الإعلام الطبي والثقافة الصحية في الجزائر

Médias médicaux et promotion de la culture sanitaire en Algérie

Medical Media and the Promotion of Health Culture in Algeria

نجاة لحضيري Nadjet Lahdiri

Citer cet article

Référence électronique

نجاة لحضيري Nadjet Lahdiri, « الإعلام الطبي والثقافة الصحية في الجزائر », Aleph [En ligne], mis en ligne le 23 novembre 2024, consulté le 24 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/13237

يهدف هذا البحث إلى التعرف على وضع الإعلام الطبي في الجزائر ومدى إسهامه في نشر الثقافة الصحية، باعتبار أن الإعلام يسعى إلى توعية أفراد المجتمع حول مختلف القضايا والإشكالات، وخاصة في ظل المكانة الهامة التي تحتلها المعلومة الطبية في عصرنا الراهن، حيث لا يمكن تحقيق التطور دون التحكم في المعلومة وإيصالها في وقتها المناسب. بناءً على ذلك، طرحنا السؤال التالي : ما مدى إسهام الإعلام الطبي، باعتباره تخصصًا قائمًا بذاته، في نشر الثقافة الصحية داخل المجتمع الجزائري، مع تعزيز الوعي والتوجيه وتنمية المعرفة الصحية لدى الأفراد، في ظل الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية والثقافية للجزائر؟
تبيّن أن الإعلام الطبي يعود إلى فترات قديمة، حيث ارتبط ظهوره بتواصل الإنسان مع محيطه، خصوصًا في ظل انتشار الأوبئة والأمراض التي أثّرت على الصحة العامة بأشكالها المختلفة منذ العصور القديمة. وفي عصر تكنولوجيا المعلومات الحالي، تبرز ضرورة الاستثمار في الإعلام السمعي البصري من خلال إنشاء قنوات تلفزيونية عامة وخاصة تحت إشراف أطباء ومهنيين وممارسين مختصين، إضافة إلى إعلاميين مكوّنين في مجال الصحة. يهدف هذا الاستثمار إلى التحكم في الخارطة الصحية واستشراف تحديات الصحة العامة في الجزائر مستقبلاً.

Cet article a pour objectif d’analyser la situation des médias de la santé en Algérie et leur rôle dans la diffusion de la culture sanitaire, les médias jouant un rôle central dans la sensibilisation de la société aux diverses questions et problématiques. L’information médicale, occupant une place primordiale dans notre ère actuelle, ne peut contribuer au développement qu’à travers une gestion et une diffusion maîtrisées.
La question posée est donc la suivante : quelle est la contribution des médias de la santé, en tant que spécialité autonome, à la diffusion de la culture sanitaire au sein de la société algérienne, tout en créant des liens de sensibilisation et de guidage pour développer les connaissances sanitaires des individus, en tenant compte des spécificités géographiques, sociales et culturelles de l’Algérie ?
L’étude révèle que les médias de la santé existent depuis des temps anciens, leur apparition coïncidant avec la communication humaine face à la propagation des épidémies et des maladies qui ont affecté la santé publique sous différentes formes et à travers les époques. À l’ère du numérique, il devient impératif d’investir dans les médias audiovisuels en créant des chaînes télévisées publiques et privées sous la supervision de professionnels de santé et de médias spécialisés, afin de maîtriser la carte sanitaire et d’anticiper les défis de santé publique en Algérie.

This study aims to examine the status of medical media in Algeria and its contribution to the dissemination of health culture. Media plays a critical role in raising awareness on various issues within the community, particularly as medical information holds a significant position in our current era, which cannot evolve without efficient management and timely communication of information.
The core question addressed is : what is the contribution of medical media, as an independent specialization, to spreading health culture within Algerian society while fostering awareness and guidance to enhance health knowledge among individuals, considering Algeria’s geographic, social, and cultural specificities ?
The findings indicate that medical media is historically rooted, emerging alongside human communication, particularly during the spread of epidemics and diseases that have impacted public health in various ways since ancient times. In today’s digital era, it is essential to invest in audiovisual media by establishing public and private television channels under the supervision of healthcare professionals and media specialists. This investment aims to manage the health map effectively and anticipate public health challenges in Algeria.

مقدمة

تلعب وسائل الإعلام دورا هاما في الإخبار والتثقيف والتوجيه كما تسعى في تكوين الرأي العام حول قضية معينة. وتختلف مهمتها حسب طبيعة كل وسيلة إعلامية على حدى كما ترتبط وظائفها بالأهداف العامة التي تحددها منذ تأسيسها. حاليا يتفرع الإعلام إلى نوعين : تقليدي وجديد، ومنها تتفرع القنوات الإعلامية إلى : المكتوب، والمسموع والمرئي والرقمي تتفق كلها على طرائق وفنيات تحرير ونشر المضامين، وفق المعايير المهنية المتعارف عليها عالمياً، وهي مهمة القائم بالإعلام : الصحفي أو المحرر.

أدى تشعبت مواضيع المعالجة الاعلامية وتداخلت فيما بينها إلى معالجة ونشر مختلف المواضيع بتشعب مجالات الحياة التي تعني الفرد داخل مجتمعه، وبل وحتى تسخير وسائل إعلامية موضوعاتية تستهدف جمهورا معينا، لذلك ظهر الإعلام المتخصص الذي يتفرع بدوره موضوعاتيا إلى : الإعلام السياسي، الإعلام الرياضي، الإعلام الاقتصادي، والإعلام الطبي؛ فلكل مجال مواضيع ومختصين ومهتمين ومستهلكي المادة الإعلامية للوسيلة الإعلامية المتخصصة في مجال الطب.

تتوقف الرعاية الصحية في أي بلد على الثقافة الطبية للفرد والمجتمع معا، فكلما اتسعت معارف الفرد في المجال الصحي تجنب الإصابة بالأمراض والأوبئة، حيث تساهم التوعية والتنشئة والثقافة الصحية من خلال نشرها الواسع في تحقيق الرعاية الصحية؛ ولا تنتشر الثقافة الطبية بمعزل عن وسائل الإعلام التي تتولى مهمة التثقيف مع التوعية والتنشئة الصحية في المجال الطبي. وعليه، يستوقفنا الأمر للتساؤل حول مدى مساهمة الإعلام الطبي كتخصص قائم بذاته في نشر الثقافة الصحية على المجتمع مع خلق روابط التوعية والتوجيه مع تنمية المعرفة الصحية لدى الفرد الجزائري، في ظل السمات والخصوصيات الجغرافية، والاجتماعية والثقافية للجزائر؟

تنتج الورقة البحثية المنهج الوصفي والتحليلي والمسحي حول الإعلام الطبي من مختلف جوانبه الإخبارية والإعلامية والتوعوية والترويجية في ربطه بمدى استغلاله في الجزائر خلال الأزمات الصحية.

1. مفاهيم الإعلام الطبي والثقافة الصحية

1.1. مفهوم الإعلام الطبي

يعرف قاموس « رائد الطلاب » لفظ إعلام لغوياً استناداً على أصل الكلمة بكونها مفهوم قائم على فعل « (ع ل م) : مصدر أعلم » (مسعود، 1984 : 108)، وهي كلمة أصلها لاتيني : « (informare) التي تعني إعطاء حل أو شكل وجذرها الفعل : (informer) علم ويعني نقل خبر متوقع، ويصبح الإعلام عملية تلقف أو منح المعرفة ونقلها عن واقعة ما. » (أبو سمرة، 2007 : 16). ومن حيث الدور يعني « تلك العملية التي يترتب عليها نشر الأخبار والمعلومات التي ترتكز على الصدق والصراحة ومخاطبة عقول الجماهير وعواطفهم والارتقاء بمستوى الرأي. ويعني أيضا بمفهومه التقني :  »أجهزة الدعاية والتوجيه والإرشاد كالراديو والتلفزيون والصحافة ونحوها.«  (الخوري، 2007 : 77). وعٌرف من حيث طبيعة العمل ب »العمل في الجريدة، المجلة، الراديو أو التلفزيون، في مداومة فدرها 365 يوم و24 ساعة، وهي العملية المطبقة عبر مختلف أنحاء العالم«  (Niblock, 1996 : 1)

نظراً لتشعب مجالات الحياة في ظل التطور الفكري والتكنولوجي وتغير نمط الحياة للإنسان داخل مجتمعه، سعت الصحافة خاصة والوسائل الإعلامية بمختلف قنواتها بشكل عام في تفسير الظواهر والأحداث الواقعة وتحليلها مع تقديمها للجمهور الواسع التي تتنوع من سياسة، اقتصاد، ثقافة وواقع المجتمع المعاش، أضحت الضرورة ملحة لاستحداث صحافة متخصصة، في أي مجال من المجالات وهي غالبا ما تكون موجهة للجمهور المناسب. ولأن الصحة هي تاج الكائن البشري، فإن ظهور الإعلام الطبي أمراً مفروغاً منه لمعالجة الظاهرة الصحية داخل المجتمع بكل تأثيراتها وتداعياتها من خلال نشر الوعي الصحي والثقافة الطبية والإلمام بكل المسائل الأخرى المتعلقة بها.

جاء الإعلام الطبي انطلاقا من ضرورة التخصص الموضوعاتي للوسائل الإعلامية المهتمة بعالم الطب بمختلف تداعياته : الأمراض، والأوبئة، والأدوية، والإرشادات والاستشارات الطبية مع الإعلان عن أدوية مصنعة تقي أو تعالج مرض معين مهما بلغت درجة انتشاره أو خطورته على الفرد والمجتمع معا، واستجابة لحاجة الفرد للمعلومة الطبية وفي مجال الصحة العمومية. ويشير الإعلام الطبي إلى ذلك الإعلام المتخصص في مجال الطب والصحة العامة، يسعى في نشر مختلف البيانات والمعلومات والمضامين التي تهم الجمهور، القارئ، أو المواطن في مجال الصحة بمختلف أشكالها، وأسبابها، وتداعياتها، كالأمراض والأوبئة ... وغيرها. و »يهدف الإعلام الطبي الإعلام، التعليم، الإقناع أو الإغراء، الترفيه، المشاركة الاجتماعية، الحث المباشر أو التحفيز، الحوار والجدل وترقية الثقافة.«  (أبو سمرة، 2007 : 20 بالتصرف)؛  »ويشمل المجالات الآتية : الأمومة والطفولة، الخصوبة، الأمراض السارية، الأمراض المعدية، الأمراض المزمنة، الأوبئة، تلوث البيئة، الحالات الطارئة.«  (أبو سمرة، 2007 : 30، 32 بالتصرف).

كلما تقدم الإنسان علمياً وتكنولوجياً علاوة على تنامي الثقافة الاستهلاكية وتطورها سنحت في ظهور أمراض وأوبئة جديدة، مما يستدعي السعي في إرساء وتطوير تخصص طبي جديد في علاقته بالإعلام بمختلف قنواته حسب وتيرة الحياة المتطورة والمتقلبة في الوقت ذاته، وهو ما يعرف بالإعلام الطبي، الذي يسعى إلى نشر الثقافة الطبية مع مختلف البيانات والمعلومات المتعلقة بالصحة العامة، لذلك  »تلعب وسائل الإعلام من صحف وإذاعة وتلفزيون دورا هاما في التوعية والإرشاد والتثقيف الصحي.«  (أبو سمرة، 2007 : 20 بالتصرف)

2.1. مفهوم الثقافة الصحية

تطبق مختلف حكومات دول العالم سياسات تستهدف التحكم في الوضع الصحي من خلال تسخير إمكانيات مادية وبشرية مناسبة يتم العمل بها وفق فترات زمنية مناسبة بهدف خلق بيئة صحية داخل المجتمع مع محاولاتها منع أو تجنب تفشي أي أمراض أو أوبئة سواء كانت قديمة أم جديدة. ومن أهم الخطوات التي تعتمد عليها هي نشر الثقافة الصحية عبر عدة قنوات اتصالية، داخل مؤسسات التنشئة الاجتماعية والفضاءات العمومية ذات صلة بالصحة والآهلة بالساكنة.

تٌعرف الثقافة الصحية ب »العملية التي نستخدم فيها وسائل التعليم والاتصال لكي ننقل للناس (الافراد والمجتمعات) المعرفة حيال الوقاية من الأمراض وعلاجها، بحيث يمكنهم استخدام هذه المعرفة لتطوير صحتهم وصحة أسرهم ومجتمعاتهم.«  (باريان، 1425ه : 38) والتثقيف الصحي هو  »الرعاية الصحية الذي يعنى بتحسين السلوك الصحي ويعتمد على إيصال الرسائل الصحية إلى أفراد المجتمع بطريقة تساعدهم على تغيير عاداتهم الخاطئة بما يضمن صحتهم وسلامتهم من الأخطار الناجمة عن الأمراض، فوسائل التثقيف الصحي متعددة ولكل واحدة منها مزاياها، وتعتبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها أهمها لكونها تصل إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص.«  (رجائي حسين، 1982 : 69) وقد أضحى للطب  »في وسائل الإعلام المعاصرة مكانة أساسية ومرموقة، فلا تكاد تخلو صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية أو شهرية من أبواب أو مقالات أو أبحاث أو أخبار طبية« . (رجائي حسين، 1982 : 169) لذلك فإن الإعلام اليوم مٌطالب ب  »استغلال جميع وسائله من خلال التوعية الصحية بطريقة مخلصة لتوضيح كثير من التساؤلات التي قد تسبب في مزيد من البلبلة عن جمهور العامة بالذات كتحديد النسل، الرضاعة الطبية وأساليب التغذية الصحية.«  (رجائي حسين، 1982 : 224) وتمنح الثقافة الصحية لكل فرد فرصة اتخاذ قرارات تعيد عليه بالنفع الصحي في حياته اليومية. من جهتها ربطت منظمة الصحة العالمية الثقافة الصحية بمفهوم التربية الصحية التي عرفته بكونها  »عملية تربوية تتحقق عن طريقها تغيير مفاهيم واتجاهات وسلوك الشعب الصحي، بما يؤدي إلى الوقاية من الأمراض والمحافظة على الصحة وتحسينها.«  (الحفناوي، 2014، ص 134).

انطلاقا من تعريف الثقافة الصحية يتبين أن المجتمع بمختلف فئاته لا يستطيع الإلمام بكل جوانب المرض والصحة مع أساليب الوقاية اللازمة دون الاستنجاد بوسائل الإعلام، التي تدخل البيوت لتنشر الوعي الصحي بمختلف اللغات والأساليب مع تباين قنواتها الإعلامية والاتصالية. ففي الوقت التي تعتمد فيه طبقات عريضة من المجتمع غير المثقف ومحدودي المؤهل العلمي على الوسائل الإعلامية الجماهيرية كالتلفزيون مثلا، عبر الحملات التحسيسية ذات المنفعة العامة والحصص الطبية الموجهة للجمهور الواسع، التي تستضيف فيها أطباء وأخصائيون لمختلف الأمراض الذين يتشارك معهم الجمهور عبر المكالمات الهاتفية المباشرة مما يحدث التفاعل بين القائم الاتصال المرسل للمعلومة الطبية والجمهور المتلقي، باعتبار هذه البرامج مباشرة، وترتكز بالدرجة على بساطة اللغة والتواصل من أجل خلق التفاعل بين المرسل ومستقبل الرسالة في المجال الصحي باعتماد اللغة العربية العامية كلغة التواصل مما يساعد على توصيل الأفكار بكل يسر وسهولة. كما يٌعول كذلك على البرامج الإذاعية التي تستند على الطاقات الصوتية القوية أو الناعمة مع الأداء المحترف في نقل الأفكار والمعلومات عبر البرامج الطبية المباشرة، أيضا، والتي تعتمد بدورها على التواصل عبر الهاتف على المباشر لإحداث التفاعل ونشر الثقافة الصحية على نطاق واسع، بخاصة أن أجهزة الراديو تمتلكها العائلات في كل أرجاء الجزائر بما فيها المناطق النائية والمعزولة، مما يساعدها في تجسيد حملات التحسيس والتوعية الصحية وإتاحة التثقيف الطبي لهذه الفئة.

من جهتها، تستقطب الصحافة المكتوبة القراء ذو مستوى تعليمي معين، وتخصص الصحف المهتمة بالشأن الطبي صفحات كاملة أو جزءا منها، لنشر أخبار حول مختلف الأمراض المعروفة منها أو الجديدة كما تقوم بإعلام القارئ أو متصفح مضامينها عن أدوية جديدة واكتشافات طبية حديثة؛ لذلك نجدها استٌغلت بشكل كبير في نشر الوعي الصحي على الجمهور المتلقي. ومع الثورة الرقمية الحاصلة في الوسائل الاتصالية، أضحت المعلومة مهما كان طابعها عامة والطبية خاصة ملك لكل من يملك سواء جهاز الكومبيوتر، أو الهاتف المحمول أو اللوحة الإلكترونية، أو كلها مجتمعة. مما فسح المجال غير المحدود زمانياً ومكانياً لتلقي المعلومة الطبية والاستفسار عن المسائل الصحية المتشعبة وحول جديد عالم الأمراض وسبل الوقاية منها. وقد أضحى الإبحار على النت الخطوة المقررة متى وكيف يحصل المستخدم على المعلومة الطبية، وطرق الاستفادة منها وأشكال نشرها المختلفة.

ولتعدد قنوات الإعلام المكتوبة والمنطوقة والسمعية والبصرية الكلاسيكية منها أو الرقمية، نجد إلى جانبها الملصقات الإشهارية الخاصة بالإعلان والترويج سواء لمنتوجات أو معدات طبية أو إرشادات صحية من شأنها تنمية ونشر الوعي الصحي عبر الفضاءات العامة كالطرقات والإدارات العمومية وبقية مؤسسات التربية التنشئة الاجتماعية وأخرى؛ باعتبارها تساهم بشكل كبير في نشر المعلومة الطبية والثقافة الصحية في مجتمع أضحى يعتني كثيرا بما يٌدعى بثقافة الصورة والألوان ومختلف المؤثرات الأخرى كتقنيات مهنية وعملية تستخدم في هذه الملصقات بهدف إقناع الجمهور المتلقي، لذلك نجدها واسعة الاستخدام في الجزائر خلال تنظيم الحملات التحسيسية والتوعية في مجال الصحة والمرض أو الأزمات الصحية بشكل عام، بكون الصورة لا تحتاج إلى مستوى ثقافي لفهمها لأن الصورة تدعم العملية الإعلامية والاتصالية وتضمن فهم الرسالة من طرف أكبر قدر ممكن من الجمهور المتلقي أو المتصفح لها؛ فهي غالبا ما تكون مكملة للموضوع وأحيانا أخرى تعبر عنه بشكل لا تحتاج لأي تعليق أو مقال مفسر أو مكمل له.  »يعود استخدام الصورة في الوسائل الإعلامية إلى مئات السنين، بدءا بالصحافة المكتوبة بكونها عنصرا مكملا للمادة الإعلامية لتستخدم بعدها في التلفزيون الوسائل الإعلامية الرقمية«  (Lahdiri, 2022 : 631) كما أن فهم مضمون الصورة في وسائل الإعلام يعتمد على فهمنا لهذه الوسائل وآلية عملها وتكوينها للرسائل التي ينبغي إيصالها إلى المتلقي (الناظر والقارئ). كما تلعب الصورة في الإعلام والاتصال دورا كبيرا إذ يقال :  »الصورة أبلغ من ألف كلمة« ، حيث تستخدم كثيرا في الوسائل الإعلامية لأن لغة الصورة تفهم من قبل المتعلم وغير المتعلم، كما أن الألوان التي تحويها تحمل دلالات رمزية وواقعية بكونها تنقل الواقعة كما حدثت مما يٌسهل لها تحقيق عدة وظائف : إخبارية، إقناعية، مع تبليغ بيانات شاملة ضمن الرسالة المرسلة.

2. الإعلام الطبي في الجزائر : تحليل واستقراء

1.2. الإعلام الطبي والتثقيف الصحي في الجزائر

يستند التثقيف الصحي على توفر كم هائل من المعلومات المتلقة بالأمراض والصحة ومن حيث المسببات وأشكال وسبل الوقاية منها. وعليه يٌعد تسخير الإعلام لتولي هذه المهمة ضرورة وحتمية لابد منها خاصة في المجتمعات النامية. وتبقى الحملات التحسيسية المكملة للإعلام الطبي أمرا مفروغ منه لتفادي الأمراض بمختلف أنواعها خاصة المعدية منها، كما تساهم في نشر الوعي الصحي وسبل الوقاية كطرق النظافة والوسائل الملائمة لذلك. وغالبا ما تكون هذه الحملات على مستوى الأسر، المؤسسات التربوية ومختلف التجمعات السكانية التي تشهد زيادة معتبرة في عدد السكان تتسم بمحدودية المستوى الدراسي الوعي.

انطلاقا من مقولة :  »كان الطب مشتتا فجمعه الرازي وناقصا فأتمه ابن سينا« ، سعت مختلف الحضارات القديمة إلى نقل الأحداث والمعلومات الطبية وتسجيلها كما دأبت على تفسير الأمراض وتقديم علاجاتها وطرق الوقاية منها. فليست الكتب والمخطوطات التي احتوت في طياتها على المعلومات الطبية فحسب، بل تعتبر الوسائل الإعلامية، في الوقت الحالي، فاعلاً هاما في صنع المعلومة الطبية، وتفسيرها بمختلف أبعادها، من خلال إشراك الفاعلين الأساسيين في عالم الطب (أطباء وأخصائيين) بهدف نشر الوعي الصحي والتربية الطبية والصحية الصحيحة في الجزائر.

في الجزائر سعت الوسائل الإعلامية بمختلف قنواتها للاستفسار والولوج في عالم الطب والأمراض، بهدف الإعلام والتوجيه، والتثقيف ونشر الوعي الصحي؛ ولكون مهمة الإعلام الرئيسية تنحصر في الإعلام، والتثقيف والتوجيه، فإن تكريسها لجزء من مضامينها لمجال الصحة العامة والطب بكل معانيه كان حتمية لا مفر منها. لذلك تجند كل من التلفزيون، والإذاعة الوطنية والجهوية وكذا المحلية مع الصحافة المكتوبة العمومية والخاصة لمعالجة المعلومة الطبية وبقية المضامين الأخرى المتعلقة بالأمراض وسبل الوقاية منها أو علاجها. ففي الوقت الذي خصص فيه التلفزيون الجزائري حصة مباشرة موسومة ب  »إرشادات طبية« ، من جهتها تبث القناة الاذاعية الأولى الناطقة باللغة العربية برنامج  »صحة وعلوم«  على العاشرة صباح كل يوم أربعاء بمعدل ساعة كاملة من البث الحي وفي نفس السياق تبث حصة أخرى باسم :  »الغذاء الموزون«  على الساعة 09.20 من كل يوم ثلاثاء (خصصت لها حوالي 40 دقيقة من البث الحي). وعليه فان هذه القناة تخصص مدة ساعة وأربعين دقيقة من كل أسبوع للصحة ومعالجة المواضيع الصحية عبر البث الحي وإشراك كل الفاعلين في مجال الطب والصحة مع جمهور المستمعين. من جانبها تبث الإذاعة الجزائرية الدولية حصة أسبوعية يوم الاثنين من كل أسبوع برنامج :  »مجلة الصحة«  بالبث الحي مدة 12 د باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى حصة أخرى باللغة العربية تحت عنوان :  »ألف صحة«  كل يوم أربعاء على الساعة :11.03 د تدوم حوالي نصف ساعة من البث الحي. والأمر نفسه بالنسبة للإعلام الجواري المتمثل في الإذاعات الجهوية والمحلية المنتشرة في الجزائر بغض النظر عن تلك المحطات الإذاعية المتواجدة بالجزائر العاصمة ومنها الاذاعات الوطنية، من خلال سعيها في نشر الثقافة الطبية والوعي الصحي عبر حصص وبرامج خاصة مع الاستشارات الطبية.

أما الصحافة المكتوبة التي تتفرع في الجزائر الى عمومية وخاصة، والتي شهدت تطورا ملحوظا في الشكل والمضمون وحتى في الممارسة المهنية منذ الاستقلال فتخصص مساحات هامة للمواضيع الصحية والمسائل الطبية التي تعني جمهور القراء. إذ خصصت يومية  »الشعب«  الصادرة باللغة العربية ركن بعنوان :  »صحة«  تنشر فيه مواضيع عن الصحة، والمرض والوقاية منها ضمن أخبار وتقارير، وحوارات... وغيرها؛ كما تخصص صفحاتها لإسهامات الفاعلين المختصين في الطب والصحة العمومية بهدف نشر التوعية الصحية وتيسير الثقافة الصحية في صفوف القراء مرة في الأسبوع تتراوح من موضوعين إلى ثلاثة مواضيع تتنوع ما بين التعريفية منها، الإرشادية والتوعوية، تتخللها في بعض الأحيان أحاديث صحفية حول موضوع صحي أو طبي. كما تنشر يومية  »المجاهد«  الصادرة باللغة الفرنسية بشكل دوري في ركن الصحة مواضيع صحية متنوعة، أيضا، منها الأمراض، والأخبار الصحية، وأحاديث وحوارات صحفية مع مختصين في الصحة وملخصات عن ندوات ونقاشات علمية في مجال الصحة والمرض.

فيما يتعلق بالصحف المكتوبة الخاصة، تنشر من جهتها يومية  »الخبر«  أخبار ومواضيع صحية متنوعة. وكذلك الأمر بالنسبة ليومية  »الوطن«  الصادرة باللغة الفرنسية التي تسهر على نشر المواضيع الصحية أسبوعيا في ركن أسبوعي بمسمى :  »صحة« ، تشمل مقالات صحفية، أخبار، تقارير عن ندوات وطنية و دولية عن الصحة؛ كما تسعى في عقد حوارات مع مختصين في الصحة، وهي بالتالي تقدم مادة دسمة موجهة بالأساس إلى المختصين في الصحة بالدرجة الأولى ثم الجمهور المعني والذي له رصيد معرفي ولغوي يمكنه من استيعاب أسلوب هذه الصحيفة.

وقد بين المسح اليومي لمختلف الصحف الجزائرية بمختلف لغات صدورها وتوجهاتها ونوعية مضامينها، بصفتها صحف إخبارية وطنية تهتم بالإخبار بالدرجة الأولى، أنها تولي الأولوية للمواضيع السياسة، لتليها بقية المواضيع الأخرى بدرجات متفاوتة كل حسب السبق الصحفي المحقق وأهمية الموضوع المطروح خاصة إذا كان يشكل موضوع حديث الساعة؛ لكن في ظل الأزمة الصحية المتمثلة في تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19)، فلقد أضحت الجائحة تحتل مساحات هامة من صفحاتها، وقد اعتمدت في ذلك على معيار الآنية مع نشر الأخبار بنسب عالية على حساب الأنواع الصحفية الأخرى، وبخاصة وأن الإعلام في ظل الأزمات يقوم بدورين :  »إخباري وتوجيهي« . (أشرف السعيد، 2011 : 103)

ومن الإعلام الإلكتروني المتخصص نجد مواقع الانترنت المتعلقة بالمجال الطبي كموقع :  »الصحة 2«  وهو موقع إلكتروني متخصص في الصحة والأمراض، موجه بالأساس للتعامل مع المعلومات الطبية لإعلام (المرضى وأولياء أمورهم)، ومديري المرافق الصحية (المستوصفات والمستشفيات)، العاملين في مجال الصحة (الممارسين، جميع الهيئات والموظفين الفنيين والإداريين) والمصنعين والمستوردين والموزعين من الأدوية والمعدات الطبية وطلاب الطب والمعلمين من كلية الطب وأولئك الذين يرغبون في الاستفسار عن مسألة تتعلق بالصحة. يشرف عليه يوميا لجنة علمية مختصة بهدف إيصال المعلومات الطبية الموثوقة والتي ينتظرها الجمهور المهتم. فاستناداً على المحتوى والمعلومات الرائجة عبر هذا الموقع المتخصص نجدها موجهة إلى مختلف الشرائح الاجتماعية : الشباب، الأمومة والطفولة، والشيخوخة، والأمراض المزمنة، الدورية والنادرة كما تقدم معلومات هامة ودقيقة في عالم الطب. ينشر هذا الموقع مضامينه باللغة الفرنسية كما يحتوي على عدة أركان : الأخبار، برقية ذاكرة، عيادة خاصة، بطاقة المريض، دليل الأدوية، دليل الاستشارات، مفكرة علمية... وأخرى تعني كلها بالطب والصحة العامة.

إلى جانب هذا الموقع الطبي المتخصص نحصي مواقع أخرى تهتم بالطب والصحة لكن بمعالجات أخرى بعيدة عن الإعلام والتوعية؛ تستند على التعليم والترويج للمادة أو الرسالة الطبية والصحية، كموقع  »إقامة الطب بالجزائر«  الموجه للطلبة المزاولين لتخصص الطب في كلية الطب بالجزائر. موقع  »جراحة العظام هدام«  الذي يهتم بالترويج لأجهزة الاصطناعية للأعضاء البشرية، مع مختلف الخدمات التي يقدمها لزبائنه باعتباره موقع ترويجي أكثر منه إخباري وخدماتي. وكذلك موقع  »مركز تصفية الكلى بحسين داي"، الجزائر، بدوره ينتهج الأسلوب الترويجي للموقع الآنف ذكره.

يهدف اعتماد هذه المواقع على أساليب الترويج لمنتجاتها الطبية ولخدماتها تحقيق الربح المادي، ونشر الوعي الوقائي عامة. ولو نجري مقارنة بسيطة بين المضامين التي تنشر أو تبث في الصحافة العمومية والخاصة عن الطب والصحة وحتى في بقية وسائل الإعلام الجماهيرية، فإنها تقدم مادة علمية ومعلومات موثوقة كما تسعى إلى نشر الثقافة الصحية في صفوف المجتمع بدرجة كبيرة وتعتمد على الترويج أحيانا من باب الإشهار لتحقيق هدفين أساسين أولهما إخباري وثانيهما تجاري يضمن استمرار المؤسسة في سوق الإعلام الوطني.

2.2. الرسالة الإعلامية والمعلومة الصحية بين التلقي والتطبيق

يتوقف نجاح العملية الاتصالية عامة والإعلامية عامة على مدى وصول المعلومة الصحيحة مع فهم محتواها مع تطبيقها في حالة تصنيفها في خانة النصائح والإرشادات ذات النفع العام في مختلف المجالات التي تتقدمها الصحية؛ لذلك تسهر مختلف الوسائل الإعلامية على صياغة مضامينها وفق أساليب تحريرية مناسبة وبأسلوب السهل الممتنع، كما تراعي مستوى جمهورها في إطار سياستها التحريرية. وبخاصة وأن الطب يتسم بوفرة المفاهيم والاصطلاحات المتخصصة لا يفهمها إلا ممارسي الصحة العمومية، لذلك فمن واجب الوسائل الإعلامية بمختلف قنواتها الاتصالية تبسيط هذه المفاهيم وتفسيرها بكل يسر لبلوغ عقول الجمهور المتلقي، لتحتل بذلك الوسائل الإعلامية مكانة هامة في المجتمع انطلاقاً من معالجتها الظاهرة الصحية.

يسعى القائم بالإعلام بتحرير الرسالة الإعلامية ذات المعلومة الصحية في صيغتها المحترفة والمتكاملة العناصر والبيانات والمعلومات وطرائق تقديمها للجمهور بعد تحليلها وتفسيرها؛ إلا أن ضمان وصولها عبر الوسائل الإعلامية المتنوعة القنوات والمضامين يتطلب اتخاذ المعايير التالية :

  • تحرير الرسالة الإعلامية الطبية بلغة سليمة وأسلوب بسيط، بهدف بلوغه أكبر قدر ممكن من الجمهور المتلقي.

  • الاعتماد على الوسائل الإعلامية الأكثر انتشارا وبخاصة تلك التي تتمتع بالمصداقية وسمعة طيبة في سوق الإعلام.

  • إسناد مهمة صياغة الرسالة الإعلامية الطبية للقائم بالإعلام بالنسبة للمضامين التي تصدر عن الوسائل الإعلامية الكلاسيكية منها والجديدة، وإلى إخصائيو الطب والصحة بالنسبة للقنوات الاتصالية الطبية المتخصصة التي يُشرف عليها مهني قطاع الطب والصحة.

  • الآنية في المعالجة اليومية للمواضيع الطبية والصحية ومواكبة المستجدات.

  • العمل وفق المصلحة العامة بجعل المعلومة الطبية متاحة للجميع.

  • تحقيق التعاون بين القائم بالإعلام وممارسي الصحة مع السلطات العمومية في تبني سياسة صحية ناجعة بالتركيز على موضوعية المعلومة وسلامتها من الاحتكار أو التكتم، وتطبيقها على نطاق واسع.

خاتمة

سعت الوسائل الإعلامية في الجزائر في تحقيق الإعلام والتثقيف الصحي لكل أفراد المجتمع لأن الصحة هي إحدى مشاغل المجتمع والسلطات العمومية معا، وعليه، فإن الإعلام الطبي الوطني منه أو الإعلام الجِواري بمختلف قنواته ولغات صدوره، وبثه ونشره، يعد جزءا من الحياة الصحية للفرد داخل محيطه؛ لكن تظل عملية نشر المعلومة الصحية، ودرجات تلقيها ومدى فعاليتها للتطبيق على أرض الواقع رهان لمجموعة والاعتبارات التالية :

  • توفر عنصر الكفاءة لدى القائم بالإعلام والاتصال من خلال التكوين المتخصص والمتواصل مع فتح تخصصات علمية ذات صلة بالإعلام الطبي بهدف وصول المعلومة الطبية والصحية السليمة.

  • تظافر السياسات المتعلقة بالصحة العمومية وممارسي مهنة الطب والصحة العمومية مع مختلف الوسائل الإعلامية ذات صلة بهدف تمكين الفرد الجزائري من فهم الرسالة الصحية بالشكل المناسب.

  • القضاء على المعوقات الرقمية التي تحول دون إيصال المعلومة الطبية والصحية وانتشارها الواسع بفتح مراكز التعليم وسنح فرص التكوين وإتاحة الوسائل التكنولوجية الحديثة بهدف التوعية، والتثقيف والتوجيه مع الوقاية.

.

أبو سمرة، محمد. 2007. الإعلام الطبي والصحي. دار الراية للنشر والتوزيع.

أحمد ريان باريان. 1425ه. دور وسائل الإعلام في التثقيف الصحي للمرأة السعودية بمدينة الرياض، المملكة العربية السعودية. رسالة ماجستير.

الخوري، نسيم. 2005. الإعلام العربي وانهيار السلطات اللغوية، لبنان : مركز دراسات الوحدة العربية، ط1.

السعيد أحمد، أشرف. 2013. تكنولوجيا المعلومات وإدارة الأزمات. مصر : الناشر. المؤلف.

جبران، مسعود. 1994. رائد الطلاب. لبنان : دار الملايين.

عبد الجبار، ناصر. 2011. ثقافة الصورة في وسائل الإعلام. القاهرة : الدار المصرية اللبنانية، ط 1.

محمد الحفناوي. 2014. الصحافة والتوعية الصحية. مصر : دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع.

محمد رجائي حسين. 1982. الطب وسيلة اتصال إعلامية. رسالة ماجستير. السعودية. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قسم الإعلام.

Lahdiri, Nadjat. 2022. “Photojournalism Ethic Between Constants And Variables”. Human sciences revue of Oum el Bouaghi university. Volume 9, N° 2, June 2022. Algeria : Oum el Bouaghi University. P.P. 629-640.

Niblock, Sara. 1984. Inside Journalism. UK : London.

نجاة لحضيري Nadjet Lahdiri

مركز البحث في علم الإنسان الاجتماعي والثقافي، وهران، الجزائر CRASC-Oran

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article