تسويات التّرجمة من أجل إثراء حوار الثقافات

L’intraduisible dans le dialogue interculturel

Intranslatability In Intercultural dialogue

بريهوم فطيمة ياسمينة Fatima -Yasmina Brihoum ياسمين قلّو Yasmine Kellou

p. 43-52


Christine Durieux (2008). Actes du Colloque « 2008 –Année du dialogue interculturel », University Studio Press, Thessalonique, p. 172-178. https://www.frl.auth.gr/sites/congres/Interventions/FR/durieux.pdf

بريهوم فطيمة ياسمينة Fatima -Yasmina Brihoum ياسمين قلّو Yasmine Kellou, « تسويات التّرجمة من أجل إثراء حوار الثقافات », Aleph, 7 (1) | -1, 43-52.

بريهوم فطيمة ياسمينة Fatima -Yasmina Brihoum ياسمين قلّو Yasmine Kellou, « تسويات التّرجمة من أجل إثراء حوار الثقافات », Aleph [], 7 (1) | 2020, 20 April 2020, 23 November 2024. URL : https://aleph.edinum.org/2179

Le présent article intitulé dans sa langue d’origine « L’intraduisible dans le dialogue interculturel » traite de l’intraduisible dans la traduction, il visualise aussi les procédés, que Christine Durieux, avait proposés pour la problématique quasi éternelle de la traduction, voire l’intraduisible.
Donc l’intraduisible serait, selon Christine Durieux, dans l’optique communicationnelle, une possibilité récurrente par l’emprunt, la transposition et d’autres solutions aussi pertinentes pour des résolutions qui, plus au moins, véhiculeront le sens, en s’appuyant sur le vouloir-dire du texte ou du contexte.

This article, entitled in its original language ‘L’intraduisible dans le dialogue interculturel’ deals with the untranslatable in translation, and visualises the processes that Christine Durieux proposed for the almost eternal problem of translation which is translatability.
Therefore, the untranslatable would be a recurring possibility in the communicative perspective by borrowing, transposing and other solutions as relevant for resolutions that, at least, will convey the meaning, based on the meaning of the word. Text or context confirmed Christine Durieux.

يتناول هذا المقال المعنون في لغته الأصليّة بـ « L’intraduisible dans le dialogue interculturel » لكريستين دوريو (Christine Durieux) تقديم بعض الحلول للأشياء التي يستحيل ترجمتها، إذ عرضت الكاتبة بعض الأمثلة التي فرضتها التطوّرات التكنولوجيّة والاِقتصاديّة في الحياة المعاصرة، وبالتالي ما تعجز التّرجمة عن تقديم مكافئ له في لغة الوصل. فالتّداخل الثّقافيّ يفرض جملة من التّسويات، تقول كريستين دوريو على المترجم، بما أنّه الوسيط المخوّل بالقيام بذلك، القيام بها، للمساهمة في إثراء الحوار الثقافيّ والحضاريّ وفق إجراءات كالاِقتراض، والنّقل، والتّحويل...إلخ.

« ...تقوم التّرجمة على سيرورة تفاوضيّة، بما أنّ هذه الأخيرة على وجه التّحديد عمليّة نحصل بها، على شيء ما، ونتخلّى عن شيء آخر، ومن ثمَّ تخرج الأطراف في نهاية المطاف، بنوع من الرضى العقلانيّ المتبادل، على ضوء المبدأ الذهبيّ القائل بأنّنا لا يمكن أن نحصل على كلّ شيء. »(إيكو2006 :18)

مقدمة

يمكننا أن نعتبر منذ البداية أنّ عنوان هذه الورقة يتضمّن أربع كلمات مفتاحيّة : عمليّة التّرجمة – اِستحالة التّرجمة – التّفاوض – التّسويّة، ويُنظر إلى عمليّة التّرجمة، هنا على أنّها عمليّة تواصل ووَساطة تجعل الحوار البيلسانيّ والبيثقافيّ ممكنا. فلا بّد من أرضيّة مشتركة، داخل أيّ حوار، ليحقق أيّ تقاطع فهما متبادلا. ولا بّد بالنسبة للحوار البيثقافيّ من مظاهر ثقافيّة مشتركة من طبيعتها أن تخدم إحالات موحدة لضمان إقامة التّواصل. على أنّنا نعلم اليوم أنّ الثّقافات كانت وما زالت تقوم على معارضة بعضها. ومن الطبيعيّ أن تنتج نقاشات حول ما يتواضع عليه البعض حول فكرة أنّ الثقافة هي مجموعة خصائص اِستثنائيّة هوياتيّة. لينبثق من هنا، بغرض التّرسيخ الثّقافيّ لكلّ منتج لغويّ، مفهوم اِستحالة التّرجمة. إنّ تعريف هذه الكلمة أكثر ثباتا من تعريف الثّقافة، الذي لم يتغيّر من قرون : « إنّه اِستحالة أن نترجم » هذا ما عرّف به قاموس ( Le Grand Robertروبير :1200) - مادة اِستحالة التّرجمة، ليعيد بذلك تعريف المادة المتعلّقة بقاموس الشامل للقرن XIX (لبيير لاروس Pierre Larousse 1873) بحذافيره. وقد كتب الموسوعيّون قبل قرن : « تتعذّر ترجمة كاتب، عندما تكون المصطلحات التي تعبّر عن الفكرة نفسها، أو على وجه التّحديد مجموعة أفكار قليلة في لغة المترجم » ( ديدرو Diderot 1772)،الموسوعة -مادة اِستحالة التّرجمة. إنّ هذه التّعاريف تذكّر بعدم تطابق الحقول الدلاليّة بكلمات المفردات بين لغتين. ولهذا النّوع من التّعاريف اِتّصال أكبر بمفهوم اِستحالة المشافرةintranscodable، التي تتضمّن غياب التّقابل التّناظريّ (bijection) الذي يتعلّق على ما يبدو بكلمتين في لغتين مختلفتين.

سيكون بإمكاننا في هذا الفئة، أن نضع كلّ الخصائص التي تجعل لغة ما، لا تُحوّل إلى لغة أخرى، وكلّ ما يمنع مطابقة الوحدات اللّسانية بين لغتين مختلفتين كـ : الاِشتراك اللّفظيّ، والاِشتراك المعجميّ الجامد، العبارات الاِصطلاحيّة، والعبارات المسكوكة، إلخ.

إنّ هذه المقاربة تتناول ما يظهر على أنّه مستحيل التّرجمة في الحوار البيثقافيّ، كالتّلميحات، والإحالات الثقافيّة على وجه الخصوص. « لقد سبق وأن قلنا، وهذه فكرة راسخة، أنّ التّرجمة لا تتعلّق بالعبور بين لغتين، وإنّما بالعبور بين ثقافتين، أو موسوعتين. إنّ المترجم يضع نصب عينيه القواعد اللّسانيّة، كما لا يغفل عن العناصر الثقافيّة، بالمعنى الأشمل للكلمة » (إيكو190 :1986)

1. إحالة خاصة بثقافة النّص الأصل

بدأت الأزمة الاِقتصاديّة العالميّة كما نعرفها في الوقت الراهن من الولايات المتّحدة الأمريكيّة. فقد مسّت في بدايتها الأسر قليلة الدخل التي كان من العسير عليها دفع مستحقّاتها من الديون العقاريّة. لقد تسبّب مشكل اِسترداد القروض المدفوعة بطريقة غير مدروسة، في إفلاس بنوك كبيرة، أحالت مسيّري مجموعات اِقتصادية وبنكيّة، على البطالة، أي في وضع حرج بعد أن كانوا في مصاف المجتمع.

بهذه الطريقة وجد عضو من مسيّري لومان وإخوتهLehman brothers نفسه في دوامة لا نهاية لها بعد إفلاس المجموعة : ووجد من كان أنموذجا للنجاح نفسه منهارا، فصار أولاده يحتقرونه بعد أن كانوا يقدّرونه، ثم هجرته الزوجة التي لم يعد له الإمكانات لتدليلها كما من قبل، بل إنّ شركاءه في الغولف لم يعد لهم رغبة في اللّعب معه، لأنّه يجسّد صورة الفشل.

ولم تعد الصّحافة إلاّ وسيلة لوصف هذه الحياة المهشّمة، وإعادة سرد تفاصيل هذا الاِنحدار إلى الجحيم الذي جرّ عددا من مسيّري المجموعات الاِقتصاديّة والبنكيّة. مع أنّه : « في أواخر الثّمانينيّات، كان المسيّر، حديث التّخرّج من إيفي ليغ Ivy leagueيطمح إلى الوصول بسرعة إلى منصب نائب الرّئيس. »

لقد مسّت الأزمة الاِقتصاديّة العالميّة كلّ قطاعات الخدمات، وحتى الوسط الجامعيّ. ففي الواقع، وكما جرى العرف، إنّ الطلبة بعد حصولهم على شهاداتهم، وبمجرد اِندماجهم في الحياة العمليّة، فإنّهم يشرعون في تقديم تبرّعات عينيّة للجامعة التي كوّنتهم، فكلّما كانت الجامعات مرموقة، كلّما كانت الشهادات التي تمنحها مقدّرة، وكلّما ذرّ المنصب الذي يحوزه متخرّجوها، المكافئات الوفيرة. غير أنّ الواهبين الكرماء في فترة الاِزدهار، توقّفوا عن المساهمة في تمويل جامعاتهم، بسب الاِنهيار الذي ألمّ بهم. وهكذا سجّلت الصّحافة حالة الصعوبة هذه في عنوان كبير : « الأزمة تضرب إيفي ليغ Ivy League حاليا ».

إنّ المثال الذي نحتفظ به للدراسة في التّرجمة هو. Ivy League ويبدو جليّا قبل أن نبدأ أن جمع هاتين الكلمتين غير قابل للتّشفير (transcodable)إنّه ممّا نسميه في التّرجمة اِستحالة التّرجمة.

إنّ أوّل مراحل ترجمة هذا النوع هي الإحاطة بالواقع الذي يحيل إلى التّسمية Ivy League فالبحث السّريع سيكشف أنّها التّسمية التي تطلق على الجامعات الثمانية الكبرى في شرق الولايات المتّحدة الأمريكيّة : هارفردHarvard، يالYale، بنسيلفانياPennsylvania ، برينستونPrinceton ، كولومبياColumbia ، براونBrown، كورنال Cornell، درتماوثDartmouth . تبدو العلاقة التي تجمع التّسميّة والواقع المعيّن غامضة، ولا يمكن فهمها إلاّ بمتابعة البحث الوثائقيّ، الذي سنتمكن من خلاله من معرفة أنّ هذه الجامعات الثمانية المرموقة كانت على الدوام مغطاة باللبلاب. وهو ما يسمح لنا بفهم حضور Ivyفي التّسميّة، إنّما يمكننا أن نتساءل أيضا حول حضور League، التي تستحضر رابطة مجموعات فرق رياضيّة أكثر من رابطة مؤسسات جامعيّة. والإجابة موجودة، في وثيقة ملخّص القبول في جامعة إيفي ليغ كما يلي : « من المهم أن نشير إلى أنّ لفظة إيفي ليغ لا تعود في أصل وضعها إلى الجامعيين بل إلى الرّياضيين. فإيفي ليغ لم تُكوِّن في نشأتها العقول بل الفرق الرّياضيّة. وهذا ما يعني أنّ هذه الجامعات الثمانية تشترك جميعها في الخصائص التّعليميّة والمؤسساتيّة لطلابها زيادة على برنامجهم الرّياضيّ عدا أنّها جميعا جامعات عريقة وخاصة، وتقع جميعها في شمال شرق الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وتنعم بتبرّعات مهمة من طلابها القدامى، وهي تبرّعات معتبرة، وثمينة ».

هذا بشأن الواقع المحدّد وأسباب التّسميّة؛ فلنمر الآن إلى التّرجمة. بما أنّ هذه التّسميّة تحيل إلى واقع خاص بثقافة النّص الأصل الذي سيترجم، فعلى المترجم أن يبدأ عملية التّفاوض بهدف الوصول إلى تّسويّة مقبولة. إنّ الاِحتمالات المتوافرة لديه « نقيّة وبسيطة »، أي الاِقتراض الواضح وقد يصل به الأمر إلى حدّ النقل (transposition) الذي هو اِزدراع الواقع المحدّد في ثقافة الاِستقبال.

  1. In the late eighties, the manager was young, Ivy League, and hoping for an early vice-presidency1.

  2. Now the Crunch hits the Ivy League.2

إذا أعدنا أخذ المثالين المقدّمين أعلاه لـ Ivy League، نلاحظ أنّ التحوّل (report) البسيط هو الحلّ الممكن في الحالة(2)- الأزمة تمسّ حاليا إيفي ليغ- حتى وإن لم تكن بكلّ تأكيد هذه هي التّرجمة المفضّلة لأنّ الفهم غير مؤكد في ثقافة الاِستقبال. وعليه يفترض هذا معرفة دقيقة لـ إيفي ليغ عند القارئ. بينما، لا يُحدِث هذا أي معنى في المثال (1)، إلاّ بالتّقوية(incrémentialisation) » (بلارBallard 156  :2003) ببعد تفسيريّ، وهذا ما يمكن أن يعطينا أيضا ترجمة مُرضية في (2(

  1. في نهاية 80، كان شابا، يحمل شهادة من إحدى جامعات Ivy League وكان بإمكانه أن يطمح إلى الوصول بسرعة إلى منصب نائب الرّئيس.

  2. الأزمة تضرب الآن جامعات Ivy League

ونلاحظ أنّ التّقوية أيضا تتطلّب معرفة بالواقع الذي تعنيه Ivy League، فالتّفخيم (l’étoffement) مع إضافة : ...جامعات... يسمح للقارئ بأن يفهم أنّ Ivy League هي مجموعة جامعات، دون أخد المعلومة المعطاة : الأزمة تمسّ حتى الجامعات الأكثر عراقة.

وتُستبعد في هذا المثال، إمكانية النّسخ، أي ترجمة الدافع إلى التّسمية، كأن نقول رابطة اللبلاب (Ligue du lierre) أو الرابطة ذات اللبلاب (Ligue au lierre)

إنّ الإجراء المعروف في هذا النوع هو الاِبتذال، بمعنى أنّ المترجم يتخلّى عن الإحالة إلى ثقافة الأصل لتحديد الحقيقة المعنيّة عن طريق كلمات شائعة :

  1. في نهاية80، كان شابا، يحمل شهادة من جامعة أمريكيّة مرموقة وكان بإمكانه أن يطمح للوصول بسرعة إلى منصب نائب الرّئيس

  2. إنّ الأزمة تمسّ حاليا الجامعات الأمريكيّة الأكثر عراقة.

ومع ذلك، تتدخل تسويّة حقيقيّة على هذا الصّعيد : هل تنقل تسمية Ivy League مفهوم العراقة؟ إنّ ذلك ممكن في المثال (1) على الأرجح، إنّما في المثال (2) فهي تعني أيضا الهِبة العينيّة التي صارت في المحكّ. وإجمالا، على المترجم أن يختار المنحى الدلاليّ الذي يحكم عليه بالرّيادة في السّياق الذي يتضمّن مثال Ivy League. « فحين، نريد في ترجمة نحن بصدد اِنجازها، تأكيد سمة تبدو لنا مُهمّة على نحو خاص في النّص الأصل، فإنّنا لا نستطيع القيام بها إلاّ على حساب سمات أخرى، وبتضحيّة جسيمة تتمثّل في حذف السّمات الأخرى. » (غادميرGadamer 1976 : 407). وستكون التّرجمة ممكنة على هذا النحو :

2) تمسّ الأزمة الاِقتصاديّة حاليا الجامعات الأمريكيّة الأكثر ثراء.

في سياق الأزمة الاِقتصاديّة المذكورة، سيكون اِختيار نعت « ثريّة » لتعيين الجامعات الأمريكيّة المعنيّة غير منقوص الصّلة. ومع ذلك نلاحظ التّخلي عن إحالة الجامعات المرموقة والمكوّنة من بنايات ذات هندسة جميلة ومقسّمة في مدن جامعيّة ممتدّة على هكتارات خضراء. وهي الصورة الضائعة للبنايات الجميلة ذات الآجر المغطّى باللّبلاب أو الكروم العذراء، كما يغيب تماما اِنطباع الرّفاهية التي يجلبها هذا الإطار الرائع للطلبة. « تعني التّرجمة دائما »كشط« (raboter) واحدة من النتائج التي تتضمّنها الكلمة في النّص الأصل. وبهذا المعنى، إنّنا لا نقول أبدا الشيء نفسه ونحن نترجم. إنّ التأويل الذي يسبق كلّ ترجمة، عليه أن يعرض عددَ ونوع نتائج التداخلات (illatives) المقترحة من الكلمة والتي يمكن كشطها. دون أن نكون متأكّدين على الإطلاق من أنّنا لم نخسر مصباحا فوق بنفسجيّ أو تلميحات تحت حمراء » (إيكو 2006 : 110).

من جانب آخر، إنّ التّفاوض الذي حصل في المثال (1) أبعد ما يكون عن النجاح. فالنّص الأصل فعليا، يفتح المجال لعدّة تأويلات : Ivy League تحلّ محلّ نعتٍ للشّخصيّة، على أنّه غير مكتوب، مثلا، أنّه خرّيجIvy League، وهذا ما يمكن أن يحدّده مساره الجامعيّ المتّبع في إحدى الجامعات الثمانية لـ Ivy League . في القصة ذات الصّلة بموضوعنا، من المحتمل أن تأخذ Ivy League المكانة الأولى : فالشخصيّة، بالطّبع خريجة إحدى الجامعات الثّمانية المذكورة. بيد أنّه في هذا السّياق، يمكن للفهم أن يتمّ على نحو ثانٍ. وستعيّن Ivy League في هذه الحالة طريقة وجود، وكيفيّة التّصرّف في الحياة. ويمكن أن تكون الإحالة حينها : إطار شاب، حيويّ وطموح يظهر عليه سلوك خاص بالمتخرّجين التّابعين لـ Ivy League، أو كذلك : مسيّر شاب ممّن كان مسار حياته شبيها بأصحاب شهادات جامعات Ivy League، دون أن يكون فعليا واحدا منهم.

إنّ التّسوية التي علينا إيجادها إذًا هي تغطيّة هذه التأويلات المختلفة من كلّ جوانبها. ويكون المسعى حينئذ أميل إلى اِستراتيجيّة التّكييف (adaptation) :

  1. في نهاية 80، كان شابا محمّلا بالشهادات وكان بإمكانه أن يطمح إلى منصب نائب الرّئيس.

على أنّه، يمكن لنا أن نعتبر، منصب نائب الرّئيس داخل هذا النّص، منصبا غير معرّف في تنظيمات مجتمع ما، إنّه فقط مؤشّر بسيط لمسؤولية عليا.

  1. في نهاية80، كان شابا محمّلا بالشهادات، وكان بإمكانه أن يطمح إلى الاِندماج سريعا في القيادة العامة لشركة كبيرة.

أو أيضا

  1. في نهاية80، كان شابا، محمّلا بالشّهادات ويبشّر بمستقبل مهنيّ واعد.

لندخل بعبارة محمّلا بالشهادات ويبشر بمستقبل واعد، في سجّل التّوطين اللّغويّ (domestication linguistique)، المتميزة بالعبارات الاِصطلاحيّة المعتادة.

يجتاز المترجم، بكلّ تأكيد، مرحلة أخرى للقيا قارئه عندما يقرّر، تقديم المفهوم أو الفكرة بدمجها في الثقافة المستقبِلة. لتحقيق هذا، إنّه يقترض حقيقةً خاصة بالثّقافة المستقبِلة التي يستعملها على نحو ما لاِستبدال حقيقة في الثّقافة الأصليّة. ونتيجة هذه العمليّة هي نقل (transposition) الحقيقة المحدّدة في النّص الأصل إلى المحيط المألوف لقارئ التّرجمة.

  1. في نهاية 80، كان شابا، تخرّج من مدرسة كبيرة، وكان يبشر بمستقبل مهنيّ واعد.

إنّ الإحالة النمطيّة في الفرنسيّة لمدرسة كبيرة تعكس وضعا اِجتماعيا ومهنيا، وطريقة حياة، ونمطا من السّلوك، وهذا ما يعالجه النّص ذي الصلة بانهيار مفاجئ لمسيّر حُرم من ثروته ومكانته الاِجتماعيّة.

نلاحظ أنّ النقل (transposition) لا يكون ممكنا إلاّ إذا وجدت حقيقة مماثلة في الثّقافة المستقبِلة. وفي النموذج (2)، على سبيل المثال، لا يمكن الذهاب إلى ما وراء الاِبتذال (banalisation)، لأنّ الموضوع الذي تحمله المعلومة في هذا النموذج، جدّ محدّد : إنّها الجامعات الثّمانية المعنيّة برياح الأزمة الاِقتصاديّة، إضافة إلى هذا، إنّ هذه المعلومة تجد اِمتدادها في ما يتضمّنه تطوّر، وتفاقم وخطورة الأزمة الاِقتصاديّة في الولايات المتّحدة. وهكذا، فحتى الجامعات الأمريكيّة الأكثر عراقة تتأثّر بتبعات الأزمة، مع أنّها تملك كما هو معروف موارد مُهمّة. فكلّ تعويض للتّسمية سيحوّل المعلومة كلّيا.

2. إحالة على واقع متداخل الثّقافات

في مقال يتناول تطوّر وظيفة السّفير في عالمنا المعاصر، كتبت جريدة لوفيغارو Le Figaro(في عدد الأربعاء 2 أفريل 2008) :

« يكفي أن نسافر لنلتقي رجالا ونساء مبادرين، يحملون BlackBerry أكثر من Ferrero Rocher، ومستعدين لكلّ الأخطار في سبيل خدمة الوطن، والمساهمة في إشعاعه وبيع منتوجاته. »

أيّا كانت اللّغة التي سيترجم إليها هذا المقال، فسيحقّ لنا أن نتساءل عن الطّريقة التي ستعالج بها علامات BlackBerry وFerrero Rocher في التّرجمة. فعلا إنّ العلامتين المحدّدتين هنا لا تشيران مباشرة إلى منتجات، إنّما هما مؤشران من الدرجة الثانية يمرّان عن طريق الرمز للتّعبير عن فكرة. فمع العولمة تُسوّق المنتجات التكنولوجيّة ذات الاِستهلاك الواسع في كلّ الأوطان، مزامنة لبعضها تقريبا، غير أنّها لا تتوجّه لشريحة واحدة من الزبائن، بما أنّ الهدف هو توظيفها في عمليّة التطوّر لدوّل شتى. هذا وإنّ الصورة التي يعكسها المنتج تتوقّف على عاملين هما بيئة التّسويق، ومكانته في السّوق. فعلى ما يبدو فإنّ BlackBerry متوفّر في كلّ مكان على سطح الكوكب؛ إنّه وسيلة اِتّصال بوظائف الرسائل المماثلة للحاسوب. إنّه حكر على فئة اِجتماعيّة ومهنيّة راقية، وهو يحيل إلى الحفاظ الدائم على الاتّصالات مع العالم بأسره، ويخصّ مهنيين ذوي مسؤوليات، وإطارات عليا، ورجال أعمال، ومفاوضين من أعلى المستويات، باختصار إنّه يعني الفاعلين المتورّطين في الإقتصاد الفعليّ. ويمثّل الحيويّة، والفعل الخبير والفعّال. كما يمثّل الـ فعل.

مع BlackBerry، يقع الرمز في مستوى،يمكن التّعرف عليه بسهولة. ويقع الرمز مع Ferrero Rocher، على مستويين أو أنّه يُتَصرّف فيهما كلّ على حدة كما وضعية الأدراج3. فعلا، لقد عرضت التّلفزة الفرنسيّة ومضة إشهاريّة تصوّر حفلا باذخا في صالون إحدى سفاراتنا حيث يقدّم رئيس الخدم بحلّته في طبق فضيّ هرما من حلوى الشكولاطة المغلّفة بورق مذهب من علامة Ferrero Rocher، هذا الفيلم الإشهاريّ القصير يحوّل حلوى كلّها اِبتذال، تباع باستمرار في الأسواق الكبرى، إلى منتج رفاهيّة في حفلات الحظوة. اِنطلاقا من هذا المستوى الأوّل، إنّ صورة الكوكتيل والمجتمعات الراقية تتمحور حول السّفير الذي يستقبل ضيوفه. كما يلتصق بهذه الصورة أيضا رمز الهذر السّطحيّ، والخمول، والتّمظهر.

في النموذج المقترح أعلاه، لا يقبل اِسم العلامتين كما هما مستعملتان، الإحالة الممنهجة، حتى وإن وجدا تحت الشّكل نفسه في العالم بأسره، وهو ما لا تشاركهما فيه باقي العلامات. فبعض المنتجات تحمل أسماء علامات مختلفة بحسب الأوطان التي تسوّق فيها. فعلى سبيل المثال، إنّ الشّريط اللاصق المباع تحت علامة سكوتش Scotch في فرنسا، يحمل علامة سيلوطاب Sellotape في المملكة المتّحدة، وتيسا فيلم TesaFilm في ألمانيا، و سيلو Celo في إسبانيا. فأسماء العلامات المستعملة كمؤشرات من الدرجة الثانية بإمكانها أن تكون موضوع تحويل (report) إذا ما كانت الرموز مطابقة أو شفافة في الثّقافة المستقبِلة للتّرجمة . يمثّل BlackBerry الرمزيّة نفسها في الإنجليزيّة، كما يشهد على ذلك مقال في مجلة ذي إيكونوميست (The Economist) وهو مقال يرصد سلوكيّات محترفي المالية في قلب الأزمة الاِقتصاديّة العالميّة :

« ...كان المصرفيّون والوسطاء [أثناء مداولة] يفحصون بلاكبيرياتهم4 وقت اِنخفاض مؤشر بورصة تورنتو بـ 400 نقطة أخرى. »

إذا ما توجّهت التّرجمة إلى بلد يعدّ فيها BlackBerry وسيلة راقية النّوعيّة تباع بشكل عادي للمحترفين الفاعلين أو حيث عرض إشهار Ferrero Rocher، مثل ما هو الحال في اليونان مثالا لا حصرا، فيمكن للتّرجمة أن تكون بتحويل (report) بسيط، بما أنّ القارئ معنيٌ على الفور بمعرفة العرض الرمزيّ

وسيسهل عليه بالتّالي الوصول إلى المعنى.

بالمقابل، إذا ما كان الرّمز غامضا، سيفرض حينها مسار المفاوضة نفسه، مع الأخذ بالاِعتبار عناصر السّياق، ومضمون القول (vouloir –dire) العام في النّص، والتّسوية المقبولة بإمكانها أن تتعلّق بإعادة الصّياغة : ... رجال ونساء حيويّون، أقدر على التصرّف كرجال أعمال منهم على التّباهي في الحفلات الراقية.

مع اِهمال الإحالة إلى العلامات، تتعرّض التّمثلات المفهوميّة بالضرورة للإفقار، ويضيق حينها، فضاء الإحالية. بيد أنّ، كلّ سلّم الحلول المقترحة آنفا يبقى قابلا للتّطبيق : الاِبتذال، التّكييف، النقل. بما أنّ كلّ تفاوض يرمي إلى الوصول إلى تسويّة، فإنّ شرط النجاح فيها هو الحفاظ على الجوهريّ حتى في حالة اِهمال مكوّنات سبق لها وأن ضاعت، علما أنّ التّرجمة تجسّد على كلّ حال عيبا كبيرا لا مناص منه : إنّها ليست الأصل.

الخاتمة 

إنّ المفاوضة إذًا عمليّة تتمّ على مرحلتين. تتمثّل الأولى في الإحاطة بالواقع المحدّد وتعريف التّحيين الدلاليّ. وأمّا الثانية فمكرّسة للاِختيار التّرجميّ. في حالة ما إذا كان العنصر مستحيل التّرجمة شفافا، فالتّحويل (report) والاِقتراض (emprunt) حلول مقبولة، وبالمقابل، إذا كان العنصر مستحيل التّرجمة غامضا، فالحلول المعنية حينها تبتعد تدريجيّا عن التّحويل والتقويّة(l’incrémentialisation)، ثم الاِبتذال (banalisation)، فالتّكييف، ونكتفي بهذه المعالم الأساسيّة فقط حتى لا نذكر كلّ ما يميل إلى محور الغرابة (exotisme) والعرقانيّة (l’ethnocentrisme).

نخلص في النّهاية، إلى أنّه لا توجد تسوية واحدة مثاليّة لترجمة إحالة ثقافيّة ما، فأحسن تسوية يمكن الاِحتفاظ بها هي مضمون القول(vouloir-dire) في السّياق وفي الوضعية التّواصليّة. فلا عجب في أن يكون الحلّ غير تابع للنّص الأصل نفسه، بل هو وظيفة للعلاقة الثنائيّة بين النّص وقارئ التّرجمة، ما دامت التّرجمة بكلّ تأكيد فعلا تواصليا، والمترجم متدخّل ووسيط في هذه السلسلة التّواصليّة.

1 في أواخر الثمانينيّات، كان المسيّر، حديث التخرّج من إيفي ليغ( Ivy league ) يطمح إلى منصب نائب رئاسة مبكرا

2 الأزمة تضرب رابطة إيفي (Ivy League) حاليا

3 Le mode à tiroirs : Avec plusieurs épisodes autonomes (concernant une histoire). http://www.linternaute.fr/expression/langue-francaise/15278/

4 4. فضّلنا استعمال هذه الاقتراض على BlackBerry خاصتهم

Ballard Michel. (2003). Versus : la version réfléchie. Paris, Ophrys.

Eco Umberto. (2006). Dire presque la même choseExpériences de traduction. Paris, Grasset.

Gadamer Hans-Georg. (1976). Vérité et méthode. Paris, Seuil.

Internaute. http://www.linternaute.fr/expression/langue-francaise/15278/a-tiroirs/

1 في أواخر الثمانينيّات، كان المسيّر، حديث التخرّج من إيفي ليغ( Ivy league ) يطمح إلى منصب نائب رئاسة مبكرا

2 الأزمة تضرب رابطة إيفي (Ivy League) حاليا

3 Le mode à tiroirs : Avec plusieurs épisodes autonomes (concernant une histoire). http://www.linternaute.fr/expression/langue-francaise/15278/a-tiroirs/

4 4. فضّلنا استعمال هذه الاقتراض على BlackBerry خاصتهم

بريهوم فطيمة ياسمينة Fatima -Yasmina Brihoum

جامعة عبد الحفيظ بالصوف –ميلة-

ياسمين قلّو Yasmine Kellou

الجزائر2 Alger

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article