مقدمة
الصورة من أبرز وأعرق الصيغ والأساليب التواصلية التي استعان بها الانسان ولا يزال. فقبل أن يبلغ باللغة المكتوبة الى ما هي عليه اليوم أي الكتابة الأبجدية، مر بها بمراحل عدة كان أساسها الكتابة التشكيلية الرمزية التي يرمز الشكل فيها الى فكرة كاملة تامة، مثلما تعبر عنه بعض الآثار الموجودة في التاسيلي بالصحراء الجزائرية، والكتابات الهيروغليفية قديما وكذا الكتابة الصينية. انها أشكال تصور ما في الطبيعة والمحيط الذي كان يعيش فيه كل مجتمع. ومع مر العصور والأزمنة، دخلت الصورة مجال اللغة المنطوقة، لا من خلال الوصف والسرد فحسب، بل في ثنايا ما يعرف بالصور الشعرية والبلاغية التي رونقت الخطابات شكلا، وعمقت معانيها بمزجها بين الحقيقة والخيال بل حتى بما هو خرافي بما وراء الحقيقة والخيال. فالصورة، أيا كان أساسها وطبيعتها، ركيزة لا يمكن الاستغناء عنها في الخطابات والتعابير البشرية كونها تساير الوظيفة الخطابية، والعملية التعليمية التعلمية، لأنها تجعل المجرد محسوسا والمحسوس جليا واضحا وراسخا في الذهن والذاكرة لأنه كان ملحوظا من خلال العين أو البصيرة والخيال.
غالبًا ما يكون النص مصحوبًا بصور أسلوبية وبلاغية تمنحه عمقًا دلاليًا وجمالًا فنيا. فتكون الصور أحيانًا أيقونية أيضًا، فتستعمل بمفردها أو بالتوازي مع نص مكتوب بغية تفصيله أو تبسيطه أو، وبكل بساطة، من أجل جذب القارئ أو السامع ولفت انتباهه بفضل هذا المرئي. ان الصورة أو الرسم أو النحت، صور يمكن العثور عليها على اللافتات الإعلانية والاشهارية، كما هو الحال في الكتب والمناهج المدرسية أو في غيرها. لذلك فهي وسيلة اتصال مثلها مثل غيرها، وفي بعض الأحيان تكون أكثر فعالية من الخطاب اللغوي لأن اللغة محدودة نطاق الاستعمال، أي بين الناطقين بها فقط، في حين تجول الصورة وتجمع بين مجتمعات عديدة، فلا حدود للفن المرسوم أو المصور أو المنحوت...الخ.
بعد دراسة ادراج واستخدام مختلف أنواع الصور في مجموعة من الكتب المدرسية الخاصة بالسنتين الرابعة والخامسة من التعليم الابتدائي خاصة، لاحظنا مجموعة من التباينات بل التناقضات بين مضامين بعض النصوص والدروس والصور التي خصصت لها أصلا من أجل خدمتها ودعمها.
نناقش في نصنا هذا اشكالية الصورة في الكتاب المدرسي من خلال دراسة قيمتها ووظيفتها دون غض النظر عن مدى تناسق مضمونها مع محتوى الدرس والأهداف المسترة له لتحديد مدى الاستعانة بها وتأديتها لوظيفتها.
1. الصور ودورها في التعليم : التعريف، الأنواع، الوظائف والتحليل
الصورة التعليمية صورة تستخدم في العملية التعليمية والتعلمية لتوضيح وشرح المفاهيم والمعلومات المختلفة بطريقة بصرية ومرئية. فهي وسيلة دعم فعالة لنقل المعلومة وتسهيل عملية الفهم والاستيعاب، خاصةً للأفراد الذين يفضلون الأساليب البصرية في التعلم والتذكر لأن ما يبصر أسهل للفهم وأكثر رسوخا في الأذهان مما يسمع دون ملاحظة مرئية تدعمه. وتتنوع الصور التعليمية بين الرسوم التوضيحية، والخرائط، والمخططات، والرسوم البيانية وغيرها. وتستخدم في مختلف المجالات التعليمية والتدريبية، بما في ذلك التعليم الأكاديمي والتدريب المهني والتعلم عن بعد.
إن إشكالية توسيع استخدام الصورة في التعليم ذات أهمية كبيرة، وما فتئت تتزايد خاصة منذ بداية القرن الماضي في المجتمعات الغربية نظرا لتأثيرها الايجابي الفعال في مختلف مجالات العملية التعليمية التعلمية خاصة في المستويات الابتدائية.
« رغم اعتماد الصورة كوسيلة تعليمية بيداغوجية منذ القرن السادس عشر، فان الصور قد تطورت في الكتب المدرسية فيما بين 1870 و1960. إن تطور تقنيات الطباعة قد مكن من تطوير تواجد الرسومات التوضيحية في هذه الكتب الموجهة إلى جمهور شاب (Choppin, 1992) »1
ان للصور قيمة كبيرة في تركيبة الكتب والمناهج التربوية والمدرسية سواء من حيث الناحية الجمالية والتنميقية الترفيهية، أو من حيث بناء أفكار ومعلومات المتمدرسين والمتكونين.
« ان مكانة الصورة في الكتب المدرسية اليوم أساسية، أيا كان التخصص أو المستوى (ابتدائي، متوسط، ثانوي). تحتل الرسومات الاستدلالية مساحات هامة على صفحات الكتب المدرسية. يبدو أن قضية ازدواجية الورقة قد أصبح اليوم بديهيا ومعيارا بالنسبة لمؤلفي ومؤلفات، وناشري وناشرات الكتب المدرسية في الكثير من التخصصات2. » وتضيف ليتيسيا بيري : « تولي بعض التخصصات أهمية كبيرة للصورة، مثلما هو الحال في العلوم الطبيعية، التاريخ والجغرافيا، التي احتوت رسومات منذ أواخر القرن التاسع عشر( (Julia, 1982, Merlot, 1985. ص39 »3.
1.1. أنواع الصورة
يوجد تقارب عميق بين مختلف أنواع الصور، طبيعية كانت أو خيالية أو واقعية، فكلها ابداع ما دامت قد انتقلت عبر وسيط. اعتمادا على ابداع الطبيعة واستعانة بالخيال والذوق الفني، يتمكن الانسان من استنساخ هذا الواقع في صور ورسومات قد تفوقه جمالا. ان الصورة الفتوغرافية نسخ لما هو موجود في الواقع، لكن طريقة أخذ الصورة ومكانها وزاويتها وزمنها ودقتها وعيرها كلها عوامل يتحكم فيها المصور ليجعل المنظر أكثر جمالا مما هو عليه أو على الأقل أكثر رونقا وجاذبية مما يلاحظه عامة الناس. ومع التقدم التكنولوجي أصبح التحكم في المناظر أكثر قوة وعمقا إذ بإمكان الفنان أن يتدخل في الصورة فيضيف إليها أشياء ويحذف أخرى حتى يجعلها معبرة عما يختلجه خياله واحساسه، فهي « شكل من أشكال الفنون، الذي ينقل واقعا ما او يبتكر مشهدا ما من نسج الخيال انطلاقا من واقع ملموس »4.
أما الصورة الأدبية، فهي إبداع لغوي يتحكم فيه الشخص ليمنح للأشياء صفات أقوى وأعمق من تلك التي خلقت عليها، تماما مثل ذلك الفنان الذي يتحكم في الصور الفتوغرافية دمجا وإضافة ومسحا. فنجد في الحالتين انزياحا عما هو متداول ومتعارف عليه. لكن الصورة البلاغية غالبا ما تختزن أسرارا دلالية قد تخفى عن قريرة القارئ العادي غير المتمكن من الاستعمالات اللغوية والأسلوبية وكذا الاحالات الثقافية والاجتماعية والعقائدية...
أما الرسم، فهو أيضا إبداع فني بشري يجمع بين الصورة الأولى أي صورة الواقع والثانية أي الصورة الأدبية التي ترتكز على الخيال والذات.
فالصور إبداع فني يكتنز الكثير من الفكر والاحساس خاصة من خلال انزياحه عن المعتاد . ولعل هذه الصفات تعتبر من الأسباب التي أدت برجال البيداغوجية والتعليمية إلى الإرتكاز عليها في عملية التعليم والتعلم دعما وتحليلا وشرحا لما في مضامين النصوص التي ترد معها، خاصة وأن ذهن المتعلم وتركيزه واستيعابه لما يلقن له أكثر تقبلا وانصياحا لما هو مرئي.
2.1. ما هي طبيعة الوسائط المرئية؟
الوسائط المرئية هي وسائل مرئية تستخدم لنقل المعلومات أو الرسائل. يمكن أن تتخذ عدة أشكال، بما في ذلك :
-
الصور والصور الفوتوغرافية :هذه الوسائط المرئية هي تمثيلات مرئية للأشياء والأشخاص والأماكن والأحداث وما إلى ذلك مما نلاحظه في الواقع. « يرى رولان بارث » بأنه :« إذا كانت اللغة نتاج تواضع جماعي فهناك أيضا لغة فتوغرافية متواضع عليها تشتمل على علامات وقواعد ودلالات لها جذور في التمثلات الاجتماعية والايديولوجية السائدة »5
-
مقاطع الفيديو :عبارة عن تسجيلات بصرية متحركة يمكن استخدامها لإظهار العمليات والتجارب والعروض التوضيحية وما إلى ذلك.
-
الرسوم المتحركة :صور أو رسومات يتم التحكم فيها وفي تسلسلها حتى تصبح متحركة يمكن استخدامها لتصوير مفاهيم معقدة أو لجعل التعلم أكثر متعة.
-
المخططات :هي تمثيلات مرئية للبيانات أو المعلومات، مثل الجداول والمخططات والأشكال الدائرية والمخططات الشريطية وما إلى ذلك.
-
المخططات : تمثيلات مرئية مبسطة للأنظمة والعمليات والمنظمات يمكن أن تساعد في شرح العمليات أو المفاهيم أو العلاقات المعقدة.
-
الجداول :هي مساعدات بصرية تقدم المعلومات في شكل أعمدة وصفوف.
يمكن استخدام هذه الوسائل البصرية المختلفة بمفردها أو مجتمعة لخلق بيئة تعليمية أكثر ثراءً وتفاعلية ووضوحا.
3.1. ما ركائز الصور التعليمية؟
نظرا لأسباب بيداغوجية براغماتية وبغية تحقيق الأهداف المسترة للدرس والعملية التعليمية، تعتمد الصورة التعليمية على عدة ركائز لتكون سندا فعالا في إيصال المعلومات وتسهيل عملية الفهم والاستيعاب، سواء في النصوص الأدبية أو العلمية. وتشمل هذه الركائز :
-
الوضوح :يجب أن تكون الصورة واضحة وبسيطة، حتى يتمكن المتعلمون من فهم المفاهيم والمعلومات التي تحملها بشكل سريع وفعال. يجب أن تتجنب كل أنواع الابهام والغموض.
-
الجاذبية :يجب أن تكون الصورة جذابة للمتعلمين خاصة مع الاستعانة بتعددية الألوان، حتى يتمكنوا من الانتباه والتركيز عليها، وهذا يساعدهم على الاستيعاب السريع والفعال للمعلومات.
-
.الاختصار :يجب أن تكون الصورة قصيرة ومختصرة، حتى لا تزيد الصورة عن اللازم، وتحتوي على المعلومات الأساسية التي يحتاجها المتعلمون فكل ما زاد عن حده يمكن أن ينقلب الى ضده.
-
الاتساق :يجب أن تكون الصورة متناسقة مع النص والدرس والمنهج الدراسي حتى يتمكن المتعلمون من توصيل الصورة إلى الأفكار والمفاهيم الأكبر.
-
الاستخدام الفعال :يجب استخدام الصورة بطريقة فعالة، وذلك عن طريق وضع الصورة في المكان المناسب وفي الوقت المناسب حتى يتمكن المتعلمون من الاستفادة منها بشكل كامل وأفضل.
4.1. ما هي وظائف الصور التعليمية؟
تلعب الصورة التعليمية دورًا فعالا في عملية التعليم والتعلّم، ويمكن تحديد عدة وظائف لها، منها :
-
التوضيح : تساهم الصور التعليمية في توضيح المفاهيم والمعلومات بطريقة مرئية، مما يتيح للمتعلمين فهم المواد التعليمية بشكل أفضل.
-
الإثارة : تساعد الصور التعليمية على إثارة الاهتمام والانتباه لدى المتعلمين، ويساعدهم ذلك على المشاركة في الدرس والتركيز على الموضوع المطروح.
-
التعزيز : يمكن استخدام الصور التعليمية كأداة لتعزيز الذاكرة، حيث يمكن للمتعلمين الاستعانة بها لتذكر المفاهيم والمعلومات بشكل أفضل.
-
الإيضاح : تساهم الصور التعليمية في إيضاح المعلومات المعقدة وصعبة الفهم، وبالتالي تسهل عملية الفهم والاستيعاب لدى المتعلمين.
-
الإثراء : تعتبر الصور التعليمية وسيلة لإثراء المحتوى التعليمي، وتساعد في توسيع الأفق وزيادة المعرفة لدى المتعلمين.
« تستعمل بعض التخصصات، بعض المستويات التعليمية، في الغالب، صورا مطابقة للمقام، مجازية، واقعية، بل حتى درامية لأن التأثير والتحديد والخيال يعتبرون عمليات ذهنية للتعلم، مصدرها تأسيس تقارب مع الشيء المدروس. وعلى عكس ذلك، تفضل تخصصات ومستويات أخرى الرسومات البيانية، والصور المجردة، المفاهيمية، المعممة، فان التجريد والتباعد هما الذان يؤيدان الولوج إلى المعرفة »6 .
5.1. كيف نحللها؟
يمكن تحليل الصور التعليمية بطريقة مشابهة لتحليل أي صورة بصرية، وتتضمن عادة عناصر الصورة التالية :
-
الشكل والحجم : إن شكل الصورة وحجمها عنصران مهمان في تحديد قيمتها في أداء العملية التعليمية إذ يجب أن تكون متوازنة مع الدرس ومضمونه، فلا تكون طاغية أكثر من اللازم فتنسي النص ولا تكون مهمشة فلا يكون لها أي تأثير.
-
الموضع : مكان الصورة في الصفحة أو على السبورة أيضا ذو تأثير كبير في الأداء التعليمي وايصال المضامين. فأفضل الأماكن للصور أن تدرج مباشرة بعد العنوان أو أن تتخلل جانبا من جوانب النص مع بداياته، في حين ترد الصور المرافقة للعمليات الحسابية فوقها أو بجانبها ...كما يمكن ادراج الصورة في الأخير تماما اذا كانت تمرينا أو تطبيقا يستعان به في التقييم ومراقبة مدى استيعاب المتمدرسين لما سلف ذكره.
-
اللون : يمكن تحليل الصورة التعليمية من حيث اللون ودرجات الألوان المستخدمة وتأثيراتها على المتعلمين لأن للألوان قراءات قد تختلف بين المجتمعات أو الأجيال... الألوان الزاهية التي تساعد في إثارة الانتباه والتركيز وتعبر عن التفتح والفرحة، بينما تعبر الألوان الداكنة عن عن القسوة والشراسة.7
-
الخلفية : يمكن للمتعلمين تحليل الصورة التعليمية من خلال تحليل الخلفية وكيفية تأثيرها على التركيز، وما إذا كانت الخلفية مزعجة أو مساعدة في فهم الموضوع.
-
التركيز : يمكن للمتعلمين تحليل الصورة التعليمية من خلال تحديد العناصر الرئيسية التي تستحق التركيز والانتباه اليها، وكيفية تمثيلها في الصورة.
-
النصوص والتسميات : يمكن للمتعلمين تحليل الصورة التعليمية من خلال النصوص والتسميات التي تصاحبها، وكيفية تعزيز المفاهيم الموجودة في الصورة. ثم مدى تعبير الصورة عما في الدرس أو النص وما اذا كانت تخدمه أم لا.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمتعلمين تحليل الصور التعليمية من خلال مقارنتها مع المعلومات النصية والصوتية الأخرى المتعلقة بالموضوع، وكيفية تكاملها مع بعضها البعض لتحقيق فهم أفضل وشامل للمادة التعليمية.
6.1. أسس تراعى في ضبط الصورة التعليمية
هناك من المنظرين المعاصرين الذين حاولوا قراءة الصورة من أمثال :« لوران جرفيرو (Gerfirou lourane ) وغيره إلى »إبتكار منهجية تحليل الصورة وعند هؤلاء العلماء تقوم على ثلاثة عناصر أساسية : وصف الرسالة، مقاربة إيكولوجية ومقاربة سيميولوجية"8.
ونظرا للقيمة المعرفية والبيداغوجية والتعليمية للصورة، يجب أن يركز ضبط تعليمية الصورة في الكتب والمناهج المدرسية على عدة أسس :
-
اختيار نوع الصورة والصور التي تتماشى مع كل درس والأهداف التي حددت له. قد تكون الصورة فوتوغرافية، رسما عاديا، رسما كاريكاتوريا، لوحة زيتية،...
-
موضع الصورة في الصفحة مقارنة مع ما ترافقه من درس : فقد نوردها مباشرة بعد العنوان فتكون تمهيدا للنص، أو في منتصف النص فتكون وسطا بين أفكاره، أو بعده مباشرة في نفس الصفحة أو في صفحة مقابلة فتأتي في الغالب حوصلة لما في الدرس. وتجدر الاشارة الى أن الصورة قد تكون صورا خاصة في العمليات الحسابية أو تعليم الأبجبديات علما بأن الحروف المكتوبة ليست سوى مجرد رسومات لمن يبتدئ في ممارستها، ولا ننسى أن الكتابة أصلا كانت مجرد رسومات لأفكار ثم تنامت وتطورت لتتخذ الصور الخطية التي هي عليها الآن.
-
ويتطلب موضع الصورة على الورقة وكذا عدد الصور التي تدرج فيها التحكم في حجمها أو مساحتها حتى لا تطغى فتخلق اكتظاظا، بل تكتفي بكونها وسيلة مساندة للعملية التعليمية.
-
كما يجب مراعاة التوافق في المضمون، فعلى الصورة أن تكون في خدمة أهداف الدرس شرحا، تحليلا، تفصيلا وتعليلا. يجب تفادي تباعد الأفكار وتناقضها بين الدرس والصورة.
-
تناسق مكونات الصورة أمر حتمي خاصة لما يتعلق الأمر بالرسومات أو الصور المعدلة حتى لا يتم الجمع بين شيئين يستحيل التقاؤهما في الحقيقة والواقع، سوى إذا تناول الدرس أو النص موضوعا خياليا أو خرافيا.
2. دراسة لبعض النماذج
الاستعداد للعودة إلى المدرسة كتاب السنة الثانية : ص 12/ 13
العنوان وما يرافقه من نصوص بعيدون عما جاء في الصورة التي وردت في صفحتين. فالنص مثلما هو معبر عنه في الصورة يتحدث عن عملية اقتناء اللوازم المدرسية استعدادا للعودة للدراسة بينما نلاحظ في الصورة فرحة الأولياء وبهجة الأطفال وهم يختارون الملابس الجديدة اللازمة وكأنه يوم عيد. وما تعدد الألوان هنا وتنوعها الا تعبير عميق عن البهجة التي عمت القلوب والوجوه. فالعودة الى المدرسة أيضا يمكن أن تعتبر عيدا، لكن لا نرى هنا أية علامة ترمز الى الدراسة كالمحفظة أو الكراريس التي كانت ستوجه نظرة الملاحظ نحو المدرسة والعملية التعليمية وهو الأمر الذي كان سيجعل فرحة الدراسة شبيهة بفرحة العيد.
العنوان : حملة التشجير كتاب السنة الثانية ص32/33
تعتبر عملية التشجير فرصة للكد والتنزه في آن واحد. فكل ما في الصورة من بهاء في الأشكال والألوان والطبيعة والأشخاص والحيوانات ترمز الى تلذذ الأطفال بخروجهم واستمتاعهم بأدائهم. لكن الصورة لا تطابق النص الا في جزء منها فقط فالجزء الأيسر منها، والمتمثل في الراعي وماشيته، لا يتوافق مع عملية التشجير : فالفلاح أيا كان يحافظ بعناية بالغة على شجيراته ويمنع الأغنام والأبقار وغيرها من الاقتراب منها. فماذا يتعلم الطفل من الرعي وسط شجيرات جديدة الغرس؟
صورة التمرين ترتكز على مجتمع غنيّ، بل حتى أسئلة هذا الاسكتشاف موجهة لمتعلم ميسور الحال ويطلب منه التعليق على الحالة الصحية لهذا الطفل النحيف في الجزء السفلي من الصورة والذي يفترض انه لا يستطيع القيام بكل النشاطات البدنية التي يقوم بها المتعلم الثري : وكأن كل التلاميذ أغنياء وميسوري الحال. فالألوان ونوع الصورة في الجزء الأول تظهر نشاطا وبهجة لدى الطفل الأول، بينما نرى كآبة وحزنا في الجزء السفلي عند الطفل الفقير الذي رسم نحيف الحال، وتائه البال.
فمن المفروض أن تكون الصورة بناءة في خدمة المتعلم لا هدامة تمس بأحاسيسه وتجرحه في أعماقه. فالصورة توجه خطابا للمتعلم تبرر من خلاله الفشل والكسل لأن من ليس ثريا ولا يأكل وجبات مثل تلك التي أمام أمين لا يقدر على ممارسة نشاطات تتطلب جهدا عضليا. فما على هذا النحيف الفقير الا الستسلام معذورا.
يتحدث النص الذي ألحق بهذه الصورة عن أول دخول مدرسي وعن اكتشافات التلميذ في المدرسة. ونلاحظ في الصورة جوا من البهجة والفرحة والحيوية من ثنايا ألعاب الأطفال، وتعدد الألوان الجميلة، واتساع الساحة والصورة في صفحتين كاملتين. فالصورة تمثل فترة الراحة بساحة المدرسة.
نلاحظ أن عدد الذكور يفوق عدد الاناث بخمس مرات وهو ما يتناقض كليا مع الحقيقة. صحيح أن مثل هذه الأجواء جديرة بأن ينوه بأهميتها في جلب التلميذ الجديد نحو المدرسة لما فيها من أجواء رحبة تحسسه بالطمأنينة والسكينة والأمل. لكن عمل المدرسة لا يقتصر على ذلك، فهو موضع علم وتربية قبل أن يكون مكان لعب وراحة. فنلاحظ في الصورة مجموعة من العيوب والنقئص التي لا تخدم العملية التعليمية : توجد في الصورة ألعاب ولعب، مياه ومطعم وغيرها دون أية اشارة الى قسم أو دراسة. نلاحظ أيضا أن معظم المتمدرسين يلعبون ويمرحون بينما حمل بعضهم محافظهم التي من المفروض أن تبقى في القسم وهم في فترة راحة. كما نرى، على عكس حقيقة الواقع، أن أغلبية التلاميذ ذكور. ومن العيوب أيضا أن أغلبية هؤلاء التلاميذ لا يرتدون مئزرهم الذي غنى عنه في المحيط المدرسي بل هو رمز لكل محيط مدرسي ولكل متمدرس. وفي جانب آخر من الصورة، نشاهد مزبلة مليئة عن آخرها، وكان من المفروض أن لا تكون كذلك بما أنه اليوم الأول من الدخول المدرسي. كما أنه من المفروض أن تلك المزبلة يجب أن تبقى مغلقة، فهو ما يعلّم للطفل أيضا.
الخاتمة
لعل أهم وأول ما نختم به هذا العمل هو التأكيد القاطع على أهمية وأولوية الصورة في تأدية العملية التعليمية بوجه أكثر فعالية وتأثيرا في عقل المتلقي، وفي بناء خياله، وفي تهذيب قدرته على الاستيعاب والذاكرة. وعليه فان ادراج الصورة في كل الأطوار والمواد التعليمية أمر ضروري لا مناص منه، خاصة في السنوات الأولى من التمدرس.
الصورة أيضا لغة ورموز في شكلها وفي ألوانها وفي كل ملامحها، الا أنها تعتمد على البصر لا السمع كما أنها لاتقتصر على حدود المجتمع اللغوي الواحد بل تتعداه عبر كل العالم لأن الصورة فن والفن لكل البشرية دون حد أو قيد. فتعبر الصورة عما تعجز عنه الكلمات والجمل، كما أنها تعبر عن لغات عدة بينما لا تعبر الكلمة أو الجملة سوى عن لغة واحدة.
ونظرا لأهمية الصورة في العملية التعليمية، فان اعطاءها حقها في الكتاب المدرسي أمر محوري اذ لا بد من معالجتها في كل كتاب وفي كل نص أو درس من قبل مختصين يسهرون على انتقاء الصور المؤدية للوظيفة المنشودة أي تلك الصور التي تعبر حقا عما في النص أو الدرس الذي ترد معه. كما أنه من الضروري أيضا العمل على ايجاد صور ورسومات لا تتنافى مع الواقع.
تم الاعتماد في الكتابين على تحليل الصور والروسومات إذ تعتبر الركيزة التي يعتمد عليها المعلم ويعود إليها في كل الوضعيات إذ يطلب من المتعلم تحليل الصورة أو الاستعانة بها في اعداد وتقديم اجابته.