بلاغة السّرد للصورة الفنية في القصّة الفيلمية الكارتونية: قصّة « بياض الثلج » أنموذجا

Image et narration dans Blanche-Neige : Analyse de l'iconographie animée

Image and Narration in Snow White: An Analysis of Animated Iconography

عبد الغني إرشن et نسرين سعدون

p. 329-344

Citer cet article

Référence papier

عبد الغني إرشن et نسرين سعدون, « بلاغة السّرد للصورة الفنية في القصّة الفيلمية الكارتونية: قصّة « بياض الثلج » أنموذجا », Aleph, Vol 11 (5-1) | 2024, 329-344.

Référence électronique

عبد الغني إرشن et نسرين سعدون, « بلاغة السّرد للصورة الفنية في القصّة الفيلمية الكارتونية: قصّة « بياض الثلج » أنموذجا », Aleph [En ligne], Vol 11 (5-1) | 2024, mis en ligne le 27 novembre 2024, consulté le 12 décembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/13341

تتفاعل الفنون البصرية بشكل عام، وخاصة السينما، مع الأدب، وتستمد منه أساليب بلاغية وتعبيرية تمنح النص السينمائي قوةً تعبيرية متميزة من حيث البلاغة والدلالة. فقد كانت القصة الأدبية، خاصة الرواية الأدبية الشعبية، مصدر إلهام دائم في بناء العديد من القصص الكرتونية والخيالية. ومع ذلك، فقد تبنت القصة السينمائية أسلوبًا بصريًا وصوتيًا مميزًا ومعقدًا، شكل لغة هجينة وبليغة استمدت خصائصها من البناء الفني الجمالي لتكوين الصورة الخيالية. وهذا ما حاولنا تحليله وفهمه في هذه الدراسة من خلال تفكيك مستويات الخطاب البلاغي في قصة الفيلم الكرتوني "بياض الثلج"، الذي تميز بخطاب قوي ومؤثر في جميع مستوياته البلاغية التعبيرية. حيث يتضمن قيمًا جمالية وأخلاقية وإنسانية مثل: المحبة، التسامح، العفة، الصداقة، والاحترام، والتي تجسدت جميعها في شخصية بياض الثلج كرمزية للخير والصبر والأمل.

Les arts visuels en général, et en particulier le cinéma, interagissent avec la littérature en en tirant des méthodes rhétoriques et expressives qui confèrent au texte cinématographique un pouvoir expressif distinct, tant du point de vue de la rhétorique que de la connotation. En effet, le récit littéraire, et plus particulièrement le roman populaire, a toujours été une source d'inspiration pour la construction de nombreuses histoires de films d'animation et de récits imaginaires. Toutefois, le récit cinématographique a développé un style visuel et sonore distinct et complexe. Il s'est constitué un langage hybride et éloquent, qui tire ses spécificités de la construction esthétique et artistique de l'image imaginaire. C'est ce que nous avons cherché à analyser et à décoder dans cette étude, en déconstruisant les niveaux de discours rhétorique du film d'animation Blanche-Neige, caractérisé par un discours puissant et influent dans tous ses niveaux d'expression rhétorique. Ce discours inclut des valeurs esthétiques, morales et humaines telles que l'amour, la tolérance, la chasteté, l'amitié et le respect, qui sont toutes incarnées à travers le personnage de Blanche-Neige, une image idéale et symbolique du bien, de la patience et de l'espoir.

Visual arts in general, and cinema in particular, interact with literature, drawing from it rhetorical and expressive methods that give the cinematic text a distinctive expressive power in terms of both rhetoric and connotation. The literary narrative, particularly the popular novel, has always inspired the creation of many animated and imaginative stories. However, the filmic narrative has adopted a distinct and complex visual and sonic style. It has developed a hybrid and eloquent language, drawing its characteristics from the aesthetic and artistic construction of the imaginary image. This is what we attempted to understand and decode in this study by dismantling the rhetorical discourse levels of the animated film Snow White, which is characterized by a powerful and influential discourse in all of its expressive rhetorical levels. The film incorporates aesthetic, moral, and human values such as love, tolerance, chastity, friendship, and respect, all of which are embodied through the character of Snow White in an idealized, imaginary image as a symbol of goodness, patience, and hope.

مقدمة

تُعتبر الآداب الشفوية والشعبية إرثٌ اجتماعيٌّ ونتاج الفكر البشريّ الذي تعاقبت عليه مختلف الحضارات، ولهذا وجب الحفاظ عليها. كما أنّها تعبّر عن الهوية الثقافية لأيّ أمّة من الأمم، وتحمل إلينا قيما نتوارثها عن الأجيال التي خلت، ومن بين هذا الموروث الذي يتداوله اللسان الشعبي: القصّة الشعبية، والقصّة كمتخيّل ذاتي/خاص تتموقع في الخيال والواقع الموضوعيين، انطلاقًا من زمن الأحداث وزمن الخطاب الذي يتعامل معه المبدع القصصي والسينمائي.

ومع منافسة أجهزة السينما والتلفزيون المتطورة له، فإن هذا الجنس قادر على الصمود أمامها لأنّه باستطاعته أن يقدم صورًا أخرى للحياة الإنسانية معتمدًا على تقنيات كثيرة من سرد ووصف، وحوار ورؤى متعددة، بسبب تعدد لغاتها وأصواتها وتنوّع كلامها، وبهذا صارت القصة فنًا مفتوحًا على مختلف الأعمال الأدبية والسينمائية وبالخصوص أفلام الكارتون.

فالملاحظ أنّ الأطفال يتعلقون كثيرا بالقصص خاصة تلك التي تكون في قوالب فيلمية مرئية وسمعية (الرسوم المتحرّكة)، وهم يستمتعون بها ويستمعون ويشهدنها بشغف ويحلقون في أهوائها، ويتجاوبون مع أبطالها ويتشبعون بما فيها من أخيِلة، ويتخطون من خلالها أجوائهم الاعتيادية ويندمجون بأحداثها ويتعايشون مع أفكارها. إنّها توفّر لهم فرصًا للترفيه والتنفيس، كونها تُرصي مختلف المشاعر والأمزجة والمدارك والأخيِلة.

تهدف هذه الدّراسة إلى محاولة تفكيك وتشفير الخطاب القصصي الفيلمي الكرتوني واستخلاص أبعاده القيمية والأيديولوجية، والتي اخترنا قصة الفيلم الكرتتوني ’’بياض الثلج’’، هذه القصة الفيلمية التي لا طالما استحوذت على عقول الصغار وحتّى الكبار منّا، فمن منّا لا يعرف هذه الحكاية ومن منّا لم يتحسّس بمفاتنها وجماليات أسلوبها السردي شكلا ومضمونا. فالقصة الكرتونية حاولت بناء متخيل مثالي إنساني عالمي، مبني على القيم الإنسانية العابرة للثقافات كالإخلاص، الخير، الصداقة والحب وغيرها من القيم الإيجابية مع نبذ الشر والعنف والمكر، فكانت مصدر إلهام للكثير من الشعوب التي حوّرت قصتها لعدت لغات في شاكلة ثقافية مميزة جدًا، فمن خلال هذا المنطلق حاولنا أن نفهم بلاغة الصورة لقصة « بياض الثلج » في خطابها الالسني والفني والجمالي وما تتضمنه من قيم عبر طرح التساؤل الرئيسي التالي : ماهي القيم المتضمنة في الخطاب البلاغي للصورة الفنية الكرتونية في قصة « بياض الثلج »؟

1. الجانب المنهجي

1.1. الإطار العام للدراسة

لتفكيك وتشفير الرسائل الكامنة عبر الخطاب الفيلمي الكرتوني لقصة « بياض الثلج » استدع الأمر القيام بدراسة عميقة تمكننا من فهم وإدراك الدلائل والرموز والرسائل الصريحة والضمنية الواردة في الشق الالسني والايقوني للقصة الكارتونية وذلك بالاعتماد على المنهج الوصفي.

حاولنا من خلال هذه الدراسة طرح عدة تساولات بحثية يمكن تضمينها وفق النقاط الاتية :

  • ما المقصود ببلاغة السّرد؟

  • ماهي المعاني الضمنية التي تضمنتها قصة « بياض الثلج »؟

  • فيما تتمثل القيم الواردة في البناء السردي لقصة « بياض الثلج » وأثارها على جمهور الأطفال؟

  • هل اقتصرت القيم الواردة في هذه القصة الكرتونية على القيم الثقافية لمجتمع معين أم أنها تعدت الى القيم الإنسانية المشتركة بين مختلف الشعوب والثقافات؟

  • ماهي الابعاد والجوانب السيكولوجية والاجتماعية والثقافية المتضمنة في الخطاب الكرتوني « بياض الثلج »؟

  • ماهي الوظيفة البلاغية الأكثر بروزا في بنية الخطاب الكارتوني لقصة « بياض الثلج »؟

  • ما هي الصورة التي قدمت عن الشخصيات المحورية التي لعبت الأدوار في القصة الكرتونية « بياض الثلج »؟

تهدف هذه الدراسة إلى فهم واستيعاب آليات التوثيق السمعي البصري في عالمنا المعاصر وكيفية عمل الصورة إلى جانب الكتابة في تشكيل الصور النمطية عن قضايا وأحداث تم معالجتها سينمائيا وعليه حددت أهداف هذه الدراسة في النقاط التالية :

  • تحاول هذه الدراسة تحليل وفهم طبيعة البناء السردي للقيم الإنسانية عبر قصة « بياض الثلج ».

  • تهدف الدراسة إلى تشفير وتفكيك المضامين الأيديولوجية الواردة في ثنايا الخطاب الكارتوني أي الكشف عن الخلفيات الأيديولوجية للصورة الفيلمية.

  • إبراز مختلف الدلالات الخفية بتفكيك الرموز والدلائل وتحليل الرسالة الأيقونية واللسانية.

  • تبيان أهمية التقنيات البلاغية والاقناعية الموظفة في تصميم الصورة الكارتونية وكشف قدرتها الاقناعية في بناء التصورات والمدركات لدى الجمهور المتلقي للمادة والقصة الكارتونية.

  • فهم البعد السيكولوجي والاجتماعي والثقافي والإنساني للنص والصورة الكرتونية.

2.1. تحديد المفاهيم المتعلقة بالدراسة

1.2.1. بلاغة السّرد

تقوم البلاغة الروائية على تحليل تعييني لعلاقة القصّة بشخصياتها، وبأحداثها المتوازية التي تتوالى ومن ثم بالسرد القصصي، ويعرف « واين بوث » بلاغة الرواية قائلا : ’’هي تلك الطرق والوسائل الفنّية والأسلوبية والفكرية أي الحجاجية، التي تجعل القارئ يقتنع بأنّه لا يقرأ مقالا أو رأيا أو فكرة وإنّما حكاية.’’(عبد الحميد عقار، 2001، ص141.)

يساوي « واين بوث » في هذا التعريف بين البلاغة والحكاية، وبعملية استبدالية قائمة على اعتبار السرد هو الحكاية، ومن ثم نوازن نحن بين البلاغة والسرد لنعتبر بلاغة السرد : ’’كل الطرائق السردية والوسائل الفنية والأسلوبية والفكرية المتعلقة بها، التي تعمل على بناء الحكاية وإخراجها في لمحة سردية فنية ولسنا نقيم هذا الاستبدال على مجرد عملية عقلية’’(صليحة مرابطي، 2011، ص223) الأمر الذي دفع « تودوروف » إلى إرساء دعائم جمليات السرد وبلاغة الرواية، وربطها بما توصل إليه البحث السردي المعاصر، كما حاول الربط بين تمظهرات السرد وتمظهرات الحكي الموازنة لأحداث القصّة.( Tzvetan Todorov 1978 , pp63-64) وعمل على تأسيس الانسجام النصّي في الرواية، واعتباره انسجامًا بلاغيا تتعدد فيه إمكانات القول السائرة في منطق معيّن والملتحمة فيما أسماه بالحبكة. ثم أتى طرح « بول ريكور » الذي تجاوز اعتبار بلاغة السرد حالة من الانسجام النصي إلى اعتباره بمختلف أشكاله وتنويعاته طاقات متصلة بالحياة وتأويلاتها، حيث يرى أن السرد ظاهرة بلاغية وجودية تستوعب حصيلة كل العلوم والتجريبية الإنسانيتين. (محمد سالم الطلبة، 2008، ص158). لذلك فالبلاغة السردية بناء ذو واجهتين في النص، الوجه العلمي التقنني منه، والوجه الإنساني المعبّر عن عمق التجربة الإنسانية في النص، ويجتمع هذان الشقان ليكونا ما يصطلح عليه في البلاغة بالصورة الفنية أو الموضوع الجمالي.

2.2.1. القصّة

لقد استعان الإنسان بالقصّة منذ زمان طويل كأسلوب أراد به تهذيب الأخلاق والسلوك وإشاعة الحكمة بصورة جذابة وأسلوب مؤثّر، ليعبّر من خلال القصّة على جوانب من حياته ومن ثم استخدامها كأسلوب للتهذيب والتثقيف، وأراد الإنسان بهذه القصص مواجهة ما ينتابه من مخاوف عن طريق الانتصار على الشّر لينشر الطمأنينة والسعادة في أوساطه.

تعدّ القصّة أبرز نوع من أنواع أدب الأطفال، وهي تستعين بالكلمة في التجسيد الفنّي، حيث تتّخذ الكلمات فيها مواقع فنّية كما تتشكّل فيها عناصر تزيد في قوّة التجسيد من خلق الشخصيات وتكوين الأجواء والمواقف والحوادث، وتقود إلى إثارة عواطف وانفعالات لدى الطّفل إضافة إلى إثارتها للعمليات العقلية المعرفية كالإدراك والتخيّل والتفكير (قدرية البشري وناريمان لهلوب وسماح الخالدي، 2010، ص231)

تعتبر القصّة نوع من أنواع النثر الفنّي، وقد تكون مكتوبة أو شفهية. وتعرّف عادة من عناصرها التي هي : الحركة، الحادثة، الحوار، الحبكة، الزمان، المكان، العقدة، والحلّ. ويحيل مصطلح القصّة على الأحداث التي يتمّ عرضها بواسطة اللّغة التي يتكفّل السارد بالنطق بها.( محمد اليعلاوي، 1985، ص25)

أما عن قصّة الأطفال ’’فهي ذلك العمل الفنّي المقدّم إلى الأطفال والذي يحتوي على قدر كبير من الخيال والتأثير في اللّفظ والمعنى المراد فيترك في النّفس متعة فنّيّة’’،( حنان عبد الحميد العناني، 1992، ص9) وهي بذلك صرح قويّ في بناء ثقافة الطّفل، «وهو ذلك العلم الذي يقوم بعملية نقل المعرفة إلى الصّغار، غرضه تقديم تجارب بشرية للقراء والمستمعين من خلال مزيج من المتعة والسّرور» (مصطفى محمّد رجب، 2009، ص111) ويضيف « عبد العزيز عبد المجيد : «نوع من الأدب له جماله، فيه متعة ويشغف به الصّغار، إنّه أدب مقروء ومسموع مع».( عبد العزيز عبد المجيد، 1956، ص12) وكلّ هذه التعاريف تقرّ ارتباط القصّة بالأطفال وبجمالية أدائها.

3.2.1. الحكاية

تكوّنت الحكاية في الأصل من حياة الشعوب ومن تصوراتهم ومعتقداتهم، ثمّ تطوّرت هذه الأخبار واتخذت شكلا فنيّا على يد القاص الشعبي، وأصبحت لها قواعد وأصول محدّدة. وقبل أن نشرع في تعريف الحكاية عند مجموعة من المتخصصين لا بأس أن نحدّد مصطلح الخرافة. يقول  »محمّد الجويلي«  : « الخراف هو عبارة عن هذيان لا معنى له واشتقاقه يدلّ على ذلك، ففعل  »خرّف«  في العامية الشّعبية عادة ما ينعت به الخطاب العجوز الّذي وصل إل سنّ متقدّم، لا يتحدّث إلى كلاما مفكّك غير مفهوم وهراء أجوف لا طائل منه » (محمد الجويلي، 2002، ص61)، ’’إنّ الحكاية الخرافية الشعبية شكل أدبي تلتقي فيه ظاهرتان للطبيعة الإنسانية، ظاهرة الميل إلى الشيء العجيب، وظاهرة الميل إلى الشيء الصادق والطبيعي، فحيث تلتقي هاتان الظاهرتان توجد الحكاية الخرافية’’(André Jolles,1972, p230) ويغلب على الحكاية الأسلوب الشفوي، والبسيط كما يعتمد على التكرارات. ولقد ألحّ الشقيقان ’’يعقوب ووليم جريم’’ بأن يُبقي الدارس نص الحكاية على حاله دون تغيير تماما كما يحافظ على الدين. كما أنّ أغلب الباحثين الفولكلوريين يشدّدون على إبقاء النّص على حاله، (ألكسندر كراب، 1967، ص75) لقد أبدع الإنسان الحكاية عندما كان يبحث لنفسه عن ملجأ يقيه هموم الدّنيا وقسوتها لذا فإن أصل ظهور هذا الشكل من أشكال التّعبير في الأدب الشعبي لا يكاد يعرف أصله وبل يعود إلى أزمنة بعيدة من البشرية الأولى. ويقول  »عبد الحميد بورايو«  : ’’الحكاية الشعبية شكل قصصي يتّخذ مادته من الواقع النّفسي والاجتماعي الّذي يعيشه الشعب’’(عبد الحميد بورايو، 2007، ص118) بينما يرى  »مارسيل موس«  : ’’أنّ الحكاية في حقيقة الأمر نصٌّ أُعدّ ليكون مكررا، كما أُعدّ أيضا ليكون مسموعا’’.( Marcel Mauss, 1947, p204)

حتى لا نستطرد في عرض كل التعريفات الكثيرة الرائجة التي تبدو أنها بقدر عدد المهتمين ودارسي الفولكلور بصفة عامة، لذا سنحاول أن نقدّم تعريفا نراه أقلّ التعريفات نقصا، لأنّه أوسعها، فالحكاية الشعبية حسب الباحثة ’’نبيلة إبراهيم’’ : ’’قصّة نسجها الخيال الشّعبي، تدور مواضيعها حول أحداث معيّنة ومهمّة، يستمتع الشّعب بروايتها والإنصات إليها إلى درجة أنّها تتناقل جيلا عن جيل عن طريق الرّواية الشّفوية’’(نبيلة إبراهيم، ص79-83)

4.2.1. أدب الأطفال

إنّ الأدب هو تشكيل وتصوير تخيلي للحياة والفكر والوجدان من خلال أبنية لغوية، وهو فرع من فروع المعرفة الإنسانية العامة، ويعني بالتعبير عن الآراء والعادات والقيم والآمال والمشاعر.

إن مصطلح أدب الأطفال يعني الأدب الموجّه إلى الصّغار بالتعبير الاصطلاحي، وبصورة مكتوبة أو منطوقة أو مرئية، تتوفر فيها معايير الأدب الجيّد، وتراعي خصائص نمو الأطفال وحاجاتهم، تتّفق مع ميولهم واستعداداتهم (شوكت أشتي، 1999، ص58-59)، وتسهم في بناء الأطر المعرفية الثقافية والعاطفية والقيمية، والسلوكية المهارية. «إنّه ذلك النتاج الفكري ذو الطابع الأدبي الذي يكتب خصيصا لجمهور الأطفال، ويكون قوامه الكلمة الجميلة، وعماده الخيال، وغرضه إمتاع الصّغير وتعليمه وتهذيبه»، (عبد الحميد موسى، 2010، ص11) وهو أدب يلتزم بضوابط فنية ونفسية واجتماعية وتربوية، ويستعين بوسائل الثقافة الحديثة في الوصول إلى الأطفال. كما أنّه ذلك الأدب الذي يصوّر أفكار وإحساسات وأخيلة تتّفق ومدارك الأطفال، وتتخذ أشكال القصّة والمسرحية والمقالة والأغنية. (أبو فنة محمود، 2001، ص23)

5.2.1. تعلّق الأطفال بالقصّة

بقي الأدب ولفترة طويلة يغازل عقول النّاس وقلوبهم يدغدغ الأحاسيس والمشاعر وينمّي العقول والمدارك ويجسّد تجاربهم الخاصة ويعزّز انتماءاتهم المختلفة كل حسب ميوله وأهوائه. وحاجة الكبار إلى الأدب هي نفسها عند الطّفل فحاجته للأدب هي حاجته للماء والغذاء، ولأمّه وأبيه وإلى المنزل الذي يأويه، فالأدب يأخذ بيدّ الطّفل ويمتّعه ويؤنّسه ويدخل السّرور على قلبه كما يعمل على إشباع حاجة الفضول عنده والتي تصل في هذه المرحلة العمرية منتهاها، فالفضول وحبّ التّطلّع غريزة ظاهرة عند الطّفل أكثر من غيره. (كعب حاتم، 2009، ص48.) الأمر الذي يؤكّده الباحث  »العيد جلولي«  : ’’منذ أن يدرك الطّفل العالم من حوله تنشأ لديه حاجة هامة من حاجاته العقلية إلى الاستطلاع، إنّه يحبّ أن يتعرّف على أشياء كثيرة تحيط به، يؤثّر فيها أحيانا وتؤثّر فيه أخرى’’.( العيد جلولي، ص12)

ونلاحظ أنّ الأطفال كثيرا ما يتعلقون بالقصص، وهم يستمتعون بها ويستمعون إليها ويقرؤونها بشغف ويحلقون في أهوائها، ويتجاوبون مع أبطالها ويتشبعون بما فيها من أخيلة ويتخطون من خلالها أجوائهم الاعتيادية ويندمجون بأحداثها ويتعايشون مع أفكارها. إنّها توفّر لهم فرصا للترفيه والتنفيس كونها ترضي مختلف المشاعر والأمزجة والمدارك والأخيلة. والقصص بفضل مسرحتها للحياة وما فيها من معان أصبحت وعاء تجسيد للثقافة، ما دامت الثقافة أسلوبا للحياة أبعادا جديدة، فتبدو معقّدة ومشوّقة أو غريبة أو قريبة لحياة الطّفل أو بيئته أو ذات مساس بقضية يكمن أن يتركّز اهتمام الطّفل حولها أو يجد نفسه أمام عقدة كان عليه أن يجد حلّها.

بالرّغم من أنّ الاهتمام بالدّراسات المختصّة بأدب الطّفل حديثة العهد، إلاّ أنّنا نلاحظ تسارعا وتهافتا كبيرين حول دراسته، نظرا للأهميّة الكبرى التي وجدوها من نعم جمّة وآلاء عظيمة تعمل على تنمية قدرات الطّفل وإثراء شخصيته وصقل موهبته ليعوّد نفسه على مواجهة الصّعاب وتجاوز العراقيل.

2. القيم المتضمنة في قصة الفيلم الكارتوني  »بياض الثلج« 

إن المتأمّل في رسوم بياض الثلج يدرك على الفور أنّها رسوم تتوفر إلى جملة من الفوائد التي تعود بطريقة إيجابية على شخصية الطفل التي تتعلم مجموعة من القيم والأخلاق، وللرسوم قدرة كبيرة على التجسيد المضمون الثقافي بفضل إمكاناته في الاستعانة بكل العناصر السمعية والبصرية وأعني هنا أصوات الرسوم وشخصياتها، وموسيقى الجنريك، والألوان المستخدم، إنها تستحوذ على عقول الأطفال حتى بالنسبة إلى الأطفال الصغار الذين لم يصلوا إلى مستوى تعلم القراءة أو الكتابة، ومن جملة الفوائد التي يمكن استخلاصها من هذه الرسوم ما يلي :

  • إن رسوم بياض الثلج تدعّم وبقوة كبير التربية الرّوحية الصحية للأطفال وهذا في بناء شخصياتهم، فهذه الرسوم تقدّم لنا مجموعة من القيم العالية أهمها : الاحترام وحسن معاملة غيرنا، فبياض الثلج تحترم الجميع وتتعامل معهم بلطف وحنان وتبادر غيرها بالمحبّة كمحبّتها للأقزام السبعة الذين ظلّت تعاملهم كإخوتها الذين فقدتهم بعدما تخلّصت زوجة أبيها منها. وكجزاء على هذه المعاملة الطيبة للمخلوقات لم يستطع الصياد أن يلبي أمر الملكة التي طلبت منه أن يقتل بياض الثلج فأخذها وتركها في غابة كثيفة أين الوحوش الضارة لتجد بيت الأقزام وتلج إليه لتعيش معهم في حبّ وهناء. فالطّفل بذلك يتعلم حسن معاملة غيره من المخلوقات ويعيش إلى جانبها في مناخ يسوده الحب والاحترام والسرور. أمّا عن التربية بصفة عامة ، فهذه الرسوم تفتح مجالا واسعا لتربية الأطفال، كونها تقدّم دروسا في الإخلاص والوفاء، ودورها الفعّال في عملية التنشئة من خلال التأثير على الطفل، وتسهيله نحو الأفضل فيتوحّد بذلك هدف أدب الأطفال مع الهدف العام للتربية التي تسعى إلى إعداد الأشخاص وتحضيرهم لخوض غمار المستقبل، وعلى حدّ قول  »عبد العزيز جادو«  منبها بالدور الكبير للتربية وأثارها النفسية الناجمة عنها : ’’وغاية التربية ليست تدريب الملكات الذهنية على استيعاب مواد مركزة فحسب بل تنمية شخصية الفرد وصقلها، وخلق اتزان عادل بين قواه الجسمية والعقلية والنفسية كي يصبح مواطنا بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معان’’(عبد العزيز جادو، 2001، ص9.)

  • يقدّم جنيريك بياض الثلج في شقه الصوتي أغنية ممتعة يحفظها الأطفال عن قالب ظهر، إنّها تسير وفق توافق نغمي وتآلف صوتي واستواء موسيقي، لا لشيء إلا لإيقاظ حواس الطفل وإثارته وجذبه كي يندمج بالقصّة ويتجاوب مع محتواها، إنها أغنية تجسّد انتصار الخير على الشر، إذ يعم الحب والتآخي بين شخوص الرسوم مما يزيد من شعور الطفل وإحساسه بالأمن والطمأنينة.

  • تقدّم هذه الرسوم لغة عربية فصيحة، لذا فهي تنمّي القدرات اللغوية عند الطفل وذلك بزيادة المفردات اللغوية لديه وتنمية قدرته على القراءة والاستيعاب. ’’الأمر الذي يؤدي إلى تدعيم في خلق الدّافعية لدى الطّفل لتقليد وترديد ألفاظ أكثر، وبمرور الزمن يتعلّم معاني الأصوات كما يتعلّم الاستجابة للنبرات الصوتية ومدلولاتها التي يستقبلها وهذا يعني أن الطفل يجد اللغة ترتبط بحياته وبحاجاته ارتباطا وثيقا مما يشكّل حافزا له لاكتساب اللغة’’(عبد العزيز جادو، 2001، ص9.)

  • إن رسوم بياض الثلج تسلي الأطفال وتشعرهم بالمتعة وتشغل فراغهم، وتنمي هواياتهم فهم يجدون في هذه الرسوم وقتا للتسلية وينتظرون حلول موعد البث بفارغ الصبر، نظرا للإثارة التي تبديها، فقصّة بياض الثلج مليئة بالأحداث السارة والمؤلمة في الآن معا، بداية من ولادة/ازدياد بياض الثلج التي كانت أجمل فتيات المملكة، وغيرة زوجة الأب التي أرادت القضاء عليها مما يزيد التشويق لهذه الأحداث، امتلاك زوجة الأب مرآة سحرية تتحدّث معها وتسألها عن الطالع وعن اليقين، وتجيبها المرآة عن خبايا وخفايا الدنيا، وبعد هروب بياض الثلج احتضنها الأقزام السبعة في بيتهم ليعيشوا سعداء معها، ولكن زوجة الأب لم تترك بياض الثلج وشأنها بل داهمتها ليلا نهارا وحاولت مرارا القضاء عليها لتصبح هي أميرة الجمال في المملكة، كل هذه الأحداث وغيرها تجعل الأطفال ينتظرون حلول موعد البث بفارغ الصبر، وتجدر الإشارة إلى أن الأولياء يحبذون أن يبقى أولادهم وسيتمتعون بمشاهدة الرسوم بدلا من أن ينزلوا إلى الشارع، وكلنا ندرك ما هو الشارع وما يمكن للطفل الصّغير أن يتعلّمه من أمور غير أخلاقية قبيحة/دنيئة/رديئة.

  • إنّ الطفل وهو في حالة تلقي هذه الرسوم يعيش ألوانا من الأخيلة الموجبة لاتساع الأفق، وتعميق أحاسيس ومدركات الحواس، فهو مع رسوم بياض الثلج في حالة وجد ونزوع وخيال رشيد. ولهذا كانت رسوما تعمل على بناء شخصية الطفل، وتغذيته بقوّة روحية، وهو مع هذه الخصوصيات العاطفية والفنية والخيالية، ينبوع يفيض بكل ما ينمي قوى الإبداع والابتكار وأصالة الشخصية، وتربيتها تحت وعاء الأمن والانتماء.

  • تزوّد هذه الرسوم الطفل بالمفاهيم والحقائق والمعلومات في شتى المجلات، حيث يمكن للأطفال من خلال مشاهدة هذه الرسوم، الوقوف على كثير من الحقائق والمعارف التي تتصل بالتاريخ والجغرافيا، والحياة الاجتماعية، والدينية، والاقتصادية، وغير ذلك مما يؤثر تأثيرا كبيرا في توسيع مدارك الطفل وتعميق خبراته وفهمه للطبائع البشرية وأسرار البيئات المختلفة.

  • يساهم هذا الفيلم الكارتوني أيضا في بثّ قيم أخلاقية أخرى في شخصية الطفل مثل : الشجاعة والجرأة، وتظهر هاتان الصفتان من خلال هذه الرسوم عندما أضحت الأميرة وحدها وسط غابة موحشة ومظلمة، ولكنّ عزمها وإصرارها على تخطي عقبة الخوف خلّصها من وضعيتها، ووصل بها الأمر إلى بيت يقع في وسط الغابة تسكنه الأقزام.

3. التجسيد الفني لقصة  »بياض الثلج«  عبر البناء الفيلمي

بالرّغم من أن الإنسان مارس عمليات التجسيد في إفصاحه عن نفسه وفي تعبيره عن الحالات والمواقع منذ القدم مستعينا بالكلمات والأصوات والإرشادات والألوان والحركات ’’لغة الجسد’’ إلا أن ظهور وسائل الاتصال ومن بينها التلفزيون أتاحت فرصة سامحة للإبداع والإنتاج والمشاهدة. ’’فللبثّ التلفزيوني قدرات كبيرة تجعله في مقدّمة وسائل الاعلام التي تعرض برامج التسلية والترفيه والتعليم الخاصة بالأطفال، وقدرة التلفزيون على تجسيد المضمون الثقافي عالية جدا بفضل إمكاناته في الاستعانة بكل العناصر السمعية والبصرية إضافة إلى سهولة التعرّض له. ’’إنّه وسيلة اعلام واتّصال متميّزة تتطلب برامجه وأفلامه اعتماد أسس خاصة. وبفضل الصورة حظي التلفاز بثقة مشاهديه وتصديقهم إياّه، وبوسع التلفزيون التركيز على التفاصيل المختلفة مما يزيد في قدرته على الإقناع للجمهور خصوصا الأطفال منهم’’. إن اعتماد التلفزيون على حاستي السمع والبصر يؤدي إلى دعم تثبيت المضامين المرسلة من خلاله. ويوفّر بسبب جمعه بين الكلمات المسموعة والصورة المرئية، استيعاب المضمون، إنّه يحوّل المجردات إلى المحسوسات. لديه قدرة كبيرة على تجسيد الفني تجعل منه وسيلة اتصالية بالغة التأثير في الأطفال وتجعل من عملية اكتسابهم الثقافة عملية جذابة ومشوّقة، لذا وجد الطفل في الشاشة الصغيرة نافذة كبيرة يطلّ من خلالها على أمكنة قريبة كانت أم بعيدة، ويطلّ على أزمنة ماضية كانت أم حاضرة أم مقبلة. ومن بين هذه الأشكال التي تبثّ عبر موجات التلفزيون أفلام الكارتون أو ما يعرف بالرّسوم المتحرّكة التي يبدو أن ملامحها تشير غلى أنّها حيث يكون العرض فيها مساويا لفعل الحكي ويلتقيان في الإشارة، فهم معا يشيران إلى شيء وكل شيء في حدّ ذاته خطاب، وأبسط تمثيل له هو الصّورة المتحرّكة المجسّدة التي تعني في ذاتها حكيا للشيء الذي تجسّده، لم تأتي حركة الصورة وهذا يعني انتقال الموضوع المعروف في حالة (أ) إلى حالة (ب) وفي هذه المرحلة يتميّز الموضوع المحكي بسميتين هما على التوالي :

  • الزمنية التي تعني امتداد الحركة في الزمن.

  • التحوّل أي النمو والتطوّر وانتقال الشيء إلى تشكلات جديدة. (عبد الرزاق زاهر، 1994، ص21-22)

تجتمع الرواية والرسوم المتحركة في سمة واحدة هي انبناؤهما على السرد ثم قيام هذا الأخير على عنصرين أساسيين هما : خطية الزمن وتطوّره في اتجاه كرونولوجي طبيعي مرافق لخطية الحدث وتطوّره في اتجاه سببي مرتب حسب الوقوع. ’’وهذا هو ما نصنفه نحن في عائلة العرف السردي الذي لا زالت إلى اليوم تتبعه الحكاية الشفوية وهذه الحالة التي أسميناها سابقا بالمتن الحكائي موجودة في كل نص حكائي، سواء في النصوص التي تتبع هذه البنية التقليدية أو حتى في النصوص التي يخرج فيها المبنى الحكائي عن هذا الترتيب حيث يظل هذا النظام الأصل الحدثي الذي يقاس به انزياح الصورة البنائية التي يتبعها المبنى الحكائي عن هذا الأصل، هذا المقياس القاعدي يتواجد في ذهن الكتاب أثناء رسمه لمعالم المبنى الحكائي في نصه، وفي ذهن المتلقي يستنتجه أثناء قراءته أو مشاهدته الرواية أو الفيلم وتتمظهر خطية الأحداث هذه في النص عبر الأشخاص والأماكن والزمن والأسلوب واللغة والألوان.

1.3. الشخصيات

يمثّل عنصر الشّخصية على اختلاف مستوياتها عنصرا هامّا وفعّالا في مجال الحكاية العجيبة، فهي تتحرك في سياق الأحداث وتتفاعل معها. وتختلف طريقة تقديم الشخصية من حكاية إلى أخرى، والّتي تعتمد أساسا على ثقافة الراوي والتقنيات التي يستعملها كأن يميل إلى وصف الشخصية ومظهرها وحركتها أو أن يترك المجال للشخصية بأن تكشف عن نفسها. ولطالما اهتم قائل الحكاية ومبدعوها في وصف الشخصيات والإحاطة بكل ما يتعلّق بها من الناحية الجسديّة أو النّفسية أو الاجتماعية. تتراوح الشخصية الرّئيسية في هذه الحكاية بين الفتاة الجميلة صاحبة الشعر الأسود، والقد المستوي، والخدين الورديين، والعينين الجميلتين، والبياض الناصع الذي يشبه الثلج. إنّ شخصية الفتاة هادئة ورزينة لم تستسلم لزوجة الأب الّتي أرادت أن تتخلّص منها إذ رمى بها الصياد في أعماق غابة موحشة وأخذت تبحث لنفسها عن مأوى تقضي فيه اللّيل بعيدة عن ظلامه الدّامس ووحوشه الضّارة، إنّها شخصية ذات ملامح قويّة لم تفقد الأمل رغم ما عانته في طريقها إلى أن وصلت إلى بيت الأقزام الذي احتضنها. أما الشخصية الرئيسية الأخرى (زوجة الأب) فكانت امرأة شريرة لا يهمها إلى جمالها وغرورها الذي أكن لها حقدا لكل المخلوقات، عكس الأقزام السبعة الذين كانوا لطفاء وظرفاء يحبون الخير ويصنعونه، خاصة بعد قدوم بياض الثلج إلى بيتهم لتصير حياتهم مليئة بالحب والسرور لا طالما أدخلت البهجة والغبطة في نفوسهم، إنهم يعملون بكل جدية في المنجم، وتربطهم علاقة طيبة بكل مخلوقات الغابة التي تتعاون معهم في كل مرّة، خاصة عندما كانت زوجة الأب تطارد بياض الثلج لتتخلّص منها. بالإضافة إلى شخصيات ثانوية كان لها هي الأخرى دورها الحاسم في طيات هذه الرسوم المتحرّكة مثل شخصية الأب الذي كان مغلوبا عليه فأضحى ينفذ أوامر زوجته ولكنه في أغلب الأحيان لم يكن يتواجد في بقاع القصر إنما كان يهتم بأمور السلطة وحدود المملكة. وكذا الأمير الذي كان يبحث عن بياض الثلج التي لمحها صدفة في يوم من الأيام، وأغرم بها وبجمالها الفاتن، ولكن دوره كان فعالا بحيث أعاد الروح لها بعدما أكلت تفاحة مسمومة كانت قد دست السمّ زوجة الأب، ولا ننسى تلك الحيوانات والمخلوقات البريئة التي كانت تساعد بياض الثلج وتحميها من كل الشرور الآتية.

2.3. المكان والزمان

فيما يخص بيئة القصّة/الفيلم الكارتوني الزمانية والمكانية فهما يتصلان بتركيب القصّة وبنائها، فزمن القصّة حدث في فترة كانت فيه القارة العجوز (أوروبا) تعيش أظلم فترات حياتها تحت وطأة النظام الإقطاعي الذي كان يعث في أرضها مفسدا ومسيطرا على عقول الناس وعلى حياتهم، إنه نظام الكنيسة الذي يتعامل مع السلطة تعاملا يجعلها تتحكّم في معيشة الأفراد. أما بياض الثلج كانت تتمتّع بصلاحيات كبيرة من عيش رغد ورفاهية لكن دون أن تشعر بالسعادة لا طالما كانت زوجة أبيها تطاردها لكي تتخلّص منها، لتتغيّر حياتها عندما انتقلت للعيش في بيت الأقزام الذي كان متواضعا ولكنّها كانت تنعم بالهدوء والسكينة لتعيش حياة هنيئة وسعيدة وسط تلك المخلوقات التي كانت تشتغل في منجم بضواحي الغابة.

يمكن تقسيم المكان الذي تدور فيه أطوار هذه الأحداث إلى موضعين بارزين هما :

  • القصر الملكي أين كانت تعيش فيه بياض الثلج، ولكنّها كانت دائما تتعرّض لمضايقات من قبل زوجة الأب التي أرادت أن تتخلّص منها، وهذا الموضع كان غير ملائم لفتاة ذات قلب رهيف.

  • أما المكان الثاني فيتمثّل في الغابة، وهو موضع يعطي شعورا بالخوف والرعب والوحدة واللامبالاة بالزمان وقسوة الحياة، ولكنه كان عكس ذلك فالغابة التي أصبحت بياض الثلج تعيش فيها أصبحت موقعا يحيل إلى الاطمئنان والسكينة والهدوء، فالأميرة الصغيرة كانت رفقة الأقزام تعيش في هناء وحب وإخلاص.

3.3. اللغة

يمكن للطفل الصّغير أن يمتلك قاموسا لغويا لا بأس به من الكلمات، والتعرّف إلى الكثير من التراكيب والأساليب والقواعد اللغوية. وبذلك يستطيع أن يتعلم اللغة دون بذل جهد كبير رغم صعوبة تعلّمها. وتعلم الطفل للغته بهذه السرعة يعطي مؤشرا ذا أهمية، وهو أن ربط مضمون وأسلوب الاتصال الثقافي بحياة الطفل وحاجاته يعدّ من أبرز الحوافز التي تدفع الأطفال إلى تقبل وامتصاص ذلك المضمون سواء أكان معنى من المعاني أم نمطا من أنماط السلوك.

من خلال هذا يمكن القول أن لغة الطفل وفي فترات متباينة من عمره ستصير غنية أضف إلى ذلك تعلمه بعض الإيماءات والإشارات والحركات بنبرات معينة. فالكلمة الموجّهة إلى الطفل ليست رمزية بشكل خالص في البداية، ولكنها تكتسب هذه الصفة بصورة تدريجية حين يتهيأ الطفل لفهم الكلمات عندما تكون في معزل عن ذلك الكل الذي كانت تطفو فيه. مثلا : تقول بياض الثلج : ’’لن أستمع إليك مجدّدا’’ فهذه الجملة يمكن أن نستبدلها بجملة مرادفة كقولنا : ’’لن أستمع إليك مرّة أخرى’’ ومن هنا سيدرك الطفل من حيث المعنى أن كلمة (مجددا) تعني (مرّة أخرى) لتتّسع قدرته اللغوية، ولكن هناك أمثلة أخرى تحول عكس فهم المعنى المراد إيصاله، نحو : قول القزم الصغير : ’’لن أبرح مكاني’’ فالطفل حين يستمع لهذه الكلمة (أبرح) حتما سيجد صعوبة كبيرة في فهم معناها لذا فاستعمال لغة صعبة أثناء الحديث سيخل بمعلومات الطّفل وقدراته على اكتساب ألفاظ مرادفة.

فثورة الطفل اللغوية تنطوي على الكلمات التي يعرف مدلولاتها الحقيقية عندما يسمعها، ولكنّه لا يستخدمها عندما يتحدّث بل يستخدم كلمات ميسّرة عليه، ولكن في صيغة إذا ما أعجبته كلمة أو جملة سيكرّرها وسيعاودها دائما، فأتذكّر أنّني عندما كنت صغيرا شاهدت رسوم المتحرّكة واستوقفني اسم لشخصية كارتونية، وهو  »أخت البشعة«  فأخذت أعيد هذه الكلمة في القسم والساحة طوال النهار، وبعد برهة سمعت زميلي في القسم يعاود الاسم ذاته، فقلت : من أين لك هذه التسمية؟ فقال لي : شاهدت رسوما متحركة واستوقفني هذا الاسم، ربما كانت صدفة، ولكن زميلا آخرا أخذ يراود على لسانه هذا الاسم الغريب والمضحك في الآن نفسه، فتيقنت أن الأمر لم يكن مجرّد صدفة.

4.3. الأسلوب

حينما نتحدّث عن الأسلوب في أفلام الكرتون، يرغب الأطفال في وجود الحوادث والمواقف فيها، ويفضلون الأسلوب الوصفي الذي يشتمل على كثرة التفاصيل أو يتضمّن التأملات والتفكير العميق، وهم يميلون أيضا إلى المحادثة أيضا في القصص. فالأطفال لا يستمتعون بالوصف الكثير والإيضاح المبالغ به، لكنّهم يقدرون التلميح (allusion) الذي يأتي في عرض الحوادث لأن التلميح يترك مجالا للتفكير والتخيل لمعرفة ما وراء الإشارة من معان، ويجد الطفل متعة في تخيل بقية الأحداث، ويقدّر الطفل أيضا لغة المجاز والاستعارة والتشبيه، شريطة أن تكون في مستوى خلفيتهم الثقافية وتجاربهم اللّغوية.

وأسلوب أفلام الكرتون يؤلف بناء فنيا يعبر عن فكرة القصّة وحوادثها وشخصياتها تعبيرا واضحا وجميلا وقويا، حيث يتمثل الوضوح في ملائمة الألفاظ والتراكيب لمستوى الطفل اللغوي، وفي التعبير الدقيق عن المعاني. وتتمثل القوة في قدرة الأسلوب على إيقاظ حواس الطفل وإثارته وجذبه كي يندمج بالقصّة عن طريق نقل انفعالات التي تبديها المشاهد في ثنايا العمل الكارتوني/الرسوم المتحرّكة.

4. نتائج الدراسة 

من خلال تحليلنا للفيلم الكرتوني  »بياض الثلج«  توصلنا للنتائج التالية :

  • تجعل هذه الرسوم المتحركة أو هذا الفيلم الكارتوني (بياض الثلج) الطّفل ينطوي على الخير والسعادة، والشعور الفياض بالحبّ والإخلاص والتسامح، وبرفاهة حسّه وسعة خياله، وحبّه وشوقه الكبيرين للمغامرات المتجدّدة دوما.

  • إنّها رسوم تجعل الطفل يعيش في صحّة نفسية تامة وفي أكمل درجات نضجه، وأفضل حالاته الوجدانية والذهنية، فباستطاعة هذه الرّسوم أن تسهم إسهاما وافرا في إشباع هذه الحاجات النّفسية، وذلك من خلال انتصار الخير على الشّر وبالتالي يعمّ الحبّ والتآخي ويتحقّق الأمن والسلامة..

  • إن الصور الفنّية والأدبية بخاصة التي تنتجها رسوم المتحركة  »بياض الثلج«  تترك أثارا طيّبة في النّفس، وتساعد الذّهن على الصفاء، والإدراك الحرّ الجميل، كما أنها تحوي على أساليب تعرض لنا نماذج يمكن للطفل أن يهتدي بها في سلوكه وحياته العامة.

  • يزوّد هذا الفيلم الكارتوني أيضا الأطفال بالمفردات والتراكيب والعبارات الجديدة التي تنمّي ثروتهم اللّغوية، وتمكّنهم من استخدام اللّغة استخداما صحيحا، وحديثا وكتابة حينما يتمكّنون من مهارتها.

  • إن هذه الرسوم فن أبدعه الإنسان الياباني بأسلوب فنيّ راق، يدفع إلى المتعة، ويعمل على توحيد المشاعر الإنسانية ويغذي العواطف بأنبل التوجهات، وأفضل النزاعات، ويعبّر عمّا ندفنه في أعماقنا ويصوّر في صدق أصالة الحياة، ويثري تجاربنا به ويرسخ خبراتنا عنها.

خاتمة

نستخلص في حوصلة التحليل أن قصة الفيلم الكارتوني  »بياض الثلج«  اعتمدت على أسلوب بلاغي ذات احاءات عميقة جدًا، إمتزج بالعواطف واللغة والمضامين بالخيال، والذي ركز على الوظيفة الجمالية للصورة في بعدها المثالي والأخلاقي، فرسم بذلك مُتخيلا مبنيُ على القيم الإنسانية النبيلة والمثالية، مما اعطى انطباعًا لاندماج الطفل في الجوّ الغامر يعمل على إثارة العواطف، والانفعال بالأشياء، مما يكون لها أبعد الأثر في تحسين طباع الأفعال وبناء مرجعية قيمية اجابية لمدركاتهم، وتنقية سلوكهم من الشوائب وترقية ذوقهم، وتعديل مسار حياتهم نحو الأفضل، فالقصة الكرتونية  »بياض الثلج«  تميزت بعرض القيم الإنسانية النبيلة في تشكيلة فنية جملية تستهوي الجماهير المتفرج لمضامينها.

قدرية البشري وناريمان لهلوب وسماح الخالدي، 2010، أدب الأطفال وثقافتهم، دار الخليج، ط1، عمان.

محمد اليعلاوي، 1985، في القصص القرآني، حوليات الجامعة التونسية، العدد :241، المطبعة الرّسمية، تونس

حنان عبد الحميد العناني،2009، أدب الأطفال، دار الفكر العربي، ط2، عمان، 1992،

مصطفى محمّد رجب،،2009 المرجع في أدب الأطفال، الوراق للنّشر والتوزيع، ط1، عمان.

عبد العزيز عبد المجيد، 1956، القصّة في التربية، القاهرة، ط5، دار المعارف، مصر.

محمد الجويلي،، 2002، أنتروبولوجيا الحكاية (دراسة أنتروبولوجية في حكايات شعبية تونسيّة)، مطبعة تونس قرطاج، تونس.

André Jolles,1972, Formes simples, traduction : Antoine Marie Buguet, Seuil, Paris, France.

ألكسندر هجرتي كراب، 1967، علم الفولكلور، ترجمة : أحمد رشدي صالح، دار الكتاب العربي، القاهرة ، مصر.

عبد الحميد بورايو، 2007، القصص الشعبي في منطقة بسكرة (دراسة ميدانية)، وزارة الثقافة، دط، الجزائر.

Marcel Mauss, 1947, Manuel d’ethnographie, Payot, Paris, France.

نبيلة إبراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دار غريب، دط، القاهرة، دت، مصر.

شوكت أشتي،1999، القيم الاجتماعية في أدب الأطفال، دار النضال، ط1، بيروت، لبنان.

عبد الحميد موسى، 2010، أدب الأطفال... فنّ المستقبل، دار النهضة العربية، دط، بيروت، لبنان.

أبو فنة محمود،2001، القصّ الواقعية للأطفال في أدب سليم خوري، دار الهدى، حيفا.

كعب حاتم،2009، أدب الأطفال أهميته ودوره في تلبية الحاجات النفسية لدى الطفل، مجلة علوم اللغة العربية وأدابها، العدد الأول، واد سوف، الجزائر.

العيد جلولي،2005، النّص الأدبي للأطفال في الجزائر دراسة فنّية/تاريخيّة)، دار هومه، دط، الجزائر.

عبد العزيز جادو،2001، علم نفس الطفل، المكتبة الجامعية، دط، الإسكندرية، مصر.

قدرية محمد البشري، 2019، ناريمان لهلوب، سماح عبد الله الخالدي، أدب الأطفال وثقافتهم، دار الخليج، الطبعة الاولى الاردن.

عبد الحميد عقار،2001، ندوة بلاغة الرواية، مجلة بلاغات، العدد1، المجلس البلدي لمدينة القصر، المغرب.

صليحة مرابطي،2011، بلاغة السرد بين الرواية والفيلم، مجلة تحليل الخطاب، العدد8، تيزي وزو، الجزائر.

Tzvetan Todorov, 1978, Les deux principes du récit, Seuil, Paris, France.

محمد سالم الطلبة،2008، الحجاج في البلاغة المعاصرة، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، بيروت، لبنان.

عبد الرزاق زاهر، 1994، السّرد الفيلمي، دار توبقال، ط1، الدار البيضاء، المغرب.

عبد الغني إرشن

جامعة مولود معمري تيزي وزو

نسرين سعدون

المدرسة العليا للصحافة والاعلام

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article