التمثلات الثقافية للمرأة الجزائرية في الكتابة النسوية لروائيات الاستعمار في الجزائر

Représentations culturelles de la femme algérienne dans les écrits des romancières coloniales en Algérie

Cultural Representations of Algerian Women in the Writings of Colonial Women Novelists in Algeria

فاطمة الزهراء عقال

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

بحث إلكتروني

فاطمة الزهراء عقال, « التمثلات الثقافية للمرأة الجزائرية في الكتابة النسوية لروائيات الاستعمار في الجزائر », Aleph [على الإنترنت], نشر في الإنترنت 18 novembre 2024, تاريخ الاطلاع 21 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/13169

تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف صورة المرأة الجزائرية من خلال كتابات روائيات الحقبة الاستعمارية، مثل هوبرتين أوكلير، بومرول، وماري بوجيجا وغيرهن، اللواتي سعين إلى تسليط الضوء على الجوانب الثقافية والاجتماعية والأيديولوجية للمرأة الجزائرية. لقد ساهمت هؤلاء الروائيات بشكل كبير في إثراء المشهد الأدبي خلال فترة الاحتلال، على الرغم من أنهن كنّ يعشن تحت وطأة القهر والاستبداد. وقد هيمنت صورة المرأة المحلية على الإنتاج الأدبي النسوي الذي نُشر في النصف الأول من القرن العشرين، لتُشكّل فضاءً مناسبًا لنشر الأفكار الاستعمارية وتمهيد الطريق للمطالب السياسية والأيديولوجية والاجتماعية حول مجتمع الأهالي. كما استُخدمت هذه الكتابات لإبراز الجوانب الغامضة والمبهمة في المجتمع الجزائري. خلال الاستعمار، كانت المرأة الجزائرية هدفًا مفضلًا لتوجيه النقد ورفض المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتراكيب الذهنية للمستعمَرين. من خلال دراسة أعمال عدد من الروائيات الاستعماريات، سنحاول الكشف عن أهم القضايا المطروحة، مع التركيز على التمثلات الثقافية المتكررة في هذه الكتابات.

Cette étude vise à explorer l'image de la femme algérienne à travers les écrits de romancières de l'époque coloniale, telles qu'Hubertine Auclert, Pomerol et Marie Bugeja, qui ont cherché à mettre en lumière les aspects culturels, sociaux et idéologiques des Algériennes. Ces auteures ont grandement contribué à enrichir la littérature durant la période coloniale, malgré les oppressions qu'elles subissaient elles-mêmes. L'image de la femme locale a dominé les productions féminines publiées dans la première moitié du XXe siècle, constituant ainsi un espace propice à la diffusion des idées coloniales et à la promotion des revendications politiques, idéologiques et sociales concernant la communauté indigène. Ces écrits ont souvent servi à éclairer des aspects ambigus et méconnus du contexte local. Pendant la période coloniale, les femmes algériennes étaient fréquemment utilisées comme cibles pour critiquer et rejeter les institutions sociales et culturelles ainsi que les structures mentales du groupe colonisé. À travers une analyse des modèles fictionnels chez les écrivaines coloniales, cette étude cherchera à identifier les principales questions abordées, avec un accent particulier sur les représentations culturelles omniprésentes dans ces œuvres.

This study explores the image of Algerian women through the writings of colonial-era novelists such as Hubertine Auclert, Pomerol, and Marie Bugeja, who sought to shed light on the cultural, social, and ideological aspects of Algerian women. Despite facing oppression, these authors significantly contributed to enriching literary discourse during the colonial period. The portrayal of the local woman-dominated feminist literary productions published in the first half of the 20th century provided a platform for disseminating colonial ideas and advancing political, ideological, and social claims about the Indigenous community. These writings often highlighted ambiguous and obscure aspects of the local context. During colonial rule, Algerian women were frequently used as targets to criticize and reject the social and cultural institutions, as well as the mental structures, of the colonized group. By examining fictional models among colonial women writers, this study will attempt to uncover the key issues discussed, with a particular focus on the cultural representations widely present in these works.

مقدمة

لقد سخر الاستعمار الفرنسي عديد الطرق لتثبيت وجوده في الجزائر، وكانت المرأة الجزائرية من أهم أولوياته فظهر العديد من الكتاب الذين كتبوا عنها وعن نمط معيشة الجزائريين، فاهتموا بالعادات والتقاليد واللباس، نجد من بين هؤلاء موباسان، فرومنتان، إتيان ديني، إيزابيل إبرهارت، هذه المؤلفات قد تصنف ضمن كتب الانطباعات، وهي الكتب التي تصف حياة السكان وأنماط حياتهم وملابسهم وعاداتهم وأخلاقهم، ومسكنهم وهي أهم ما كتب عن الجزائر، وما هو واضح اهتمام الكتّاب الفرنسيين بحياة المرأة المُستعمرَة «الأهلية» من الجانبين الاجتماعي والثقافي، وقد تجسّد ذلك منذ بدايات الاستعمار،

«ومن الموضوعات التي شغلت هؤلاء الكتاب، المرأة والعادات، فقد تحدثوا عن وضع المرأة الاجتماعي وخِلقَتِها ولباسها وأعمالها وأوقات فراغها، واهتموا بما أسموه بالحياة الريفية(...)، وألّف يوجين دوماس كتاباً كاملاً عن المرأة العربية، كما وصفوا أعمال البربر في الجبال، وأشغال المرأة ومنظرها والأعراف السائدة والتطور الاجتماعي» (سعدالله 2007: 383)

وجاء بعدهم جيل من النساء الكاتبات اللواتي حاولن من خلال أعمالهن التطرق إلى حياة المرأة الجزائرية المسلمة، بأسلوب ناقد للأوضاع السائدة آنذاك كل ذلك تحت أنظار الاستعمار، وهذا لتنفيذ مخططات تمثلت في توجيه المرأة الأوروبية للقيام بهذا الدور، الذي قد يكون غير مقصود من أغلبهن، لكن بقراءة بعض النصوص لكاتبات الاستعمار نجد إصرارهن على ضرورة تغيير المرأة الجزائرية على النمط الأوروبي، فهن يحاولن من خلال هاته الكتابات إثبات أنّ ثقافة المرأة الأوروبية أحسن من ثقافة المرأة الجزائرية، من خلال تلك النصوص ندرك الصورة التي وضعتها كاتبات الاستعمار للمرأة المستعمرة والتي تعد مصدر إلهام، ضحية وكائن ينبغي إصلاحه، ويبقى سبب اهتمام هؤلاء الكاتبات بالمرأة الجزائرية هو الطابع الإنساني للمواضيع المتطرق لها، التي تعد كفاحا باسم حقوق المرأة بالدفاع عن مصالحها، فقضية المرأة على حسب آرائهن أصبحت شغلهن الشاغل، فكان التصور الذي حملته هاته الكتابات باسم السخاء المسيحي والتضامن النسوي بالنسبة لبعضهن وكذلك التضامن من أجل قضية المرأة بالنسبة للبعض الآخر. تعددت الأسباب التي دفعت كاتبات الاستعمار التطرق والاهتمام لقضايا المرأة المستعمرة، ومن هنا قد نطرح تساؤلات كثيرة: كيف يبدو المجتمع الجزائري من خلال تلك الأعمال الأدبية؟ وهل كانت نظرة الكاتبات الفرنسيات البورجوازيات للمجتمع الجزائري وبالأخص النساء في محلهن؟ كيف أمكنهن تصوير ثقافة المجتمع الذي يعشن فيه وهنّ يلقين نظرة التسامح المتعجرف ونظرة الاحتقار على الأهالي؟ سنحاول الإجابة من خلال هاته الدراسة على أهم التساؤلات بالتركيز على الصور المقدمة عن عالم المرأة الجزائرية المستعمرة بالتركيز على التمثلات الثقافية التي ركزت عليها تلك الكاتبات محل الدراسة.

1. المرأة الجزائرية فترة الاستعمار الفرنسي 

يعد الاستعمار الفرنسي استعمارا استيطانيا، حيث حاول فيه استدمار الشعب الجزائري وتحطيمه لجعله تابعا لفرنسا، وكان التعليم من أهم العوامل التي حاول المستعمر طمسها بتحطيم اللغة العربية، ونشر التخلف والخلافات بين أبناء البلد الواحد، وظهرت كتابات لفرنسيين حاولوا تصوير السكان الأصليين «الأهالي»، هؤلاء الكتاب لم يكترثوا لواقع الجزائريين فكان همهم الوحيد هو الكشف عن المشرق ولم يبصروا سوى ما أرادوا رؤيته، وصرفوا النظر عن واقع الاستعمار المرير، لقد اقتصر هذا الأدب على تقديم لوحات لمّاعة كانت تستنسخ مشاهدا لعادات لم تكن تمتّ بأي صلة لديكور الوطن الأم (المتروبول)، فكان كل ما يُكتب عن الجزائري خارجا عن السياق الحقيقي، وكان أغلبها لتزييف الواقع، ورغم سعي بعض الكاتبات في محاولاتهن لتحبيب الجزائر والتعريف بها في عيون الفرنسيين، لكنها كانت كتابات تصف الجزائر مختلفة عن الواقع.

فعلى سبيل المثال تمّ تقديم المرأة الجزائرية كأولى الشخصيات التي تصور البلاد، فكانت مدخلاً للتعرّف على خصوصيات المنطقة، أغلب الكتاب جعلوا من شخصية المرأة المستعمرة تُوظَّف لإثارة أحلامهم بوصفها بصفات دنيئة، بالمقابل ظهر مع مطلع القرن العشرين تصوّر ملموس إلى حدّ ما للمجتمع النسوي المستعمر من خلال كاتبات الاستعمار

«اللواتي ظهرن وكأنّهن يشفقن على مصير المرأة الأهلية وذلك في جوّ كان يمجّد الاستعمار المظفر وتفككا شبه تامّ للمجتمع الجزائري المنهزم والمفقر. وكنّ يزعمن أنّ المجموعة الاجتماعية للمرأة الأهلية والعادات الدينية هي التي جعلت منها خادمة وَأَمَةً للرجل» (مساعدي 2012: 38).

تعتبر قضايا المرأة من أهم القضايا التي استقطبت اهتماما واسعا من قِبل المؤرخين والكتاب الفرنسيين للكتابة عنها، وهذا لأهمية المواضيع المتناولة حول المرأة لمكانتها الاجتماعية، بالإضافة إلى أنّ الخوض في مثل هاته المواضيع يعد اختراقاً للمجتمع الذي طالما تميّز عن غيره بالانغلاق، لأن الجزائريين كانوا يرفضون الخوض في أمور المرأة، لأنّ هذاالأمر يتعلق بالشرف والحرمة.

«تتربى الفتاة الجزائرية منذ صغرها في مجتمع يحُد من حريتها ويخضعها لنمط معيشة معين في إطار العادات والتقاليد، فتتعلم كيفية رعاية البيت والقيام بكل الأعمال المنزلية لكي تكون مهيأة لأخذ دور ربة البيت، هذا ما جعلها تُحرم من التعليم الذي كان حكرا على الذكور.» (واضح 2019: 205-206)

كما أنّ بعض الكتابات عن المرأة الجزائرية أشارت إلى أنها كانت تساهم في الاقتصاد،

«فكانت تمارس نشاط التجارة بشكل يومي وتتعامل مع الزبائن بطريقة مباشرة ودون وسائط، وغالبا ماكانت تعرض المرأة في السوق السلع التي تحضرها بنفسها في البيت كــــــ (الدهان) الزبادي». (G.Delphin1891 :41)

جاء في بعض كتابات الفرنسيين الكثير عن المرأة الجزائرية وأهم النشاطات التي كانت تقوم بها، ففي حديث أحد هؤلاء الكتاب تطرق إلى الحياة الحرفية للمرأة وأهم اهتماماتها «تميزت النساء الحضريات بالعديد من الصناعات التي اتسمت بالجودة العالية كصناعة الحرير والكتان والمعادن النفيسة وخيوط الذهب وهذا النمط من الصناعات يعبر عن البورجوازية المحلية في المجتمع الجزائري الحديث» (A.Wornier 1863 :58-59)، في كثير من الأحيان وصفت المرأة بخادمة الرجل وأمته، وبالمضطهدة والمقهورة، وجاءت كتابات أخرى وصفتها بربة البيت وأنها ملكة البيت الأولى، ولكن أغلب الدراسات والكتابات عن المرأة الجزائرية في أعمال الكتاب الكولونياليين خلصت إلى نتيجة واحدة وهي أنّ المرأة تحلم بالحريّة لكن نظاماً أبوياً متخلفاً ودموياً يحول دون هذه الرغبة الشرعية (Fanon 1966 : 48)

لقد تحدث العديد من النواب الفرنسيين زمن الاحتلال الفرنسي ومن بينهم أحد مؤسسي علم الاجتماع السياسي ألكسي دو توكفيل Alexis De Tocqueville عن حالة المرأة الجزائرية، وطالبوا بترقيتها اجتماعياً لأنّ ذلك حسب رأيهم هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على المقاومة الجزائرية التي دوّخت العسكريين والمفكّرين الفرنسيين (سعادة 2017 : 298)، وقد ساهم العديد من كتاب تلك الحقبة في التعريف بدور المرأة في المجتمع الجزائري وأنها عمود الأسرة الجزائرية، وفي هذا السياق ذكر الروائي أوكتاف دوبون Octave Depont كل جهود التقارب والانصهار يمكنها أن تحدث، ولكنها في خطر الاضمحلال، بل التحطيم أمام أقدام هذه المرأة المحافظة الوفيّة للبيت العائلي، ولتقاليده ويمكن القول بأكثر عمومية الحافظة المحافظة على العرق (Depont1928 :46).

بما أنّ المجتمع الجزائري تحكمه القيم والمبادئ الإسلامية وتسيّر نظمه العادات والأعراف فإنّ الفرنسيين وجدوا الانغلاق الاجتماعي حائلاً بينهم وبين اختراق الفضاءات النسوية هذا ما جعلهم يسخّرون في سبيل إنجاح مشروعهم الاستعماري (الأقلام النسوية).

2. المرأة الجزائرية من خلال كاتبات الاستعمار 

لقد ساهمت المرأة الجزائرية بقسط كبير في إثراء الموضوع الأدبي خلال فترة الاحتلال الفرنسي، فعالج الأدباء في تلك الفترة عديد المواضيع التي تهم المرأة الجزائرية المستعمرة التي كانت تعاني من القهر والفقر، فتصدرت المرأة المحلية الإنتاج النسوي الأدبي الذي صدر في النصف الأول من القرن العشرين، فكتبوا عنها بغرض تعميم بعض الأفكار الاستعمارية حول مجتمع الأهالي، لتسليط الضوء على الأمور الغامضة والمبهمة، فلجأوا إلى اتهام الجزائريين بالتخلف هذه الصفة لطالما كانت لصيقة بالمرأة على وجه الخصوص.

1.2. الحِرف والأشغال اليدوية 

تناولت بعض الكاتبات الاستعمار هذا الموضوع بوصفهن للمرأة التي تشتغل وتكد، ولقد قُسمت نشاطات المرأة إلى عالمين: الأقلية الثرية والخاملة، التي تستغل الأغلبية المستبدّة الخاضعة للأشغال الشاقة والصعبة.

«إنّ وصف مشاهد الحياة اليومية الروتينية: النشاطات الخدمية المتكرّرة وصنع الكسكسي وحياكة الزرابي وغسل الصوف... واردة بكثرة في المؤلفات. وبغض النظر عن هذه الأحداث البسيطة والحركات التي نقلت بنوع من الوفاء، بعبارات فلكلورية لا تخلو من التعاطف، فإنه يلاحظ وجود نية واضحة لدى بعض الكاتبات في فرض فكرة استغلال، بل تبعية واستعباد، للجماهير المحرومة من قبل عصبة من البرجوازيين. كما توجد في العديد من المؤلفات صورة النساء البائسات الشقيات اللواتي يقمن بالأشغال الأكثر إضناء في سبيل خدمة فئة من النساء اللواتي يتبخترن في الثراء والفراغ» (مساعدي 2012: 94).

فعلى سبيل المثال أثارت الكاتبة ماري بوجيجاMarie Bugéja في مؤلفها «عبر الجزائر» من خلال وصفها للمرأة الصحراوية حينما تناولت جنوب الصحراء وخصت البدو الرّحل من قبيلة بني هجرس عددا من المواضيع المتعلقة بشغل المرأة المستعمرة في تلك المنطقة.

« (...) كانت نساء سيدي هجرس، اللواتي يحملن أطفالهن على ظهرهنّ مطوّقين بصفة محكمة، متربّعات على ركام من الحصى على الطريق المقابل لغرفتنا. كنّ يكسّرن الحجارة بأكثر حيوية من مرتمي الطريق، وتحت الشمس المحرقة، تجلس أولائك النسوة الرّحل مفرشحات على الجحارة، التي يحوّلنها إلى حصى بمطرقتهنّ الصغيرة...» (مساعدي 2012: 95).

حاولت الكاتبة وصف نوع آخر من النساء يخالف تماماً ماذكرته سابقاً من وصف للفقيرات والمحرومات، فالكاتبة تحدثت عن تلك النسوة اللاّمباليات، الفارغات، عديمات الجدوى، واللّواتي أصبحنّ يحسسن بالملل، وفي اعتراف لزوجة أحد كبار القبيلة والمنتمية لعائلة غنيّة، تذكر تلك المرأة أنها تترفع عن القيام بالأعمال التي يقوم بها الفقراء، ومع ذلك تشتكي من الكلل والمللل والفراغ، «(...) سأذهب إلى الحدائق وإلى الشوارع وعند الباعة للبحث عن العطور والملابس الحريرية « كالعزرية » ثمّ...» ولما طلبت منها الكاتبة التخلص من الملل ردت قائلة : « إني أرفض القيام بأعمال الفقراء» (مساعدي2012 : 95).

من خلال ما كتبته ماري بوجيجا أنّ العمل كان خاصا بالطبقة الفقيرة فقط، فهو مخصص للضعفاء وبالتالي يبدو كعنصر تفريق بين الطبقات، إنّ المثال الذي عرضته الكاتبة يكشف عن الإعجاب المفرط بالنفس والأنانية، اللذين يسودان المجموعة الأهلية الحاكمة والمهتمة على الخصوص بحماية امتيازاتها وسمعتها، والتي تترفع عن مشاكل المجموعة التعسة، «وهكذا تظهر صورة الجزائر الممزّقة حيث يحتقر الغني الفقير، والحضري البدوي، وبذلك يبدو الفارق بين السكان جليّا» (مساعدي 2012: 96-97). إنّ سرد هاته الفوارق إلى حد التفخيم والمبالغة من طرف الكاتبة في تقييم المجتمع النسوي الجزائري تبدو مبالغا فيها، وكأنّ الكاتبة تحاول التستّر على المشاكل الحقيقية الموجودة في المجتمع الاستعماري بكل أطيافه.

2.2. وضعية المرأة الجزائرية الاجتماعي 

إنّ جل الكاتبات اللواتي تناولن موضوع المرأة الجزائرية ركزنّ على وضعها الاجتماعي المتخلف وأرجعنّ هذا التخلف إلى الإسلام، فهو سبب الاضطهاد التي تعانيه المرأة، فسعت معظم الكاتبات في إدانة الإسلام الذي اتهمته بأنه حصر تعريفه للمرأة بما يناسب الاستبداد المطلق للرجل. إنّ الدين في المجتمع الجزائري يؤدي معظم الوظائف الاجتماعية، لذلك اهتمت الكاتبات به وخاصة ما يتعلق بسلطة الرجل على المرأة. فمثلاً نجد بومرول Pommerol تتناول هذا الموضوع وتؤكد على أنّ استعباد المرأة جاء مع حلول الإسلام:

« وتحت غطاء الإسلام المثقل، هلكت كذلك حرية المرأة واندثر ذكاؤها(...) ولست أرى ما جاء به محمد من جديد لفائدة المرأة. بل بالعكس، فإنّ ما سنّه ضدها جلي وبارز، فقط أحاطها بسياج الحجاب واحتجزها ومنعها من ممارسة الشعائر الدينية، وبإيجاز فقد فصلها عن فكر الرجل كما فصلها عن روحه، وقد قمعها كما قمع صوت الشعراء...» (مساعدي 2012: 104).

لقد تجرأت الكاتبة كثيرا فيما زعمته عن الدين وحتى أنها لم تذكر مراجعها، والظاهر أنها لم تستند إلى مراجع إسلامية وتحدثت فقط بحكم أفكار كانت تؤمن بها.

لقد وجدت مزاعم بومرول بشأن القيود المحقّرة للمرأة سندا لدى الكاتبة ماري بوجيجا Marie Bugéja التي لم يكن انتقادها أقل لدغا من بومرول:

« محقَّرات، مضطَهدات بفعل قوانين الأزمة، يتبعنها كما تتبع القطعان كل من يتقدمها. تلك القوانين التي أقرتها أنانية الرجال تغالطهن وتحصرهن في ضيق فكرهن فيبقين حبيسات استغلال لا مثيل له. ولو أردنا مساعدتهن فإننا سنتعثر عند حالات التفاني ونكران الذات التي تميزهن، وتحول دون تمتعهن بشمس الحرية. ومع ذلك ما كان أزواجهن ليكترثوا لأمرهن...» (Bugéja 1938: 105) .

ومن الغريب في الأمر أنّ الكاتبة بوجيجا تبنت موقفا يناقض تماما ما جاء في إدعاءاتها، في كتابها «أخواتنا المسلمات» وفيه لم تناقض نفسها فقط بل فندت حتى مزاعم معاصراتها:

«لقد انتابني الفضول واطلعت على النصوص الإسلامية المقدسة، فتبيّن لي أنّ الشريعة الإسلامية كانت أكثر إنصافاً للمرأة مما كنا نفترضه. فالمرأة المسلمة تتمتع، من خلال دينها بحقوق، وإن كانت مختلفة عن تلك التي تنص عليها قوانينها، إنها تقر لها بالحفاظ على كرامتها. ولقد اطلعت على كل السور (القرآنية) فلم أجد فيها إلا النصائح والتعاليم والقواعد التي ضبطت تقاليد وأخلاقيات المشرق من دون أن تحصره في تنظيم مفرط...» (مساعدي 2012: 105).

إحتمال كبير أنّ هذه الإعترافات من طرف الكاتبة لفضل الإسلام على المرأة المسلمة ما هو إلا عربون عرفان أرادت الكاتبة بها ردّ الاعتبار لفئة من الجزائريين الذين ساهموا في تحرير الأراضي الفرنسية في الحرب العالمية الثانية.

إنّ أغلب الآراء تجاه الإسلام قد تتضارب حسب الحالة السياسية التي تمر بها البلاد (المجتمع المستعمر)، كما أنّ المواضيع السياسية والدينية لم تبلغ تمام الموضوعية والحياد، لكن قد نجد في بعض الأحيان عقولاً نيرة ونوايا حسنة قد استوعبت جوهر الأمور أو أوشكت على ذلك ومثال ذلك الكاتبة جيرمين تييون Germaine Tillon، التي لم تكن لديها الأغراض السياسية نفسها، ولا كانت تتمتع بنفس الأفكار الإيديولوجية نفسها التي كانت تتمتع بها كاتبتينا، فكانت جيرمين تييون تتوخى موقفاً مغايراً تجاه الإسلام، فجاءت بطرح أكثر تفتحاً على الغير : « في القرن السابع من عهدنا، خاض الإسلام معركة ضد انحرافات المجتمعات العربية المتحضرة، وكذلك ضد أسبابها الجذرية. ومن بين هذه الانحرافات يتعين ذكر تحقير مكانة المرأة (...)» وتواصل في فقرة أخرى: «إنّ كل تلك الآفاق كانت تمثل عند تنزيل القرآن أكثر التشريعات دفاعاً عن المرأة في العالم المتمدن، ولكنها كانت تشكل (ولا تزال) في قبيلة متجانسة قنبلة حقيقية» (مساعدي 2012: 107). لقد أعدّت دبش Debèche بشأن المكانة المرموقة التي تحتلها المرأة المسلمة في البداية جاء ليدحض كل المزاعم الاستعمارية، حيث أنه يؤيد طرح تييون Tillon بخصوص المرأة في النصوص القرآنية:

«بعد لالة خديجة، وبعد عائشة وفاطمة، برزت نساء كثيرات. ففي العصرين العباسي والأموي خصوصاً بلغت المرأة منصب مستشار الخليفة والمعلم والمستشار القانوني، وكلها مناصب وامتيازات لم يمنحها إياها حسب علمي أي بلد من بلدان أوروبا إلى يومنا هذا. فها هي كل من أسماء بنت أبي بكر، وعلياء بنت المهدي، أخت هارون الرشيد، وزبيدة زوجة الخليفة وكثيرات من مثيلاتهن جئن ليوسعن مجال النشاط السياسي والاجتماعي للمرأة..» (مساعدي 2012: 107-108).

إنّ كاتبات الإستعمار تعتبرنّ الدين الإسلامي هو من حقرّ من شأن المرأة وكانت كتابتهنّ تذكر ذلك مثل السيدة جان بومرولJean Pommerol التي تأسف لهذه الخديعة (الإسلام) وتدينها أمام العالم من أجل التحسيس باستعباد المرأة الجزائرية، فالكاتبة تشعر بالسعادة وهي تقوم بدور تنوير المرأة الجزائرية ومساعدتها على تحريرها من عبودية الرجل. كما أنّ الكاتبة بوجيجاBugéja في أحد نصوصها تعترف بفضل سيدتنا خديجة وتجعلها مثلاً بارزاً للمرأة المسلمة الناجحة، فاعترفت الكاتبة للرسول بدفاعه عن المرأة عندما فتح لها أبواب المعرفة.

وفي نفس السياق لبومرول كتبت الكاتبة هوبرتين أوكلير Hubertine Auclert المدافعة الفرنسية عن حقوق المرأة، والشهيرة بمواقفها المناهضة للكنيسة، لقد ركزت انتقادها على تعدد زوجات الرسول (ص)، وذكرت أنّ ذلك له عواقب وخيمة على توازن الأسرة، وذكرت الكثير من الأمور المشينة في حق الرسول (ص). كان هدف هؤلاء الكاتبات من هذه الاتهامات هو الإسلام الذي تقدمه على أنه نتاج قيم مغالطة وأكاذيب ومكبوتات، كان أول ضحاياها رمز الإسلام نفسه. إنّ حوارا أعدته ماري بوجيجا Marie Bugéja – الكاتبة الراوية- بين خيرة (عاهرة) مريضة أصبحت متسولة أمام المسجد، تكفلت بها الراهبات اللائي حاولت إحداهنّ إنقاذها من الدنس الجنسي:

«خيرة : هل سيرحمني الله؟ الراهبة : سيرى على الدرب الذي لقنتك إياه من الآن فصاعداً وستلقين جزاءك، فإنّ لم يكن في هذه الدنيا فستجدينه في الآخرة.
خيرة: لا مكان لنا نحن المسلمات في الجنة.
الراهبة: ليس في جنة محمد، ولكن في جنتنا. فإذا كنتِ قد التقيتِ بي فإنما لكي تتبوئي مكانة لائقة إلى الأبد» (مساعدي 2012: 112).

لا شك للقارئ الآن بعد هذا الحوار، فسيدرك مساعي الكاتبات لتحقير الدين الإسلامي قد تصل إلى محاولة تنصير المرأة الجزائرية، باستمالتها متناسين أنّ ما حدث ويحدث من انحلال للمجتمع هم من كانوا السبب فيه. كما أنّ الكاتبة سيمون دو بوفوار Simone de Beauvoir بمواقفها المدافعة عن أوضاع المرأة عبر العالم بينت في خلاصتها أنّ تحقير المرأة الإسلامية ليس سوى مظهر من المظاهر العديدة لاضطهاد المرأة عبر العالم، فيما تقدمه الكاتبات على أنه حالة استثنائية ترجع إلى استبداد الإسلام، والخلاص منه يكمن في المسيحية.

إنّ كل المآسي التي صبتها الكاتبات على المرأة الجزائرية تشكل سلسلة لا متناهية، فهنّ يعاتبن الإسلام على تحقيره إياها، وجعلها في مصف الكائنات الثانوية.

3.2. اللّحاف (الحجاب) عامل تخلف 

لقد أثار منظر النساء المتخفيات تحت لحافهن، ذلك الرداء الذي كان يرمز للحشمة عند نساء الجزائر، لقد ثارت الكاتبات ضد التوظيف الرومانسي للحاف، الذي استعمل بعلاقة مباشرة مع الصورة المثلى للمرأة الجزائرية، فهاهي ماغالي بوانارMagali Boisnard تحاول أن تنتقد الزي النسائي الجزائري(اللحاف) فتقول:

« وتمضي الحضرية في ثنايا لحافها إنها اللغز الحي، الكائن الغريب الذي لا نلحظ حتى عينيه أحياناً. قد لا يطيب لبعض معاصرينا أن يبعث أوديب من جديد. فلنخلع اللحاف وليكشف هذا الكائن أسرار وجهه... ولكن أَوَنكون قد حللنا اللغز؟ كلا فاللغز قائم وراء ذلك الوجه المتعجرف.» (مساعدي 2012: 121).

لقد تحول اللحاف من عنصر جاذبية وشاعرية بفعل الكاتبات إلى أداة للتهكم على المجتمع الجزائري. وكانت ماري بوجيجا من أكثر المنتقدين للحاف، فطرحها كان يؤكد على أنّ هذا الزي لا يجب أن يكون عنصر إثارة للسائح كعنصر استغرابي فهذا يشجع على التمسك به، «أَوَليس الإعجاب الذي يثيره لدى السياح ما يشجع على إبقائه؟» (Bugéja 1938 : 145). أبدت الكاتبات اهتماما باللحاف كجزء لا يتجزأ من شخصية المرأة الجزائرية، ولم تفوتنّ أدنى فرصة لتحقيره في نظر القارئ، وحاربنه بحجة أنهنّ يكافحنّ دوره السلبي وسلطته القمعية.

من خلال شهادة الكاتبة بومرول في كتابها تروي فيه عن حديث دار بينها وبين نساء صحراويات، استنتجت أنّ اللحاف ليس سوى مجرد لباس يرمي لحماية جسد المرأة من نظرات المتطفلين. ويبدو أنّ الجزائرية تنظر إليه كأحد مقومات شخصيتها ودليل على حسن أخلاقها وشاهد على تدينها ورمز لهويتها. فالمرأة الجزائرية تحدد كيانها وتثبت وجودها واختلافها للرجل، فهو إذن لا يحتمل التعليق ولا الجدل.

«إنه التحفظ الجلي: البقاء بالداخل أو الخروج ملتحفة، فالنساء ذاتهن يتمسكنّ به كما في ذاك الزمن (...) حتى لو لم نكن نريد أن يلتحفن أو يحبسن أنفسهن، لأنّ ذلك ما سيجعل منهن ما قد نسميه «المرأة المتحضرة ...» (مساعدي 2012: 123).

لقد سعت الكاتبة بوجيجا Bugéja لأن تبين من خلال كتاباتها أنّ «المصدر السماوي» المزعوم للحجاب ما هو إلا حيلة استعملها الرجل لتعزيز عزل المرأة، الكاتبة تؤكد على أنّ الحجاب كان يعكس الغيرة المرضية للرجل المسلم، على عكس بوجيجا لا ترى الكاتبة ماغالي بوانار Magali Boisnard في الحجاب إلا مجرد زي تقليدي، لا يسعه بأي حال من الأحوال إعاقة التفتح الفكري للمرأة:

« هل يعيق (اللحاف) فعلا كما زعم كثيرون، تفتحنّ الفكري وتطور ذكائهن وقدراتهنّ؟ إنّ اللحاف لا يشكل بالضرورة النشاط ولا التفتح الفكري. إذ عندما أرادت مسلمة من المسلمات إبداء موهبة ما، وإذا كانت لديها رغبة ما، فإنّ تلك الرغبة تجد من يلبيها في بيت الدعارة. ومنذ محمد، تغنت صفية الشاعرة بأعماله في قرطبة، وقد شغلت العبراء مهمة كاتبة الخليفة، وكانت فاطمة مولعة بقراءة الكتب ولقد لقنت مريم دروسا في الدين لبنات الأعيان...» (بوانار 1908: 502).

إنّ هذا النص الذي حرر في سنة 1908 يعكس على ما يبدو شيئاً من الدراية بخصوص الذهنيات الإسلامية، ويبدو كذلك أنّ الكاتبة استوعبت المعنى العميق للحجاب وفق ما كان يطبق عليه في المجتمع محل الدراسة (مساعدي 2012: 129).

لم تتأخر الكاتبة بوجيجا Bugéja في الإقرار بنواياها والبوح بما كان يخالجها من الأفكار كامرأة استعمارية. فالحجاب وما يحيط به من غرابة وأسرار وخيبة كان سيزيد من حدة الشعور بالعجز عن فهم «الأخرى» مما دفع بوجيجا إلى أن تكتب : « وفضلا على أنه يخفي لونهنّ، فإننا قد لا ندرك أفكارهن من وراء هذا الستار الذي يكون ربما موروثا عن قناع عصور ما قبل التاريخ» (Bugéja 1938 : 151). كما أنّ المرأة الجزائرية لو خلعت حجابها رمز العفة لدى المجتمع المسلم، كان سيرضي كثيرا هؤلاء الكاتبات، وإن حدث هذا الأمر فإنه سيساعد كاتبات الاستعمار من فهم المجتمع المُستَعْمَر، من خلال تمكين المرأة من تواجد فعلي وهذا سيساعد على طمأنة المجتمع الاستعماري.

4.2. واجب الطاعة

من خلال روايات كاتبات الاستعمار يظهر جليا تفوق الرجل وهي مسلَّمة يقوم عليها كيان المرأة المُستَعمَرة، وتأثير الرجل على مصيرها هو قاعدة متوارثة عبر الأجيال، إنّ هدف الروائيات هو البحث في تركيبة المجتمع الجزائري، المرتكزة على السلطة الأبوية التي لا كيان فيها للمرأة إلا من خلال انتمائها للرجل:

« لن تمنعني المكتوب من الحدوث) ...(الرجال هم الذين فسروا قوانين القرآن واستنبطوا أكثر المزايا لبني جنسهم)... (لن تتمتعي بكامل الحرية لتقرير مصيرك إلا إذا كنت أرملة أو مطلقة، ولكن... لا تتفائلي كثيرا، إنك ستجدين دائما أقارب من الذكور للتحكم في النساء اللواتي تم تحريرهن. سيذهب جهدك للتحرر هباء منثورا» (Bugéja, Dans la Tiédeur de la tente, 1933: 32)).

بحسب الكاتبة فإنّ العلاقة الزوجية كانت تقوم على علاقة القوة، التي تتمثل بالنسبة للمرأة في الواجبات، بعيدا عن الاحترام المتبادل والإيثار والتضحيات المتبادلة.

حاولت الكاتبة إليسا رايس Elissa Rhais أن تظهر في عائلة مرابطة، مشهورة بورعها وتقواها، التعسف الذي كانت تتعرض له إحدى الزوجات الشابات، التي أرغمت على الارتباط بابن كبير المرابطين، والتي كانت ترغب في الفرار من غرفة الزوجية:

« فتح باب من القطيفة لتظهر أم بن عبد الله عزوز المتسلطة، وهي ترتدي لباسا أبيض، فتتقدم نحوها وتجذب الغطاء بشدة قائلة لكنّتها : - أنت هنا الأمة وستطيعين سيدك ! (...) وهنا خفق قلب نجمة من الأسى (...)
-ستموتين هنا! وإياك أن تتحركي قبل بزوغ الصباح، هكذا جاء أمر الأم (...) الذي جعل دموع نجمة تنهمر على خديها. وتعاود الأم وعيدها:
-اخفتي صوتك، أقسم لك بحياة ابني الوحيد بأنني سأعلق رأسك فيما بعد على قمة شجرة الصنوبر العالية، التي كان أجدادي يعلقون عليها النساء المحكوم عليهن (وأرتها ببنانها الحديقة المجاورة). ثم اتجهت نحو سيدي عبد القادر: - تعال، ألا تستمع لأصدقائك الذين يهتفون باسمك! إنهم يريدون تهنئتك» (Rhais 1924: 122-123).

لم تتمكن الكاتبة في محاولتها إبراز العلاقة الظالمة بين الجنسين من التحلي بالوسطية، ووضحت لنا (رغم أنها بالغت في وصف الأم الشريرة) كيف أنّ المرأة المسكينة اضطرت للاستسلام الذي كان مصيرها المحتوم، لقد سُلبت الحرية مرتين، لتخضع لسلطة الرجل وسلطة الحماة.

لقد كانت بعض الكاتبات مثل ماري بوجيجا (Bugéja) ومغالي بوانار(Magali Boisnart) وبنت الجبل(Bent Djebel) يعملن على إبراز خضوع المرأة لعرف تعدد الزوجات، وركّزت كل منهن على شخصية المرأة المطيعة والخاضعة، التي تقبل دون أدنى معارضة تحضير مضجع الزوجة الثانية» (Bugéja, Dans la Tiédeur de la tente 1933 : 190-191-192) (Boisnard, Maadith 1921 : 134-135).

5.2. تعدد الزوجات 

لقد ركزت الكاتبات على موضوع تعدد الزوجات، ولقد عمدنّ على إبرازه كأغرب رموز التحقير التي جاء بها الإسلام في حق المرأة، فلقد حط الإسلام، حسبهن، المرأة إلى أدنى المراتب ليجعل منها مجرد أداة جنسية مخصصة لإشباع شهوات الرجل، متعديا حدود الأخلاقيات، فسلبها الاحترام والكرامة (مساعدي 2012: 178). فذكرت الكاتبة هوبرتين أوكلير Hubertine Auclert قضية تعدد الزوجات موضحة الفكر السائد في زمنها، والذي لا يزال يميز إلى يومنا هذه الذهنية الغربية : « إننا نعلم أنّ الشرع الإسلامي يجيز للرجل المسلم كل الانحلالات الأخلاقية، وتعداد أكبر عدد من الزوجات يمثل دليلا على ثرائه، ولذلك فهو يضيع ثروته ويفلس في سبيل اقتناء النساء كما يفلس الأوروبيون في اقتناء الأحصنة، فهو يتزوج مرارا وتكرارا.»(Auclert 1900 : 58-59)، وتضيف الكاتبة أنّ المثل الحي عن ما جاءت به هو الرسول (ص)، الذي راحت تجعل من كل تصرفاته مبررات للاندفاع الجنسي لصحابته، « تمكن النبي من التمتع بسبع عشرة زوجة في آن واحد، ضاربا بالقانون عرض الحائط)...)» (Auclert 1900 : 60)، وفي فقرة أخرى نجدها تعيد نفس الفكرة «إنّ محمّدا كان شهوانيا كبيرا، كان يدين مع ذلك الفظاظة التي كانت زوجاته العديدات يشبعنه إياها» (Auclert 1900 : 65).

إنّ ما جاءت به هذه الكاتبة عن الرسول(ص) هو إفتراء، فزواجه من عدة نساء كان لأسباب سياسية وليس بسبب الغريزة الجنسية كما ذكرت أوكلير، فبعض زيجاته (ص) كانت من بنات قبائل معينة لكسب ثقتهم وتأييدهم لدعوته، والبعض الآخر كانت لأسباب اجتماعية إنسانية، فما كتبته هذه الكاتبة ماهو إلا كاريكاتير أدبي لتشويه صورة الإسلام والرسول الكريم (ص).

6.2. تحقير المرأة 

في نظر العديد من الكاتبات كانت المرأة المسلمة محقرة في مجتمعها، لا كلمة لها ولا رأي، الجميع يعاملها على أنها قطعة أثاث، وجاء ذكر ذلك في العديد من النصوص من بينها نص بوانار (Boisnard) الذي حوى مبالغات في هذا الشأن. وهناك فكرة أخرى تطرقت لها الكاتبات بإسهاب، وهي فكرة تناوب الزوجات، إذ عندما يثقل تعدد الزوجات كاهل الزوج بما يحمله من أعباء اقتصادية واجتماعية، فإنّ الزوج يلجأ لحيلة تناوب الزوجات، فيتناوبن حوله الواحدة تلو الأخرى لمجرد إشباع نزواته. وهكذا يتم الاحتفاظ باستقرار الأسرة مع تفادي الإفلاس. (Pommerol 1900) ، وتصل الكاتبات إلى نتيجة هي أنّ مصير المرأة يتأرجح بين نقيضين : تعدد الزوجات والتطليق، وكلاهما أمرّ من الآخر، وإن كان تعدد الزوجات ترمز للقدرة المطلقة للرجل مع ذلك يمكن اعتباره كشكل من أشكال الإجحاف واللامساواة المقننة في حق المرأة (مساعدي 2012 : 183) ، لكن الكاتبات بالغن في وصفه بالدناءة وهذا ينم عن جهلهم بواقع المجتمع المٌستَعمَر، ويبدو أنّ تناقض مزاعم هؤلاء الكاتبات لا يضايقهن، فهنّ يجعلن من تعدد الزوجات ممارسة استثنائية تحتكرها شريحة معينة من الأفراد لا تمثل الأغلبية.

تصف ماغالي بوانار (Magali Boisnard) تعدد الزوجات بأنه داء مستوطن (بوانار، 1908) تارة، ناقضت نفسها تارة أخرى لتقر بطابعه الاستثنائي (بوانار، 1908) (Auclert، 1900: 75)، وحصرته في بعض الأسر البرجوازية غير أنّ الأمر سواء بالنسبة لأوكلير (Auclert) التي انتهجت المنطق نفسه.

تعرض الكاتبة تعدد الزوجات بأنه مظهر ترف يتباهى به البرجوازيون، بما أنه مشروع مكلف ومتعب، وتجعله حكرا على بعض الآغتوات والقياد والأعيان الدينيين وبعدها اتخذت الكاتبة من قبل موقفا قاطعا، عارضت نفسها بعدئذ لتأتي بموقف معتدل ما كان منه إلا أن يصيبنا بالذهول (مساعدي 2012: 184).

وهذا المقطع يوضح موقف بوانار من مسألة تعدد الزوجات:

« أما الآخرون، فإنهم في غالبيتهم لا يتزوجون إلا واحدة، وغالبا ما يلجأون للطلاق، إذ الأمر يتعلق في الواقع بعدد محدود من العرب الذين يكررون الزيجات، ومن بين هذا العدد ينبغي استثناء الرجال المثقفين الذين لا توجد ببيوتهم سوى زوجة واحدة. لقد قال لي مؤخرا مستشار بلدي عربي زارني في باريس: إنّ زوجة واحدة يصعب إرضاؤها فأنّى لي بالتعدد؟» (بوانار 1908: 173).

لقد كانت كتاباتهن مرصعة بالمقاطع الباكية والمتحسرة على مصير المسلمات التعيسات، وذلك لإثارة الشفقة لدى القارئ، إنّ الروائيات لم يرين في مسألة تعدد الزوجات سوى ظلم سافر،ومساس بكرامة المرأة المسلمة، وزعمن من خلال هذه الشهادات أنهن متضامنات .

كما تناولت الكاتبات قضية الطلاق اللواتي عرفنه على أنه أحد المظاهر الرئيسية لتحقير المرأة، فهو إحدى العلامات البارزة للظلم المقنن في حق المرأة، فيحول حياتها إلى مذلة أليمة لا حول لها ولا قوة إزاءها (بوانار 1908: 72).

وعلى حد تعبير أوكلير(Auclert) فإنّ حياة المرأة المسلمة لا تعدو أن تكون مجرد سلسلة طويلة من الزيجات الفاشلة (مساعدي 2012 : 194). آراء الكاتبات لا تنم عن معرفة حقيقية لواقع المرأة الجزائرية وإنما هو وصف لما يعتقدنه عن الإسلام وعن المجتمع المٌستَعمَر.

خاتمة

حاولت الكاتبات أن يقدمن في وصفهن عبر مختلف النشاطات الاجتماعية لسكان الأهالي، أنماط التفكير والتصرفات المفترض أن تكون بمثابة شهادات وفية عن الذهنية العربية الإسلامية المستعمرة. وحاولت أن تبين أنهن مدركات لوضعية «أخواتهن المسلمات» إدراكا تاما وتعاطفت معهنّ وشعرت بآلامهنّ، ومن جهة أخرى عبرت الكاتبات عن رفضهن طريقة تفكير المرأة المسلمة وكيف أنهن يرضخن لكل هذا التحقير والذل، فانتقدن تصرفاتهنّ.

كثيرا ما أخفقت الكاتبات في وصف كل الحقائق فهن لا يكتبنّ في الواقع إلا عما يعتقدن رؤيته، فهنّ يعبرن فقط عن أشياء يرونها مشينة في أعينهن من وجهة نظر المرأة الفرنسية. فالكاتبة تقدم رؤية تنحصر في القالب الثقافي لمجتمعها، أو بكل بساطة في وسطها الاجتماعي والسياسي. لقد حاولت الكاتبات، من خلال أمثلة خاطئة أو مبالغ فيها، إظهار بعض المؤسسات الزواجية للتأكيد على أنّ احتقار الرجل الجزائري للمرأة كان مدرجا ضمن طبيعة المؤسسات، فكان من الأجدر الفصل بين مبادئ الإسلام وكيفية تطبيقه، عوض تقديم أحكام متسرِّعة وإصدار أحكام نهائية. وأخيرا، وهذا ماأكدته الكاتبات ومن جهة أخرى بالغنّ في إبراز أسباب تأخر هذا المجتمع، ونسين ذكر أهمها، وهي تلك المتعلقة أساسا بالاستعمار.

قائمة المراجع

قائمة المراجع باللغة العربية

أبو القاسم سعدالله. (2007). تاريخ الجزائر الثقافي (1830-1954) (المجلد ج6). الجزائر: دار البصائر.

بوانار, م. (1908). أخواتنا المسلمات. الجزائر: نشرة الشركة الجغرافية.

ليون فيكس. (دون سنة). الجزائر حتف الاستعمار.

مساعدي، س. (2012). روائيات الإستعمار والمرأة المستعمَرة في الجزائر. (تر : نادية الأزرق بن جدة، الجزائر : موفم للنشر.

واضح، ش. (2019 جوان). صورة المرأة الجزائرية من خلال الكتابات الكولونيالية. مجلة عصور، المجلد 18، العدد الأول، pp. 202-225.

ياسين سعادة. (01 06, 2017). المرأة الجزائرية، بين ما كتبه الفرنسيون الكولونياليون وبعض الجزائريين وما أبرزه الواقع. مجلة دراسات في التنمية والمجتمع المجلد 04، العدد 01، الصفحات 297-308.

قائمة المراجع باللغة الفرنسية

A.Wornier. (1863). L’Algérie devant le sénat. Paris : Imprimerie de la Dubuisson et G.

Auclert, H. (1900). Femmes Arabes. Paris : Société D’Editions Littéraires.

Boisnard, M. (1921). Maadith. Bibliothèque du Hérisson.

Bugéja, M. (1933). Dans la Tiédeur de la tente. Alger : Aux Editions de la Typographie d’art.

Bugéja, M. (1938). Enigme musulmane ( Lettre à une Bretonne). Tanger et Fès, Maroc : Les Editions Internationales Pierre André.

Depant, O. (1928). L’Algérie du centenaire. Paris : Sirey.

Fanon, F. (1966). Sociologie d’une révolution. Paris : Ed Francois Maspero.

G.Delphin. (1891). L’Arabe Parlé. Alger : A.Jourdan.

Pommerol, M. J. (1900). Une femme chez les Sahariennes (entre Laghouat et In-Salah). Paris : Ernest Flammarion.

Rhais, E. (1924). La fille du douar. Paris : Plon-Nourrit.

فاطمة الزهراء عقال

جامعة المدية

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article