجية »، ورقة عمل مقدمة ضمن

أعمال مؤتمر التنمية البشرية والأمن في عالم متغير، جامعة الطفيلة التقنية – الأردن.

مزوز، بركو. (20062007/). إجرام المرأة في المجتمع الجزائري العوامل والآثار. رسالة دكتوراه، جامعة منتوري

قسنطينة. الجزائر.

مزوز، بركو. (2012، 07 جويلية) « مقاربة نفسية اجتماعية للجريمة النسائية : لماذا تجرم المرأة »، استرجعت في

تاريخ 8 جانفي 2019 من https://www.acofps.com> showthread. <

مسعودة، بن السايح. (2018، ديسمبر) « الوصم الاجتماعي لدى عينة من المدمنين »، دراسات في العلوم

الإنسانية والعلوم الاجتماعية، 32(01)، 155- 171.

نجيب علي سيف الجميل : (2008، أكتوبر) « المرأة والجريمة من منظور القانون الاجتماعي »، استرجعت في تاريخ

8 جانفي 2019 من< https://www.yemen-nic.info>

نوارة أ : (2008، 07أكتوبر) « القتل في مقدمة الجرائم التي ترتكبها المرأة ». استرجع في تاريخ 8 جانفي 2019

من الرابط https://www.djazairess.com> elmassa <

هشام، بن صالح الزير :(2009) « قتل الغيلة »، بحث محكم، جامعة الطائف، العدد 43، 62-98.

وديع، العيسي : (2013، 25 جوان) « السجينة ... يتخلى عنها الأهل ويظلمها المجتمع فتغدو عرضة

للانحراف »، استرجعت في تاريخ 8 جانفي 2019 من الرابط lfdci.org>

وسيلة، شابو.(2017) « تأثير الوصم على إعمال حقوق الإنسان »، مجلة صوت القانون،(8)، 344- 366.

ياسمينة مزوار، (2013) بروفيل شخصية المرأة المجرمة، مذكرة لنيل شهادة الماجستر، باتنة. الجزائر.

Corinne Rostaing :(2011) »Processus de stigmatisation et violences en prison « . De la nécessité de résister, archives ouvertes fr, p. 155-175.

Jean-François, Lable. (2015, 07 Décembre) Sortie et sortants de prison : une réinsertion déterminée, Thèse présentée et soutenue à Guyancourt : Université. Paris.

JOHN W. Heeren (May 2004) »Another Side of Multiple Murder; Women Killers in the Domestic Context «, Homicide studies, vol. 8 No. 2, 123-158.

Kathleen M. Heide, Eldra P. Solomon :( 2009) »Female juvenile murderers: Biological and psychological dynamics leading to homicide, « International Journal of Law and Psychiatry 32, 244–252.

Lauriane Constanty :( Février ) »La détention au féminin, entre honte et stigmatisation, « Info prison, la suisse.

Lorrane, Berzns et Renée, Collette-Carrère : (1979, Novembre) » La femme en prison : un inconvénient social « , Santé mental au Québec, 4 (2), p9. Document généré le 5 mars 2018, 20 : 31.

Tracy L. Snell, Danielle C. Morton ; (1994, march). » Women in prison “. Survey of St

زايـــــدي وسيــــلة

جامعة باجي مختار – عنابة، الجزائر

فريحــة محمد كريم

جامعة باجي مختار – عنابة، الجزائر

برغــــل سعــــــيد

جامـعــــة أبيتيـــبي- كيبــيك، كنــــدا

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article