ديناميكيات وتحديات التغطية الإعلامية للنزاع المسلح الروسي-الأوكراني: تحليل مقارن بين الإعلام التقليدي والرقمي

Dynamiques et enjeux de la couverture médiatique du conflit armé Russo-Ukrainien : une Analyse comparative des médias traditionnels et numériques

Dynamics and Challenges of Media Coverage in the Russian-Ukrainian Armed Conflict: A Comparative Analysis of Traditional and Digital Media

طالب ياسين

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

بحث إلكتروني

طالب ياسين, « ديناميكيات وتحديات التغطية الإعلامية للنزاع المسلح الروسي-الأوكراني: تحليل مقارن بين الإعلام التقليدي والرقمي », Aleph [على الإنترنت], نشر في الإنترنت 13 septembre 2024, تاريخ الاطلاع 28 octobre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/12707

يهدف هذا البحث إلى دراسة دور الإعلام التقليدي والرقمي في تغطية النزاع المسلَّح الروسي-الأوكراني، باعتباره موجهًا رئيسيًا للرأي العام الداخلي والدولي. يتم ذلك من خلال تأثير وسائل الإعلام المتخصصة التي تخاطب الجماهير الداخلية والخارجية باستخدام مختلف الأدوات والأساليب، لنقل الأحداث والوقائع المرتبطة بتطور العمليات العسكرية.
وتوصلت الدراسة إلى أن التغطية الإعلامية لهذا النزاع تختلف حسب توجهات وقناعات الأطراف المتنازعة، حيث يسعى كل طرف إلى الترويج لأفكاره بهدف كسب الرأي العام. كما خلص البحث إلى أن الإعلام الرقمي، رغم تقدمه، لم يستطع إلغاء دور الإعلام التقليدي، لا سيما في تغطية الحروب والنزاعات المسلحة مثل النزاع الروسي-الأوكراني.

Cette recherche a pour objectif d'analyser le rôle des médias, traditionnels et numériques, dans la couverture du conflit armé russo-ukrainien, en tant que vecteur principal de l'opinion publique, à la fois nationale et internationale. Les médias spécialisés influencent cette opinion en diffusant des événements et des faits liés à l’évolution des hostilités, en utilisant divers outils et moyens pour s'adresser tant à un public interne qu'externe.
Au terme de cette étude, il a été constaté que la couverture médiatique du conflit différait selon les orientations et les convictions de chaque partie prenante, chacune tentant de promouvoir ses propres idées pour attirer l’opinion publique. Par ailleurs, malgré l’essor des médias numériques, leur rôle ne supplante pas celui des médias traditionnels, en particulier dans la couverture des guerres et conflits armés tels que le conflit russo-ukrainien.

This research aims to analyze the role of both traditional and digital media in covering the Russian-Ukrainian armed conflict, as a primary influencer of national and international public opinion. It explores how specialized media professionals use various tools and platforms to address internal and external audiences, publishing events and developments related to the hostilities.
The research concludes that media coverage of the conflict differs according to the orientations and beliefs of each party, with each side attempting to promote its views to shape public opinion. Furthermore, despite the advancements in digital media, they have not been able to replace the role of traditional media, particularly in covering wars and armed conflicts like the Russian-Ukrainian conflict.

مقدمة

يُعدُّ الإعلام- كمفهوم- مصطلحٌ حديثٌ نسبيًّا، ظهر مع ظهور وسائل الاتصال المتنوعة التي تهدف إلى نشر الوقائع والأحداث بين الأفراد داخليًّا ودوليًّا، لكنه تطور مع مرور الوقت بما يتماشى مع متطلبات الحياة البشرية باعتباره المجال الواسع لتبادل الوقائع والآراء بين الأفراد بتعبير الأستاذ «ريد فيلد». ولأهميته الكبيرة فقد تناول الكثير من الكتاب والمثقفين مسألة الإعلام من جوانب مختلفة، الأمر الذي جعل هذا المصطلح محل اختلاف بينهم ولم يكن بالإمكان، تبعًا لذلك، الوصول إلى تعريف جامعٍ مانعٍ ومتفقٍ عليه.

ويُقصدُ بالتغطية الإعلامية الاحتواء الروتيني والمستمرُّ لموضوع من الموضوعات يشغل الرأي العام الداخلي أو الدولي، وذلك من خلال عملية الحصول على البيانات والمعلومات بشأنه ونقله للجمهور بغية بناء رأيه والتأثير فيه. والحقيقة أن النزاع الروسي- الأوكراني شهد تغطية إعلامية من مختلف وسائل الإعلام الوطنية والعالمية، التقليدية منها والرقمية، الروسية منها والغربية التي تأخذ بالطرح الإعلامي الأوكراني.

إن الإعلام، من خلال وسائلة المتنوعة، يهدف إلى توفير المعلومات ذات الصلة بموضوع من المواضيع المطروحة وتوجيه الرأي العام وبنائه وتكوين مواقفه واتجاهاته، وذلك بشرح وتبسيط الأحداث والوقائع المتصلة بالموضوع المتناول، وينقسم إلى نوعين، إعلام تقليدي (تلفزيون، إذاعة، جرائد، صحف، مجلات...إلخ) وإعلام رقمي والكتروني (فيديوهات، صور، مواقع الكترونية، وسائل التواصل الإجتماعي...إلخ) يعتمد على الأنترنيت في إيصال المعلومة للجمهور المستهدف والتأثير عليه بشأن مسألة من المسائل.

ولعل أهم المواضيع التي يعمل الإعلام على تغطيتها وتتبُّعِ أخبارها الحروب والنزاعات المسلحة الدولية، بل أن هذه الأخيرة تعدُّ المجال الأبرز للإعلام ووسائله المختلفة من خلال تمكين المتلقي من مسايرة تطورات النزاع المسلح محل التغطية الإعلامية. فقد شكَّل الإعلام وعلى مرِّ العصور أحد الوسائل الفعالة في إدارة النزاعات المسلحة، سواء من خلال بثِّ الروح الوطنية في نفوس القوات المحاربة أو من خلال إضعاف الروح المعنوية للقوات المعادية.

ويكون النزاع المسلح دوليًّا إذا كان بين دولتين أو أكثر، وهو ما نصَّت عليه المادة الثانية المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949م، هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية الاصطلاحية فلا يوجد تعريف جامع مانع للنزاع المسلح الدولي من قِبل الفقه القانوني، وهو ما يجعلنا نُعرِّفه بأنه حالة الاشتباك واستخدام القوة المسلحة من قِبل دولة أو مجموعة دولٍ ضد دولة أو مجموعة دول أخرى، بغض النظر عمَّا إذا كان استخدام القوة مشروعًا أو غير مشروعٍ.

ويهدف هذا البحث إلى معرفة دور الإعلام في تغطية النزاع المسلَّح الروسي- الأوكراني، باعتباره الموجِّه الرئيسي للرأي العام الداخلي والدولي، وذلك بالتأثير فيه من خلال كوادر إعلامية متخصصة تعمل على مخاطبة الداخل والخارج بمختلف الوسائل والأدوات، ومنها نشر الأحداث والوقائع ذات الصلة بسير العمليات العدائية.

من خلال كلِّ ما تقدم نطرح الإشكالية التالية: إلى أي مدى نجح أطراف النزاع المسلح الروسي- الأوكراني في إدارته من الناحية الإعلامية؟

للإجابة على هذه الإشكالية، وغيرها من التساؤلات الأخرى، اعتمدنا المنهج الوصفي التحليلي من خلال عرض أهم أدوات الإدارة الإعلامية لكل طرفٍ من أطراف النزاع الروسي- الأوكراني على حدي، والأدوات التي اعتمدها كل طرفٍ لإضعاف الطرف الآخر والتأثير عليه.

1. التغطية الإعلامية الروسية للنزاع المسلح

لقد تناول الإعلام الروسي التقليدي منه والرقمي النزاع المسلح بين روسيا وأوكرانيا بصفة مستمرة وروتينية، حيث حاول الترويج للطرح الروسي من وراء هذه الحرب والأسباب التي أدت إلى لجوء روسيا لاستخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا. ذلك أن الإعلام، بوسائله المتنوعة، أصبح سلاحًا فعَّالاً يُمكن توظيفه لقلب موازين القوى وإدارة الحروب والأزمات السياسية بين الدول.

1.1. التغطية الروسية للنزاع المسلح من خلال الإعلام التقليدي

إن الإعلام الروسي التقليدي، العمومي والخاص والمرئي منه والمسموع والمكتوب، حاول وبشراسة الدفاع عن الطرح الرسمي للحكومة الروسية، حيث اعتبر أن استخدام القوة المسلحة عن طريق عملية عسكرية خاصة هو دفاع عن الأمن الوجودي لروسيا الاتحادية. ذلك أن انضمام أوكرانيا لحلف الناتو يهدد الأمن الروسي في الصميم، ويجعل أسلحة الناتو على مشارف الحدود الروسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى التصدي للغرب الذي يريد تركيع روسيا وتحطيمها اقتصاديًّا وسياسيًّا ومجتمعيًّا، الأمر الذي يستوجب ضم الأقاليم الشرقية لأوكرانيا ذات الغالبية الروسية، حماية لتلك الأقليات من بطش النظام النازي في أوكرانيا.

والحقيقة أن الإدارة الإعلامية لهذا النزاع المسلح الدولي لم تسلم من الرقابة والتضييق والتقييد، حيث عملت الحكومة الروسية إلى حظر بث بعض القنوات التلفزيونية التي لا تتوافق مع الرواية الرسمية لبعض المصطلحات ووقائع ومجريات الحرب. فقد تفادت وسائل الإعلام التقليدية المختلفة استخدام عبارات معينة أثناء تغطيتها الإعلامية للحرب مثل «حرب وغزو»، حيث تعتبر روسيا تدخلها العسكري المباشر في أوكرانيا عملية عسكرية خاصَّة هدفها منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو وتقديم المساعدة للأقليات الروسية في شرق أوكرانيا وحمايتهم من الإبادة الجماعية «للنظام النازي» الأوكراني.

كما ينقل الإعلام الروسي التقليدي، بوسائله المتنوعة، معلومات مفادها أنَّ الجيش الروسي لا يستهدف المدنيين الأوكران، حيث يتمُّ إجلاؤهم إلى مناطق في الداخل الروسي وإلى دول مجاورة حماية لهم من خطر الهجمات المتبادلة بين طرفي النزاع، كما لا يتمُّ الاستهداف والتدمير المنظَّم للمدن بل يعمل الجيش الروسي والقوات الموالية له فقط باستهداف البنية التحتية العسكرية وكل المرافق الحيوية مصادر الطاقة والمصانع التي تُساهم في المجهود الحربي للجيش الأوكراني.

وبالمقابل يعمل الجيش الروسي، وفقًا لما تُروجه وسائل الإعلام التقليدي الروسية، على مواجهة الدعاية الغربية في كلِّ المجالات، العسكرية منها من خلال تكذيب المعلومات حول الخسائر الحقيقية العسكرية والبشرية للقوات الروسية، والاقتصادية منها من خلال تحمُّل تبعات العقوبات المدمِّرة المفروضة على روسيا، وإيجاد الحلول المناسبة لمواجهة حزمة العقوبات الغربية المتتالية، والحفاظ بذلك على استمرارية الإقتصاد الروسي. وبالإضافة إلى مواجهة الدعاية الغربية الشرسة يعمل الإعلام الروسي على انتهاج أسلوب «التعتيم» وإخفاء المعلومات الحقيقية حول حجم الخسائر العسكرية الروسية في هذا النزاع المسلح الدولي، وعدم نقل مشاهد أسر الجنود الروس أو الهجوم عليهم، وكذا مشاهد إسقاط الطائرات والتصدي للصواريخ الروسية من قِبلِ الدفاعات الأرضية الأوكرانية.

2.1. التغطية الروسية للنزاع المسلح من خلال الإعلام الرقمي

بالتوازي مع الإدارة عبر وسائل الإعلام التقليدي يشهد الإعلام الرقمي تطورا ملحوظا في هذا النزاع، حيث شكلت وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة وافدًا جديدًا في تدفق الأنباء والمعلومات حول مجريات الحرب ضمانًا لحقِّ المتلقي في الحصول على المعلومة من مصادر متنوعة ومن وجهات نظر مختلفة. والحقيقة أن الإعلام الروسي استغلَّ هذا النوع من وسائل الاتصال بما يخدم توجهاته، حيث تعمل الصحافة الموالية للحكومة على نشر فيديوهات وأفلام قصيرة حول انتصارات الجيش الروسي وتقدمه على مختلف جبهات القتال، ومشاهد حول استسلام القوات العسكرية الأوكرانية على نطاقٍ واسعٍ. ولهذا وصف النزاع الروسي-الأوكراني بأنه أول حرب شاملة عبر وسائل التواصل الإجتماعي (Suciu, 2022)، لما يُشكله استخدامها من تأثيرٍ لافتٍ على مجريات الحرب ونتائجها.

لقد عملت روسيا على محاولة كسب حرب المعلومات على الفضاء الرقمي بأي ثمن، حيث قامت بإنشاء العديد من المنصات الإعلامية الرقمية للترويج لأطروحاتها السياسية والعسكرية، ولمواجهة السياسيات العدائية الإعلامية الغربية بعيدًا عن كل معايير المهنية والموضوعية في تغطية النزاع المسلح الدولي.

ولعل أهم دليل على غياب المهنية الإعلامية هو قيام هيئة تنظيم وسائل الإعلام الروسية بفرض قيودٍ مشدَّدة على الوصول لمحتوى وسائل التواصل الإجتماعي من قِبل المواطنين الروس لاسيما «فايسبوك» و«تويتر» و«تيك توك»، كما قامت بحجب موقع «بي بي سي» ضمن مجموعةٍ من المنصات الإعلامية التي منعتها السلطات الروسية من البث على أراضيها بسبب الحرب الإعلامية الغربية ضد الإتحاد الروسي.

بالنسبة لروسيا، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي قناة أخرى يجب أن يتولد فيها «ضباب الحرب»، ذلك أن الحروب المختارة تشكل جريمة بحد ذاتها، وبقدرٍ ما لا يمكن إخفاء مسرح الجريمة، فعلى سبيل المثال تم إطلاق حملة لبث الشكوك حول الفظائع في بوتشا (Foer Franklin, 2022) وعدم تصديق كل ما يُرى، من خلال تقارير عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المسؤولين الروس لإنكار القصة وعكسها بالفعل في الخارج (Ciuriak, 2022).

وفي المجال التشريعي قامت السلطات الروسية بإصدار قانون حول «تجريم التضليل الإعلامي» بتاريخ 04/03/2022م ينصُّ على فرض عقوبات جنائية (Kirby, 2022)تصل إلى 10 سنوات وغرامات مالية باهظة تصل إلى 05 ملايين روبل روسي على كلِّ من يقوم بنشر معلومات مزيَّفة تمسُّ بسمعة الجيش الروسي أو تُخالف الرواية الرسمية الروسية لمجريات الحرب. ويُمكن تبيان أهم أدوات الحرب المعلوماتية الروسية، الحقيقة منها والمزيفة، من خلال مجموعة من النواقل نستعرض البعض منها على النحو التالي:

- الناقل APT 28 : ويتمثل هذا الناقل في مجموعة قنوات Telegram التي تنسبها دائرة الأمن الأوكرانية (SBU) إلى أصول عمليات المعلومات لمركز الخدمة الخاص الرئيسي الخامس والثمانين التابع لمديرية المخابرات الرئيسية التابعة لهيئة الأركان العامة الروسية (GRU)والمستمرَّة في نشر محتوى كل ما يتعلق بالنزاع الحالي.

ويرتكز نشاط هذه القنوات في الترويج لمحتوى يهدف إلى إضعاف ثقة الأوكرانيين في حكومتهم واستجابتها للغزو، وكذا تقويض الدعم المقدم لأوكرانيا من شركائها الغربيين (Wahlstrom, 2022)، والاستسلام الطوعي للقوات المسلحة الأوكرانية.

  • الناقل Ghostwriter : ومعناه الكاتب الشبح، ويتمثَّلُ هذا الناقل في عملية تجنيد كُتًّاب مجهولين يتقمَّصون شخصيات معينة من قِبلِ السلطات الروسية لنشر محتوى ملفق، مفاده الترويج لسرديات تهدف إلى إثارة عدم الثقة بين الأوكرانيين والحكومة البولندية، وكذا نشر مقالات تنتقد حلف الناتو وتواجده في دول البلطيق، مع إشارات متزايدة إلى أوكرانيا في هذا السياق (القرني، 2022، ص 18).

  • اختراق المنصات المعادية: وذلك من خلال تجنيد روسيا لقوات إلكترونية لمواجهة رواية الحرب من الطرف الأوكراني (القرني، 2022، ص 18) عبر المنصات الرقمية المعادية، حيث ضمت تلك القوات مراسلين ومبرمجين مختصين في المجال الرقمي والإلكتروني تعمل على تكذيب كل الإدعاءات الأوكرانية والغربية بخصوص مجريات الحرب. وكما سبق القول فإن هذا النزاع هو أول حرب إلكترونية شاملة وأول حرب للقراصنة تضم جهات فاعلة حكومية وغير حكومية تهاجم معلومات حول البنى التحتية للمقاتلين (Satariano, 2022).

  • الهجمات السيبرانية: وذلك من خلال عملية انخرطت بموجبها مجموعات «Hacktivist» المنشأة حديثًا، والتي لا تزال درجات انتمائها إلى الدولة الروسية غير معروفة، مثل Killnet وXaknet وRahDit، في نشاط تهديد على غرار القرصنة الإلكترونية لدعم روسيا، بما في ذلك رفض خدمة الموزع (DDoS) وعمليات الاختراق والتسريب وعمليات التشويه المختلفة (Wahlstrom, 2022).

والحقيقة أن الصراع الحالي في أوكرانيا أظهر مدى السرعة التي يُمكنُ بها توظيف المعلومات عن الأحداث اليومية من قِبلِ مجاميع القرصنة الروسية ومنفذي حرب المعلومات، وقلب الحقائق وتعديل المعلومات (القرني، 2022، ص21)، خاصة وأن الحرب في أوكرانيا أثبتت غياب المهنية والأخلاق بشكل غير مسبوق.

  • وسائل الإعلام الروسية السرية المرتبطة بالاستخبارات: وهي تلك المنافذ التي تقدم نفسها ككيانات مستقلة، ولكنها تشارك في نشر وتضخيم الروايات المؤيدة لروسيا والمتعلقة بالغزو. وتشمل هذه المنافذ وسائل الإعلام التي تم الإبلاغ عن ارتباطاتها بجهاز الاستخبارات الأجنبية التابع للاتحاد الروسي (SVR)وجهاز الأمن الفيدرالي للاتحاد الروسي (FSB) والمديرية الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي ( (Wahlstrom, 2022) (GRU.

2. التغطية الإعلامية الأوكرانية للنزاع المسلح

تناول الإعلام الأوكراني، بوسائله المتنوِّعة، الحرب الروسية- الأوكرانية بتغطية دائمة ومستمرة منذ الوهلة الأولى لبدء الهجوم الروسي على المناطق الشرقية لأوكرانيا، بل وقبل ذلك بكثير. حيث كان هذا الإعلام يشحن الرأي العام الأوكراني وقيادته السياسية والعسكرية بضرورة استرجاع شبه جزيرة القِرم التي ضمها الإتحاد الروسي لأراضيه سنة 2014م.

1.2. التغطية الأوكرانية للنزاع المسلح من خلال الإعلام التقليدي

على غرار الإعلام الروسي، فقد تناول الإعلام التقليدي الأوكراني بأدواته المختلفة مجريات الحرب على الأراضي الأوكرانية بتغطية إعلامية شاملة وقوية، حاول من خلالها كسب التأييد الدولي عمومًا والغربي على وجه الخصوص من جهة، وهدم الحالة المعنوية للشعب والجيش الروسيين من جهة أخرى، وذلك عن طريق بث أخبار وأفلام وثائقية حول الدمار الهائل الذي تُخلِّفه الهجمات الروسية، وأعداد اللاجئين الفارين من وطنهم في ظروف أقل ما يُقال عنها أنها غير إنسانية.

ولعلَّ أهم المسائل التي روَّج لها الإعلام التقليدي الأوكراني هو مسألة الإخلال الروسي بأهم مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة ذات الصلة بحفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك بشنِّه عدوانًا سافِرًا على مبدأ سيادة أوكرانيا والمساس بسلامتها الإقليمية، ممَّا يستوجبُ ردّ هذا العدوان وفق مقتضيات مبدأ الدفاع الشرعي.

أمَّا المسألة الثانية فتتعلَّقُ بالترويج للمساعدة الغربية بشتى أنواع الأسلحة لمواجهة التمدد الروسي، وهو ما نجح الأوكران في تحقيقه، حيثُ توالت المساعدات العسكرية الأوروبية والأمريكية، على وجه الخصوص، ممَّا ساهم في تحقيق تقدم ملموس على الكثير من جبهات القتال.

أمَّا المسألة الثالثة فتتعلَّقُ بفرض عقوبات صارمةٍ جدًّا ضد الإتحاد الروسي لخنق اقتصاده وحرمانه من إيرادات مالية ضخمة من شأنها المساهمة في المجهود الحربي للجيش الروسي، وهو بالفعل ما استجاب له الغرب بفرضه تسعة (09) حُزمٍ من العقوبات الإقتصادية على روسيا لتدمير اقتصادها.

وعلى الرغم من أن قِسمًا من الناس يشيد بعمل روسيا في أوكرانيا باعتباره « شرًا لا بد منه »، فقد كان هناك خلاف متزايد ضده من قِبل القسم الآخر، والسبب في ذلك إسقاط وسائل الإعلام الغربية للحرب على المشاعر الإنسانية، ومن الأمثلة على ذلك الإسقاطات الإعلامية للرئيس زيلينسكي، الذي غالبًا ما يستخدم المناشدات العاطفية لكسب دعم الدول المختلفة، خلال خطابه أمام الكونجرس، بدا محبطًا للغاية وعاطفيًا، فقد تحدث عن كيف أن الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا تشبه حادثة بيرل هاربور في أمريكا (Austin, 2022).

لقد وقع الإعلام التقليدي الأوكراني، كغيره من وسائل الإعلام، في فخ الكذب والتضليل الإعلامي الذي يتَّهم به الإعلام الروسي، حيث ابتعد عن المهنية والموضوعية والمصداقية في تغطيته للنزاع الروسي-الأوكراني، حيث عملت القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة على تبيان مخلفات الهجمات الروسية دون التطرق إلى عمليات التعذيب التي يرتكبها الجيش الأوكراني في حق الأسرى الروس والمدنيين الإنفصاليين في إقليمي لوغانسك ودونيستيك، ضف إلى ذلك أن تلك القنوات تستندُ إلى فيديوهات وصور لهواة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، والتي لا يُمكن الوثوق في صحتها بشكل قاطع.

وكما سبق القول فإن وسائل الإعلام التقليدية الأوكرانية لا تتحرَّى النزاهة في المعالجة الإعلامية لمجريات الحرب ووقائعها، ولا تُدقِّقُ في الحقائق عن طريق آلية المراقبة المباشرة للأحداث والأماكن المتضرِّرة قبل الإبلاغ عن أية معلومات ذات الصلة بالحرب. رغم أن المراقبة المباشرة داخل مناطق النزاع تُعتبر آلية حيوية للصحفيين ووسائل الإعلام لتحديد ما قد يكون صحيحًا وما قد يثبتُ أنه غير صحيح، ذلك أن المراقبة المباشرة لا تكتمل إلاَّ بالمقابلات مع المقاتلين والمدنيين، وفي مواقع اللجوء في البلدان المجاورة مثل بولندا (Pavlik, 2022). فما يكتبه الصحفيون وما ينقلونه، سعيًّا منهم وراء الحقيقة، هو المسودة الأولى لكتابة التاريخ (Pavlik, 2022).

2.2. التغطية الأوكرانية للنزاع المسلح من خلال الإعلام الرقمي

على غرار الإعلام التقليدي، فقد ساهم الإعلام الرقمي عبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، في التغطية المستمرة للنزاع الروسي-الأوكراني في محاولة منه لإيصال المعلومة في وقتها للشعب الأوكراني من جهة، ومواجهة الدعاية والتضليل الإعلامي الروسي من جهة أخرى، لأن الإعلام الرقمي كما سبق القول سلاح فعَّال في توجيه الحرب والتأثير على توجهات الرأي العام الداخلي والدولي.

بالنسبة لأوكرانيا، توفر وسائل التواصل الاجتماعي قنوات جديدة للحصول على معلومات حول سير الحرب في أجزاء صغيرة تخلق في النهاية فسيفساء لمستخدمي الإنترنت تصف التجربة من الحرب. بحيث يساعد هذا في الحفاظ على العزيمة الداخلية للمقاومة ويساعد في بناء الدعم الخارجي للمساعدة، فضلاً عن المساهمة المستمرة في السجل الوثائقي الذي سيشكل في نهاية المطاف الروايات التاريخية، ويدعم على الأرجح تهم جرائم الحرب (Ciuriak, 2022, p. 01) وما يترتب عن ذلك من مسؤولية قانونية جنائية ومدنية في حق الطرف المعتدي على قواعد القانون الدولي الإنساني.

والحقيقة أن اللجوء لاستغلال وسائل التواصل الإجتماعي لم يعُد مقتصرًا على الصحافة والهواة، بل امتد استغلاله إلى الحكومات والرؤساء أيضًا، وخير مثالٍ على ذلك حساب الرئيس الأمريكي على تويتر الذي يتابعه أكثر من 40 مليون شخص، وحساب الرئيس الأوكراني الذي ظل يطل على شعبه منذ بداية النزاع المسلح مع روسيا، لتكذيب الدعاية الروسية لهروبه أو الإنقلاب عليه أو سقوط نظامه من جهة، وتوجيه رسائل سياسية لزعماء العالم من أجل دعم أوكرانيا سياسيًّا وعسكريا من جهة أخرى. فوفقا لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فإن أوكرانيا نجحت في حرب المعلومات من خلال حملة التواصل القوية، التي أدَّت إلى تبرُّعات غربية كبيرة بالأسلحة ودعم واسع النطاق لعقوبات اقتصادية غير مسبوقة ضد روسيا (القرني، 2022، ص 22)، ولعلَّ تلك الإطلالات المسمرة على منصات التواصل الإجتماعي من قِبل الرئيس الأوكراني زيلينسكي زادت من الإلتفاف الشعبي حوله ورفعت من معنويات جنوده وضباطه على الخطوط الأمامية لجبهات القتال.

وفي إطار الحرب الرقمية والإلكترونية لجأ مهندسو الإعلام الآلي الأوكرانيين، ممن يتحكمون في تقنيات الإعلام والإتصال، إلى استغلال شبكات التواصل الإجتماعي من أجل ضبط مسار الحرب في اتجاه يخدم مصلحة وطنهم، وذلك من خلال فبركة صور وفيديوهات تُظهر بطولات أفراد القوات المسلحة الأوكرانية في إسقاط الطائرات والصواريخ الروسية، ونشر القصص العسكرية الدعائية حول ملاحم الجنود الأوكران في التصدي للقوات الروسية على الخطوط الأمامية لجبهات القتال، خاصة في ماريوبول وليمان وخاركييف وغيرها من المدن الأوكرانية، لإشعال الحماس في نفوس المواطنين الأوكرانيين وجعلهم يستميتون في الدفاع عن وطنهم.

هكذا إذن يُساهم الإعلام الرقمي في التأثير الشديد على مجريات الحرب من خلال منصات مثل : Twitterو Instagramو RedditوTelegram وTikTok، التي يُشارك الأوكرانيون الصور ومقاطع الفيديو والقصص الشخصية والبطولية عبرها، ذلك أن الأنترنيت لا يخضع للرقابة السيادية الدولة (Ciuriak, 2022, p. 03)كما هو الحال في روسيا، والتي عمدت إلى غلق الكثير من القنوات وحظر الكثير من المنصات التي لا تتوافق مع نظرة الحكومة الروسية للنزاع المسلح كما سبق وأن وضحنا ذلك سابقًا.

إن استغلال وسائل التواصل الإجتماعي، بمنصاتها المتنوعة، بموضوعية ومهنية يصنع وجهًا إنسانيًّا مرتبطًا بالحرب وآثارها، خالٍ من العبارات المُلطَّفة والمُعدَّة من قِبل الحكومات، والتحليلات الأكاديمية من قِبل الخبراء، وانتقائية الروايات التي تمَّ إنشاؤها (Ciuriak, 2022, pp. 03, 04)الأمر الذي يُمكن أن يجعل من الإعلام الرقمي بديلاً مستقبليًّا للإعلام التقليدي في إدارة الحروب والنزاعات المسلحة الدولية. ويُمكن تبيان أهم أدوات الحرب الإعلامية الأوكرانية ضد روسيا من خلال بعض المنصات الإلكترونية ومجاميع القرصنة على النحو التالي :

منصة « Telegram » المشفَّرة : وتُعدُّ هذه المنصة من أشهر وسائل التواصل الإجتماعي والأهم في أوكرانيا، حيثُ يستخدمها الرئيس الأوكراني في إطلالاته المستمرة على شعبه معتمدًا في ذلك على شفرات خاصة حماية لحسابه من الإختراق الروسي، خاصة في ظل الحرب السيبرانية المستعرة بين روسيا وأوكرانيا، وما يُخلِّفه الاستهداف السيبراني من شلل في جميع مناحي الحياة.
والحقيقة أن منصة « Telegram » أصبحت ساحة المعركة الرقمية الرئيسية في الحرب المعلوماتية بين الأوكران والروس، وما ساعد الحملات الإعلامية الأوكرانية هو انحياز أغلب المنصات الإجتماعية للطرف الأوكراني، مع حظر الرسائل ووسائل الإعلام الروسية (القرني، 2022، ص23)، ممَّا جعل الشعب الروسي منغلق معلوماتيًّا ولا يصله إلاَّ ما تُريده الحكومة الروسية من أنباء.

  • مجموعات القرصنة الإلكترونية: لمَّا كان الإعلام الإلكتروني يلعبُ دورا هامًّا في تغيير موازين القوة على الأرض، فقد لجأت الحكومة الأوكرانية إلى إنشاء مجموعات مختصة بتكنولوجيا الإعلام الآلي والاتصال مهمتها حماية المواقع الأوكرانية من المتسللين الموالين لروسيا، واختراق المواقع الرسمية الروسية ذات الأهمية الكبرى. حيث نجحت تلك المجموعات بالفعل في اختراق إدارة الرئاسة الروسية، البرلمان الروسي، وزارة الخارجية الروسية، والبريد الإلكتروني للمستشار الرسمي للرئيس الروسي، وبالمقابل تقوم هذه المجموعات بحماية المواقع الإلكترونية الأوكرانية وتعليم السكان كيفية التصدي للمتسللين الموالين لروسيا (القرني، 2022، ص 23،24).

ولعلَّ أهم المجموعات المختصة بالقرصنة والحرب السيبرانية الأوكرانية مجموعة « Hunta Cyber » ومجموعة « Handred8 Cyber » ومجموعة « Sector Null » وغيرها، ورغم أهمية هذه المجموعات في هذه الحرب إلاَّ أن المعطيات المحيطة بها والمعلومات المعروفة عنها قليلة جدًّا، خاصة من حيث هيكلتها أو أعضائها، ذلك أن الحكومة الأوكرانية تُحيطها بسرية تامة.

3. التغطية الإعلامية الغربية للنزاع المسلح

الحقيقة أن التغطية الإعلامية الغربية، التقليدية منها والرقمية، للنزاع المسلح الروسي-الأوكراني بدأت حتى قبل اندلاعه، وذلك من خلال التصريحات الرسمية والتحليلات الصحفية من قِبل كبريات وسائل الإعلام الغربية لاسيما الأمريكية منها، بطريقة توُحي بأن الغرب كان ينتظر الفرصة الملائمة للانتقام من روسيا وقيادتها واقتصادها، من خلال عزلها عن المشهد الدولي سياسيًّا وإضعافها من خلال حزمة من العقوبات المتتالية اقتصاديًّا.

فالصراع بين الغرب وروسيا، وإن تخلَّلته فترات تصالح وتوافق ظرفي ومصالح متبادلة، مستمرٌّ ولا يُمكن محو جذوره وخلفياته التاريخية الممتدَّة إلى حقبة الحرب الباردة بين الشرق والغرب. فتسريبات العملية العسكرية الخاصة الروسية قبل حدوثها يوحي أيضًا بوجود تعاون استراتيجي بين أجهزة الإستخبارات الغربية ووسائل الإعلام التقليدي ذات السمعة العالمية، وهذا ليس بالجديد في السياسة العسكرية الغربية، حيث لجأت الولايات المتحدة الأمريكية لهذا النهج في حروب عدَّة سابقة.

1.3. التغطية الغربية للنزاع المسلح من خلال الإعلام التقليدي

لقد عالج الإعلام الغربي التقليدي النزاع المسلح الروسي-الأوكراني بعنصريةٍ واضحةٍ وانحيازٍ فاضحٍ للطرف الأوكراني، حيث نقلت القنوات التلفزيونية والإذاعية الغربية ونشرت الصحف العديد من آراء المحللين العسكريين والسياسيين حول هذا النزاع المسلح، والتي انصبت كلها في خانة شيطنة القيادة الروسية وتشويه صورتها في العالم أجمع، وتحرض الدول الأخرى ضدها في محاولة يائسةٍ من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، إضعاف مكانة روسيا وإخراجها من دائرة التنافس العالمي كقطبٍ مهمٍّ من عالمٍ متعدِّدِ الأقطاب.

وفي هذا الصدد تفننت أهم الوسائل الإعلامية التقليدية الغربية في التباكي على أوكرانيا والشعب الأوكراني لجلب التعاطف الدولي حول هذه القضية. وبدت شبكات إعلامية ضخمة مثل «سي أن أن» الإخبارية، و«فوكس نيوز» و«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«دايلي نيوز» وغيرها، وكأنها تقود حملة منظمة للنيل من روسيا وشحن الرأي العام العالمي ضدها، بما يتجاوز الهدف الخاص بدفعها لوقف الحرب في أوكرانيا أو حتى التعاطف مع أوكرانيا وشعبها في مواجهة ما تصفه بالعدوان الروسي الذي تتعرض له (الحداد، 2022).

وبتحليل الحملة الإعلامية الغربية ضد روسيا تتضح المبالغة الكبيرة في وصف الأحداث، والانتقائية في تسليط الضوء على بعض الحوادث دون غيرها، متجنِّبةً الحياد والموضوعية في كثير من الأحيان (القرني، 2022، ص 25)، وهذا ما يتعارض مع المزاعم الغربية بانتهاج معايير النزاهة والحيادية في التغطية الإعلامية للحرب الروسية- الأوكرانية، رغم أن الغرب يتحمل جزءًا من مسؤولية إشعالها من خلال عدم النظر بجدية في تهدئة مخاوف روسيا من تمدُّدِ الناتو شرقًا (الحداد، 2022)، وما يُمثله ذلك من تهديدٍ فعليٍّ للأمن القومي الروسي.

لقد لعب الغرب ولا يزال دورًا رئيسيًّا في الاستثمار في الإعلام ومواجهة روسيا من حيث انتشار المعلومات، وذلك من خلال تمويل قنوات تعمل داخل المناطق المحظورة كما هو الحال بالنسبة لإذاعة أوروبا الحرَّة، أو من خلال حجب القنوات التلفزيونية والإذاعية الروسية لمنع مواطني الدول الغربية من الإطلاع على وجهة النظر الروسية بخصوص تفسير أسباب النزاع والمعلومات والتقارير ذات الصلة بسير العمليات العسكرية في أوكرانيا.

ولعلَّ أهم القنوات التي قام الغرب بحظرها نجد قناة «سبوتنيك» وقناة «روسيا اليوم» المملوكتين للحكومة الروسية والناطقتين بعدة لغات، قصد التأثير في الرأي العام الدولي عمومًا والغربي على وجه التحديد. وهذا ما يتعارض مع حقِّ المتلقي الغربي في معرفة الرأي والرأي الآخر، ويتعارض أيضًا مع حق الوصول للمعلومة المكفول في التشريعات الداخلية والدولية.

2.3. التغطية الغربية للنزاع المسلح من خلال الإعلام الرقمي

على غرار الإعلام التقليدي الغربي فإن الإعلام الرقمي لم يتخلف عن التغطية الإعلامية لهذا النزاع المسلح الدولي، وذلك من خلال نشر فيديوهات وتقارير باللغتين الإنجليزية والروسية عبر المنصات الرقمية لمختلف وسائل التواصل الإجتماعي، وذلك لسهولة الوصول إليها من أغلب المتلقين من دول العالم.

وبعيدًا عن المغالطات الغربية بخصوص حرية الإعلام والصحافة، قامت الشركات المسيرة لوسائل التواصل الإجتماعي المتنوعة بتقييد وحجب المنصات الرقمية عن العمل داخل الاتحاد الروسي، خاصة وأن دور الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬كان ‬أساسيا‭ ‬وحاسما منذ اندلاع النزاع المسلح الروسي- الأوكراني لما له من نفوذ واسعٍ جدًّا،‭ ‬وعلى‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقود هذا‭ ‬الصراع مع روسيا‭. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

إن حظر حرية التعبير لم يقتصر على وسائل الإعلام التقليدية فقط، ولكن أيضاً على الإعلام الجديد، فقد قام كل من YouTube وMeta بتقييد الوصول إلى المنافذ الروسية التي تديرها الدولة في أوكرانيا، كما ذكرت شركةMeta الأم لــ Facebookأنها ستمنع مؤقتاً بعض القنوات الروسية، بما في ذلك روسيا اليوم، من جني أرباح الإعلانات من محتواها. أما شركة تويتر، فقد أعلنت أنها ستضع علامة خاصة على المحتوى الذي تنشره وسائل الإعلام والمواقع المرتبطة بالحكومة الروسية (السعيد، 2022)، وهذا ما يُؤكِّدُ انتهاك الغرب لمبدأ حرية الرأي والتعبير الذي صدعوا العالم به وشنوا حروبا وأسقطوا أنظمة من أجل احترامه.

على جانب موازي، تعد المعلومات المضللة سلاح آخر ثقيل فى تأثيره، وجزء آخر من المعركة على الفضاء الرقمي، والتي أثبتت حرب أوكرانيا أهميتها فى التأثير على مسار الحرب، حيث رافق هذا الجهد عدد كبير من عمليات المعلومات المصممة لتقويض دعم الجمهور الروسي للحرب، بما في ذلك اختراق القنوات التلفزيونية الروسية لنشر محتوى مؤيد لأوكرانيا وتعطيل الرسائل من المتصيدين والروبوتات الروس (منتصر، 2022، ص 90)، وما يُصاحب ذلك من تأثير في بناء الرأي العام الروسي وضغطه على حكومته من أجل وقف الحرب.

إن الغرب، بكل تأكيد، لا يريد أن يرى روسيا قوية وذات تأثير على مسرح العلاقات الدولية، لأن ذلك من شأنه أن يُعيد هيبة هذه الدولة وبنائها على أمجاد الإتحاد السوفياتي. هذه الإدعاءات وغيرها تمَّ الترويج لها على مختلف القنوات التلفزيونية والإذاعية والمجلات الإعلامية والمنصات الرقمية الموجَّهة للداخل الروسي وللعالم الخارجي لاستمالة الرأي العام ومحاولة التأثير في بنائه، وكذا المساهمة الفعَّالة في تبيان وتنفيذ السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية، على اعتبار أن هذا النزاع المسلح سيؤدي لامحالة إلى تغيير النظام العالمي ككل.

خاتمة

إن استخدام وسائل الإعلام بكل صورها زمن السلم تختلف عن استخدامها في زمن الحرب، ذلك أن استخدام قوة الإعلام في نشر السلام قد تلاشت بسبب توجيه تلك القوة للاستخدام المتزايد في زمن الحروب والنزاعات المسحة الدولية وغير الدولية. ولعلَّ أحسن مثال على ذلك ما يجري حاليًّا بشأن التغطية الإعلامية للنزاع المسلَّح الروسي- الأوكراني، الذي شغل كل الصحافة المرئية والمكتوبة كل منصات التواصل الإجتماعي لما لهذا النزاع من آثار مسَّت غالبية دول العالم بشكل أو بآخر، بل ومن شأن استمرار هذا النزاع تغيير النظام العالمي ككل والوقوع في حرب كونية جديدة، خاصة إذا ما حدث الصدام المباشر بين الغرب ممثلاً في حلف الناتو من جهة وروسيا من جهة أخرى.

من كل ما تقدم توصلنا، من خلال هذا البحث، إلى مجموعة من النتائج يُمكن إبراز البعض منها على النحو التالي :

  • إن المتتبِّع لأطوار هذا النزاع المسلح منذ بداياته الأولى، بل وحتى قبل بدايته، يستشعر الدور البالغ الذي لعبه الإعلام، بصوره المتنوعة، في تأجيج الصراع بين الأطراف المعنية، من خلال ترويج كل طرف من الأطراف لأفكاره ومحاولته التأثير على الرأي العام الخارجي قبل الداخلي، وباستعمال كل الوسائل الإعلامية التقليدية منها والرقمية.

  • إنَّ الإعلام التقليدي عمل على التغطية الإعلامية للنزاع المسلح الروسي- الأوكراني بالتوازي مع الإعلام الرقمي، بل أن هذا الأخير لم يستطع رغم تطوره اللافت إلغاء دور الإعلام التقليدي، ذلك أن الإعلام التقليدي- رغم تحيُّزه لطرف على حساب طرف آخر- يبقى أكثر مصداقية لأن القائم بالاتصال مؤسسات إعلامية قائمة بذاتها، عمومية كانت أو خاصة، في حين أن القائم بالاتصال في الإعلام الرقمي مجرد أفراد أو ربما هواة ينشرون معلومات دون التحقُّقِ من مصداقيتها.

  • إن العلاقة بين الإعلام بوسائله التقليدية والرقمية من جهة والحروب والنزاعات المسلحة علاقة جدلية، بل علاقة تأثير وتأثُّر، فالإعلام يُؤثِّر في الحرب أو النزاع المسلح الدولي على مستويين، الأول على مستوى جبهات القتال من خلال التغطية المستمرة لمجريات الحرب، والثاني على مستوى بناء توجهات الرأي العام وكسب تعاطفه من خلال الدعاية والحرب النفسية. وبالمقابل تُؤثِّر الحرب أو النزاع المسلح الدولي في الإعلام من خلال تخصيص وسائل الإعلام المختلفة حيِّزًا زمنيًّا هامًّا من برامجها لنقل المعلومات والأخبار ذات الصلة بالحرب أو النزاع المسلَّح. ذلك أن مهمة وسائل الإعلام هي «إنتاج واقع الواقع» ورسم الوعي الجماعي للجمهور المتلقي حول موضوع النزاع محل التغطية الإعلامية.

  • إن الإعلام، من خلال وسائله المتنوعة، يملك سلطة إطالة أمد الحروب أو تقصيرها، فهو يُطيلها فعليًّا من خلال الصمت على أهوالها وخسائرها المادية والبشرية، أو القيام بحجب المعلومة والرقابة عليها ضمانًا لعدم وصولها للرأي العام، وبالتالي الحفاظ على توجهاته وعدم التأثير عليها. وبالمقابل تملك وسائل الإعلام سلطة تقصير أمد الحروب والنزاعات المسلحة الدولية وذلك من خلال التصدي للدعاية المُغرِضة وفضح مجريات الحرب، خاصة من جوانبها الإنسانية، بكلِّ الوسائل المتاحة ممَّا يُؤثِّرُ إيجابًا على الرأي العام، الذي يُطالب وقتها بإيقاف الحرب وإيجاد حلٍّ للنزاع المسلَّح محل التغطية الإعلامية.

باللغة العربية :

الحداد، يوسف جمعه الحداد.2022. « الإعلام كوسيلة من وسائل الحرب الروسية- الأوكرانية »، تاريخ النشر 03/04/2022م، تاريخ الإطلاع 31/12/2022م، على الرابط التالي :

- http://www.nationshield.ae/index.php/home/details/research/Y7aeh-3MKM.

-السعيد، نجاة. 2022. « الحرب في أوكرانيا والخطاب الإعلامي الغربي العنصري ». تاريخ النشر : 02 مارس 2022م، تاريخ الإطلاع : 31/12/2022م، على الرابط التالي :

-https://www.alhurra.com/different-angle/2022/03/02

القرني، أحمد بن ضيف الله. 2022. « حرب المعلومات في الأزمة الأوكرانية ». المعهد الدولي للدراسات الإيرانية. 2022.الرياض. ص 01-31.

منتصر، مروة صبحي. 2022. « الحرب الإلكترونية العالمية الأولى ». مجلة درع الوطن. 2022. العدد 611، السنة 51. الإمارات العربية المتحدة : وزارة الدفاع. ص 88- 91.

باللغة الفرنسية 

Austin, Paul.2022. « Role of Media in the Russia-Ukraine Crisis », The Kootneeti, 29/06/2022. Accessed28/12/2022.>https://thekootneeti.in/2022/06/29/role-of-media-in-the-russia-ukraine-crisis<

Ciuriak, Dan. 2022. « The Role of Social Media in Russia’s War on Ukraine », Ciuriak Consulting Inc, 08/04/2022, p02.

Conger Kate and Adam Satariano. 2022. “Volunteer Hackers Converge on Ukraine Conflict With No One in Charge.” The New York Times, 04 March 2022. Accessed 01/01/2023.>https://www.nytimes.com/2022/03/04/technology/ukraine-russia-hackers. html<.

Foer, Franklin. 2022. « The Horror of Bucha ». The Atlantic, 04 April 2022. Accessed 01/01/2023. >https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2022/04/russia-bucha-killings-war<

Kirby, Paul. 2022. « Russia’s state TV hit by stream of resignations ». 16 March 2022, Accessed 01/01/2023. >https:// www.bbc.co.uk/news/world-europe-60763494<.

Pavlik, John V. 2022. « The Russian War in Ukraine and the Implications for the News Media » Athens Journal of Mass Media and Communications.2022. Athens. Greece : p 01- 16.

Suciu, « Is Russia’s Invasion Of Ukraine The First Social Media War ? ». Forbes, 1March 2022. >https://www.forbes.com/sites/petersuciu/2022/03/01/is-russias-invasion-of-ukraine-the-first-social media-war>.

Wahlstrom, Alden and others. 2022. « The IO Offensive : Information Operations Surrounding the Russian Invasion of Ukraine, Mandiant ». May 19, 2022. Virginie, États-Unis : Accessed 01/01/2023. <www.mandiant.com/resources/blog/information-operations-surrounding-ukraine<

طالب ياسين

جامعة الجزائر3 Alger

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article