البنية الحجاجية للخطاب الإشهاري :قراءة كرونولوجية للإشهار التليفزيوني الجزائري «قهوة أروما»

The Cryptographic Framework of Advertising Discourse: A Chronological Analysis of the 'Aroma Coffee' Advertisement on Algerian Television

La structure cryptographique du discours publicitaire : une analyse chronologique de la publicité «Aroma Coffee» à la télévision algérienne

سليمة بلعزوي

Citer cet article

Référence électronique

سليمة بلعزوي, « البنية الحجاجية للخطاب الإشهاري :قراءة كرونولوجية للإشهار التليفزيوني الجزائري «قهوة أروما»  », Aleph [En ligne], mis en ligne le 24 septembre 2024, consulté le 23 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/12723

تهدف هذه الورقة البحثية إلى الكشف عن خصائص البنية الحجاجية في الخطاب الإشهاري، باعتبار الإشهار نشاطًا تواصليًا يعتمد على أسس لسانية بغرض إغراء المتلقي واستمالته للقيام بفعل الشراء. تسعى الدراسة إلى تحديد البنية الحجاجية بناءً على مقاربات تطبيقية مستمدة من الواقع المعيش، مع التركيز على الإشهارات الجزائرية لمادة القهوة.

يتكون الخطاب الإشهاري من آليات حجاجية وأبعاد دلالية تتجلى في سمات ثقافية وتمثلات تنقسم إلى أنساق لسانية وأخرى أيقونية، بهدف إقناع المستهلك بالسلعة المعروضة بشغف. فكيف يظهر هذا في الإشهار التلفزيوني الجزائري لمادة القهوة "أروما" في بعديه اللساني والأيقوني، وكيف تترجم هذه التمثلات إلى بنية حجاجية في هذه العينة المحددة؟

Cet article vise à révéler les caractéristiques de la structure argumentative dans le discours publicitaire, car la publicité est une activité communicative reposant sur des fondements linguistiques dans le but de séduire le récepteur et de l’inciter à acheter. L’étude cherche à définir la structure argumentative en s’appuyant sur des approches appliquées issues du contexte des publicités algériennes pour le café.

Le discours publicitaire est composé de mécanismes argumentatifs et de dimensions sémantiques qui se manifestent à travers des représentations culturelles divisées en systèmes linguistiques et iconiques, afin de convaincre le consommateur du produit proposé avec un fort désir. Qu’en est-il de la publicité télévisuelle algérienne pour le café "Aroma" dans ses dimensions linguistique et iconique, et comment ces représentations se traduisent-elles dans la structure argumentative du discours publicitaire ?

This paper aims to unveil the characteristics of the argumentative structure in advertising discourse, considering that advertising is a communicative activity based on linguistic principles to entice the audience and encourage them to purchase. The study seeks to identify the argumentative structure through applied approaches grounded in the real-life context of Algerian coffee advertisements.

Advertising discourse consists of argumentative mechanisms and semantic dimensions that manifest in cultural traits and representations, divided into linguistic and iconic systems, aiming to persuade the consumer of the product with heightened appeal. How does this manifest in Algerian television advertisements for "Aroma" coffee in both its linguistic and iconic dimensions, and how are these representations reflected in the argumentative structure of the selected sample?

مقدمة

الخطاب الإشهاري خطاب إغرائي بالدرجة الأولى، يعمل على استمالة الزبون وتوجيه فكره ومشاعره نحو منتوج معين، ويرتبط ذلك بالبنية الحجاجية تحقيقا للاتساق النصي.

ويمكن التأريخ لفكرة الإشهار عموما أنها موغلة في الفكر البشري القديم، ثم تتابع تطورها إلى غاية العصر الحديث، حيث تُعد الدراسات أن أول إشهار يعود إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد؛ والدليل على ذلك نماذج من كتابات عثر عليها علماء الآثار في مدينة بومبيي الإيطالية (عراب، 2018، 55)، وعُثر في بابل على كتابات يمتد تاريخها إلى خمسة آلاف سنة تُمجد منتوج معين، وعَرف العرب الإشهار في سوق عكاظ لكونه أكبر تجمع اقتصادي وثقافي وفني للعرب في الجاهلية (بنكراد، 2009، 47) وذلك بالمناداة على السلع على شكل تبراح، أما في صدر السلام نذكر قصة الخمر السود التي لاقت كسادا عند التجار، فأنشد الشاعر ‘مسكين الدارمي’ أبياته المشهورة:

قل للمليحة في الخمار الأسود… ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه…حتى وقفت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه…لا تفتنيه بحق دين محمد (الدارمي، 2000، ص :41)

لتلقى الخمر السود مبيعات رائجة بعد هذا النص الإشهاري، (ابن خلكان، د.ت، 4/261) وبالتأكيد ككل تقنية حديثة الظهور، تعرف تطورا في مسارها، فلقد عرف الخطاب الإشهاري في تاريخه تطورات عديدة منها توظيف تكنولوجيا الصوت والصورة، توظيف الموسيقى والإضاءة المناسبة لإغراء المشترى. إلى درجة الوصول الى مرحلة الدراسة الأكاديمية في شكل علوم مدرسة في الجامعات والمعاهد والمدارس خاصة في تخصصات التسويق والتجارة الالكترونية.

ويلتبس مصطلح الإشهار بمصطلح الإعلان؛ لكن في الواقع العملي فهما مترادفان من وجهة نظر أولى، أي وجهان لعملة واحدة لكونهما يدلان على التقنيات التي يستعملها المقاول -الجهة المشهرة- من أجل عرض بضاعته والتعريف بها أمام مستهلك مجهول في سوق مجهولة، وهذا التعارض المصطلحي مرده كون مصطلح ‘إعلان’ شائع في المشرق العربي، ومصطلح ‘إشهار’ شائع في المغرب العربي. (بنكراد، 2009، ص :46) لكن وجهة النظر الثانية ترى أنه يجب التفرقة بينهما لأن الإشهار «خطاب استهوائي وحجاجي، ويحدد الإشهاري فيه إقناع المتلقي ببناء من الحجج التي تتراصّ وفقا لإستراتيجية محددة، في حين ينحصر القصد في الإعلان على تبليغ إرسالية معينة للمتلقي من دون ابتغاء تأثير أو إقناع معين.»(هميسي، 2018، ص :14) والرأي الثاني هو المعمول به في الواقع الجزائري المعيش؛ أي أن الإشهار هدفه إرسال رسالة إغرائية للزبون والغرض منه تجاري بالدرجة الأولى، أما الإعلان فيكون إعلام فئة معينة -أغلبهم مواطنون- ويحمل رسالة فيها منفعة عامة، وليس الغرض منه مادي وإنما زيادة الوعي للمصلحة العامة، مثل إعلان عن مسابقة للتوظيف أو إعلان لحملة ذات منفعة عامة بخطورة السباحة في السدود أو إعلان عن مناقصة عمومية.

في مستهل أي عمل أكاديمي لا بد من ضبط المصطلحات وتحديد مفاهيمها خصوصا لو كانت يكتنفها بعض الغموض.

1. الإطار العام للدراسة

1.1. للحجاج

1.1.1. الوضع اللغوي للحجاج

يقول ابن منظور

«الحج القصد، حج إلينا فلان أي قدم، وحجّه يحجه حجاً، أي قصده» (ابن منظور، 1955، 1/226) ويضيف بكون الحج يأتي بمعنى البرهان والاستدلال لدحض حجة الخصم في قوله: «يقال حاججته، أحاجه حِجاجا ومحاجّة حتى حججته، أي غلبتُه بالحجج التي أدليت بها، والحجة البرهان، وقيل الحجة ما دوفع بها الخصم... وهو رجل مِحجاجٌ أي جَدِّل...» (ابن منظور، 1955، 1/227)

أي الوضع اللغوي للحجاج يدور في سياق الأخذ بالدليل والبرهان.

2.1.1. الوضع الاصطلاحي للحجاج 

«الحجاج سلسلة من الحجج تنتهي بشكل كلي إلى تأكيد نفس النتيجة، ولعله نص هنا على كونه أسلوبا تنظيمياً في عرض الحجج، وبنائها وتوجيهها نحو هدف معين. يكون عادة الإقناع والتأثير غايته، فتكون الحجة في سياق هذا العرض بمثابة الدليل على الصحة أو على الدحض.» (عدنان بن ذريل، 2004، ص :2)

والحجاج سمة من سمات التواصل البشري؛ لذلك يقول طه عبد الرحمن:

«لا تواصل باللسان من غير حجاج، ولا حجاج بغير تواصل باللسان.»(عبد الرحمن، 2006، ص :254) وموضوع الحجاج درس تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات، أو أن تزيد في درجة ذلك التسليم. (صولة، 2011، ص :13)

من الوضعين اللغوي والاصطلاحي يتضح أن معنى الحجاج هو إعطاء الدليل والبرهان للعمل على إقناع المتلقي بفكرة ما.

2.1. للخطاب

1.2.1. الوضع اللغوي للخطاب 

جاء في لسان العرب» خطب فلان الى فلان فخطبه وأخطبه، أي أجابه، والخطاب والمخاطبة: مراجعة الكلام،» (ابن منظور، 1955، 2/257)

2.2.1. الوضع الاصطلاحي للخطاب

«الخطاب هو اللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه.» (مصطفى وآخرون، د.ت، 1/251) من الوضعين اللغوي والاصطلاحي يتضح أن الخطاب هو القول المفعل في سياق تواصلي خاص به.

1.2.2.1. الخطاب الإشهاري 

الوضع اللغوي للإشهار محصور في التفشي والمجاهرة، أما اصطلاحا فهو «نشاط فكري يجمع بين مبدعين، أدبيين أو فنيين، في أفق إنتاج رسالة سمعية بصرية.» (فيكتروف، 2015، ص :19) فالإشهار نشاط فكري قبل أن يكون ظاهرة سمعية بصرية أو مادة لإغراء المتلقي، مبدأه المجهارة بالسلعة بغية الوصول إلى التفشي والذيوع، ويُعد ‘محمد الصافي’ الخطاب الإشهاري عملية تواصلية

«تتحرك ضمن محيط إنساني؛ لأنه يشير إلى إستراتيجية إبلاغية قائمة على الإقناع، وتستعمل لذلك كل وسائل الاتصال الإنساني من كلمة وصورة ورمز في أفق التأثير على المتلقي أي المستهلك، والدفع به إلى اقتناء منتج ما والتسليم بأهميته وتفضيله عن باقي المنتجات.» (الصافي، 1997، ص :73)

ويتميز الخطاب الإشهاري ببناء خاص تتظافر مختلف مكوناته التعبيرية بقصد تبليغ رسالة، فهو علامة ذات بنية إيحائية، كونها تحمل نسقا معرفيا حول فكرة ما، يُعول على بثها وترسخيها للبلوغ إلى نجاعة اقتصادية أعلى من خلال الحصول على عائد مادي أكبر.

ويمكن القول أن الخطاب الإشهاري يقترب من الخطاب الأدبي في تحوّلهما وتجدد أجناسهما على الدوام، عكس الخطابات المتخصصة القانونية منها أو الدينية على سبيل المثال اللذان يتميزان بالاستقرار والثبات. (كاديك، 2019، ص :26) وعلى العموم فالخطاب الإشهاري حدث لغوي هدفه التواصل لأجل رواج السلع والمنتجات المعروضة للبيع يعتمد على مصطلحات ومفردات لسانية وضوابط أيقونية.

2.2.2.1. أجزاء الخطاب الإشهاري 

بما أن الخطاب الإشهاري نسق تفاعلي تتلاقى فيه العلامات اللغوية والغير لغوية، ونتاج تواصلي بين-لفظي في المقام الأول ويحمل رمزية لنقل المشاعر والانفعالات، ولكونه خطاب إقناعي يتأسس على خطاب تواصلي فعّال من حيث القيمة المعرفية والتحريك الدلالي؛ لأنه يهدف إلى الإخبار بقصد التأثير، (كاديك، 2019، ص :27) ويمكن التفصيل في أجزاء الخطاب الاشهاري الذي يتكون من شقين، الأول لساني صرف تكون العلامة اللغوية أداته المهيمنة في التبليغ، والثاني أيقوني صرف تكون العلامة البصرية أداته الرئيسية إلى عالم الواقع. (الداودي، 2015، ص :113) رغم كونهما طريقتان للتعبير وينقلان نفس الوظيفة العلاماتية في علاقة جدلية تفاعلية، ويمكن تقسيم النسق الأيقوني إلى جزئين لذلك يُميز ‘رولان بارت’ بين ثلاث رسائل في الخطاب الإشهاري : رسالة لسانية، رسالة أيقونية غير مسننة، ورسالة أيقونية مسننة، (بنكراد، 2003، ص :77) الرسالة الأيقونية الغير مسننة بمعنى الغير مشفرة، والتي ترد إعتباطا، عكس المسننة أو المشفرة والتي تحمل دلالة مقصودة، تتمثل في جمع الصوت والصورة مع موسيقى تصويرية مناسبة، رغم ذلك هناك خلط للبعدين اللساني والأيقوني في بناء العلامات اللغوية وهذا تحديد للفرق بينهما :

  1. النسق اللساني: تُعرف اللسانيات بأنها الدراسة العلمية للسان البشري، ومن المتعارف عليه أن معاني الجمل لا يأتي من مجموع معاني المفردات المكونة للجملة بل يتعداه إلى الدلالة التي يكتسبها من السياق الذي يرد فيه، وما يهمنا في هذا المقام هو ربط البنية التركيبية للخطاب الإشهاري بأبعاده الدلالية الواردة فيه.
    ويظهر البعد اللساني في تحليل المستويات اللغوية (الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية) والتي تمنح المنتج هويته البصرية واللفظية، والتي تُعد أساسا لوجوده وضمانا لتداوله وتذمره واستهلاكه. (إبرير، 2010، ص :201-202) ومجمل الكلام البعد اللساني تمثله العلامة اللسانية، ووظيفته الأساسية هي التبليغ.

  2. النسق الأيقوني : يمكن الجزم أن العين تستأثر بالحظ الأوفر من الأنشطة الإدراكية فأكثر من ثمانين بالمائة من المعلومات تأتينا من المدرك البصري، بل إن باقي المدركات الأخرى تتأثر بشكل كبير بمجال الرؤية. (بنكراد وآخرون، 2010، ص :139) ولكون الصورة نسق أيقوني دال يتضافر ويتفاعل فيه ما هو لغوي بما هو غير لغوي، لأنه يجمع بين الصورة والحركة والصوت والنص، ويتجلى النسق الأيقوني في الوظيفة الجمالية والإيحائية للصورة؛ للبلوغ إلى مرحلة التأثير في الزبون للتولد فيه الرغبة في امتلاك السلعة المروج لها والاستمتاع بها. ومن أهم «الوظائف التبليغية التي تحققها الصورة أنها تخرج القيم المجردة من حيز الكمون إلى حيز التجلي فتصبح واقعا ماديا محسوسا في ضوء ما ينتج من مشاهد إشهارية تتخلل أو توازي الخطاب اللساني.» (الداودي، 2015، ص :128) ويمكن القول أن الصورة ليست تحقيقا لحالة، بل تُقدم الوجه الذي يجب أن تكون عليه كل الحالات التي يمكن أن يستوعبها الشكل المتحقق، وهذه السمة هي ما يُشكل خصوصية الحجاج الأيقوني. (بنكراد، 2009، ص :151) بكل تفصيلاته خاصة استعمال الألوان التي تمتلك طاقة تعبيرية يمكن استثمارها في سيرورة التواصل البشري عموما والإشهاري على وجه الخصوص، فهي أداة لإثارة الانتباه واستمالة النفس، والإيحاء بمكنونات لا يمكن للألفاظ من حصرها.
    يتضح جلياً علاقة النسق اللساني بالنسق الأيقوني لكون الصورة من غير لغة تفقد فعاليتها، أما اللغة من غير صورة تنقص من حجاجيتها ووظيفتها التشخيصية، ولذلك فإن القيمة الإقناعية للصورة في الخطاب الإشهاري لا تتحقق نجاعتها إلا في ضوء النسق اللساني بأنظمة الحركة واللباس والموسيقى ...إلخ، ولا تكتسب صفة البنية الدالة إلا إذا مرت عبر محطة اللغة التي تقطع دوالها وتسمي مدلولاتها. (بن عائشة، 2019، ص :227) فهذا التمازج والتناغم بين النسقين اللساني والأيقوني من يعطي للخطاب الإشهاري المتلفز خصوصية مختلفة وحركية دائمة في التفاعل وصولا إلى الذيوع بين الزبائن.

3.2.1. التداولية والبنية الحجاجية في الخطاب الإشهاري 

تُعرف التداولية على «أنها تخصص لساني يدرس كيفية استخدام الناس للأدلة اللغوية في صلب أحاديثهم وخطاباتهم، كما يعني من جهة أخرى بكيفية تأويلهم لتلك الخطابات والأحاديث... والتداولية هي لسانيات الحوار أو الملكة التبليغية.» (دلاش، د.ت، ص :1) ولكون الخطاب الإشهاري خطاب إقناعي بالدرجة الأولى فهو يعمد إلى تنميق النص الموجه للزبون ليتفادى نفوره من السلعة المعروضة لذلك فإن «الإرسالية الإشهارية لا تستجدي الذات المستلة ولا تخطب ودها كما يبدو عليه الأمر في الظاهر، بل تحاول تكييفها بشكل مسبق من خلال التحكم في انفعالاتها.» (بحة، 2021، ص : 896) ودفعها إلى اقتناء منتج استهلاكي ينقصها أو لا ينقصها؛ لأنه خطاب يقوم على الاستثارة والمحاجة والإقناع. والخطاب الإشهاري بمكونيه اللساني والأيقوني يشكل قوة تواصلية بين المنتج المعروض والزبون في صورة جمالية تكمن في «قدرته على التكثيف اللغوي والاختزال والوضوح والمباشرة ومحاولة الابتعاد عن الحشو. إنه فن اختصار الكلام وهنا يتضافر السيميائي بالتداولي.»(إبرير، 2010، ص :122) ويتضح ذلك في المستويات اللغوية المختلفة؛ حيث يسمح البعد التداولي للخطاب الإشهاري بتحويل المادة اللغوية بمستوياتها المختلفة إلى مواقف تواصلية لممارسات لغوية تبليغية، ولكون «الإشهار يبيع المعاني، وأن المستهلكين يبحثون داخله عن نمط الحياة، لا عن مواد عارضة في حياتهم. إنه يقدم وصفة أخرى للوجود.» (بنكراد، 2019، ص :256) فيسقط الخطاب الاشهاري الواقع المعيش بطريقة احترافية ليدغدغ بها الأماني والآمال المكبوتة في خطاب مستلهم ليتحول بذلك إلى قوة اقناعية مأثرة في المستهلك بما يحمله من طاقات إيجابية ثاوية في ثناياه اللسانية منها والسيميائية. والغرض من الخطاب الإشهاري في مداه السيميائي البحث داخل النفس الإنسانية من خلال إرضاء بعض الميول الداخلية؛ التي قد لا يلتفت إليها المستهلك بشكل واع، (بنكراد، 2009، ص :65) فهو يعيش الصورة الإشهارية فتستوطن لاشعوريا في غفلة منه؛ فالمستهلك لا يشتري منتجا بل يحاول إشباع رغباته في اقتناء منتج حرك مشاعر كامنة فيه، ويسعى لتحقيق أحلام وأماني مكبوتة في اللاوعي الداخلي الخاص به.

2. الجانب التطبيقي 

يشمل التحليل التداولي نماذج إشهارية عديدة من خلال إعلانات مختلفة تكون مطبوعة ومنشورة في المساحات العامة والطرق والمحلات التجارية ... أو من خلال الإعلانات التلفزيونية التي تُبث عدة مرات في اليوم وفي فترات زمنية محددة، والتي تتخذ الحجاج اللساني والأيقوني المحقق للفعل الكلامي في ضوء تقنية الصورة والصوت لعرض السلع والبضائع من أجل جلب أكبر عدد من الزبائن، وهذه مدونات إشهارية جزائرية للقهوة؛ تحديدا نوعية أروما وقراءة كرونولوجية لإشهاراتها التي مرت بثلاث مراحل -حسب وجهة نظري-، وكل الإشهارات تقوم على عدة مبادئ تجمع بين أنساق صريحة وأخرى ضمنية يمكن جمعها فيما يلي :

1.2. الإشهار الأول 

أول إشهار لقهوة أروما بُث بتاريخ 9/4/2015 والذي يُعد قفزة نوعية في الإشهارات الجزائرية، لأنه اعتمد على مستوى أيقوني يتمثل في نوعية التصوير والإضاءة والإخراج الاحترافي، مع طريقة حركة الممثلين علاوة على اختيار وتنسيق الألوان، ونوعية اللباس، والحلاقة والتجميل، إضافة إلى الديكور إلى غيرها من المقومات الأيقونية التي أُنتقت بعناية فائقة. إلى جانب المستوى اللساني البلاغي الممدرج في كلمات أغية الشارة وهذا نصها :

«نبدا صباحي بأروما، بنة ونكهة معلومة، كاين منها يا جاري، وأروما قهوة لحباب. الغاشي قع في الحومة يشرب قهوة أروما، أروما اختياري ما نبدلهاش محال، أروما إكسبرسو قهوتنا العالمية وعليها ما نستغنوا، من أروما زدني شوية، .... وبنتها هايلة، أروما متعة التذوق.» (رابط من اليوتيوب)

1.1.2. النسق اللساني 

لا بد من توفر سمات جوهرية في الخطاب الإشهاري من الزاوية اللسانية منها ما يلي : الرسالة اللسانية الأولى تبدأ من اسم المنتج؛ حيث تم اختيار اسم دلالته بمعنى الذوق أو النكهة، اختيار ذكي لأن لكل شيء من اسمه نصيب فهو يبتغي منتهى الذوق وغاية النكهة، أما عن البنية اللسانية للخطاب الإشهاري فقد تنوعت الجمل المستعملة بين جمل اسمية وأخرى فعلية، وتراوح الخطاب الإشهاري بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي، أما عن نوع لغة الخطاب الاشهاري الأول فهي العامية الجزائرية المتفاصحة، مع توظيف المحسنات البديعية المتنوعة من جناس والسجع الذي تطرب له الأذن في كامل الخطاب الإشهاري، مع تفعيل آلية التكرار تحديدا في اسم المنتج ليترسخ في ذهن المتلقي فقد تم ذكره سبع مرات في الوصلة الإشهارية الأولى.

والملاحظ في الخطاب الإشهاري الأول توظيف ضمير المتكلم، وأحيانا يتم اختيار الإحالة الضميرية الجماعية (نحن) مثل : قهوتنا، ما نستغنوا. والقصد منه تغليب الأنا الجمعية وتغييب الذات الفردية، مما يُسهم في توليد الشعور بمتانة العلاقة بين المشهر والمشهر له، والتعبير بصوت الجماعة عامل قوي في جعل الخطاب الإشهاري غير قابل للدحض الحجاجي. (بنكراد وآخرون، 2010، ص :190) ويعطي قوة إقناعية تصل لحدود الأنا الجمعي المشترك.

2.1.2. النسق الأيقوني 

المكون من الصوت والصورة والحركة واللون والديكور؛ فتتحول بذلك الصورة الإشهارية المتحركة إلى خطاب حجاجي بإمكانه ممارسة سلطة سرية وتأثيرات نفسية وحركية على المستهلك، ويُسهم المستوى الأيقوني في تكوين العلامة الإشهارية، فهو إمتداد للمعنى الكامن في اللفظ إضافة إلى أبعاد جمالية وحركية تحملها الصورة؛ للوصول إلى بنية لسانية جميلة وبالتالي إلى كفاءة تبليغية راقية.

الشيء الملفت للانتباه في النص الإشهاري الأول اختيار الألوان؛ بالتحديد لون غلاف المنتج الذي يتناسب مع لباس المغنية لشارة الإشهار ومع لون الفنجان، وآلة القهوة، المزهرية، وحتى الحاسوب، وربطة العنق... وهو الأحمر الطاغي والذي يحمل دلالات حب المغامرة والتحدي والطاقة الإيجابية والإثارة والجرأة، وهو من الألوان المثيرة لارتباطه بالنشاط والحركة والحيوية والسرور.

ولكون هذا الإشهار معروض بواسطة وسيلة سمعية بصرية وهي جهاز التلفاز؛ لذلك يغلب عليه تزاوج النسق اللساني بالنسق الأيقوني، وتخلله بإشارات للمرجعيات الثقافية الجزائرية وعادات وتقاليد وأعراف المجتمع الجزائري منها لباس الحايك للمرأة وحملها لقفة من الحلفاء، مع استعماله للألوان الدالة دائما وهي اللون الأحمر والأسود وهما لونا عبوة القهوة، فلقد خرج اللون من النمط التقليدي إلى بلوغه لمرحلة الملفوظ التعبيري؛ لكون اللون الأحمر يعطي طاقة إيجابية، ويبعد عنه الطاقة السلبية ويشيع جوا من الحماسة والقوة والشبابية، ويضاعف الحيوية والنشاط.

2.2. الإشهار الثاني

بُث هذا الاشهار لأول مرة يوم 25 نوفمبر 2020 والتالي نص الوصلة الإشهارية والتي عرفت رواجا كبيرا لدرجة تقليدها في مواقع التواصل الإجتماعي؛ بسبب خفة الكلمات ومواءمتها لنوعية الموسيقى:

«واش جاب لجاب قهوة في الشباب، واش جاب لجاب للعايلة ولحباب. كي ندخل super marché أروما direct نمشي وأنايا باش نفطر؟ أروما كأس معمر. ندي ال mag ديما معايا أرومة صباح وعشية. أنا تخلويني هي نشربها أنا ولحباب. ل prix ديالها هايل، تحضيرها ساهل، يحبوها قع الناس، هي ال café press، أأأأروما. واش أأأأروما. أأأ واش جاب لجاب. واش جاب لجاب هذي قهوة أروما.» (رابط من اليوتيوب)

1.2.2. التحليل اللساني

على النمط نفسه في النص الإشهاري الأول فقد تنوعت المحسنات البديعية من سجع وتكرار، ولكون السجع أهم الظواهر المولدة للإيقاع الحسي في أذن المتلقي، والذي يتولد عن طريق «توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد» (عتيق، د.ت، ص :633) فيتولد جرس موسيقي في أذن الزبون، ويُسهل من حفظ الإشهار وتداوله على نطاق أوسع. ومن أمثلة ذلك (لجاب/الشباب) (لجاب/لحباب) (هايل/ساهل) وهذا سجع باللغة العامية الجزائرية، ونجد سجعا هجين بين اللغة العامية والكلمات الدخلية الفرنسية منها (marché/نمشي) (press/الناس) فتولدت جملا تضم سجعا وملحنة قصيرة في الطول وبالتالي سهلة الحفظ، وقريبة إلى اللسان في دندنته. مع توظيف التكرار؛ لكونه من وظائف التداولية فهو «أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة، لذلك قيل الكلام اذا تكرر تقرر.» (السيوطي، 1979، 2/86) لأن التكرار يُكرس الفكرة في ذهن المتلقي ليدفعه إلى الشراء دون وعي، خصوصا لو كان لاسم المنتج تحديداّ، وبأصوات مختلفة (المرأة، العامل، الشاب، الكهل، وصوت جماعي في الأخير) لتكثيف وتركيز اسم المنتج في ذهن الزبون، بغية الوصول إلى مرحلة التثبيت والترسيخ. والتكرار لم يقتصر على اسم المنتج بل تعدى إلى الحرف الأول منه أأأ بصوت فيه إبداع وذكاء في الاختيار لكسر المألوف والمعتاد، والخروج من النمطية في غناء نص إشهاري.

والملاحظ في الخطاب الإشهاري الثاني توظيف العامية الجزائرية مع وجود انحرافات لغوية باللغة الفرنسية وهي اللغة المتداولة بين أفراد المجتمع بدل اللغة الفصحى، «فالإشهاري يستثمر في خطابه الكلمات والجمل التي يعبر بها مجتمعه عن أغراضه المختلفة.» (إبرير، 2007، ص :200) ونجد في الخطاب الإشهاري لغة تتكون من «آلاف الكلمات المرتبطة بملايين المفردات البصرية والسمعية واللمسية، فتتخذ هذه الكلمات عدة ترتيبات متعارف عليها في البيئة فتُكون ملايين الجمل المعبرة عن بلايين من الدلالات البصرية،» (بنكراد وآخرون، 2010، ص :9) وهذه الألفاظ تنتمي إلى لغات مختلفة في ظل التعدد اللغوي -المنتشر في الثقافة الجزائرية-؛ والتي تظهر في التواصل اليومي على ألسنة المواطنين؛ وتُعرف على أنها «مجموعة من اللغات المتقاربة أو المتباينة في مجتمع واحد.» (بلعيد، 2010، ص :224 ) وهذا التعريف جامع للتعدد اللغوي؛ فهو يجمع بين الازدواجية اللغوية في قوله ‘اللغات المتقاربة’؛ والتي تُحيل إلى الفصحى وعامياتها، والثنائية اللغوية في قوله ‘المتباينة’ وفي ذلك إشارة التداخل اللغوي بين اللغة العربية واللغة الفرنسية؛ وهما لغتان لا تنتميان إلى أرومة لغوية واحدة؛ وبالتالي تستعمل أكثر من نظام لغوي واحد.

إن توظيف اللغة العامية المحكية في الخطاب الإشهاري تمثل لاستمالة الزبون لأنه متعود عليها في محيطه الاجتماعي، فيشعر بالألفة والتلقائية والعفوية في التعبير، فيقتنع بسهولة بالمنتج المعروض أكثر من اقتناعه بخطاب إشهاري باللغة الفصحى، لوجود ألفة واطمئنان مع لغة التواصل الاجتماعي، لكن لا نغفل أن أغلب الكلمات الموظفة في العامية الجزائرية أصلها فصيح مثال : كأس معمر، تحضيرها ساهل ...

مع ملاحظة خاصية التعاقب اللغوي وهي إدخال مستوى لغوي في آخر، بحيث تتجاور تراكيب تنتمي إلى لغتين أو أكثر داخل نص إشهاري واحد ليبدو متكاملاً؛ إذ يشعر المتلقي بتجانس وانسجام في ألفاظ اللغات الموظفة. (خاين، 2015، ص :74) ويمكن تعريف التعاقب اللغوي بكونه إستراتيجية تداولية تبليغية يستعين بموجبها المتكلم بتنوعين لغويين أو أكثر من سجله اللغوي لإيصال ما طاب له من معلومات. (بلولي، 2010، ص :239) وظاهرة التعاقب اللغوي أو التعاقب الاسترسالي ظاهرة شائعة في الخطاب الإشهاري الجزائري عموما لأنها من الممارسات اللغوية الشائعة في التواصل اليومي بين الأفراد، بل وحتى في المواقف الرسمية وفي لغة الصحافة الوطنية مثل كي ندخل super marché أروما direct نمشي.

مع ملاحظة توظيف أسلوب الاستفهام في قوله صباحي باش نبدا؟ حيث يُعد الاستفهام من أكثر «الأساليب اللغوية الفنية استدعاء للمثيرات عند المتلقي، فهو يمارس إثارة الدهشة الناجمة عن قطع رتابة التلقي المستكين، ورضوخ المتلقي لخمول وطأة استقبال التراكيب الجاهزة، ويمارس فعل المفاجأة التي تنتهك جمود التوقع، لتنشأ جدلية حيوية حركية بين المبدع والمتلقي عبر تركيب السؤال، ذلك الذي يجعل المتلقي فاعلاً أصيلاً في التجربة الإبداعية بما تتضمنه من جدلية لا تزول بين المبدع والمتلقي.»(بلبع، 1999، ص :77) هذه الأسئلة تثير وتُشوق الزبون لتصل إلى ردود أفعال تتمثل في مشاركته وتفاعله وبذلك البلوغ لمرحلة المثول للخطاب الإشهاري.

2.2.2. التحليل السيميائي 

تعدد الأصوات المثمنة للمنتج، للوصول إلى خطاب إقناعي يجمع بين الإقناع العقلي والاستمالة العاطفية من خلال تنوع الفئات العمرية التي تُشيد بالمنتوج، وتنوع نشاطاتهم اليومية من امرأة تتبضع في مركز تجاري إلى مواطن بسيط بلباس جزائري عريق يلبسه العامة في الجلسات الحميمية مع الأحباب في حارة شعبية عاصمية، إلى عامل إداري في مقر عمله بعاصمة الغرب الجزائري مدينة وهران والدليل على ذلك الخلفية التي تظهر من النافذة، إلى طالب شاب بالجامعة بمدينة الجسور المعلقة قسنطينة، وهذا للوصول إلى أكبر عدد من الزبائن؛ بتصوير أكبر عدد من فئات المجتمع، وفي أماكن متفرقة من البلاد، وباستعمال الصورة واللون والحركة والموسيقى والصوت إلى غير ذلك. مع المحافظة على اللون ذاته للمنتوج وهو الأحمر بكل حرارته وجرأته ويظهر جليا في لباس المرأة ليعطي أنوثة ونعمومة دافئة ومتدفقة.

3.2.2. الإشهار الثالث 

على خلاف النصين الإشهاريين السابقين، فإن الإشهار الثالث فيه نقلة نوعية في الأداء والتصوير؛ فقد جاء بصوت المؤثر في مواقع التواصل الاجتماعي؛ -الأنستغرام على وجه الخصوص- الشاب ‘محمد الماحي’ حيث بدأ الوصلة الإشهارية بقوله : تخيل لحياة بلا أروما ثم تبدأ الموسيقى :

سليمان وأحمد يضاربو في الحومة، الدنيا مقلبة مهمومة، الحاجة تقول يا لمسمومة، على خاطر ماكانش أروما، لازم في الحياة، أروما، تخلوي لعباد، أروما، تناقس stress، أروما، ورانا لاباس، أروما، ما نحكيلكش على la journée كل واحد كيفاش مستاسيوني، العين مغلوقة والراس بعيد، تصرا كي أروما في الحياة تغيب، لازم في الحياة، أروما، تخلوي لعباد، أروما، تناقس stress، أروما، ورانا لاباس، أروما، نفهمك المشكل يا حبيبي، بلا أروما نولو des zombies، فنجان أروما عندو pouvoir، يخليك ليلك ضاوي كي النهار، لازم في الحياة، أروما، تخلوي لعباد، أروما، تناقص stress، أروما، ورانا لاباس، أروما.

الحياة بلا أروما oublie ، (رابط من اليوتيوب) وجاءت الجملة الأخيرة من غير موسيقى

4.2.2. النسق اللساني 

توظيف الأسلوب الإنشائي في الخطاب الإشهاري الثالث؛ حيث تعتمد الإشهارات على الأساليب الإنشائية الطلبية فتعتمد على الأمر والنهي والاستفهام. لأن المعلن يُريد إشاراك المتلقي في إعلانه للبلوغ إلى تحقق تواصلية الإشهار. فالمغني في هذه الوصلة الاشهارية بصدد سرد قصة ليوميات عدة أشخاص في غياب المنتج المذكور، وتصوير تغير حالتهم المزاجية وعصبيتهم الزائدة التي تصل لحد الاشتباك الجسدي، والملاحظ توظيف أسلوب النفي؛ الذي يفيد معنى الطرح والإخراج والانقطاع، وهو نقيض الجمع والضم والإحاطة، ونفي حدوث الفعل : إخراجه من صفة الحدوث، واقتطاعه وطرحه بعيدأً عن دائرة الكينونة؛ لأن الحدوث إيجاب على الإطلاق، والنفي إخراج حدث بعينه من الوجود المطلق من الإيجاب.» فالوصلة الإشهارية ككل تصور للحياة من غير أروما.

مع ملاحظة ظاهرة التعاقب اللغوي المتفشية بكثرة في الوصلة الثالثة إلى درجة المبالغة منها أروما تناقص stress، ما نحكيلكش على la journée، الحياة بلا أروما oublie.

بل بلغ الأمر إلى التعبير بتصريف الفعل الفرنسي على الوزن العربي في العبارة كيفاش مستاسيوني. stationne من الفعل يتوقف على الوزن متوقف. وبهذا يكون قد تمادى في توظيف اللغة الفرنسية وما يسمى بالثنائية اللغوية في الخطاب الإشهاري الجزائري

4.2.2. النسق السيميائي 

حافظ الإشهار توظيف ألوان المنتج ظاهرة في لباس مغني الوصلة الإشهارية، لكن نلحظ في هذا الإشهار نقلة نوعية في عالم الرقص والغناء والإيقاع الحديث ألا وهو الراب، حيث ينتقل الإشهار إلى عالم شبابي حماسي؛ يصور من خلاله الحياة اليومية باستعمال المؤثرات الصوتية والموسيقى؛ قصد إنجاز فعل تواصلي مع المشاهد أو الزبون المحتمل لغرض الوصول إلى غرض اقتصادي نفعي مخطط له سابقا.

فضلا عن حركات الرقص المجسدة بالتمايل باستخدام الرأس والأعضاء انسجاما مع الموسيقى؛ فهي تمثل البعد العولمي، وحركية الانفتاح على الغرب؛ والذي يتمثل في رقصة الهيب هوب، وموسيقى الراب الأمريكية التي تدعو لتحرر بل وتمرد الشباب على الوضع والواقع الذي يعيشه، والسعي إلى الحرية المنشودة والتحليق في الفرح والسعادة، يتضمن الإشهار الأخير إحالة على رؤية العالم من عيون الشباب ونظرتهم له، وتوظيف عنصر الشباب دلالة على القوة والعنفوان والاستمرار والإقبال على الحياة... مع تكريس معتقداتهم المنتقلة لنا من الثقافة الغربية والأفلام الأمريكية تحديدا مثل كائن الزمبي، ... وللإشارة أنه تبع الإشهار الثالث إشهار رابع امتداد وتكملة للإشهار الثالث، من خلال نفي النفي يحمل عنوان ‘الحياة بلا غير أروما’ يصور فيه الحياة الجميلة والسلسة بتوفر المنتوج.

خاتمة

في نهاية الورقة البحثية يمكن جمع النتائج في النقاط التالية :

  • الإشهار نمط تواصلي لترويج البضائع والسلع الغاية منه استمالة الزبون وإغرائه للإقبال على السلع.، وهو انعكاس للغة المجتمع، -الذي يتواصل بلغة هجينة- مع توظيف الصورة التي لا تُقدم خالية من المعنى في بعدها التواصلي. حيث يتكون البعد الأيقوني من مستويات عدة؛ وهي الإطار، الإخراج، البناء، تناسب الألوان، والتي تتناسب مع النسق اللساني في تناغم سلس.

  • يسقط الخطاب الإشهاري الواقع المعيش بطريقة احترافية ليدغدغ بها الأماني والآمال المكنونة والمكبوتة في خطاب مستلهم؛ تاركا شرخا عميقا في دواخل المتلقي، ليتحول إلى طاقة تواصلية وقوة إقناعية مأثرة في المستهلك بما يحمله من إيحاءات إيجابية وتحفيزية ثاوية في ثناياه اللسانية منها والسيميائية.

  • الخطاب الاشهاري خطاب وظيفي عابر للتخصصات يعتمد على مناورات لسانية وإبداعات أيقونية ليصل إلى مبتغاه، وهو رواج السلعة المعروضة، ويمكن أن يحمل في طياته غايات وأبعاد دلالية لا تظهر إلا بالقراءة التأويلية.

  • تشكل الصورة والصوت نسقا دلاليا ومجسما علاماتيا يجمع بين أيقونية لسانية وأيقونية الصورة للبلوغ إلى تجلي القيم الحاملة لدلالة الإغراء وتحقق الوظيفة التبليغية، فهذا التلاحم بين البنية اللسانية والبنية الأيقونية في الخطاب الإشهاري يجعل الزبون يقتني السلعة فيكون ذلك ناجحاً في الإغراء ليصل إلى مرحلة يكون فيها الخطاب الإشهاري أهم من المنتوج في حد ذاته.

  • ترتبط البنية الحجاجية الإقناعية للخطاب الإشهاري بشكل خاص بالحياة الاجتماعية الواقعية أو إثارة الذاكرة الجماعية، وتغوص أيضاً في الجانب النفسي الوجداني للزبون وتبحث في العوالم الخفية؛ التي يصبو المشهر البلوغ إليها واستغلالها.

  • يتميز الخطاب الإشهاري بالوضوح في العبارة؛ للابتعاد من الوقوع في الالتباس من خلال توظيف التراكيب المطولة، والملاحظ كذلك توظيف عبارات دالة على معاني جاهزة لكون الإشهار موجه لعينات بشرية غير مؤهلة بالقدر ذاته سياسيا وثقافيا.

  • تغيرت البنية الحجاجية للخطاب الإشهاري الجزائري لقهوة أروما من نسق لساني متفاصح إلى ازدواجية لغوية وصولاً إلى الثنائية اللغوية؛ وذلك ببناء صيغ جديدة من لفظة فرنسية على وزن عربي، وهذا ما يشوه اللغة. أما في النسق السيميائي فمن تصوير لعادات وتقاليد جامعة للمجتمع الجزائري إلى إظهار لمشاعر دخيلة عنا من عصبية متمادية إلى توظيف ثقافة غريبة عنا في نوع الكلمات الموظفة والدلالات التي تحملها.

  • الخطاب الإشهاري خطاب قصدي تعييني، أي التعيين في تحديد الهدف لأجل رواج السلع، وبناء نموذج أو قالب لأجل تكريس فكرة مثالية عن المنتوج في ذهن المتلقي أو الزبون المفترض، ولكون هذا الإشهار معروض بواسطة وسيلة سمعية بصرية وهي جهاز التلفاز؛ لذلك يغلب عليه تزاوج النسق اللساني بالنسق الأيقوني، وتخلله بإشارات للمرجعيات الثقافية الجزائرية وعادات وتقاليد وأعراف المجتمع الجزائري.

قائمة المراجع

إبرير بشير (2007) تعليمية النصوص بين النظرية والتطبيق، عالم الكتب الحديثة الأردن، د.ط

إبرير بشير (2010) دراسات في تحليل الخطاب غير الأدبي، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط :1

بحة فتحي (2021)، سلطة الجمال اللغوي وبنيتها في الإعلان التجاري الفايسبوكي -دراسة في نماذج تطبيقية، مجلة إشكالات في اللغة والأدب، المجلد :10، العدد :1

بنكراد سعيد (2019) تجليات الصورة سيميائيات الأنساق البصرية، المركز الثقافي للكتاب، ط :1، الدار البيضاء، المغرب

بنكراد سعيد (2003) السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، منشورات الزمن، الدار البيضاء، المغرب

بنكراد سعيد (2009)، الصورة الإشهارية (آليات الإقناع والدلالة)، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، ط :1

بنكراد سعيد (2009) الصورة الإشهارية آليات الإقناع والدلالة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط :1

بنكراد سعيد وآخرون (2010) استراتيجيات التواصل الاشهاري، دار الحوار، سوريا، ط :1

بلبع عيد (1999) أسلوبية السؤال : رؤية في التنظير البلاغي، دار الوفاء، القاهرة، مصر، ط :1

بلعيد صالح (2010) في الأمن اللغوي، دار هومة، الجزائر، د.ط

بلولي فرحات (2010) إستراتيجيات الخطاب في لغة الصحافة الرياضية جريدة الشباك أنموذجا، مجلة الممارسات اللغوية، الجزائر، المجلد : 1، الرقم :0

خاين محمد (2015) الإشهار الدولي والترجمة إلى العربية -رهانات الاحتواء وإكراهات اللغة والثقافة-، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، لبنان، ط :1

ابن خلكان (د.ت) وفيات الأعيان وأبناء الزمان، تحقيق : إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان

الدارمي مسكين (2000) الديوان، تحقيق : كارين صادر، دار صادر، بيروت، لبنان

دلاش الجيلالي (د.ت) مدخل الى اللسانيات التداولية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر

بن ذريل عدنان (2004)، في البلاعة الجديدة، دمشف، سوريا

سلطان منير (1988) بلاغة الكلمة والجملة والجمل، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر

السيوطي (1979) الاتقان في علوم القرآن، المطبعة الأزهرية، مصر، ط :1

الصافي محمد (1997) الخطاب الإشهاري والدعاية السياسية، ترجمة : سعيد بنكراد، مجلة علامات، المغرب، ع :7

صولة عبد الله (2011) في نظرية الحجاج، دراسات وتطبيقات، مسكيلياني للنشر والتوزيع، تونس، ط :1

بن عائشة حسين (2019) سيميائية الخطاب الإشهاري بين التقاطع والتناظر، مجلة الخطاب، جامعة تيزي وزو، المجلد :4، العدد :1

عبد الرحمن طه (2006) اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط :2

عتيق عبد العزيز (د.ت) في البلاغة العربية علم المعاني-البيان-البديع، دار النهضة، بيروت، لبنان، د.ط

عراب عبد الغني (2018) الإشهار في التشريع الجزائري -بين الأطر التنظيمية والقانونية-، مجلة آفاق العلوم، جامعة الجلفة،المجلد :3، العدد :2، 2018

فيكتروف دافييد (2015)، الإشهار والصورة، ترجمة : سعيد بنكراد، دار الأمان، الرباط، المغرب

كاديك محمد (2019) الخطاب الإشهاري -مناورات الإبداع وجماليات التسويق-، مجلة الخطاب والتواصل، جامعة عين تموشنت، المجلد :1، العدد :6

بن مرهون بن خصيف الداودي زاهر (2015) خصاص البنية الحجاجية للخطاب الإشهاري -الوسائط الإعلامية المرئية الثابتة نموذجا-، مجلة الآداب واللغات، جامعة الجزائر2، العدد :12

مصطفى ابراهيم وآخرون (د.ت) المعجم الوسيط، مجمع اللعة العربية، الفاهرة، مصر، ط :3، د.ت

ابن منظور (1995) لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، ط :1

هميسي نور الدين (2018) فصول من النقد السيميائي والثقافي للإشهار، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن.

سليمة بلعزوي

جامعة باتنة1

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article