إشكالية ترجمة بعض الألفاظ الأمازيغية الواردة في النصوص الفرنسية إلى اللغة العربية

La traduction en arabe de quelques mots berbères présents dans des textes français

The Translation of Some Berber Words Found in French Texts into Arabic

بوزمبراك مريم Meriem Bouzembrak

Citer cet article

Référence électronique

بوزمبراك مريم Meriem Bouzembrak, « إشكالية ترجمة بعض الألفاظ الأمازيغية الواردة في النصوص الفرنسية إلى اللغة العربية », Aleph [En ligne], mis en ligne le 25 février 2024, consulté le 28 avril 2024. URL : https://aleph.edinum.org/11017

يحاول المقال التعرض إلى بعض الإشكاليات التي يطرحها ترجمة الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية وبالتحديد الجزء المتعلق بالثقافة الأمازيغية، هذا الإرث الأدبي القيّم الذي ظلّ ينتقل شفاهة من جيل إلى جيل ظهر في بعض الأعمال الأدبية لأدباء جزائريين عظام حاولوا الحفاظ عليه والتعريف به بين الثقافات والحضارات المختلفة.
ولقد جاءت هذه النصوص بوصف وسرد دقيق لأجواء الحياة والثقافة الأمازيغية بتوظيف لمختلف الرموز والعناصر التي تعكس عراقة وأصالة هذه الثقافة إلى حدّ توظيف وإستعمال بعض المفردات الأمازيغية التي قد يشكل نقلها إلى اللغة العربية صعوبة لغير الناطق بهذه اللغة وليس على دراية بمقوماتها الثقافية والحضارية وهذا ما سنحاول التطرق له في هذا المقال مع إعطاء لمحة عن واقع اللغة الأمازيغية، والترجمة منها وإليها في الجزائر في ظلّ الجهود المبذولة مؤخرا في سبيل ترقية هذه اللغة باعتبارها جزءا ومكوّنا من مكونات الهوية الوطنية.

The present paper discusses the translation of Algerian Literature written in French, namely the part dealing with The Amazigh Culture, this Literary heritage which has been transmitted orally from generation to generation appeared in some Literary works of some Algerian Novelists, who wanted to preserve this culture and introduce it to the World.
Besides describing the Amazigh Traditions, the way of life in the villages, the use of some Amazigh words could be a problem for translators who don’t speak the language and are not familiar with its culture, and in this paper we will try to encompass some of the issues related to that kind of translation and talk about the recent endeavors done by the Algerian Government in order to promote the Amazigh Culture and Language including the translation from and into this language.

مقدمة

تعتبر اللغة حلقة أساسية في سلسلة التواصل بين البشر مهما كان نوعها وتختلف اللغة من مكان إلى آخر وأحيانا من منطقة إلى أخرى وأدى هذا الثراء اللّغوي إلى ظهور ما يسمى بالترجمة.

يعدّ التنوع اللغوي حكمة إلاهية وظاهرة لسانية وخاصية إجتماعية ثقافية لا تميز وتفرّق فقط بين المجتمعات وتشكلّ هويتها وترمز إلى تميّزها وإختلافها عن باقي الأمم، بل قد نشهدها أحيانا في المجتمع الواحد يمارسها أبناء الوطن الواحد بحكم التاريخ الحضاري أو الإستعماري للمنطقة.

إنّ الحديث عن التنوع اللغوي يؤدي بالضرورة إلى تنوع ثقافي وبعض الإختلافات والفروقات في العادات والممارسات بين مستعملي أو الناطقين بلغات مختلفة حتى ولو تشاركوا القيّم والمبادئ والهوية ذاتها، ويعتبر المجتمع الجزائري مثالا عن أحد هذه المجتمعات الناطقة بأزيد من لغة والتي تزخر بتنوع ثقافي وتاريخي وحضاري لوّن شساعة أراضيها وطبع كل منطقة منها بحلّة تعكس عراقتها وامتدادها التاريخي وتأثرها وعلاقاتها بغيرها من الأمم.

لقد توالى على المجتمع الجزائري تاريخيا حضارات مختلفة وتواصل واحتك بغيرها لغايات متعددة وقد خلّفت هذه العلاقات آثارا في مختلف جوانب حياة الفرد الجزائري اكتسب البعض منها وتوارثه عبر الأجيال المختلفة ليصبح أحيانا جزءا من ممارساته الحياتية مثلما حدث مع اللغة الفرنسية التي أصبحت أثناء وبعد الإحتلال الفرنسي للجزائر وسيلة تعبير أدبية، وسيلة إثبات وجود وسيلة مقاومة وحفاظ على قيّم الهوية الوطنية التي حاول المستدمر الغربي طمسها بشتى السبل، إحترفها وأبدع من خلالها العديد من الأدباء الجزائريين الذين سطعت أسمائهم في الساحة الأدبية الجزائرية، العربية والدولية ومن بين هؤلاء الأدباء الذين كتبوا وأنتجوا باللغة الفرنسية أسماء كثيرة من منطقة القبائل حيث عبّروا عن الذات واللغة والثقافة الأمازيغية في أعمالهم الأدبية بلغة أجنبية تنتمي إلى ثقافة بعيدة وغريبة عن ثقافتهم الأصلية.

إنّ هذا الفعل الكتابي بحدّ ذاته يعتبر ترجمة، ترجمة لتفكير وأفكار وتعابير ورسائل أصلها لغة أخرى، وقد يتساءل الواحد منا هل بإمكان لغة وثقافة أخرى أن تستوعب أفكارا وقيّما أجنبية عنها، والحقيقة أنّه قد تستوعبها وقد يستعصي عنها أحيانا أن تتبناها أو بالأحرى أن يتقبلها المتلقي الذي قد يجدها غريبة عنه، وهذا هو واقع الترجمة وطبيعتها التي تعوّد ممارسها على هذا الشكل من العراقيل والصعوبات التي لا بدّ وأن تتكرر من نص إلى آخر وتخضع المترجم معها وتدفعه إلى قرارات وحلول يحاول من خلالها إٍرضاء الطرفين الذي ينقل منه والآخر الذي ينقل إليه، إلاّ أنّ الوضع هنا مختلف لأنّ صاحب النص هو الذي يقوم بترجمة أفكاره وله حرية التصرف والتعبير والتغيير إن لم يجد بديلا في ثقافة ولغة الآخر فيعبّر عن أفكاره ويوصل رسالته بالطريقة التي يجدها مناسبة لذلك لا رقيب عليه سوى أفكاره عكس المترجم الذي يكون مقيّدا بنص وأفكار وآراء ليست ملكه، لكن ومع هذا تبقى اللغة وسيلة وأداة تخاطب وتواصل ووعاء يحتوي الأفكار والمعاني المختلفة مهما كان نوعها وتمكّن ممارسها وتخوّله من التعبير بها و التواصل بغضّ النظر عن مصدر الرسالة أو الثقافة التي تنتمي إليها.

والإشكال الذي يطرح هنا مع ترجمة هذا النوع من النصوص هو ما مدى قدرة المترجم على نقل روح النص الأصلي وإستيعاب رموزه الثقافية ونقلها بأمانة خصوصا إذا تمت ترجمة هذه الأعمال إلى اللغة العربية من قبل غير الجزائريين حيث قد يستعصي عليهم أحيانا إعادة خلق ذلك الجوّ والخصوصية التي تطبع النص الأصلي والتي تعكس بدورها جمال وتميّز أجواء الحياة الثقافية الأمازيغية والتي تبرز عبر عاداتها وأعرافها وطقوسها الإحتفالية عن عراقة وأصالة الحضارة التي تنحدر منها، والحال أنّ تعسّر نقل هذه المفاهيم قد يقع فيها ويواجهها حتى المترجم الجزائري إن لم تكن له دراية واحتكاك بالثقافة الأمازيغية، لا سيما في حال توظيف بعض المفردات الأمازيغية في النص الروائي فيقع في الخلط والإلتباس الذي قد يضيّع ويشوّه ويحرّف معاني وجمال النص الأصلي، هذا إلى جانب ظهور وإنتعاش حركة الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية مؤخرا في الجزائر في خطى تهدف إلى ترقية اللغة الأمازيغية وتذكير وتعريف القارئ والمترجمين بوجود حركة ترجمية إلى هذه اللغة في سبيل إحياء وإغناء الأدب الأمازيغي بأعمال مطبوعة باللغة الأمازيغية وحثّهم على بذل المزيد من الجهود في هذا الميدان وإثراء هذا الأدب الذي اشتهر بكونه أدب شفاهي أكثر من كونه أدبا مكتوبا وسنحاول فيما يلي التطرق لهذه النقاط التي ذكرناها آنفا وإعطاء لمحة عن واقع الترجمة من وإلى هذه اللغة والثقافة في الجزائر

1. اللغة الأمازيغية في الجزائر

يعدّ الشعب الجزائري من شعوب المغرب التي شكّلت جزءا من التاريخ والحضارة الأمازيغية والذي لا يزال إلى يومنا هذا يشهد ويعيش هذه الأجواء الحضارية التي يحييها ويخلّدها سكان منطقة القبائل ويتوارثونها جيلا بعد جيل ويحافظون عليها ويتمسكون بها لا سيما اللغة الأمازيغية التي تشكّل أحد أعمدة وأسس هذه الحضارة والتي تعدّ لغة التخاطب والتحادث اليومي في المنطقة، يقول الأديب الجزائري واسيني الأعرج :

« الجزائر بلد مزدوج اللغة أساسا من حيث الإنتاج وثلاثي اللغة مع الأمازيغية ويؤكد مصطفى الأشرف في مقال نشرته جريدة الوطن الجزائري عام 1996 أنّ هناك أربعون بالمائة 40 % من سكان الجزائر يتحدثون الأمازيغية وستون بالمائة 60 % يتحدثون العربية »(خدام محند أوبلقاسم 2006ص :113)

وحسب آخر الإحصائيات فإنّ حوالي خمسة عشر مليون جزائري يتحدثون اللغة الأمازيغية بلهجاتها المختلفة في الجزائر، وقد بذلت جهود كبيرة في سبيل ترقية هذه اللغة والإعتراف بها وإعطائها المكانة التي تستحقها من حيث تدريسها وتعميم إستخدامها في المدارس والمراكز الرسمية وضمان انتشارها في كامل التراب الوطني لتعريف النشئ بها باعتبارها جزء من الهوية الوطنية ومصدر فخر واعتزاز وجب الحفاظ عليه.

وتعدّ الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية أحد هذه الخطوات والإجراءات التي يراد من خلالها إعادة إحياء هذه اللغة والثقافة وترقيتها والحفاظ عليها والتي انتعشت مؤخرا في الجزائر سواء كجهود فردية أو برعاية المحافظة السامية للغة الأمازيغية التي نشرت سنة 2015 ترجمتين لروايتي القلاع المتآكلة لمحمد ساري والأسود يليق بك لأحلام مستغانمي (حسب مقال نشره موقع الجزيرة نت بتاريخ 6 جانفي 2015)وغيرها من المبادرات الترجمية التي نظمت لها حتى بعض الجهات الرسمية كوزارة التربية الوطنية ووزارة النقل ووزارة الإتصال بالتعاون مع المحافظة السامية للغة الأمازيغية حسب ما أكّده الأمين العام لهذه المحافظة سي الهاشمي عصاد لإدخال هذه اللغة تدريجيا في الحياة اليومية للمواطن إلى جانب اللغة العربية واللغة الفرنسية حيث من شأن هذه الأعمال الترجمية أن تخدم الثقافة الأمازيغية وتسهم في التعريف بالتراث والأدب الأمازيغي ليس على المستوى الوطني فقط بل الدولي أيضا وأن تعمل على إثراء وتخليد وحفظ الأدب الأمازيغي الذي لم نعهده كثيرا بالشكل المكتوب.

2. الأدب الأمازيغي

لقد كان الأدب الأمازيغي إذن ينقل شفاهة ويتوارث جيلا بعد جيل ونحن هنا لا نهتم ببعض ما كتب باللغة البونيقية وبعدها باللّغة اللاتينية حسب شهادة المؤرخين حتّى وإن كانت هذه الأعمال تشكل تاريخيا نقطة إنطلاق الأدب الأمازيغي وفاتحة العمل الروائي عالميا كرواية الحمار الذهبي للكاتب والفيلسوف الأمازيغي« لوكيوس أبوليوس » المسمّى بأفولاي والتي تعدّ أوّل عمل روائي يصدر في تاريخ البشرية، بل ما يهمنا هو ما أنتج بعدها بعصور في الجزائر ومن إبداع كّتاب جزائريين ذوي أصول أمازيغية كفترة الاحتلال الفرنسي للجزائر حين أصبح الأفراد يتقنون أو أجبروا على إتقان لغة المستعمر إلى جانب اللغة العربية حيث شرع بعض الأدباء الجزائريين بالكتابة والتأليف باللّغة الفرنسية، بعد زمن ليس ببعيد من بداية التجربة الروائية في الجزائر، ككتاّب منطقة القبائل الذين تركوا بصمة فريدة وأثروا الكتابة والتراث الأدبي الجزائري بأعمال تشهد على التنوع والثراء الثقافي والحضاري الذي تزخر به الجزائر، وجاءت الكتابة بهذه اللغة لظروف وعوامل تاريخية وإيديولوجية ومثلما قال الكاتب الجزائري مولود فرعون« أكتب باللغة الفرنسية لكيى أقول للفرنسيين بأنّني لست فرنسيا » والشأن ذاته كان في بعض الدول المجاورة التي كانت تعاني بشاعة الإحتلال الغربي حيث أصبحت لغة المستعمر وسيلة وأداة للدفاع عن الهوية الوطنية ومحاربة محاولات طمس والقضاء على مقوّمات الهوية القومية وتشتيت الوحدة الوطنية للشعوب، وعودة للنصوص والمؤلفات الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية وتحديدا تلك التي أبدعها كتّاب منطقة القبائل فإنّ المطلّع على هذه النصوص سيجدها نصوصا أمازيغية مكتوبة بلغة أجنبية تحكي عن مظاهر وشكل الحياة الأمازيغية بعاداتها وأعرافها وخصوصياتها الثقافية والحضارية حتّى أنّك قد تجد في بعض الأعمال الروائية كرواية « إبن الفقير » للكاتب مولود فرعون كلمات أمازيغية مكتوبة بأحرف لاتينية، لعدم وجود مقابل للبعض من هذه المفردات في اللغة والثقافة الفرنسية ككلمة (نانا) التي أبقى عليها مثلما هي ونقلها إلى اللغة الفرنسية بهذا الشكل (Nana )(النسخة الصادرة سنة 2006ص :58) وهي كلمة تلقّب وتنادى بها المرأة ممن هم أصغر منها سنّا كرمز للتقدير والإحترام سواء كانت من العائلة أم لا، وعادة ما يتمّ مناداة العمة والخالة وزوجة الخال والعم وغيرهن من نساء العائلة بهذا اللقب، وكلمة (تاجمعت) التي نقلها ب(Tadjemait ص :15)وهي المكان الذي يلتقي فيه كبار وحكماء القرية للتفاوض والتشاور وحلّ ما يوجد من مشاكل في القرية، وكلمة (إيكوفان) التي نقلها ب (Ikoufans ص :20) وهي نوع من الجرار كبيرة الحجم يتم تخزين المؤن فيها من تين مجفف وحبوب وغيرها، وكلمة شواري التي نقلها بChouari) ص :52) وهو ما يوضع على ظهر الدابة لحمل الأثقال والمقتنيات المختلفة لمالكها على الطريق، وغيرها من المفردات الأمازيغية التي كان يعود ويفسرها للقارئ في الهامش، وإنّ إبقاء الكاتب لهذه الكلمات وتوظيفها في النص الفرنسي يعكس رغبته في كتابة نص بروح أمازيغية مهما اختلفت اللغة المستعملة لذلك، حتى أحيانا عند قراءة هذا النوع من النصوص يكاد القارئ ينسى أنّ النص مكتوب بلغة أجنبية بفعل وتأثير الوصف والأسلوب الفني المتميّز وطبيعة السرد والتوظيف اللغوي لمفردات أمازيغية ذات طابع وخصائص ثقافية تجعل القارئ يشعر ويعيش تلك اللحظات ويتعرف على أجواء الحياة في منطقة القبائل، كما أنّه مؤخرا أصبحنا نصادف أحيانا نصوصا مكتوبة باللغة الأمازيغية باستعمال الحرف اللاتيني كبعض القصص الموّجهة للأطفال وغالبا ما يتساءل الواحد منا عن وضع وحال ومصير هذه النصوص بعد الترجمة؟وهل تبقى تنبض بالروح الأمازيغية مثلما عهدناها في النسخ الأصلية؟

3. ترجمة الأدب الأمازيغي المكتوب باللغة الفرنسية

إنّ الترجمة تعرف باعتبارها حلاّ ووسيلة للتخاطب والتواصل بين الناطقين بأزيد من لغة واحدة ونظرا لقدم وعراقة هذه الممارسة وأهميتها فقد اجتهد المفكرون على مرّ الأزمان لإيجاد حلول للعديد من الإشكاليات التي تطرحها، وباعتبارها ممارسة لغوية واللغة بحر وفضاء شاسع له القدرة على إحتواء مختلف أشكال التفكير والتعبير فلا بدّ من وجود مقابل للرسالة التي يتم نقلها وترجمتها في اللغة والثقافة المقابلة ولهذا خصصت نظريات مختلفة تناسب النصوص والمواضيع المتنوعة وتساعد المترجم على تخطي العقبات التي يواجهها أثناء عمله مع بعض النصوص لا سيما الأدبية منها لما تحتويه من خصائص قد تختلف وتتباين من لغة إلى لغة أخرى ومن ثقافة إلى أخرى وهذا ما جعل الترجمة الأدبية تصنف من بين أصعب أنواع الترجمة لما تتطلّبه من ممارسها إلى جانب إتقان اللغة أن يكون ذو ذوق في الفن والأدب أن يترجم بإبداع، أن تكون له القدرة على إحياء وإعادة خلق نص مماثل في اللغة المنقول إليها.

وفيما يخص النصوص التي ذكرناها آنفا أي الأدب الأمازيغي المكتوب باللغة الفرنسية وإشكالية نقله إلى اللغة العربية فنرى بما أنّ النص كتب أساسا بلغة أجنبية وحافظ على طابعه الأمازيغي فإنّه يمكنه الحفاظ على هذه الخصوصية حتى عند نقله إلى اللغة العربية لما لا وهذه اللغة والثقافة أٌقرب للغة والثقافة الأمازيغية من اللغة الفرنسية، لكن للحفاظ على الروح والطابع الأمازيغي في النص العربي يجب على المترجم أن يكون ماهرا في توظيف الإمتيازات التي تخوّلها له بعض نظريات الترجمة التي تعنى بالنصوص ذات الخصائص الثقافية والدينية وأن يوظّفها لصالحه وصالح النص ولا يتم هذا إلاّ إذا كان المترجم مثله مثل الكاتب على دراية ومعرفة كبيرة باللغة والثقافة الأمازيغية أو على إتصال بشخص ذو دراية بهذه اللغة والثقافة ولهذا وجدت بعض الإختلافات في النسخ المترجمة لهذه الرواية التي قام بها مترجمون جزائريون وأشقاءنا من المترجمين العرب من الدول المجاورة.

إنّ إبقاء المؤلف للكلمات الأمازيغية في النص الفرنسي كان خيارا ورغبة منه لإعطاءه وإضفاء عليه الطابع والخصوصية الأمازيغية وإثبات قيّم وأًصالة الهوية الوطنية الجزائرية وإلاّ كان بإمكانه الإستغناء عن هذه المفردات وإستعمال أخرى فرنسية تتوافق والجوّ السردي للرواية، فقد كانت له الحرية التامة في التعبير والتأليف ومع هذا فقد إستخدم أحد التقنيات التي جاءت بها الأسلوبية المقارنة في الترجمة « لجان بول فيني وجان داربلنيه »(Jean Paul Vinay, Jean Darbelnet ( ألاّ وهو الإقتراض وهذه وسيلة بيد المترجم تساعده على إعادة خلق تلك الخصوصية الأمازيغية في نصه إلى جانب حلول تأتي بها نظريات أخرى كنظرية الترجمة الوظيفية لصاحبها هانز فيرمير (Hans.J.Vermeer)ونظرية التوطين والتغريب للورانس فينوتي وأنطوان بيرمان(Lawrence Venuti,Antoine Berman) التي تساعد المترجم إما على أمانة نقل الأصل أو أن تكون ترجمته قريبة ومقبولة لدى المتلقي، هذان الخياران اللّذان تنقسم بينهما جلّ الترجمات الأدبية والتي عادة ما يؤثر بها ويتحكم فيها طبيعة المتلقي (كالفئة المستهدفة مثلا) وثقافته التي تجعل المترجم يختار بين القرارين، وهذا الإشكال من شأنه أن يصادف حتى المترجم الذي ينقل من وإلى اللغة الأمازيغية هذه الحركة الترجمية التي انتعشت مؤخرا في الجزائر لا بدّ وأن تلتجأ إلى هذا النوع من النظريات المخصصة للترجمة الأدبية للتخفيف من بعض الصعوبات التي يصادفها المترجمون أثناء عملية النقل.

ومهما اختلفت الترجمات في إعادة خلق ونقل أجواء الحياة والثقافة الأمازيغية حيث من المتعارف أنّ النص الأدبي يقبل أكثر من ترجمة واحدة وكل مبادرة قد تأتي في حلّة فنية أدبية مختلفة عن سابقتها، لا يسعنا سوى تثمين هذه المبادرات الترجمية لدورها وأهميتها في الترويج للفكر والثقافة واللغة الأمازيغية وتوسيع مقروئيتها وعرضها وتقاسمها مع أكبر عدد ممكن من القراء، والتشجيع على تكثيف الترجمة في هذا الميدان باعتبارها من آليات تفعيل وترقية اللغة الأمازيغية وسبيلا للمزيد من البحوث والإكتشافات التي تخدم اللغة والثقافة الأمازيغية وتكشف البعد التاريخي والحضاري لها، تماشيا والجهود التي تقوم بها المحافظة السامية للغة الأمازيغية والسلطات المعنية في هذا الميدان.

أما في ما يتعلق ببعض الإشكاليات التي طرحت أُثناء ترجمة بعض الأعمال الأدبية من اللغة العربية إلى اللغة الأمازيغية كعدم وجود مفردات كافية في اللغة الأمازيغية أو بالأحرى عدم وجود مقابل لبعض المفردات العربية في اللغة الأمازيغية ومحاولة وضع أسس وقواعد لضبط عملية الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية، فنعتقد أنّه وبالتأكيد سيوجد مقابل لهذه المفردات أو بديل في اللغة الأمازيغية ولمعناها أيضا فالترجمة لا تعني الإلتصاق بالجانب والمفهوم الحرفي للكلمة، واللغة الأمازيغية كغيرها من اللغات حتى وان اشتهرت بالإستعمال الشفوي فقط فهذا لا يعني أنّه لا يمكن توظيفها في بعض الميادين العلمية والأدبية والناطقون بها ليسوا بمعزل عن هذه المجالات وإلاّ كيف لها أن تحقق لهم عملية التواصل وتحيا وتستمر طيلة هذه العصور وأقوى دليل على ذلك هو إستيعاب هذه اللغة وقدرتها على إحتواء ونقل معاني القرآن الكريم التي اعتاد الشيوخ على ممارستها شفاهة في السابق إلى الترجمات الكتابية لشيوخ أمثال سي الحاج محند الطيب وآيت منصور وكمال نايت زراد وغيرهم مستقبلا، أما في ما يخص وضع قواعد لضبط عملية الترجمة بين اللغتين فنعتقد أنّ ينطبق على اللغة الأمازيغية ما ينطبق على اللغات الأخرى من نظريات ترجمية ما يهم هو نقل المعنى من قبل مترجمين متمكنين من اللغتين بهدف إثراء اللغة الأمازيغية بمراجع مكتوبة وحفظ التراث الأمازيغي وتعزيز التواصل بينها وبين اللغات ليس فقط العربية بل حتى الأجنبية منها التي احتكت بها تاريخيا في ما مضى.

خاتمة

انطلاقا مما ذكرنا آنفا نجد أنّ :

  • إنّ ترجمة الأدب الأمازيغي المكتوب باللغة الفرنسية إلى اللغة العربية تتطلب من المترجم إلى جانب إتقان اللغتين المنقول منها والمنقول إليها، معرفة ودراية كبيرة بخصوصيات الثقافة الأمازيغية لا سيما في حال توظيف بعض المفردات الأمازيغية في النص الأًصلي.

  • إنّ الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية كغيرها من اللغات الأخرى لا تتطلب ابتكار قواعد ونظريات ترجمية حديثة بل تطبق عليها وتخضع لنظريات الترجمة المختلفة التي تستعمل في الترجمة للغات الأخرى.

  • إنّ ثراء وعراقة اللغة الأمازيغية يجعلها تقبل ترجمات مختلفة في ميادين متعددة .

  • إنّ نشاط حركة الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية التي تعرفها الجزائر مؤخرا من شأنها التعريف بهذا التراث الثقافي القيّم في الخارج وحفظه من الضياع وإثراءه بمضامين متنوعة تخدم القراء والباحثين في هذا القطاع.

  • يجب تكثيف حركة الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية وعدم الإقتصار على ميدان وقطاع واحد وتوظيف مختصين لضمان نجاح هذه العملية.

حسن محمد عبد الغني (1986) فن الترجمة في الأدب العربي، دار ومطابع المستقبل، القاهرة.

خدام محند أو بلقاسم (2006) معطيات أساسية عن الحضارة الأمازيغية، مطبعة دار خطاب، بودواو الجزائر.

غابريال كامبس (2010) ترجمة وتحقيق العربي عقون، في أصول بلاد البربر ماسينيسا أو بدايات التاريخ، دار الشمسية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلام، الجزائر.

محمد أمين عبد ربه وآخرون (2009) فن الترجمة والتنوع الثقافي، دار الكتاب الحديث، القاهرة.

محمد الديداوي (2000) الترجمة والتواصل، المركز الثقافي العربي، بيروت.

محمد عناني (2003) نظرية الترجمة الحديثة، ط1، دار نوبار للطباعة، القاهرة.

ترجمة الآداب إلى الأمازيغية تنتعش في الجزائر.https://colibris.link/FDs3O

Mouloud Feraoun (1960) Le Fils du Pauvre. Paris: Seuil

Vermeer, Hans (1989), cited and translated by Nord. Christiane, Translating as a Purposeful Activity, Manchester: St., Jerome,1997.

Vinay, J.P et Darbelnet. J (1989). La Stylistique Comparée du Français et de l’Anglais (méthode de traduction) Québec, Édition Beauchemin Idée.

بوزمبراك مريم Meriem Bouzembrak

, École nationale des sciences de la mer et l’aménagement du littoral

Articles du même auteur

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article