مقدمة المترجم
بحثت اللسانيات الحديثة في اللغة من جوانب عدّة وبمناهج ومقاربات مختلفة، محاولة تحقيق كفاية تفسيرية لبنيتها ولما يتعالق بها من قضايا، ويمكن إجمال زوايا هذا الطرح، في إشكاليتين جوهريتين: ما هي طبيعة اللغة؟ وما هي وظيفتها؟ تمخضت عن الإشكالية الأولى كل الدراسات البنوية والتوليدية التحويلية وعن الثانية الدراسات الوظيفية والتداولية. ومن بين الأسئلة المرافقة للإشكالية الثانية المتعلقة بوظيفة اللغة، سؤال مهم، هو: كيف يؤثر السياق في بنية اللغة؟ وهو سؤال طرحته التداولية، محاولة الوصول إلى بيان أشكال عمل السياق في بنية اللغة. لم تتوقف مناقشة هذا السؤال عند بيان طبيعة هذا العمل وهذا التأثير، بل فتح باب بحث لساني جديد ومهم شكّل فيما بعد منعرجا واتجاها لسانيا جديدا، ألا وهو اللسانيات الثقافية « Cultural linguistics »، لكن بصياغة جديدة تمثلت في: كيف تؤثر اللّغة في السّياق بمختلف أنواعه؟ وعلى رأس هذه الأنواع السّياق الثّقافي. فبدأت تبحث في بنية اللّغة في السّياقات المختلفة وبحثت في المقابل عن هذه السّياقات في بنى اللغة، عن طريق جهاز مفاهيمي متكامل. ولم تكتف بتحقيق الكفاية النّظرية بل تعدّت إلى محاولة الانفتاح على المجالات التطبيقية، كتعليم اللغات والتواصل بين الثقافات وتحليل الخطابات.
ومن أبرز مطوري هذا الاتجاه الباحث الاسترالي الجنسية الإيراني الأصل، شريفان فارزاد، « Farzad Sharifian »(1964-2020) أستاذ كرسي بجامعة موناش الاسترالية، حيث نشر دراسات كثيرة بسط فيها الجهاز المفاهيمي للسانيات الثقافية، وكيفية إجرائها في الميادين التطبيقية، من أهم هذه الكتب: اللسانيات الثقافية، اللسانيات الثقافية والمفهمة اللغوية، اللسانيات الثقافية التطبيقية. وغيرها البحوث والدراسات والمقالات. ومن بينها هذا المقال الذي يقدّم فيه شاريفيان فارزاد تعريفا ومقدمة نظرية للسانيات الثقافية. اختار المترجم ترجمته وتقديمه للقارئ العربي تعريفا بهذا الاتجاه، وذلك لقلة الأعمال المترجمة فيه. كما ترجم له المترجم أعمالا أخرى، منها: مناهج البحث في اللّسانيات الثّقافية، اللّسانيات الثّقافية. نشرت في مجلات جزائرية.
مقدمة المؤلّف
يشير مصطلح اللسانيات الثقافية ‘Cultural linguistics’ إلى مجال بحث ناشئ متعدد التخصصات يستكشف العلاقة بين اللغة والمفهمة والثقافة. ومع ذلك فإن المصطلح، بالمعنى الواسع، يلتقط جميع الأبحاث اللغوية التي تبحث في العلاقة بين اللغة والثقافة. في هذا المعنى الواسع للمصطلح، تحاول اللسانيات الثقافية فهم اللغة كنظام فرعي للثقافة ودراسة كيف تعكس السمات اللغوية المختلفة الثقافة وتجسدها. ويُقصد بـ « الثقافة » هنا بالمعنى الأنثروبولوجي، نظام المعتقدات الجماعية، ووجهات النظر العامّة، والعادات، والتقاليد، والقيم والمعايير التي يتقاسمها أعضاء مجموعة ثقافية. فالبحث عن العلاقة بين اللغة والثقافة له آثار كبيرة على مجالات اللسانيات التطبيقية التي تتطلب فهم اللغة كنظام راسخ في الثقافة. تشمل هذه المجالات التواصل بين الثقافات وتعليم / تعلم اللغات الأجنبية.
الاهتمام بدراسة العلاقة بين اللغة والثقافة ليس جديدا، يمكن إرجاعه إلى القرن الثامن عشر على الأقل: لفيلهلم فون هومبولت (1767-1835)، وفرانز بوا (1858-1942)، وإدوارد سابير (1884-1939)، وبنجامين وورف (1897-1941)، هم علماء بارزون أكدوا جميعًا على العلاقة بين اللغة والفكر والثقافة. كما تُعرف أكثر الآراء شهرة وإثارة للجدل في هذا المجال بفرضيات سابير ووورف، وهي تستند إلى العمل الذي أجراه سابير ووورف على لغات الهوبي الأمريكية. وخلصوا إلى أن المتحدثين بلغات مختلفة يفكرون بشكل مختلف ولديهم وجهات نظر مختلفة عن العالم. وهم يجادلون بأنه بما أن اللغات المختلفة « تشرّح » العالم بشكل مختلف، فإن بنية اللغة المنطوقة تحدد أنماط تفكير المتكلم. كما أنّ هناك نسخة أخف من هذه الفرضية، تُعرف بالنسخة الضعيفة، تنص ببساطة على أن اللغة والفكر والمعرفة مترابطان.
وضع عدد من اللغويين الأنثروبولوجيين الأمريكيين، في العقود الأخيرة، وأبرزهم ديل هايمز Dell Hymes وجون ج. جومبرز John J. Gumperz (انظر، على سبيل المثال، Gumperz & Hymes، 1972)، دراسة اللغة في سياق الثقافة والمجتمع، بإنشاء إطار لإثنوغرافيا التواصل، أو وسائل الاتصال المميزة ثقافيًا.
1. اللسانيات الثقافية باعتبارها متفرعة من اللسانيات المعرفية
ربما استخدم مصطلح « اللسانيات الثقافية » لأول مرة من قبل رائد اللسانيات المعرفية، رونالد لانغاكر Ronald Langacker، في حجة تؤكد على العلاقة بين المعرفة الثقافية والقواعد. وأكد أنّ « ظهور اللسانيات المعرفية يمكن أن يُبشَّر به باعتباره عودة إلى اللسانيات الثقافية. تعترف النظريات اللغوية المعرفية بالمعرفة الثقافية كأساس ليس فقط للمعجم، ولكن أيضًا للجوانب المركزية للقواعد »( Langacker, 1994, p. 31). ومع ذلك، ففي الممارسة العملية، اتفق علماء اللغة المعرفيون « السائدون » من خلال تركيزهم الرئيسي على البحث في العلاقة بين اللغة والمفهمة. لم يُتعامل مع دور الثقافة في تشكيل اللغة وتأثيرها على جميع مستويات اللغة بشكل كافٍ حتى نشر جاري بي بالمر Gary B. Palmer، عالم الأنثروبولوجيا اللغوية من جامعة نيفادا، لاس فيغاس، كتاب نحو نظرية اللسانيات الثقافية. في هذا الكتاب، جادل بالمر بأنّ اللسانيات المعرفية يمكن تطبيقها مباشرة في دراسة اللغة والثقافة. ركزت نظرة بالمر على فكرة أنّ « اللغة هي مسرحية الرموز اللفظية التي تستند إلى الصور » (Palmer، 1996، ص 3)، وهذه الصور مبنية ثقافيًا. كما جادل بأنّ الصّور المحددة ثقافيًا تحكم السرد واللغة التصويرية وعلم الدلالات والقواعد والخطاب وحتى علم الأصوات. فكشف عمله في اللسانيات الثقافية، استنادًا إلى تحليل حالات من لغات مثل تاغالوغ وكور دي ألين (على سبيل المثال، Palmer، 1996، 2003)، كيف أن الأدوات التحليلية الأساسية للسانيات المعرفية، مثل « المخطط » و « مخطط الصورة » و « الاستعارة المفاهيمية »، يمكن أن ترتكز على المعرفة الثقافية.
لقد استخدِم مفهوم « المخطط » (schema) على نطاق واسع في العديد من التخصصات، وقد أدى ذلك إلى فهم وتعريفات مختلفة للمصطلح. بالنسبة إلى اللغويين الإدراكيين مثل لانغاكر، تعد المخططات تمثيلات مجردة، بمعنى أن الاسم، مثلا، ينشئ مثيلاً لمخطط [[شيء X] / []]، بينما ينشئ الفعل مثيلاً لمخطط [[حدث X] / [] ]. ومع ذلك تعتبر المخططات، في النماذج الكلاسيكية لعلم النفس المعرفي، على نطاق أوسع بمثابة لبنات بناء المعرفة، تستخدم لتخزين المعلومات وتنظيمها وتفسيرها. من ناحية أخرى، يُنظر إلى مخططات الصّور على أنهّا بنى معرفيّة متكرّرة تنشئ أنماطًا من الفهم والاستدلال، وغالبًا ما تتشكل من معرفتنا بجسمنا وكذلك من التفاعلات الاجتماعية (على سبيل المثال Johnson 1987 )، ومثال ذلك، فهم الجسم أو أجزاء من الجسم كحاوية. ينعكس هذا الفهم في تعبيرات مثل قلب مليء بالسّعادة.
تُعرَّف الاستعارات المفاهيمية (Conceptual metaphors) على أنهّا بنى معرفيّة تسمح لنا بفهم مجال مفاهيمي من منظور آخر. على سبيل المثال، التّعبير الاستعاري الإنجليزي « كسّرت قلبي » يعكس الاستعارة المفاهيميّة للقلب كمكان للعاطفة (Lakoff and Johnson، 1980). جادل بالمر بشكل مقنع بأنّ كل هذه البنى المفاهيمية من المرجح جدًا أن يكون لها أساس ثقافي.
أكد عدد من اللّغويين الآخرين أيضًا على العلاقة بين اللّغة والثّقافة، وعلى الأخص ويرزبيكا Wierzbicka (1979)، الذّي قدّم مصطلح التركيبة الإثنية (انظر أيضًا Enfield 2002، Wierzbicka 1992). كما قامت ماثيو Mathiot (1979) بتحرير مجموعة من المقالات، والتّي أسمتها اللّسانيات الإثنية ethnolinguistics، حيث بحث المساهمون العلاقة بين اللّغة ورؤية العالم. شكّلت السّيميائيات الإثنية Ethnosemantics حقلاً فرعيًا من الأنثروبولوجيا منذ الستينيات على الأقل، وكان هدف علماء الإثنوغرافيا دراسة « الطرق التي تنظم بها الثقافات المختلفة مجالات المعرفة وتصنفها، مثل تلك الخاصة بالنباتات والحيوانات والأقارب » (Palmer، 1996، ص 19). حرّر جودارد Goddard،- وهو زميل مقرب من ويرزبيكا- كتابا جماعيا بعنوان Ethnopragmatics: Understanding Discourse in Cultural Context (Goddard، 2006) (التداولية الإثنية: فهم الخطاب في السياق الثقافي). قدم المساهمون في هذا الكتاب منظورًا ثقافيًا داخليًا لممارسات الكلام عبر اللغات المختلفة. يوجد هناك اتجاه آخر مؤثر في العمل حول العلاقة بين اللغة والثّقافة وهو ما يمكن وصفه بالمنّهج الاجتماعي الأنثروبولوجي / اللّساني الاجتماعي، متأثرًا بعمل العلماء مثل مايكل آغار Michael Agar. استخدم هذا الأخير (1994) مصطلح « الثقافة اللغوية » linguaculture بعد بول فريدريش Paul Friedrich’s (1989)، لوصف العلاقة بين اللغة والثقافة. بالنسبة لأغار، فإنّ « اللغة » تتعلق بالخطاب وليس بالكلمات والجمل فقط، والثقافة تكمن وراء المعاني. طوّر هذا العمل بشكل أكبر في معالجة ريساجر Risager’s (2006) لـ « الانفتاحات العالمية والتعقيد المحلي »، حيث تبحث العلاقة المعقدة بين اللغة والثقافة من منظور يتعدّى الحدود الوطنية، وتقدم نقدًا للحسابات المبسطة للغة والثقافة. يؤكد هذا الرأي على حقيقة أن « الممارسات اللغوية والثقافية تتغير وتنتشر عبر الشبكات الاجتماعية على طول طرق مختلفة جزئيًا، وبشكل جوهري على أساس أنماط الهجرة والأسواق الخارجية » (Risager، 2006، p. 2). يمكن تصنيف كل هذه المؤسسات كجزء من مجال اللسانيات الثقافية الواسع.!
ألهم اقتراح بالمر لنظرية، أو ربما لـ« نموذج »، في اللسانيات الثقافية عددًا من اللغويين الإدراكيين لفحص أسس اللغة في الثقافة بعمق. يتمثل أحد خيوط البحث الرئيسية في اللسانيات المعرفية في استكشاف كيفية تأصيل الاستعارة المفاهيمية في التجربة الجسدية (على سبيل المثال، 1980Lakoff and Johnson). يبحث، في هذا المجال، أولئك الذين يتبنون منظورًا لغويًا ثقافيًا كيفيّة اختلاف هذه الاستعارات المفاهيمية من لغة إلى لغة وكيف أن هذه المفاهيم لها جذورها في تقاليد ثقافيّة معيّنة مثل أنظمة المعتقدات العرقية والطّبية (ينظر على سبيل المثال، Sharifian، وآخرون، 2008) وYu 2009 A,B )).
طوِّر الاتجاه النظري الذي بدأه بالمر بشكل أكبر في عمل شريفيان (2011)، في شكل إطار متعدد التخصصات يعتمد على التطورات النظرية في العديد من التخصصات العامّة والتخصصات الفرعية، بما في ذلك اللسانيات المعرفية والأنثروبولوجيا المعرفية وعلم النفس المعرفي وعلم التعقيد، والمعرفة الموزعة، واللسانيات الأنثروبولوجية (انظر الشكل 1 لطبيعة النموذج متعددة التخصصات). هذا الإطار، المسمى بالمفهمة الثّقافية واللّغة، ينظر إلى اللّغة على أنّها راسخة بقوة في المعرفة التي تنشأ من التفاعلات بين أعضاء المجموعة الثّقافية. جانبان مهمان للمعرفة الثقافية هما المفهمة الثقافية واللغة. تُعرَّف المفهمة الثقافية على أنها بنى مفاهيمية مثل « المخططات » و« الفئات » و« الاستعارات المفاهيمية »، والتّي لا توجد فقط على المستوى الفردي للمعرفة ولكنها تتطور أيضًا على مستوى أعلى من المعرفة الثقافية، حيث يتفاوض عليها باستمرار أجيال من المتكلمين داخل جماعة ثقافية معينة، عبر الزمان والمكان. يتمّ توزيع هذه المفهمة الثّقافية بشكل غير متجانس عبر أعضاء الجماعة الثّقافية، بمعنى أن الأفراد لا يتشاركون تمامًا جميع عناصر المفهمة التّي تعتمد عليها المجموعة بأكملها. وهنا اللّغة هي وسيلة أساسية لترميز المفهمة الثقافية وتوصيلها، وهي بمثابة بنك ذاكرة للمفهمة الثقافية لجماعة ثقافية معينة.
2. مجال اللسانيات التطبيقية
الشكل 1. الطبيعة متعددة التخصصات لنموذج المفهمة الثقافية واللغة.
1.2. أمثلة لأسس اللغة في المفهمة الثّقافية
للاستشهاد بمثال على أسس اللغة في المخططات الثقافية، فإنّ الكلمات اليوميّة مثل « الأسرة » و« المنزل »، عند استخدامها في اللغة الإنجليزية للسكان الأصليين، ترتبط بالمخططات والفئات الثقافية للسّكان الأصليين. مفهوم « الأسرة » يفسح المجال لأنظمة معقدة من الفئات والمخططات في اللغة الإنجليزية للسكان الأصليين والتي قد تكون مبهمة للأنجلو أستراليين2011)، .(Sharifian الفئة الثقافية العامة للعائلة عادة ما تتجاوز فئة الأسرة النواة وتلتقط الأسرة الممتدة بما في ذلك أبناء العم وأبناء الخال، وما إلى ذلك. « قد يشمل الأشخاص الذين يصنفهم أنجلو أسترالي على أنهم » أبناء عمومة من الدرجة الثانية « . أنظمة القرابة لدى السكان الأصليين هي أنظمة »تصنيفية« ، (Tonkinson 1998)، حيث قد يشير مصطلح »الأب« ، مثلا، إلى الأب بالإضافة إلى إخوة الأب، وقد يشير مصطلح »الأم« إلى الأم بالإضافة إلى أخوات الأم، وفي بعض الحالات أخ الأم وحتى أبناء عمومتها. والنتيجة الطبيعية هي أن أبناء عمومتهم يُنظر إليهم ويُطلق عليهم »الأخ« و »الأخت« ، أو »ابن العم« و »ابن الخال« .
ترتبط كل فئة من هذه الفئات، على مستوى المخطط، بالمخططات المعقدة التي تجسد المعرفة حول السلوك والالتزام. كل مصطلح قريب »يحمل في طياته التزامًا بمراعاة قواعد سلوكية معينة معروفة للجميع، وهذا يجعل من السهل على التفاعل المضي قدمًا في خطوط محددة جيدًا، بغض النظر عما إذا كان الشخص الذي تمت مواجهته محبوبًا أو مكروهًا أو معجبًا به أو خائفًا« (Tonkinson 1998: 151p). تجسد المخططات الثقافية للسكان الأصليين للأسرة قواعد سلوكية مثل القيود المتعلقة بـ »المصافحة، المزاح، التواصل بالاسم، التواصل المباشر بالعين، تمرير الأشياء من يد إلى يد، زيارة بيت الشخص الآخر، الجدل، التلميحات الجنسية « (Tonkinson 1998: 153p ).
وكمثال على كيفية تحكم المفاهيم الثقافية في الأدوات النحوية، يتطلب التصنيف الثقافي في لغة السكان الأصليين الأسترالية »مورينه-باثا" عشر فئات أسماء،(Walsh 1993) . تحُدد هذه الفئات من خلال علامات فئة الاسم التي تظهر قبل الاسم. تعطي القائمة التالية علامات الفصل مع الفئة المرتبطة بها (Walsh 1993: p.110):
تشير إلى السكان الأصليين وإلى الأرواح البشرية. |
kardu |
تشير إلى السكان غير الأصليين وجميع الرسوم المتحركة الأخرى ومنتجاتهم |
ku |
تشير إلى السوائل الصالحة للشرب (على سبيل المثال، « المياه العذبة ») والمصطلحات الجماعية للمياه العذبة (على سبيل المثال، « المطر »، « النهر » ) |
kura |
تشير إلى زهور وثمار نباتية وأي خضروات، وإلى البراز أيضا |
mi |
تشير إلى الرماح |
thamul |
تشير إلى الأسلحة الهجومية (أو الأسلحة الدفاعية)، وإلى الرعد والبرق، وأوراق اللعب |
thu |
النار والأشياء المرتبطة بالنار |
thungku |
المكان والموسم (على سبيل المثال، وقت العشب الجاف |
da |
الكلام واللغة والمفاهيم المرتبطة به مثل الغناء والأخبار |
murrinh |
فئة متبقية تشمل كل ما لا يتناسب مع الفئات التسع الأخرى. |
nanthi |
نظام تصنيف الأسماء هذا مترسخ في المفهمة الثقافية لمرينه باثا. يجادل والش لحقيقة أن المياه العذبة والنار واللغة لها فصول منفصلة تشير إلى المكانة البارزة التي تحتلها كل واحدة في ثقافة مرينه باثا. تكشف هذه الأمثلة بوضوح كيف يمكن للغة أن تعمل كموقع أرشيفي للمفهمة الثقافية، سواء بقيت هذه المفهمة على المستوى الواعي للمتحدثين أم لا.
2.2. تطبيقات اللّسانيات الثّقافية
كما ألهم اقتراح بالمر « للسانيات الثقافية » الدّراسات التّي طبّقتها في مجالات تطبيقية مثل التواصل بين الثقافات وتعلم اللغة الثانية. نظِّمت جلسة علمية بعنوان « اللسانيات الثقافية التطبيقية »“Applied Cultural Linguistics” كجزء من المؤتمر الدولي الثامن للسانيات المعرفية، بجامعة لاريوخا، إسبانيا في عام 2003. وقد أدى ذلك إلى نشر مجلد محرر بنفس العنوان (Sharifian & Palmer 2007) . ركزت المساهمات في هذا المجلد على اليابانية والصينية والعربية والفارسية وإنجليزية السكان الأصليين والإنجليزية الأفريقية. قدمت الدراسات في هذا المجلد بشكل جماعي أدلة حول كيفية تعلم لغة ثانية (أو مجموعة متنوعة من اللغات) متضمنة تعلم نظام مفاهيمي جديد بما في ذلك المخططات الثقافية الجديدة والاستعارات المفاهيمية ومخططات الصور. على سبيل المثال، بحث الفصل الذي كتبه نينغ يو Ning Yu المفهمة الصينية للقلب في سياق الطب الصيني التقليدي والفلسفة (انظر أيضًا Yu 2009 B ). يؤكد يو أنّ النّموذج الثّقافي الصّيني للقلب يؤدي إلى استعارات تصور القلب ككيان مادي (على سبيل المثال، القلب هو حاوية)، جزء من الجسم (على سبيل المثال، القلب هو حاكم الجسد)، وموقع الأنشطة العاطفية والمعرفية (على سبيل المثال، القلب باعتباره بيتًا لجميع العمليات العاطفية والعقلية). تقارن هذه المفهمة مع ثنائية القلب والعقل التي تميز الثقافات الغربية. وهكذا، يوضح يو أنّ المخططات الثّقافية تنافس المخططات الجسدية كمصادر للاستعارات المفاهيمية. أما بالنسبة للآثار المترتبة على ملاحظاته، فقد اعتمد يو على أفكار الطلاقة المفاهيمية والكفاءة المجازية التي طورها دانيسي (على سبيل المثال Danesi 1995). اقترِحت فكرة « الكفاءة المجازية » ‘metaphorical competence’ كإضافة إلى المفاهيم الأكثر تقليدية « الكفاءة التواصلية » و « الكفاءة اللغوية ». الفكرة هي أنّ الأساس المجازي للغة التي سيتم تعلمها، والمستمد إلى حد كبير من النماذج الثقافية، يجب أن يكون واضحًا للمتعلمين لمساعدتهم على تحقيق الطلاقة على المستوى الثقافي - المفاهيمي. يؤكد يو في حالة متعلمي اللغة الثانية للغة الصينية، أن التحديد الواضح للاستعارات المفاهيمية الصينية، مثل تلك المرتبطة بالقلب، يسهل تعلم اللغة الثانية ويمكّن متحدثي اللغة الثانية من تجنب سوء الفهم في التواصل بين الثقافات.
كما اعتمِد المنهج اللساني الثقافي مؤخرًا من خلال دراسة التواصل بين الثقافات. على سبيل المثال، بحث شريفيان (2010) التّواصل بين الثّقافات بين الأستراليين من السّكان الأصليين وغير الأصليين ولاحظ كيف أن الافتقار إلى الإلمام بالمفاهيم الثقافية التي يعتمد عليها المحاورون أثناء التّواصل بين الثّقافات يمكن أن يؤدي إلى سوء التّواصل، مما يؤدي إلى إلحاق الضرر الشديد بالمتحدثين من المجموعات الأقل قوة في سياقات مثل في قاعة المحكمة والفصول الدراسية. فيما يلي مثال استشهِد به في( Sharifian 2010) من محادثة واقعية مع متحدث باللغة الإنجليزية للسكان الأصليين، والذي كان يعتمد على مخطط ثقافي روحي للسكان الأصليين: قالت أختي، « عندما تذهب إلى هذا البلد، لا تسمح لهم بالتقاط صورة لك، يمكنهم عمل سحر لك. »
كلمة « سحر » في الجملة أعلاه تجسد المخطط الثقافي للسكان الأصليين لـ « السحر »، وبموجب ذلك، عندما يقع رجل في حب فتاة، قد يحاول الحصول على بعض خصلات شعرها، أو صورة، أو شيء مشابه من أجل « سحرها »، تعويذة طقسية. من المفترض أن يؤدي « السحر » إلى جعل الفتاة تتجه إلى الشخص الذي « سحرها »، وقد يؤدي رفضها لفعل ذلك إلى معاناتها من مرض خطير أو حتى مميت. قد يؤدي عدم الإلمام بهذا المخطط الثقافي إلى إرباك أو خلق سوء تفاهم لدى المتحاورين الذّين يستمعون إلى البيان المقتبس أعلاه.
خاتمة
بالإضافة إلى مجالات علم اللغة الثقافي التطبيقي التي نوقشت أعلاه، يقدم شريفيان (2011) العديد من الدراسات حيث اعتمد إطار المفهمة الثقافية لاستكشاف موضوعات ذات طبيعة تطبيقية في التداولية عبر الثقافات، واللغة الإنجليزية كلغة عالمية، والخطاب السياسي. تكشف دراسته المتعمقة للردود التكميلية باللغة الفارسية كيف يمكن لسن أفعال الكلام أن يسكن في المخططات الثقافية التي طوِّرت منذ فترة طويلة كجزء من المعرفة الثقافية لمجتمع المتكلمين. أما بالنسبة لاستخدام اللغة الإنجليزية كلغة عالمية، فقد لوحظ أن اللغة الإنجليزية يتم تبنيها بشكل متزايد من قبل المزيد والمزيد من المجتمعات حول العالم للتعبير عن مفاهيمهم الثقافية، بدلاً من تلك الخاصة بالمتحدثين باللغة الإنجليزية، وهذه الحقيقة لها تداعيات خطيرة على مجال تدريس اللغة الإنجليزية (ELT). أمّا في مجال اللّغة والسّياسة، فغالبًا ما يستخدم الخطاب الذي ينتجه السّياسيون وحول السّياسيين والأحداث السياسية استخدامًا مكثفًا للغة التصويرية المشكَّلة ثقافيًا، ولا سيما الاستعارة والكناية. عندما يُترجم هذا الخطاب حرفيًا، غالبًا ما تكون النتيجة تحريفًا مقصودًا أو غير مقصود للخطاب الأصلي. وبشكل عام، يبدو أن منهج اللسانيات الثقافية في مجالات البحث التطبيقي واعد للغاية، على الرغم من أن مثل هذه الدراسات قد بدأت للتو في الظهور في هذه المرحلة. أطلق جون بنجامين John Benjamins مؤخرًا سلسلة كتب جديدة بعنوان الدّراسات اللّغوية المعرفية في السّياقات الثّقافية، والتي تعزز وتنشر البحث في اللّسانيات الثّقافية.