مقدمة
يعتبر المعجم المدرسي من أهم الوسائل التعليمية التربوية التي تساهم في إثراء معارف المتعلم اللغوية، والتي لا يستغنى عنها المعلم والمتعلّم في أمر تذليل صعوبات استيعاب مضامين البرامج المختلفة ؛ من مفردات ومصطلحات ومفاهيم في المواد العلمية والثقافية المختلفة، وبالتالي فهي تعمل على شحن الرصيد اللغوي والثقافي للمتعلّمين. ونظرا لهذه الأهمية فإنه من الضروري اختيار مادة و مداخل المعجم المدرسي وترتيبها بعناية حتى يلبي حاجات المتعلمين في مختلف المراحل الدراسية.
يعرف المعجم بأنه ديوان لمفردات اللغة مرتب على حروف المعجم وجمعه معجمات ومعاجم ، فهو الكتاب الذي يضم مفردات اللغة ويرتبها ترتيبا خاصا ، كل مفردة منها مصحوبة بما يرادفها أو يفسرها أو يشرح معناها ، ويبين أصلها ، ويوضح طريقة نطقها1.
ويذهب رشاد الحمزاوي أن تعريف المعجم يحتاج إلى دقة إذ يجب تعريف المعجم بحسب طبيعة المعلومات التي يوفرها المدخل : المعجم هو أداة تنظيم المعلومات بحسب قائمات من الكلمات. فإن كان الهدف منها تركيز مضامينها على عناصر اجتماعية منطقية فهي معاجم ثقافية. أما إذا كان هدفها وضع نصوص تعتمد عناصر لغوية ، فهي معاجم تربوية2. وهذا يقودنا إلى تعريف المعجم بوظيفته فلا يقاس بحجمه أو بمحتواه بل بالوظيفة التي يؤديها للمستعمل3.
1. مفهوم المعجم المدرسيDictionnaire Scolaire
المعجم المدرسي مؤلف تعليمي يحتوي على مجموعة من الفقرات، مستقلة عن بعضها البعض رغم وجود بعض الإحالات مرتبة ترتيبا ألفبائيا ، تكون القراءة في المعجم عن طريق التصفح والبحث. أما الشطر الثاني من المصطلح – المدرسي- فهو صفة اقترنت بمصطلح معجم، ويعود ذلك إلى ارتباط المعجم المدرسي بالمدرسة وبالمنهاج الذي يدرس في مستوى معين، يدعو إلى أن يعكس هذا المعجم المضامين الواردة في المنهاج والتي يتعرض المتعلم إلي حاجة البحث فيها لاستجلاء ما غمض منها أو للاستزادة وإغناء رصيده منها4.
فالمعجم المدرسي هو مجموع الوحدات المعجمية المتداولة فعليا في الكتب المدرسية في كل مستوى معين ، وضمن السياق التعليمي لهذه الكتب والسياق المقامي والمقالي لها5. وترى صونية بكال أن هذا التعريف يركز على الكتب باعتبارها المدونة لمداخل المعجم ، وهذا فيه إجحاف يمس مصداقية المعجم ،لأنه يستمد مدونته من مصادر عديدة وتقترح التعريف التالي: قائمة من الكلمات مرتبة ترتيبا ألفبائيا مستمدة من الاستعمال الفعلي للغة عند التلميذ ، مرفوقة بتعريفات تناسب مستواه واحتياجاته6.
2. مادة المعجم المدرسي
إن اختيار المداخل في المعجم المدرسي يستند إلى أهم خطوة في إعداد المعجم وهي جمع المادة ، وقبل الكلام عن طرق جمع المادة يجدر بنا تعريف مادة المعجم وهي : الكلمات أو الوحدات المعجمية التي يجمعها المعجمي ثم يرتبها ويشرح معناها ، يضاف إلى ذلك طريقة النطق والمشتقات وهذه المادة تختلف من معجم إلى معجم ، تبعا للهدف الذي يسعى إليه واضع المعجم أو الذين يستعملون المعجم ، أو الوظيفة التي يرى أن المعجم ينبغي أن يحققها7.
وفي تاريخ المعجم العربي تم جمع المادة اللغوية اعتمادا على ثلاث طرق ؛ حيث اعتمد الخليل طريقة الإحصاء العقلي، ثم جاء الأزهري واعتمد طريقة المشافهة من البدو وفصحاء العرب، ثم جاءت بعد ذلك طريقة جمع المادة من معاجم السابقين... وهو الطريق الذي ظل سائدا حتى العصر الحديث دون محاولة أخذ مادة المعجم من مادة حية تم جمعها من خلال النصوص8.
وهو ما أكده الحاج صالح حيث تعتمد المعاجم الحديثة في جمع مادتها اللغوية على المعاجم القديمة دون رجوع أصحابها إلى أي مقياس علمي : أما ما يمكن أن يكون عيبا في طريقة الوضع للمعاجم العربية الحديثة –على اختلاف أنواعها –فهو نقص شامل لخاصية امتازت بها المعاجم التي ألفها الغربيون للغاتهم ولا سبيل إلى وجودها على الإطلاق في المعاجم العربية الحالية وهي ضرورة الرجوع إلى مجموعة واسعة جدا من النصوص الأدبية والعلمية والعادية يجعلونها هي المستقى الكلي والوحيد لكل الألفاظ التي تدخل في المعجم. بل اكتفوا بنقل ما وجدوه في المعاجم القديمة9.
ويذهب عبد المجيد سالمي أن معجم الطفل لا يختلف كثيرا عن المعجم الحديث في جمع المادة: حيث إنّ ما ألف في الوقت الحاضر فيه يمكن أن يصنف ضمن المحاولات الجيدة النافعة غير أنّ أكثرها لا يخضع للمقاييس العلمية والتقنية، بل يخضع إلى الاعتبارات الذاتية في الغالب إذ يقوم المؤلفون باختيار جملة من المفردات يعتقدون بالحدس أنها معروفة شائعة تلائم الطفل ، ويتركون ما يظنون أنه غير ملائم ثم يضيفون إلى ذلك بعض الألفاظ المعبرة عن المفاهيم الجديدة والأدوات والوسائل المستحدثة10.بما أن المعجم المدرسي يؤدي دورا تربويا وظيفيا ، ويستهدف فئة محددة هذا يجعلنا نتساءل عن حجم المادة أو الرصيد اللغوي الواجب تضمينه في المعجم ؟.
ويرى عبد المجيد سالمي أن تكون البداية في اختيار الألفاظ التي تناسب الأطفال بالاعتماد على مدونة واسعة من اللغة العربية الفصيحة المستعملة بالفعل في تأليف المعاجم الموجهة إليهم ، وأن تنطلق هذه المدونة أساسا من الرصيد الوظيفي11. والرصيد العربي المشترك بعد مراجعتهما وتحديثهما بالطرائق العلمية المتعارف عليها في هذا المجال12 ومن خصائص هذه المدونة13 :
-
جمع المدونة وضبطها يسبق في الزمان كل عمل معجمي لأنها شرط وجوده.
-
تتكون المدونة من اللغة المستعملة بالفعل شفاهيا وكتابيا في الحياة اليومية والأدبية والعلمية فالاستعمال هو الإطار الطبيعي للمفردات.
-
تكون المدونة شاملة ومتنوعة وهي المرجع لجميع الشواهد.
-
أن يكون المنطلق المعني بالأمر هو المتعلم نفسه: ينطلق من اهتماماته وما يحتاج إليه بالفعل لمواجهة الحياة.
-
ألا يتجاوز الرصيد الحد الأقصى الذي يستطيع الطفل أن يكتسبه وألا يقل عما يجب أن يعرفه. كما يؤكد الحاج صالح على ضرورة الانطلاق من الاستعمال الحقيقي للغة14.
ولا ننسى الشرط الأساسي في كل معجم مدرسي وهو أن يرتبط أشد الارتباط بالعملية التعليمية وقد حدد عمر مختار طريقتان لجمع المادة الأساسية الملائمة لمعاجم المتعلمين:
-
جمع المادة من الكتب المدرسية وحدها ، وهذا طرح مشكل آخر وهو أن الكتاب المدرسي أساسا غير مبني على أساس علمي أو تعليمي أو نفسي. كما أن الكتب المدرسية غير محدد مستواها بدقة، كما أنها غير موحدة المستوى.15
-
إضافة مادة أخرى تضم إلى الكتب المدرسية وهو ما قامت به الهيئة الاستشارية للمغرب العربي في التربية والتعليم في كتاب : الرصيد اللغوي الوظيفي للمرحلة الأولى من التعليم الابتدائي16. يضم هذا الرصيد مجموع المفردات العربية المستعملة المتواترة المكونة للرصيد المعجمي الحي ، والتي تؤدي مفاهيم الطفل المغربي أثناء السنوات الثلاث الأولى للدراسة ، والتي يجب أن يلم بها التلميذ في هذه المرحلة.
إضافة إلى مصادر أخرى منها ( جميع النصوص التي يحتاج إليها المتعلمون في أطوار التعليم المختلفة مثل البرامج التربوية ، والكتب المدرسية ، والنصوص الأدبية والإعلامية بأنواعها المكتوبة والمنطوقة ، زيادة على قوائم الكلمات الأكثر شيوعا وتواترا ، وكذلك الأرصدة اللغوية الأساسية 17التي أعدت في كثير من اللغات18. وفي العقود الأخيرة نتيجة استثمار المعطيات اللسانية وتطور المعلوماتية ، والمعالجة الآلية للغة 19، اعتمد مؤلفو المعاجم المدرسية على مدونات ضخمة وهذه المدونات تختار بناء على معايير تأخذ في الاعتبار الأبعاد الزمانية والمكانية والموضوعاتية وغيرها لتكون ممثلة للغة المعنية20. إن جحم المادة في المعجم المدرسي لا يعني الكمية بقدر ما يعني النوعية ومدى استجابتها لحاجات المتعلمين.
3. اختيار المداخل في المعجم المدرسي
المدخل (Entrée) وهو: عبارة عن الوحدة التي ستوضع تحتها بقية الوحدات المعجمية الأخرى ،أو المادة المعجمية التي تتألف – عادة – في المعاجم اللغوية من الكلمات المشتقة وغير المشتقة ،وغالبا ما يتكون هذا المدخل في مثل هذا النوع من المعاجم من الجذر الذي يمثل البنية الأساسية للكلمات والمشتقات21.وهو البند الواقع في رأس المادة المعجمية.
تقابل الوحدة المعجمية أو المفردة المعجمية عند مختار اللكسيم تفضيلا للمصطلح الأجنبي المعرب على المصطلح العربي لأنه يتكون من لفظ واحد. ويعرفها بأنها : الوحدة المفتاحية التي تشكل قوائمها مداخل المعجم22. وهي بديل عن الكلمة لأن مفهومها غامض وغير شامل. وتغطي الوحدة المعجمية كلا من :
-
الكلمات المفردة والمركبة ( نفس / نفساني/ اللاوعي)
-
الكلمات الملصقة ( برمائي/ آفروآسيوي)
-
التعبيرات السياقية (الماء الثقيل/ بيضة الديك/بقرة بني إسرائيل / شعرة معاوية)
ومنه يمكن تمييز أصناف الوحدات المعجمية التالية :
-
-الوحدة المعجمية الجزئية:ويمثل هذا النوع العناصر النحوية والصرفية؛ كالسوابق واللواحق ، وحروف العطف ، والضمائر المتصلة… إلخ.
-
-الوحدة المعجمية البسيطة: مفردة لا تتجزأ ، ولا يدل جزء منها على معنى وتشمل الكلمات الوظيفية كالأسماء الموصولة ، وأسماء الإشارة ، والضمائر المنفصلة ، وجمع التكسير.
-
-الوحدة المعجمية المركبة مفردة تتشكل من وحدتين لتدل على معنى واحد(قوس قزح ).
-
-الوحدة المعجمية المعقدة: مفردة مركبة من عدة وحدات يدل مجموعها على معنى واحد (ثاني أكسيد الكربون).
وهذه الوحدات المعجمية ( المركبة والمعقدة) تطرح مشكل في طريقة ترتيبها أباعتبار الجزء الأول منها أم الثاني ؟ ويقترح الحمزاوي أن ترتب بحسب اللفظ الأساسي منها ، من ذلك بطينات الأقدام ورأسيات الأقدام تحت "قدم" 23. وتنقسم من حيث الصنف إلى:
-
-ألفاظ عامة : وهي الألفاظ المشتركة التي تتعدد دلالتها بتعدد السياقات التي توضع فيها وتشمل الألفاظ اللغوية العامة والمصطلحات.
-
-الألفاظ الخاصة أو الأعلام: ويشمل أصناف الناس والمدن والمواقع الجغرافية ،ى والأنهار.والمخطط التالي يوضح أنواع الوحدات المعجمية المشكلة لمداخل المعجم :
يعود تحديد عدد المداخل في المعاجم المدرسية على أساس مقياسي التواتر والشيوع ، وبالاعتماد على دراسات سابقة لنوعية المداخل وكميتها التي تختلف باختلاف سن المتعلمين أو المراحل التعليمية ، حسب مكتسباتهم القبلية ونموهم اللغوي بحيث كون عددها صغيرا في الطور الأول من التعليم الابتدائي يتراوح بين 4000 و5000 مدخل ، ثم يرتفع في مرحلتي التعليم المتوسط أو الإعدادي و مرحلة التعليم الثانوي ليصل إلى حوالي 20000 مدخل ، وكل هذه المداخل تطبعها صفات مشتركة هي معيار الاستعمال الواسع والآني، وكذلك قربها من محيط المتعلمين ومن حاجاتهم التبليغية 24.
تعكس كمية المادة الجمهور الموجه إليه المعجم ، يقول جوزيف إلياس: ولعل أخطر ما نعانيه في وضع معجم للتلاميذ هو اختيار مواد هذا المعجم، والميزان الدقيق الذي تزن المواد أو المداخل والمفاضلة بين مدخل وآخر فكم من مرة نتساءل: أي الكلمات نأخذ وأيها نهمل25؟
4. ترتيب المداخل في المعاجم المدرسية
وهو نظام يعتمده المعجمي ، و يلتزمه في كامل معجمه ، ويعني ترتيب المداخل ، وفق منهج مخصوص ( ألفبائي – ألفبائي حسب الأوائل - صوتي. ...) ، وبدون هذا المنهج. . . يفقد هذا العمل (المعجم) قيمته المرجعية، ولا يوجد معجم عربي أو أجنبي قديم أو حديث قد أهمل هذا النوع من الترتيب .26ترتب المواد اللغوية في المعاجم المدرسية وفقا لمنهجين: الترتيب النطقي و الجذري، وكلاهما يعتمد على الترتيب الألفبائي للحروف الهجائية، إلا أن لكل منهما خصائص ينفرد ويتميز بها عن غيره.
1.4. منهج الترتيب الألفبائي حسب الجذر
يقسم المعجم وفق هذا المنهج إلى ثمانية وعشرين بابا على عدد حروف الهجاء وعلى حسب تسلسلها المألوف، ويخصص لكل حرف من هذه الحروف باب، ثم ترتب الألفاظ في الأبواب باعتبار أوائل أصولها بعد إرجاعها إلى جذورها. وبذلك تأتي الكلمات التي تبدأ بالألف كحرف أصلي لها في باب الألف... إلخ، وهكذا يتوالى ترتيب الكلمات في بقية الأبواب، والكشف عن الكلمة في معاجم هذا المنهج، لا يتطلب من الباحث سوى تجريد هذه الكلمة من حروفها الزائدة، وإرجاعها إلى أصل ثلاثي في الغالب27. راعي في ترتيبها الحرف الأول، فالحرف الأوسط، فالحرف الأخير.
يرى القاسمي علي أن أصل الترتيب الألفبائي العادي للجذور المستعمل في عصرنا الحاضر يعود إلى الأعمال المعجمية التي أنجزها ابن فارس (1004م) الذي ألف معجميه (المقاييس) و(المُجمل) وفق هذا الترتيب، فكل معجم يحتوي على 28 بابا وكل باب يختص بحرف من حروف الهجاء، ورتبت جميع الجذور ترتيبا ألفبائيا حسب تسلسل حرفها الأول فالثاني فالثالث، وقسم كل باب إلى ثلاث أقسام الأول للجذور الثنائية والثاني للجذور الثلاثية والثالث للجذور التي تتألف من أكثر من ثلاثة أصول.28 وتم استكمال هذا الترتيب الألفبائي على يد اللغوي أبي القاسم محمد الزمخشري (1075-1144) في معجمه الوجيز "أساس البلاغة"، والذي يقع في مجلد واحد، وذاع صيتُ هذا المنهج واتبعه المعجميون في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين29.
ومن المعاجم المدرسية التي اعتمدت هذا المنهج معجم الطلاب للمعلم جرجس همام الشويري (1907م) ، والمنجد في اللغة للأب لويس معلوف (1908م) ، ومنجد الطلاب (1940م) الصادر عن دار الشرق 30.
2.4. منهج الترتيب الألفبائي وفق النطق
يقسم المعجم وفقا لهذا المنهج إلى أبواب على عدد وتسلسل حروف الهجاء، ثم ترتب الكلمات في الأبواب باعتبار حروفها الأولى دون مراعاة لأصلي أو مزيد فيها ، فالكلمة تردُ في المعجم كما تنطق أو تلفظ، و يتتابع ارتباط الحرف الأول منها بما يليه من الحروف في الباب الواحد وفقا للتسلسل الألفبائي31.
وهو ما يسميه القاسمي علي بالترتيب الألفبائي للكلمات لا الجذور أي أن الكلمات لا تجمع فيه تحت جذورها32.
و يعد العالم اللغوي أبو المعالي محمد بن تميم البرمكي ( 372ه-433ه ) رائد مدرسة الأبجدية العربية ، وإن لم يكن مبتكرها ، حيث يعزى ابتكارها إلى العالم اللغوي أبي عمرو الشيباني بتأليفه معجم الجيم لكن البرمكي هو الذي دبجها ، وأكملها ، وأخرجها للناس في صورتها النهائية كمدرسة متميزة من مدارس التأليف المعجمي ، وذلك بتأليفه معجمه المسمى ( المنتهى في اللغة) 33.
ثم عرف المنهج عند العلماء العرب، فقد رتب الشريف الجرجاني ( ت 816ه) مواد كتابه "التعريفات" على هذا الترتيب، إلاّ أنه لم يلق الاهتمام الذي حظيت به المناهج الأخرى لأنه يفصم عرى المادة اللغوية الواحدة ويفرق بين مشتقاتها34.
ثم بُعث المنهج على يد بعض المؤلفين المعاصرين الذين اعتمدوا عليه في وضع معاجمهم لشعورهم بصعوبة المناهج الأخرى ، وخاصة على الناشئين المبتدئين الذين يتعذر عليهم تجريد الكلمة من الزوائد في المناهج الأخرى. كما أنّ بعض المعجميين تأثروا بالمعاجم الأجنبية التي تعتمد هذا الترتيب 35.
استمال هذا المنهج واضعي المعاجم المدرسية فالرائد (1964م) ، ورائد الطلاب ( 1967م) ، والمنجد الأبجدي ( 1967) ، والمنجد الإعدادي ( 1968م) ، والمعجم العربي الحديث –لاروس ( 1973م )، والقاموس الجديد ( 1979م ) ، والقاموس المدرسي ( 1983م ) ، كلها اعتمدت ترتيب المفردات المنهج الألفبائي وفق النطق36.
وسبب هذا الذيوع تميز هذا المنهج بالتيسير والتبسيط ، واقتفاء منهج المعاجم الأجنبية الرائدة في وضع المعاجم المدرسية37. واعتماد هذا المنهج أظهر بعض النقائص منها38:
-
-تضخم مادة بعض الحروف الهجائية كالألف والتاء والميم تضخما هائلا.
-
-اشتمال هذه المعاجم على ضرب من المداخل غير معهود في المعاجم المرتبة ألفبائيا كالأسماء المؤنثة والصفات المؤنثة والجموع.
ويرى عبد الرحمان الحاج صالح39 أن اعتماد هذا الترتيب له جانب إيجابي وآخر سلبي. أما الجانب الإيجابي فيظهر جليا في سهوله العثور على المفردة وخاصة بالنسبة للتلاميذ الذين لم يكتسبوا بعد المعارف الكافية في قواعد الاشتقاق والتصريف. وهذا يصلح للأطفال وكل من يريد تعلم العربية من الأجانب وغيرهم.
أما الجانب السلبي فإن هذه المعاجم إذا عممت فستشوه العربية وتعيق التعمق في معرفة معجمها لأن مفردات العربية مبنية على أصول وصيغ ، ومنهج اكتساب مفرداتها متوقف على معرفة الأصول والصيغ وكيفية انتقال المتعلم من مادة أصلية إلى أخرى بالحفاظ على الصيغة ، ومن صيغة إلى أخرى بإبقاء المادة الأصلية على ما هي عليه. وهذا سر من أسرار العربية.
يؤدي المنهج النطقي، إلى تفكيك شمل الكلمات، ويُباعد بين فروعها (اشتقاق الجذر) في جميع أنحاء المعجم، ويفصم عُراها وعلى حد تعبير القاسمي: (يحطم الأشياء إلى قطع متناثرة )40 مما يؤدي إلى تشتيت ذهن المتعلم ، وعزوفه عن استعمال المعجم. لكن المنهج النطقي ينطوي لا شك على فهم وظيفي لطبيعة المعجم ، ويساير متطلبات الحياة المعاصرة وظروف الناشئة وما هم عليه من ضعف عام في لغتهم ، ومن افتقار للصبر على التفتيش والبحث المتعمق ، كما يساير طبيعة اللغة نفسها وما هي عليه من تطور ومن استقال مستمر للمصطلحات الأجنبية ، فالناشئ مع هذا المنهج لا يجد حائلا يصده أو يشعره بصعوبة لغته أو صعوبة تحصيل مفرداتها41.
أما مشكلة تشتيت الكلمات وتفكيك أواصرها بين أبواب المعجم فقد اقترح القاسمي طريقة سماها جمع شمل العائلة اللفظية ، وتقوم على تجميع الكلمات التي لها صلة بكلمة المدخل في مكان واحد ، أي الصلات الصرفية والدلالية ، تلك الصلات التي تكون البنى الأساسية للمفردات ، وهذه البنى هي التي يحتاج المتعلم إلى إدراكها ، لأنّها تكون النواة التي يرتكز عليها نظام اللغة في جانبه الإفرادي ، وهذا ما لا يحققه الترتيب الألفبائي42 مع مراعاة حجم المعجم في تقديم كمية المادة الاشتقاقية ،وهذا يساهم في تيسر التعلم43.
ويقترح الحاج صالح حلا لمشكلة رد الكلمات إلى أصولها : أن يحافظ على هذه الخاصية الخطيرة في الترتيب –تلافيا لهذا التشويه الخطير مع إدخال الترتيب الألفبائي لبعض المفردات بحسب ظاهرها ودون مراعاة أصولها من تلك التي يصعب العثور عليها بسبب الحذف أو الإبدال والإعلال أو القلب المكاني أو لكونها دخيلة لم تأت على صيغة عربية ومثال ذلك : "اتخذ " و"اتسع " وكل تصاريف الكلمة المعتلة مثل "خذ" و"سل" و"ع" وغير ذلك فتاتي في موضعها الاشتقاقي ( بحسب الحروف الأصول ) وموضع آخر بحسب حروفها الظاهرة وبإحالة من الموضع الألفبائي إلى الموضع الاشتقاقي والعكس44.
كما يجب تدريب المتعلمين منذ مراحلهم التعليمية الأولى على استعمال المعجم 45من خلال حصص تطبيقية تبين الفرق بين المنهجين، وتُعلم التلميذ كيفية البحث عن الصعاب التي تواجهه في المنهج الجذري ومع الوقت يستوعبه ، ويتمكن من البحث فيه، وسيعجب به، وبسحر اللغة العربية وخاصية الاشتقاق التي تميزها.
ويؤكد عبد الغني أبو العزم أنّ اختلاف منهج المعجمات يفتح المجال للابتكار والخلق والتطوير الدائم المستمر ،وفي ذلك تكمن أهمية المعجم إذ إن الاختيار بين منهجية معجم ومعجم تنصب بالأساس على ما يمكن أن تقدمه من معلومات إضافية وشروح حول الكلمات والأشياء ،أو ماله علاقة ببعض الإشكالات اللغوية46.
خاتمة
مما سبق نصل إلى أنه يجب الانطلاق في جمع مادة المعجم المدرسي من المتعلم وما يحتاجه في حياته، مع ضرورة ارتباط هذه المادة بالعملية التعليمية. يجب اختيار المداخل بالاعتماد على مقياسي التواتر والشيوع مع مراعاة سن المتعلم والمرحلة التعليمية. وقد أظهر البحث بعض النقائص منها :
-
-اعتماد المعاجم العربية الحديثة في جمع مادتها على المعاجم القديمة دون الاستناد إلى مقياس علمي.
-
بل يخضع أغلبها إلى الاعتبارات الذاتية والحدس.
-
-عدم الاستفادة من التجارب الأوربية الرائدة في مجال المعاجم المدرسية.
وختاما تواجه المعجم المدرسي العربي اليوم تحديات كثيرة لمسايرة التطور الحاصل في المعاجم المدرسية الأوروبية.